وأد السحر والشعوذة

قضائيات ينتشر بين الحين والحين أخبار السحرة والمشعوذين؛ يُلَبِّسُون على الناس دينهم ويُفسِدون عليهم عقائدهم، يسلبون الأموال من العامة والسُّذَّج الأغرار المخدوعين، وينتهكون أعراض النساء الغافلات، ويُدخلون في أنساب الناس ما ليس لهم ولا منهم وقد يصفون للمغترين بهم عقاقير تأتي على أرواحهم، أو عقولهم، أو تُعَطِّلُ منافعهم أو بعض حواسهم.



وهم بذلك ينتهكون الحصن الحصين، الذي حفظته الشريعة للناس أجمع؛ من رعايتها للضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، العرض، المال.



ولقد اشتهر لدى العامة حضور بعض السحرة والمشعوذين إلى بلادنا الآمنة المطمئنة بتأشيرات الحج والعمرة، ثم يتخلفون لتحقيق مآربهم؛ لا يبالون إن قبض على بعضهم وأدخل السجن سنة أو سنتين؛ فهم قبل القبض عليهم قد جمعوا من الأموال ما يكفيهم أضعاف مدة عقوبتهم.

= وقد ينجون؛ فلا يعثر عليهم قبل مغادرتهم.

= وقد يَسْلَمُونَ بأنفسهم قبل القبض عليهم.



وهذا الذي يدعوهم إلى المعاودة مرَّات ومرَّات؛ ما دامت العقوبة لا تردع أمثالهم، ولا تمنعهم.

والساحر ليس كالمشعوذ - وإن كانت الغاية منهما واحدة - فالساحر يتسلَّط على بني آدم بما يكون به كافراً؛ قال الله سبحانه { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ } الآية.



وروى البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ * اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا هُنَّ؟. قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ *

فقدم المصطفى صلى الله عليه وسلم: النهي عن السحر على النهيِ عن القتل وما بعده من الموبقات السبع. إظهاراً لخطره وضرره.



وقَالَ الإمام مَالِك رضي الله عنه في الموطأ: السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ: هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ { وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ }، فَأَرَى: أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ؛ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ.



وروى الترمذي: عَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ *

قَالَ أَبُو عِيسَى: .. .. ، وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدَبٍ مَوْقُوفٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ .. ..



وروى الإمام أحمد وأبو داود: عَنْ بَجَالَةَ: أنه قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ؛ عَمِّ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، إِذْ جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ! قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ ( اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَانْهَوْهُمْ عَنْ الزَّمْزَمَةِ )؛ فَقَتَلْنَا فِي يَوْمٍ ثَلاثَةَ سَوَاحِرَ .. .. ).

هذا ما يجب في حق الساحر.



أما المشعوذ الدجال: فهو الذي عناه الإمام مالك رضي الله عنه بأنه: الذي لا يسحر، وإنما الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ لَهُ غَيْرُهُ بأمره.

قلت: ومثله: الذي يخدع الناس بادعاء المعرفة بالأمراض الظاهرة، والأدواء الباطنة من ادعاء: معرفة العين، ومن أصاب بها، والسحر، ومن قام بعمله؛ ثم يقوم بعلاج ذلك بالطلاسم والألاغيز، يبتز - بتلك الحيل - أموال المغفلين المغترين بألاعيبه وحيله، ويغري بالعداوة بين القرابات بنسبة السحر المزعوم إلى بعضهم على بعض، فيؤدي في نهاية الأمر إلى ما يسعى إليه الساحر من التفريق بين المرء وزوجه، ونحو ذلك.



فالساحر في محاربته لله ورسوله وعبادته للشياطين: أشبه ما يكون بقاطع طريق، مجاهر، مكابر، سالب للأموال، منتهك للأعراض، والمشعوذ: مثله في الغاية، مختلف عنه في الوسيلة؛ فهو أشبه ما يكون بالسارق المخادع المتلصص. وكلاهما مفسد في الأرض، محارب لله ولرسوله.



وإن كان الساحر حقه في الشرع القتل، فلا أقل من أن يكون حق المشعوذ الدجال قطع اليد والرجل من خلاف؛ لإفساده.



ولو صدرت الفتوى بلزوم قتل الساحر وقطع المشعوذ من خلاف: لانحسر بذلك مَدُّ السحر والشعوذة المتنامي في ديار الإسلام، ولما أقدم على أيٍ منها من يعرف عاقبتها؛ من المتشبعين بما لم يُعْطَوا من الرقاة والقرَّاء المتأكلين بتطببهم ورقاهم.



مثل ذلك: ما قامت به هيئة كبار العلماء الموقرة من تقرير: قتل مهرب المخدرات ومن في حكمه، وكذا: مروِّجها؛ إذا تكرر منه ذلك.

= وكذا: من يخطف النساء والأطفال بقصد فعل الفاحشة.

= وكذا: من يسطو بالسلاح على المنازل ونحوها؛ لسلب الأموال، أو هتك الأعراض.

فانحسر عن الأمة في هذه البلاد شر كبير؛ ببركة هذه الفتوى، وليست هذه بأول بركة علمائنا وسادة فقهائنا. وفقهم الله للخيرات.



والدعوة في هذه الوقفة: للهيئة الموقرة أن تفلق رؤوس السحرة والمشعوذين ومن في حكمهم بما يردعهم ويمنعهم من الإضرار بالمسلمين؛ في دينهم، وأنفسهم، وعقولهم، وأعراضهم، وأموالهم. وفق الله الجميع لكل ما يحبه الله ويرضاه .

-

-

-

-

- | عدد القراء : 4426 | تأريخ النشر : الاثنين 10 ربيع الأول 1429هـ الموافق 17 مارس 2008م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=188
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع