(( اختلال تنظيم الأعمال ))

نظاميات لم أكن أحسب أن يصل بنا الحال إلى تنظيم ما لا يمكن جمعه ، فننظم خرزات الفوضى في سلكٍ واحدٍ بأحجامٍ متفاوتةٍ وألوانٍ متباينة وأشكال متنافرة ، كما هو الحال في تنظيم أعمال الملازمين القضائيين ، وسأتحدث عن خمس إخلالات فقط .



الإخلال الأول/ جاء في صدر المادة الثانية من التنظيم ما نصه [ تؤلف في المجلس إدارة لشئون الملازمين متفرعة عن الإدارة العامة للشؤون الوظيفية للقضاة ] انتهى



- مع أن التنظيم خاصٌ بأعمال الملازمين ، ولا يتعداها إلى غيرها من الإجراءات الإدارية : فقد حشرت هذه المادة في التنظيم ، وهي خارجة عنه ، ولا تمت له بأي صلة ، فالتشكيل لا مكان له في هذا التنظيم ، لأن إنشاء الدائرة مكانه هيكلة المجلس التي ينبغي أن تسبق إعداد التنظيم ، ولها مراسيم خاصة بمثلها ، أذكر منها :-



1/ أن تعد أمانة المجلس دراسة وافية بما تراه لازماً لحسن سير العمل من الإدارات اللازم تشكيلها في المجلس .



2/ عرض الدراسة على رئيس المجلس ؛ للتوجيه بما يراه حيالها .



3/ عرض الدراسة على المجلس ؛ لإقرارها .



4/ رفع الدراسة إلى لجنة الإصلاح الإداري ؛ لاعتماد الهيكلة المقترحة .



5/ الرفع إلى المقام السامي ؛ لتوجيه وزارة المالية باعتماد الكوادر المطلوبة للهيكلة المعتمدة .



- هذه هي المتطلبات اللازمة لتأليف الإدارات المشرفة على تطبيق أي تنظيمٍ قبل إصداره ، ويكفي في تحديد الإدارة المعنية بأمر التطبيق ما ينص عليه عادة في المادة الأولى من كل تنظيم ، إضافة إلى أن التنظيم نص على أن إدارة شؤون الملازمين متفرعة عن إدارة شؤون القضاة وواقع الحال لا يدل على ذلك ، فمرجع إدارة الملازمين اليوم إلى أمين المجلس مباشرة .





الإخلال الثاني/ جاء في المادة الثانية من التنظيم النص على : أن إدارة شؤون الملازمين تؤلف [ من مدير ومساعد يختارهما المجلس من بين قضاة محاكم الدرجة الأولى ] انتهى



ومن المعلوم : أن تخصيص كون مدير الإدارة ومساعده من بين القضاة ليس مكانه التنظيمات التي تختص بوضعها جهة الإدارة ، بل مكانها هو الأنظمة التي تعنى بها الجهات التشريعية المختصة ، كما نص في المادتين (8) ، (72) من نظام القضاء على اشتراط كون أمين المجلس ووكيل الوزارة من رجال القضاء ، ولذا فإن الزج بهذا النص في التنظيم خلل ظاهر ؛ لعدة أمور :-



1/ أن فيه تفريغاً لقاضيين عن أعمالهما المناطة بهما أساساً ، وهي الحكم بين الناس .



2/ أن إدارة شؤون الملازمين ليست عملاً قضائياً ، بل هي إدارة يمكن أن يقوم بشؤونها خبير في علم الإدارة أو السكرتارية ، وليس حال الملازمين بأهم من حال القضاة ، ومع ذلك فإدارة شؤون القضاة يديرها موظفون من خارج السلك القضائي ، فأيُّ مزية للملازمين على القضاة حتى يجعل مدير إدارتهم ومساعده من القضاة دوناً عن إدارة شؤون القضاة ؟.



3/ أن استقلال المجلس بندب قاضيين لهذه الإدارة دون موافقة المقام السامي فيه افتياتٌ على صلاحيات ولي الأمر ، الذي اختص بالموافقة على ندب القضاة في المادة (49) من نظام القضاء .



4/ أن النص في التنظيم على كون المدير قاضياً وكذا مساعده تشريعٌ لا يفهم منه إلا إرادة القفز على أحكام ندب القضاة . ولعل إقحام هذه المادة في التنظيم كان لتسهيل أمر استصدار قرار بندب من أعد مسبقاً لهذا الغرض .





الإخلال الثالث/ جاء في المادة الثالثة من التنظيم بيان اختصاصات إدارة شؤون الملازمين ، وأن منها ما نصه [ أ/ الإشراف على ترشيح الملازمين ] انتهى



- وهذا الاختصاص للإدارة من الخطأ بمكانٍ ؛ لأن فيه اعتداءً صريحاً على ما يفترض أنه من اختصاص أعضاء المجلس المتفرغين ، وإذا كان ترشيح الملازمين من اختصاص الدائرة :



- فما الذي يقوم بعمله الأعضاء المتفرغون ؟.



- وما الفائدة من تفريغهم للعمل وهم مفرغون من مثل هذه الأعمال ؟.



- ثم ما دام أعضاء المجلس لا يد لهم في ذلك كله : ألا يمكن أن يكون سوء اختيار بعض الملازمين القضائيين ، وتوريطهم في العمل القضائي ، وتوريط القضاء وجهاز الدولة بهم كان بسبب ضعف المعايير التي بنت عليها تلك الإدارة ترشيحاتها ؟، أو بسبب سوء تطبيق الإدارة لتلك المعايير إن كان ثمة معايير أصلاً .



- إلا أن يكون المراد من هذا التنظيم بسط نفوذ أمانة المجلس على اختيار الملازمين ابتداءً؛ ليقتصر عمل أعضاء المجلس المتفرغين على التصويت بالموافقة على الترشيح أو رفضه.





الإخلال الرابع/ جاء في المادة السادسة من التنظيم ما نصه [ 2/ مدة الملازمة لمن فُرغ للدراسة من الملازمين وحصل على الدرجة المفرغ لها سنتان تبدأ من تاريخ مباشرته الملازمة في المحكمة ، وتعدان في شأنه سنتي التجربة ] انتهى



- وهذه المادة فيها اعتداء ظاهر على أحكام نظام القضاء، من ثلاث نواح :-



أولاً/ أعطت المادة (35) من نظام القضاء من يحصل على درجة الماجستير الحق في التعيين على درجة قاضي (ب) ، كما أعطت المادة (36) من يحصل على درجة الدكتوراه الحق في التعيين على درجة قاضي (أ) ، أما مادة التنظيم فقد تجرأت على مخالفة هاتين المادتين ، فأوجبت على من حصل على الدرجة المفرغ لها : أن يلازم مدة سنتين من تاريخ مباشرته الملازمة في المحكمة .



ثانياً/ إذا علمنا بأن من يحصل على الدرجة المفرغ لها يعين على درجة قاضي (ب) أو قاضي (أ) على النحو السالف: فهذا يعني أن مدة التجربة في حقه سنة واحدة بناء على المادة (44)، فمن أين لواضعي التنظيم جعلها سنتين ؟.



ثالثاً/ هذه المادة من التنظيم قد تعني : حرمان الملازم من حقه في الترقية إلى الدرجة التي يستحقها بعد حصوله على الدرجة المفرغ لها حتى ينهي مدة الملازمة المخترعة ، ولذلك : فإن إدراج هذا التناقض ضمن تنظيمٍ قضائي يؤدي إلى الفوضى ولاشك .



- فما الذي يُوصي به المجلس أن يكون حاكماً على الآخر ؛ نظام القضاء المعتمد ، أم هذا التنظيم المعيب ؟.





الإخلال الخامس/ جاء في التنظيم تناقضٌ غريبٌ ، فالفقرة الأولى من مادته التاسعة أعطت الملازم حق نظر القضايا ابتداءً أو إكمالاً ، والفقرة الثانية منعت من تكليفه بإكمال نصاب الدائرة المشكلة من قضاة .



- وهذا الحكم من أقبح المفارقات التي لا يحسن الوقوع فيها ، إلا أن يكون الاشتراك في الدوائر الثلاثية أكثر خطراً من الاستقلال التام بنظر الدعاوى في الدوائر الفرعية في نظر المجلس الموقر ؟.





= أما الإخلال بتصدير الملازم القضائي للحكم في القضايا ؛ فقد سبق الحديث عنه في مقالة سابقة بعنوان : (( أهكذا يُساس القضاء ؟. ))







http://www.cojss.com/vb/showthread.php?9568 | عدد القراء : 4565 | تأريخ النشر : الأحد 4 ربيع الثاني 1433هـ الموافق 26 فبراير 2012م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=350
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع