حقوق القضاة المادية

قضائيات حظي القضاء في المملكة العربية السعودية برعاية حكومتها المباركة وبِسَعيٍ جادٍ من القيادة أعزها الله ، ولعلي لا أفشي سراً إن ذكرت ما دار بيني وبين معالي وزير العدل د. عبد الله بن محمد آل الشيخ ؛ يوم أن كنت عضواً في لجنة إعداد كادر رواتب القضاة الأخير ؛ حيث اقترحت إحداث مرتبة جديدة بين مرتبة ( رئيس محكمة أ ) ومرتبة ( قاضي تمييز ) لتضييق الفجوة بينهما ، يمكن تسميتها ( رئيس محاكم ) أو ( قاضي تمييز ب ) على أن يُخصص لها خمسين وظيفة على الأقل ، غير أن معالي الوزير حرص على سرعة اعتماد الكادر بإبقائه على حاله ، مع مراعاة تضييق الفجوة بزيادة الرواتب الدنيا حتى تتناسب المراتب ، فكان أن قامت اللجنة برفع نسبة الزيادة تصاعدياً ، مع زيادة سنوات العلاوة الدورية ؛ لتكون خمس عشرة سنة ؛ لأنَّ إحداثَ مرتبةٍ ما لابد أن يَمُرَّ عبر قنواتٍ معقدة تُطيلُ أمد إنفاذها .



وحديثنا اليوم عن الحقوق التي يحسن اعتمادها للقضاة ، والتي يحظى به غيرهم من قضاة الدول المتقدمة ومنها :

أولاً / الرعاية الصحية :

إذ القاضي في المدن الكبرى وأسرته يقفون اليوم في طوابير المستوصفات و المستشفيات الحكومية ، أو يتوجهون إلى مثيلاتها الخاصة طلباً للعلاج ، أما في المدن الصغيرة أو القرى النائية فلابد أن يَشُدَّ القاضي رحله لعلاج طِفلِهِ ، أو خادمته ، أو لعرض نفسه على طبيبٍ لأيِّ عارضٍ صحيٍ . وقد حَزَّ في نفسي خبرٌ تضمن مناشدة أسرة رئيس إحدى المحاكم المسؤولين يطلبون فيه التوسط لنقل فضيلته إلى أحد المستشفيات لعلاجه ؛ ولو كان للقضاة تأمينٌ طبيٌ لما احتاجت الأسرة الفاضلة لإعلان حاجتها تلك في صحيفة يومية .



ثانياً / بدل النقل :

إذ يتم تعيين القاضي أَوَّلَ أمره في أماكنَ بعيدةٍ يحتاج معها إلى سيارة نقلٍ قادرةٍ على تحمُّل ظروف البلد التي يعمل فيها ؛ سواءٌ : كانت جبليةً ، أو صحراويةً ، أو ريفيةً ، أو ساحليةً . ويتوجب عليه رعاية كونها تحتمل السفر من وإلى بلدته الأصلية في الإجازات والعطلات ، وبواقع أربع مرات في العام على أقل تقدير . فكان تأمين سيارة لكلِّ قاضي مطلباً ضرورياً وهاماً .



ثالثاً / السكن :

إن من المعتبر تخصيص سكن للقضاة ؛ بحيث إذا وفدوا إلى بلدٍ - حال التعيين أو النقل - يجدونه أمامهم ، وعند نقلهم يتركونه للخَلَفِ الآتي بعدهم ؛ حتى لا يُمضي القاضي وقته في البحث عن السكن ، وتأثيثه ، والمماكسة في أجرته ، ونقل الأثاث ، وفكه ، وتركيبه ، ونحو ذلك .



وإذا علمنا : أن أصغر مدينة - من بين عشرات المدن العسكرية في بلادنا اليوم - تحوي أكثر من ألف وحدة سكنية ، وأن جميع القضاة - في المملكة كلها - لا يتعدون الألف قاضٍ : فإننا نجزم - والحالة هذه – أنَّ سُرعة إنفاذ بناء تلك الوحدات السكنية كما أنه ممكنٌ ويسير ، فهو مطلبٌ ضروريٌ وهامٌ ؛ لكونه يخدم قطاع القضاء الذي هو أحد أهم قطاعات الدولة .

ومن اللائق الإشارة إلى أن جلالة الملك خالد بن عبد العزيز يرحمه الله أمر باعتماد صرف بدل سكن للقضاة عام 1398هـ ؛ إلا أن القضاة لم يُسعَدُوا بإنفاذ هذا الأمر السامي الكريم حتى هذه الساعة .



رابعاً / المراجع :

يحتاج القاضي لأداء عمله إلى تأمينِ مراجعَ فقهيةٍ ، وحديثيَّةٍ ، وأصوليةٍ ، ولغويةٍ ، وثقافيةٍ ، وحقوقيةٍ ؛ وبخاصة : القضاة في الأماكن النائية والبعيدة عن الحواضر الملأى بالمكتبات العامة ، كما يحتاج كل قاضٍ إلى تأمين جهاز حاسبٍ آليٍ ، واشتراكٍ في الشبكة العنكبوتية ( الأنترنت ) ؛ ليبقى على صلةٍ بكل جديدٍ في العالم ، وللتواصل مع زملائهم كما لمسته من كثيرٍ منهم بسبب هذه المقالات ، ومن لم يتقن التعامل مع الحاسب منهم فإنه يحتاج إلى دوراتٍ متخصصةٍ في استخداماته المتنوعة ، وكل ذلك من إعداد القاضي وتهيئته وتوفير عدته وعتاده اللازمة لإتقانه عمله كما هو مطلوب منه .



خامساً / السفر :

يضطر القاضي إلى السفر عِدَّةَ مرات كل عامٍ ؛ من وإلى بلده الأصلي ، أو إلى مكة المكرمة لأداء العمرة أو الحج ، وكثيرٌ من القضاة يلجأ إلى مسؤولي الخطوط أو إلى كبار المسؤولين في بلدانهم ؛ لإجراء تلك الحجوزات .

وإنَّ مما يُحَقِّقُ استقلالية القضاء أن يُصرفَ لكل قاضٍ بطاقة الفرسان من ( الفئة الذهبية ) ، فهي بطاقة تعطي صاحبها : أفضلية الحجز ، وزيادة الوزن ، والخدمة الذهبية المتوفرة في المطارات ؛ وذلك مما يليق بهؤلاء النَّفَر الذين لا يُرهقون المطارات جيئةً وذهاباً إلا بمعدل مرة واحدة في الشهر على أكثر تقدير ، وتوفير هذه الخدمة للقضاة لا يُثقل كاهل الدولة بشيءٍ ، غير أنها تغني القاضي عن تَكفُّفِ الآخرين .



سادساً / الخادم :

يحتاج القاضي إلى قضاءِ حوائجَ كثيرةٍ ؛ منها : اليومي ، والأسبوعي ، والشهري ، الأمر الذي يجعله مضطراً إلى مباشرة تلك الحوائج بنفسه ؛ مما يُلجِئُهُ إلى الاتصال بذوي التجارات وأصحاب الخدمات ، وقد يتعرض خلال هذا الاتصال إلى المحاباة أو الابتزاز ، ولا يليق ذلك بمنصبه الذي يجعله عرضةً للالتقاء بمن حاباه في المحكمة في يومٍ تالٍ ؛ مما يجعل الخادمَ حاجةً مُلِحَّةً ، وقد نص على ذلك الفقهاء في عصورٍ غابرة ؛ يوم أن كانت الحاجات نادرةً ، فكيف بحالنا اليوم!! .



إننا إذ نتحدث عن الحقوق إنما لنجعلها تقدمةً للحديث عن الواجبات ؛ من باب : أنَّ مِمَّا يَحسُنُ بالمُنصِفِ أن يُوَفِّرَ الحق الذي عليه قبل المحاسبة على الواجب الذي له ، وحينئذٍ سنرى كيف تكون محاسبة القضاة بعد تأمين حقوقهم والتعريف بواجباتهم . كان الله في عون الجميع . | عدد القراء : 6077 | تأريخ النشر : السبت 30 ربيع الأول 1427هـ الموافق 29 أبريل 2006م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=24
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع