كتابة تعليق على مقالة :: لأننا لا نلبس العقال
ما بجانبه * مطلوب

نص التعليق
1sm.gif  2sm.gif  3sm.gif  4sm.gif  icon_arrow.gif  

بقية الصور

تعطيل الابتسامات
نص المقالة كنت أقلب محفوظاتي من الأوراق والوثائق، فوقع نظري على صورةٍ لأول حفيظة نفوسٍ استخرجتها عام 1395هـ وفيها صورتي الشخصية معتمراً فيها عقالاً وغترةً حمراء ، وكنت وقتها في السنة الأولى من كلية الشريعة بالرياض .

http://www.cojss.com/images/personal/0047.jpg


فجال فكري في أجواء تلك الأيام ، فوجدت أني وزملائي كنا نلبس العقال في مناسبات الأعياد والأعراس ، وفي كل مناسبةٍ خارج نطاق الدراسة ، وما إن تفرقت بنا السبل بعد التخرج في كلية الشريعة ، حتى التزم القضاةُ وكتابُ العدل مِنَّا نبذ لبس العقال ، دون من سوانا من الخريجين.

بل إنَّ ذاكرتي أسعفتني بأنَّني نصحت - يوماً ما - أحد كتاب العدل الجدد بترك لبس العقال ؛ حتى لا يثير عليه الغوغاء.

حينئذٍ تساءلت: ما دام أنَّ ترك لبس العقال ليس من الدين ، فلماذا نلتزم بتركه؟،
ولماذا ننكر على لابسه من منسوبينا؟.
ولماذا التزم المشائخ ترك لبسه؟. الأمر الذي جعل الكثير منهم ؛ إما : يُعاني من مُعاهدة غترته، فَيُشغله عما هو فيه، لِيُخِلَّ ذلك بوقاره ، أو : يُهمل تعديل الغترة بين الحين والحين ، فيصير منظره غير منضبطٍ أمام الناس ، فيُخِلُّ ذلك بهيبته.

والسؤال الأهم : لماذا اتخذنا هيئةً مخالفةً لما عليه ملوكنا وأمراؤنا ووزراؤنا ومديرونا وسائر موظفي هذه الدولة المباركة وفقها الله؟.
ألا يمكن أن يكون هذا التميز من باب الشهرة ؛ إن كان سببه التفرُّد ، أو : من باب الرياء ؛ إن كان سببه التورُّع.

لقد تعدى اتخاذ ذلك الشعار إلى غير القضاة وكتاب العدل ؛ مثل : الأئمة وخطباء الجوامع وغيرهم من العامة ، حتى صار شعاراً لكل متدين ( مطوع ) ، أو متشبهٍ به ، بعد أن التزمناه عرفاً عاماً لنا داخل الدوام وخارجه.

وليس من ذلك تخصيص زيٍّ للقضاة - يرتدونه في دوائرهم ، أثناء عملهم - فقد كتبتُ بشأن الدعوة إليه مقالةً في مجلة الدعوة العدد 1771 الصادر في 11/ 9/ 1421هـ ، بعنوان ( مواصفات زيِّ الرجال ومقاييسه ) ، ودعوت فيه إلى تخصيص زيٍّ آخر لكتاب العدل ، ونحوه لرجال الحسبة وأساتذة الجامعات ؛ ليُعرفوا كغيرهم من الأطباء والعسكريين.

http://www.cojss.com/images/personal/0048.jpg

= قد يقول قائلٌ : وهل لبس العقال يستحق كل هذه التظاهرة؟.

= عند ذلك يكون الجواب : نعم!؛ لأنَّه أشبهُ شيءٍ بالنظام القضائي والقانون الفقهي الذي يضبط معاش الناس وحقوقهم، فيسيرون على مثل المحجة البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها ، ولا يحيد إلى غيرها ، ولا يروغ عن تطبيقها إلا هالكٌ متهالك.

= فالنظام والقانون يحققان الاستقامة على العدل وعدم الميل ، ويضمنان للأمة نور البصيرة وجمال الصورة ، وكذلك العقال يضبط غطاء الرأس حتى لا يميل يمنةً أو يسرةً ، ولكي لا ينحدر على العينين فيغطيهما ، أو ينسحب إلى الخلف فيكون صاحبه مُثلةً يتندر به الجميع .

= أفلا يستحق كُلُّ ضابطٍ لأمور الناس كل هذا التقدير؟، وإن كان خيوط صوفٍ منسوجةً على هيئة عقال ، أو موادَ فقهٍ منضودةً على هيئة نظام.

= أليس انفلات الأوضاع إنما يكون بسبب فقد النظام ، أو ضعف تطبيقه؟؛ كما تنفلت الغترة وتخرج عن نطاق سيطرة لابسها تماماً.

= ألا يعلم من يَتَحَلَّى بعقال رأسه أنَّ الناس يتلهفون لِلتَّحَلِّي بعقال حياتهم وأمور معاشهم؟،
فما المانع من تقريره لهم؟،
وما الداعي إلى تأخيره عنهم؟.

= أمَا لِمَن يَمنعه من يردعه؟.
= أمَا لِمَن يَعِيبه من يُجيبه؟.

= لقد وَسَّعَ الله دائرة المباح فضلاً وتكرماً على عباده بقوله تعالى (( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا )) ، وضيَّق اللطيف الخبير دائرة الحرام بقوله سبحانه (( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ )) ، وأوضح نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام أنَّ ما أوجبه الله على عباده ليس مطلوباً منهم في كل حال في قوله وهو الرؤوف الرحيم ( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ).

= ومع ذلك فقد اعتدنا أشياء ليست من الدين فاعتقدنا وجوبها ، وجهلنا أشياء أخرى من المباحات فاعتقدنا تحريمها ، فلم نكن في أثواب أهل العلم العارفين حتى نفرق بين العادة والعبادة ، ولم نتوشح بثياب أهل الورع فنعمل بما نقوله للناس من أنَّ التدينَ بما لم يرد به الدليل بدعةٌ محرمةٌ ؛ ولو كانت مشروعة الأصل، فكيف! بما ليس من الدين أصلاً ؛ إذا اعتقدنا أنَّه دينٌ ندين الله به ، والعياذ بالله!.

= وهل يظن من يفعل ذلك أنَّهم بمنأىً عن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم على مثلهم بقوله ( قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ).

= إنَّ كثيراً مما نعتقد أنَّنا فيه على الحق وغيرَنا فيه على باطل ؛ ما إن يصير واقعاً ملموساً في حياة الناس حتى يتسابق الجميع إلى الأخذ به والتنافس عليه ، بعد أن كان - عند خاصتهم - من الموبقات المهلكات ، وكان الدعاةُ إليه - في نظرهم - من المبتدعة المتَجَرِّئة على القول على الله بغير علم.

= ولو عدنا قليلاً إلى سنوات الصراع بين الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود وبين أقرانه في قوله بجواز الرمي قبل الزوال ، وما استجد هذه الأعوام من الرجوع إلى تلك الفتوى بعينها ، بعد أن كانت - عند بعضهم - باطلةً ، ورمي من يعمل بها باطلاً أيضاً ، ومثلها : بعض أقوالٍ للشيخ عبد الرحمن بن سعدي ، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحم الله الجميع.

= إننا إذا استذكرنا تلك الصراعات - بين التقليد البائد والتجديد الرائد - علمنا أموراً ثلاثة:
1/ أنَّ تلك التشنجات تقدر على إبطاء المسير ولاشك ، غير أنَّها لا تملك إيقاف القافلة.
2/ أنَّ القناعات تتبدل وتتحول ، وتؤول معها ثوابت الماضي إلى متغيرات ؛ بسبب التسرع في اتخاذ المواقف ، والتخاذل عن تبني أرجح الأقوال ؛ وإن خالف العادات ومرادات العوام.
3/ أنَّ الرجوعَ القهريَّ إلى قول المخالف يُصاحبه جرأةٌ في نسيان الاعتراض عليه وكأنَّه لم يكن ، بل إن الحال قد تبلغ إلى حد اعتبار ذلك التراجع إنشاءَ قولٍ جديد لم يسبق إليه أحد !!!.

= هذه الأمور الثلاثة هي التي قلبت موازين التقدير والتقييم لدى الكثير من الشباب والمثقفين ، فصاروا لا يثقون بالكثير من آراء اليوم وأعلام الحاضر ؛ لأنَّهم يعلمون أنَّ المستقبل يحمل الكثير من مفاجآت الأقوام وتقلبات الأقوال.

= إنَّ كثيراً من القضايا الخلافية التي لا نرى جوازها ، ويستسيغها سائر المسلمين في أقطار الأرض إنما حصلت عندهم بالنشوء عليها وتلقيها جيلاً بعد جيل ، وباعتيادهم إياها ، وبالاضطرار إلى بعضها ؛ لقلة ذات اليد مثلاً.

= ولاشك أنَّ بعضها قد وفد إلينا ، والباقي طريقه علينا لا محالة ، فقد أقسم الصادق المصدوق على حصول ذلك في قوله صلى الله عليه سلم ( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ) ، عندها سنجد - من بيننا - من يُبَرِّرُ تَبَدُّلَ الفتوى، ويُسَوِّغُ تَغَيُّرَ الاجتهاد. والله المستعان.

ومع أنَّ هذا التَّلَوُّنَ من عظيم النقائص وكبائر العيوب ، إلا أنَّ استعدادَ القوم لامتطاء صهوته - عند إلزامهم به - داعٍ للاطمئنان على مستقبل التغيير نحو الأفضل المرفوض ، متى صدر القرار السياسي الحكيم باعتماده. والله الموفق