كتابة تعليق على مقالة :: الاستدراكات على شروط القاضي
ما بجانبه * مطلوب

نص التعليق
1sm.gif  2sm.gif  3sm.gif  4sm.gif  icon_arrow.gif  

بقية الصور

تعطيل الابتسامات
نص المقالة في ثلاث حلقاتٍ عبر هذه الصحيفة المباركة نَعِمنا ببحث (شروط القاضي بين الحاضر والماضي)، وكان لها من الأصداء وردود الأفعال المتضاربة ما لم أعهده فيما مضى من المقالات الخاصة بشؤون القضاء.

وكانت ردود الأفعال من جَرَّاء بحث هذه الشروط تدور على ثلاثة محاور:

الأول/ التأييد: ولأصحابها أسبابٌ مختلفة؛
فمنهم/ الموافق للنتيجة التي خرجت بها المقالات بناءً على قناعاتٍ سابقةٍ مشابهةٍ لتلك النتائج،
وبعضهم/ تولدت لديه تلك القناعات بعد الاطلاع على استنتاجات البحث وأدلته المبني عليها،
ومنهم/ الموافق لطريقة الطرح المختلفة عن السائد في مثل هذه الأطاريح؛ بغض النظر عن النتائج المتحققة.

المحور الثاني/ التَّهَيُّب: ولهؤلاء أسبابٌ عِدَّةٌ؛ صَرَّحَ بعضهم بخوفه من ردة فعل القائمين على القضاء، وَقِلَّةٌ منهم كانت خشيتهم متمثلةً في احتمال تصنيف الكاتب ضمن تيارٍ مناوئٍ لكل ما له صِلَةٌ بالقضاء والدعوة والاحتساب؛ كما قالوا.

المحور الثالث/ الاعتراض:
وبعض هؤلاء المعترضين استخدم طريقةً قديمةً عقيمةً، اتخذها المفلسون عبر التاريخ؛
ومنهم من اقترح: أن أنشئ مقالةً أقرر فيها رجوعي عن مضامين مقالة الشروط، وأُبَرِّرُ فيها أنَّ الرجوع بسبب قناعاتٍ تولدت لاحقاً من مناقشاتٍ جادةٍ حول ما جاء في الحلقات الثلاث،
وزاد بعض هؤلاء بأنَّ تخوفوا من ردة فعل جهات معينة تجاه كاتب المقال.

هذه بعض ردود أفعال القراء نحو تلك المقالة، وللجواب عليها جميعها أقول:
أولاً/ لا ينبغي أن يفهم الإخوة الكرام أنَّ المقالة تحث الدولة على تولية المرأة القضاء فذلك ليس إليَّ، والدولة وفقها الله تعلم متى تتخذ القرار المناسب في وقته المناسب؛ وبخاصة: أنَّ نظام القضاء لم يجعل من شروط القاضي: كونه ذكراً، لا في النظام القديم ولا في الجديد، والتخطيط للأمور باكراً منجاة من التخبط.

ثانياً/ إنَّ القضاء في المملكة ليس محصوراً في المحاكم فقط، بل هو ممزقٌ نحواً من أربعين اختصاصاً قضائياً موزعة على أكثر من عشرين جهةً حكومية، وقد أشرت إلى ذلك في مقالة (جمع الشمل القضائي).
الغريب في الأمر: أنَّ من بين هذه الاختصاصات القضائية لجان التأديب النسائية الفرعية في كليات الجامعات، اختصاصها: نظر الجنح والمخالفات الطلابية، وقضاؤها: الغرامات والتعويضات، إضافة إلى العقوبات المسلكية من حسمٍ وفصلٍ وحرمان، وما لا يعلمه الكثير - كنت أحدهم - أنَّ هذه اللجان تصدر أحكاماً قابلةً للتدقيق لدى لجنةٍ تأديبيةٍ نسائيةٍ عليا، إلا أنَّ الظاهر من حال المعارضين: أنَّ تغيير المسمى كافٍ في استيعاب ردة الفعل المتشنجة؛ وكأنَّ الخلاف على المصطلح لا على المضمون!

ثالثاً/ إنَّ استقضاء المرأة لا يعني إشراكها ابتداءً في المحاكم العامة والجزائية والعمالية والتجارية بجانب الرجال؛ فالمحاكم الأُسَرِيَّةُ (الأحوال الشخصية) مكان مناسب لطبيعتها، وأنسب من ذلك: أن يُستبدل بالقضاة الرجال قاضياتٌ بين النساء في قضايا الجنح والتعزيرات؛ وبخاصةٍ: في دور رعاية الفتيات حيث الجانحات من المراهقات.

رابعاً/ إنَّ الرجحان أمرٌ نسبيٌ، والقول بجواز تولية المرأة القضاء كما أنَّه قد يكون مرجوحاً فقد يكون راجحاً ولا شك، ولا يمكن الاحتجاج على أيٍ من الفريقين برأي الفريق الآخر مجرداً عن الدليل الصحيح أو التعليل الصريح، ولو كانت العبرة في ترجيح الأقوال بكثرة القائلين لما تَوَجَّهَ لأحدٍ الحيدةُ عن القول بجواز تولية المرأة القضاء؛ إذ الفقه الحنفي يغطي أكثر من ثلثي العالم الإسلامي اليوم؛ وهو الذي يُجِيز تولية المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص.

خامساً/ لو كان الاعتبار لما يقوله عامة الفقهاء في القديم لوجب علينا مراجعة جميع الأحكام الفقهية الخلافية، وعمل إحصاءات عن عدد القائلين بها، وترجيح قول الأكثر فقط؛ دون اعتبارٍ لأوجه الترجيح المعروفة في كتب الأصول، ولو كان الاعتبار لقول عامة الفقهاء في العصر الحديث لوجب القول بجواز تولية المرأة القضاء؛ لأنَّ المرأة تعمل في القضاء في غالب الدول العربية والإسلامية دون معارضة، بل إنَّ هناك أكثر من عشرة آلاف قاضية في أقل من عشر دولٍ عربية، وآخر الدول العربية في إجازة استقضاء المرأة هي: أرض الكنانة؛ كما جاءت به الأخبار هذه الأيام.

سادساً/ إنَّ المملكة العربية السعودية التي استطاعت مسايرة ركب الحضارة المدنية في جميع صورها لم تتخل عن مبادئها التي التزمت بها في أنظمة الحكم؛ فالمرأة السعودية اليوم تعمل في مجالات التدريس والطب والخدمة الاجتماعية والدعوة دون المساس بالأصول والثوابت والآداب التي فرضتها الشريعة الإسلامية على المرأة المسلمة؛ حيث لا سفور ولا تبرج ولا اختلاط، فَلِمَ لا ينضمُّ القضاء إلى هذه الوظائف بذات الآداب التي تمارسها شاغلات الوظائف القائمة؟!

سابعاً/ لا ينبغي للمعترضين أن يبتعدوا كثيراً بتصوراتهم حيال استقضاء المرأة؛ إذ على فرض حصوله فلن يكون لغير المُؤَهَّلات في الشريعة؛ بحسب شروط تولي القضاء في النظام السعودي، ولا أظن المعارضين سيشككون في أخلاقيات أو قدرات حاملات الشهادة العالية في الشريعة.

ثامناً/ إنَّ ولوج المملكة العربية السعودية - بكوادرها النسائية المؤهلة - ساحة القضاء فيه إظهارٌ لسماحة الإسلام ويُسره وصلاح تطبيقه في جميع الأزمنة والأمكنة؛ كيف لا ! وهي قلب العالم الإسلامي ومصدر إشعاع نوره.

تاسعاً/ إنَّ النظرة السوداوية لكل من يطرح أمراً جديداً لا تقطع أرضاً ولا تُبقي ظهراً، ولا تُحَقِّقُ تَقَدُّمَاً ولا تُنَمِّي فِكراً، ورحم الله أمير الشعراء حيث قال:
وما استعصى على قومٍ مَنَالٌ = إذا الإقدامُ كان لهم رِكَابَاً


عاشراً/ إنَّ كثيراً من الأمور التي وقف الأخيار في طريقها أَوَّلَ أمرها عادوا فكانوا رُعَاةً لها، دُعاةً إليها، متنافسين في تطبيقها، متفانين في تنميتها؛ من لدن إدخال جهاز البرقية قبل ثمانية عقودٍ من الزمن تقريباً، مروراً بتعليم المرأة قبل أربعة عقود، وحتى عصر التهافت على الظهور في القنوات الفضائية المبثوثة عبر الأطباق الهوائية (الدشوش!).

في الختام: أشكر للأحبة المؤيدين تأييدهم، وللزملاء المتهيبين شفقتهم، وللإخوة المعترضين تسببهم في تجلية الأمر أكثر عبر هذه الحلقة. والله من وراء القصد، وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.