(( تأديب القضاة ))

قضائيات وردني ثلاثة استشكالات بشأن ما سبق نشره في مقالات الأسابيع الثلاثة الماضية ، وعناوينها : ( الكيل بمكيالين ) ، ( طريف ، أم عسير ) ، ( الإسعاف القضائي والتفتيش ) ، وللبيان أوضح الآتي :



أولاً/ إن اطلاع المجلس على أيِّ تجاوزٍ يُوجب المساءلة من أحد القضاة لا يُعطي المجلس صلاحية الغضِّ من طرفه عن ذلكم القاضي ، بل يجب عليه حتماً التحقُّق من المخالفة ، ثم التحقيق مع فاعلها ، ثم محاكمة القاضي تأديبياً ، ثم تقرير العقوبة العادلة في حقه ؛ بحسب ما جاء في المواد (55)،(58)،(59)،(60) من نظام القضاء .

- وهو ما ذكرته في مقالة ( الكيل بمكيالين ) وفقاً لأحكام النظام السالف ذكرها .



ثانياً/ تنقضي صلاحية المجلس في بحث مخالفة القاضي عندما يقدم استقالته إلى مرجعه ؛ بناءً على المادة (63)من نظام القضاء ، وهذا نصها : [ المادة الثالثة والستون : تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي ، ولا تأثير للدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية أو المدنية الناشئة عن الواقعة نفسها ] .

- وهذا ما ذكرته في مقالة ( الإسعاف القضائي والتفتيش ) . وهذان الأمران يوضحان سلامة ما جاء في كلتا المقالتين من الناحية النظامية ، ويجيبان عن استشكال طرأ على أحد المتابعين ممن يهمهم أمر القضاء .



ثالثاً/ لا يعني انقضاء الدعوى التأديبية براءة القاضي من آثار مخالفته إذا نشأ عنها دعوى جزائية ؛ كمشاركته في أعمالٍ تخريبية ، أو مباشرته لأيٍ من قضايا الرشوة أو التزوير أو التزييف ، أو إساءته استعمال سلطته ونحو ذلك من قضايا الحق العام ، ومثلها : ما لو تورط في قضايا ماليةٍ أو عقارية ونحوها من قضايا الحق الخاص ؛ بناءً على المادة (63) السالف ذكرها ، وهذا الأمر يوضح أن القاضي كغيره في الحقوق العامة والخاصة ؛ حتى بعد انقضاء الدعوى التأديبية بتقديم استقالته ، وفيه جواب عن استشكالٍ من أحد المحامين .



رابعاً/ إن أمر الوساطة الترغيبية والترهيبية ليس جديداً ، فقد سبق طَرحُها منتصف عام 1428هـ ، وكتبت في صحيفة الاقتصادية مقالة في حينها بعنوان ( اعتذر وإلا! ) ، وهي من منشورات مركز الدراسات القضائية التخصصي على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=53

- وتكرارها يعني استمراء مثل تلك التصرفات ، وإلا لما جُدِّدت ممارستها بعد نحوٍ من خمس سنين ، على الرغم من فشل المحاولة السابقة ، وهذا يجيب عن استشكال من عناهم أمر الوساطة وساءهم خبرها .





= هذا بشأن الاستشكالات ، أما ما يُمكن اتخاذه بحق القاضي من إجراءاتٍ وعقوباتٍ تأديبية لقاء ما يصدر منه من إخلالٍ بآداب وواجبات وظيفته : فهو على النحو التالي :-



أولاً/ التنبيه الكتابي من الرئيس المباشر للقاضي إذا اعتمد من مقام المجلس الموقر ، وهو ما نصت عليه المادة (58) من نظام القضاء .



ثانياً/ المحاكمة التأديبية بعد استيفاء جميع إجراءاتها ؛ كما جاء في المواد (58-66) من النظام نفسه.



ثالثاً/ وقف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته ( كف اليد ) بأمرٍ من دائرة التأديب وبشرط موافقة المجلس ؛ بناءً على المادة (62) وهذا نصها : [ المادة الثانية والستون : يجوز لدائرة التأديب - عند تقرير السير في إجراءات الدعوى - وبعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء أن تأمر بوقف القاضي عن مباشرة أعمال وظيفته حتى تنتهي المحاكمة ، وللدائرة في كل وقتٍ أن تُعيد النظر في أمر الوقف ] .

- وهذا الإجراء الاحتياطي التأديبي مشروطٌ - في هذه المادة - بأمور هي على الترتيب :-

أ- قيام الدعوى التأديبية.

ب- الأمر به من دائرة التأديب .

ج- موافقة المجلس .

د- أن لا يتعدى الوقف إلى ما بعد انتهاء المحاكمة ؛ ما لم يكن الحكم بإنهاء خدمة القاضي الموقوف .

- وكل قرارٍ يفتقد هذه الشروط الأربعة يُعَدُّ باطلاً لا عبرة به ، وتقع المسؤولية في اتخاذه وإعماله على فاعله ومن وافقه عليه .



رابعاً/ عقوبة اللوم ، وهي عقوبة يصدر بها قرارٌ من رئيس المجلس بناءً على المادة (67) ، ولابد لها من شرطين :-

أ/ صدور الحكم بها من دائرة التأديب بالإجماع أو بالأغلبية بعد محاكمةٍ مستوفيةٍ شروطها النظامية ؛ بناءً على المادتين (65)،(66) .

ب- أن يوافق المجلس بالإجماع أو بالأغلبية على إيقاعها في حق القاضي المخالف ؛ بناءً على المادة (7) .



خامساً/ عقوبة إنهاء الخدمة ، ولابد لها من ثلاثة شروط :-

أ/ صدور الحكم بها من دائرة التأديب بالإجماع أو بالأغلبية بعد محاكمةٍ مستوفيةٍ شروطها النظامية ؛ بناءً على المادتين (65)،(66) .

ب- صدور قرار من المجلس بالإجماع أو بالأغلبية باقتراح توقيع هذه العقوبة في حق القاضي المخالف ؛ بناءً على المادتين (7)،(90) .

ج- صدور أمر ملكي بتنفيذ هذه العقوبة ؛ بناء على المادة (67) .



سادساً/ التوقيف ( الحبس ) ، وهو إجراء يسبق المحاكمة التأديبية في العادة ؛ وبناءً على المادة (68) لابد لإيقاعه على القاضي من أربعة شروط هي على الترتيب :-

أ/ أن يُقبض على القاضي متلبساً بجريمةٍ ما ؛ جنائيةٍ كالقتل ، أو جزائيةٍ كالرشوة .

ب/ أن يُرفع أمره إلى المجلس خلال أربعٍ وعشرين ساعة من القبض عليه .

ج/ أن يصدر قرارٌ من المجلس باستمرار التوقيف وتحديد مدته .

د/ أن يكون توقيف القاضي المتهم في مكانٍ مستقلٍ عن أماكن التوقيف العامة .





= عند هذا الحد انتهى ما جاء به النظام السعودي بشأن تأديب القضاة ، ولم يشأ المنظم أن يُقرر عقوباتٍ في حق القاضي غير اللوم وإنهاء الخدمة ، مع أن أنظمة قضائية أخرى قد نصت على عقوباتٍ كثيرة ؛ منها :-

تنزيل المرتبة ، الحرمان من الترقية ، الحسم من المرتب ، الحرمان من العلاوة ، التحويل إلى وظيفة غير قضائية ، الإنذار ، وهو : غير التنبيه واللوم ، الإلحاق بدورة إدارية أو قضائية متخصصة.



- وإن من المناسب أن يعاد النظر في العقوبات القضائية في النظام السعودي ؛ لأن العقوبتين المنصوصتين لا تحققان العدالة تجاه تنوُّع المخالفات التي يتورط فيها القضاة ، ولأن من العدالة أن يكون لكل فعلٍ تقصيريٍ ما يناسبه من العقوبة ، ولأن المخالفات المتوسطة لا يكفي أن يُعاقب القاضي عليها بعقوبة اللوم ، كما لا تحتمل أن يُوقع على صاحبها عقوبة إنهاء الخدمة ، فكان لازماً أن يكون هناك عقوبةٌ أو عقوباتٌ متوسطةٌ تتناسب مع المخالفات المتوسطة .



- كما ينبغي الإشادة بالعقوبات الحضارية المتمثلة بإلزام القاضي المخالف بحضور دورةٍ تدريبيةٍ تتناسب مع مخالفته ، وهو أشبه ما يكون بالعقوبات البديلة المطبقة في حق الجانحين من غير القضاة .



http://www.cojss.com/vb/showthread.php?8732 | عدد القراء : 6777 | تأريخ النشر : الأحد 14 صفر 1433هـ الموافق 8 يناير 2012م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=343
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع