جريدة الوطن - الثلاثاء 24 جمادى الأولى 1430هـ الموافق 19 مايو 2009م العدد(3154) السنة التاسعة

متى نستطيع تصدير العدل؟


إبراهيم محمد الناصري

تكسب بريطانيا مبالغ طائلة من تصديرها للعدل. وفي المقابل تخسر المملكة مبالغ كبيرة سنوياً بسبب استيرادها هذا المرفق الحيوي، وعلى سبيل المثال يبلغ دخل مكاتب المحاماة الأجنبية في المملكة، وأغلبها بريطانية، حوالي ملياري ريال سنوياً. فمتى تتمكن المملكة من تعديل ميزانها التجاري العدلي؟
اكتسب القضاء البريطاني ثقة ومصداقية على مر السنين جعله الاختيار الأول للتجار للنص عليه في العقود ذات الطابع الدولي كمرجع عند الاختلاف. وقد جنى البريطانيون من هذه الثقة مزايا اقتصادية لا يُستهان بها، من ذلك ازدهار أعمال شركات المحاماة البريطانية على الصعيد الدولي سواءً في مجال تقديم الخبرة القانونية عند صياغة العقود، أو في مجال صياغة مشاريع القوانين واللوائح المالية والتجارية لدى الدول النامية، أو تقديم الاستشارات القانونية المنبثقة عن تلك القوانين واللوائح، أو في الترافع أمام المحاكم الإنجليزية عند وجود خلاف، أو نحو ذلك. هذا بالإضافة إلى العوائد غير المباشرة التي يجنيها الاقتصاد البريطاني من تصدير تلك الخدمات مثل دعم السياحة المتخصصة وتنشيط التعليم والتدريب القانوني في بريطانيا وتوفير وظائف للبريطانيين في قطاع القانون عبر العالم.
وبالرغم من الدور الكبير للغة الإنجليزية وللاستعمار البريطاني في ذلك الازدهار، إلا أن السبب الأول في رأيي يعود إلى الكفاءة والنزاهة والسرعة التي تميز بها القضاة البريطانيون، والطبيعة العملية للقانون الإنجليزي بالنظر إلى انبثاقه في الأساس من العرف السائد، مقارنة مع القانون الفرنسي مثلاً، الذي يستقي جذوره من المبادئ الكنسية الرومانية. وعلى سبيل المقارنة فإن القانون التجاري السعودي يرتكز على الشريعة الإسلامية وما يصدر من أنظمة لا تتعارض مع أحكامها، مما يعني أنه يجمع بين قدسية المبادئ ووضوح الأحكام. وهذه الخاصية يُمكن أن تُمثل ميزة مهمة لصالح تحول المملكة من مستورد للخدمات العدلية إلى مُصدّر لها لاسيما ضمن المحيط الإسلامي . ولا شك أن تعديل الميزان التجاري العدلي السعودي يقتضي المرور أولاً بمرحلة الاكتفاء الذاتي. وفي رأيي فإنه لن يتحقق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال إلا بتوافر شرطين، أولهما تعريب بيئة المال والأعمال في المملكة، وثانيهما إعادة النظر في الدراسة الجامعية وتطويرها وربطها بالواقع إلى الدرجة التي يستطيع معها المتخرج من كلية الشريعة مثلاً إنجاز الأعمال القانونية لأنشطة التمويل الإسلامي بدلاً من الاستعانة بخبير بريطاني في هذا التخصص، وبحيث يكون المتخرج من كلية القانون قادراً على إنجاز الأعمال القانونية للعمليات المالية الحديثة المعقدة كأنشطة المصارف، والتأمين، والأوراق المالية بدلاً من اجترار مؤلفات نظرية مُجردة.