الرؤية السعودية بالمجهر

نظاميات بعد أن هدأت أصوات الطبول نعود إلى جملة وردت في حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي ولي العهد صاحب الرؤية السعودية.

وهي قوله (نحتاج نقدكم قبل ثنائكم).



عندما اطلعت على الرؤية السعودية وجدتها واحدة من رؤى إقليمية وعربية محددة بذات المدة الواردة في الرؤية السعودية 2030، وعلمت أن الشركة التي أشرفت على إعداد الرؤية السعودية هي ذاتها الشركة التي أعدت رؤى بعض دول المنطقة.



هذه الشركة الدولية تعتمد في دراساتها على مراكز دراسات داخلية وخارجية، وتقوم على تطعيمها ببعض التحليلات والاستنتاجات التي تلائم مجتمعات ذات مواصفات خاصة، قد لا تتلاءم مع مجتمعات ذات مواصفات مغايرة؛ خصوصاً: أن من يحللون ويستنتجون ويرصدون هم من خارج المجتمع المستهدف بتلك الخطط والبرامج والاستراتيجيات.



لاشك أن هناك مشتركات بين جميع المجتمعات، ومشتركات بين مجتمعات الشرق مثلاً دون الغرب، ومشتركات ثالثة بين دول الإقليم؛ لا يشاركها فيها سائر دول العالم، وهناك أيضاً خصوصيات للمجتمع السعودي لا يمكن إهمالها، ولا الإعراض عنها، ولا الإصرار على تغييرها بالقوة، بدلاً عن تهيئة الأسباب لها لتتغير من ذات أنفسها وبكامل إرادتها؛ دون إلجاء ولا إقصاء.



لم تهتم الرؤية بالجانب الاجتماعي للمملكة العربية السعودية كما ينبغي منها بحسب النظريات الاجتماعية المأمونة، بل اتخذت لها مقعداً مطلاً على المجتمع السعودي، وألقت إليه بحبلٍ لتنتشله من مكانه إلى حيث تخطط الرؤية، ولم تعمل على ترتيب التعايش مع المجتمع لتكشف له الطريق نحو الأهداف النبيلة في مستقبل أمره.



إن من طبيعة المجتمعات تطوير عاداتها وأنظمتها الاجتماعية بحسب ما تهيئه لها ظروفها واستعداداتها النفسية والاقتصادية والسياسية، وكلما تهيأت الأسباب أكثر زادت وتيرة التطور والتغيير، والشاهد على ذلك حقبة التسعينيات الهجرية - إبان حكم الملك خالد يرحمه الله - التي شهدت ثورة اجتماعية غير مسبوقة، دون تدخل ولا تخطيط من أحد، ولا تطبيق لرؤية ماكنزية ولا غير ماكنزية.



إن فرض الرؤى الاجتماعية على المجتمعات مصيره إلى الفشل؛ مهما تحقق لتلك الرؤى من المكاسب، وبنظرة فاحصة للتحولات الاجتماعية القسرية في مصر والشيشان والبوسنة وتركيا بعد الحرب العالمية الثانية نرى أن المجتمع أجبر عليها، وما إن ترك للمجتمع الخيار حتى عاد لما اختاره هو أولاً.



وبنظرة ثاقبة للرؤية الماليزية مثلاً نجد أن الجانب الاجتماعي ترك للمجتمع تحديد وقت ومدة تطوره وتغيير الكثير من عاداته، وخلال عشرين عاماً سار المجتمع بنفسه إلى ما يكتشف أنه خير له في حاضره ومستقبله، وبقي على ما أيقن أنه خير له في أمر دنياه وآخرته.



إن الرؤية السعودية 1452هـ - 2030م ذات نفس اقتصادي بحت، لم تهتم بالجانب النفسي ولا الروحي ولا الأخلاقي بالقدر الذي ركزت فيه على الاقتصاد والاقتصاد فقط، وأنى للشركة التي أعدتها أن تدرك هذه الأمور؟؛ وهي المعتمدة في مركزها الرئيس وفي الكثير من فروعها على من لا يعير أدنى اهتمام لتلك الأمور؛ إما لأنه: غير ديني في الأصل، أو لأنه: غير أخلاقي أصلاً، وإما لأنه: لا يريد لنا أن نتنبه للعناية بها ورعايتها.



ولإلقاء الضوء على بعض المضامين الواردة في الرؤية نشير إلى الآتي:-

أولاً/ إن الرؤية السعودية قد تخلت في ((وسمها)) عن التأريخ الذي تميزت به من بين دول العالم وهو التأريخ الهجري، فعمدت إلى تحديد العام المسيحي الميلادي 2030م بدلاً عن العام الهجري 1452هـ مثلاً.

ولست أرى داعياً للتحديد بالعام المسيحي الميلادي مادامت الرؤية خاصة بالداخل السعودي المعتمد على التأريخ الهجري، والمنصوص على اعتماده في دستور المملكة النظامي (النظام الأساسي للحكم)، ونصها [المادة الثانية: عيدا الدولة، هما عيدا الفطر والأضحى، وتقويمها، هو التقويم الهجري].

إن عنونة الرؤية بما يخالف الدستور موضع نقد ظاهر، لا ينبغي تفويته، ولا تهوينه.



ثانياً/ عند التعرض للمحور الأول من محاور الرؤية وهو المجتمع الحيوي ذكرت الرؤية ما نصه [تبدأ رؤيتنا من المجتمع، وإليه تنتهي، ويمثل المحور الأول أساساً لتحقيق هذه الرؤية وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي].

أي أن الاهتمام بالمحور الأول ليس لذاته، بل تأسيساً قاعدياً صلباً للازدهار الاقتصادي !.

إضافة إلى إغفال الرؤية النص صراحة على ما جاء في المادة التاسعة من النظام الأساسي للحكم أسوة بما أكدت عليه في الجوانب الاقتصادية، ونص المادة [الأسرة، هي نواة المجتمع السعودي، ويُربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن والاعتزاز به وبتاريخه المجيد].

وهذا ما يجعل المطلع على الرؤية يؤكد أن من أعدها مهتم بالجانب الاقتصادي لذاته.



ثالثاً/ عند الحديث عن المساكن ذكرت الرؤية أنها تسعى لرفع نسبة تملك المساكن 5% بحلول عام 1452ه - 2030م، أي بعد خمسة عشر عاماً، وبمعدل ستين ألف مسكن في العام الواحد.

وهذه النسبة ضئيلة جداً على رؤية حشدت الدولة لها الكثير من الأموال والإمكانات، ولو فسح المجال للشركات العقارية العالمية للاستثمار في المملكة لحققت أضعاف هذه النسبة كما هو مشاهد في بعض دول المنطقة؛ مثل تركيا التي استقطبت بأنظمتها الحيوية أموالاً سعودية استثمارية وغير استثمارية، وكذلك الحال في دولة الإمارات التي تكاد عدد الوحدات العقارية أن تزيد على عدد سكان البلد الأصليين.



رابعاً/ عند الحديث عن شركة أرامكو وتحويلها إلى شركة مساهمة بطرح نسبة 5% من أسهمها للاكتتاب العالمي أذكر بما نص عليه النظام الأساسي للحكم في [المادة الرابعة عشرة: جميع الثروات التي أودعها الله في باطن الأرض أو في ظاهرها أو في المياه الإقليمية أو في النطاق البري والبحري الذي يمتد إليه اختصاص الدولة، وجميع موارد تلك الثروات، ملك للدولة].



لقد كفانا الكثير من الكتاب عناء الثناء على الرؤية، مع أن الحاجة لنقدها مقدم على الثناء عليها كما قال سمو الأمير يحفظه الله. | عدد القراء : 3097 | تأريخ النشر : الأحد 24 رجب 1437هـ الموافق 1 مايو 2016م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=389
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع