صدّر واضعوا الأنظمة في المملكة العربية السعودية موادها بالتأكيد على حاكميّة الشريعة الإسلاميّة على جميع الأنظمة والقوانين الأساسيّة والمعمول بها إجرائياً ، تقريراً للأصل في تطبيق الشريعة الإسلاميّة ورعايتها ، إذ هي المصدر في التشريع ، والحاكم عند التعارض ، والفيصل عند الاحتكام ، امتثالاً لأمر الله القائل في محكم التنزيل : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) سورة الجاثية 18 ، والقائل سبحانه : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) سورة النساء ٦٥ .
إنّ تحكيم الشريعة هو الأمان من الجور ، والسلامة في الحكم ، والعدل عند التنازع ، لأنّها دين الله العليم بما يصلح لعباده ومعاشهم فقد رضيها لنا ديناً ودنياً ؛ لذا تصدّر التأكيد على هذا الأصل العظيم عامّة الأنظمة الأساسيّة بصور متعددة منها :
أولاً : الحكم بدستورية الكتاب والسنة للدولة ، فقد نصّت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم : " المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولغتها هي اللغة العربية، وعاصمتها مدينة الرياض " .
ثانياً : استمداد الحكم وسلطته للدولة من الكتاب والسنة ، حيث نصّت المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم على أنّه : " يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة " .
ثالثاً : تأصيل الحكم في الدولة على أساس ومنهج شرعي ، حيث نصّت المادة الثامنة من النظام الأساسي للحكم : " يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية " .
رابعاً : إلزام الدولة بحماية العقيدة الإسلاميّة وتطبيق الشريعة ، وفق ما نصّت عليه المادة الثالثة والعشرون من النظام الأساسي : " تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله " .
خامساً : ربط اعتبار الجريمة والعقوبة بوجود النصّ عليهما من الشريعة أو النظام غير المعارض لها ، فقد نصّت المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي على أنّ : " العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو نص نظامي ، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي " وهو من نصّت عليه كذلك المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية : " لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً أو نظاما " .
سادساً : أحاطت القضاء بسياج منيع ، وحمته من التسلّط والتعدّي فلا سلطان عليه إلا للشريعة فقد نصّت المادة السادسة والأربعون من النظام الأساسي على أنّ : " القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية " .
سابعاً : أنّ الفيصل في التحاكم والحكم في مجالس القضاء للشريعة الإسلامية ، حيث نصّت المادة الثامنة والأربعون من النظام الأساسي على أنّ : " تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة " ، وأكّدت عليه المادة الأولى من نظام الإجراءات الجزائية : " تطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لما دلَّ عليه الكتاب والسنّة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنّة ، وكذا المادة السادسة من نظام الإجراءات الجزائية : " تتولى المحاكم محاكمة المتهمين فيما يُسند إليهم من تُهم وفقاً للوجه الشرعي وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا النظام ... " ، كما نصّت المادة السادسة من نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام على أن : " تتولى المحاكم محاكمة المتهمين فيما يسند إليهم من تهم وفقاً للوجه الشرعي وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا النظام ... " .
ثامناً : إسناد الإشراف على تطبيق أحكم الشريعة إلى الملك ، حيث نصّت المادة الخامسة والخمسون من النظام الأساسي للحكم على أنّ : " يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع عنها " .
تاسعاً : تحميل كبار مسؤولي الدولة مسؤولية تطبيق الشريعة كل بحسب اختصاصاته ، وهذا ما نصّت عليه الفقرة (ب) من المادّة السابعة والخمسين من النظام الأساسي الحكم من أنّه : " يعتبر نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الأعضاء بمجلس الوزراء مسؤولين بالتضامن أمام الملك عن تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة والسياسة العامة للدولة " .
عاشراً : تحصين وضع الأنظمة واللوائح في الدولة وفق ما قررته قواعد الشريعة ، حيث نصّت المادّة السابعة والستون من النظام الأساسي الحكم على أن : " تختص السلطة التنظيمية بوضع الأنظمة واللوائح فيما يحقق المصلحة أو يرفع المفسدة في شئون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية ... " .
الحادي عشر : صيانة أحكام الشريعة عن التعطيل حتى في زمن الحرب أو الطواريء ، فقد نصّت المادّة الثانية والثمانون من النظام الأساسي الحكم على أن : " مع عدم الإخلال بما ورد في المادة السابعة من هذا النظام لا يجوز بأي حال من الأحوال تعطيل حكم من أحكام هذا النظام إلا أن يكون ذلك مؤقتاً في زمن الحرب أو في أثناء إعلان حالة الطواريء وعلى الوجه المبين بالنظام ... " .
الثاني عشر : اعتبار الكتاب والسنة أساس التشريع وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة ، ويسقطا كل ما يتعارض معهما ، وهذا ما نصّت عليه المادة السابعة من النظام الأساسي ، وفيه : " .. هما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة " .
وهكذا تسير صياغة مواد الأنظمة في حمى الشريعة الإسلاميّة تأصيلاً وتنظيراً وحماية ورعاية ، وستكتمل بإذن الله تطبيقاً شاملاً ، استجابة لأمر الله الحكيم القائل : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) سورة البقرة 208 ،
والله الموفّق .