رسالة قاضٍ سعوديٍ إلى بابا الفاتيكان
عام
تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم عن المؤمنين ( َهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ) ، ولأني من أدناهم . نسأل الله حسن الخاتمة : فقد رأيت الكتابة إلى عظيم النصارى ( بابا الفاتيكان ) بشأن ما حصل منه من قدحٍ في شخص ودين النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ، فأقول :
من : واحدٍ من مليارٍ ونصف المليار مسلم يدينون بالإسلام على وجه الأرض اليوم وفي قاراتها السبع ، ويؤمنون بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب نبياً ورسولاً .
إلى : عظيم الديانة المسيحية اليوم ، وكبير القسيسين والأحبار والرهبان النصارى : بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر .
السلام على من اتبع الهدى .
لن أُذَكِّرَكَ بما قلته في حَقِّ نبي الهدى عبد الله ورسوله : محمد صلى الله عليه وسلم ، فأنت أدرى من غيرك بما فُهْتَ به . غير أني سَأُذَكِّرُكَ بما نقله محمد عليه الصلاة والسلام عن ربه - تبارك وتعالى - بشأن دينك والنبي الذي جاء به إلى أسلافك صلى الله عليه وسلم ، فَأَرِعْنِيْ سمعك وبصرك ، لترى أنَّ من تعرضت له بالسوء لا يستحق منك ذلك على أدنى تقدير .
أولاً / لقد أنزل الله جل جلاله على نبيه محمد سورتين ؛ اسم الأولى ( آل عمران ) والثانية ( مريم ) وأنت ولاشك تعلم من هم هؤلاء المصطفين الأخيار ، ومع ذلك لم ينقل محمدٌ عن ربه أنه قد أنزل عليه سورةٌ تحمل اسم آل هاشم ولا اسم أيٍ من زوجاته ولا بناته عليه الصلاة والسلام .
ثانياً / جاء في الكتاب الذي أنزل على محمد : ذكرُ عمران والد مريم العذراء البتول ووالدتها عليهم السلام ؛ فقال تعالى في سورة آل عمران ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) . وذكر الله مريم العذراء البتول عليها السلام فقال في سورة آل عمران ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) .
ثالثاً / ذكر الله البشارة بولادة المسيح عليه الصلاة والسلام ومنزلته من ربه ، فقال في سورة آل عمران ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) ، وقال عنه سبحانه في الآية بعدها ( ومن الصالحين ) .
رابعاً / ذكر الله جل جلاله نسب عيسى عليه السلام ومهمته التي بعث من أجلها ، فقال في سورة النساء ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ (171) . وقال جل من قائل عنه وعن والدته عليهما السلام في سورة المائدة ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ (75) .
خامساً / ذكر الله معجزة المسيح وهو في المهد ؛ ليرفع عن أمه العذراء البتول عليها السلام ما رموها به من لا خلاق لهم ، فقال سبحانه في سورة مريم ( قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) .
سادساً / ذكر الله تهيئة المسيح وإعداده للقيام بواجبات رسالته ، فقال تعالى في سورة البقرة ( وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) الآيتين (87) ، (253) . وقال جلت عظمته في سورة آل عمران ( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) . وقال في سورة المائدة ( وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) .
سابعاً / ذكر الله ما أعطاه المسيح عليه السلام من البراهين الدالة على صدق رسالته وسبل حمايته وتأييده ، فقال جل جلاله في سورة المائدة ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111). وقال في سورة آل عمران على لسان المسيح عليه السلام ( وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) . وقال في سورة الزخرف ( وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ (63) .
ثامناً / ذكر الله بشارته للمسيح عليه الصلاة والسلام برفعه إليه لما مكر به الذين كفروا ، فقال جل جلاله في سورة آل عمران ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا (55) . وَكَذَّبَ الله الكافرين لما زعموا قتل المسيح عليه السلام ، فقال جلت عظمته في سورة النساء ( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) .
تاسعاً / أذكرك أخيراً بقول الله جل وعلا في وعده الصادق لمن يتبع المسيح عليه السلام في سورة آل عمران ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) . وبقول الحقِّ جل ثناؤه في سورة المائدة ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) . وقوله تبارك وتعالى في سورة الحديد ( وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ (27) . وقوله سبحانه في سورة البقرة ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) .
هل تعلم أيها البابا : أنَّ من لم يؤمن بعيسى من المسلمين فهو كافر بالله العظيم ، وكذا من لم يؤمن بسائر أنبياء الله ورسله ؛ قال تعالى في سورة البقرة ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) .
أرأيت أيها الحبر عظيم الفاتيكان : ما نقله محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه بشأن المسيح وأمه العذراء البتول عليهما السلام وبشأن دينه النصرانية وأتباعه النصارى .
قل لي بربك يا حبر النصارى الأعظم : هل يستحق هذا النبي الكريم منك ذلك البهتان الذي قلته فيه أو نقلته عن آخرين في حقه ؟.
لعلك تطلع على هذه الرسالة ؛ لتعلم أولاً حقَّ محمدٍ على كل مسيحيٍ أو نصراني ، وَلِتُعَدِّلَ أيَّ فكرةٍ أخرى عن نبي الإسلام ، ثم ما شئت من تصحيحٍ لمواقفك بعد ذلك فافعل ، والسلام .
| عدد القراء : 4148 | تأريخ النشر : الجمعة 6 رمضان 1427هـ الموافق 29 سبتمبر 2006م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=43
+ تكبير الخط |
+ تصغير الخط