كتابة تعليق على مقالة :: مَكَارِهُ على الطريق
ما بجانبه * مطلوب

نص التعليق
1sm.gif  2sm.gif  3sm.gif  4sm.gif  icon_arrow.gif  

بقية الصور

تعطيل الابتسامات
نص المقالة أثناء المقابلة الشخصية مع طلاب السنة النهائية في كلية الشريعة بالرياض - في منتصف العام الهجري 1398 - سئلت عن رأيي في إلحاقي بالسلك القضائي ؟ ، فرفضت ذلك ؛ معللاً بأني : أرغب في إكمال الدراسة العليا في معهد الإدارة العامة ( برنامج الأنظمة ) ، فأغلظ لي أحد عضوي المقابلة ، وأمرني بالخروج من القاعة .

= بعد ظهور نتيجة الامتحان راجعت ديوان الخدمة المدنية بتاريخ 2/ 9/ 1398هـ ، فوجدت اسمي من ضمن المعينين في ( وزارة العمل ) ، وكان معي أحد الزملاء ( كفيف البصر ) ، فطفقت أبحث له عن مكان تعيينه ، فوقع نظري على توجيه أحد أبناء العمومة إلى ( وزارة العدل ) ، واسمه ( ناصر الداود ) أيضاً ، فأخبرت مرافقي بذلك ، فقال لي : أدرك نفسك ! ، فأنت المعنيُّ بوزارة العدل ، ولعل التقارب بين اسمي الوزارتين من جهة وبين اسميكما من جهة هو الذي أوقع هذا التبديل . فتوجهت فوراً إلى وزارة العمل ، وأنهيت إجراءات صدور قرار تعييني ( مفتش عمل! ) في مكتب العمل الفرعي بالرياض ، وباشرت عملي ظهر ذلك اليوم ؛ وصاحبي الكفيف - وقتها - لا يزال في صحبتي .

= عندما علم ابن العم بخبر توجيهه إلى وزارة العدل راجع الوزارة فوراً ، وطلب تَسَلُّمَ أوراقِ تعيينه ؛ لكونه غيرَ المقصود بذلك التوجيه ، وبعد تحقق الوزارة من الكشوفات أعادت أوراقه إلى ديوان الخدمة المدنية للتصحيح وتسلم المعاملة بيده ، ثم بعد شهرٍ تقدم بطلب الإعادة في قسم : علم النفس من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وابتعث للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية ، عاد منها بعد خمس سنوات بالدكتوراه ، وتدرَّج في مناصب عدة حتى صار الآن وكيلاً لإمارة منطقة الرياض وفقه الله وسدَّده .

= لم أتمكن من الفَكاك مما لا أزال فيه حتى الآن ؛ لأنَّ تعييني في القضاء حصل بأمرٍ ملكيٍ بحسب المادة ( 53 ) من نظام القضاء ، ولا مَفَرَّ حينئذٍ ؛ إذ بعد مضي خمسة أيام عملٍ - في مكتب العمل - أُفهِمتُ بلزوم مراجعة الديوان ، ومنه إلى وزارة العدل ، ثم مجلس القضاء الأعلى ، انتهاءً بمحكمة الرياض العامة .

= خلال فترة ملازمتي اتخذت دفتراً لتلخيص ما أقف عليه من التعليمات والتعاميم ؛ سواءٌ من : وزارة العدل ومؤسساتها ، أو من الدوائر الأخرى ذات العلاقة ، وكان لهذا الدفتر أثره في زيادة التحصيل المعرفي بالنظام والإجراءات الإدارية ، وما انفككت عن الرجوع إليه عند التباحث بشأن تلك القضايا مع بعض القضاة في المحكمة أو مع زملائي الملازمين .

= شعرت في تلك الاجتماعات بشيءٍ من الجفوة من بعض الزملاء ، فذكرت ما أجده منهم لوالدي يرحمه الله
http://www.cojss.com/images/personal/0011.jpg
فقال لي : يا بني ! عدوُّ المرء من يعمل بعمله ، فلا تلق بالاً ، ولا تقطع نوالاً ؛ فأنت على الطريق الصحيح .


= اعتدت مظاهر الغيرة من بعض الأقران ، وعلَّلت نفسي لهم بالأعذار ، وبذلت كل ما أقدر عليه لكل طالب مساعدة منهم ومن غيرهم ، واجتهدت في البحث للمسترشد ، وأعملت الذهن لدلالة المستشير ، وأنا أعلم أنَّ كلَّ ذلك يعود بالنفع لي قبل وصوله إلى مبتغيه ؛ فهذه النعمة الكبرى أولى بركات طلب العلم ، وأبرز فضائل بذله لمحتاجٍ إليه .

= كنت ولازلت أستفيد من مطالعاتي في المعاملات التي أقف عليها ؛ سواءٌ من حيث : تسلسل أحداثها ، أو : بناء الإجراءات على بعضها البعض ، أو : أساليب المسؤولين في خطاباتهم ، أو : محتوى التقارير الفنية المتنوعة فيها .

= وكنت ولازلت أستفيد من ملحوظات محكمة التمييز ، وطريقتهم في انتقاش الاستدراكات على الأحكام ، فأستجيب ( لا ألتوي ) لكل ما يظهر لي صوابه ويتبين لي فيه خطأي ؛ مع الشكر والتقدير والعرفان ، وأقف ( لا أنثني ) فيما أرى فيه صواب رأيي وخطأ المستدرك عليَّ ؛ مع فائق الإجلال والاحترام ، فظهر لي من جراء ذلك جفاءٌ من نوعٍ آخر ومن أناسٍ ذوي درجاتٍ أعلى من الأقران السابقين ، وتراكم ذلك الجفاء في النفوس ، وتراكمت المواقف منه ، حتى صعدوا به إلى أعلى جهات التقاضي وأرفع درجاتها ، فتهيأتُ لجفاءٍ أكبر ، إن لم يكن هو الأكبر في القضاء على الإطلاق .

= عند صدور نظام المرافعات الشرعية الأول عام 1409هـ تحركت لوأده جموعٌ من القضاة من جميع الدرجات ، فكان ما أرادوا لظروف حرب الخليج الأولى ، وبعد صدوره الثاني عام 1421هـ انتدب لإسقاطه الكثيرُ منهم ، فكتبوا عنه : أنه مخالفٌ للشريعة في بعض مواده ، وتناقلت الأيدي أوراقاً بهذا الشأن ؛ حشداً للمواقف المناوئة ، وتكثيراً لسواد المناوئين ، وتتالت على ولي الأمر الاعتراضات من أنصار الفريق المعارض للنظام ، وفي ذات الوقت حاول الفريق المناصر إيجاد سبيلٍ لدعم النظام ، فلم يعثروا على من ينافح عنه من القضاة ؛ حتى من بين المدركين فائدته وهم كثير ؛ لأنَّ المراهنةَ بين الفريقين خاسرةٌ في نظر الجميع ؛ فالمعطي والمانع ، والخافض والرافع - بعد الله - هناك .

= شاء الله لي أن أقفَ مع النظام علناً ؛ عبر مقالةٍ نشرتها ( مجلة الدعوة ) ، قبل حلول موعد لزوم العمل به بستة أشهر ، فكان لها أثرٌ سلبيٌ كبيرٌ على كاتبها ؛ منذ ذلك الحين وحتى البَقِيَّةِ القليلة من أيام خدمته القضائية ، ولم أندم على كتابتها قط ، بل إني لو دُعيت لمثلها - اليوم - لأجبت ؛ فَكَسْبُ الرِّهان على بقاء النظام وانتصار إرادة الإصلاح لا يضيره خسارتي مكافآت الفريق المُضَادِّ أياً كانت .

= لقد تركت تلك المقالة اليتيمة أثراً غائراً ؛ لا يُغتفر لصاحبها ، ولا يُمكن نسيانه ولا تناسيه ؛ فهو كجَدْعٍ في الأنف وَشَجِّ في الجبين أو نحوهما ، وزاد من ذلك الأثر ابتعاثُ كاتبها - قبل نحو أربع سنين - إلى بلاد الغرب لدراسة اللغة الأجنبية! والعلوم القانونية!! ، ثم جاءت هذه المقالات الإصلاحية المتخصصة في شأن القضاء والقضاة – المنشورة في كلٍ من : مجلة اليمامة سابقاً ، وفي : صحيفة الاقتصادية حالياً - لتكمل النصاب ، فكانت القاضية أو تكاد تكون! .

= سنبقى - إن شاء الله تعالى - متواصلين على رغم الظروف الطارئة ، وسأعرض ما أحتفظ به من تجاربَ وخبراتٍ قضائية وإدارية عبر هذا المنبر ، وما لا مكان له هنا سأسطِّره في كتابٍ عن تجربتي في القضاء ، فإنَّ عجلة التاريخ لا تُوقف ، وشمس الحقيقة لا تُحجب ، ولا يُزحم إلا المتقدِّم ، ولا يُفحم غير المتندِّم ، ومن كان في رَكْبٍ إذا توانى فَاتَهُ جَمْعُ الناس ، ومن كان في المقدَّمة - إذا كَبَا ، ولم ينهض عاجلاً - يُوطَأُ ويُداس . والله من وراء القصد