(( تأجير الأوقاف 99 سنة ))

تشريعات قضائية لازمة تنقسم الأوقاف إلى قسمين :-

1/ الوقف الخيري : وهو ما رُصِدَ ناتجه لأعمال البر ؛ سواء : محددة ، أو مطلقة . مثل : الوقف على بناء المساجد والمدارس والمشافي ، أو رعاية طلاب العلم وطباعة الكتب ، أو للإنفاق على المحتاجين .

2/ الوقف الأهلي : وهو ما رُصِدَ ريعه لأهل الموقف . سواء في ذلك : ذريته ، أو أيٌ من أقاربه .

ومن الملحوظ : كثرة الأوقاف الأهلية في بلاد الحرمين ، خصوصاً في : الأحساء ، واليمامة ، والقصيم .



ولعل السبب - في كثرة الأوقاف الأهلية على حساب الوقف الخيري في هذه الأقاليم - هو أن ترادف الحكومات الظالمة على هذه الأقاليم في القرون ما قبل استقرار الحكم السعودي ، وقيام الحكومة اللاحقة منها بمصادرة ممتلكات كل من أعان أو عمل للحكومة قبلها ، وهكذا .. هو الذي جعل فقهاء تلك الحقبة يبتدعون لأصحاب الأملاك طريقةً تمنع من مصادرة أملاكهم بإثبات وقفيتها على ذراريهم أو أقاربهم ؛ حتى لا تخرج الممتلكات عن أصحابها الأصليين ؛ لأن الحكومات المتعاقبة على هذه الأقاليم في الغالب مسلمون ويعلمون عقوبة تبديل الوقف أو الاستيلاء عليه ، ولذلك سيمتنعون عن مصادرتها .

فكان أن انتشر هذا المخرج للمحافظة على سلالات الإقطاعيين في هذه الحواضر بذات المكانة والقوة الاقتصادية التي كان عليها أسلافهم .

قريباً من هذا قال المؤرخ : (فاسيلييف) الروسي في كتابه عن جزيرة العرب ؛ مستنداً على تقارير المخابرات الأنجلوهندية في القرنين الماضيين .



وأياً كان الأمر فقد ظهر الوقف الأهلي في هذه الأقاليم وطغى على الوقف الخيري ولا يزال ، مع أن هناك دعوات من بعض المهتمين بالبحث الشرعي لتحويل الأوقاف الأهلية إلى أوقاف خيرية تشرف عليها الدولة ؛ لعدة أسباب :-

1/ أن أغلب الأوقاف الأهلية مهملة وخربة ولا يستفاد منها ؛ لأن استصلاحها يحتاج إلى أموال باهظة قد لا يتمكن الولي من تأمينها ولا من تحصيلها من ريع الوقف .



2/ أن الوقف يشترك في استحقاق ريعه غير واحد ، ويزداد المستحقون كلما بعد العهد بزمن الموقف ، فيكون مدعاة لضآلة ما يعود من ريعه على أفراد المستحقين ، فتضعف الهمم لعمارته .



3/ أن وجود تلك الأوقاف في الأحياء القديمة يجعلها - بوضعها الخرب - مكاناً للأوساخ ومأوى للحيوانات الضارة وملجأً لممارسة أنواع من الانحرافات الاجتماعية .



4/ أن الجهات الحكومية المشرفة على الأوقاف الخيرية هي الأقدر على دمج هذه الأوقاف واستثمار عوائدها في سُبُل البِرِّ التي تعود على الموقف بالأجر ، وعلى المجتمع بالخير والنماء .



5/ أن بإمكان وزارة الأوقاف التحري عن أقارب الموقف المستحقين ، وشمولهم بشيءٍ من عوائد الوقف ؛ احتراماً لشرط الموقف .



وقضيتنا في هذه الإطلالة تتلخص في الآتي :-

= في العام 1374هـ قام أحد الأولياء بتأجير وقفٍ خربٍ مدة تسعٍ وتسعين سنة بخمسين ريالاً ؛ تدفع للولي في نهاية كل عام من تأريخ العقد .



= استثمر المستأجر الوقف مدة أربعة عشر عاماً ، ثم باع مدته الباقية على آخر مقابل ثلاثة عشر ألف ريال إضافة إلى الأجرة السنوية التي تدفع للولي .



= قام المستأجر الجديد بعمارة الوقف الخرب بيتاً من دورين ، واستثمره مدة سبع عشرة سنة ؛ ليبقى له من مدة الإجارة قريباً من سبعين عاماً .



= اقتطعت الدولة الوقف والأملاك المجاورة له لبناء مدرسة عليها ، وقدرت تعويض الوقف بنحو مليون ريال ؛ ثلثه للبناء والباقي للأرض .



= اتفق المستأجر وولي الوقف على شراء بدلٍ بمجموع القيمة ، واختلفا في مكان البدل المراد شراؤه .



= عندما عرضت هذه القضية عليَّ في المحكمة قررت الآتي :-

1/ تسليم عوض البناء للمستأجر ؛ لكونه حقاً له ، ولا شأن للوقف ولا لوليه به ؛ فالوقف تم تأجيره أرضاً خربةً لا نفع فيها ؛ كما جاء في صك الإجارة .



2/ نظرت إلى عقد الإجارة بعدة مناظير :-

الأول : أن العقد - على فرض صحته - قد انفسخ بزوال العين المؤجرة ، والعقد إنما جرى على الانتفاع بذات العين لا بعوضها .



الثاني : أن المصلحة والغبطة - التي ينبغي رعايتهما عند التصرف في الأوقاف وأموال فاقدي الأهلية - غير موجودة في إقرار استمرار العقد على النحو الوارد في صك الإجارة مدة سبعين سنة قادمة لصالح المستأجر ، حيث لا يستفيد الوقف خلالها إلا خمسين ريالاً سنوياً !!!.

الثالث : أن إجارة الأوقاف مدة طويلة كالمدة التي في العقد (99) سنة تصرفٌ معيب ؛ لأن المدة الطويلة قد تأتي على الوقف بالفناء والضياع لتعاقب أجيال المستأجرين عليه ، مما قد يدفع بالجيل الأخير لادعاء ملكيته بحكم وضع اليد كابراً عن كابر .

الرابع : أن الوقف - عند نهاية المدة الطويلة - سيعود خراباً كما بدأ ، فكلما قربت نهاية العقد ضعفت الهمم عن إصلاحه ، ولذلك لا مصلحة ولا غبطة تُرتجى من ابتداء تأجيره مثل هذه المدد .

الخامس : نص كثير من أهل العلم ( الحنفية والشافعية ) على بطلان تأجير الوقف مثل هذه المدة .



لكل هذا فقد أفهمت المستأجر : أن لا حق له في طلبه استمرار عقد الإجارة على بدل الوقف المقتطع ، وأن على الولي السعي في صالح الوقف قدر استطاعته تحت إشراف المحكمة المختصة . واكتسب الحكم القطعية من محكمة التمييز بالقرار رقم 404/ 1 وتأريخ 18/ 7/ 1405هـ .



والتشريع القضائي المطلوب هو الآتي :-

1/ تمكين الأولياء من طلب فسخ عقود الأوقاف المؤجرة مدداً طويلة .

2/ منع قضاة التوثيق ( كتاب العدل ) من إجراء أو تصديق مثل هذه العقود .

3/ اعتماد كون تأجير الولي لا يسري على الولي بعده ؛ ما لم يكن في صالح الوقف .

4/ إعطاء المحكمة الحق في رفع مقدار الأجرة على المستأجر - كلما رأت ذلك في مصلحة الوقف - للإبقاء على لزوم مدة التأجير .

5/ تضمين عقود تأجير الأوقاف : أن العبرة بمصلحة الوقف في استمرار عقد التأجير أو قطعه أو زيادة الأجرة ؛ بحسب ما تراه المحكمة المختصة . والله أعلم

-

-

-

- | عدد القراء : 6882 | تأريخ النشر : الخميس 24 صفر 1430هـ الموافق 19 فبراير 2009م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=229
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع