كتابة تعليق على مقالة :: فقه الواقع؛ مفهومه ، ودلالاته .
ما بجانبه * مطلوب

نص التعليق
1sm.gif  2sm.gif  3sm.gif  4sm.gif  icon_arrow.gif  

بقية الصور

تعطيل الابتسامات
نص المقالة بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن زيد الداوود سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتناول وسائل الإعلام ومواقع الشبكات العنكبوتية بين الفينة والأخرى قضية (فقه الواقع) ولوحظ أن هناك من يتناول الموضوع وهم لايدركون مفهومه ودلالاته
لذا نرغب من فضيلتكم إلقاء الضوء حول مفهوم فقه الواقع والمراد منه ؟.
وماهي أسس التأصيل الشرعي لفقه الواقع ؟.
وماهي أولوياته وأهميته فى هذا العصر ؟.
وهل هو مطبق واقعاً من قبل العلماء والدعاة والمثقفين وقادة الفكر والكلمة ؟.
التركيز على تعامل علمائنا ومشايخنا مع فقه الواقع ؟.
وماهي الأمور التى تقتضى التعامل معها بفقه الواقع ؟.
أرغب الإجابة فى حدود صفحتين فقط ، يهمنا مشاركتكم بالرأي فى هذه القضية التى تطرحها صحيفتكم (المدينة) ولكم منا جزيل الشكر والتقدير على كريم تجاوبكم ،، مع تحياتي /محمد رابع سليمان صحفية(المدينة) مكتب مكة المكرمة

---------------------------------------------------

وعليك السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل : الأستاذ محمد رابع سليمان .

أشمل تعريف لكلمة الفقه في اللغة : هو العلم بالشيء ، والفهم له ، والفطنة .
وفي الاصطلاح الشرعي : العلم بالأحكام الشرعيَّة العمليَّة من أدلتها التفصيليَّة . وهذا هو المشهور عند أهل العلم .

ينقسم الفقه من حيث النوع إلى عدة تقسيمات : فقه العبادات ، فقه المعاملات ، فقه الأسرة ( الأحوال الشخصية ) ، فقه الجنايات ، فقه العقوبات ، فقه السياسة الشرعية .
وقد ينقسم بما هو أخص نوعاً إلى : فقه الصلاة ، فقه البيوع ، فقه المواريث ، فقه القضاء ... الخ .
وقد ينقسم بالاعتبار المكاني إلى : فقه دار السلم ، فقه دار الحرب ؛ لكون كلٍ منهما له أحكام تخصه في الزمان الواحد .
وقد ينقسم باعتبار الأحوال إلى : فقه العموم ، فقه الطوارئ ؛ حيث يمكن تعطيل تطبيق بعض الأحكام ؛ كما في تعطيل حد السرقة عام المجاعة في زمن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

وخلال العقدين السالفين ظهرت مسمياتٌ لتقسيماتٍ فقهيةٍ مستحدثة ، مثل : فقه الواقع ، فقه المرحلة ، ولأنها لم تكن معروفةً من قبل فقد اختلفت المواقف منها بين مؤيدٍ ومعارض :

المؤيدون : حشدوا خطباءهم ودعاتهم ووعاظهم ومنظريهم لتنظير هذين النوعين ، وافترضوا أن من لا يعمل بهما على النحو الذي يروجون له : فهو من غير الفقهاء المحسوبين ، بل هو من علماء الحيض والنفاس ؛ كما أسموهم .

المعارضون : ارتابوا من المسميات الجديدة ، وخافوا أن تكون ستاراً لأمورٍ محظورة ، أو غطاءً لتمييع الفقه الأصيل ، فنابذوها العداء سداً للذريعة ؛ كما هو ديدنهم في كل جديدٍ عليهم ؛ حتى يثبت خلاف ما يظنونه به .

والحق الذي نعتقده :
أن الفقه بمعناه الأصلي المتوارث جيلاً بعد جيل ما هو إلا مجموعة من الأحكام في جميع مجالات الحياة ، منها : ما دليله الكتاب ، ومنها : ما دليله السنة الصحيحة ، ومنها : ما دليله الإجماع ، ومنها : ما دليله القياس الصحيح ، ومنها : ما دليله العرف السائد وقت تقرير تلك الأحكام .
وكل هذه الاستنادات صحيحة مقبولة .

ومنها : ما دليله فهم خاطئ لمدلولات النصوص من الكتاب والسنة ، ومنها : ما هو تنزيل فاسد لمدلولات الإجماع ، ومنها : ما دليله الأقيسة الفاسدة ، ومنها : ما دليله العرف البائد .
وهذه الاستنادات خاطئة مردودة .

ولو أدركنا أن ثوابت الأحكام ما هي إلا نزرٌ يسيرٌ بالنسبة إلى مجموع الأحكام الفقهية المحررة في كتب الفقه : لعلمنا أن الكثير الغالب من الأحكام هو من المتغيرات ، التي يجوز للفقيه أن يخالف فيها من قبله كلما اقتضى الأمر ذلك ؛ ما دام يجول في نظره خلال محيط أصول الشريعة وقواعدها ، وما دامت مقاصد الشريعة وغاياتها مرعيةً من قبل الفقيه المجتهد المقرر للأحكام المخالفة لاجتهاداتٍ سابقة .

غير أننا بالنظر إلى فهم بعض الدعاة لفقه الواقع : نجد أن منهم من يدعو لتنحية أحكامٍ من الثوابت المنصوصة في الكتاب والسنة الصحيحة ؛ لمجرد أن واقع الناس اليوم لا يتلاءم مع تلك الأحكام ، كما في مطالبة بعضهم بالمساواة بين المرأة والرجل في المواريث المنصوص على المفاضلة فيها في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ بحجة أن المرأة أضحت مثل الرجل في كثير من الحقوق ، وأن المرأة صارت تنفق على أسرتها بعد أن كانت ينفق وليها عليها وجوباً حتى مع غناها وعوز وليها .
ومثل : دعوات بعضهم إلى تعطيل الحدود ؛ خصوصاً : عقوبات القتل والقطع والجلد ؛ لأنه يتنافى مع الكرامة الآدمية ( زعموا ) ، مع أن جميع ذلك منصوص عليه في الكتاب والسنة .
وحجتهم في ذلك : واقع الناس اليوم ، وأن العالم قريةٌ صغيرةٌ لا يمكن الانفراد فيه بتشريعٍ يخالف ما عليه سائر الأمم .

وأما فقه المرحلة فهو تبريرٌ لتغير مواقف بعض الدعاة من بعض القضايا ، وأنه غير مقصودٍ لذاته ، بل لاقتضاء المرحلة الراهنة تغيير المواقف في الظاهر مع بقائها ثابتةً أصليةً في الباطن جاهزةً للانبثاق والانبعاث متى تغيرت ظروف المرحلة ؛ أشبه : فقه التقية ؛ الذي أسس له الشيعة ، ثم صاروا إلى الاستغناء عنه في هذه الأزمنة ؛ لشعورهم بعدم الحاجة إليه ، بعد أن شعروا بقوة مرجعياتهم ومتانة استنادها على النظام السياسي في إيران .

من كل ما تقدم :
يظهر لنا جلياً : أن اتفاق الأمة على ثوابتها أمرٌ لازم ، ليتضح لهم أن ما سوى الثوابت هو من المتغيرات التي يختلف فيها الحكم باختلاف الزمان والمكان والحال ، وهو الذي ينبغي أن يفسروا به مسماهم الحادث ( فقه الواقع ) ، وإلا فهم بالاعتبار السالف خاطئون .
راجع : http://www.cojss.com/article.php?a=72

ولو فعلوا ذلك : لظهر للجميع أننا لسنا بحاجة إلى الالتفاف على أصالة الشريعة وشمولها وعمومها ومرونتها بمثل تلك التسميات الحادثة ذات المعاني الملتوية والباطنة والمشبوهة .

إن مرونة الشريعة الإسلامية هي محور ارتكازها ، وسبب بقائها ، وسر انتشارها ، وسبيل المحافظة عليها وحفظها لأهلها حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

وإن في بذل الجهد في تحرير الأحكام ، وتنزيلها على الحوادث ، وإبراز عللها والحكم المستنبطة منها ، واستفراغ الوسع في التقاط دررها مما سطرته أيادي الفقهاء في أرجاء العالم الإسلامي السالف من الأندلس غرباً وحتى الهند شرقاً ، كل ذلك : خير للأمة - في حاضرها ومستقبلها - من تشقيقات مقلدة ، وانسياقات منقادة .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول (( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ؛ شِبْرًا شِبْرًا ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ؛ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ!، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟. قَالَ : فَمَنْ ؟. )) .


-