(( تعديل حكم الغير ))

تشريعات قضائية لازمة يعرض للقاضي ما يستشكله في عمله مما لم يعهده من قبل ، وإذا تورط ولم يجد من ينير له طريقه اجتهد رأيه وتعجل باتخاذ قرار يظنه صائباً وهو خلاف ذلك .

ومما ينساق إليه القاضي في نظره القضايا أمورٌ تضطره إلى الوقوع في الخطأ أو التأخر في الحسم ، منها :-

أولاً/ الاسترسال مع المدعى عليهم فيما يفتحونه من أبواب - لتأخير الحكم عليهم - تولج القاضي في قضايا أخرى يتيه داخلها ، فلا يدري : كيف يغلق أبوابها؟، أو : كيف يعود من حيث أتى؟.

ومن المقرر شرعاً : أنه لا يجوز تأخير حقٍ متيقنٍ لأمرٍ مشكوكٍ فيه .



ثانياً/ مما اعتاده بعض القضاة خطأً : امتناع أحدهم عن استدعاء شهود أيٍ من طرفي الدعوى ؛ بحجة أن الشاهد لابد أن يحضر من تلقاء نفسه لأداء ما بذمته ، ومن العجيب : أن القاضي من هؤلاء يحكم على المشهود له إذا عجز عن إحضار البينة بدون طلبٍ من القاضي .

وبعض الشهود يحتاج - حقيقة - لورقة طلبٍ من المحكمة ؛ ليتمكن من الاستئذان من مرجعه ؛ مثل : عمال الشركات الكبرى ، وموظفي بعض القطاعات الصارمة في تطبيق أنظمتها على موظفيها .

وكنت أكتب - لمثل هؤلاء - ورقةَ جلبٍ ، فيها بعد السلام :

الأخ : فلان .. يذكر/ فلان .. (المدعي أو المدعى عليه) أنَّ لديك شهادة حول القضية التي بينه وبين/ .. بشأن/ كذا وكذا .. ، فإن صح ما ذكره عن شهادتك فاعلم أن موعد سماع الشهادة هو يوم/ كذا ، الموافق ../../؟؟14هـ . والله الموفق

وكان الشاهد يبرزها لرئيسه ليأذن له بالغياب ذلك اليوم ، ومتى حضر وأدى الشهادة أعطيناه ورقة إثباتٍ بالحضور ؛ محدداً فيها وقت انتهاء المهمة من ذلك اليوم .



ثالثاً/ من الأخطاء التي يقع فيها بعض القضاة : التعجل في تحليف أحد الأطراف قبل أوانه ، فتقع اليمين في غير محلها ؛ مما يوجب إلغاءها ، أو إلجاء الحالف لتكرار حلفه مرة أخرى ، وفي ذلك : إضرار به ، وتعريضه لشماتة خصمه ، ومن المعلوم : أن اليمين مما يتحاشاها ذوي المروءات ، ويبذلون في سبيل تجنبها ما لهم من حق مع أنهم فيها صادقون ، ولذلك جاء فقه السادة المالكية بعدم تحليف العدول من أهل العلم والعبادة ؛ إذا أنكروا ما ادُّعي عليهم به دون خلطة أو شبهة ، بل أوجب بعض الفقهاء : رد الدعوى على مثل هؤلاء ؛ لعدم انفكاكها عما يكذبها ، ولولا ذلك - عندهم - لاستبيح حمى الصالحين والثقات بالدعاوى الكاذبة ، ويمكن الاستدلال على كذب الدعوى بأربعة أمور :-

1/ سوء حال المدعين ، أو جهالة حالهم .

2/ صلاح حال المدعى عليهم ، والصلاح هنا : الصدق والأمانة .

3/ عدم البينة لدى المدعي .

4/ حرص المدعي على طلب يمين المدعى عليه .



وقضيتنا مما توافر فيها بعض ما تقدم ، وملخصها كما يلي :-

= البائع رجل كبير السن عصامي يملك مؤسسة كبيرة لبيع السيارات ، والبائع مع ورثة أبيه يملكون شركة متوسطة للمقاولات .



= اشترى المدعى عليه لنفسه سيارة من مؤسسة المدعي بنظام التقسيط ، ودفع من ثمنها نصف القيمة ، وتخلف عن سداد الباقي .



= كان لشركة المدعى عليه مقاولة مع شركة أرامكو ، فتنازلوا عنها لصالح مؤسسة المدعي بجميع ما لهم فيها من حقوق وما عليهم من واجبات .



= استلمت مؤسسة المدعي من أرامكو شيكاً ببعض قيمة المقاولة ، فزعم المدعى عليه أن هذا الشيك يمثل نسبة مشروطة على المدعي لقاء التنازل عن المقاولة ، وطلب من المدعي حسم باقي قيمة السيارة من ذلك الشيك ؛ لأنه حق له ولشركائه!!!.



= دفع المدعي بأن الشيك حق لمؤسسته ، وليس للمدعى عليه حق فيه ، فطلب القاضي من المدعى عليه البينة على أن له حقاً في الشيك ، فقرر عجزه عن إثبات ذلك .



= عند هذا الحد : كان على القاضي إنهاء القضية بأحد طريقين :-

أ/ الحكم على المدعى عليه بسداد باقي قيمة السيارة ؛ لإقراره بانشغال ذمته بها ، وإفهامه : بأن له مطالبة المدعي بما دفع به حول قيمة الشيك .

ب/ تحليف المدعي على أن ليس للمدعى عليه حقٌ في الشيك ، والحكم على المدعى عليه بتسديد باقي قيمة السيارة .



= لم يفعل القاضي شيئاً من ذلك ، بل كتب إلى شركة أرامكو يسألها : إن كان للمدعى عليه حق في الشيك ، فجاءت الإفادة سلبية ، مفادها : أنَّ الشيك لمن هو بإسمه ، ويخص المقاولة المتنازل عنها ، ولا دخل له بقيمة السيارة .



= سأل القاضي المدعى عليه : إن كان لديه بينةٌ على أن قيمة الشيك تخص الشركة التي يملك جزءاً منها ، فطلب ورقة رسمية من المحكمة ؛ لتمكينه من إحضار شهوده ، فرفض القاضي إعطاءه ورقة التبليغ المطلوبة .



= أبرز المدعي عقد تنازل شركة المدعى عليه عن المقاولة بجميع ما لهم فيها من حقوق وما عليهم من واجبات ، ولم يجد القاضي في العقد ذكراً للنسبة التي ذكر المدعى عليه أنها حق له ولشركائه في قيمة الشيك .



= أبرز المدعي أيضاً خطاباً موجهاً من شركة المدعى عليه لشركة أرامكو ، نص المقصود منها : نشعركم بتنازلنا عن قيمة عشرة في المائة 10% المحجوزة من فوائدنا بالمقاولة .



= طلب المدعى عليه يمين صاحب المؤسسة على أن قيمة الشيك حق خاص به ولا شأن للمدعى عليه ولا لشركائه به ، فأحضر القاضي صاحب المؤسسة وحلَّفه - احتياطاً - طبق ما طلبه المدعى عليه!!! ( هكذا جاء في الصك ) .



= حكم القاضي على المدعى بلزوم سداد باقي قيمة السيارة للمدعي ( وليته اقتصر على هذا ) ، بل حكم على شركة المدعى عليه : بأن لا حق لهم في قيمة الشيك . مع أن شركة المدعى عليه ليس لها حضور في الدعوى ، لا إدخالاً ولا تدخلاً ، والدعوى إنما نشأت وسارت وانتهت في مواجهة أحد الشركاء فقط ، ولم يحضر من يمثل جميع شركائها في أيٍ من مراحل الدعوى .



= رغم كل هذا : اعترض المدعى عليه على الحكم ، فاستدركت محكمة التمييز على القاضي صدور الحكم على شركة المدعى عليه بعدم استحقاق قيمة الشيك ، كما طلبت إلغاء اعتبار اليمين التي بذلها المدعي .



= أعدت المعاملة إلى محكمة التمييز للإحاطة بنقل القاضي ، ولِطلب الإفادة بشأن الإجابة عن ملحوظات الحكم ، فأعيدت بتفويضي بإكمال النظر في القضية .



= أحضرت الطرفين ، وتلوت عليهم ما سبق ضبطه ، فأقراه جملة وتفصيلاً ، وقررا : أن لا جديد لديهما غير ما تقدم ضبطه ، وطلبا الحكم في القضية .

= حكمت على الفور على المدعى عليه : بلزوم سداد باقي قيمة السيارة ؛ لأنه لا يُؤخَّر حقٌ مُتيقنٌ لحقٍ مشكوكٍ فيه ، وأن للمدعى عليه المطالبة بما يذكر أنه حقٌ له من المبلغ المختلف عليه لدى الجهة المختصة بنظره ، كما قضيت : بعدم اعتبار اليمين التي بذلها المدعي خلافاً للأصول الشرعية ، وصدق الحكم من محكمة التمييز بالقرار ذي الرقم 358/ق/1/ أ المؤرخ في 7/ 6/ 1411هـ .



والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-

1/ لزوم العناية بتطوير وتدريب القضاة على أسرع وأنجع الطرق المنهية للخصومة .



2/ الإسراع بإعداد البرامج التدريبية التطبيقية لأفراد القضاة ؛ خصوصاً من في مرحلة الملازمة منهم ؛ لتهيئتهم لولوج عالم الخصومات بثقة وعلم .



3/ تعجيل إنشاء دائرة الإرشاد القضائي على النحو الذي تحدثت عنه سابقاً على هذين الرابطين :

http://www.cojss.com/article.php?a=15

http://www.cojss.com/article.php?a=16



4/ العناية بتحديد المبادئ الشرعية ، وتعميمها على الفور على أعضاء السلك القضائي .



5/ تطوير الكفاءات في التفتيش القضائي ، وتوجيههم بالتركيز على إدارة القاضي لدفة القضية ، ووضع الدرجات بعدالة وإنصاف .



6/ وضع الحوافز للمبدعين من القضاة والمنجزين لأعمالهم بسرعة وإتقان .



7/ تعميم الأحكام المتميزة على القضاة للاسترشاد بالطريقة والأسلوب وطريقة الحوار . والله أعلم وأحكم





- | عدد القراء : 4823 | تأريخ النشر : الأربعاء 30 ذو القعدة 1430هـ الموافق 18 نوفمبر 2009م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=276
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع