التدريب القضائي .. المخاض ، والولادة !!!.

قضائيات كنت ولازلت أرقب توجه المجلس الأعلى للقضاء نحو برامج تدريب القضاة ( كيف ؟، ومتى ؟. ) ، وكان تحرك المجلس فيما مضى مكثفاً للغاية ؛ حتى أني خشيت أن يكون جعجعة بلا طحن ؛ بسبب التشتت والتخبط الذي وقع فيه المجلس عند اختيار الجهات التي تعامل معها المجلس في موضوع التدريب .

وقد تأكد لي ما خشيت عندما رأيت ما تمخض عنه المجلس من برامج تدريبية لكامل عام 1432هـ .

لقد سمعنا وشاهدنا العديد من الحفلات والاجتماعات المنقولة أخبارها بالصور في الصحافة المحلية ، وكان موضوعها : التدريب القضائي .

وعلى سبيل المثال :-

1/ تكوين فريق أكاديمي علمي للإشراف على برامج تدريب القضاة مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ( المعهد العالي للقضاء ) .

2/ توقيع مذكرة تفاهم مع ( المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ) بشأن تقنية المعلومات .

3/ توقيع مذكرة تفاهم مع ( معهد الملك عبد الله للبحوث والدراسات الاستشارية ) في جامعة الملك سعود ؛ إعداد حقائب تدريبية في المجالات التدريبية التي يحتاجها المجلس .



كل هذا : في الوقت الذي تجري فيه هذه الأنشطة التعاقدية دون إشراك مقام وزارة العدل المعنية الأولى بتحديد وصرف نفقات تلك الأنشطة ، وكأن المجلس يجد في ميزانيته ما يفي بتلك التعاقدات ، أو : أن المجلس الموقر وجد من يتحمل تلك النفقات من هبات وعطايا المحسنين .



لقد استغرق المجلس في إنجاز تلك الجعجعة سنتين وزيادة ، ثم تمخضت عن أربعة برامج ( تثقيفية ) لا صلة لها بالبرامج ولا بالدورات ولا بالتدريب القضائي ، لا من قريب ، ولا من بعيد ، وهذه مسمياتها :-

1/ مهارات الاتصال .

2/ تحليل المشكلات واتخاذ القرار .

3/ مهارات القراءة السريعة والتلخيص .

4/ مهارات تنظيم الوقت والتعامل مع ضغوط العمل .



هذه هي كامل ( البرامج القضائية !!!) هذا العام ، وعندما تفضل المجلس الموقر بتلك البرامج قرنها بتعليمات مشددة لحصول القضاة على هذه البرامج ، وكأن القضاة من المستفيدين من مساعدات منظمات الإغاثة الإنسانية المشرفة على مخيمات اللاجئين ومراكز إيواء النازحين في أواسط أفريقيا ، وهذه بعض الشروط المنظمة لفوز القاضي بتلك البرامج الجبارة :-

1/ مدة كل برنامج أربعة أيام فقط .

2/ لا يحق للقاضي الالتحاق بغير برنامج واحد من تلك البرامج خلال عام كامل .

3/ على القاضي تعبئة الأنموذج المعد لهذا الغرض ؛ لإجراء المفاضلة بين المتقدمين ؛ مما يعني : أن حصول القاضي على برنامج واحد في العام غير مؤكد ، فضلاً عن أن يكون إلزامياً .



وحتى لا نخرج بائسين ولا يائسين فإني أذكر قادة المجلس الموقر بالآتي :

1/ هل تعلمون أن دول الخليج العربي - غير السعودية - لديها معاهد قضائية مستقلة متخصصة في تقديم الدورات والبرامج التدريبية للقضاة ومعاونيهم .

2/ هل تعلمون أن البرامج التثقيفية - كالتي تمخض عنها المجلس - تزيد عن الخمسين برنامجاً لدى بعض دول الخليج .

3/ هل تعلمون أن البرامج القضائية - الخاصة بالقضاة - تعرف القضاة بنظرية العقد من منظور قضائي ، وبأحكام وضوابط التقاضي ، وبشروحات النظم القضائية كلٌ بحسب اختصاصه .

4/ هل تعلمون أن البرامج الأربعة المتمخضة عن تلك الاستشارات ومذكرات التفاهم والفرق العلمية الأكاديمية تُعطى - وجوباً - في جميع دول الخليج لأعوان القاضي من كتبة وخبراء ونحوهم .

5/ هل تعلمون أن لدى المجلس الأعلى للقضاء الفلسطيني موقعا تفاعلياً يرقى إلى أن يكون من المواقع العالمية قياساً على موقع المجلس الأعلى للقضاء السعودي .

6/ هل تعلمون أن القاضي لا يكون قاضياً حتى يأخذ دورات تدريبية خاصة من معهد الدروس القضائية التابع لمجلس القضاء الأعلى اللبناني .

7/ هل تعلمون أن البرامج التدريبية القضائية - لا التثقيفية - أكثر من مائة برنامج لدى المجلس الأعلى للقضاء اللبناني ، وكلها خاصة بالقضاة .

8/ هل تعلمون أن من ذكرتهم آنفاً هم قادة القضاء والقضاة في دول عربية لا ترقى ميزانياتها مجتمعة إلى نصف ميزانية بلادنا في عام واحد ، فأين احتمال الأمانة على الوجه المراد ؟.



وههنا إرشادات لمن أرادها :

1/ إن من يبرز في المجال غير القضائي - أكاديمياً أو برلمانياً أو دعوياً - ليس من اللازم أن يبدع في المجالات المعرفية الأخرى ؛ خصوصاً : في المجال القضائي .

2/ إن من يُبتلى بغير ما يُحسنه لابد له أن يلتمس مثلما عليه من ابتُلي بمثل ما ابتُلي به ممن صدق وأحسن ، من باب :



(( فَتَشَبَّهُوْا إِن لَمْ تَكُوْنُوْا مِثْلَهُمْ = إِنَّ الْتَشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلَاحُ ))



3/ حاولوا تخصيص وقت كافٍ للاطلاع على المواقع القضائية العربية ، فسترون ما يسركم .

4/ تواصلوا مع قادة القضاء العربي - ولو بصفة شخصية - فهم من صالحي الجلساء ، ولن تعدموا منهم خيراً ؛ فإما أن يُحذوكم ، أو : أن تبتاعوا منهم ، أو : تجدوا منهم ريحاً طيبة .

5/ إذا لم تكن إنجازاتكم بقدر الطموحات : فلعل السكوت خير من الإفصاح عنها ؛ فربما كشفت عورة ، أو أبانت عواراً ، وفي كلٍ شرٌ أَشَرُّ من ذي قبل .

6/ وأخيراً : من وجد من نفسه العجز عن احتمال أمانة أنيطت به : فليعلم أن الفشل ليس بعيبٍ في كل حال ؛ فقد يكون منطلقاً نحو نجاحٍ آخر ، ولكنه يكون عيباً كبيراً وخُسراناً فاضحاً متى ظن صاحبه أنه نجاحٌ وإحسانُ صُنع . والله الموفق



__________________ | عدد القراء : 5368 | تأريخ النشر : السبت 6 جمادى الأولى 1432هـ الموافق 9 أبريل 2011م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=306
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع