طلاق الثَّلاث ، وتضارب الفتوى .

قضائيات أعيد نشر هذه المقالة للفائدة بتاريخ هذا اليوم 26-2-1429 بعد أن كان نشرها بتاريخ 12-8-1421 في مجلة الدعوة السعودية -------------------

-

-

لا يخفى على طالب العلم ما في مسألة الطلاق الثلاث من خلافٍ بين العلماء ، وأن الفتوى لمن وقع في شَرَكِ هذا النوع من الطلاق ـ هي : بعدم الوقوع .

أما إثبات الطلاق في المحاكم ، ولدى عدد كبير من القضاة : فيأتي مُطابقاً لما يُدلي به المطلِّق نفسُه ؛ دون تعرُّضٍ لسلامة ما يقوله من الناحية الشرعية .



وسبب ذلك أمران :

الأول / عدم الجرأة على التعرُّض للفتوى في مسائل الطلاق .

الثاني / عدم المستند النظامي المخوِّل للقاضي تعديلَ ما يطلبُ المطلِّقُ ، أو تقييدَه .



= ومعلومٌ أن طلاق الرجل امرأته : إما أن يكون : بدعياً ؛ وهو الغالب على أحوال العامة . وإما أن يكون : سنِّياً ؛ موافقاً للمشروع في الكتاب والسنة ؛ عند حصول سببه .



والطلاق البدعي أنواع :

الأول / ما يكون ثلاثاً بلفظٍ واحدٍ ؛ كقوله : أنت طالق بالثلاث . أو : أنت طالق ثلاثاً . ومثله قول : أنت طالق البتة .



الثاني / ما يكون ثلاثاً في مجلسٍ واحدٍ ؛ كقوله : أنت طالقٌ طالقٌ طالقٌ . ومثله : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق . ومثله : أنت طالق ، ثم أنت طالق ، ثم أنت طالق .



الثالث / ما يحصل في طهرٍ قد جامع فيه الزوج من يريد طلاقها .



الرابع / ما يحصل في حال حيضٍ أو نفاس .



أما الطلاق السُنِّي فله حالان :

الأول / أن يحصلَ بلفظٍ واحدٍ ؛ في طهرٍ لم يجامع الزوج مطلقته فيه .



الثاني / أن يحصلَ بلفظٍ واحدٍ ؛ والمرأة حامل .



= والخلاف في المسألة غيرُ خافٍ ؛ فالجمهور يقولون : بوقوع الطلاق ؛ فإن كان بدعياً وقع مع الإثم ، ولا إثم ؛ إن وقع موافقاً للمشروع .



وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : بوقوع الطلاق السُنِّي ؛ دون البدعي ، والحجة لكلا المذهبين مُقرَّرة في مظانِّها من كتب العلم .



= ولاشك أن الأخذ بأيسر الأمرين هو ما دلت عليه النصوص الثابتة ، ومنها :

1/ قول الله جل جلاله { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ }.

2/ ما رواه البخاري : عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ * مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ ؛ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الآخَرِ : إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا *

3/ ما رواه البخاري : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ * يَسِّرُوا ، وَلا تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا ، وَلا تُنَفِّرُوا *

4/ ما رواه البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ * إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ ؛ فَسَدِّدُوا ، وَقَارِبُوا ، وَأَبْشِرُوا .. .. * الحديث .



ودليل القول بالتيسير في هذا الباب ما يلي :

الأول / قول الله تبارك وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }.

قال البخاري رحمه الله : بَاب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ }. أَحْصَيْنَاهُ : حَفِظْنَاهُ ، وَعَدَدْنَاهُ .

وَطَلاقُ السُّنَّةِ : أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ ، وَيُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ . انتهى



الثاني / ما رواه البخاري : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ؛ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَالَ : لِيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ يُمْسِكْهَا ؛ حَتَّى تَطْهُرَ ، ثُمَّ تَحِيضَ ، فَتَطْهُرَ ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا : فَلْيُطَلِّقْهَا ؛ طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ *

= ورواه مسلمٌ بلفظٍ : عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا ؛ طَاهِرًا ، أَوْ حَامِلاً *



الثالث / ما رواه مسلم : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ * كَانَ الطَّلاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلافَةِ عُمَرَ ؛ طَلاقُ الثَّلاثِ وَاحِدَةً .

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ . فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ *

ـ ولمسلمٍ أيضاً : أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتْ الثَّلاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَأَبِي بَكْرٍ ، وَثَلاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ ؟ .

فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : نَعَمْ *

ـ وَلَه أيضاً بلفظٍ : أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ ، أَلَمْ يَكُنْ الطَّلاقُ الثَّلاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً ؟ .

فَقَالَ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَايَعَ النَّاسُ فِي الطَّلاقِ ، فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ * انتهى .



والدعوة في هذه الوقفة : إلى جهات الاختصاص عن القضاء الشرعي ـ وفقهم الله ـ بالتعميم على المحاكم : بعدم توثيق الطلاق البدعي ؛ أياً كان نوعه ؛ اختياراً لقول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمة الله عليهما ـ وإلزاماً بالعمل به في هذه المسألة المتكررة : ليتحقق من ذلك أموركثيرة ؛ منها :

أولاً / تعويد الناس اتباع السنن بإلجائهم إليها ، ومنعهم من التلاعب بكتاب الله .



ثانياً / توفير الجهد على المطلِّق عند طروء الرغبة منه في الرجعة بزوجته .



ثالثاً / تخفيف العبء عن دار الإفتاء ؛ ليتفرغ المفتون لما ينفع الناس .



رابعاً / توحيد الإجراءات في المحاكم ؛ باختيار ما فيه تيسير على العامة .

وفق الله الجميع لكل ما يحبه الله ويرضاه .

-

-

-

-

-

- | عدد القراء : 12044 | تأريخ النشر : الثلاثاء 26 صفر 1429هـ الموافق 4 مارس 2008م
طبعت هذه المقالة من ( مركز الدراسات القضائية التخصصي - قضاء )
على الرابط التالي
http://www.cojss.net/article.php?a=99
+ تكبير الخط | + تصغير الخط
اطبع