code

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

  1. #1

    1 (25) كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

    ملف مرفق 191




    المجاهد في الحق
    إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب




    تأليف

    القاضي/ إسماعيل بن إبراهيم الطيِّب
    عضو هيئة التفتيش القضائي
    مدرس في المعهد العالي للقضاء


























    حقوق الطبع محفوظة
    (للمؤلف)
    [الطبعة الثانية]
    1425هـ – 2004م















    المجاهد في الحق
    إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب





    خطة البحث
    رءوسُ خطة السَّيْر الموضوعية تقتضيها فصولٌ
    ولا يخلو فصلٌ من تداخل فروعٍ بيانية
    واللهَ أسألُ أن يوفِّقَني لِمَا في إثباته نفع الأجيال فرداً مشاركاً
    ضِمْن مَن ألَّفَ وجَمَعَ وبَحَثَ وحَقَّقَ وطَبَعَ وأَخْرَجَ ونَشَرَ من المسلمين.. آمين،،
    الفصل الأول: نسبُ المجاهد، ومولدُه.
    الفصل الثاني: مراحلُ طلبه، ونتائجُها.
    الفصل الثالث: طبيعةُ دعوة المجاهد.
    الفصل الرابع: مراحلُ تبليغ الدعوة.
    الفصل الخامس: تقريرُ أوصاف أسلوب الدعوة.
    الفصل السادس: مقوِّماتُ التزكية والإخلاص في دعوة المجاهد.
    الفصل السابع: مقوِّماتُ احتساب الدعوة في حياة المجاهد.
    الفصل الثامن: مصوِّغاتُ ومقوِّماتُ دعوة المجاهد.
    الفصل التاسع: توصيفُ حياة المجاهد العِلمية والسِّيَرِية.
    الفصل العاشر: تقريراتٌ فرعيةٌ عامة.

    وبالله التوفيق،،



    الإهــــداء
    إلى قادة الفكر الإسلامي، ورجال الدعوة في كل مكان.
    إلى الإخوان الأوفياء الذين عرفْتُهم، وكان لهم قصب السبق في مناصرة قضايا الإسلام، ونصرة المسلمين.
    إلى أفراد الإصلاح الروحي والمعنوي في المجتمعات الإنسانية الشاردة.
    إلى كل متمسك بكتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم –، ودالٍّ إليهما بقوله وفعله، وممسكٍ بهما تصفيةً وتربية.
    إلى كل من كان سبباً في إخراج هذه الرسالة التاريخية المعرِّفة بشخصية ماجدها، وعبقرية مجاهدها.
    إلى كل ضمير حي، وعقل نيِّر صارع المحن، وجابه مرهقات الفتن، ولم يهن، ولم يلن، ولم يستكن لمغريات المظاهر، ومبهرات المفاخر، وبقي على الجادة عاضَّا على أصالة شرف الهدف، وعظيم الغاية، وإيثار كريم الأمنية.
    إلى من أستذْكِرُ صورَهم، وأتذكَّرُ مآثرَهم.
    إلى حفيدة المجاهد/ سارة.. ريحانة الجنان، ثمرة فؤاد أبويها، سابَقَتْهُما إلى الله رب العالمين.. بشراهما أن لقِيَتْهُ مع بداية فتوتها، تتلو كتاب الله لفظاً وغايةً، طائعة مُبِرَّة، وقد احتسباها عند الله، كما فعلت أم إسماعيل لتكون فرطهم إلى الجنة في ولدان الخلود، عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق، وحُلُّوا أساور من فضة، وسقاهم ربهم شراباً طهوراً.


    تقديم
    الأستاذ الشيخ/ محسن بن محمد الطَّـيِّب
    مدير معهد ابن تيمية العلمي في جبل حديد
    ◙◙◙
    القاضي العلامة/ عبد الله بن محمد الطَّـيِّب
    عضو المحكمة العُليا
    ◙◙◙
    الدكتور/ أحمد بن علي هجوان
    أستاذ التاريخ بكلية الآداب
    جامعة صنعاء
    ◙◙◙
    الدكتور/ علي بن علي جابر الحربي
    أستاذ العقيدة الإسلامية – قسم الدراسات العليا
    جامعة أمِّ القرى
    ◙◙◙
    الأستاذ الشيخ/ أحمد محمد علي الطَّيِّب
    مرشدٌ عامٌ بوزارة الأوقاف والإرشاد
    مدير معهد ابن تيمية العلمي (سابقاً)



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاة، والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.
    أمَّا بعد:
    فقد كان من حظي الإطلاع على ما كتبه الولد العزيز الفاضل/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب في رسالته هذه المسماة: (المجاهد في الحق " إبراهيم بن يحيى بن حسن الطَّيب ").
    وعليـه:
    فقد وجدتُ أن شخصية هذه الرسالة توضحُها موضوعاتُها تفصيلاً، على ضوء الخطة المسطورة في المقدمة، وكل موضوع فيها قد حظي بـوافر العلم عن سيرة ذلك المجاهد الماجد في إظهار الحق وإزهاق الباطل خاصةً فيما يتعلق بجانب عقيدة التوحيد، والأخلاق، والعادات، والتقاليد الإسلامية، التي كان قد نسيها الناس، وأغلقت طريق الدعوة على إصلاح أو دون إصلاح فسادها، ودون طريق تعليم الضالين سبيل الجادَّة فيها، أو منها حتى عاد الشيخ/ إبراهيم ابن يحيى بن حسن الطيب – رحمه الله وألحقنا به صالحين – من رحلة الطلب الأخيرة من مكة المكرمة فأنقذ الله به أمةً وأحيا بدعوته قلوب الخاصة والعامة في منطقة خيران وما جاورها.
    وإني لأرجو أن ينفع الله بهذه الرسالة أقواماً آخرين بتذكرهم مآثر سلفهم وأخذ القدوة الصالحة عنهم وبهم، وأن يبارك في جهود الولد/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب، ويرزقنا وإياه النية الصالحة وحسن العمل.
    آمـــين،،
    راجي عفو ربه
    محسن بن محمد الطيب
    3/ 6/ 1415ﻫ
    الموافق: 6/ 11/ 1994م




    بسم الله الرحمن الرحيم

    لقد سُعِدتُ وحظِيتُ، ثم سُرِرتُ بما طالعني به كتاب: المجاهد في الحق (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) لمؤلفه الأستاذ المحقق والقاضي الغَمْر/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب – بارك الله جهودَه – وهو يكتب ويحقق ليظهر وينشر سيرة واحدٍ من رجال الفكر، والفقه، والتربية، والدعوة الإسلامية الرائدة، تباركَتْ جهودُه في مجتمعٍ بعد أن سادت أفراده غشاوة الفكر، وبلاهة الرأي، وجهالة توحيد الخالق في الظاهر والسر، بفعل الأمية العامة.
    ولقد رأيت فيما سطرته صفحات هذا الكتاب والمؤلَّف النفيس غاية الحق ونهاية الصدق الذي أعلمه بثابت الرواية، وتحقيق منقول الدراية.
    ثم إن إبراهيم هذا المترجَم له – رحمه الله – هو واحد من خاصة أفراد بيت الطيب هنا وهناك، الثابت لهم في الحق جهاد، وفي الدعوة وفاء، وفي البر إخلاص.
    وإنه لفرعٌ مثمرٌ من شجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها، كلما دعت الحاجة، وحصلت الضرورة، واقتضت المصلحة، على مَرِّ التاريخ.
    والكتاب قد أغنى بوافر العلم المحفوف باحتواء المعقول والمنقول، وعلى ما أثبت من حاصل الجفاء من مجموعة الإحفاد فروع طيب على مدى قرون، إلا أن أصل الرابطة محفوظ والعلم به قائم، وما حاصل الانقطاع إلا بفعل ظروف سياسية قاهرة، ثم شقة المواصلات بين مناطق هجرة الفروع، ومنه اشتغال الـخاصة منهم ببناء الذات، وبواقع أنانيَّـة الـحال..وحسبي أن كفاني الكتاب.
    ولكَم هو سفر وارف الظلال مفيد لقارئه أيَّما فائدة فاقَ أن يكون مجرد كتاب تاريخي يتحدث عن شخصية عاش صاحبها بطلاً مجاهداً، وإنما جمع فأوعى، وأترك الحكم لقارئه.
    ولا يسعني إلا تقديم الشكر والإعزاز والتقدير لمؤلفه – رعاه الله وسدد خطاه –، وقد جمع شتات فروع أصلٍ كاد جلهم نسيانه، وأعاد جَدْوَلَة مساقي روضهم بعد حرمانه، وتشييد قنوات نهرهم بعد طَمَرَانه.
    وهو قد ذكَّرهم؛ ليجعلوا من أنفسهم قدوة حسنة لغيرهم في العلم والعمل تـمسُّكاً وتـمسيكاً.
    وعليه: فإنه يستحق منهم، بل إنه يـجب له عليهم أفراداً وجميعاً حق التقدير والتكريم، وعلى مستوى خاصة وعامة آل الطيب هنا وهناك، وفي كل مكان رد الجميل بصالح الدعاء لمن كان هذا بسببه – رحمه الله وغفر له – ثم لمن ألَّف وجمع وأعان وشجَّع.
    والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في العمل والصلاح في الأهل والمال والولد.
    آمـــين

    راجي عفو ربه
    عبد الله بن محمد بن عبد الواسع الطيب
    20/ محرم/ لسنة: 1416ﻫ
    الموافق: 21/ 6/ 1995م







    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين/ مـحمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أمَّا بعد:
    فإنه بناء على الثقة التي أولاني إياها أخي في الله القاضي العلامة/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب، وهو يقدم إلي كتابه عن حياة الجهبذ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب)؛ لذلك خصصت له جزءاً من وقتي وقرأته قراءة متأنية متفهمة حتى خرجت بأبعاد غامرة من المدارك ومفاهيم وارفة من المعارف، اقتطفت أزهى زهرات من غَنَّائها وأنفح قطرات من أريجها، وأعبر عن مكنونها بما يلي:
    إن الإمام/ الطيب عاش في بحر متلاطم الأمواج من الصراعات في اليمن مع القمة والقاعدة..أن الطيب من أكبر أنصار الشريعة الغَرَّاء.
    أن مسلسل صراعه مع القبوريين وغيرهم من الحُسَّاد جعله مغموراً تنطبق عليه المقولة: (أكثر الناس إعراضاً عن العالِم العارف أتباعُه في قَصْره، ثم في مِصْره، ثم في بني عصره).
    فالـمعاصرة حجاب كثيف تمنع من شهرة العالِم لكثرة الحساد
    والمخالفين له ..وهـكذا كان الشـوكاني، وابن الأمـير، والمودودي، وقبـلهم ابن تيمية – رحمهم الله جميعاً –.
    أن الكاتب قد أعطى المكتوب عنه كثيراً من حقه، وذلك بأسلوبه الكتابي الجميل الذي يشبه في قوته اللغوية كتابات: الندوي، وسيد قطب، وقد أفاد أيما
    إفادة، – فجزاه المولى خير الجزاء –
    راجي عفو ربه
    أحمد بن على هجوان
    غرة رجب/ سنة: 1416ﻫ
    الموافق: 1995م



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، الإله الحق المبين، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد.
    والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، محمد بن عبد الله الصادق المصدوق – صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً –، وعلى من سار على نهجه، واتبع سنـته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فإنه بناءً على ما أولاني به الولد العزيز البار بوالديه – إن شاء الله – طاعةً لربه وامتثالاً لشرعه تعالى، واتباعاً لهدي نبيه/ محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مطبقاً ما جاء في القرآن والسنة من الأمر بطاعتهما، وواجب برهما.
    إن الشيخ الأستاذ/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب – طيب الله حاله، وأكرم مآله، وأجزل ثوابه – وهو يقدم إلي مؤلفه الوضاء النفيس عن حياة والده المجاهد في الحق: (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) – طيَّب الله ثراه، وأكرم نزله مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً –.
    ولقد سمعت كامل محتويات الكتاب المذكور قراءة بلسان كاتبه ومؤلفه، حيث استعرض قراءته من أوله إلى آخره، وأنا أسمع وأعي وأستوعب، وقد كنت أناقشه أحياناً في نص أو جملة لأعرف منه مدى استيعابه ومستنده ومرجعه في توثيقها، وهو يبين، فأقتنع، ونادراً ما كنت أعدل عليه وأوجهه، وهو يتقبل بصدر رحب، ثم ينفذ، وإني لأقول الحق: أن الكتاب بموضوعاته يشبه حديقة غَـنَّاء وارفة الظلال، كثيرة الثمار.
    فهو يمتاز بحسن التنسيق، وجمال التعبير، ودقة التوليف، ومقومات الجمع، ثم إنه ليس مجرد كتاب تاريخي يحكي الأحداث والوقائع المجردة والعابرة التي مر بها المجاهد، مولداً، ونشأةً، ودراسةً، وعلماً موفوراً، وتعليماً، وحالةً اجتماعية، … إلخ، كما هو معهود ومُتَّبع في مثل هذا النوع والفن من العلم على مستوى بحوث ومؤلفات الـمغازي والسِّيَر، وقليل منها جـداً يتوقف على مفهوم ما يسمى: (فقه السيرة).
    وجملة ما يعنيه كتاب المجاهد هذا مقتطفات حيَّة وارفة المعاني من التاريخ العلمي العملي، والعقيدة المشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة، والتشريع، وفقه الدعوة في حياة المجاهد، وما صار يعنيه مفهوم فقه الواقع في نظر دعاته الـمُبِرِّين بحزبية التعدد اعترافا ومتابعة على حال الواقع، وإني لأجزل وأثَمِّن فيه سلامة المقارنة بين الأمس واليوم، وواقعية طرحها على ما قدمها الكتاب ساخرة متألقة تحكي ظاهر العلم وباطنه فيما هو موجود على مستوى عالمنا المعاصر، وقد أغناها بما أورده عن عالم العصر المفكر الإسلامي الأستاذ/ محمد قطب – حفظه الله – نقلاً عن كتابه/ (عالمنا المعاصر) بتصرف حميد.
    وقد كنت أفضل تأجيل هذا التقريظ إلى وقت آخر لما رأيت من سبقني بالتقديم، ومنهم بعض طلاب الشيخ المجاهد – رحمه الله –، وهم الأكثر علما بشيخهم والأحق بإبراره، والأولى بإظهار مآثره، وإخراجها للعلم، ونشرها للفائدة والخير الجم، نفعاً للأجيال.
    وإن أَبَرَّهُم به وأولاهم الشيخ الأستاذ/ محسن بن محمد الطيب، والذي له مع شيخه صلة القرابة والمتابعة العلمية والقدوة الحسنة المصاحبة.
    وفي تقريظه خير شاهد، وكل من سبقني أهلٌ وحجة، ولقد رأيت لهم تحريرات إعجابٍ أيما إعجاب وثناء على ما سطره الكتاب، وحوته موضوعاته، ومباركتهم للمؤلف بما يستحق، وإنه لكما قالوا وزيادة بر وصلة – رعاه الله، وحفظ عليه أهله وماله وولـده، وزاد خـيره وبـره، وكتب له السعادة في الدارَين –.
    وهنا أوقفني المؤلف حتى وافقته استجابة لإصراره، إلا أن أقول حسب اقتناعي بعد أن استوعبت الكتاب على عينه صفحةً صفحةً، وسطراً سطراً، وكلمةً كلمةً، وأدركت استقامة حروفه.
    فهو يقول مُلِحَّاً: ماذا بعد الحق؟ وأي مبرر تنتظر؟ والأعمار بيد الله، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً.
    وعليه، ولمناسبة الطلب – وقد كنت مُثَمِّناً تقديره –:
    فلا يفوتني القول والإدلاء بدَلوي، وبعد أن أدركت أيضاً بأن خيرَ البِـر عاجلُه، والأعمارُ بيدِ الله، والشيبُ والكِبَرُ والعَجْزُ خير نذير.
    ولَعلِّي لا أدرك نشر وإخراج الطبعة الأولى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة تعسف وتسويف، وقد رأيت ضَعف مبرر التأخير، ودحض حجته، وما كانت إرادة تأخيري إلا لأستوعب تقاريظ خاصة المحبين، واستقطب أقوالهم، ولعلمي بأن الكتاب تغنيه موضوعاته، ويكفيه استيعاب قراءته عن أي تعريف أو تقريظ، وإن أي وصفٍ سيأتي دون أبعاد مراد بعض نصوص كلماته.
    وقد كان طبيعياً خلو تقريظي من أي ملاحظة مهمـة غير إبـداء رغبتي في إرفاق بعض المستندات الخطية للمجاهد، وخاصة تلك الصحيفة الظاهر فيها منهج جهاده النظري العلمي، وأقصد إرفاق ذلك في موضعه من الكتاب عند الطبع، ففي ذلك زيادة توثيق وبرهان مادي على واقع حياته العلمية قبل القول والعمل المعلومان منه على مستوى خاصة رجال المنطقة وعامة سكانها، وكلـنا نعلم قيامه بذلك، وأخص نفسي وحقيقة علمي بدعوته عن طريق السماع، ولم أحـظ بلقائه، لكن آثار تغييره في إزالة شرفات أوثان الشرك باقية شاهدة حتى الآن.
    وكلُّ مَن عاصَرَه ولقيَه شاهدٌ، والله خير الشاهدين.
    ولا أخفي أنني عاصرته، لكن لم أحرص على لقياه؛ بسبب وجود الجفاء العلمي، والجهل المركب، وغياب الحس الثقافي، ووجود قسوة الحياة المعيشية، وانعدام وسيلة التواصل والمواصلة، وغير ذلك من الأسباب المانعة والأعذار المعلومة من واقع الحال بالضرورة يومها.
    ولقد كان لسماعي به فضل متابعة أخباره، ومنها علمي بأنه صاحب كتب وعلم ودعوة، وما كان لأحـد مثل هذه المميزات في المنطقة غيره – حسب علمي –، فهو الذي هاجر للعلم حتى تحصل عليه، وتفقه فيه، وعمل به، وعلَّمه، ودعا الناس إليه ناصحاً ومرشداً، حسب توجيه الشرع وتكليفه.
    وقَد صار بإحرازه هذه الصفات يستحق وصفه بالعالِـم الرباني – رحـمه الله وأسكنه فسيح جناته –.
    ولولا إرادة التمكين لنشر دعوة التوحيد في الأرض ما كان لازماً فرض قتال الكفار وجهادهم.
    فالدعوة إلى التزام توحيد الله تعالى عبادة ونظام حكم ومنهج حياة لا ينتظر أن يحف صاحبها بالورود، بل سيجد طريقه إليها مملوءة بالأشواك، ولذلك فإنه لا يقدر على تبنيها والقيام بها إلا أقوياء الإيمان من عباد الله، وهم الأنبياء والرسل، ثم ورثتهم من خاصة العلماء الأمثل فالأمثل.
    فالأنبياء والرسل هم المختارون من قبل الله أولا للقيام بمهمة الدعوة إلى الله سبحانه، بدليل قوله تعالى: وَلَقدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُوْلاً أَنِ اعْـبُدُوا اللهَ واجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ.
    ورسل الله كلهم لم يرسلوا في البداية إلا بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) المقتضية نفياً وإثباتاً، فهي تنفي كل إله يعبد غير الله تعالى، وتثبت ألوهيته وحده سبحانه لا شريك له في العبادة، فدعوتهم هنا تنحصر في تثبيت العقيدة في نفوس الناس حتى إظهارها سلوكا في حياتهم.
    ولقد مكث رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – يدعو إليها أهله وعشيرته في مكة ثلاثة عشر سنة دون سواها من مستلزمات التشريع الإسلامي؛ لأن أي عمل ارتبط به الشرك فهو باطل لقوله تعالى: وقَدِمْنا إِلَى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوْراً، ولقوله سبحانه: إِنَّهُ مَن يُشْرِك باللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمأْواهُ النَّار وَما لِلظَّالِمِينَ مِن أَنْصارٍ.
    والأدلة في القرآن والسنة ثابتة وكثيرة عامة وخاصة تحكي اتحـاد دعوة الرسل في توحيـد الألوهيـة والعـبادة، فأشرف دعوة إلى الله تعالى دعوة الرسل، ثم دعوة العلماء بعد الرسل بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي تعنيهم جميعاً في البداية عبادةً وتوحيداً على ما قال الله تعالى: وَاعْبُدوا اللهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً.
    وسنةُ الله جارية في أنه ما من نبي ولا رسول ولا داعية مصلح يدعو إلى الله إلا أوذي في سبيل دعوته، وهذا رسول الله/ محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مكث يدعو قومه وهم يتربصون به ويكيدون له ويتآمرون على قتله، وأخيراً يَصِلُون إلى إخراجه من مكةَ مُكرَهاً بدليـل قوله – صلى الله عليه وآله وسلم –: »والله إنَّكِ لأحَب بلاد الله إلى الله، وإنكِ لأحَـب بلاد الله إليَّ، ولولا أن أهلَكِ أخرجوني منـكِ ما خـرجتُ«، أو كما قال – صـلى الله عليه وآله وسلم –.
    والله تعالى يحكي ذلك عنهم بقوله: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ الماكِرِينَ.
    والله تعالى يبين لنا بأن إخراج المشركين لنبيه/ محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – من مكة إلى المدينة كان نصراً، لقوله سبحانه: إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا.
    وإن سنة الله جارية كذلك بأن عقيدة التوحيد في نفوس الناس كثيراً ما يدخلها الوهن، ثم يكون الشرك في توحيد الألوهية والعبادة لذلك فلا بد من مُرشِدٍ يُرشِد، ومُعلِمٍ يُعلِّم، والعلماء ورثة الأنبياء في الدعوة إلى الله وتوحيده، وقد وعد الله – عز وجل – المجاهدين في سبيل الدعوة إليه سبحانه بالهداية والتوفيق، وأنه معهم في كل حين ناصراً ومؤيداً بقوله تعالى: وَالَّذِيْنَ جاهَدُوا فِيْنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِيْنَ.
    وقد قيَّض الله – عز وجل – للشيخ المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب من يساعده على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعظمها هدم القباب التي كانت مبنية على الأضرحة، قيض الله له رجالاً من أهل السلطة لَمَّا رأوا أنه أهلٌ لذلك، على رأسهم نائب لواء حجة آنذاك، وعامل كشر/ حسن بن إسماعيل المداني المتوكل المعروف بالصرامة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما عرفته جيداً.
    كذلك هيأ الله له رجالاً من أهله وقومه، رباهم على عينه، وخرجهم على منهجه، مما كان له بهم تحقيق الاستعانة في دعوته وجهاده.
    ومفهوم الجهـاد أعم مما يتصوره البعض، ومن عمومه مسمى الجهاد بالقرآن في المرحلة المكـية، ولَمَّا يُفرض الجهادُ بالسيف بعد، والدليل على هذا المفهوم أمر الله لنبيه/ – صـلى الله عليه وآله وسلم – بجهاده للمشركين في سورة الفرقان وهي مكية، فهو يقـول له: فَلا تُطِعِ الكافِرِيْنَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيْراً.
    وقد قرر العلماء مراتب الجهاد:
    1. جهاد النفس.
    2. فجهاد الشيطان.
    3. فجهاد الكفار.
    4. فجهاد المنافقين.
    ولما أراد الله بإبراهيم خيراً حقق له واقع المجاهدة وصدقها في ثـلاث مراتب: جهاد النفس: بقصرها على فعل المأمورات واجتناب المنهيات.
    وجهاد الشيطان: بطرد وسوسته ومحاربة شره، ومنع سيطرته، وإغوائه للناس بمجموعة الشِّركيات العقيدية والعبادية على مستوى البلاد.
    ثم جهاد المنافقين: الذين لم يخل منهم زمان ولا مكان منذ وجودهم على ساحة مجتمع المدينة المنورة في عهد النبوة وزمن الوحي، وهم باقون ما بقيت الحياة، وسنة الله تقضي بوجودهم، مرة يخبون، ومرة يظهرون.
    وقد كان لإخلاصه الجهادي أنـجع التغيير، وأنـجح التعليم والتقويم على مستوى أهل بلده ومن حولهم.
    كلهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، من ظلمات الشرك والوثنية إلى نور العلم والهداية والتزام عقيدة التوحيد، وانتصر على مجموعة الأعداء في مجتمع الكراهية.
    وحقق الله له ما وعد به المجاهدين فيه في قوله تعالى: وَالَّذِيْنَ جاهَدُوا فِيْنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِيْنَ.
    وأَعْظِمْ به من جهاد قام به، استحق وصفه بحاله ومسماه، وقد أزال أوثان الشرك، وحطم أصنام الطاغوت، وأقام راية التوحيد، وأعاد إلى البلاد أخلاق الإسلام وشريعة القرآن والسنة بعد نسيان..
    رحمة الله وبركاته تغشى المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب، وبارك الله في جهود الولد البار/ إسماعيل بن إبراهيم، وفي أهله وماله وولده، ونفع الله بهذا الكتاب النفيس أقواماً آخرين لاقتدائهم بخير سلف في الدعوة إلى الله، والصَّدع بكلمة الحق ذروة سنام الجهاد، مسبوقة بالعمل في الحال الذاتية والشخصية لديه – رحمه الله –.
    واللهَ أسألُ أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، وأن يلحقَنا بالصالحين صـالحين.
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا/ محمد وآله وصحبه أجمعين.

    راجي عفو ربه الكريم، الفقير إليه
    علي بن علي بن جابر الحربي
    17/ ربيع الأول/ عام: 1417هجرية
    – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام –


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين.
    وصلى الله وسلم وبارك على محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فلقد حظِيت وسُعدت بالاطلاع على كتاب: (ا لمجاهد في الحق/ " إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب ") لمؤلفه الأخ العزيز القاضي/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب – حفظه الله وسدد خطاه –. أمين.
    ولا أخفي أنني باطلاعي على محتويات الكتاب عدت بذاكرتي إلى استعراض ما أدركت من سيرة المجاهد – رحمة الله وبركاته عليه، وألحقنا به سالمين –، فإنني قد وجدت أن الكتاب قد كفاني بما سطر وجمع من تاريخ ذلك الرجل المجاهد النبراس، وعن واقع حياته العلمية والعملية ما أعلمه عنه من واسع ظلال تلك الحياة، وقد رأيت استيعاب الكتاب لجليلها، واحتواءه الزَُّبد منها، وإدراكه الذُّرَى فيها، واختياره الرواسي والجدد، الثابت له بها عظيم الذكر ووافر البر.
    وقد سبقني في التقريظ خيار من علماء الرواية وفقهاء الدراية على مستوى مختلف العلوم الشرعية، والتاريخية، والعقيدية، والفكرية، بما أثبتوا للكتاب من وصف وتوصيف أحسنوا فيه وأجزلوا.
    فأوَّلُهـم الأستاذ والشيخ الكريم الفاضل/ محسن بن محمد الطيب – رحمه الله –، وآخرهـم فضيلة الشيخ الدكتور/ علي بن على بن جابر الحربي – حفظه الله –.
    وعليـه:
    فلا يسعني إلا الاكتفاء بمثل الذي قالوا وموافقتهم جملة وتفصيلا فيما أثبتوا، اختصاراً للوقت، وتجنباً للتكرار. وإن قلمي ليعجز عن التعبير عما يتألف في نفسي، وما يكنه قلبي من حب وتقدير وأخوة صادقة لأخي مؤلف هذا الكتاب الرائد في سيرة والد الجميع وشيخ الجميع ومعلم الجميع في (جبل حديد) و(ناحية خيران)، وأزيد إثبات حقيقة تلك الإشارة التي ذكرها الكتاب عنى رواية يوم كنت بدأت مرحـلة الطلب الأولى لدى هذا الشيخ المجاهد/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الـطيب – رحمه الله، ورضي عنه، وألحقنا به في جنان النعيم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر –، وجزى الله الأخ الفاضل القاضي/ إسماعيل بن إبراهيم الطيب خير الجزاء على ما أثبت من سيرة وتاريخ عَلَم من أعلام الدعوة والجهاد، كاد جُلُّنا أن يتناسى جهادَه، وأفضالَه، وإحسانَه، وبِرَّه بنا أهلاً وقرابة، ثم بجيرانه على مستوى منطقته ومنطقة خيران وما جاورها في قضاء الشرفين.
    والحمد لله رب العالمين.

    في تاريخ: 28/ شهر: جماد الأول/ سنة: 1417ﻫ
    الموافق: 10/ 10/ 1996م
    كتب هذا: راجي رحمة ربه وعفوه
    أحمد بن محمد على الطَّيب


    المقدمة
    الحمد لله رب العالمين.
    والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، محمد، وآله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
    أمَّا بعد:
    فإنه من المعلوم أن الناس عند الشدائد المرهقة، والضائقات الخانقة، والمحن القاسية يبدءون باستعراض مآثر العظماء، وتذكر مناقب رجال الفكر والإصلاح، ومقامات عزائم أهل العزم.
    وذلك للتذكير والدعوة في أخذ القدوة بهم فيما عملوا به ودعوا إليه وأخلصوا لله فيه.
    وإن مما يطيب بنفحات تاريخه الذكر، وتتجلى باستعراض مآثره غشاوة الفكر، وهو يمتلك ويحظى من الصفات الجليلة والكريمة أعظمها وأفضلها وأغناها، ومن المناقب أشرفها وأزكاها على مدى زمن تحصيل علمه ودراسته، ثم تدريسه وتعليمه ودعوته.
    إنه المجاهد في الحق/ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) – رحمة الله وبركاته عليه –، وإنه لواحد من رجال الفكر المستورين، وفرد من أفراد الكوادر التعليمية والتربوية المغمورين، ونبراس من أعلام الدعوة إلى الله والحق المخلصين.
    إنه يوم وجد نفسه في مجتمع تملؤه ظلمات الجهل، ومضنيات القهر، وضائقات الاستبداد والاستعباد، وموبقات انحراف العقيدة، وأزمات الخواء الروحي على مستوى الخاصة والعامة بفعل غثرة من أصحاب الضمائر الخربة، وأرباب الذمم الرخيصة، القائم أمرهم على العسف الموروث..
    إنها مواجهة في مقابل فعل متعمد وهو التجهيل، ثم فاعل وهو من ذكر من موصوفي الحال البار بنفسه، فمفعول به وهو المجتمع المهضوض، وهذا الوجود التراكمي الموروث هو الذي أرَّق فكر هذا الداعية النبراس، وأيقظ هدوءه واستقراره، حتى لم يسعه إلا إعلان موقفه الإصلاحي العملي بعلم، والرائد في نواحي تعليم السلوك والأخلاق التربوية والثقافية، وفقه التشريع، وعقيدة الإسلام نظرياً وعملياً، ثم القيام على تنفيذ إزالة كل محدث ومنكر في الدين، بفعل التجهيل الموصوف بما سبق، إزالةً حسيةً ومعنويةً، على مستوى الأقوال والأفعال ظاهراً
    وباطناً، بدءاً بإزالة مجسمات الهياكل والمآثر، الصامدة والجامدة والمتحركة، محفوفة ومغمورة، جاهد إزالتها بالقول لساناً.. في موعظة حسنة، وباليد تغييراً في حكمة حصيفة، وفي قوة الإقدام والزجر ضرورة ومصلحة شرعية، عند الاقتضاء.. ثم إن هذه الصفات التغييرية ظهرت وتقوَّت بعدم استبدالها بما دونها، فهو لم يهن لما أصابه في سبيلها، حتى انتصر بها، وظهر الحق، وزهق كل منكر من الفعل والقول والزور، بإعلان توبة أصحابه.. التوبة النصوح بتنفيذ شروطها.
    ولكم سنرى في سيرة هذا المجاهد الماجد من كنوز ثمينة، ومخبآت مبهرة، ومكنونات عظيمة لم تحظ يدٌ بلمسها، ولا عين بنظرها إلا قليل ما هم، وعنا بها، وقد طابت بالمجالس ذكرها، بعد أن عز وجودها، وندر تداولها، وعظم طلبها، ولقد حرصت على صيد خواطرها بالتنقيب عن احتمال ورودها ومظانـها وقيد شواردها؛ ليكون لي من نشرها نصيب وافر، ومن التعريف بها صلة وبر، وإن كانت لمن كنت له وما أملك، وإنها لحق من مآثره، ومن أوصاف جهاده.
    وقد تحملتها رواية ودراية مستفيضة عن ثقات طلابه، وعدول أصحابه وأصدقائه وأحبابه، لأنشرها وأظهر مكنونها.
    وانبلاج الفجر يعجب الزُّرَّاع، ويغيض خفافيش الظلام الأتباع، ولا أخفي أن هناك من شحَّ عليَّ بالاطلاع على الكثير من تلك الخبايا النافعة، والمآثر الوارفة، ولا أدري إن كان ذلك لضيق الوقت، أو للتحري بغية الدقة في الرواية، والحصافة في النقل، أو احتفاظاً منه بمآثره؛ ليكون له بنشرها قصب السبق، وهو الكريم في طبعه وخُلُقه، والصادق في قوله وفعله.
    وقد فعل بما لا يعدم جوازي الخير، وإنه ليذكر شيخه بكل فخر، وقد سمعته يعد من مناقبه ومحامده وخلاله العظيمة ما تضيق عنه هذه الصفحات.
    وكما أنه لم يبخل علي بما طبع عليه من السخاء دفعه لأن يطلعني على شعاف أنوار مشعة، قدرت على احتضان بريقها قبل استرجاعها بغية التهذيب والترتيب بالاتفاق حسب طلبي، والله من وراء القصد.
    وقد بقيتُ في انتظارها مع إيقاف التنفيذ إلى أن شرفني أحد الأخــوة الأفـاضل بزيـارة خاصة، فكان من حسن الحظ وجميل الصدف أن وقع بين أيدينا أثناء جلستنا المباركة كتاب تحويه مكتبتي الصغيرة الجامعة.
    ولدى تصفحه أبدت لنا مجموعة صفـحاته تعليقات أثرية ذات عبارات دقيقة تشفي الغليل بخط اليد الواضح الجميل، مما كان به شد انتباه الأخ الكريم، إلى أن انتقلنا إلى استعراض كتاب آخر، وعلى صفحته الأخيرة الصفراء نص مخطوط متضمن عشر فقرات تعني وتقصد مجمل وموجز منهج كاتبها في الناحية الفكرية النظرية، والعلمية الدعوية الشرعية تحت عنوان: (خلاصة الدين الإسلامي)، عند ذلك ولما عرف هذا الأخ الصديق الصدوق أن صاحب النص والتعليق هو من ذكرت، وكان على ذلك اسـمه – رحمة الله وبركاته عليه –، حثني وشجعني على أن أكتب عن جهاده، وأظهر تاريـخه ومنهجه، صلةً له، وبراً به، وأداءً لواجب التحمل بالرواية، والنقل الواصف للتذكير به، وإظهار محاسنه، والقدوة الصالحة، عسى الله أن ينفع الخلف بتوثيق جهاده، كما انتفع السلف بتقدير فعاله، وعليه فقد تحريت وتتبـعت حـتى وجـدت أن من أبرِّ الأبناء بالآباء: أبناء الإمام/ أحمد بن حنبل، وهم يظهرون تاريخ والدهم وعلمه وجهاده، وأبَرُّهم: عبد الله الذي أظهر الجليل من معالم والده، ونشر مذهبه الفقهي والعقيدي السلفي، وقد تناول الناس ذلك عنه غالباً، وعن شقيقه/ صالح بن أحمد.
    كذلك كان للإمام/ محمد بن على الشوكاني قَدَمُ بِرٍّ في إظهار معالم والده، ومن ذلك اجتهاده في إيصال نسبه إلى الدعام (أحد ملوك اليمن)، ثم إلى أرحب، وساقه مسلسلاً إلى آدم، مما جعل بعض حساده يتندر عليه، وما نال الثرى الثريا، ولا هيجاء حمل إلا بالمشي رويداً، وقد زاد هذا عندي روح الإقدام على إخراج ما جمعت من سيرة المجاهد، احتساباً لواقع البِر.
    مهما كنت، أقل أهلية من أن أفي بحق المترجَم له، وهو ذلك المجاهد الماجد، وقد أفنى عمره في سبيل الدعوة إلى الله، ومناصرة الحق حتى أظهره.
    وقبل البدء بوضع واقع الرسالة في موضوعها الفعلي لزمها الافتتاح باستعراض التعريف النسبي لشخصية ماجدها قبل استعراض عبقرية جهاده في مجتمع بلده المولود فيه، وقد عاش أفراحه وأتراحه، وعايش أخلاقه في مستقبل عمره، ومع بداية فتوته، قبل نفره لطلب العلم، وطَلب التفقه فيه عقيدة وشريعة ومنهج حياة، تلقاه داخل اليمن وخارجه في ثلاث مدارس رئيسة، ولكل مدرسة نصيب وافر في تأهيله، وكلها ارتوى من صنوف علومها، واستوعب جليل فهومها من الأصول والفروع، إلى أن عاد بها إلى أهله منتفعاً ملياً ونافعاً وفياً، كما سنعرف من موضوع رجوعه مبشراً ومنذراً ومحذراً، مع كامل الإخلاص وشديد الحرص على هدايتهم، فكان له بذلك أعظم الأثر وأنجع التغيير، على مستوى خضم المخالفات الشرعية والدينية، وقد احتلت البلاد وقلوب العباد حينا من الدهر لم تعرف بدايته بفعل التجهيل المقصود، وانعدام المعلم الحكيم المعضود، خاصة في مجتمع الكراهية المعهود، وبالأخص مجتمع (خيران)، وحوله ممن زُكِّيَ في عامتهم ضلال الشرك وظلام الوثنية.
    ولولا ما كان يتمتع به الشيخ من الثقة بالنفس، وكمال التصديق بالجزاء، ووافر العزة بالإيمان، ما نجح، ولا ساد بفعل ولا قول.
    وأقْوَم تعريف، وأظهر بيان نخلص منه إلى رؤية ماهية هذه الرسالة هو: تَمَثُّلُها دعوة مخلصة وصادقة إلى وحدة الصف، ووحدة الكلمة في جماعات الدعوة الإسلامية، ونبذ الخلافات المقصية للألفة، والنابذة للأخوة الإسلامية على أرض الواقع اليوم، ولن يُصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والسلف قدوة الخلف، ويلحق السلف سنة حسناتهم أو سيئاتهم.
    وإنه لبـلاء عظـيم أن يتحقق افتراقُ الـمِلَّة إلى ثلاثٍ وسبعين؛ بفعال من يُسَمُّون أنفسهم: (رجال الشريعة، وحماة العقيدة)، وينتسبون إلى فريق الدعوة، وكلهم للعامة فيهم نظرة احتساب تقليد، واعتقاد وجوب الاقتداء والمتابعة، وذلك على تقرير أنهم علماء، والعلماء ورثة الأنبياء..
    لكنهم لم يعطوا من أنفسهم القدوة الحسنة للناس تعليماً وتوجيهاً، بل إنهم يوقظون الفتنة وهم يتبادلون أوصاف النعرات الجاهلية، إما باعتقاد فارق التزكية التنظيمية أو السُّلالية.. أو للمذهبيهة.. ويبغونها شيعاً وأحزاباً، فأي دعوة هذه؟ أو أي شريعة يقيمونها، أو سنة يتبعونها، ويدعون الناس إليها؟
    يا ليت شعري أن كانوا أوقعوا نسف البركان على معاقل الأوثان.. ونُظَّار الطغيان.. لا على جامعة الإيمان اللازم مباركتها؛ ليكون نسفُهم البركاني حقاً في مقابل تبني الآخرين بقصدهم حقيقة الدفاع عن معقل أوثان قبورٍ لأجسام أرِمَتْ، لكن لَمَّا غَيَّر منكرَ تحصين معالمها شبابُ الإيمان وقد أطاحوا بشُرُفاتها هدماً إلى التسوية.. لِمَا كان اتخذه الناس منها قرُبات يعبدونها مع الله؛ ثار عليهم وأنكر معروفَهم بَشَرٌ ينتمون إلى تنظيم آخر له قدم صدق الدعوة في مجموعة فريقها.. وكم من الأوثان يزكي إقامتَها اختلافُ إخوان العقيدة! وهو لا يشعرون!! وذلك
    مثل: تزكيتهم الحكيمة لنوعِ وثنِ طاغوتية الحكم.. ونوعِ وثنِ طاغوتية الولاء لغير سبيل المؤمنين..
    ولو أنهم فعلوا ما وُعِظوا به من واجب الاعتصام بوحدة الصف ونبذ الفُرقة لحمَوا بذلك شباب الإسلام من تخطف الأهواء والأعداء.. ولكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً، ولأتاهم الله من لدنه أجراً عظيماً، ولهداهم إليه صراطاً مستقيماً.
    ولكنهم لم يفعلوا.
    إنها مأساة الأمة الإسلامية (تراجيديا) حاصلة في مجموعة مسميات الجماعات الإسلامية على الساحة.. سلف وخلف، ومُتصوِّفة، ومُفَرِّطة، ومُفْرطة، ومؤسِّسة، وناصرة، ومُنَظِّرة.. قومية وحزبية.. وإن فيهم ومنهم لمنفِّرون..
    وكلٌّ يدَّعي وصلَ ليلى دون سواه ويفخر!!
    واللهُ أعلم حيث يجعل نصرة دينه، وتحديد رجال صدق الدعوة إليه، أفِيهِم كلهم؟ أم منهم؟! أو مِن خارجهم؟ وما لبدعة في قياس الدين مذهب..
    أما من دونهم: فهم دعاة تحرير فقه الإسلام، ورواد البعث الإسلامي، والانفتاح الروحاني والعقيدي على مذهب ذي النون وابنِ عربي، في مواجهة من يُسَمُّونَهم هُم بـ(جماعة المذاهب الشكلية والعبادية والـحرفية الـجافة)، كابن تيمية، والوهابية، والمودودي، ومَن على شاكِلَتِهم..!! حسب زعمهم.
    وكما أن رسالة المجاهد هذه تشير إلى لمسات علمية من بُنات أفكاره، وبخط بنانه، تحقيقها يظهر سعة علمه، وبُعد نظره، وواقعية فكره، ودقة تفكيره، مهما كان المقدور على إثباته من تلك المحررات مجرد نتف قليل ونزر يسير، لكنه مليء بمدلوله، وفي الموضوع تقريره.
    وأخيراً، فالرسالة في مجمل موضوعاتها لم تتجاوز إثبات وقائع موضوعية علمية وتاريخية، لازمها وصفها في حالتين:
    إحداهما: يدعو إلى اتباع خير قدوة، وهذا وارف المعاني وافر النص والبيان.
    ثانيهما: أعني به تقرير وقفات على واقع الحال المقارن بواقع الأمس، واقع الأمس
    بأحواله، وواقع اليوم في مُضادَّتِه لفقه الحال، وجَرْيِه وراء واقع الحال، إما قصداً وإرادةً، وإما لشُبهَةٍ أو احتمالٍ، وإما لتأويلٍ، ونظراً لظرف الحال القائم تركَتِ الرسالةُ العرضَ للذوات الحاملة، فردية أو جماعية، واكتَفَتْ بالوصول العام في إطار مستلزمات خصال الأدب الرفيع، والنقد البنَّاء، والنُّبل القويم قصداً أو
    إرادة؛ لإيجاد سمو الغاية في المُتابع والمقتدي، بإبعادهم عن واقع حقيقة
    (الألغراشية) المؤذية والمتسلطة، في مقابل رضا موصوفيها عن أنفسهم، وتزكيتهم فعالهم وفعال أتباعهم وأقوالهم، لكنهم يبدون سخطهم على من سواهم بحسبان حسناتهم سيئات!! وهم في تصنيفهم ألدُّ الخصام.
    ولا يفوتني التنبيه بالنصح لقارئ كتاب المجاهد هذا أن يسلك مفهوم الإدلاف إليه بلطف دون الإيغال بعيداً عن الإدراك والفهم الحصيف المتجرد، حتى لا يعود على نفسه بسوء ظنه، وإثم تأويله، فلا تتزكى أو تنتفع.
    والحق أقول بأنه مهما وُجد أو حصل وصف شائن أو سالب احتوته فصوله أو أحدها فما هو إلا مجرد ضرب مَثَل، وإرادة النصيحة الواجب أداؤها بالتحمل شرعاً وخيار الناس يبغونها.
    والدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
    وحاصل علم هذا الكتاب: السماع، والمحررات الشرعية والعرفية ونحو ذلك، بما في ذلك إرفاد وضع سند نسب المجاهد – رحمة الله وبركاته عليه –.
    وقد كنت اطلعت على سند مَشْجَرٍ يحكي نسب آل الطيب في بداية تمييزي، ولما طلبته بغية إرفاقه في هذا الكتاب تعذر وجوده بسبب اختفاء ما كان تبقى من محتويات مكتبة الشيخ – رحمه الله، وغفر له، وتقبل جهاده –، بعضها بالبيع للإنفاق بثمنها على من خلف صغاراً، وبعضها بالإعارة، أو السرقة، أو النهب، وآخر ما تبقى أخذ بالطمع يوم أغار جيش البدر ودخل قريتنا ضمن بقية قرى جبل حديد – قاصداً ومؤملاً استعـادة ملكـه.. وقد كان سَبَق أن بدأ الإمام/ القاسم بن محمد دعوتَه وتأسيسَ ملكه بإعلانه طلب البيعة لنفسه من أعالي هذا الجبل الأشَم – واستهدف بيتَنا بالنهب، حتى لم يبقَ فيه سوى ما ثقُل حملُه وتَفُهَ ثمنه يومها..
    وتاريخ هذا الحدث كان متوافقاً مع حدث حصار السبعين للعاصمة صنعاء تقريباً.
    ولقد اجتهدت لأقرر علمَ سند ذلك المَشْجَر وحالَه.. ولَمَّا لم أحصل عليه توجهت لأبحث عن غيره على مستوى شخصيات فروع آل الطيب هنا وهناك، وقد سمعت بأن مَشْجَراً لدى إخوة إب، فأجمعت وتهيأت للسفر لأستعين به، ولأسند إليه تصحيح ما جمعت، لكن هو الآخر تعذر، وما تركت أحداً له اهتمام بهذا الأمر إلا طلبت اشتراكه، واحتضنت بريق معلوماته، وممن ساعدني مجموعة من أفراد أطايبة إب، وعلى رأسـهم القاضي الخلوق/ عبد الله بن محمد بن عبد الواسـع الطيب، عضو المحكمة العليا – رعاه الله –.
    وكم كنت حريصاً على أن يكون في الصورة الأستاذ الفاضل النبيل الموهوب/ عبدا لملك بن محمد بن عبد الواسع الطيب، وذلك بلازم إطلاعه على الكتاب لإبداء ملاحظاته عليه سلباً أو إيجاباً، وزيادة حرصي على التفاؤل بخط قلمه عليه تقديماً أو توجيهاً أو نصحاً باعتباره عندي عميد الأسرة حالياً ذاتاً وصفةً في مقابل من لا أحسب أن أحداً فينا غيره له تراقيْهِ..
    وعليه: فقد تحيَّنْتُ حتى تم ذلك – بعون الله تعالى –، وعرضت الكتاب عليه قراءة متأنية ومتئدة صفحةً صفحة، وسطراً وكلمة إلى ما قبل الأخير بصفحات معدودات قطع الإكمال عارض سفري المفاجئ في مهمة عمل.
    ثم عارض سفره هو أيضاً إلى خارج البلاد في مهمة عمله، سفيراً متجولاً على ما أذكر بعد انتهاء مدته سفيراً لليمن في باكستان بعام واحد تقريباً.
    وقد كنت استعرضت معه قراءة الكتاب على ما ذكرت، خلال أسبوعين من بعد صلاة الفجر من كل يوم حسب وقت فراغه إلى الساعة الثامنة قبل بدء الدوام، وأحياناً إلى التاسعة، وما كنا نصل إلى نهاية وقتنا حتى يبدي إعجابه وثناءه وتشجيعه، وكل ملاحظة كنت آخذ بها في وقتها، حذفاً، أو إضافةً، أو تقديماً، أو تأخيراً، سطراً، أو جملةً، أو حرفاً، وكان في بعض ما ذكرت نادراً، والكمال لله.
    وفي الجلسة الأخيرة أضاف قوله بأنه لم يسبق له أن قرأ أو اطلع على رسالة أو كتاب تاريخي أو سيري فيه من الميزة العلمية وطرح الأحداث والنصوص والجمل، مثل ما امتاز به هـذا الكتـاب، ثـم أضاف مباركته ودعوته لي قائلاً: " وإني لأبارك هذا العمل، وأرجو الله لك التوفيق والسداد… "، إلى آخر كلمته التشجيعية الطيبة.
    وقد اعتبرتها نُصحاً كريماً ودعوةً مبرورة..
    إلا أنه لـم يتيسَّر لي طلب مثل هذا تـحريراً منه لضيق الوقت، وقد كان إبلاغه بالسفر آنِيَّاً وفورياً لـم يسبق بإخطار حسب علمي، ولا زلت أحرص بأن تكون له كلمة يـحفي بها الكتاب تقريظـاً في أقرب وقت مهما تيسر له، وإلا فستكون كلمته تقديماً في الطبعة الثانية – إن شاء الله –، وكما هو اقتناعه ومنهجه حسب إفصاحه بأنه لا يقرظ مخطوطاً ولا مؤلَّفاً إلا بعد طبْعَتِه الأولى..
    وإني لأعتز بثنائه على الكتاب، وتشجيعِه ومباركتِه إخراجَه ونشرَه بمادتِه جُملةً وتفصيلاً.
    وقد استفدت من ملاحظاته أيما فائدة، وأدركت بها تصحيح أخطاءَ غامضةٍ نادراً ما يُنَبِّهُ إلى مثلِها غيرُه.
    فجزاه الله خير الجزاء.
    وفي ما يلي خطة سير الكتاب وصولاً بها إلى مضمنات المقدمة ببسطِ سيرةِ مجاهدٍ عرفَهُ أهلُهُ وقومُه مضافاً إلى قائمة المجاهدين الأمجاد، في بلد الإسلام والإيمان والحكمة.


    يتبــــــــــــع ..........
    الصور المرفقة الصور المرفقة

  2. #2

    افتراضي رد: كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

    الفصل الأول

    نسبُ المجاهد، ومولدُه







    الفصل الأول:
    نسبُ المجاهد، ومولدُه
    نسبه ومولده محفوفان بوصف حال أسرته، ومقومات مجتمعه
    لا أخفي وضعه محتملاً انقطاع الوصل المسند على ما سأبينه تحقيقاً رافعاً للحرج ملزما بمفهومه طلب اعتذاري لجواز وقوع التقصير، دون الإغناء الوارف بالتحقيق المطلق، وقد اجتهدت في إخراج مضمنات توصيفه من مجموع محررات عرفية محفوظة، ومن محفوظ السمع وشبهه.
    وها أنا أثبت توثيق ذلك محفوفا بالشرح والتعليل والبيان بغية الإغناء الوصفي لذاته، أعَرِّفُه بكنيته متبعاً تقرير نسبه العالي على التحقيق الأولي إلى مثنى بن شرف الدين الطيب، الثابت عليه راجح علمي والمتوقف عنده جهد قراري وغالب اطمئناني.. وعليه:
    فهو: أبو إسماعيل إبراهيم بن يحيى بن حسن بن صالح بن يحيى بن محمد المُلَقَّب (شاكر) بن ناصر المُلَقَّـب (مُشَبَّين) بن مثنى الملقـب (شهوان) بن صالح – الذي منه تفرَّعَت أسرة بني الطيب في جبل حديد إلى بيوت، وقد كان عالماً وشيخاً فقيهاً – ابن يحيى بن صلاح الدين – جده مثنى، المعروف بـ(مشني) تصحيفاً نقلياً بإبدال الثاء شِيناً – بن شرف الدين الطيب.
    ومثني هـذا هـو: أصل فرع بني الطيب في جبل حديد من مديرية خيران – قضاء لشرفين – المنتقل من جبل الأهنوم – قضاء شهارة، عاصمة الدولة القاسمية في اليمن –.. وكان انتقاله أولاً من تعز إلى صنعاء ثم إلى شهارة.
    ومما تجدر الإشارة إليه عن واقع جهالة حال بني الطيب تسلسلاً نسباً إسماً ولقباً للأفراد في بعض الدرجات هو: أن حاصله وقع مبكراً لسبب أو لآخر.. ولا أقل من احتمال واقع أفعال بعض الأئمة بمخالفيهم حتى اضطروهم على الالتزام أخذ الحيطة من أن يصرحوا بأصلهم أو أن يعرفوا بانتسابهم..
    ومنهم من فضل ترك بلد إقامته السابق ليدخل بانتقاله إلى منطقة هجرته في أخوة مع أهلها..
    وقد يكون الترك بسبب التشويه القائم به التزام الرفض المزري.. والتشيع المفرط..
    والجدُّ/ (طيبُ) هو أصل بني الطيب في اليمن والذي منه تفرعت الأحفاد وكونت أُسَراً وبيوتات أَحْيَتْ عدة مناطق وقرى في الشمال والجنوب والوسط، على مستوى البلاد، أشهرهم حالياً: فرع أطايبة إب، في مناطق عمار، والنادرة، والسدة، والرضمة، وفي صباح من قضاء رداع.
    وأقلهم شهرة أسرة محافظة تعز، ثم أسرة ضحيان من محافظة صعدة.
    وفي مكة المكرمة أسرة تُدعى: بني الطيب، وفي السودان كذلك.
    فأما أطايبة إب فأصلهم إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن ناجي بن شرف الدين الطيب والمعروف بإبراهيم الأشرف المنتقل من تعز إلى النادرة في محافظة إب، أما عبد الرحمن فيُعرف بالصوفي.
    ومثنى وعبد الرحمن أمهما: سكينة بنت أحمد بن علي، يصل نسبها لأبيها إلى: محمد بن منصور، وفي مقدمة شرح الأزهار ذكر ورقته في النسب، ومكانته.
    وقد كان انتقال أحفاد هذه الأسرة إلى مناطق الفروع المذكورة بحكم ولائهم للأئمة احتساباً لثواب المناصرة ولإقامة الدعوة لهم بواجب الطاعة وأحقية الولاية، وبحكم فهمهم وتأثيرهم لساناً وشخصية.. وقيل: لغير ذلك.
    وفي ولاية عبد الله بن حمزة تحركت فرقة المطرفية، قال ابن المقري وكذلك الشوكاني والشماحي – رحمهم الله جميعاً –، قالوا: (إن المطرفية فرقة من الزيدية قالوا بجواز الإمامة لغير أبناء فاطمة الزهراء – رضي الله عنها -، مما اضطر هذا الإمام – وقد أنكر مذهبهم – أن يُثْخِن فيهم قتلاً، حتى استنكر الناس جميعاً فعاله، وأدانه العلماء في صنعاء وزبيد وغيرهم كما أدانه كثير من أتباعه وشيعته)، على ما ورد الإشارة به في مقدمة (السيل الجرار) وفي كتاب (ابن الوزير وآراؤه الاعتقادية)، الجزء الأول( ).
    وقد قرأت لواحد من أحفاد هذا الإمام إنه القاضي العلامة السيد/ محمد بن أحمد الكبسي في كتابه (الفروق) بأن المطرفية قُتلوا بمروقهم.. والله أعلم.
    كذلك كان الاستنكار لأفعال الإمام/ صلاح الدين، أحد أئمة الهادوية يوم أعلن سياسته الدموية الظالمة ضد مخالفيه، وتعسفه على الناس أجمعين، وتطبيقه فيهم قوله:
    ولأضربنَّ قبيلةً بقبيلةٍ
    ولأملأنَّ بُيوتَهُن نياحا

    ومن أدلة استنكارهم وإدانتهم إعلانهم مثل هذا الدعاء عليه:
    تلاعبه الأسِنَّةُ والرماحُ
    أرانا الله قبرك يا صلاحُ

    وأسرة بيت الطيب – بارك الله جمعَها – سواءً هذه التي في جبل حديد (الجبل الذي انطلقت منه دعوة الإمام/ القاسم بن محمد، سنة: 1005ﻫ، تـحت حماية هذه الأسرة ومساندتها إلى أن تمت له البيعة في جبل قارَة، سنة: 1006ﻫ، وهي امتداد للتعاون القائم بين الأسرتين منذ تأسيس دولة الأئمة في اليمن أثناء القرن الثالث الهجري على يد الإمام الهادي/ يحيى بن الحسين انطلاقاً من مدينة صعدة).. أم التي في غيره من مناطق اليمن في إب وغيرها على ما سبق الإشارة به مهما صدق الأصل وأبر الوصل وبارك الإسناد.
    ولا خيار لفرع في إنكار أصله مهما ثبت العلم به، وصار العرف عليه.
    والتاريخ منصف، وهو الخصم والحكم الذي لا يرحم، ولا يظلم أحداً وثَّقه صُنعَه، وقد وثَّق من أقطابهم:
    القاضي/ محمد بن أحمد الطيب، الذي تولى نيابة قضاء قعطبة.
    ومحسن بن عبد الله الطيب، الذي تولى نيابة حجة في عهد الأتراك أيضاً.
    والقاضي/ محمد بن يحيى الطيب، الذي قام مع الإمام/ المنصور ضد الأتراك.
    والقاضي العلامة/ محمد بن عبد الواسع الطيب، الذي تولى القضاء في عدة مناطـق من اليمن، وآخرها في رداع، في عهد الإمام/ يحيى حميد الدين – رحمه الله –.
    وممن جَمع من أقطابهم بين المنصب الحكومي ومشيخة القبيلة: الشيخ
    والعالم الفقيه/ صالح بن يحيى بن صلاح الدين الطيب، في منطقة خيران، من محافظة حجة.
    والمنقول عنه تعريفه للإمام/ صلاح الدين بأنه أكثر أئمة الهادوية قهراً لمخالفيه، وتسلطاً على الناس أجمعين، كما أنه أول إمام أحاط به جهله وأثخنته خطيئته مهما وصف بعلمه، فذلك خارج واقع العمل.
    وحاصل هذا الوصف من ناقدٍ بصيرٍ لإمامٍ يدل على عمق فقه واصفه ومبلغ علمه الموصول بسياسة الحكم، ولازم إنكار الظلم وصدق الصدع بكلمة الحق.
    وحقيقة هذا الوصف الإنكاري يعني الإنذار والتحذير للأئمة بعده أن يكون لهم أو لأحدهم مثل هذا المسلك.
    والذي أقصده من هذا العرض هو التدليل على أن الأصل غالباً ما يبارك فرعه أخذاً مِن فهم تأويل الحرص على اللحاق به في الآية: (21) من سورة الطور: والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بإِيْمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ( ).
    ظاهر الآية يقضي بإدراك ولحاق الأبناء المؤمنين بالآباء في الجزاء بدرجات الجنة.
    وهذا اللحاق مهما تحقق لزم به تحقيق واقع متابعتهم في العمل المحقق لإطلاق وصف الآباء قدوة الأبناء، كما يدل عليه قوله تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْض ( ).
    أي أن صلاح الآباء يوصل به صلاح الأبناء، ويعنـي إقرار حصول التشابه في الذات والصفة.
    ومن الأمثـال الرائـدة قول العرب: (هذا الشبلُ من ذاك الأسد)، وقولـهم: (الولدُ سِرَّ أبيه).
    ودعاءُ الخليل/ إبراهيم – عليه السلام – يؤكد هذا المعنى: رَبِّ اْجْعَلْنِي مُقِيْمَ الصَّلاةِ ومِنْ ذُرِّيَّتِي ( ).
    وأسرة بني الطيب في اليمن كغيرها من الأسر تعتز وتفخر بخير قدوة من أصولها وتشجع وتكرم كل متابع ومنتهج سبيل خير سلفها، وأفضل قدوة حسنة في رجالها وأبنائها، وفخر آل الطيب أنهم دعاة إصلاح، ومنهم السادة والقادة.. والشيـخ/ صـالح هذا بصفاته الإصلاحية وعلمه العملي هو الجد الأقرب للمجاهد/ (إبراهيم)، بل هو الأصل الأقرب لأسرة بني الطيب بجميع أفرادها الحاليين في جبل حديد.
    وقد بقيت المشيخة العامة في عقبه أجداد إبراهيم – رحمه الله – إلى حسن بن يحيى بن صالح بن يحيى بن محمد بن ناصر، والذي تدنت فيه إلى مشيخة العاقلة في حدود الأسرة، وهو الصالح في نفسه والتقي في دينه، الورع في مأخذه.
    وقد تنازل بها بعد أن حُصِرت في خصوص عاقلة بني الطيب إلى أحد أبناء عمومته في الفرع الآخر؛ لأصلهم القريب الـمعهود/ (صالح بن يحيى)، الـمتفرع عنه عامة أحفاده، وهم الذين تكاثروا على مستوى جبل حديد، من خاصة أبنائه الثلاثة: مثنى وعبد الله وناصر، على ما سيوضحه مَشْجَرُهم المرفق.
    وكلهم حتى الآن يداً واحدة، وأخوةً متآلفين مترابطين، يمثلون خير سلف لخلفهم.
    وقاهم الله فتنة العصبية وموبقات الحزبية.
    ولا أخفي حقيقة إدراكي مثل هذه الميزة في أسرة إب على مستوى بيوتاتهم ومنازل تواجدهم، أعني ميزة الألفة والإخاء.
    كما أدركت أنه مهما كانت الصلة منقطعة بين أسر آل الطيب هنا وهناك على مستوى مناطق تواجدهم في اليمن إلا أنه عند اللقاء والمواجهة الصادفة أو المعنية يحصل الوُد والألفة وصدق الحديث مما يشعر بحقيقة أصل الرابطة الأسرية الواحدة مع سابق الجهل بمدة التقادم، وسابق الجهل بصلة النسب العالي الذي هو الأصل الجامع في اليمن، سواءً تقرر نسبهم متصلاً إلى أحد السِّبطَين أو تحدد انتسابهم إلى أصـل انتسـاب معـاذ بن جبل – رضي الله عنه – في جده الأقرب/ عمرو بن جشم الخزرجي المدني اليماني..
    وقد كنت أثبتُّ هذا الأخير بناءً على مبلغ علمي من حاصل المستند رقم: (1) كما في النسخة المقدمة إلى مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة.. لعام: 1998م، والتي كسبت جائرة التقدير المادية.. والمعنوية.. وأكبر من ذلك: تقدير التوجيه بطباعتها لتصل إلى أيدي القراء والباحثين والمهتمِّين بالتعرف على الشخصيات الإسلامية المغمورة الثابت لها قدم صدق الدعوة إلى الله وواقع التأثير التربوي والاجتماعي والفكري في زمنٍ مَّا على مستوى منطقةٍ أو بَلْدة أو مدينة أو قُطر أو مِصْر، ولا تكون المشاركة في إثراء المكتبة العلمية معوَّل عليها حقيقة إلا بطباعة الكتاب، وهذا هدفي، أما الغاية فرضا الله ولا مطلب لي سواه.
    أما بمناسبة تقرير أصول نسب المجاهد: فإني أسند على ما أرفقت من مستندات لأُحيل إليها، ومَن أُحيلَ على مليءٍ فليَحْتَل، والمسئولية على التوثيق، ولست إلا مثبتاً راوياً وناقلاً مُسنِداً..
    أما الأول: فذلك الذي يحكي تحديد أصل بني الطيب في اليمن إلى أنصار
    الخزرج.
    وأما المستند الآخر فهو: الذي يحكي صلتهم بنسب الإمام/ يحيى بن حمزة
    في الجد/ جعفر بن علي، أصله: زين العابدين/ علي بن الحسين السبط – رضي
    الله عنه -.
    ثم مستند ثالث: يحكي رواية تفرعهم عن جعفر بن عبد الرحمن، جده عبد الله بن الحسن المثنى.
    وعليه: فإني أتوقف عن التحديد إلى حيث انتهيت مسلسلاً إلى شرف الدين الطيب ثم أرفعه مرسلاً ضرورة مسَلَّمة إلى مقام الأصل الأبوي الأعلى/ آدم، الذي إليه قرار الانتماء البشري وابتداء الوجود الإنساني والذي أصله من تراب.
    ومن أسباب جهالة الصلة: جفاء التواصل؛ بحُجة البُعد السكني بين مناطق انتقالهم، ثم بواقع ضرورة اشتغال كل بحاله المعيشي والاجتماعي.
    كذلك لأسباب وجود التقلبات الولائية للحكام، وقد كان الحاصل قيام أكثر من إمام ودولة في وقت واحد، وكل إمام يستقل بمنطقة أو بعدة مناطق على مستوى جبال اليمن، وسهوله، مما يكون بذلك عزل المناطق عن بعضها وتجري على الواقع سياسة القطاع الخاص على مدى سنوات عديدة.
    وأهم الأسباب: أن العرب بعد الإسلام ما بقيت تهتم بحفظ سلسلة أنسابها لإيمانهم أن ذلك لا يغني من الله شيئاً، وأن أكرم عباد الله إلى الله أتقاهم، ومهما تفرعوا فإن أصلهم آدم، وآدم من طين لازب.
    وتقريري جارٍ على تحقيق ظنية أي سند انتساب مهما ادُّعي حفظه وضبطه على ما حققه الإمام/ أحمد – رحمه الله –، حيث لم يشترط لهذا العلم رجال سند ولا ضبط اتصال لذلك فإني أرحب بأي معلومة تقصد إلى التصحيح العلمي بدرايةٍ أو روايةٍ حذفاً أو إضافة.
    وإرادتي طلبَ التحري من أن أُدخلَ فرعَ انتسابٍ في أصلٍ خارجِ الواقع، أو أُخرجَ أصلَ فرعٍ عن نسبه التابع.
    وعذري في إثبات تحقيق هذا الجمع لأُسَر بني الطيب في اليمن إرادتي بر الصلة، ورجائي تحقيق مبادرة السبق إلى إنهاء القطيعة، وابتغائي توجيه صالح الدعاء بِعَلَمِ هذه الرسالة وفرَط موصوفها، ونبراس مضمونها ومعلومها ومجاهد مكنونها ومفهومها من كافة آل الطيب في كل مكان، وممن سواهم، ومن خاصة عباد الله الصالحين.
    ورحمة الله وبركاته تغشى أبا إسماعيل، وهو فرد في مجتمع قومه، وواحد من خاصة أمجاد أهله، لم يغادرهم إلى جوار ربه إلا وقد غمر ساحتهم بأزكى مفاخر الذِّكر، وأحاطهم بأوفر مقامات لوازم البِر، فكان جديراً بأن يخص بجميل الذكر، وقد امتاز بتحرير الفكر، وإحياء مَوات توحيد الخالق في الظاهر والسر بعد أن داخل الران عقائد عامة الناس وخاصتهم.
    كما أنه قام بإحياء رسالة المسجد وعظاً وإرشاداً وتدريساً وخُطَب جمعة، جهاداً متكاملاً في إحياء الدعوة بعد نسيانها على مستوى عامة بلده ومجتمع قومه، كذلك شمل بعموم دعوته ما يُعَد به ويوصف داعيةً مجدداً تمثل في تصحيح منهج الإتِّباع، وتحقيق مستلزمات القدوة، شمل بهما أصلين مهمين:
    أحدهما: تقويم المذهب الاعتقادي.
    وثانيهما: تحرير المذهب الفقهي السائدان بتأثير الحرص، والقائمان تحت
    شعار: العقلانية، وجوقة الرأي، وقوة سلطان الأمِّيَّة، والتفصيل في هذا
    قادم لازم.
    وإنه لحق أن تفخر هذه الأسرة القريبة بالأولى وقد أنجبت سبب إنقاذها، وسَمَت به في إنقاذ عامة من حولها ممن اكتسبوا بدعوته لسان صدق في الآخرين، وعرفوا لأسرته به حق قدرها، وأَجَلُّوْا سند انتساب أصلها جملة إلى أقطاب رجال الدعوة، عرفوا لها ذلك من واقع برها، ومظهر احتفائها بخيار رجالها من أبنائها أحفاد الأصل.. فهي متى ولِد فيها حَبْرُها اصطفته وأعلنته خير خلف لأصلها، سواءً كان ذلك الأصل هو الجدَّ العائد من الخزرج إلى اليمن ضمن مناصري الدعوة إلى الله شادَّاً عضد ابن أخيه معاذاً بن جبل – رضي الله عنه – رسول رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – داعياً قبائلَ اليمن إلى اعتناق الإسلام، موكَّلاً بتعليمهم وإرشادهم، ووالي شئونَ قضائهم، وجابياً زكاةَ أغنيائهم؛ ليرُدَّها على فقرائهم، وهو المحفوظ نَسَباً إلى كعب بن سلمة الخزرجي المدني اليماني.. ومهما تقرر انتساب طيبٍ إلى هذا الأصل فإنه هو ومعاذُ بن جبل – رضي الله عنه – يلتقيان نسباً في الجـد/ عمرو، فسواءً كان ذلك أم أنه صح تقرير نسبه الهاشمي إلى أحد السِّبطَين على حد علم التحقيقات.. ولا أقطع بصحتها.. كما أنه ليس بوسعي إهمالها.. وقد وُوفِيتُ بها أخيراً عن طريق عميد أسرة بني الطيب في اليمن،
    وهو عن السيد/ محمد الوظاف.. وعن مخطوطة السيد/ محمد الشرفي.. وكما هو مرفق في فصله من هذا الكتاب، ومهما صحَّ هذا أو ذاك فإن البِرَّ والأفضلية ليستا في النسب.. والأصل واحد..
    فالإدخال في الأنساب بالانتساب لا يغني من الحق شيئاً، وفِعله فُحْش ومَقْت يَحيق بالمتعمد.. أما من اعتقد علوَّه لعصبية فيحيق به وصفُ النَّتَن الجاهلي..
    لكن للحفظ لازم، وخيار الجاهلية هم خيار الإسلام باكتساب الفقه.
    والسيدُ مَن ساد قومَه ديناً قِيَماً.. وإن كان عبداً حبشياً.
    ونسب المسلم: دينه، والأصل: آدم، وميزان الفضيلة: التقوى والكرامة بها: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ.
    أما في الجاهلية فالمستهجن مجهول النسب، وفي الإسلام عدم جواز وصل إسناد الانتساب البعيد المفارق بدرجات أصل أو فرع، وفاعله مهضوض الجناح، مهيض القحاح.
    ومسلسل النسب الشريف – على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى السلام – محفوف معلوم إلى الجد الواحد بعد العشرين/ (عدنان)، وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام –.
    وقد اعتنى بعلم الأنساب رجال حُمِدوا على فعالهم، واستهان به آخرون فهانت أخلاقهم، وضاعت مقاييس الفضيلة بينهم.
    وأعود إلى صاحب الوصف الجهادي، ومـجد صدق الاقتداء الصادي في مجتمع قومه وأقران زمانه.
    فنراه ولد من أبوَين كريمَين مشهورَين مغمورَين بأوسطية الحال الاجتماعية في بني الطيب (الخَـيِّرة)، وهو من خيارهم.
    ويوم انتقل والده إلى الله تركه وثلاثةً من إخـوانه، وترتيبه فيهم جاء ثالثهم كما أنه ثاني أصغرهم.
    لم يترك لهم والدهم ما يقيم أودَهم صغاراً حتى يصبحوا رجالاً راعين، وبقوا في رعاية أمهم إلى أن بلغ صغيرُهم رشدَه.
    إن إبراهيم هو الذي اختص فيهم برعي الغنم مع بداية فتوته، على أجر معلوم، وكفاية حالية كغيره من الأيتام، لكن لم يرض لنفسه الاستمرار على هذا الحال بعد أن بان له واقع الناس وطبيعة حالهم، ثم مدى وضعه فيهم، وماذا يجب عليه فعله نحو الخروج من أزمة الجهالة القائمة، ومحيط انعدام المدارس التعليمية، إلا من مدارس تعليم البياض؟
    وقد رآها تُخرِّج أفراداً من بني قومه ونماذجَ من أقران سِنِّه يتنافسون في فك الحروف المهملة والمعجمة من مجموع كلماتها بأقصى التهجي، وهو لا زال في أميته الكُليَّة، مما كان به سبب تفكيره في الهجرة، والسفر لطلب التفقه في الدين، وبيان هذا، والتفصيل فيه قادم.
    وقبل الانتهاء المقطوع به لهذا التقرير النسبي الموضوعي، وتنقيح مناط تحريره ومفهومه وضعاً يعني تحديد وصف وتصنيف حال الفروع في مناطق تواجدها، ومعاقل نُزُلها الحديثة أو القديمة.
    وانطلاقاً من حال أحدهما فرع انتساب المجاهد – رحمة الله وبركاته عليه – الذي استقر معقبه الجد الأقرب انتقالاً على أرض واقع الحال في جبل حديد من بلاد مسروح (خيران)، استقر سكناً وأهلاً في مطلع القرن السادس الهجري تقريباً.
    كما استقر إخوته معقبي الفروع الأخرى من آل الطيب في نفس التاريخ، وأشهرهم أطايبة إب، فرع معقبهم الجد الأدنى أصل تفرعهم الأقرب/ عبد الرحمن شرف الدين الطيب، وقد رأيتُ لهم سندَ انتساب لم يصلوا به إلى درجة جد فرعهم المسمى: شرف الدين الطيب.
    ومهما صَحَّ جمع النسب فإنه سيكون لأسرة ضحيان توصيف هذا التقرير، وعليه فإن معقبهم الذي هو الجد الأدنى أصل تفرعهم الأقرب/ يحيى المحض بن نافع المتصل إلى شرف الدين الطيب، وإن كان قد رأيت لهم مسلسلاً لم يُذكَر فيه اسم شرف الدين الطيب وهو مسلسل ينقصه كمال الحصر لعدد الأجداد، وقد رأيت في خبايا بعض كتب التاريخ توصيفاً لبني الطيب في اليمن وشهاداتٍ مبرورةٍ موثَّقةٍ بأقلام كُتَّابها في مظانِّها كما في (الأعلام) وغيره.
    وللمقحفي في معجم البلدان توثيق بأنهم من علماء اليمن، ولم يشِرْ إلى أصلهم ولا إلى مساكن وجودهم، أو قرى فروعهم الحالية على أرض الواقع.
    وكان لبعض من لقيتُ من أطايبة إب روايةَ انتساب إلى معاذٍ أصلاً، أي: معاذ بن جبل – رضي الله عنه –.
    ويَروِي خاصتُهم سند مَشْجَرٍ محفوظٍ لدى القاضي العلامة/ محمد بن حسين الطيب في مدينة رداع، وأنه يحكي نسب بني الطيب إلى معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أصلاً، لكنهم أضافوا حكاية فقدانه.
    وما جرى به التحقيق هو الواقع، ووافقه الأخوان بالإجماع، واعتبروا ما عداه وهْماً أزاله التحقيق على ما سبق طرحه.
    ولقـد قمـتُ بدوري في البحث على مستوى أخَصِّ المراجع فلم أجد فيها سنداً يُزَكي روايةَ بقاءِ عَقِبٍ لمعاذٍ بن جبل – رضي الله عنه – في اليمن أو غيره.
    ومهما يكن، فإن إسناد الأنساب لا تفيد سوى الظن مهما تمسك أصحابُها برواياتها، وصدَّقوا تشجيراتها، وزخرفة أوراقها وأغصانها، فلا تعدو في واقع أمرها وصف الإمام/ أحمد بن حنبل – رضي الله عنه – لحالها، داخلة ضمن ثلاثة علوم لا أساس لها – لا يشترط لها سند الحديث –:
     علم التفسير (تأويل القرآن الكريم).
     وعلم الملاحم.
     وعلم المغازي والسِّـيَر.
     وعلم الأنسابِ فرعٌ مِن علم السِّـيَر.
    والعلة في واقع مظنة الإدخال للشرف، وواقع الحرص على الفخر بدليل حديث: »ما ذئبانِ جائعانِ أُرسلا في غنمٍ بأفسدَ لها مِن حِرص المرء على المال والشرف لدينه« ( ).
    وحديث: »أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونَهُن، الفخرُ في الأحساب، والطعنُ في الأنساب، والاستسقاءُ بالنجوم، والنياحة…« ( ).
    والحديث ورد بألفاظ وروايات.
    فالمثبت فيها مظنون به وإن لم يتجاوز مبلغ علمه، والـمضلل عنها الـمشكك في واقع صدقها موصوم بالتعسف وعدم الإنصاف والعدل وإن لم يكن ظالماً.
    وأختم تحقيقي هذا بقول الله تعالى: يَا أيُّها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوْباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ ( ).







    الفصل الثاني

    مراحلُ طلبِ
    التحصيل العلمي للمجاهد،
    ونتائجُها







    الفصل الثاني
    مراحلُ طلب التحصيل العلمي للمجاهد، ونتائجُها

    المرحلة الأولى: الإعداد: سببها، ونتائجها.
    المرحلة الثانية: تحديد الوُجهات الطلبية، ونتائجها.
    المرحلة الثالثة: ختام مدارس التعليم: جهتها، وبلد قرارها.












    المرحلة الأولى:
    الإعداد: سببُها، ونتائجُها
    إنها المرحلة المباركة التي رافقتها رعاية الله – عزَّ وجلَّ – بإعداد إبراهيم بن يحيى الطيب لكي تصل به إلى الدور المهم والحاسم في نصرة الحق والجهاد فيه.
    وذلك في وقت وحين من الدهر وصلت فيه أحوال بلده وبني مجتمعه إلى نهاية الانحطاط الاعتقادي، وإلى أسوأ التدني السلوكي، وأبعد التفكك الاجتماعي، وسوء انحراف العادات والتقاليد عن الفطرة السليمة والتعاليم الإسلامية الرفيعة الكريمة.
    وأقصدُ ذلك المجتمع المصغر في جبل حديد وقبيلة مسروح وبني حملة والخميسين: (قبائل ناحية خيران) ومن حولهم من قضاء الشرفين (المحابشة)، وما أُصيبَت هذه المنطقة إلا ببلايا المناطق الأخرى، أو أصيبت كغيرها بالجار والمجرور، وبالجار ذي القربى، والجار الـجُـنُب، والصاحب بالجنب.
    ولَرُبَّ ضارَّةٍ نافعة.
    وقد بدأَتْ مرحلة الطلب هذه بالتفكير في الهجرة لاكتساب العلم دون تحديد الوجهة، وبقيت فكرة قائمة مستورة، حين ظهرت بوادرها بوقوفها متحدية فخر طلاب مدرسة البياض، يوم واجهوه متباهين بفك الحروف الأبجدية بالتهجي لمفرداتها الـمُعجمة والـمُهملة في مقابل غثرةٍ من الناس ورهطٍ من أقرانه.
    وقد كان بذلك إثارة غبنه وتفاعل حرجه، حتى طاب توجهه، وبان مسار وجهته قِبَل المشرق مولياً شطر مدينة شهارة حيث التحق بمدرستها العلمية الهادوية، وبقي مجتهداً حتى أفاد من علومها قدراً علم منه وجود توجُّهات فقهية ومذهبية أخرى، وعلم بأن لهذه التوجُّهات الفقهية مدارسها الخاصة، ولها مقارُّها وشيوخُها، وأشهر تلك المدارس في اليمن مدرسة الأشاعر، وتلك ترعاها مدرسة الشافعية، ومقرها في الجزء الغربي الجنوبي والساحلي من اليمن، والمنشأ الأصل زبيد، وفروعها في بيت الفقيه والزيدية والزهرة وغيرها.
    وبهذه المعرفة المستنيرة بدأت لديه نية فك ارتباط مواصلة طلبه في مدرسة شهارة، من المرحلة الأولى.
    ولم يُعرَف لهذه المرحلة مدة معينة إلا أنه خرج منها بعلم سوغ له التصميم على إنشاء رحلة جديدة في مرحلة ثانية من مراحل طلبه، وقد تجاوزها بنجاح.
    وهذه المرحلة أخذت ثلاثةَ مساراتٍ أو ثلاثَ وُجْهات.











    المرحلة الثانية:
    تحديدُ الوُجْهات الطلبية، ونتائجُها
    الوُجهة الأولى: مدرسة الشغادرة:
    هذه هي الوجهة التي ولَّى وجهه فيها شطر مدرسة الشغادرة، فدرس فيها واستفاد من علومها، لكن لم يزِد عمر طلبه فيها أكثر من أشهُر حتى بدأ يتجه وجهة ثانية، وذلك لَمَّا تبين له أن مدرسة الشغادرة هذه غير مؤهلة لأكثر مما بلغ علمه واهتدى إليه فهمه في هذه الوجهة من مرحلته التعليمية المباركة.
    الوُجهة الثانية: مدرسة الزيدية:
    وهذه الوجهة أو الـجهة هي التي عُرفت مدتـها بـحولَين كاملَين، وضبطت بسنتين دراسيتـين استحـضر فيهما أصول الدين الإسلامي وشيئاً من فروعه، على مستوى شُعَب المدرسة ومراحلِها.
    ولا زال مستفيداً ومستزيداً من مشايخ حلقاتها، ومقررات منهجها الشامل: مادة الفقه، وعلوم القرآن والحديث واللغة العربية، وعلم العقيدة.
    لكن ولَمَّا تبين له حقيقة ماهية هذه المدرسة، وأنها لا تمثل سوى نهر غمر من بحر لجي قراره ومنتهاه مبدءاً وإعادة مدينة زبيد العتيقة باحتوائها أُم مدارس المنهج الشافعي ومرجع أتباع مذهبه، على مستوى اليمن والهند وبلاد السند وما حولها.
    والتي يغشاها رُوَّادُها من طلبة العلم الشرعي بجميع أنواعه، وعلم اللغة العربية، وعلم العقيدة، والتاريخ، والفلسفة، والمنطق، وعلم الفلك، وغيرها من العلوم العقلية والنقلية الواجبة والجائزة، وما دونها معلومة بظاهر النص أو من مفهومه بالمعنى، وكلُّ إناء بما فيه ينضح، وكلٌّ مُيَسر لما خُلِق له.
    منهم من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة: مَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيْدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤتِهِ مِنْها ومَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيْبٍ( ).
    عند ذلك قرر رحلته المباركة في وجهته الأخيرة من مرحلة طلبه الثانية.
    الوُجهة الثالثة: مدرسة زبيد:
    هذه الوجهة كانت نحو عاصمة بني زياد، ثم بني نجاح/ (زبيد) زهرة مدن اليمن الميمون، وكبرى عواصم مدن تهامة يوم كانت عاصمة بني رسول الثانية بعد تعز، بل كانت مدينة مجمع العلماء، أمثال: ابن المقرئ، ومفخرة المدرسة النظامية الرسولية، ومؤسس هذه المدينة هو: محمد بن عبد الله بن زياد في السنة: 204ﻫ لتكون عاصمة الدولة الزيادية في اليمن.
    وعلى معقبات هذا التاريخ وغيره حفها السُّوَّاح والرواد من كل حدب وصوب، وهذا إبراهيم أحد عُمَّامها القاصدين بحر علومها.
    إنه يوم وصل إليها، واحتضنته أسوارُها، لم تبهره مبانيها، ولم تستهوه جنانها، وإنما هز مشاعره مسجدها (الجامع العظيم والواسع)، وشد أوتار تهيبه قراميد دعائمه، واسطوانات قبابه، ثم منازل طلابه، وكثرة رواده، ومنهج جامعته الأشعرية الشافعية.
    فما لبث حتى التحق بأحد شعبها، وحرص على استيعاب موادها.
    وبقي يتنقل ويستظهر علوم حلقات هذه المدرسة الجامعة إلى أن استكمل منهجها، وتفهم شواردها، ووعى مواردها حتى أنكر عقائد المتصوِّفة القبورية بأنواعها …، كما أعرض ونأى عن متابعة نِحلة التقليد المطلق لأقطابها.
    وبناءً على انتحاله هذه الوجهة عُرف في أوساط مشايخه المنكرين بوهَّابِيي العقيدة.
    وهذا الإطلاق هو الذي سبب عزمه على ترك المدرسة الزبيدية هذه، وإقناع نفسه بالانتقال عنها إلى المدرسة الحجازية، ثالث مدارس تأهله.
    وكان قد سمع إطلاق هذه الصفة أثناء مرحلة الطلب الأولى في مدرسة شهارة السالفة، كما سمع إطلاق صفة الشافعية، وقد كان له بهذا لازم تبرير ترك تلك المدرسة الشهارية الهادوية أمام نفسه ليقنعها بالانتقال، وقد فعل، وهو الآن يقنع نفسه برحلة ثالثة، ولهذا بدأ يجمع فكرة إنشاء وجهتها في مرحلة طلب جديدة، يتعرف فيها على ماهية الواهبية عن قرب، وعلى معتنقيها وحاملي فكرتها في مهدها عن كَثَب.
    إذن، فأين سيكون توجيه الله وجهة عبده إبراهيم طالب هدايته في مرحلة طلبه هذه الموصوفة بالثالثة؟
    وفي ما يلي نرى توجيه الله لعبده، وُجهـةً يَشرح بـها صدره، ويُوجد له فيها ضالته، ويَقضي له بها غرضه، ويُزكي بها نفْرته إلى مدرستها العالمية الغامرة، وقد بلغ بعلومها واكتفى.
    كما ظهر له بـها حقا أوفى، وعلماً أغنى، تلقاه عن خيار علماء أهلها وغيرهم من علماء الإسلام الوافدين إليها من غير أعلام اليمن الذين سبق أن قضى فيهم قرابة سبعٍ من عقد الأربعينـات بعد ثلاث مائـة وألف من هجرة المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم –، لكنه لم ينتقل إلا بعد أن استفاد علماً نافعاً أخذه عن أفاضلهم في المدرستين الزيدية والشافعية.






    المرحلة الثالثة:
    ختامُ مدارس التعليم: جهتُها، وبلدُ قرارها
    لقد كانت هذه المرحلة خاتمة مراحل طلبه، لكنها أبر المراحل، وأعظمها من
    حيث: الاتجاه، والوُجهة، والمكان، والاستيعاب، والنتيجة، ثم من حيث: زكاة تحصيلها بالصبر، والاحتساب، وتوزيع جني ثمارها بين خاصة أهله وعامة قومه، وبني مجتمعه يوم أينعت وحان قِطافها.
    ونقف على حقيقية عظَمتها، وصدق برها من واقع وُجهة موليها شطر المسجد الحرام، وناحية مكة المكرمة، وعين الكعبة المشرفة، وحولها مدارس تأهله.
    إنـها حقاً رحلة الـمرحلة المباركة تـحققت بعد تنفيذ رحلات في مرحلتين تـمهيديتين أساسيتين.
    وفي هذه المرحلة وقف منها على عدد من المدارس:
     نظامية، وحلقات تُلقى دروسُها العلمية في أفنية المسجد الحرام، وحول الكعبة المشرفة، في شتى العلوم والفنون الشرعية، والعقيدة السلفية، وغيرها، إلى أن حصل فيها على جواهر المعرفة، وألَمَّ بجليل المذاهب الفقهية العملية التفصيلية، والقواعد الأصولية الإجمالية.
     أما خارج هذه الحلقات:
    1. فمدرسة دار الحديث.
    2. ومدرسة الفلاح.
    3. والمعهد (التركي) أو التونسي أو الإندونيسي – محتملٌ أحدها؛ لعدم وضوح الخط في هذا الاسم العَلَم للمعهد الدراسي المتأهل فيه طالبه الموصوف ضمن مدارس تأهله مسمىً واحداً بخطه يفيد أحد هذه المسميات – أي: أن هذا المعهد هو واحد من مدارس التحصيل العلمي في هذه المرحلة الحاسمة من حياة الشيخ العلمية طالباً في هذا المعهد وغيره، ولعله الذي سـمي فيما بعد بـ(مدرسة دار العلوم) أو غيرها، والله أعلم، والتحقيق لمقتضى أمانة النقل.
    فكل تلك الحلقات وهذه المدارس أخذ عنها وتأهل فيها بما عَذُب له وطاب من علومها.
    وقد لازمها طوال عقد الخمسينات بعد ثلاثمائة وألفٍ من الهجرة المباركة.
    فكان الأكثر عنها أخذاً والأحرص عليها التزاماً من هذه المدارس:
     مدرسة دار الحديث المكية.
     والمعهد التركي في حي الباب، والقائم حالياً باسم: (دار العلوم) على الأرجح.
    ومن مذكراته نُثبِت بعض مشايخه مثل:
     الشيخ/ هارون.
     والشيخ/ أبي الحسن الزواوي.
    وغيرهما.

    ومن الحلقات في الحَرَم:
    الحلقة التي تولى التدريس فيها إمام الحرم عالِم عصره وفريد دهره الشيخ الإمام/ عبد المهيمن الأسمني (أبو السمـح) – هكذا وجدته في تعليقاته –، والشيخ/ محمد جمال، أستاذ التفسير وشيخ الدعوة التربوية والفكرية الرائدة.
    لقد كانت ملازمة إبراهيم بن يحيى لمدارس مكة المكرمة، وحلقات المسجد الحرام عشر سنين دأباً علاوةً على سبعٍ سبقتها في مدارس اليمن الشهيرة هي التي جعلته يضطلع بأنواع العلوم الشرعية، كما مكنته من القدرة على نقد المذهبية الفقهية والعقيدية، وبصَّرته في الحق من مجموعها، وكرَّهته في التعصب لها، ورغَّبته في الانتصار لما وافق السنة منها، والعمل على نشرها وتطبيقها على الواقع العملي في حياة الناس، والذود عنها بالقول والفعل، وإزالة ما يخالفها مِن بدعٍ وضلالاتٍ ومُحدَثاتٍ في الدين والقِيَم والأخلاق.
    ولقد كان أحرص ما كان أحرص عليه علم العقيدة السلفية، وعلم فقه الدعوة الفكرية، لما يعلم من حاجته الأولية والـماسَّة الـملحة إليهما، لمواجهة أصنام بلده، ومعتقدات قومه وكبرياء متفيقهي ومتفيهقي أهله ومنظري عامة مجتمعه إذا رجع إليهم منذراً أو مبشراً، ولعلهم يحذرون.
    وإنه لأحرص على هدايتـهم بدليل تخليه عن مصالحه الشخصية ومنافع دنياه يوم آثر الرجوع من مكة إلى بلده على بقائه في بلد الله الحرام، وقد كان حصـل فيها على جميع المقومات المادية والمعنوية، تخلى عن زواجه بفتاة ذات شرف ومكانة من سادات مكة بعد العقد عليها لَمَّا رأى أنها مانِعَتُه من السفر إلى أهله.
    كذلك تخلى عن الجنسية السعودية بعد منحِه إياها، رغبةً عنها، لَمَّا رأى أنها تفك ارتباطه باليمن وأهله فيها، وأنها بداية وضع التفرقة بالجنسية الشكلية في الوطن العربي الواحد.
    وقد كان شيخه/ أبو السمح، وشيخه الآخر/ محمد جمال من أشد المتمسكين ببقائه في مكة، ومن أكثر مشايخه وأصدقائه ومحبيه إلحاحاً عليه في الإبقاء على زوجه تلك الفتاة التي ارتبطت به عَقْداً.
    وحتى أهلها حاولوا إقناعه وإثناءه بشتى الوسائل وأنواع الترغيب، وهم يحبون أن يبقى على التمسك بالجنسية التي مُنحت له.
    وقد كُفِل له العمل مدرساً وإماماً لمسجد الجُمَّيْزَة في أحد أحياء مكة، لكنه فضل السفر بعد أن اختارَ اللهَ فخَيَّره، ثم عزم بإرادته حُسن الآخرة.
    وقد وَجَد مَن أعانه، وزكى عزيمته، وقوى عزمه، بعد الاجتماع به والتعـرف عليه عن طريق الأستاذ الشيخ/ محمد جمال ( )، وذلك هو الشيخ الفاضل/ عبد الله بن محمد القرعاوي، مؤسِّس معهد سامطة العلمي، حيث اصطحبه في رحلته إلى سامطة، مقر المعهد الواقع جنوب جيزان، قرب حدود السعودية مع اليمن.
    وكان الـمعهد في بداية تأسيسه، وقد اتفق يوم افتتاحه، ووجود إبراهيم بن يحيى، ونزوله ضيفاً على مدينة سامطة وفي بيت القرعاوي، ولَكَمْ أثْمَر هذا الوفاق المبارك بين الشيخين/ عبـد الله القـرعاوي وإبراهيم الطيب، ثم بينه وبين الشيخين/ ناصر خَلُوفَة، وحافظ أحمد حَكَمي – العالِم الشاب –.
    ومنذ ذلك الحين وُطِّدت علاقات اتفاق بين المضيفِين وضيفهم على أن يكون المعهد حلقة وصل ومنارة إشعاع علمية بين الطرفين.
    وعلى أن يعود الطرف الفرد إلى أهله وذويه رافعاً عَلَم جهاد الدعوة والتبليغ، والانتصـار للحـق، والبغض للباطل، والتصدي له، والاجتهاد غير المتناهي في التصفية والتربية؛ لإيجاد شباب من قومه ينصرون الحق وأهله، ويدحضون الباطل وجنده، ثم تمهيدهم وإعدادهم لتقبُّل العلوم الشرعية دراسةً وتطبيقاً إلى حد الاطمئنان في البِر بتزكيتهم لظاهر الإخلاص فيهم، والولاء المطلق لله.
    وعليـه: يكون إرسالهم طلبةً مهيأين للدراسة في المعهد إلى التخرج فيه، وهذا ما كان عليـه الاتفـاق، وتـم به التنفيذ، فزكَّى دفعاتٍ، وأعدَّ وحداتٍ، ثم جماعاتٍ وأفراداً، وتفصيلُ هذا في طبـيعة دعـوته – رحمـة الله وبركـاته عليه –.
    ومن الذين تم إرسالهم: مَن ثبت وواصل دراسته حتى تخرج في المعهد، ومنهم من تعثَّر وعاد إلى أهله غير فاشل، لكن ظروفَه الأُسَرية ومشاكلَه الخاصة هي التي اضطرته.
    ثم كان من أسباب تعثرهم انتقال الشيخ/ إبراهيم إلى جوار ربه، وقد كان لهم بمثابة الراعي، والمشجع، والمعين، والناصح، وبفقدانه حُرموا مواصلة تعليمهم مختارِين.
    لكن مَن واصلَ حتى تخرج نـاجحاً أمثال: الشيخ/ محسن بن محمد الطيب – أكرمه الله –، كان هو النبراس والطريق لتخريج آخرين إلى اليوم بفضل الله، ثم بفضل تلك الحلقات المباركة المؤسَّسة في جبل حديد منذ أن رجع إليه مَنْ منه بدى، وإليه بدعوته عاد المجاهد في الحق الشيخ/ إبراهيم بن يحيى الطيب – رحمه الله وغفر له –، ثم أولئك الذين عادوا غير فاشلين، لم يعودوا إلا مجتهدين مُبِرِّين في تعليم أبناء قُرَاهم ومرشدين لكبارهم، ومصلحين في عامة قومهم، حتى كان الواقع منهم الدفع بكثير من الشباب والأبناء إلى واجب السفر لاكتساب العلم النافع، والعودة به مليئين تعليماً وتطبيقاً، إقتداءً بالسلف المجاهد، وإحياءً لأثره، وامتداداً لدعوته.
    ونتيجةً لذلك فإن أبناء المنطقة المتخرجين حتى اليوم قد أصبحوا يغطون حاجات المعاهد والمدارس القائمة تحت إشراف الدولة (الجمهورية اليمنية) على مستوى مديرية خيران.
    وهنـاك رجـالٌ وشبابٌ آخـرون، منهـم من أفاضوا بخير ما يحملون على مَن دونَهم، وغطَّوا ثغراتٍ في وظائفَ متنوعةٍ داخل مؤسسات الدولة وسلطاتها.
    وإنه لَخيرٌ ممتد الجذور من علم موروث خلَّفـه المـجاهد/ إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليـه – يصله ثوابه صدقةً جاريةً ضمن أجور الصـدقات التي خلَّفها.

    والله يعلمها، وهو يضاعفها له إن شاء أضعافاً كثيرة.
    وإني لأرجو الله أن يوفقني لتفصيل مراحل جهاده، كما أحسب أنني توفقت في عرض مراحل طلبه على ما سبق ( ).















    الفصل الثالث

    طبيعةُ دعوة المجاهد
    التعليمية والعمَلية








    الفصل الثالث
    طبيعةُ دعوة المجاهد التعليمية والعمَلية

    ويخصُّه ثلاثة فروع:
    الفرع الأول: تقرير طبيعة الدعوة.
    الفرع الثاني: تقرير أوصاف الدعوة، وحقائقها.
    الفرع الثالث: ربط مصير الدعوة بالتصفية والتربية.










    الفرع الأول:
    تقريرُ طبيعة الدعوة
    إنه لَمَّا رجع إلى أهله وقومه في منطقة خيران، وهو يعلم ما قومه عليه من مخالفات شرعية وعقيدية وثنية – وما بعد الشرك من ذنْب –.
    لم يكن خافياً عليه طبيعة دعوته، وما كان يَنتظر أنها ستكون محفوفةً بالورد، ولا مستقبِلة في الأحضان، لعلمه بسير مجتمعها على مظاهر الجاهلية حذو القذة بالقذة.
    وزيادة دعوى أن كل تلك المخالفات الشرعية القولية والفعلية والعادية والتقليدية هي الإسلام، وأن خلعها ومخالفتها والتنديد بها ومحاربتها ناصبية، ودعوة إلى دين جديد، وعقيدة جديدة، ومذهب جديد مبتَدَع (وهَّابي) يجب التصدي له، والوقوف ضد انتشاره، ومحاربته، ومطاردة القائمين عليه والمنتصرين لمبادئه.
    إنه لـم يرجع إلى بلده إلا وهو يعلم أنه سيـواجه ركامـاً من الـمظاهر الـجاهلية على الساحة منها:
    أن أكثرَ ما هو موجودٌ غيرُ إسلامي، وأن معظمَ ما هو موجودٌ مناقضٌ
    للإسلام.
    حيث أن أولَ موجودٍ هو سيادةُ الشرك الخارج بالكفر، ونهاية محفوفة التسليم كُرهاً بوطأة نظام الأُميَّة الداخل بالجهل البسيط والمركب على عامة الناس وخاصتهم، وفي المجتمع من يجادل لهذا الركام وينتصر له، وهم صنفان:
     جاهلٌ أعمى البصر.
     ومكابرٌ أعمى البصيرة.
    كلاهما يعمل تحت بيرق سيدي، وراية مولاي سلباً.
    كما يعلم أنه سيواجه أيضاً صنفين آخرين:
     نظاماً حاكماً بعموم الأمية، والإغلاق السالب للحرية.
     ونفعيين مرتزقة بالخصوص المستذل الضارب إيجاباً.
    فالركام الجاهلي أقوى سند للأنظمة الحاكمة الظالمة في كل زمان ومكان، وملزمات الإسلام تمثل المنغِّص العلقم لهذه الأنظمة، مهما تظاهرت أنها تعمل له، وتتشدق بتطبيقه، لكن مؤقتا لأمر تطلبه، ولحاجةٍ تقضيها، ثم تقلب ظهر المجن وتتنكر لكل جميل، وخصمها من ظنت أنه ليس معها أو ينكر شيئاً من سلوكها.
    فهي تطبق نظام الاستبداد، وتنادي بالحرية الديموقراطية المتحررة من كل التزام شرعي إسلامي، يعني: التزام تطبيق الحدود والقصاص، أو يعني: منع التعامل بالربا في البنوك والمصارف وغيرها، أو يعني: منع السفور والتبرج والتزام الحجاب الإسلامي للمرأة المسلمة في البلاد الإسلامية، كذلك التزام متابعة توجيهات الإسلام أمراً ونهياً عاماً وخاصاً دون تفريط أو إفراط أو متابعة لسنن الكافرين الديموقراطية المتحررة من كل خُلق ودين.. ثم يكون التَّنكر للإسلام واتهامه بالقصور تارة وبالوحشية تارة أخرى..!!
    فيا له من ظلم وافتراء جعل يوم السلف أبر وأزكى من يوم الخلف..!! وأصدق حديثاً، وأقوم عدلاً، ولإِمامُ السلف الواحد المستبد أعدل وأرحم من أئمة دعاة الديموقراطية الخلف في دول مجتمع الكرهية العرب المطبقين لأنظمة التفريط في الدين والإفراط في التحرر من التزاماته وقيمه وأخلاقه.
    أما المرتزقة النفعيون بما فيهم علماء السوء الذين يدورون مع الأنظمة حيث دارت، ثم أين ما تكون المصلحة.. فثم وجه الله! لقدرتهم على تطويع الأدلة وتمرينها لكل مُحْدَث على مزاج صاحب النظام القائم، ولَو إلى حد تسمية النظام الشيوعي بالاشتراكية الإسلامية، وأن الإسلام هو دين الاشتراكية، أو الشهادة للنظام الرأسمالي بأن أصلَه تقريرُ الحرية الإسلامية المالية للإنسان بحق التملك..!
    كما تبنوا الدعاية للقومية العربية، مقابل إلغاء الأخوة الإسلامية.
    كذا الديموقراطية مهما أعطت حق التشريع لغير الله ورسوله، وألغت شرع الله ورسوله فهي شورى إسلامية ملزمة..!!
    وهم الذين يُهَلِّلون لِمَلَكِيَّة المَلِك العَضُوض مهما فَرَضَت الدكتاتورية، وألغَتِ الشورى.
    فهؤلاء قاموا بأسلمة ذلك كله تطبيقاً وتنفيذاً لرغبة مَلِكِها وسلطانها مهما فرَّط في العدل، وأوغل في التحرر.
    كما يهللون أيضاً لأنظمة حكام الجمهوريات وسلطاتها التنفيذية مهما أفرطت.
    قاموا بذلك وهم يعلـمون واجبهم في الترفع بالإسلام عن أن يلهث خلف الشعارات الزائفة، والدعايات الجوفاء المدغدغة لعواطف العوام وسُذَّاج الخواص..
    وهم يدَّعون أن ما يقومون به هو من موجبات الإسلام عليهم، ولو لم يفعلوا لحق عليهم عقاب الله لمخالفتهم أمره في قوله سبحانه: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيْعُوا اللهَ وأطِيْعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ( ).
    وهذا بدعواهم أن طاعة الحاكم لازمة الإطلاق مرسلة القيد والشرط.
    ولم يضعوا في حسبانهم أن الحاكم الذي تلزم طاعته هو الحاكم المسلم، المطبق شرع الله ورسوله، مع مراعاة حدود الطاعة الشرعية، إلى مبلغ تطبيق القاعدة الشرعية المحدِّدة لمدى واجب الإلتزام بالصبر على الحكام وولاة الأمر الظلمة.. فإما إلى رؤية الكفر البواح، وإما إلى ترك إقامة الصلاة.
    فما أشبه اليوم بالبارحة، ولَجاهلية قبل الإسلام أخف ضرراً وفتنة من جاهلية القرن الرابع عشر، وهي تعطي الـحاكمية الـخاصة بالله في الإسلام للشعب بالشعب وللشعب!!! إنه الطاغوت الجديد.
    والركام الجاهلي سواء أكان ذلك الذي سبق الإسلام، أو الذي طرأ عليه، فإن العائق فيهما واحد أمام الدعوة للإسلام وفي مقابلة المنتصرين له الباغين انتشاره.
    فغيبة نظام الإسلام بعد الإسلام يساوي نظام الجاهلية قبل الإسلام.
    والصفة الجامعة بين السابق واللاحق من هذا الركام هو رفض الإسلام والتمرد عليه، أو التقليل من شأنه، أو ربطه ببدع أو خرافات، أو إلغائه بشِرْكِيَّات ومعبودات على خلاف ما يعنيه أمْرُ الشرع فعلاً، أو على عكس ما يقصده النهيُ تركاً، أو التشكيك فيه كرسالة سماوية منقذة للبشرية ناهضة بها آخذة بيدها إلى المكان اللائق بها محققة لها الخيرية على كل الأمم.
    وبإدراك إبراهيم لطبيعة دعوته فيما سيواجهها من ركام جاهلي طرأ على العمل بملزمات الإسلام في حياة مجتمع هذا الداعية الإسلامي الرائد بإخلاصه في حياة دعوته مع أهله وعشيرته.
    كذلك رائد في إدراك أن الإسلام قد أقام دولة منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، وكانت دولةً ناجحةً يقيناً.
    وأن تخلف المسلمين عن الإسلام إيجاباً من أنظمة الحكم الظالمة وسلباً من أفراد المجتمعات المغلوبة، وتفريطاً أو تقصيراً من العلماء المتخاذلين والمتزلِّفين.
    كل هذه السلبيات الركامية كانت هي الأساس في إزاحة تطبيق أحكام الإسلام، وإنهاء دولة الإسلام، وإيجاد الشركيات والبدع والخرافات عامة في بلاد الإسلام، واليمن من أوسطها، وخُص فيها إن شئت منطقة خيران وعلى مستوى عامة من دونها ومن حولها.
    إن معرفة إبراهيم بكل هذا الركام جعلته يوجب على نفسه شيئاً من الالتزامات لتصحيح أوضاع سائدة في أهله وعشيرته وهم يرزحون فيها بجهالة الأمية، وعامية العويلِمة، وسيادة الجبابرة بين وقت وآخر، وإن كان جريان مثل هذا في الغالب من ملزمات السنن الخاصة بضرورة حاصل الولاية في كل مجتمع أو أمة عليهم من أنفسهم أمثال حالـهم بنص قاعدة: (الجزاء من جنس العمل)، و(كما تكونوا يُوَلَّ عليكم).
    وعليه: فقد كان وُلاةُ مجتمع هذا الداعية مِن مثل أمثالهم، وعلمه سابق بذلك.
    وقد عاد لِيُحَوِّلَهُم من جهلهم القارص إلى نور الدين الخالص، عاد للتمسيك بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، والالتزام بنشرها ولاءً وبراءً، نفياً في الألوهية والعبودية الطاغوتية والأنـداد والأرباب، وإثباتاً لألوهية الله في القصد والإرادة و التعظيم والمحبة والخوف والرجاء.
    وكذلك التزاماً بتحقيق مقتضياتها وتطبيق شروطها المتمثلة في:
    العلم النافع، ثم في اليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة على ما اقتضته هذه الشروط وعَنَتْه ودلَّت عليه.
    وما كان يخفى عليه مشقة هذا الالتزام، ولا طبيعة مُظْنِياته.
    لكن يقينه وثقته بالله في توفيقه وإعانته سبقت ثقته بنفسه ودراسته الواعية لمفاهيم الإسلام، والفهم السليم للمنهج القويم في تبليغ الدعوة إلى الناس المحتاجين إليها، وأولهم أهله وعشيرته أحق الناس ببِرِّه.
    وفهمه أن الإسلام جهاد وتضحية وعزيمة صادقة وصبر ومصابرة، وقناعة بسلوك هذا الطريق؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِيْنَ جَاهَدُوا فِيْنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِين ( ).
    وأصدق وصف وأجمعه لطبيعة دعوته فيما يتلخص من أحوالها، وذلك في ثلاثة أوصاف:
     وصفٌ يتعلق بشخص الداعية: وخير ما يطلق عليه أنه غريب حال، طوبى له، فهو عالم عارف، وداعية مخلص، ومصلح مجاهد (قصداً وإرادةً).
     ووصفٌ يتعلق بمن تواجه بهم في دعوته، وهم ثلاثة أصناف:
    1. جاهلٌ شاطح.
    2. ومتعرِّفٌ طالح.
    3. ومتسلِّطٌ جارح، تحت سيادة الوثنية العقيدية، موروث الأمية الضاربة بحاليها.
     ووصف يتعلق بذاتية ما يدعو إليه.. وأصدق تعريف له: أنه غائب زمان
    ومكان، ليس مجرد الغربة التي لا تحتاج إلا إلى العودة فحسب، وبجهد أقل في مرحلة واحدة.
    فذاتية المدعو إليه هو: الإسلام الغائب، والغَيبة تعني: الاختفاء، ويفرض جهل المكان.
    أما الغُربة فتعني: الهجرة إلى مكان معلوم، ومشكلة غَيبة الإسلام أعقد من مشكلة غُربته؛ لأن الغَيبة تتطلب مرحلتين:
     البحث عن المكان.
     ثم العودة.
    أما الغربة، فلا تحتاج إلا مرحلة العودة … كما سبق.
    وغريب الحال في الوصف الأول يقصد به:
    ما يقوم به الداعية من الالتزام بالدين عقيدة وشريعة، ونظام حياة، والحرص على التمسك بالسنة، في مقابلة أصناف الوصف الثاني، وبضده تتميز الأشياء.
    ولقد كان إبراهيم – رحمه الله تعالى – حاملَ علم وفقه إلى جهَلة ساذَجِين في مجتمع الكراهية على مستوى الأفراد السلبيِّين.
    لكن لم يتباه بعلمه، ولم يظهر فيقهةً ولا فيهقةً ولا تنطعاً، وقد اكتفى منه بإظهار جانب علم العقيدة الدعوي لمناسبة الحال في المرحلة الأولى، ولما بدأ يروي ويغذي الفهوم ببقية العلوم خاصة أوائل طلابه الواردين بعد ملئهم بفقه العقيدة: قطعه الأجل، وما كان الخاصة قبل رجوعه إليهم مربياً ومعلماً وموجهاً مرشداً إلاَّ: أفراداً في العامة السابحة في الجهل.
    فالعامة: لا يحملون من العلم غير الجهل به، ولا من المعرفة إلا الغباء.
    ولكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث، وتحديث الناس فوق ما يدركون تعنت وتغريب يعرض لتكذيب الله ورسوله، والسخرية بالمتحدث وحديثه، وسنعرض من الواقع خير شاهد على نجاح أسلوبه على مستوى عامة العوام، ثم الخاصة فيهم، وقد كانوا على بصيص علم في حدود معلومات: بدائع الزهور، والرحلة السندبادية، وتودُّد الجارية، وقمر الزمان، (مجموعة قصص خيالية وخرافية).
    أما خواصُّهم: فمُتعرِّفون فَسَقَة، خارجون عن الحق بالمطاوعة، وبارُّون بمصالحهم لدى السادة والسَّدَنَة، وقد طابت لهم عبادة الأصنام والأوثان.
    وعرَّافون خراصون حسدة، ما فتئوا يتزاحمون على تأليه المادة والجن دون الله، حتى أُرهقوا وأُنهكوا بما طالهم من العبث بمثل ما طال سلفهم المستعين بعظيم الوادي من سفهاء قومه، أيام الجاهلية الأولى.
    أما السُّلطة: فهم الحكام، صانعوا أمهات العوائق، لإقصاء علماء الإسلام عن المشاركة في بناء وتطوير نظام الحياة، وعزلهم عن الهيمنة على شئونها ابتداءً ومساراً وانتهاءً، خاصة فيما يعني تقرير سلطة الشورى وولايتها وتحديد العلاقة السياسية والاجتماعية والثقافية، بينهم وبين عامة من ولاهم الله أمرهم، وذلك حال أنظمة الاستبداد وإن جمهروا فهم لا يرون مانعاً من أن يظل الإسلام شكلاً أو رمزاً.
    ولا مانع من أن يستعـان به في التأييد جنباً إلى جنب مع بقية الدعايات والوسائل الأخرى.
    ولازم هذا الوصف العموم والشمول جـملة بلاد الإسـلام حينها، واليمن واحد منها، وحظـه نصيب الأسد لاحتفاظه بأنواع عوائق الركام الـجاهلي، قصداً وإرادةً من سلطته الحاكمة العاضَّة.
    ومنطقة خيران من بلاد اليمن معضوضة الجهل المركب ولا يَتَوَهَّمَنْ أحدٌ أن ذلك الحكمَ العاضَّ أحسنَ منه نظامُ حكمِ اليومِ المبني على مبدأ حرية الديموقراطية المتحررة من قيود الدين والتشريع الرباني..
    فكلاهـما ركام جاهلي من نوع الإفراط والتفريط، ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
    ودليلنا حاصل ما تنص عليه دساتير معظم الدول القائمة في بلاد المسلمين
    على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن الشـريعة الإسـلامية مصدر القوانين، أو الـمصدرالرئيسي (الرئيس) للقوانين، ولا يهم بعد ذلك تنحية الإسلام وتعطيله عن الحركة والعمل ما دام مِحْـبَراً على الورق مُدَسْـتَراً، بل لا يهُم أن تتعلمن الدولة بعد ذلك أو تجهل مرتدة أو مـخضرمة جانـحة.
    وإنه لَمِن عظيم السخرية وشديد المهزلة أن يجعلوا للدستور الوضعي القوامة والتفضيل على الإسلام بمنحه حق تشريع القوانين، وحق تقديمه عليها، أو مساواته بها، أو منحه حق التدين به على المسلمين، وبهذا صار الدستور الوضعي في المركز الأول؛ لأنه المانح، والإسلام في المركز الثاني لأنه الممنوح، وللشعب حق الموافقة أو الرفض!!
    فيا له من هُزالٍ ومَرَضٍ عُضال واقعٌ بمن يسمُّون أنفسَهم رجالَ القانون، وهم يُنقِّصون شرع الله ورسوله! وحالهم تقتضي الإشفاق عليهم والرحمة بهم لإفراطهم في الولاء لأعدائهم، وتفريطهم في البراء الذي كان به حقيقة حياتهم الحضارية والمدنية، وإنه لجهل عظيم بمقومات شريعتهم أن ضلوا عنها على فرض إسلامهم حسب دعواهم.
    أما حال وسائل إعلامهم الحزبي فلا تعلم نفس في أي وادٍ غير ذي مخرج فيه يهيمون، أو في أي جُرُف غير ذي منع يهـلِكون بـهوامه، مهما بقيت خوالفُ تترى بألد الـخصام الألـحن إصداراً وتهويلاً، والأعظم حجةً وتبريراً، مزكى بأنوار فقه الحال وفَيْهَقَة المقال..!

    الفرع الثاني:
    تقريرُ أوصاف الدعوة، وحقائقُها
    ولبيان ما سبق في عرض أوصاف طبيعة دعوة هذا المجاهد الماجد، ولتوضيح ما أُجمل، وقد يراه المطلع والقارئ لهذا الكتاب، وهو ليس من سكان المنطقة، ولا من المعاصرين، ولا من العارفين أن في وصف حال المنطقة بمجتمعها العقيدي والثقافي والسياسي والعادات والتقاليد المُحْدَثة والموروثة مبالغةً عامة نحو السلبية، وتحاملاً لا مبرر له.
    لذلك نرى أنه لا مانع من وضع حقائق ترفع هذا التوهم بإسنادها، مع تحاشي التخصيص في المسميات الفردية الصانعة سلباً؛ لاحتمال تفاعلها إيجاباً، بفعل التأثر النفسي الطبيعي أصلا في الحال، وفرعا في المآل والاستقبال.
    وبما أن السابق قد عفا احتساباً لحقه عند ربه فيما أوذي فيه من قبل شواذ ذلك الأصل الـمنكر للدعوة فيهم، وخاصة لـمن تبنى دعوتـهم ليهديهم، والله غفور رحيم بعد أن تابعوا، وتابوا، وأخلصوا، وخلَّفوا عقِبَهم ذريةً طيبةً، تخرَّجوا بهم عن واقع تربية وحسن مآب.
    الحقيقة الأولى:
    وجود الجهل البسيط المتمثل في انعدام وسيلة العلم في المنطقة المذكورة على الأقل، ثم في انعدام حقيقة الإسلام في مقابل مسمى إسلام قبوري وثني.
    والنتيجة: انتشار الجهل الكُلِّي المستحيل معه وجود أي معرفة علمية بصفةٍ عامة، مهما تهيأ به إنشاء عبادة غير الله تعالى عملياً واعتقادياً، وقد تمثلت في الذبح والنذر والدعاء والخوف والرجاء لِجِنٍ وإنسٍ وأنصابٍ وأوثانٍ من دون الله.
    ونماذج تلك المعبودات:
     جِنُّ (حَيْدِ عِمْران).
     وقبرُ (قُبةِ الصَّمَدة).
     و(مالِطُ المسحلة).
     وقبرُ (سيِّدِ شالف).
     ومعبوداتٌ أخرى على قمة جبل حديد ونواحيه.
     وفي المغربة: قبرُ (الشالِفيَّة بيتُ الشاوري).
     وقبرُ (ذراعِ القشابة).
     وقبرُ (الطيرِ)، في طُفْيان.
     وقبرُ (عليِّ بن أحمد)، في غرب بني حملة (السِّرِبة)، وهذا الذي كان الناس يحجون إليه في كل عام مرة أو مرتين:
    1. أما الحِج الأول: ففي الأسبوع التالي لعيد الأضحى، واليوم الأكبر المعظم هو اليوم المقابل ليوم العيد (رأس الأسبوع).
    2. وأما الحِج الثاني: فيُتَهَيَّأُ له في شهر رجب، ويومه يوم السابع والعشرين
    المسمى ليلتـه بليلة (الإسراء والمعراج) على ما سيأتي في مكانه.
     وفي الحدادة: (مريَمُ جِنِّيةُ الركية).
     وفي معزيبة المُحَرَّق: قبرُ (شايعِ حربي)، من بيت الشيخ.
    كل هذه المعبودات في بلاد مسروح من ناحية خيران.
    وسنكون بعد قليل مع تفاصيل حال هذا الداعية معها وسَدَنَتِها والمنتصرين لها، وذلك عند الدخول في تفصيل عرض المراحل.
    الحقيقة الثانية:
    وجود الـجهل المركب والمتمثل في غثرة من أرباب الضمائر الخربة خريجي مدارس البياض (أ، ب) و(أبجد، هوز)، التي لم تثمر علماً ينتفع به، وإنما حققت لخريجيها وسائل تكسب ورزق إلى مبلغ العلم بنشر البدع والخرافات، والعمل بأنواع الشركيات، كذلك إلى حد إحياء مبادئ الجاهلية الأولى.
    وأخيراً إلى مبلغ إدِّعاء العلم والمعرفة الشرعية، مع عدم وجود أي صحيح علم أو معرفة.
    وشخصيات هذه الحقيقة هي التي نقصد إغفال ذكرها عدا طرح أفعالها وأقوالها للضرورة العلمية التاريخية، وفاءً بالتزام الوعد على ضوء التعليل بما سبق.
    الحقيقة الثالثة:
    وجود التجهيل المتعمَّد، والعمل على نشره، وحماية نتائجه، ومباركة أُولى سلبياته، ونشر الدعاية لأنكر نتيجة وأشدها في المجتمع تأثيراً من قِبَل أرباب نظام الحكم القائم وأعوانه من ذوي المصالح، ودعاة العلم والمعرفة من ذوي الجهل المركب المشار إليهم.
    والتفصيل قادمٌ لازم.







    الفرع الثالث:
    ربطُ مصير الدعوة بالتصفية والتربية
    لقد كان لهذا الأسلوب أهمية لدى المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى الطيب – طيَّب الله ثراه وأكرم نُزُله وأحسن مآله –.
    إنه حين وصل إلى منطقته ورجع إلى قومه بعد رحلة الطلب الطويـلة والشاقة في جميع مراحلها ووُجَهاتها اتخذ أزكى القرارات وأبرها؛ ليصل بخير علمه إلى قلوب عامة قومه حتى يهديهم – بتوفيق الله وإعانته سبحانه – إلى سبيل الرشاد.
    لقد كان لوصوله بين أهله – أمه وإخوانه وذويه – أعظم الأثر وأبهج الأفراح والمسرات، حتى أنهم لم يلبثوا غير يسير إلا وبدءوا يشارون على زواجه.
    ورغبت أمه في أن تكون شريكة حياته من أهلها، واحدة من فتيات قومها، فوافق إبراهيمُ أمَّه لِمَا رأى من حسن أخلاق أخواله (الحشارجة) ودماثة طباعهم وسهولة قبول دعوته فيهم، وشدة حرصهم على استقباله، والأخذ عنه عامة ما يدعو إليه دون معارضة، حتى فكر في نقل سكنه إليهم، وتأسيس مدرسة التوحيد لديهم، ليتخذ منهم مساندين وأنصاراً في إبلاغ الدعوة.
    فرحَّبوا به وتعهدوا بتلبية مطالبه مستبشرين.. وهم قوم بقبيلة قوية وبفطرة لا زال الخير فيها.
    ولَمَّا عزم على ما فكر – بعد إلحاحهم – اختاروا له قرية الذاري مقر وسكن أحد وجهائهم المغمورين، لكنه لم يستعجل في اختيار شريكة حياته وأم أبنائه، وأوجب على نفسه أولاً أن يعرف مدى قدرته على التأثير وإبلاغ الدعوة.
    وما كـان ترْكُه سكنَ أهله وعشيرته بني الطيب في هذه الفترة – على الأقل – إلا لحكمةٍ اقتضتها مصلحة الدعوة.
    ولا يعني أنه انقطع عنهم كُلِّـيَّةً، بل بقيت صلته غُبَّاً هادفة، مع اشتغاله بوضع خطة عمل وبرنامج إصلاح كامل، وقد حدد تنفيذه من خلال استقطاب الشباب، على قدرٍ من السرِّية، دون الجهر وفوق الخفاء.
    ولتوضيح هذه النقطة بالعلم: فإن من آووه ليُعَلِّمَهم ويَهْدِيَهم ثم لينصروه، هم: أخوالُه.
    كذلك كان المهم عنده أن فطرتهم لم تَلْتَثْ بعصبية الانتماء المذهبي المتحجر، وهم بخاصتهم يميلون إلى هدوء الطباع، وعامَّتُهم أمِّـيَّة، لم يكن فيهم متعرف تأخذه العزة بالإثم في مقابلة الدعوة الإصلاحية، وكلهم يحرص على الخروج من دائرة الجهل البسيط الذي هم فيه، ويعلمون خطره عليهم وهو واقع بهم مثل غيرهم، وكونه من قرابة حسبهم فقط وابن أختهم فقد سوغ عدم حسده على ما أعطاه الله من علمٍ فَضَّلَه، وبالتالي لم يعارضوه، ولا واحداً منهم، بل بذلوا معه الجهد في النصرة والتأييد.
    أما قبيلةُ نَسَبِه – أهلُهُ بنو الطيب –: فالمتعرفون فيهم كثيرون إلا أنهم لا يتجاوزون بمعرفتهم الجهل المركب، ثم هم يحملون به العزة بالإثم، ولوثة العصبية الشاذة، كذلك يكثر فيهم من يستعمل الكهانة، والسحر، وطلاسم الحُروز والتمائم، وسدانة الأنصاب والأوثان، والحرص على عدم قبول أي نصحٍ، أو إبداء أي تجاوبٍ، أو حبٍّ للناصحين، وهم يجندون أنفسهم مهما تبين لهم الحق ( ).
    وهؤلاء الذين واجههم إبراهيم وصمد في مقارعتهم بعد أن أعدَّ لـهم شباباً مُؤمناً بالعقيدة الإسلامية الصافية من نفس الأهل والأسرة والقبيلة، ثم واجههم بهم، فأحبط ما صنعوا وأبطل ما كانوا يعملون؛ فغَلَبوا وانقلبوا صالحين.




    يتبـــــع..........

  3. #3

    افتراضي رد: كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

    لفصل الرابع

    مراحلُ تبليغ الدعوة
    وحقائقُها







    الفصل الرابع
    مراحلُ تبليغ الدعوة، وحقائقُها

    المرحلة الأولى: الإعداد والتمهيد.
    المرحلة الثانية: ارتباط المجاهد بالحياة الزوجية، وحالة تأسيس مدارس التعليم.
    المرحلة الثالثة: تنظيم وتطوير التعليم.
    المرحلة الرابعة: تقرير أوصاف أسلوب الدعوة.











    المرحلة الأولى:
    الإعداد والتمهيد
    هذه المرحلة بدأت باختيار المكان، فكانت قرية الذاري المنطلق الأول في هذه المرحلة من عمر دعوة إبراهيم – عليه رحمة الله –.
    لقد أحكم خطة الإعداد باختيار الشباب من أسرته، ثم من خيرة أبناء المنطقة، مستقطباً لهم بالترغيب في العلم، والترهيب من الإعراض عنه، وتعظيم مكانة العلماء عند الله، وتحقير مكانة الجهلاء وسوء عاقبتهم عنده سبحانه.
    ثـم بدأ معهم بغرس العقيدة (عقيدة التوحيد) وبيان أنواعها، ولازم كل نوع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
    كما أنه بدأ معهم بانتهاج سلوك تربوي خاص، حيث شبه تعامله معهم بتعامل زارع فسائل أشجار السيقان.
    كما سلك في معاملتهم سلوك الفرَّان مع عجينة الخبز.
    وكمعاملة مدارس الحضانة مع أطفالها.
    ومن تعامله مع الشباب أنه كان يأتي الراعي في غنمه وفي بـهائمه هنا وهناك من أماكن الرعي؛ فيقف عنده ويحادثه، ثم يلقنه: " مَن ربُّك؟ وما دينُك؟ ومَن نبيُّك؟ "، ثم يلقنه الإجابة: " ربِّيَ الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – "، أو بإجابة: " ربي الله الذي رباني بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه ".
    أو بسؤال: " أين الله "؟ ثم يلقنه الإجابة: " اللهُ في السماء، وهو ربي الذي رباني وربَّى جميع العالمين بنعَمه، وهو معبودي "..
    وكل من أعدهم من الشباب وأوصلهم إلى التمهيد لم يكونوا بأقل من تحفيظهم الأصول الثلاثة بمضامينها ومشتملاتها، وتحفيظهم فقه العبادة في أبسط صورها.
    وقد شمل هذا الإعداد معظم ناحية خيران من قضاء الشرفين؛ مثل قبيلة الحدادة، والحشارجة، وبني الطيب، وبني حملة، وجزء من قبيلة الخميسين، وغيرهم.
    ولقد حدثني أحد طلابه من أبناء قرية المشايم ( )، فقال:
    " مَرَّ بي الشيخ يوماً وأنا في الرَّعْي، فمشى حتى وقف إلى جانِبي وسلم عليَّ، فرددت عليه السلام، وكأني قصرت فيه، عند ذلك بقي يعلمني ألفاظ السلام، وألفاظ الرد، حتى حفظت، ثم بدأ يشرح لي معاني تلك الألفاظ إلى أن حفظتها ".
    قال: " وسألني: من ربك "؟
    قال: " فقلت: ربي ربي ".
    قال: " فابتسم الشيخ، ثم قال لي: قل: ربي الله الذي رباني بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه ".
    قال: " فقلتها بعده، حتى حفظتُها، وسألني: صبيُّ مَن أنت؟ وأخُ مَن "؟
    ولَمَّـا لم أُجبْ بعد تردد، قال لي: " قل: أنا صبيُّ التوحيد، وأخُ مَن أطاع الله ".
    قال: " فقلتها بعده، حتى حفظتُها، ثم تركني وهو يمسح على رأسي ويدعو لي ويقول: بلغ أباك السلام ".
    قال: " ثم بقيتُ أفكر فيه وأتابع سيره ببصري حتى وصل إلى راعٍ آخرَ من أبناء قرية البسيط ( )، فوقف عنده مثل ما وقف عندي ".
    قال: " ولَمَّا رجعتُ إلى البيت أخبرتُ أبي بما حصل، فشرح لي عنه، وبقيتُ أتلهف لرؤيته حتى وفقني الله للدراسة عنده، إلى أن تخرجتُ أقرأ وأكتب، وأكْبَرُ من ذلك أحمل عقيدة الإيمان..
    إنه والله كان المجاهد في الحق حتى أنقذ البلاد والعباد من الوثنية والشرك والعادات والتقاليد السيئة ".
    ثم أضاف قوله: " والله ما كنا نعرف عقيدة التوحيد، ولا حسن الأخلاق حتى عرفنا الله عن طريق الشيخ/ إبراهيم بن يحيى – رحمه الله وغفر له –، وكم كان رفيقاً بنا حريصاً على هدايتنا، لكن شدته ضد المتعصب والمعاند ".
    وبإعداد هؤلاء الشباب لان جانب الفريق المتردد والمتشكك والمقلد، وهُزم طغيان الجاحد والصادِّ والمُضاد، واختفى لفيف الحاسد والحاقد والمتصلب الجامد.
    ولقد كان هذا الإعداد الشبابي نافذاً من خلال برنامج عملي وتطبيقي وتربوي خاص، بدأ بتربية الفرد وإعداده، وقصد الانتهاء بإقامة الحكم لله وحده، وإفراده بالعبادة، ثم الانطلاق في الأرض لإعلاء دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، دون إثارة أي خلافات فرعية أو نعرات جاهلية، وهذا ما حدده واقع العمل التنفيذي، حيث أبعده من أن يكون مجرد إرادة استكثار وإظهار قوة وهيمنة، لمصلحة شخصية أو ذاتية معينة، أو للفت الأنظار إليه.
    لكنه أثبت إرادة أسلوب الدعوة التكويني بدءاً بالشباب المسلح بالعقيدة ومستلزماتها، والإيمان بها في القصد والإرادة.
    ثم الإيمان بالصفات الشخصية للرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – كذلك الإيـمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ثم سلوك الجهر بالدعوة لإقامة أركان الإسلام، على طريق القدوة أو الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وآله وسلم –.
    كذلك التركيز على مكارم الأخلاق وآثارها السامية في حياة الفرد والمجتمع، ومتابعة الشخصية المثالية في القدوة الحسنة والسلوك الرفيع النافع عن طريق الدلالة والإرشاد.
    كذلك فإن من أبرز أهداف هذا الإعداد تأسيس القاعدة الصلبة للجماعة التي ستقوم بأعباء الدعوة إلى الله في الحاضر عن طريق النصرة والتأييـد وفي المستقبل عن طريق التحمل والأداء.
    إن الشباب هم أداة تحويل أي مجتمع إلى المنهج الإسلامي بعد تربيتهم وإعدادهم على ما تربى عليه وأعد شباب الجماعة الأولى في مكة المكرمة يوم إعلان محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – نبوته ورسالته.
    ثم في المدينة المنورة يوم وصوله إليها مهاجراً.
    إن كل داعية وكل مرب يلزمه احتضان الشباب ليقف بهم ضد كل تيارٍ عاتٍ.
    وهذا هو الذي أخذ به شيخنا – رحـمه الله –، وحسبه في الاعتبار، وهو يقصد بإعداده إعادة الإسلام الغائب عن منطقة أهله وبلد قومه.
    والغياب أشد من الغربة – كما قدمنا – والتي أخبر عنها رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بقوله: »بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطُوبى للغرباء« رواه مسلم.
    وقد استمرت هذه الرحلة قرابة سنتين لأن الدخول إلى النفوس لترسيخ العقيدة النقية الواضحة التي جاء بها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – تحتاج إلى جهد وجهاد وصبر ومصابرة وتضحية، كما تحتاج إلى تصنيف الناس كل بحسب المؤثرات في نفسه والتي حوله.
    فالداعية المسلم الرباني ينبغي أن يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي، فالبدء بالأصل قبل الفرع، والقاعدة قبل البناء، والتخلية قبل التحلية، والمربي هو الذي يبدأ بتعليم صغار العلم قبل كباره.
    وداعيتنا هذا يمتلك من العلم كباره.. وإنه لَنِبراس، لم ينطلق من فراغ، وإنما سلك في دعوته مسلك المقتدي بالداعية الأول والمربي الكبير محمد - عليه الصلاة وأزكي السلام - في كامل تواضعه وعظيم أسلوبه.
    »يا حصين، كم تعبد من إله«؟
    قال: سبعة في الأرض، وواحد في السماء.
    قال: »فإذا أصابك الضر، فمن تدعو«؟
    قال: الذي في السماء.
    قال: »فإذا هلك الناس، فمن تدعو«؟
    قال: الذي في السماء.
    قال: »فيستجيب لك وحده، وتشرك معه غيره؟ يا حصين أسلم تسلم، عَرضٌ وأخذٌ وعطاءٌ وإقناع«.
    وفي دعوته – صلى الله عليه وآله وسلم – لقريش خير قدوة: »أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً ستخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مُصَدِّقِيَّ«؟
    قالوا: ما جرَّبنا عليك كذباً.
    قال: »فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد« ( ).
    قُلْ هَذِهِ سَبِيْلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيْرَةٍ أنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي.
    ولا مساومة في العقيدة، ولا نصف حلول.
    »والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه« ( ).
    فالشدة في موضعها لا تتنافى مع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، بل هي من الحكمة.
    كما أنه لا عجلة في الدعوة في حق من لم يستجب مهما أبطأت النتيجة، فالمثابرة لازمة، والاستعانة على وعثاء الطريق بطول الصبر والاحتساب وحسن التأسي برسول الله – صلى الله عليه وآلـه وسلم –، وصدق الاعتـماد على الله – عزَّ وجلَّ –، فذلك طريق النجاح، إِنَّهُ مَنْ يتِقِ وَيَصْبِر فَإِنَّ الله لا يُضِيْعُ أَجْرَ المُحْسِنِيْن ( ).
    وفي ختام هذا المبحث لا يسعنا إلا أن نتعرف على حال المستجيب والصادِّ، والصفة اللازمة لكل منهما، ونكتفي بهذا عما تقرره الأيام والأحداث من سنة الله في خلقه حتى عصرنا الحاضر على مستوى الشعوب والقبائل، فأنت ترى إذا خرجت إلى أيِّ ريف أو قرية ووجدت داعية يدعو الناس إلى التمسك بمبادئ الإسلام، تجد حوله الفقراء ومن في حكمهم وفي نفس الوقت تجد المصادة والمعاندة في الكثير الغالب من ذوي النفوذ والوجاهة في المجتمع، ومن أصحاب المصالح ومن في حكمهم تجدهم يصدون عن الحق ويتألمون من ذلك الداعية خوفاً على مصالحهم، ومن تأثيره على أتباعهم الذين قد تختل بهم موازين نفوذهم أو تهتز هيمنتهم وسطوة كبريائهم، وعزتهم الآثمة بخروجهم عنهم بفهمهم، فيكون رد الفعل منهم في مواجهة الداعية ودعوته توجيههم التُّهم ضده، والدعاوى الكاذبة عليه ومجابـهته وهتك عرضه وإهانة كرامته.
    ولم يكن قليلاً ما واجهه رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –، وما كان لدعوته أن تحف بالورود، وصدق الله العظيم في تصويره حال المضادِّين: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيْهَا لِيَمْكُرُوا فِيْهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( ).












    المرحلة الثانية:
    ارتباطُ المجاهد بالحياة الزوجية
    وحالةُ تأسيس مدارس التعليم
    سبق أن ذكرنا عن طريق الإشارة الضمنية خلوَّ المنطقة من أي تعليم عدى تلك المدرسة الـخاصة بتعليم البياض (القاعدة البغدادية)، تدرس على طريقة: حدي الإبل، الفقيه (المتعرف) يحدوها بلحن خاص والطلبة بعده يرددون، أو على شكل الزامل بصوت مزعج في هيئة طابور جماعي.
    وذلك هو كامل المنهج التعليمي في هذه المدرسة الموحدة، على مدى الحياة وتكاليف الدراسة يتحملها الطالب إلى أن يتخرج منشِّداً أبواب البياض: (محتويات تلك القاعدة ومستلزماتها)، والقليل النادر يتخرج يقرأ المصحف تعتعة وبعبعة ونَتْوَعَة، ولا يخفى أن هؤلاء هم الذين كان على أيديهم استقدام عوائق الجاهلية مسببات غربة الإسلام، ثم غيبته عن مناطق تواجدهم ومجتمع نفوذهم.
    ولهذا لم يكن سهلاً على إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – إيجاد الغائب، ثم إرجاعه، دون بذل جهد، وتضحية جهاد، وحسن تربية، ودقة تجنيد، وفن إعداد.
    ولَمَّا التزم طريقه على مدى سنتين مصاحباً الصبر والاحتساب وجد لدعوته قبولاً وصدى إعلام، وإيجابية استقبال، ورجالاً محتفين ومناصرين.
    ولقد كان بذلك تشجيعه على تنفيذ خطة التعليم النظري بعد أن نجح في خطة التعليم الشفوي غير المعلن.
    فبِدْءاً بتأسيس مدرسة دار التوحيد الأهلية تحت شجرة (فلة الدرب) ( ) على سفح منطقة جبل حديد، قلب مناطق ناحية خيران إلى فتح مدارس الفروع، حسب الحاجة..
    ولَـمَّا كان هذا المكان هو الوسط بين قرى مناطق المديرية فقد جـمعت المدرسة غالبية شبابـها الذين رأى من خلالـهم ثـمار جهده وبركة جهاده، وقد كثروا حتى كان يسمع للمدرسة أزيز كخلية طاب رحيقها، فشكر لله فضله واستراح بذلك ضميره، وسكنت نفسه، وهدأ باله.
    وعليه: بدأ يعيد شريط تفكيره الـمبرمج واجب ارتباطه بالحياة الزوجية، وصولاً إلى تحقيق المودة والرحمة المستفادة من دلالة القرآن ( )، ثم وصولاً إلى تحقيق التكاثر الهادف بدليل السنة ( ).
    وقد وُفِّق في اختيار شريكة حياته بتحقيق سبب أمومة أبنائه من خيرة بيوت أسرته وأخلق فتيات بني عمومته ومن أحسب وأنسب أهالي منطقته.
    وقد عاشا زوجان سعيدان مدة عشر سنوات تقريباً حتى توفاه الله تعالى، وقد أنجبا خلالها أربعة من الولد: ثلاثة ذكور، وبنت واحدة.
    توفي عنهم وهو في أوج شبابه، وأم أولاده كانت لا زالت في مقتبل عمرها، إذ لم تكن تتجاوز الخامسة والعشرين حين توفي عنها.
    لكنها أبَتْ أن تتزوج بعده، وبقيت ترعى أطفالها وتربيهم وتعلمهم حتى شَقُّوا طريقَهم وعرفوا مصالحهم، وسعت في زواجهم وبقيت تتعهَّد سيرتهم وتقوِّم حالهم إلى أن بلغت من الكِبَر عِتياً.
    ولا زالت لأحفادها خير جدة، وأحزم راعٍ مصلحٍ حريص.
    إنها المرأة الفاضلة الكريمة، والصابرة البارة المحتسبة/ مريم بنت منصور بن أحمد بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبد الله بن محمد بن ناصر بن علي بن عبد الله بن صالح.
    إنـها تلتـقي بنـسب إبراهيم في الـجد/ صالح بن يحيى بن صلاح إلى مثنى بن شرف الدين الطيب، على ما سبق تقريره.
    إنها المرأة المثالية في بناء الأطفال وتربية الأجيال على القيم والمبادئ الإسلامية الصافية والفطرة الإلهية فطرة الله التي فطر الناس عليها، ثم تركها للآباء في الأبناء يُهَوِّدُونَهم أو يُنَصِّرُونَهم أو يُمَجِّسُونَهم، كما قال الصادق المصدوق – صلى الله عليه وآله وسلم –: »كل مولود يولد على الفطرة، …«، الحديث( ).
    إنها – رضي الله عنها، وغفر لها، ورفع ذكرها، وأعز قدرَها – ربَّتْ أطفالاً، وأقامت أخلاقهم، وعمرت قلوبهم بالإيمان، ثم كانت المرأة المثالية في الإرادة، والتضحية، وحسن التربية، وجميل الرعاية، والثقة بالله في لازم الجزاء العظيم لمن يرعى يتيما ويحرص على كفالته، ثم يتعهد تعليمه وتقويمه إلى أن يبني حياته ويعمر مستقبله.
    وقد فعلت مريم ذلك كله ابتغاء مرضاة الله يوم توفي إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – وترك أولئك الأطفال لا راعي لهم سـوى الله ثم أمهـم الشابة – رضي الله عنها –، والتي ما كان يتجاوز عمرها ما ذُكِر: (عقدين ونصف)، وبقيت منذرة نفسها لهم، ولم تأخذ زينتها، وقد كانت في أوج شبابها وردة مرغوبة مطلوبة؛ لكنها أبَتْ، فأنذرت ووفَّت.
    ولقد كانت دعوتها مستجابة وهي ترفع بها إلى الله: " اللهم إني نذرت لك ولدي هذا؛ فعلِّمه، وفقِّهه في الدين، وارزقه الإخلاص في القول والعمل يا رب العالمين، اللهم تقبله مني بدعوتي كما تقبلت من مريم بنت عِمران دعوتها ".
    ولا أدري إلا أن الله تقبل منها وقد وفقني في طلب العلم حين هيأ لي ظروفي رغم شديد العوائق وكثرتها من يوم بدأت الطلب حتى تخرجت في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة – على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام –، بعد أن تخرجت في مدرسة تحفيظ القرآن في الرياض، ثم في معهد الحرم المكي إلى أن التحقت في المعهد العالي للقضاء في صنعاء وتخرجت فيه، ولا زلتُ أطلب العلم وأتفقه فيه بواسطة مكتبتي الصغيرة الجامعة، وهي لا زالتْ تتعهدني وتعينني
    بأفضل الدعوات..
    ولقد كان فضل الله عليَّ بتلك الدعوة عظيماً يوم لهث الناس مفتونين بكل شغف لتنظيم أنفسهم في الحزبيات التعددية الموصوفة بالحرية الديموقراطية، كل حزب بما لديهم فرحون، وهم في غمرتهم يعمهون، كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة المؤمنون.
    وعصمني الله منها بفقه ما علمني سبحانه، وإني لأراها بما علمني ربي، أشد خطراً على وحدة المسلمين من الشيطان وأوليائه من دعاة الرِّدَّة.
    كما قال الإمام الشهيد/ حسن البنا في (رسائله)، وسيد قطب في (الظلال)، والمودودي في (الحكومة الإسلامية)، ومحمد قطب في (واقعنا المعاصر)( ) بهذا المعنى،
    وغيرهم.
    وقد ثَـبَّت الله رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ووقع في الحزبية قوم آخرون، لم يـدركوا بأنها فكرة يهودية وضعوها لتجزئة الأمة الإسلامية أُسَرِيَّاً بعد أن نجحوا في تجزيئـها إلى دويـلات تتناحر على حدودها المصطنعة بفعل أعدائها.
    وإن مما هو معلوم لدى الخاصة والصفوة في الجماعات الإسلامية بأن من أصول منهج الإخوان المسلمين ودعوتـهم حظر الـحزبية، فهي تبدأ بالتأثر وليد الشبهة، وتنتهي بالعمالة وليدة الشك.
    لذلك فإنه يجب البعد عنها، وعن الهيئات، حتى لا يكون التزامها وسيلة لإدراك الشك المنافي لليقين.
    يقول الدكتـور/ إسحاق أحمد فرحان – أستاذ التربية، رئيس الجامعة الأردنية –( ): " ومما ساعد على استعار أوار الأزمة الفكرية التي يعاني منها الشباب ظهور الحزبيات الغربية على فكر أمة الإسلام، و(معتقدها الموحَّد)؛ مما شتت الشباب بين الحماس لهذا الحزب أو ذاك، وأصبح كل حزب بما لديهم فرحين، وتناسوا قول الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْمَاً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَّرَقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "( ).














    المرحلة الثالثة:
    تنظيمُ وتطويرُ التعليم
    عشرُ سنوات هي عمر دعوة إبراهيم – رحمه الله – بين أهله، وفي أطراف نواحي بلده تحقق له فيها تعميمُ منهجه، وبناءُ جيلٍ طَهَّر مستقبلَه بإزالة غشاوةِ جهله.
    لم يُسَلِّم دورَه في الدعوة بعد الزواج إلى من خرَّج من الشباب، ولكنه استعان بهم على زيادة نشاطه؛ حيث قام بفتح مدارس أخرى فرعية في المنطقة من أجل تعليم الكبار وتسهيل تحصيلهم وقطع حجتهم بعد أن نقل المدرسة الأم من ظل شجرة تُمِيدُها الرياح إلى تَلَّةٍ في ناحية قريته، يحيطها سورُ داره، ويعلوها سقفُ منـزله.
    وأول مدارس الفروع: مدرسة في قرية الحشارجة، (في مَنـزِلَة المسجد).
    وأخرى: في الحدادة، بقرية المحدادة، (داخل حرم مسجدها).
    وثالثة: في قرية المشايم.
    ورابعة: في بيت الحداد.
    وخامسة: في بيت الشارف، من بني حملة.
    وسادسة: في قرية المساهم، من دير الحِسِي.
    والمدرسة السابعة: في المحرق، (مقر سوق السبت).
    والثامنة: جنوب الخميسين، في قرية بني سراج، (وهذه أول مدرسة فرعية قام الشيخ علَى تأسيسها خارج قبيلته، وأقام على التدريس فيها أحد طلابه/ علي هادي نور سراج الخميسي، بالتعاون مع الأستاذ/ عبد الله بن علي الخميسي).
    وهذه المدارس كلها فروع للمدرسة الأصل سابقة الذكر.
    ومنها ما أشرف عليها بنفسه، ومنها من تولَّى التدريس فيها طلابه الأوائل، خيار شباب المنطقة( ).
    كما أنه لم يكن افتتاحها في وقت واحد، وإنما على مراحل، حسب الحاجة والظرف المناسب.
    ومنها ما تأخر إلى ما بعد حياته.
    ومنها ما انتهت بموته لظروف خاصة.
    وما كانت المدارس وحدها وسيلة البلاغ، وإنما أيضاً الدروس الخاصة، وخطب الجمعة، ثم أحاديث المجالس واللقاءات في المناسبات.
    أما المنهج الذي تلقاه الدارسون في هذه المدارس فهو: (القرآن الكريم)، وما يتصل بحق التلاوة نظريـاً وعمليـاً؛ فالقرآن الكريم تشرحه علومه، مثل: (التفسير)، و(أسباب النـزول)، و(أحكام التجويد بشرح تحفة الأطفال)، و(مقدمة ابن الجزري).
    ثم علم العقيدة، وتطبيقها من خلال الكتب المقررة، مثل: (تطهير الاعتقاد)، و(لمعة الاعتقاد)، و(فتح المجيد)، و(العقيدة الواسطية).
    ومقررات الحديث: (الأربعين النووية)، و(رياض الصالحين)، و(مختارات من كتب السنة).
    وفي السيرة النبوية: (مختصر السيرة)، و(نور اليقين)، ومرجعهما/ (سيرة ابن
    هشام)، و(زاد المعاد).
    ومن الفقه: (زاد المستقنع)، و(سفينة النجاة)، و(العمدة).
    ومن المراجع: (نيل الأوطار)، و(سبل السلام)، و(الإلمام بأحاديث الأحكام).
    وفي اللغة العربية: (ملحة الإعراب)، وكذا (بعض شروح المقدمة الآجرومية).
    وغير ذلك من كتب العلوم الشرعية الميسرة والمبسطة حسب القدرة الاستيعابية للدارسين.
    وكان جُلُّ التركيز على علم العقيدة؛ لحاجة الناس إليها، ثم القرآن الكريم وتجويده، كذلك فقه العبادات، مثل: تعليم الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وتعليم الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية الشريفة.
    ولخطب الجمعة والدروس الخاصة والمناسبات منهج آخر يحدده المقام والحال كمَّاً وكيفاً، ولكل مقامٍ مقال، ومخاطبة الناس على قدر عقولهم فهماً واستيعاباً.
    فقد كان ذلك سبيله وطريقته.
    وقد أوصلتْ هذه الوسائلُ عامةَ الناس إلى درجة فقه الحال.. وأقلهم إلى درجة القناعة بأهدافها من خلال فهم ضابطَين من أصول التربية:
    أحدهما: أخلاق الفرد.
    وثانيهما: أخلاق المجتمع.
    ولكل منهما تأثير خاص في إبلاغ دعوة الله، وإصلاح المدعوِّين.
    لكن بقي الحاسد والحاقد والجاحد من الخاصة في حالة استنفارٍ، وتوجُّسٍ، واستصحابِ لوازم الوحشية استعداداً للمواجهة، والصد للدعوة وصاحبها، والدفاع عن الباطل والضلال المحسوب في ميزان جهلهم هُدَى.
    والذي أثار حرج صدورهم، وأشعل غيض قلوبهم، وأزحم ضيق نفوسهم: شديد إقبال الناس على التعليم خروجاً من الجهل بإلحاق أبنائهم بمدرسة دار التوحيد وفروعها، واستجابتهم لدعوة الحق، ونبذ الشرك والوثنية، ومحاربة ذواتها وصفاتها بالهدم والقلى.
    وحيث كان بإزالة تلك الأوحال الجاهلية زوال مصالحهم، وبإنهائها نهاية سيطرتهم ونفوذهم، بأفعال الطلامس (الطلاسم) والتمائم والأسحار.
    ثم كان بذلك تصنيف مُفْتَعِلِي التجهيل بكشف غرورهم وتوصيف سوء عاقبة أمرهم، وتبيان انقلاب حالهم، وذلك بما صوغوا من معاملة غيرهم بمبدأ الفوارق والامتيازات اللدُنِّـيَّة دون ما مراعاة لواجب التواضع ولا للازم وضع جاهلية انتساب الفخر.
    ولا لترك غائلة طعن أحساب حمالة احتساب الكفر المحفوف بها أدلة الشرع المانعة والمحذرة.
    وما أجاز الإسلام لأفرادٍ ولا لجماعاتٍ الترفع والنظرة لأنفسهم بالفوقية والشُّرْفة العلية، وأنهم الـتِّبْر، ومَن عداهم البَعَر دون نظرة سلوك التقوى، وقد كان واجبُهم صونَ نتيجتها لينالوها بالتزكية الإيجابية على حد مفهوم قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وما كان حاجتهم تقتضي ادِّعاء إحرازها بواسطة تغرير التزكية السلبية على حد مفهوم قول الله تعالى: وَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى، والتي يقتضي بدعواها تعمد حظر النهي عن تزكية النفس الواقع به قتلها، وقد ظن بها وضَمِن لها إحراز التقوى وسعادة الدارَين..
    وكل الذين يزكون أنفسهم بالعموم أو بالخصوص بأن لهم الحسنى دون من سواهم: فإنهم ظالمون..
    أو أن الـجاه والشرف والمجد والعلم والفهم ليس لغيرهم، ومن سواهم لا ضير أن تجهل البقر – نعرة جاهلية يتمتع بها ويلتزمها شلة هذا الوصف من أبناء حواء جوارح الجهل المركب، وبعض المنهزمين من شواذ آدمية الأسر والأفراد على مستوى مناطق تواجدهم، ثم هم يجدون تشجيعاً ممن سواهم –.
    والعجب أن كان سند عونهم ممن عليه جارٍ تصنيفهم وواقع به توصيفهم.
    وعليه كان لا بد من مواجهتهم بمثل سوء أفعالهم، وكبح جماح غرورهم، وكسر شوكة نفوذهم، وتحطيم شبح رهبة إرهابهم.
    كما سنعرف من خلال مجريات المرحلة التالية.



    المرحلة الرابعة:
    تقريرُ أوصاف أسلوب الدعوة
    لقد كانت هذه المرحلة من أشد مراحل الدعوة فتنةً وبلاءً لإبراهيم – رحمه الله وغفر له – بل هي المرحلة المهمة في حياة دعوته، حيث استقبلته بالامتحان الصعب الشديد.
    فالمرحلة تـحوي مجموعة أنواع من المعبودات غير الله – كما سبق الإشارة إليه – كذلك تحوي بشراً من العابدين بفعل التجهيل القاضي بالجهل (سلباً) في الوسط العام.
    ثم تحوي كذلك مريدين مرشدين ومنشئين للجهل قاصدين (إيجاباً) في المستوى الخاص.
    وأخيراً يشمل احتواؤها مُعرِّفِين ومُزَكِّين بحقهم ممن هم بنفعهم مستنفعين، وممن مصلحتهم ضالتهم؛ فهم يأخذونها متى يجدونها، ومهما دارت فإنهم معها يدورون.
    وقد حق بهذا احتدام وطِيس المواجهة بين الشر والخير، والضلال والهدى، كما هو السنة القائمة للابتلاء.
    وفي الأخير يحق الله الحق بكلماته، ثم هو الغالب على أمره، ولن يصلح عمل المفسدين.
    ولقد بدءوا أولاً – وهم الظالمون – بمصادرة جميع كتبه بحجة وهَّابيتها، ثم استدعائه للسجن في مركز الناحية بحجة تعرضه لهدم قباب الأولياء، وإقلاق راحتهم البرزخية، بأخذه الرايات والسرج وإتلافها، ومنع المتمسحين بقبورهم، وإعلانه أن ذلك شرك ولن يغفر الله للمعتقدين فيهم، ولا للمتبركين بهم.
    لكن! ألقمَهم الحجة، وأسطعَهم البرهان من القرآن والسنة، وأرهب سطوتهم بما استقطب من أعوان، وبما شحذ من أذهان، وربَّى من صبيان، وعلَّم من فتيان، وبما جمع حوله من شُبَّان.
    إنه غضِب لله يوم عارضوه في تغيير المنكرات الوثنية والعادات السيئة، ثم قاوموه منتصرين لبقائها، عند ذلك أعلن دعوتهم وواجب مواجهتهم، وبدأ يغير كل منكر بيده ضرورة بعد لسانه؛ فوثب على هدم القباب بادئاً بأصغرها أو أقلها شأناً في نظر رُوَّادها، مثل: المشهد المسمى: (قبة قبر سيد شالف)، في غارب البركة، من منطقة جبل حديد.
    وهذا الضريح تقتصر حدود أهميته أنه لم يخصص له يوم معين في السنة أو الشهر أو الأسبوع، ويُكتَفى منه بالزيارة العادية التي لا تكلف سوى وضع راية من نوع معين ومسرجة صغيرة يوضع فيها قليل من السمن أو زيت السمسم أو الشمع البلدي، ثم أقل طلب من الحاجة الملحة والبكاء عنده، فلم يزل يهدم قبته حتى سواه بالأرض بمساعدة مجموعة من طلابه وأعلن تحريم زيارته وتأديب من يفعل ذلك.. محذراً.. ومنذراً.. حتى لم يجرؤ على زيارته بعد هذا أحد.
    قال من حدثني عن حضوره حال الهدم( ): " ولقد حصلت على مسرجةٍ بعد الهدم، وكنت أنتفع بها في الإضاءة، وأعتقد أنها لا زالت محفوظة في بيتنا لاعتبارها من التحف الأثرية ".
    قالوا: " وهذه المرة سلم من مؤاذاة السادة والقادة والعرَّافة.. لكن أجمعوا له أمراً وحسبوه القاضية.
    لقد فكَّروا وقَدَّروا، فقُتِلوا، كيف قَدَّروا؟ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ المَاكِرِيْنَ ( ).
    إنه مستـمر في هـدم القـباب وإزال،ة شبحها المخيف مهما كلفه ذلك..
    وكانت هناك قبة أعظم شـأناً، وهي: (قبة قبر القبَّة) – هكذا كان اسمها –، وموقعها على إطلالة مركز الناحـية عـلى قمـة الجبل، وكان يستقبلها مُصلَّي العيدين بالتـولية شـطرها، وامتيـازها عن سـابقتها بهذه التولية والوجهة.
    وإن حظ ضريحها واجب الوقوف عليه والتبرك به بعد الصلاة من كل فرد في هاتين المناسبتين، وراقد القبة يُدعى: (المبروق)، شُـيِّدت منارته، وضُـيِّق بابها حتى لا يدخلها إلا مطأطئ الرأس، حانِيَ الظهر، منكسرَ الخاطر، مجهشاً بالبكاء، مقبِّلاً ترابها، حاثياً منه على رأسه وجسده.
    فعمَّها إبراهيم بالهدم، وطمَّها بالتسوية كسابقتها.
    عند ذلك ثارت حفيظة النظام، ووجَّه بالكيد لدعوته ولازم التربص به، والقضاء على نشاطه وحركته، فما هابهم ولم يصيبوه بتدبيرهم الذي كان فيه تدمير غرورهم وكبح جماح تآمرهم.
    وقد كان لهذا الحدث إيجابيته حيث قام معه أهله مناصرين – عن طريق العصبية على الأقل – ومنهم من كان معه على كل حال ( ).
    وتخاذل الحاقدون منهم والحاسدون؛ فلم يجرءوا على الإعانة عليه حينها.
    فانتصر وأعلن تحذيره وتهديده لكل من تسول له نفسه إعادة بنائها أو التمسح بها، أو إعلان ضررها أو نفعها، حتى قطع دابر حجة القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
    ثم توجه إلى (حَيْد عِمران) فمنع الذبح له والسفح عليه ودعاءه وطلبه ورجاءه، وأبطل دعوى ضره ونفعه والنذر لِجِنِّه المزعومين وكبيرهم المدعو: أحمد عِمران، والذي يقدم له الناس أنواع العبادة، ويأتونه بالقرابين من أنحاء المناطق وأبعدها في ناحية خيران (المديرية) وما حولها وأبعد ما حولها من مناطق السهل والجبل.
    وكبار السِّن حتى الآن يتحدثون عن حوادث حصلت لأناس وهم يقدمون قرابينهم من أنواع بهيمة الأنعام، فهم يروون: أن مرة جاء سبعة من الرجال بقربان (ثور كبير) صِفَتُه: أسود، وهم يذبحونه تحرك بهم على قمة الحَيْد (الصخرة) العالي مائة وخمسين متراً تقريباً هواءً وفضاءً خارجياً، فرمى بهم وهو معهم فساروا في الهُوِي، مرة يرتطمون ومرة يهوون، حتى وصلوا أسفله أشلاءً لحماً ودماً وعظاماً متناثرة.
    وأخبار أخرى عن حوادث مماثلة تهاوت من قمة هذا الحيد إلى أسفله بفعل الشرك بالله وبأسباب رفس القرابين للمتقربين، ثم نتيجة زل القدم بفعل السمن واللبن والبيض ( ).
    فمنع إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – ذلك كله، وأبطل مفعوله، وأنهى أثره، بعد جهادٍ طويل، وتحملٍ غيرِ يسـير، ومقاومةٍ شـديدة، وصبرٍ وجَلَدٍ بكل ثقة بالله واحتساب لجزائه وثوابه.
    وبمثل منعه لعبادة حَيْد عِمران منع عبادة مالط المسحلة (صخرة أخرى)، وتعتبر القربى إليه نادرة بالدجاجة والبيضة وإساحة السمن واللبن.
    لكن (صخرة الركية) المعبود فيها أنثى من نوع الجن والمسمى: (مريم) أو (حيدرة)، وقرابتها لعِمران – بزعم عابديها – أنها بنت أحمد عِمران، واختصاصها – بزعمهم – أنها تمنح البنين والبنات، وتَشفي وتُبرئ الأكمه والأبرص بأخذ حفنات من تراب حولها وحثيه على رأس المريض وسائر جسده كما هو الحال في الاغتسال بالماء.
    وبمثل ما أبطل وأنهى عبادة عِمران أبطل وأنهى عبادة مريم (صخرة الركية).
    وعُبَّادُها كانوا يدَّعون رؤيتها ومواجهتها لهم وتحدثها معهم بما يريدون، وهي تلبي مطالبهم وتقضي حوائجهم.
    وحديث الناس عنها كثير.
    ثم أنه عاد إلى ملاحقة هدم القباب، وتسوية القبور، وإتلاف الرايات والسرج عليها.
    وبمثل ما فعل في (الشالفي) و(المبروق) عمل على إزالة (قبة الشالفية) في بيت الشاوري و(منارة ذراع القشابة) ومنع زيارتهما.
    أما (قبر ابن الطير) فكان من الأهمية بمكان لدى أهل البلد، وقد كانوا يعقدون له النذور، ويشدون إليه الرحال، ويعكفون عليه ويذلون ويخضعون له، ويسوقون إليه القرابين والهبات، وهو يمتاز بقبة ومشهد، وسادِنٍ يستقبل الزوار ويتسلم منهم كل ما يقدمون، وهو يعلن على لسان صاحب القبة قبول الزائر ورضاه عنه، وقبول قربانه وتلبية طلبه واستجابة دعائه وكشف ضره.
    ومقرُّه: طُفيان، على حدود خيران مسروح مع أفلح الشام، وفيه فتنة القبيلتين بعبادتهم له من دون الله.
    ولما عزم إبراهيم – رحمه الله وغفر له – على إزالة منكره وهدم قبته استعد بحمل وسائل الهدم باصطحاب شباب من طلابه ورجال من أحبابه أشداء.
    وقد أعلن يومه ليُعلم استعدادا للمواجهة، واختار وقته، ثم بدأ باجتثاث بوابة الضريح من أساسها، واستئصال القبة من خلفها، فانهار مجموع التشييد كُتْلة واحدة، فكبر الله، وأعلى صوته، ورددها من معه وهو يتلو قول الله تعالى: وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً ( )، اقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو يهدم أصنام المشركين حول الكعبة.
    وما تركه حتى ساواه بالأرض، وأتلف راياته وسرجه معلنا تحريـم زيارته ومحذراً سوء عاقبة المشركين.
    وما أحدٌ اعترضه في هدمه مواجهة عند ذلك.
    وبينما هو في طريقه عائداً مع مجموعته الشبابية المؤمنة وفي مكان يسمى: (شِعب الجوف) لاقتهم امرأة تحمل فوق رأسها صحناً مغطىً وتقود هدياً بحبلٍ في يدها.
    فغضَّ وأمر أصحابه بالإغضاض والتنحي عن طريقها حتى تتجاوز ففعلوا.
    إلا أنها – ولما حاذتهم – بدأت بالسلام، وتكلمت مخبرة بوُجْهَتِها، وأن ما تحمل وتقود هو قربانٌ للطير كانت قد أوجبته على نفسها بالنذر.
    عند ذلك تكلم الشيخ مرشداً لها وواعظاً بما يلزمها من نذرها هذا ويحق عليها به شرعاً.
    وأن فعلها هذا شرك واستعرض لها الآيات والأحاديث( )، لكنها أبَتْ وأعرضت، وأمرها بالرجوع فاستكبرت وتعنَّدت.
    ولما رأى جِدَّها وتصميمَها على مواصلة السير للوفاء بالنذر للقبر، أمر بعض من معه من الشباب بتخليص ما تحمل من قربان فجاءوها ولم يزالوا بها حتى سلمتهم مناولةً دون أن يمدوا أيديهم إليها، أو ينتزعوه منها بالقوة، وكلهم شباب ورجال عقلاء وعلى رأسهم سيد قومه/ يحيى بن حسن زاهر.
    أما الشيخ فلم يبرح مكانه إليها ولم يقرب نحوها؛ إلا أنه أقنعها بعد أن سلمت بأن تحتسب ذلك صدقة لأطفال قرية البسيط ( ).
    فوافقت ورضيت، بل وأشرفت على أكل ما في الصحن من قِبَل أطفال القرية المذكورة، وبعض شبابها، كما أشرفت على ذبح الكبش وتقسيم لحمه على بيوت القرية صدقة.
    ثم انصرفت وهي تدعو للشيخ وتترضى عنه أن دلَّها على الخير وخلَّصها من الشرك بالله الذي كانت تجهل بأنه كفر.
    لكن ماذا حصل بعد هذا؟
    إنه العَجَب!
    وإن تعجَبْ، فعَجَبٌ حال المنافقين الذين لم يتغير نهجهم منذ أن أسسه كبيرهم وقائدهم المغوار على النار/ عبد الله بن أُبَي بن سلول.
    فهذا المنهج أساسه التربص بالمؤمنين الدوائر عن طريق الخذلان بإظهار العرفان، وإبطان النكران.
    وظاهر الحرص على دعوى إرادة إصلاح الشأن، والتضحية في سبيل مصالحهم بكرامة كل من عز أو هان، حسداً من عند أنفسهم أن يكون لغيرهم عظيم الشأن، أو لأحد لسان صدق في الآخرين دونهم.
    وصدق الله العظيم: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ( ).
    ولكم تربَّصوا بالرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وكادوا له وهو يواجه خذلانهم مع قتل المشركين في أُحُد لسبعين من أصحابه، وفيهم حمزة – أسد الله وأسد رسوله –.
    وهم يتآمرون عليه وهو يواجه – صلى الله عليه وآله وسلم – اليهود بعد نقض عهدهم، كما لمزوه وأصحابَه وهو في ساحة القتال، ولَمَّا رجع واجهوه بأقبح من الذنب، قالوا: " إنما كنا نـخوض ونلعب "، لكن كشف الله سرَّهم: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُوْلِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءونَ  لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيْمَانِكُمْ( ).
    وأبناء اليوم من أمثال هذا الصنف هم أحفاد الأمس، وَالمُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَونَ عَنِ المَعْرُوفِ ( ).
    إنها لما رجَعَتْ إلى أهلها وقد علم الماردون على صفة أصلهم وهم من بعضهم بوصف الله لهم، إنهم أجلَبوا عليها وأجبَروها على اختلاق فكرة قدَّروها.
    قاتلهم الله، كيف قدَّروا؟!
    قالوا في دعواهم: إن المرأة التي تعرض لها الوهابي/ (إبراهيم) أسقطت حملها بفعله الأنكر من المنكر..!!
    وقد استـخدموا التـورية في (أَسْقَطَتْ) وفي (حـملها)؛ ليُمَرِّروا كيدَهم على إبراهيم ‎– كرمه الله –.
    إنهم يكيدون كيداً، والله يكيد كيداً.
    إنهم يمكرون بدعواهم إسقاط الحمل: (الجنين عن بطن أمه).
    إنهم أتوا بحزمة حطب؛ فوضعوها على رأس المرأة، ثم عمدوا إلى إسقاطها!!
    وكأني أرى من كان طرفاً في المؤامرة بالغبن وهو يعلن توبته ويضفي اعتذاره.
    ومن سواه، الله أعلم بتوبتهم وهم يمكرون بإسقاطهم حزمة حطب عن رأسها!!
    وفي هذا التصرف ما يشعر بوجود بقية خير في نفوس الصانعين المحترزين؛ بدليل جنوحهم إلى التورية، وتنفيذ تأويلها فعلاً، مع أن فيه سبق إصرار وتربص، ومتابعة تآمر، وتدبير كيد، وتصميم على إلحاق أذى، والتزام بتحقيق إضرار.
    وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( ).
    وأروِي واقع القصة بتمامها معتـذراً عن التصـريح باسم من فكَّر ثم قَدَّر فدَبَّر، ثم كاد فمكَر.
    أترك ذلك بعد أن قدموا على الله جميعاً بما عملوا من خير وشر، ولعلمي: أنه – رحمة الله وبركاته عليه – قد عفَا وغفر وصفح يوم جاء الحق وزهق الباطل، وهو يعلم أن تآمرهم شبيه بحادثة الإفك في سورة النور، وقصة الوليد بن المغيرة في سورة المدثر، وعلى ما ورد في قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ( ).













    الفصل الخامس

    أهمُّ مجريات الفتن والمعوقات
    على طريق دعوة المجاهد








    الفصل الخامس
    أهمُّ مجريات الفتن والمعوقات على طريق دعوة المجاهد

    ويخصُّه أربعة فروع:
    الفرع الأول: شِعْبُ الجوف، وحادثة الافتراء الأثيم.
    الفرع الثاني: محنة السجن العام على طريق تزكية الدعوة.
    الفرع الثالث: السجن الخاص، ونتيجته الإيجابية.
    الفرع الرابع: انتهاء المحنة.









    الفرع الأول:
    شِعْبُ الجوف، وحادثةُ الافتراء الأثيم
    سبق عرض هذا الحدث ومجرياته بصورته الواقعية والحقيقية.
    وبقي أن نستعرض مسرحية نتيجته الهزلية المضحكة المؤلمة.. بفعلِ مَن مصلحتهم ضالتهم، وكيدهم ومخادعتهم أمل بقاء مظهرهم..
    وتلك صفات عُبَّاد المصالح في كل زمان ومكان: يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( ).
    والمتربص لا تفوته فرصة دون استغلال، وحدث في شعب الجوف نبأ عظيم استقبله أعداء إبراهيم – عليه رضوان الله – بالتحريف والتبديل والتغيير؛ ليدحضوا الحق بالباطل، وينصروا النفس والهوى والشيطان.
    إنهم بقوا ثلاثة أيام في مشاورة ومداولة وحوار.
    وقـد خرجوا بتقديم دعوى باسـم المرأة ضـد إبراهيم تحكي اتهامه بضربها المروِّع إلى حد إسقاط جنينها وإيصالها إلى حافة الموت.. وقد أسقطت حملها..

    وعليه: فَهُم يطالِبون بدية الجنين ودية السلامة أمام محكمة القضاء، وقد تم لهم بذلك، وبمساعدة عامل حديد( ) مبرر القبض على الداعية المتهم بكذبهم الكيدي العظيم وصولاً إلى المطلوب وهو: قتل الدعوة وإنهاء حركة الصحوة بصاحبها.. للإبقاء على مظاهر الجاهلية مرتع الفساد والظلم..
    ولقد اتخذ المشركون في مكة عدة وسائل لإعاقة دعوة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وإيقافها وشل حركة انتشارها.
    كما سلكوا أخبث الطرق وأَلأَم المؤامرات وأفضع المواقف لقتلها في مهدها، بل بيَّتوا أسوأ مكرٍ وخططوا أحكم تربص بصاحبها وهم يـختارون شاباً من كل قبيلة فيُحْكِمون حصار منـزله، ويتحينون قيامه عن فراشه وهم يراقبون متى أراد المغادرة حملوا عليه فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فيرضى بنو هاشم بالدية؛ لعدم قدرتهم على الأخذ بالثأر في مواجهة كل قبائل العرب.
    وكان سبق محاصرة الدعوة وكبتها وشل حركة صاحبها – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن آمن أو آوى ونصر من بني هاشم بتعليق صحيفة المعاهدة في جوف الكعبة والـمُجْمَعُ فيها من صناديد قريش على المقاطعة والمدابرة والإغلاق في نطاق شعب أبي طالب.
    شاء الله استمرار ذلك ثلاث سنوات.
    وإبراهيم لا يضيره ولا يحزنه، بل يشرفه ويسعده أن يؤاذى في الله ولو إلى حد الجَوْدِ بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرتها في مقابل إلغاء أصنام الوثنية والشرك، وقد كان لعابديها أشد الرغبة في تنفيذ أمر القتل مهما تيسر، أو إصابته بجارحة فيما دون النفس لإرهابه فيزدجر.
    أو بالتآمر على سجنه والتزوير عليه لتغريمه وتغريبه وتأديبه، وقد رأوا أن الفرصة مواتية ولعلها لا تعوض إن لم يسارعوا إلى تأويل هذا الحدث وتحويله منكراً مضاداً لحال واقعه: وهو يهدي امرأةً جهَّلها قومُها، وهو يدلها على سلوك طريق الإيمان بالله وترك الكفر به، وردها للحق وتوضيحه لها إلى أن أعلنت توبتها من الشرك برجوعها إلى الله، والتصدق بما كانت تحمله قرباناً للشيطان، وتـحويل عقد نية الوفاء بنذر الشرك بالله إلى نية التصدق لله به على الفقراء والمساكين.
    وقد رجعت إلى أهلها تحمل عقيدة التوحيد، وترفض عقيدة الشرك والكفر والوثنية.
    لكن أغاضَ ذلك الجاحدين للحق المنكرين للمعروف في مقابل حرصهم الشديد على بقاء مصالحهم المرهونة وجوداً بالمحافظة العاضة على حال الواقع الجاهلي وبعدم التفريط في الانتصار له، لذلك: فلم يزالوا بها حتى صَدُّوها بما يعبدون وبما كانت تعبد من دون الله جهلاً بالدين، وإلى أن خدعوها، وتبنت دعوى الزور والكذب والبهتان العظيم عن طريقهم وبواسطتهم وعلى أعينهم محتسبين ووكلاء، بعد أن غرروا بها حتى غبنوها.
    وهي عجوز قد تجاوزت سن الحمل والإنجاب، فأصغر أولادها في عمر الشابِّ البالغِ الحُلُمِ تقريباً يوم أن ادَّعت الإسقاط.
    وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظيم حجم المؤامرة وتبييتها، حتى المرأة ما كان بعلمها ولا رضاها، بل قد كان الكيد بها، والمكر والخديعة عليها.
    وما كان يخفى على إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – هذا الكيد، وقد كتمه ليعذِّب ضمائرهم، ولعلَّهم يرجعون، دون أن يوْقِعوا آخرين في فتنة شهادة الزور الموجبة للطرد والإبعاد من رحمة الله.. والرعيةُ عوامٌّ ومغلوبٌ على أمرهم.. وهو يعلم حالَهم الموجبةَ للإشفاق.
    كذلك لاحتسابه الصبرَ وإرادتِه ثوابَ العفو والصفح.
    وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. صدق الله العظيم.









    الفرع الثاني:
    محنةُ السجن العام على طريق تزكية الدعوة
    من المعلوم أن أي قضية مدنية، أو جزائية، أو شخصية، لا تتجاوز دائرة الاختصاص الأوَّلي، ولا يجوز تجاوزها إلا بعد أن تستكمل الإجراءات اللازمة، ثم ترسل إلى جهة الاختصاص الثانية إذا لزم الأمر.
    أما هذه القضية فقد لزمها التجاوز برفعها إلى محكمة القضاء درجة الاختصاص الثانية مباشرة، كما أنَّـها لم تصل المحكمة إلا وقد سبقها من رفعت ضده بشهر تقريباً، وذلك بعد أن أَلِفَ سجن الشرف، وألِفَ نُزلاءَه وشاوِشِيه وزوارَه، ليس باختياره، لكن مصحوباً بحرسيِّ السلطة.
    ولم يُطْلَب للمحاكمة إلا بعد أن فتح دروساً في السجن للقرآن الكريم وتجويده، ودروساً في العقيدة، والفقه، واللغة العربية، ودروساً في الثقافة العامة محتفياً بحرصه مختاراً، وفاءً بواجب نشر العلم.
    ويوم أن انتبهوا لنشاطه في السجن، والناس فيه قد فقهوا، ومن السجناء من قد تخرج داعيةً ومرشداً ومبلغاً، بقدر ما علم وفهم، خاصة في تصحيح عقيدة التوحيـد التي شابَها الشركُ بالله وأفسدها ظلام الجهل، وإدخال البدع والخرافات عليها حتى أصبحت من الدين بالضرورة في أكثر مناطق اليمن، وفي قضاء الشرفين بصفة خاصة.
    أثـمر تعليمه بفضل الله، ثـم بـجهده واجتهاده وحرصه على إبلاغ دعوة التوحيد للخالق سبحانه.
    وقد كثَّف اجتهاده في تثقيف السجنـاء لِعْلمِه تفَرُّقَهُم في القبائل على مستوى قضاء الشرفين، وأنهم سيَكُونون رسلاً مبلِّغين في قومهم إذا رجعوا إليهم.
    حينها – ولَمَّا علموا ذلك (أي: السلطة) – أدركوا خطر بقائه بين السجناء، فطلبوه لحضور المحاكمة أمام القضاء لسماع الدعوى المرفوعة ضده من وكيل المرأة الصُّورِي.
    فحضر وهو يعلم مجرياتها، وأسباب تلفيقها، والهدف مِن ورائها، ومَن هم بُناتُها.. وما كان يهمه الدفاع عن نفسه فيما يُدَّعى عليه فيها، ولا دَحْض حجتها الباطلة ظاهراً وباطناً، بعلم اليقين لدى عامة أهل البلد المجاورين بأنها دعوى كيد وتربُّص..
    وكان من السهل جداً فضحُها بطلب حضور بعض أفرادهم، وخاصة من كانوا معه، أو غيرِهم، ثم دحضَها بالشهود الحضور زمن ووقت الحادثة وبعدها باعتراف المرأة نفسها.
    وغير ذلك مما كان بإمكانه تقديمه دفاعاً وحُجَجَاً داحضة لإبطال ما ادعوه وكذب وافتراء ما صنعوه ماكرين ومخادعين.
    لكنه لم يفعل، ولم يطلب التأجيل لتقديم دفاعه، وإنما طلب يمين الوكيل على صحة دعواه.
    فكانت الإجابة: أنه لا داعي لليمين، وقد صدر الحكم..!!
    وما كان ذلك يخفى عليه لعلمه أن سجنه ليس هذا سببه، وإنما لأبعادٍ أخرى اقتضتها مصلحة المحافظة على النظام العام للسلطة المالكة بتقدير تقرير شلة عُـبَّاد المصلحة المتبلِّدين، والذين استُخدِموا لإيجاد السبب، هم فقط: أُجَرَاء مدفوعون، قَدَّموا بقدر مصالحهم الشخصية التافهة الأنانية.
    لذلك كان من المفروض بعد الحكم والتنفيذ عليه: أن يتمَّ الإفراجُ عنه؛ لأن الحكم لم يقضِ بالحبس، ولم يتعرض له، وإنما فقط بتسليم دية غرة.
    ونَفَّذَ الحكمَ بالتسليم في حينه؛ حيث باع مالاً زراعياً من بلاد مسروح في أرض المصلعية، المعروفة عند أهلها.. بـمبلغ: مائتي ريال فرنسي (عملة فضية: ماريت ريزا)، سلَّمها بموجب الحكم دية غرة مقدرة أمة..!!
    وحقيقتها: حزمة حطب..!
    لكن إبراهيم أُعيد إلى سجنه، ليس العام؛ وإنما زنزانة صغيرة، وحيداً يُسمح له بالخروج منها لأداء الصلاة، والجامعُ على بابـها.











    الفرع الثالث:
    السجنُ الخاص، ونتيجتُه الإيجابية
    لَمَّا رجع إبراهيم إلى السجن بعد حضوره تلك المحاكمة الصورية المفتعلة، لم يجد ذلك السجن الفسيح الذي خرج منه للمحاكمة ليعود إليه بعدها، وإنما وجد نفسه داخل زنزانة منفرداً، وبحارس خاص ومرافق كظله، وهذه كانت ميزة انفرد بها عن غيره من السجناء، وأيضاً اكتُشِفَ أنه مُنِح حرية خاصة فَضَّلت الزنزانة عنده على السجن العام؛ حيث أعطي حرية الصلاة في الجامع، ليس مع الجماعة لكن عقِبها.
    كان منحها بفعل تفقيهه وتعليمه الحرسيِّ المرافق والذي قام بدوره للتعريف به سراً لصالحه، لدى بعض الخاصة، قناعة من نفسه بضرورة السعي للإفراج عن الفقيه، الذي لم يعد يرى في سجنه ضرورة، غير توهم السلطة أنه يعارض سياستها.. وقد كان للمعارضة دور خاص حينها، ينذر بقلب نظام الحكم في صنعاء.
    ولم يَبْقَ إلا أن يواجهه ببعض المسئولين في الجامع؛ ليشرح لهم مهمته، ولازم انحصار دعوته في تعليم الناس، وإبلاغهم سر الفطرة الإلهية، والمشيئة القدرية، التي أساءوا فهمها، وتفقيه الناس اقتضاء الصراط المستقيم الذي جهلوه، وبيان حقيقة التوحيد التي ضلوا عنها، وتخليص إسلامهم من شوائب القبورية السائدة التي حسبوها ورأوها حقاً، وظنوا أنهم بإسنادها مهتدون، وبمتابعة سُـنَّة سلفهم مثابون..!! عوائق على طريق الدعوة يلزمها التذليل، وقد وقع مبروراً.
    فحصل اللقاءُ وتطوَّر، وسادت المعرفة، وزاد التعارف، وبدأت جدية المناقشة، ثم المناظرة العلمية بين الفقيه وأنداده، بعضهم من أنصار الـمذهب الـهادوي، أو من أتباع واقع سياسة منهجه، وملتزمي نحلة الاعتزال، وتكرَّر اللقاءُ ونَشِط الحرص وزاد الحماس حتى ظهر حقه عليهم واعترفوا له به وأقروه، فسرَّه هذا، وهيأ له فَتْح حلقة علمية في الجامع، بين المغرب والعشاء، وعقب صلاة الفجر إلى الضحى، وذلك في آخر مدة سجنه.
    وكان اختياره تدريس القرآن الكريم تحفيظاً وتطبيقاً وأحكاماً وتفسيراً، ثم تدريس العقيدة من خلال: (كشف الشبهات)، و(تطهير الاعتقاد).
    وقد بـارك الله جهـدَه، وآتت هذه الـحلقةُ خـيرَها، وأينعت تلك الدروس ثـمارها بتخريج ( ) رجالٍ يحملون عقيدة توحيد الخالق سبحانه، ونحلة السلف الصالحين والصحابة الصـادقين على منهاج سنة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –، والتي قد تركها على البيضاء نقيَّة، والمتوعد من زاغ عنها بالهلاك، والموعود من قام عليها وحَفِظَها بالحياة.
    من أولئـك: حسن بن إسماعيل المداني (عامل كُشر)، ومحمد بن علي المتوكل (عامل أسـلم)، وحاكمـها/ محـمد الشهاري، وغيرهم سادة ومَسُودِين.
    ويوم خلاص الشيخ/ إبراهيم من زنزانة الشرف.. كان بمناسبة فتح نائب حجة لملف مشاكل قضاء الشرفين، وهو في اجتماع خاص بعمال القضاء، بدءوا افتتاح جلستهم باستعراض ملف إبراهيم بن يحيى الطيب، فلما سمع النائب هذا الاسم عارض مستعرضه قائلاً:
    " هذا المتهم مطلوب لِقَلْعَة حجة "، مضيفاً استغرابه بقوله:
    " وإن تعجب! فالعجب أن يوجد في هذا اللواء من يدعو القبائل ويقودهم إلى التحَرُّر، وهو يوهمهم بأنهم في ظلام، ويُعرِّض بأئمة أهل البيت، وينَدِّد بالمُلْك القائم، ويُحرِّض العامة على التمرد والعصيان للدولة "!!
    وفي الأخير: يوجه بقوله:
    " أرسلوه إلى حجة مغلولاً، بَسْ ".


    الفرع الرابع:
    انتهاءُ المحنة
    دفاعُ الله يتدخل ليُنهي سجن إبراهيم (المجاهد في الحق) – رحمة الله وبركاته عليه –
    لأول مرة تُداخل بسْبسَة النائب ثم تُعارض في مجلسه وهو ينصت ويستجيب.
    وإن تعجب! فالعجب كيف حوَّل الله (بَسْ): تم.
    وذلك بانطلاق حاكم أسلم/ الشهاري في الكلام والشاب النبيل/ المتوكل بلسان واحدة ومجموعة ألفاظ متساوية:
    " يا مولاي النائب، إن ما بلغكم عن العلامة/ إبراهيم الطيب عارٍ عن الصحة والواقع ".
    فإذا به ينصت ثم ينطلق لسانه مردداً:
    " كَيْفِهْ كَيْفِهْ كَيْفِهْ "!!؟.
    فتكلم حسن بن إسماعيل قائلاً:
    " نعم يا مولاي، والله إن العلاَّمة/ إبراهيم الطيب المسروحي مظلوم وقد دَسَّ عليه خصوم من أهله وكذبوا عليه وافتعلوا ضده قصة صورية وخيالية منسوجة.
    وأنه ليس في شيء مما أُشيع عليه، وقد سمعنا منه وبلغنا عنه ما يُبَرِّئ ساحته، ودروسه عظيمة في إرشاد الناس وتعليمهم.
    وكل حديثه في فقه العبادات، والسيرة النبوية، والقرآن الكريم وتجويده، والمذاكرات العلمية، ونحوها كل يوم في مسجد المركز (دار الشرف) ".
    فقال موجهاً كلامه إلى الحضور ومشيراً بيده:
    " أوَ قد خَدَعُكم "؟.
    فأجابوا:
    " الحق يا مولاي أنه مظلوم وهذا هو الصدق ".
    فقال مخاطباً لهم:
    " هيا، وما عَد باقي ما تطلقوه! وهذا عليك يا سيدي أحمد.. أنتَ تَلقاني بالفقيه لدار الشرف أبْسِره ".
    فطَلَب المهدي إبراهيمَ إليه ليحضره إلى مجلس النائب، وكان ذلك صبيحة يوم جمعة..
    ولما رأى النائبُ شاباً رفيع القامة دقيق الجسم يدخل عليه مبتسم الثغر باهي الوجه منشرح الصدر وهو يسلم سلاماً عادياً لا تكلف فيه.
    قال له:
    " ما لك لا تخص سادتك بسلام "؟
    فأجابه:
    " يقول الله تعالى: وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا ( )، ولا أريد أن أشق عليكم ".
    فقال النائب:
    " وما أدراك أننا سنرُدُّ بأحسن "؟
    فأجاب إبراهيم:
    " آلُ رسول الله لا يختارون دون الأفضل ".
    عند ذلك نظر النائب إليه نظرة إعزاز وإكبار وأجلسه إلى جانبه وفتح معه الحديث مضيفاً استعراض الأوضاع السائدة في المنطقة وحالة الجهل الآسن وقد رانت به القلوب واستمرأته العقول..
    ولا زال في الاستعراض حتى طاب الحديث وجدَّت المناقشة..
    ثم تعقب لازم وجود دعوة إسلامية إيـمانية تمحوا آثار مسميات الـجهل، وتقطع دابر أسباب التجهيل.
    واتفقوا على تـمثلها في التعليم والتوجيه والإرشاد، وإزالة المنكرات القائمة بفعل مخالفة فطرة الإسلام وبرفض مقومات منهج رسالة الإيمان بسبب الجهل القائم بالأمية.
    وعليه: كان منح إبراهيم مرسوم حق التنفيذ المطلق، وقد أرضاه هذا رداً لاعتباره، لكنه ألَحَّ على ضرورة إرجاع الـمُصادَر من كتبه مؤكداً بخاصة على مجموع ملازمه ومذكراته لما تحوي من جمع خواطره وما تحكيه عن ثمرة جهده وكفاحه.. (ولا أرى إلا أنها تعني تاريخَ حياتِه وتتضمن جليلَ بُناةِ أفكاره).
    ولقد تَفَاجَأَ بالجواب:
    " أنها ضلَّت طريقَها ولقيتْ مصيرَها بالقصد والإرادة ".
    (فما حزن على شيء أصابه دونها، ولا فتنة أفزعته سواها).
    ثم انصرف وهو يرفض تعويض فتنته في الله، ومكافأة ابتلائه وإيذائه فيه.
    وهو يرُدُّ أيَّ قيمة لمجموعة كتبه وملازم مآثره الـمُصادَرة والمؤمَّمة، انصرف وهو يردد:
    " حسبنا الله ونعم الوكيل، هو مولانا ونعم النصير ".
    انصرف سالكاً طريق المسجد الجامع فدخله متوجهاً ومستقبلاً بفعله تحيته شطر قبلته.
    وقبل خروجه من ركعتيه جاءه البشير متهللاً بإطلاق سراحه وبتفويضه المطلق في حرية إبلاغ الدعوة والإرشاد والتعليم، مع منحه التصريح بإزالة البدع وتغيير منكرات الشرك وموبقات الأهواء..
    ثم تكليفه بإلقاء خطبة الجمعة يومها، ليس لاختبار موهبته وإنما لأمر آخر..
    وقد حدد له موضوعها: (في نطاق الحياة الطيبة).
    ولَمَّا دخل وقتها تقدم إلى منبرها فاستقبل الناس وسلم عليهم، ثم جلس يتابع ألفاظ الأذان..
    ثم نهض مستهلاً خطبته بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله وصحبه أجمعين.. فقال:
    " أما بعد:
    أخوة الإسلام والإيمان:
    إن كل ما خلق الله من نفس منفوسة على هذه الأرض فإن صاحبها يطلب ويبحث عن الاستقرار والأمن والراحة ليحيا حياة طيبة مليئة بالرفاهية والبهجة والسرور، ويسعى لإيجاد أسباب كفيلة بالاستمرار في جو نظيف ومظهر جميل.
    والحياة الطيبة كانت ضمن الأهداف التي جعلها تبارك وتعالى جزاءً على الأعمال الصالحة كما قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ).
    ولا يمكن توفير هذا الجو في الأمة إلا إذا أدى كل فرد فيه واجبه نحو أخيه ونحو الجماعة، ونحو الأمة التي هي جزء منه وهو واحد فيها.
    ولا يمكن أن يجدَ الأمنَ من يقوم بالظلم، ولا يهنأَ بالاستقرار من يصدر الخوفَ والرعب، ولا يشعر بالاطمئنان والراحة من يمنع الحقوقَ ويرفض أداءَ الواجبات وهو يتلهى ويتلذذ بمرأى ومسمع المعذَّبين وصيحات البؤساء والـمُعوِزين والتعساء والمحرومين.
    والله لا يرحم من عباده إلا الرحماء، وفي الحديث: »ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..« ( ).
    وما لم تسُدِ الرحمة بين أصحاب تلك النفوس المجندة وتكن هي عماد المعاملات القولية والفعلية، وما لم يكن العدل فيها قائم والإنصاف سائد يتفيأ ظلاله كل كائن حي إلى فصيلة الحيوان من العجماوات.
    وقد أَدخلتِ الرحمةُ بكلبٍ رجلاً الجنة؛ إذ نزع له مَوْقَهُ أو خُفَّهُ فسقاه بعد أن كاد يهلك من العطش.
    كما أَدخلتِ القسوةُ والجَورُ والغِلظةُ وجوظُ الجفاءِ امرأةً النار لحبسِها هِرَّةً، لا هي أطعمتها ولا هي سقتها، ولا تركتها تأكل من خَشاش الأرض.
    فالظلم والحيف عن العدل من أعظم أسباب تحطيم عروش الممالك والأمم وتدمير الأخلاق والقيم، وكل مبدأ سليم أو نهج مستقيم.
    لذلك يقول ناصر السنة وقامع البدعة/ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية – رحمه الله تعالى –:
    " يعز الله وينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويهزم الله ويـمحق الدولة الظالـمة وإن كانت مؤمنة " ( ).
    والعدل من مبدأ الأخلاق الذي تحيا به الأمم وتسود وتسعد وتطيب، كما قال الشاعر ( ):
    وإنما الأمم الأخلاق ما بقِيَتْ
    فإن هُمُ ذهَبَتْ أخلاقُهم ذهبوا

    أيها الأخوة المؤمنون والقادة المهتدون: إنه لا يسعنا جميعاً أفراداً وجماعات وأمة إلا الإسلام ذو العقيدة السليمة والمنهج المستقيم والإخلاص المتناهي والقدوة الحسنة والعمل الملتزم والسلوك النظيف.. حتى نكون شامة وغرة في جبين الأمم الضالة والشاردة وشجرة خضراء في صحراء قاحلة مُقْفِرة.
    وإنني لا أخفي عليكم أننا اليوم وفي هذا الوقت والزمن النحس العصيب بأمسِّ الحاجة إلى مقومات السلوك الحافظة لعقيدة التوحيد الخالص السليم لدينا، وقيم المؤمنين وأخلاق الصالحين ومبادئ شريعة رب العالمين المبلغة على لسان سيد المرسلين وقائد الغر الميامين‎/ محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وآله وصحبه أجمعين، والتي هي اليوم محاطة بالظلمة بل بطبقات الظلمات.
    إن الحياة الطيبة لا يجوز أن تفهم على أنها رغد العيش العاجل ومتاع المظهر الفارِه والملك القائم ذي الـحدود المصطنعة والتقاسم الـمفروض من قِبَل الاستعمار الصليبي الإلحادي والصهيوني التوسعي العالمي.
    إن دولة إسرائيل ستقوم بفعل عنصرية العربية وقومية البراذن وجاهلية التوافِه.
    وإن بدأها في مقابل انتهاء، وعنَّها في مقابل خنوع، وصحتها في مقابل مرض، والنتيجة شموخ العرقوب.
    ولا حياة طيبة لمسلم في وجود هذه المقابلات السلبية المريضة، بل هي تموت في مقابل حياة إيجابية عكسية مضادة، وحياة الإسلام وفخر أنامه ليس بأقل من إقامة علم الجهاد، كابح غرور أهل الغي والفساد والعناد، والشر والشَّرَه والاضطهاد، على أخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت.
    لقد تقهقرت الدولة الإسلامية بعجز شيخوخـتها، وهرمت بخناء أمرائها، ثم ماتت بتآمر أبنائها، ووارى جثمانها هيبة عدوها.
    وإن سعينا جميعاً يوجبه حرصنا على الحياة الطيبة بإيجاد آلية لجمع كلمة المسلمين ولَمِّ شعثهم، وإعادة وحدتهم بداية بغرس الشجرة الطيبة عن طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما قال تعالى: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كَلَّ حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ( ) إلى كلمة حقٍ عند سلطانٍ جائر.
    ونهاية بإقامة علم الجهاد ذروة سنام الإسلام، وأعظم أسباب عزة المسلمين والذي يكون بتركه أعظم أسباب ذِلتهم وهوانهم.
    كما قال – صلى الله عليه وآله وسلم –: ».. ومـا ترك قـوم الـجهاد إلاَّ ذَلُّـوا« ( ).
    وقوله – عليه الصلاة والسلام -: »إذا رضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلَّط الله عليكم ذُلاً لن ينـزعه عنكم حتى تُراجِعوا دينَكُم« ( ).
    ولا شك أبداً أن التزامنا حكاماً ومحكومين بهذه المقومات من أعظم الوسائل المحققة وحدتنا وعقيدتنا وأخلاقنا وتماسكنا أمة واحدة من دون الناس ذات عبادة وهدف وغاية، بمتعة نفسية وحياة طيبة هنيَّة، وذات تواد وتراحم وتعاطف.
    إنها أسباب عظيمة وكريمة يتحقق بها شد عود وحدة المسلمين وتثبيت جذور أوتادها وأطنابها، وبقاء رايتها في الدهر قروناً.
    وإن هذه الوسائل لهي القوة الروحية والمعنوية الحامية لهذه الوحدة من غدر الغادرين ومكر الماكرين ودحر كل من يطمع في النَّيل منها.
    وهي ما لم تكن من داخلها متماسكة مرصوصة البنيان فلن تكون أمام عدوها حصينة صلبة مخيفة..
    لذلك كان البناء الإسلامي للمجتمع المسلم هو البناء الوحيد الذي يجعل هذه الأمة سعيدة في داخلها مرهوبة من أعدائها خارج نطاق حدودها.
    ويوم نتهاون في واجبنا الاجتماعي والثقافي القائم ونترك الناس يهيمون على غير العقيدة السليمة وخارج العبادة الصحيحة ودون توظيف الإخلاص المتناهي أو غير المتناهي فإننا لن نجد من أنفسنا غناءً ولن نجد من الله نصيراً، وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ، إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.
    وإن النصر مع الصبر، والقوة بالتحمل، والإرادة بالتجلد، ولن يَغلِب عسرٌ يُسرَين.
    فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً  إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرَاً ( ).
    ونصر الله حاصل بالانتصار لدينه وشرعه ومنهجه، وهذا هو وعد الله، وإنه
    لواقعٌ بشرطه.
    إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( ).
    كذلك من أسباب الحياة الطيبة إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة، لا حالقة الشعر ولكن حالقة الدين( ).
    وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِيْنَ ( ).
    وفُرقة المسلمين كانت نتيجة الإفساد لذات البين، وقد بدأت بالتنازع وانتهت بالمقاطعة إلى أن خلت خطوط التماس من الحراسة، وهجم العدو بسبق الإصرار والتربص القاصد المراد.
    وحاصله بمخالفة أمر الله ونهيه المفهوم واضحاً من قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعَاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنَعْمَتِهِ إِخْوَانَاً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَة مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
    اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ( ).
    نفعني الله وإياكم بهدي كتـابه، قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ".
    ثم جلس ونهض وقال الخطبة الثانية..
    فلم يزِد فيها على حمد الله والثنـاء عليه والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والترضي عن أهل بيته الطاهرين والصحابة أجمعين..
    ثُم الدعاء لولاة أمور المسلمين وخاصتهم وعموم المؤمنين.. ولكل من حضر الجمعة واستمع وأنصت.
    وهذه الخطبة من جملة مآثره – رحمه الله وغفر له – وكان من حقها أن ترِد في مكانها حسب التبويب، إلا أنَّ سَبْقَها هنا كان لمناسبة.








    الفصل السادس
    ا
    لفصل السادس
    مقوماتُ التزكية والإخلاص في دعوة المجاهد

    ويخصُّه تقريران:
    التقرير الأول: التمهيد، الجاري عليه تقرير الإخلاص.
    التقرير الثاني: انتصار الدعوة في تحطيم معاقل الأوثان.










    التقرير الأول:
    التمهيدُ، الجاري عليه تقرير الإخلاص
    إن من أهم المقومات الدالة على صدق دعوة صاحب هذا الوصف تأثيره في النفوس على مستوى عامة الناس وخاصة المسئولين المعنيين بالأمر بدليل ما سنرى من صنيع خطبة الجمعة تأثيراً مباشراً في نفس المسئول عن سجن مؤديها ومُلقيهـا تأثيراً يتحـقق به إصـدار قرار النصرة للحق الذي يدعو إليه المجاهد فيه/ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) – رحمة الله وبركاته عليه – والذي ما إن سمعه هذا المسئول – وصفته: نائب الإمام في الحكم والأمر في ذلك اللواء الواسع القائم عليه تفويضه – ما إن سمعه وتمهَّل إلى أن انتهى من خطبته وصلاته حتى أعلن تحوُّله عن فكرته التي قرر بها سجنه في حجه (بَسْ).. إنه الإخلاص لله.
    وقد سبب إنهاء محنة المجاهد وفتنته فيه سبحانه ليعلم صدقه ويحقق توفيقه.
    نهض النائب متجهاً صوب إبراهيم في قبلة المسجد مادَّاً يده إليه لينهضه عن مجلسه حتى استوى قائماً فاحتضنه وهو يعلن قوله: " لك علينا حق النصرة والإعانة، وأن مولاي الإمام – أيَّده الله – لا يُقِر ما يفعله الناس حول القبور "( ).
    وأنت في طريقك لِتغيير المنكر حسبما تراه مناسباً..
    ثم يصطحبه إلى دار الضيافة.. ويعرض عليه عملاً يستلزم بقاءه للحاجة إليه.. وهو يمنحه مقرراً كأمثاله.. وبقي يلح عليه ويرغبه..
    فأجابه بقوله:
    " والله ما كنت لأستبدل دعوتي بِحُمُرِ النَّعَم وقد جعلتها لربي وقفاً لعشيرتي الأقربين أولاً، ثم لمن يليهم جواراً حسب تمكني بإرادة الله تعالى ثم إن فرضي إنقاذهم من موبقات الجاهلية القائمة فيهم والآخذة بهم.. وسنتي دعوة من خلفهم، فإذا قضيت الواجب وفعلت السنة انتقلت عنهم لأداء مثلها في من سواهم.. والأجل والأمل كفرسَي رهان وما لم يكن لي قصب السبق قطعني دون الوصول إلى الله وخسرت جائزة الإخلاص لتباطئي في تقديم الأولى وَأَنْذِرْ عَشِيْرَتَكَ الأَقْرَبِيْنَ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَمَا تَغِيْضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّشَيءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ( )، وأراني آخذ بالأولى رجاء عون الله عليه.
    وإني لغريب حال في الزمن العاجل وعابر سبيل إلى حياة الآجل ولا أدري ما الذي هو مقطوع لي به ولا ما هو مكنون عليَّ فيه.
    والأعمال بختامها وأسأل الله لي ولكم حسنها.. واختصاص الله تعالى بعلم نهاية الآجل يحتم علينا التزام قصر الآمال..
    إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ وَيُنَـزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِيْ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْرِيْ نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوْتُ.. ( ).
    وإنه لا يسعني إلاَّ جزيل شكركم لحسن ظنكم، وإلاَّ الإعتراف بجميلكم لتعقل تدبيركم، وَلكَم أوصل سوء تدبير أقوام إلى دركات تدميرهم، وما كانوا أوهنوا مكيدهم بكيدهم، بل دمر الله عليهم بمثل ما حصل للكافرين.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يبقى إلا أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر رجاء ثبات حقيقة الإيمان على ما جاء في تقرير الله تعالى: َالَعَصْرِ  إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلاَّ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ".
    فلما رأى النائب هذا الاعتذار من الشيخ/ إبراهيم أعذره ووجَّه بمفهومه إلى من حوله، مضيفاً:
    " إن هذا لا أمل لنا فيه بما نريد فأعينوه على ما يريد ولا تطمعوا فيه من يكيد له، وأظهروا حجته بالوقوف إلى جانبه إن طلب منكم ذلك رجاء المشاركة في الأجر "..
    فقال الحسن ابن إسماعيل (عامل كشر):
    " أنا يا مولاي النائب أعينه ".
    فقام وذهب إليه وأخذ بيده.. ثم تبعهما عامل أسلم، وحاكمها/ محمد بن علي المتوكل، والقاضي/ الشهاري، ثم خرجوا وهم يودعون النائب ويصحبون إبراهيم في طريقهم إلى مَقَارِّ أعمالهم وهو إلى أهله.








    التقرير الثاني
    انتصارُ الدعوة في تحطيم معاقل الأوثان

    ويخصُّه فرعان اثنان:
    الفرع الأول: معقل: (أ) – مزار قبر علي بن أحمد.
    الفرع الثاني: معقل: (ب) – شايع حربي: مزاره المشهود، ومحرابه المرهوب.











    الفرع الأول:
    معقل: (أ) – مزارُ قبر علي بن أحمد
    إنه المزار الأعظم في أعين رواده وقلوبهم، إنه مزار على بن أحمد، سيد الغربي بالسربة، أحد أحياء قبيلة بني حملة، ثالث قبائل خيران، والوسط بين قبيلتي مسروح والخميسين من قضاء الشرفين (المحابشة).
    إن هذا المرقد أول المراقد عظمة وهالة بين المراقد الكثيرة على مستوى مناطق حازات تهامة وعامة سفوح جبال حجة.
    إنه المرقد والضريح الذي يعمه كل عام ما يزيد على آلاف من البشر تقريباً قاصدين ومريدين، وثلاثة أمثال هذا العدد.. يحجون إليه في الأسبوع الأول العاقب لعيد الأضحى المبارك، أو في الأسبوع الأخير من رجب وبالتحديد: ليلة (سبع وعشرين)، وهم يطوفون به رُكَّعاً وسُجَّداً ومقدِّمين الهَدي والنذور، وأنواع القرابين وهم يرفعون أصواتهم بالبكاء والعويل وشق الثياب، ونتف الشعر في اليوم الأخير من ذلك الأسبوع العاقب لعيد الأضحى، وهو ما يُسمى بيوم الغدير (غدير خُم) الموروث من عقيدة غُلاة الشيعة الباطنية والرافضة..
    ومن خصوصيات هذا اليوم: رفع الراية السوداء لاعتقاد أن الراقد تحت ظلالها مغضب ومستاء جداً لمخالفة المسلمين حسبما يدعون نص الوصية المعلنة لِعلي – عليه السلام – يوم غدير خُم بقوله – صلى الله عليه وآله وسلم -: »عليٌّ مِني بمنـزلة هارون من موسى، وهو الخليفة من بعدي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، ومن كان عليٌّ مولاه فأنا مولاه..« ( ).
    وبمثل ما هو مغضب ومستاء – أي: صاحب القبر – من الذين لم يوالوا علياً ولم ينفذوا الوصية ولم يعطوا البيعة فإنه كذلك مشفق لحالهم وحزين عليهم يوم يُذادون عن حوضه – عليه السلام – ويُطرَدون وهم يتحسَّرون عاضِّين أناملهم من الغيظ، ما لهم لم يكونوا مع أبي تراب؟..
    أمَّا هؤلاء الزوار والعاكفون بقرابينهم لانتظار اليوم المشهود يوم غدير خُم تعظيماً لشأنه وتقديساً لجلال ما تم فيه.. فذلك حري بأن يشفع لهم ويقبل به اعتذارهم بانكسارهم وقد جاءوا متضرعين جائرين إلى وليهم معلنين براءتهم مما فعل سلفهم من نصب العداء وعدم الموالاة..
    لذلك فإنهم اليوم يعتذرون ويعلنون الولاء نيابة عن المسلمين ويقدمون البيعة لعلي – عليه السلام – عن طريق نائبه والواسطة بينهم وبينه: راقد هذا القبر السيد/ علي بن أحمد والمفوض في قبول الاعتذار وسماع الشكوى والنجوى واستقبال العطايا والهبات والقرابين والمنح عليها عظيم المطلوب والمرغوب.. ودفع المرهوب.. ورفع البأساء والضرار وجور السلطان.. وشدة البأس.. إلخ!!.
    إن هذا اليوم يشبه في تدفق الناس وتقدمهم على قبة القبر ومنارات شرفاته يوم رمي جمرة العقبة، صبيحة ليلة النفير إلى مزدلفة والإفاضة من عرفات بعد المبيت في المشعر الحرام.
    إلا أن يومها يحمل الحجاج فيه حصى الخذف لرمي الشيطان وإغاظته طاعةً لله واقتداءً بِنَبِيِّه/ إبراهيم – عليه السلام –.
    أما يومها فيحمل الناس فيه الآلات والوسائل ذات الأصوات القاصفة كالبندقية ونحوها، طاعة للشيطان واستجابة لدعوته.. كذلك الرايات ترفرف في أيديهم ويلوحون بها تعظيماً وتقديساً لصاحب القبر، وإعلاناً للطاعة وإظهاراً للتذلل والخضوع والانكسار بين يديه اعترافاً وتسليماً بضره ونفعه..
    وهم يبدءون المسيرة وُفُوداً على بعدٍ مُعيَّن وبأسلوب مبرمج وطريقة منظمة يؤدون بها تلبية خاصة ذات هتافات شركية باسم الولي.
    وعند الوصول إلى القبر بقبته المتميزة وشُرُفاته المجصَّصة لا يكتفي كل وفد بفعل مجموعة طقوس القدوم المعقدة والمكلفة والشاقة لمرة واحدة وإنما البقاء عاكفين عليها منذ وصولهم يوم غديرهم وليلته خارُّون على الأذقان يبكون خُشَّعاً وهم راكعون، ذاهلون وهو ساجدون.
    ولِلَيلة الرَّجَبِيَّة شأن عظيم حول القبر..
    وما كانوا يرون أو يعتقدون أنه يغنيهم أداء عبادة لله بمثلها ليلة القدر حول البيت العتيق.
    وفي ليلة النصف من شعبان ينتظرون توزيع الأرزاق..
    وفي اعتقادهم أنها الليلة التي يُفْرَق فيها كل أمر حكيم.. وفيها مَن يأخذ رزقه بالاغتراف.. ومَن حظُّه في كوع الحمار..!!.
    كما يعتقدون أن لصاحب القبر دخل في تحقيق طلب زيادة الرزق لكل عاكف عليه أو معتكف عنده وطوَّاف حوله..!!!.
    لقد كان امتحان إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – وابتلاؤه بالسجن تمحيصاً له ومحقاً للأوثان وعابديها، وتحطيماً لمرتزقة المصالح وأصحاب الأهواء، وسحقاً لجاهلية التقاليد والعادات السيئة الرذيلة..
    ثم هي مرحلة من مراحل حصاد الإيمان عنده وتقويةً وتقويماً لشخصيته ووسيلة لنضوج دعوته وفكره، حيث تلقَّى في مدة سجنه جرعةً تنشيطية في فقه المواجهة، وبصيرة في إرصاد من يحارب الله ورسوله خفية ودون الجهر بالقول والفعل غدواً وعشياً، ففضحهم وشل مصالحهم وهدَّ عزمهم وحيلتهم.
    وفعلاً كانت محقاً لأولئك الذين رأوا أنها حقيقة انتصار للوثنية التي كادت وأوشكت هزيمتها وأهلها على النهاية. بل كانت وصلت قاب قوسين أو أدنـى في محو آثار عبادتـها وشل حركة سَدَنَتِها.. خاصة بعد هدم تلك القباب والأوثان الأولية.. قبل مرحلة السجن.. وأثناءها وقعت فتنة الناس باستغلال فُرص بث الدعايات التحذيرية والتخويفية من الجن والأولياء أصحاب تلك الأنصاب والأوثان وقد مُنعت عبادتها وأزيلت أعلامها من قِبَل إبراهيم ولم يؤخذ على يده أو يُمنع انتصاراً لها فإنها الآن تنتقم منه لنفسها أخذاً بحقها، وستنال ممن اشترك معه أو أعانه رضاً سكوتاً أو قولاً أو هدماً بالمباشرة والفعل فإنها تنالهم جميعاً بغضبها وسخطها كما انتصرت بِسِرِّ فضلها على ذلك الناصبي..!!
    ثم ما فتئ أولئك المشركون المرجفون يشيعون في الناس أن أحمد عِمْران، وابن الطير، وسيد شالف، ومريم جنية قد تعهدوا أن يفتكوا به ويهلكوه في السجن، وما أهلكوا إلا أنفسهم بشركهم وحاق بهم مكرهم فأصبحوا خاسرين.
    إنهم خسروا برجوعه ما كانوا يتمنون من نهايته ثم ما كانوا أثروا به من دعايات وأباطيل ظنوا أنها مانعة لهم من الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون.
    عاد إبراهيم إلى قومه رضيَّ النفس طيب الخاطر عاد وهو يحمل روحاً وثَّابة وإرادة قوية قاصدة.
    لم يتوانَ ولم يؤخر ولم يؤجل إنكار المنكر والنهي عنه بل تغييره وإزالته باليد، والاستعانة بمن تاب معه ثم بمن اهتدى من قومه، أو بمن ربَّى من أبنائهم وأصلح من الشباب والأتراب.
    لم يمهل المرجفين إلى أن يُقَدِّروا ويدَبِّروا ما به يمنعون ويحمون أوثانهم من أيدي التغيير الطاهرة، ولم يتركهم إلى أن يتهيئوا لِصَد رجال الإيمان عن هدم قباب الشرك أوليائهم ومعبوداتهم من دون الله.
    إنه بادرَ بالعزم على تسوية شُرُفات قبر علي بن أحمد، وإزالة قبته العلية ومنارته المتميزة تنفيذاً لعهده ووفاءً بوعده على أنه لن يمهل في إنكار أي منكر أو يتوانى في إزالته حتى يُظهر عليه الحق ويُلزم خصمَه الحُجَّة..
    إنه عزَمَ ونفَّذَ الهدم مستعيناً بعامل كشر تلميذه المتأثر بدروسه وحلقاته التعليمية ولقاءاته العلمية وهو في حبس الشرف.. كما سبق تفصيله.
    ثم استعانته بأولئك الشباب المؤمنين من طلبته وغيرهم من أهله وقرابته..
    كل هؤلاء أسعدهم هدم مجموعة مباني وشرفات ومباني قبور الشرك والوثنية، بل زكى نفوسهم، وطهَّر قلوب قوم آخرين.
    وقد بدأ الهدم والشباب حوله لحمايته من أي اعتداء وكان أول عمله إنزال بوابة الدخول إلى الضريح ولما سقط بعد معالجته أقبل الناس من كل مكان في المنطقة المجاورة وممن حولهم والهدم مستمر ولما رأوا الجِدَّ بدأ منهم من يشترك ومنهم من ينتقد.
    ومنهم من يسخط ويهدد ويتوعد، ومنهم من يحذر من غضب صاحب القبر وبطشه، ويتبرأ مما سيحصل للفاعل والراضي والساكت..
    تأثير خطبة الجمعة بعد سقوط نصب القبر:
    ولما كان الانتهاء من جل معالمه بعد جهد من العمل المتأني.. في الهدم وكان يوم الجمعة، وقد اجتمع خلق كثير وحانت خطبة الجمعة فقام بها وأداها كما يلي:
    ولنلاحظ الفرق بينها وبين خطبة المحابشة وكيف فقهه في مخاطبة الناس على قدر استيعابهم وفي نطاق فهومهم لِئلاَّ يكذب الله ورسوله عملاً بالأثر الصحيح الوارد في هذا المعنى.
    قال بعد حمد الله والثناء عليه.. والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه أجمعين:
    " أما بعد:
    أيها الناس، أيها الآباء، أيها الأخوة، أيها الشباب، اعلموا أن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يتْرُكُّم هملاً، وقد أرسل محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
    جاء – صلى الله عليه وآله وسلم – بالحنفية ملة إبراهيم عقيدة التوحيد، وما من نبيٍّ إلا أُرسل بها إلى قومه كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِيْنَ لَهُ الدِّيْنَ حُنَفَاءَ وَيُقِيْمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِيْنُ القَيِّمَةِ ( ).
    جاء محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – نبياً ورسولاً إلى قومه يبشرهم وينذرهم بعد أن غيَّروا وبدَّلوا ملة إبراهيم واتخذوا بدلاً عنها الشرك بالله – عزَّ وجلَّ – الذي أفسدوا به، وأبطلوا كل أعمالهم الصالحة؛ لأن الله تعالى لا يقبل من عبده صرفاً، ولا عدلاً، ولا صلاةً، ولا زكاةً، ولا صوماً، ولا حجاً، ولا بِراً بوالدين، ولا صدقةً، ولا أيَّ عملٍ صالحٍ ما دام مشركاً بالله – عزَّ وجلَّ –.
    والشرك بالله هو الذنب الوحيد الذي لا يدخل مع وجوده صاحبه الجنة لأن الله لا يغفره إذا مات صاحبه وهو على غير توبة منه لأن الله يقول: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.. ( ).
    إَنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ( ).
    جاء الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وأهل مكة يعبدون مع الله آلهةً أخرى بدعوى: أنهم يعملون ذلك لأنها تقربهم إلى الله وتتوسط لهم عند الله فيغفر لهم بواسطتها، وكانت تلك الآلهة أصناماً وأوثاناً، هُـبَل على صورة إنسان وحوله ثلاث مائة وستون صنماً صنعوها بأيديهم ثم عبدوها وطافوا بها..
    وهي صورٌ لأناسٍ صالحين، لَمَّا ماتوا صوَّروهم ثم عبدوهم..
    وهناك الَّلات: صخرة بالطائف كانت تُقدِّم العربُ لها القرابين ويطوفون حولها..
    والعُزَّى: شجرة قرب مكة كان العرب يأتونها ويسألون حاجتهم منها..
    وكل هذه المعبودات بُعث محمدٌ – صلى الله عليه وآله وسلم – لإزالتها وطمس معالمها وكلها أُزيلت بأمر الله؛ لأن رسالة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى العالمين كانت من أجل أن توجه إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ( ).
    والقرآن الكريم يمثل الـمشرك بالهاوي من بُعدٍ إلى مكان لا يصل إليه بل يتقطع لـحماً في الـهُوِي، والطير تتخطَّفُه والرياح تُبَعْثِره قبل أن يصل إلى الأرض.
    كما قال تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَو تَهْوِيْ بِهِ الرِّيْحُ فِي مَكَانٍ سَحِيْقٍ( ).
    ولم ينتقل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى الرفيق الأعلى حتى جعلها بيضاء نقية من كل شرك ووثنيـة أو خوف من جِن أو شياطـين.. بل إن الجِنَّ الذين كانوا يُخَوِّفون الناس لِيَحْملوهم على عبادتهم ولِيَطلبوا منهم الحماية والرعاية والحفظ حتى أرهقوهم كما قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقَاً ( ).
    كل ذلك انتهى وعادت العرب إلى دين الفطرة وعقيدة التوحيد وزالت كل معالم الكفر بالله – عزَّ وجلَّ –.. وبقي الناس مسلمون مؤمنون على مستوى الجزيرة العربية كلها..
    وحملوا راية الجهاد في سبيل الله ليدخلوا العَجَم في دين الله.. وقد فعلوا، وأولئك هم آباؤنا أهل اليمن وفيهم الأوس والخزرج وإليهم من آمن مِن عَرَب الجزيرة..
    وقد أَدخلوا الناس في دين الله أفواجاً على بُعد المشارق والمغارب.
    ونحن اليوم للأسف الشديد نتركُ دينَ الله ونرفضُ دعوةَ رسولِ الله ونخالفُ آباءنا المسلمين والمؤمنين ونرُدُّ جهادَهم ونعاديْهم ونعصيْهم وننبذُ طاعتَهم ونعقُّهم.
    كل ذلك نفعله باختيارنا وإرادتنا ونحن نعيد عبادة الجاهلية بالبناء على قبور من كنا نعتقد صلاحَهم ثم نطوفُ بهم وننذرُ لـهم ونذبحُ لهم ونحلفُ بهم ونعظِّمُهم ونقدِّسُهم كما كان يفعل المشركون في مكة قبل رسالة محمد – صلى الله عليه وآله وسلم –.
    كما أننا نخاف من الجن ونعتقد ضُرَّهم ونَفعَهم من دون الله ونُشركهم مع الله في العبادة، بل إن الكثير منا أصبح لا يخاف من الله، ولا يرجوه، ولا ينذر له، ولا يتوكل عليه، ولا يحلف به وقد جعل ذلك كله للأولياء والجن من دونه سبحانه.
    إن كل ما نعمله ظلم والظلم ظلمات، أرأيتم لو أن لأحدكم ولداً وهو يؤكله ويُشربه ويُلبِسه ويحرص على صحته ويتعهَّد بمطالبه كلها، ثم إن هذا الولد يُعطي نفعَه وطاعته وعمله لغير أبيه فما تعدُّون ذلك الولد، وما تطلقون عليه؟
    إنه لا يختلف منكم أحد أن يقول: إن هذا الولد عاصٍ وعاقٌّ ومتشرد ويستحق الضرب والعقاب والطرد من بيت والده. ولله المثل الأعلى، كيف نعلم أن الله خلقنا ورزقنا وعافانا، ثم نعبد غيره ونشكر غيره ونقدِّر غيره؟..
    إن هذا ظلم وعصيان وعقوق لله تعالى نستحق عليه العقاب والعذاب.
    وإن عبادتَنا بالذبح والنذر والخوف والرجاء والطواف بهذه القبور ظلمٌ وكفرٌ بالله وتعطيلٌ لحكمةِ الله مِن خَلْقِنا في أحسنِ تقويمٍ وأفضلِ مخلوقٍ بالعقلِ والتفكيرِ وبميزةِ الخلافةِ عن الله في هذه الأرض.
    وإنه لإخلالٌ بالأمانة التي حَمَلها آدم – عليه السلام – وأَشْهَد اللهَ على ذريته ونحن منهم ثم حمَّلنا إياها وأَشْهَدنا على أنفسنا بقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِيْنَ  أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ ( ).
    ولنعلم أن أصحاب هذه القبور لا تـملك لنفسها ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، ومن لا يـملك لنفسه هذه الأشياء كيف نطلب منه نفعاً؟ ولو كان يستطيع نفعاً لنَفَع نفسه.
    والقبور بصفة عامة زيارتها مشروعة لكن للعظة والاعتبار وتذكر الآخرة والدعاء لأهلها المسلمين والمؤمنين بالدعاء المأثور وإن تجاوزت هذا فهو الشرك..
    تقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون … إلخ( ).
    قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ  لا شَرِيْكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِيْنَ( ).
    والحديث: »كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة« ( ).
    ورسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بعـث وأرسـل من الصحابة – رضوان الله عليهم – من يهدم القباب والشرفات والحيطان التي كان بناها الجاهليون على القبور.
    وقال: »يا علي، وأبعثُكَ على ألاَّ تدَعْ قبراً مشرفاً إلا سوَّيته، ولا صورةً إلا طمستَها« ( ).
    لأن الصور كانت هي السبب الأول والرئيس في عبادة الموتى أصحاب القبور، صوَّروا صورهم لتذكر أعمالهم.. ثم عبدوهم من دون الله فأشركوا فأحبط الله أعمالهم.. والله يقول لرسوله – صلى الله عليه وآله وسلم –: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ … ( ).
    وكل من أشرك حبط عمله، كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( ) ".
    كلمة حسن بن إسماعيل التعليقية بعد الصلاة:
    انتهت خطبة الجمعة وأُقيمَ للصلاة.. ولما انصرف منها بالسلام قام حسن بن إسماعيل موضحاً بعض النقاط الواردة في الخطبة بخصوص البناء على المقابر مضيفاً بأن أصحابها ليسوا هم الذين أَمروا بالبناء على جثمانهم وتجصيص قبورهم والاحتفاء بها.. وإنما الناس الجهلة هم الذين عملوا ذلك.
    ثم أنه وجَّه الناس بواجب التعاون مع الشيخ ومناصرته والدفع بأبنائهم للدراسة عنده، وواجب قبول نصحه وإرشاده، مؤكداً لهم أنه مستعد أن يلازم الشيخ هو بنفسه وقد فعل في المحابشة، ذاكراً كلما استفاده منه، وأنه الآن يعتبر غيثاً مدراراً أمطره الله على أهل هذه المناطق رحمة بهم لإخراجهم به من الظلمات إلى النور.. موضحاً عظيم الحُجة على من أعرض وأبى أن يتعلم، وشديد النكال والعذاب على من عارض أو تصدى لهذه الدعوة، ثم أشار إلى كلمة نائب الإمام في حَجة من إعطائه الفقيه الأستاذ/ إبراهيم بن يحيى الطيب الإذن المطلق بهدم القبور المجصص عليها ومنع زوارها من الإعتقاد في ضرها وتقديم القرابين لها بأي نوع أو صفة.
    كلمة علي بن علي غوث( ):
    قال معلِّقاً: " أما أنا فلا تفوتني الإشارة إلى نقطة أخرى أشارت إليها الخطبة وذلك ما عنته المقارنة بين جاهلية قبل الإسلام بما أوجدت من أنواع المعبودات حول الكعبة وفي القرى التي تقع خارج مكة ومن حولها.
    والمعبودات التي أوجدتها جاهلية اليوم وأن هذه كتلك بل إن جاهلية اليوم يعبد أهلها غير الله وهم يشهدون ألاَّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فجُهَّال اليوم أشد جهلاً من جُهَّال عرب مكة قبل الإسلام ".
    ثم انفَضَّ الجمع وكل فرد يتوب إلى الله ويستغفره ويعلن اعترافه ثم ندمه وهو يعاهد الله على ألاَّ يشرك بعد ا ليوم مع الله لا قولاً ولا عملاً ولا اعتقاداً، ويصرون في المطالبة بفتح مدارس على مستوى قراهم ويستعدون لتغطية تكاليفها ونفقاتها على حسابهم، وبهذا الجمع دخل الإيمان بعقيدة التـوحيد الـخالص إلى كل بيت من بيوت قرى خيران، وعلت (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) على الهتافات بالأولياء وبالجن وبالشياطين، والحمد لله رب العالمين.




    الفرع الثاني:
    معقل: (ب) – شايع حربي
    مزارُه المشهود ومحرابُه المرهوب
    موقع هذا المزار معزيبة المحرق، إحدى قرى قبيلة مسروح، شرق بيت الشيخ، حد التماس بين ناحية خيران وناحية أفلح الشام من الجهة الجنوبية الشرقية لناحية خيران والجنوب الغربي بالنسبة لناحية أفلح.
    وهذا القـبر كان واحـداً من تلك الأوثـان الـتي تُشَد الرحال إليها وتقدم لها القرابـين بصفـة مصغـرة وبطريقة وهيئة أقل شأناً من مشهد قبر الطير.
    ذُكِّر إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – بهذا المشهد بعد رجوعه من مهمته المنجزة في الغربي..
    وفي اليوم الثـاني أصبح مستعداً للخروج في مجموعة أخرى من الشباب المؤمن خرجوا وكأنهم في عمل مكلفين بإنجازه – ولا أوجب من إنكار منكرٍ معلومٍ من الدين بالضـرورة، كهـذا! وحقـيقة إزالة نصب وثنٍ يُعبد من دون الله –.
    ولما وصلوا إلى شرفات القـبر وقد تبعـهم بعـض الناس لعلمهم بالمقصد.. أما الغاية فصاحب المقصـد أعـلم بنفسه والله أعلم وهو أعلم بمن اتقى، وظاهر الأمر وباطنه في مثل هذا لا يحتمـل في الغالب سوى الله رب العالمين..
    تقدم إبراهيم ومدَّ يدَه بادئاً بمحاولة هدم البوابة ذات البناء القوي المتماسك بالصخور الكبيرة والحجارة المتنوعة والمدمَّكة على عرض متر تقريباً لكن الكابة (الباب) ليست إلا بارتفاع أقل من مقدار الإنحناء المتواضع بعرض ممر الداخل بصفة بين الركوع والسجود.
    ولما نزل المـردم خـرَّ بعـده الحائط المسند.. وعقبه اشترك في الهدم معظم الحاضرين حتى إذا قارب التسـوية ظهـر في وسـط جـدار الحـائط ثعبـان عظيـم فإذا بالعقول المعتوهة والقلوب المريضة يفرون فرار المستنفرة المرتجفة وأيديهم على الرءوس يدعـون بالثـبور والويل والْوَلْوَلَة.. رافعين أصواتهم يقسمون بأن هذا شايع نفسه وأنه معـروف بشـحمه ولحـمه وقد تمثـل في صـورة ثعبان وأن كل الذين شاركوا في هدم المحراب هالكون لا محالة!!.
    رأى ذلك منـهم وسـمع مقولاتهم فلم يلتفت إلى هراءاتهم وسخافاتهم وهو يتوجه نحو الثعبان وفي يده حـجر مصـوباً له نحوه فإذا به يصيبه فيقتله ويرفعه فوق صـخرة مجاورة ليكون رأي العين لكل مُتَـوَهِّمٍ شاك أو متردد مرتاب.
    تضرع إبراهيم بعد سقوط آخر وثن:
    عند ذلك زاد الجمع وتكاثرت الجماهير حتى غطوا المنطقة الواقع فيها المحراب وهم يشاهدون جِدِّية الهدم المتواصل إلى أن سوَّى القبر وذهبت معالمه، عند ذلك وقف متجهاً نحو القبلة رافعاً يديه يدعو:
    " اللهم هذه معالم الشرك قد أُزيلت هيأتها في هذه البلدة من أرض قومي وأهلي وأنت تعلم أن هذا ليس غايتي وإنما وسيلة من وسائل إرادة تثبيت عقيدة التوحيد الخالص بقطع شجرة الشرك حتى لا يعاود أحد الاعتقاد فيها نفعاً وضراً ببقاء معالمها وشرفات حيطانها..
    يا رب العالمين أنت تعلم أن غايتي رضاك في كل ما أُنكرُ من المخالفات والبدع والخرافات لأزيل ذاتها وأثرها من واقع الناس ومن نفوسهم وقلوبهم على مستوى أهل هذه البلدة ومن حولها ممن هيأَت لي القدرة والاستطاعة على دعوتهم وأعنتني على هدايتهم، وأنت القادر على تغيير سنة القبض القهري ( ) القائم على إطلاق النعرات الجاهلية والتزام دعوة الإشراك في الخضوع والتذلل والتمجيد لذوات المخلوقين دونك سبحانك.
    ثم إني أسألك يا أرحم الراحمين أن تقر عيني برؤية خلفهم شباباً يأبون ويرفضون التوسـل بغير الله وكـذلك ينكرون عامة المخالفات في مجتمعهم ثم رؤيتي لكبيرهم وسمـاعي له يذكر ذنبه القديم وهو يندم ويستغفر الله منه ويتوب إليه ".
    وقد كان هذا الوثن آخر أوثان المنطقة هدماً وإزالة ممن كان تشد إليها الرحال ويجـأر إليـها بالدعاء ثم هي تحظى بالقداسة والخوف والرجاء دون الله – سبحانه وتعالى –.
    عاد إبراهيم من تحطيم آخر الأوثان والمعبودات من دون الله تعالى وهو يتهيأ لأمر آخر ونوع آخر من أنواع الدعوة إلى الله سبحانه ألا وهي الدعوة إلى التعليم العام على مستوى أساليب الإيصال بالفرد والمجتمع إلى تطبيق مفهوم الوازع الديني والضابط الخلقي..
    عاد وهو يدعو الناس للـدفع بأبنائهم للتعـليم في تـلك المدارس التي عمر بها غالبية قرى المنطقة تسـهيلاً وتيسيراً ليقطع حـجة الـمحاجج بالبعد؛ حتى لا يتنصل عن تعليم ولده مـمن يعنيـهم الأمـر وشملتهم منطقة دعوته أحد.
    دفع الناس بأبنائهم حتى أنه لم يتخلف منهم أحد، وبث روح الحياة العلمية والتطبيقية في عامة المنطقة إلى أن تحقق له ما كان يأمله.
    استجابة الدعوة:
    وقرت عينه وهو يرى ويسمع الطفل الصغير يرفض أن يحلف بالأمانة، ثم هو يستنكر إن سمع من يحلف بها أو يتوسل بغير الله تعالى، ولقد حدثني أحد الأخوة ممن حظي بحضور تلك المدرسة التي أقيمت في قريته وتعلم فيها وارتوى من علومها العقيدية، وكان صغير السن( ) وهذا الأخ كان والده – رحمه الله – من أوائل الآخذين عن الشيخ – رحمة الله وبركاته عليه – علماً نافعاً موصولاً بالعمل حتى صار من أفاضل المناصرين ومن خيرة الناصحين تمسكاً وتمسيكاً.. قال:
    " جاء الشيخ يوماً إلى قريتنا المشايم وما كنت أعرفه أو أميزه لصغر سني ثم إنه لم يكن من قريتنا، وكنت على طريقه فسلم علي وحادثني..
    ثم إنه أخرج ريالاً فضياً (ماريت ريزا) فدفعه إليَّ مقابل أن أقول أمانة حالفاً بها فرفضت وكرر عليَّ بطريقة الإلزام وما كنت أُدرك أنه يختبرني فأخذت الريال ورجمت به بعيداً عن المكان الذي نقف فيه وأنا مغضب وفي نفسي سخط عليه شديد وأنا أردِّد: (حـرامٌ الحلف بالأمانة، الحلف بالأمانة حرام، رُحْ لك يا شيخ)..
    ثـم ما علمت أنه وجد الريال أم لا لكون الرجم به كان إلى أسفل الأَكَمَة.. ". قال:
    " ولا زلت أتذكر صورته في مخيلتي حتى اليوم بذلك الموقف، ولأنه ذهب وهو يمسح على رأسي ويدعو لي فرِحاً مسروراً بتصرفي ".
    كما حدثني أخٌ آخر من قرية البسيط( ) بقصة أخرى قال:
    " لقد حظيت بالدراسة عند الشيخ الحاج/ إبراهيم – هذه صفة يُشْتَهَرُ بها كلُّ من سبق له أداء فريضة الحج – وكان عمري ست سنوات أو سبع تقريباً، وقد كان تركيزي على الدراسة بالسماع حتى فهمت، وترسَّخ لدي فهم العقيدة (عقيدة التوحيد): توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية.
    وفهمت أن الاعتقاد في أصحاب القبور كفر.. وإن البناء على المقابر ورفع جدران القبر حرام لا يجوز..
    وترسخ ذلك في ذهني.. وذات يوم تسارع إلى مخيلتي أن هناك قبراً لا زال عليه بناء ويدعى: (قبر الحاجة)، على مقربة من قريتنا.. قال: فذهبت إليه وبدأت أهدُّ حجارته وأقلبها إلى العارضة حتى سمعت من يصيح عليَّ من القرية لكنني لم أتوقف وأنا أنكر استنكاره حتى أنهيت الجدار حول القبر وذهبت راجعاً إلى البيت وأنا أفكر كيف ينكرون علي..!!
    وقد علمت أخيراً أن الإنكار كان من أجل دحرجة الحجارة إلى المزارع حسب تفهيمي بعد تصميمي.. ".
    ثم ذكر أن والده كان يستخدم الجذب (الزار) ويدعي أنه منح ذلك من الطير.. قال:
    " وقد كانت هدايته وتوبته على يد الشيخ/ إبراهيم – رحمه الله –( ) ". قال:
    " ولقد نلت من الشيخ دعوة صالحة بسبب إتقاني وإحساني: (بسم الله الرحمن الرحيم) كتابةً وقراءةً، أحسست نورها عند قوله لي: (بارك الله فيك)، و(نوَّر الله قلبك بالتوحيد والإيمان، وعلَّمك ما ينفعك).. ولفرحتي بدعوته تلك بقيَتْ في نفسي وذاكرتي ما نسيتها حتى الآن، واعتقادي أن الله تقبلها لوجودي أثرها وإحساسي بتأثيرها واقعاً فعلياً في حياتي التي أعيشها وإني لأشكر الله عليها وأدعوه سبحانه وتعالى أن يغفر للشيخ/ إبراهيم وأن يدخله فسيح جناته.
    وقد جاهد في الحق حتى أعلاه ودلنا عليه وبصَّرنا الصراط المستقيم وفقَّه آباءنا في الدين.. ". قال:
    " ولقـد كنت أعاني من جرح شديد في رأسي سنوات.. ولما رقَاه شفاني الله "..
    وهكذا نرى على أن الله تعالى استجاب دعوة إبراهيم.. فأقر عينه برؤية أطفال قومه وهم يأبون فعل المنكر بل ينكرونه وقد أصبحوا يغَيِّرون ذلك بأيديهم، كما أنه رأى آباءهم وهم يتوبون من مخالفاتهم الشرعية.. ثم سمعهم وهم يستغفرون الله ويحمدونه ويشكرونه على أن تابوا وأنابوا.
















    الفصل السابع

    مقوماتُ احتساب الدعوة
    في حياة المجاهد







    الفصل السابع
    مقوماتُ احتساب الدعوة في حياة المجاهد

    ويخصُّه فرعان اثنان:
    الفرع الأول: سيرة إبراهيم (المجاهد في الحق) تؤكد رفضَه أخذ الأجور على الدعوة لهداية الناس.
    الفرع الثاني: الصدع بالحق في ميدان المناظرة.










    الفرع الأول:
    سيرةُ إبراهيم (المجاهد في الحق)
    تؤكد رفضَه أخذَ الأجور على الدعوة لهداية الناس
    ولقد حدثني غير واحد: أن إبراهيم – رحمه الله – كان لا يتغاضى عن منكر قائم سمع به أو رآه أو دل عليه إلا سعى لتغييره وأنفذ إزالته بالقول والفعل لازماً بشخصه أو متعدياً بإلزام غيره نيابة عنه.
    وهذه المرة عَرض عليه أحد الآباء أن ابناً له يرفض أداء الصلاة بالكلية ويذكر أنه قد بذل معه جهداً غير يسير وانفذ كل الوسائل التربوية إلى حد التبرؤ منه وإعلان حرمانه من كل حق واجب ولازم بالبنوَّة على الآباء، إرثٍ أو غيرِه، إلا أنه كان قد زوَّجه ولا زال يصر على عدم أداء الصلاة.
    فقال الأبُ لإبراهيم:
    " فإنك مهما قدرت على أن تجعل ولدي يصلي فلك كذا وكذا "، ويُرغِّبه بمالٍ مُسمى خِيرة ما يملك في مال الوادي من أموال بني الطيب.
    وما طمع إبراهيم في شيء مادي أو معنوي عاجل.. ولكنه طمع بأن وجد ضالته حُمُر النَّعَم المضمونة بوعد الآجل أن وفقه الله لهداية رجل بإزالة غشاوة الشيطان ورانه عن قلبه.. وما توانى ولا تأخر حتى جاء إلى هذا الشاب المتمرد على الله والعاصي له بترك ثاني أركان الإسلام الواقع به الكفر عناداً أو تكذيباً أو المعصية الموجبة للحد تكاسلاً أو تهاوناً في أدائها وفي عدم المحافظة عليها في أوقاتها أو بالكلية، وهذا الحال هو الذي كان عليه ذلك الشاب وعليه فقد أتاه الشيخ إلى داره فاستدعاه ليخرج إليه طالباً منه إحضار ماء للوضوء لأداء صلاة حاضرة..
    ولما أحضره تناوله منه، ثم أمره أن يحضر ماءً آخر.. وهو ينتظره حتى جاء به فناوله ظاناً أنه يشربه.. لكن لم يتناوله منه قائلاً:
    " ماذا أريد به؟ هذا لك لتتوضأ، حتى نصلي جماعة أنا وأنت "، وبقي كل منهما يسرق نظره إلى الآخر مع اشتغال الشيخ بحركات الوضوء والشاب واقف بمائة في يده وهو يردد كلمات غير مفهومة في تمتمة وهمهمة وذهول، ثم يرفع الشيخ إليه بصره باستغراب قائلاً:
    " ما لَكْ؟ تَحَرَّك "، بصوت فَزِعَ منه الشاب مما جعله لا يمتلك سوى التنفيذ..
    ولما انتهيا من وضوئهما قام الشيخ ومدَّ يدَه إلى الشاب ليصطحبه إلى مكان المصلى.. فأُذِّن للصلاة، ثم قال:
    " نصلي ركعتي السُّنة "، وقد بدأ بها، ثم أقام الصلاة وجذبه إلى جانبه وهو يرفع صوته بتكبيرة الإحرام ودعاء الاستفتاح.. إلى التسليم وفي كل أقوالها رافعاً بها صوته جهراً وذلك الشاب يتابع مؤتمَّاً في الأقوال والأفعال..
    وقد طفق يتعهده إلى أن طبَّعه على أدائها جماعة ومنفرداً ولا زال به حتى فقَّهه أفعال الصلاة وأقوالها.. أركانها وواجباتها وسننها.. وما يلزم لها وما يكون بها.
    وصاحب هذه الواقعة ومن كان الأمر بشأنه لا زال يعيش إلى وقتنا الحاضر وهو يروي قصته مع الشيخ/ إبراهيم – رحمه الله – وقد سمعت ذلك منه ( ).. قال:
    " لم يكن تَركي للصلاة جحوداً لوجوبها؛ ولكن:
    أولاً: لعدم تعودي عليها صغيراً حتى كبرت وبلغت رجلاً، وما كانت الصلاة تهم الكثير في بلادنا.
    ثانياً: لما أردت بعد ذلك في وقت من الأوقات أن أصلي كنت أمنع من قبل حالة.. تتمثل لي في صورة صادة.. كلما حاولت الصلاة..
    لذلك تركتها دون مبالاة وكأن تركي لها شيء عادي.. وما أبالي بزاجر أو ناصح حتى جاء لي الشيخ وأخذ بيدي إليها وعلمني بفعله وأديتها معه.. ذهبت عني تلك الحالة.. وما عادت تتمثل لي.. والـحمد لله أنه أذهب عني ذلك الشيطان، ثم هداني على يد الأستاذ/ إبراهيم يحيى – رحمه الله – وأنه الذي أخرج بلادنا من الظلمات إلى النور وأن غالبية أهلها كانوا مشركين وجهلة بأمور الدين الصحيح وأحكام الشرع وآدابه وتعاليمه وأخلاق الإسلام … "، إلخ.
    أقول: ومن خلال هذا النص المصرح بواقع الحال السلبي الذي كان عليه وضع الناس قبل الدعوة.. والمعترف بحقيقة التحول الإيجابي.. المصاحب لإخلاصها بصاحبها المجاهد – رحمة الله وبركاته عليه -.. نأتي منه على تقدير مفهومين:
    مفهوم الوصول بالعامة إلى تحقيق علم اليقين في العقيدة.. والعبادة.. والجزاء على الأعمال..
    مفهوم القطع بأن العامة لا يهديها إلى الحق المنقذ من شرك العقيدة والعبادة.. ومن تبعات سوء الأخلاق: سوى دعوة البلاغ القائمة بالحكمة والموعظة الحسنة.. بدليل أن المصرح بالنص والواصف للحال بحاليها: أساساً.. وتحولاً.. لا يعدو أن يكون من عامة الناس صَقَلَتْه الدعوة وأثْرت فِهْمَه حتى جعلته لم يتجاوز بوصفه الإيجابي شخصية المجاهد الداعية.. وقد أثَّرت في النفوس إيماناً وعملاً..
    وفي الواقع: أن هناك علماء إلى حدٍّ ما.. لكن ينقصهم تبني الدعوة إلى الله.. فيما يخص إخراج الناس من عبادة الأوثان والصخور وعبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. وحده لا شريك له.. كذلك ينقصهم تبني الزجر عن محدثات الأمور وسيئات الأخلاق..
    وقد كان في المنطقة من له شهرة المفتي الشرعي في الفقه والفرائض..
    أمثال: الأستاذ/ عبد الله بن حسن الخميسي؛ والذي سبق إعداده في المناصرين، وهو من حضر يوم هدم قباب قبرَي: علي بن أحمد، وشائع حربي للمناصرة والمؤازرة..
    كما أن لآخَرين بعض العلم لكن لم يتجاوزوا به ذواتهم، وفي حدود الاهتمام بحسن الخط والمعرفة بقراءة العقود الشرعية وكتابتها وفكِّ طلاسم الحروز والأسحار.. إلخ.






    الفرع الثاني:
    الصدعُ بالحق في ميدان المناظرة يحقق التطبيق العملي لحماية مقومات سلوك المعارضة في دعوة المجاهد
    إنه حدثٌ في يوم مشهود حضره جمعٌ من الناس في مناسبة زفاف دُعِي إليه الناسُ في بيت الشيخ/ علي بن أحمد شايع شُعبَين، شيخ قبيلة مسروح وكان في هذا الحضور شهود إبراهيم –رحمة الله وبركاته عليه – مع بقية وُجهاء القبيلة، وآخرين من دونهم في قبائل الناحية، ومن حولهم من قبائل نواحي الجوار ومن قضائها، وفيهم الفقهاء والسادة والقادة..
    ولما طابت للحضور مجالسهم من مساء يومهم هذا تهيأ إبراهيم لإلقاء واجب تحملته دعوته وحضر فرض بيانه، وحان وقت حاجته وثبت حرمة نَسَئه (تأخيره) بضرورة بيان حكمه الحاضر.. وقد كان بمناسبته الحاصلة بسُنِّـيَّتِه.. »تزوجوا الودود الولود فإنـي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة« ( )، والواقع بشرط الاستطاعة والقدرة.. »من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء« ( ).
    وبغيرها.. وكل هذا بِوَحي القرآن نصاً في آياته مثل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْرَاً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُوْنَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبَاً( ).
    وغيرها من الآيات الدالة بظاهرها نصاً أو إشارة على نوع هذا الحكم الخاص بالتوجيه والحث على سنة الزواج والتزام آدابه..
    إنها فرصة عظيمة لإبراهيم ما كان ليفرط في مثلها ليصل فيها بالمناسبة إلى هدفه وغايته من الحضور..
    وقد بدأ كلمته بحمد الله والثناء عليه، وبالصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم –..
    عارضاً بعض أحكام الأسرة.. وهو في طريقه لبيان آداب الزفاف من واقع فقه الأدلة السابقة وإشاراتها القريبة والبعيدة.. معرضاً بواقع حال الناس ومخالفاتهم الشرعية، وبمبررات وجود الآباء عليها من أمة خلت.. أو من محدثات حاضرة مستحسنة من فقه الواقع والضرورة والمصلحة..!! إنه يقصد إلى ذم التقليد الأعمى والتحذير من متابعة سنن الضلال.
    وقد كان عرض الموضوع بصورة مستوعبة واضحة، تعمد إثراءه بالأدلة..
    وركز فيه على الجانب التربوي والسلوكي والأخلاقي.. بداية بحسن الاختيار لكل من الزوجين.. وانتهاءً بواجب الاهتمام برعاية الخلفة والنسل الحاصل نتيجة لهذا الزواج..
    لذلك طاب لكل الحضور سماعُه سماعاً واستيعاباً حتى أشبعوه بالأسئلة والمناقشة..
    ومن عجيب المداخلات وفضول الكلام انبراء باطل ليُهزَم، وإبداء حَشَفٍ ليُضرَم، وإظهار سَفَهٍ لِيُكلَمْ.. وبطبيعة الحال أنه كان في أفراد الجمع نماذج موجبة من رواد هذا الوصف..
    ومنهم من تصدَّر فضول الحديث.. معرِّضاً بعقيدة السلف وعلماء الأمة أهل السنة في مسائل القضاء والقدر والأسـماء والصفات.. لكـن اضطلاع إبراهيم – رحمه الله – بفقه هذا النوع من العلم لم يترك مجالاً لمتجشمٍ متكلف يغوص بجهله فيما حذر الشارع الخوض فيه.
    وفي هذه الـمرة فقط فتح أسلوب المناظرة في هذا الباب بقصد كبح غرور الفضول لدى باغي كسب موقف الإحراج.. وليرُدَّ عليه كيدَه، ويُوقِعه فيه، بدحض باطل غايته وقطع وسيلة هدفه.
    الفضولي يتحدث مقاطعاً في غير موضوع المناسبة.. ليلفت الأنظار.. قائلاً:
    " إن هذه المواضيع التي نسمعها دائماً في المواعظ وخطب الجمعة يلزم أن لا تطرق في المجالس العامة لأن كل الناس على علم بـها.. لكن بقية العلوم المتعلقة بالعقيدة مثل: مسائل القضاء والقدر، والأسماء والصفات التي يـجهلها الناس، ويأتي الناصِبَة فيستغلون هذا الجهل ويبثُّون سمومهم تحت شعار: مذهب أهل السنة والسلف.. وهم الوهابِيَّة والتيمِيَّة (نسبة إلى ابن تيمية) "!!.
    وما كان يخفى على إبراهيم اسم هذا الفضولي ولا مذهبه العقيدي..
    لذلك لم يمهله حتى قدم له سؤالاً يطلب به منه تقديم نموذج من تلك المسائل الضائرة عليه في مذهب السلف الذين ذَكَرَ..
    فأجابه بعدم مناسبة الوقت! وبِقِلَّة جدوى المناقشة في هذا الباب وفي هذا الوقت!
    فأجابه إبراهيم:
    " إني لأعلم أنك من فرق البَرَّانيَّة والجوانيَّة.. ومن سراخيب البحر "..
    ويعني: أنه من الفرق الضالة القائلين بالـتُّقْيَة..
    وأنه من أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي الأعمى الكوفي الذي لقبه محمد الباقر – رحمه الله – (سرخوباً).
    والسرخوب فُسِّر بأنه: شيطان أعمى يسكن البحر، وقد كان أبو الجارود يعتبر نفسه مُحَدِّثاً فقيهاً..
    وكان يضع الأحاديث في مثالب الصحابة – رضي الله عنهم –، كما يضع أحاديث أخرى في فضائل أهل البيت – الصالحون منهم لا يقرونها ولا يرتضون نقلها عن هذا السرخوب ولا عن غيره من الأفَّاكين الآثمين –.
    قال فيه يحيى بن مُعين – رحمه الله –:
    " إنه كذاب ليس يسوى فلساً ".
    وهؤلاء الجارودية هم من أبعد فرق الضلال عن منهج أهل الحق والاعتدال.
    ولما تيقن ذلك الفضولي أن مناظره ليس بالسهل لم يسعه إلا أن يسف السباب والشتائم ويزيد في الكيل..
    والناس على اختلافهم بين ساخر منه وضاحك عليه.. ومنتظر لواقع النهاية، لكنه بعد أن أدرك أن المجلس سينتهي ليس لصالحه بل على هزيمته المفرطة لذلك رأى أن يطرح مسائل من نوع ما بدأ به.. قائلاً:
    " إن الوهابيـة ينسبـون إلى الله تعالى إرادة الكفر فهم يعتقدون أن الإنسان يكفر بإرادة الله "..!
    فأجاب إبراهيم – رحمه الله –:
    " نعم، إن ذلك هو مذهب أهل السنة والجماعة..
    وإني لأجيبك من مفهوم تحقيقات الطحاوي – رحمه الله – في هذا الباب فأقول:
    أما أهل السنة فيقولون: إن الله – وإن كان يريد المعاصي – فهو لا يحبها، ولا يرضاها، ولا يأمر بها، بل يبغضها ويسخطها ويكرهها وينهى عنها.
    وهذا قول السلف عامة، فيقولون: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
    ولهذا اتفق الفقهاء على أن الحالف لو قال: والله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله لم يحنث إذا لم يفعله، لكن إذا قال: إنْ أحَبَّ اللهُ فإنه يحنث إذا لم يفعل مهما كان مباحاً ذلك الأمر المُقسم على فعله..
    والإرادة في كتاب الله نوعان:
     إرادة دينية أمرية شرعية.
     وإرادة كونية.
    فالإرادة الشرعية هي: المتضمنة للمحبة والرضا.
    والكونية هي: المشيئة الشاملة لجميع الموجودات.
    وهذا مأخوذ من قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقَاً حَرَجَاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ( ).
    ومن قوله سبحانه: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيْدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ( ).
    ومن قوله تعالى: وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيْدُ ( ).
    وأما الإرادة الدينية الأمرية الشرعية، فكقوله سبحانه: يُرِيْدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ ( ).
    وكقوله: يُرِيْدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيْدُ بِكُمُ العُسْرَ ( ).
    وقوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ ليُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيْرَاً ( ).
    والآيات كثيرة من هذا النوع.
    وهذه الإرادة هي المذكورة في مثل قول الناس لمن يفعل القبائح: هذا يفعل ما لا يريده الله، أي: لا يحبه ولا يرضاه ولا يأمر به.
    وأما الإرادة الكونية: فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
    والفرق واضح وثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل.
    فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلاً فهذه الإرادة معلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلاً فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعـين معقول للناس والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أمر به وقد لا يريد ذلك، وإن كان مريداً منه فعله.
    وعليـه:
    فإن زعم القَدَريَّة ومن نَهَج نهجهم أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم، والكافر أراد الكفر، كما أنه شاء لهم الهُدى وأراده ببيان طريق الصواب، ومن ضل فقد خلق ضلال نفسه.. فذلك مبني على أصلهم الفاسد: أن أفعال العباد مخلوقة لهم دون الله!! بمعنى أنهم: قد صيَّروا من المخلوق خالقاً..
    وهذا يرده الشرع والعقل السليم.. والشرك منه.. هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ..، ولا يصح ما قالوه عن الهدى؛ بدليل نفي الله له عن نبيه محمد – صلى الله عليه وآله وسلم –، ولو صحَّ لما صحَّ هذا النفي في قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ( )، فهذه هداية التوفيق مردها إلى الله وحده، ومـما يكون إلى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وجائز عليه هداية الدلالة والإرشاد..
    وهو قد بين – صلى الله عليه وآله وسلم – الطريق لمن أحب وأبغض..
    وهذه مسألة أفردها العلماء ببحث خاص في كتب العقيدة..
    كما أن لهم تفصيلاً في مسألة الإرادة تفيد المبتدي وتغني المنتهي برجوعه
    إليها ". انتهى..
    والخلاصة:
    أن تفصيل حكمة الله – سبحانه وتعالى – في خلقه وأمره يعجز عن معرفته عقل الإنسان البشري.
    والقدرية دخلوا في التعليل على طريقة فاسدة: مثلوا الله فيها بخلقه، ولم يثبتوا حكمة تعود إليه – عزَّ وجلَّ –، حيث ساوَوا بين الله وبين خلقه في صفة من الصفات دون إدراكٍ لواجب الفرق بين الخالق والمخلوق، والتشبيه يستلزم التعطيل، فكل مشبه لله بخلقه يعود لينفى فيعطل.. كأن يثبت لله السمع والبصر فيذكر بأن هذه من صفات المخلوقات فينفيها عن الله بغية تنـزيهه عن صفات خلقه فيقع في التعطيل، أو يئول فيقع في التحريف والتجهيل..
    ولا زال للفضول بقية..
    إنه في غمرة هدوء الحاضرين نتيجة لإصغاء الإعجاب العام، وقليل منهم ساغ له الحديث مستزيداً.. وكان الفضولي يغص.. وهو في رمق الفُضول الأخير إذ أفاض قائلاً:
    " لكن جلال الله وعظمته يكذب الذين يزعمون رؤيته وتجليه لهم يوم القيامة في الآخرة.. وهم يستدلون بظاهر القرآن لعدم فهمهم، وهم المشبهة والممثلة.. مع نفي الله ذلك عن نفسه بقوله: لَنْ تَرَانِي، فإذا كان الله يُرى لَمَا ردَّ على موسى لَمَّا طَلب منه ذلك بالنفي.. كما نفي – تعالى وتقدَّس – عن نفسه إدراك الأبصار له بقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ( ) ".
    فكان الجواب:
    " إن المبطلين من فرق التأويل دخلوا بتأويلهم الفاسد لنصوص القرآن الكريم إلى إفساد دينهم ودنياهم، كما فعلت اليهود والنصارى في نصوص التوراة والإنجيل، فعلوا ذلك بعد أن حذَّرهم الله أن يفعلوا مثلهم.. وقد أبَوا إلا أن يتابعوا سبيلهم ويقتفوا أثرهم.
    وقد قتلوا عثمان – رضي الله عنه – بتأويلهم الفاسد، وأوقعوا فتنة الجمل، وصفِّين، ومقتل الحسين، والحَرَّة، وأكبر من ذلك تفريقهم للمسلمين إلى ثلاث وسبعـين فرقة كلها في النار إلا واحدة، كما أخبر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –.
    ومن تأويلهم الفاسد تأويل الرؤية لله – عزَّ وجلَّ – الثابتة بالكتاب والسنة، وقد قال بثبوتها أكثر من ثلاثين صحابياً، وأجمع على ثبوتها فقهاء السنة وأهل الحديث من الصحابة والسلف بأدلة منها:
    قوله الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ  إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( ).
    وقوله سبحانه: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيْهَا وَلَدَيْنَا مَزِيْدٌ ( ).
    وقوله سبحانه: لِلَّذِيْنَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ( ).
    وكما أن نفي الرؤية لله تعالى عن الكافرين دليل على أن المؤمنين يرونه وأنه لن يحجب عنهم – سبحانه وتعالى – يوم القيامة بدليل مفهوم الآية كَلا إِنَّـهُمْ عَنْ رَبِّـهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُوْنَ ( ).
    ومن الأحاديث: ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه –: إن ناساً قالوا: يا رسـول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –: »هل تُضارُّون من رؤية القمر ليلة البدر«؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: »هل تضارون في الشمس ليس دونها حجاب«؟ قالوا: لا، قال: »فإنكم ترونه كذلك« ( ).
    أما استدلال أصحاب التأويل الفاسد بقوله تعالى: لَنْ تَرَانِي، وبقوله:
    لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ.
    أما النفي في الآية الأولى فيعني: في الدنيا، فالله تعالى لن يمكن لأحد من خلقه رؤيتَه؛ لأسبابٍ ذَكَرها العلماء في كتب العقيدة وغيرها.
    أما النفي في الآية الثانية فهو: نفي للإدراك، بمعنى: الإحاطة..
    ولا يعني: الرؤية الدال عليها ما سبق من أدلة، وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أصل في هذا الباب.. وفسَّر ابن عباس وأبو بكر وعلي وحذيفة وأبو موسى – رضي الله عنهم – الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى "..
    وبينما الشيخ/ إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – لا زال يفنِّد باطل التأويل.. إذ بذلك الفضـولي يتشنج ويسخط على أبي هريرة ويعرض بالصحابة – رضي الله عنهم -.
    وبذلك تحوَّل الموقف من المناظرة العلمية إلى جدل وخصام من قِبَل الفضولي الرافضي والذي ما كان لإبراهيم – رحمه الله – أن يقف ويسمع حتى يذهب جُفَاءَ زَبَدِ خصمِهم.. وإنما قام إليه مغضباً لله، والناس يحولون بينه وبين الوصول إليه ليمعن في تأديبه..
    وإبراهيم يصيح فيهم:
    " اتـركوا الرافضي، اتركوا لي الجارودي، اتركوه لأُخرِج الشيطان من رأسه ".. وكانوا قد أخذوا مطلوبه ليخبئوه بعيداً عن طالبه ويُنْهوا المشكلة بينهما، وما زالوا يحمون ذلك الفضولي حتى فرَّرُوهُ هارباً بجلده..
    وقد كان يعتبر ضيفاً لدى الشيخ/ علي بن أحمد شايع شُعبَين حيث لم يكن من قبيلته ولا واحداً من قبائل الناحية.
    لذلك كان يلزمه أن يكون مؤدباً، إلا أنه كما قيل:
    كلُّ داءٍ له دواء يُسْتَطَبُّ به
    إلاَّ الحماقة أعيَتْ مَن يُداويها

    ولعله كان قد بدأ ليستخدم التُّقْيَة كما هي العادة بل العقيدة في مذهب هؤلاء الرافضة، إلا أن الشيخ/ إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – (وهو المجاهد في الحق) قطعها عليه بإلزامه على السير في خط العوج الذي هو مبتغاه، وقد أثاره أولاً..
    وعلى ما قيل في المثل: (كلُّ إناءٍ ينضحُ بما فيه).
    وأصحاب العقائد الفاسدة أو المنحرفة وكل من يحمل خلة أو رزية وهو يخفيها ليظهر على الناس بغيرها فلا بد أن تُعلم.. تصديقاً لما قيل شعراً:
    ومهما تكن عند امرئٍ من خَلِيقَةٍ
    وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ

    وأضيف بأن هذا ومثله من الصد والرد للحق والإعراض عنه من قِبَل رافضي جارودي كهذا الذي عقيدته ومذهبه التزام السخط والحقد على صحابة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أمر طبيعي في مقابل الدفاع أو الانتصار لعقيدته ومذهبه..
    لكن أن يرد الحق ويصد عنه وينبري لمؤاذاة صاحبه ويتحفز لمواجهته ويمنعه من قوله وفعله، ويحرض عليه السفهاء ويشجعهم على مقاتلته داخل المسجد إن هو تقدم ليؤم الناس في الصلاة أو يفتح درساً علمياً أو يقيم حلقة للتعليم على مستوى الصغار والكبار..!! ولربما كان هذا الممنوع شاباً حافظاً لكتاب الله مرتلاً له وفقيهاً عالماً عاملاً بعلمه ظاهره التقوى..
    وإن تعجب! فالعجب كله أن يكون هذا الصَّاد المضاد شخصية مفوضة من ذوي الهيئات والشخصيات في الجماعة الإسلامية المتخصصة في الدعوة إلى الله فكراً وتربية.. أو تصفية وتربية..!! لكنه من صنَّاع العوائق ورواد التنفير ورُكاب الجهالات وموريات الأحقاد.. وموقظات الفتنة.. على طريق أخوَّة الإيمان وإصلاح ذات البين..
    وإنهم بتصرفاتهم الخاطئة هذه يحدثون من التصديع والفُرقة في وحدة المسلمين وفي الدعوة لجمعِ كلمتهم ولَمِّ شعثهم ما لم يحدثه أعداء الإسلام من تصديعٍ وتفريقٍ في وحدة الأمة الإسلامية على مدى قرون حتى جعلوا منهم شِيَعاً وأحزاباً، ومذاهبَ ونِحَلاً شتى مَنَعَتْ اتحادهم وصيَّرت دولتهم دُوَيْلات.. وجعلت بأسهم بينهم شديداً.. والحال لا يخفى على لبيب غَمْر..









    يتبـــــــع .........

  4. #4

    افتراضي رد: كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

    الفصل الثامن

    مصوِّغاتُ ومقوِّماتُ دعوة المجاهد بين الأصالة والمعاصرة








    الفصل الثامن:
    مصوِّغاتُ ومقوِّماتُ دعوة المجاهد بين الأصالة والمعاصرة
    قرار هذا الفصل يعني:
    المقارنة العامة بين دعوة المجاهد في الحق – وهو من رجال الدعوة – وبين دعوى دعاة الواقع
    فإنه بالمناسبة وأنا أجمع متفرقات أمجاد هذا المجاهد من مسودات مصادرها لترتيبها وتنسيقها بغرض إخراج تاريخه في صفحات مشرقة ليقتدي بجهاده وأمجاده رجال الدعوة في إعمال فقه الواقع والضرورة والمصلحة، وتوجيه الدعوة فكرياً بما يتناسب ويتوظف مع مفاهيم فقه الكتاب والسنة، ومقتضيات الدعوة العالمية الراشدة وقد حققها في برنامجه وطبقها على واقع العصر، كحال واقع برنامج دعوة الإخوان المسلمين عن أصول مؤسسها – رحمه الله – أخذاً من واقع الدعوة المكية لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وذلك خير ما يزكي الإقتداء به، ويحفي السير على نهجه ومنواله تثبيتاً وتأثيراً، وحيث لم يتجاوز بمنهجه الفكري واقع الشرع الذي لا يقر لين العقيدة.. فكيف يجيز لنفسه المخالفة فيرضى للوقوف بدعوته الربانية عند الحالة الشركية التي وجد عليها الناس.. عدى الانتصار لها ‎!! مع حضور فقه الواقع لديه.. والذي جعله بعض المتكلفين شرعاً مبرراً للتجاوزات وارتكاب المحظورات تنفيذاً للرغبات والأهواء والحظوظ..!! أو من أجل ألا يقال عنهم.. أو يُتَّهَمُوا في ولائهم الوطني..!! وليست جماعة المنهج الواحد، لكن فيهم ومنهم مَن بَهَرَه حال الواقع حتى طابت له المتابعة، وكان له قدم صدق في الدعوة ومناصرتها، أو لسلفه: أبٍ أو أخٍ أو عمٍّ أو خالٍ أو قريبٍ، أو كان له ظهرٌ مُسْنِدٌ، أو مظهرٌ سائدٌ، أو تمويلٌ مَوْفُورٌ (مجموعةُ مصالح) فَيُجامَلَ، أو يُداهَن ويُطاع (تحت بيرق سيدي)، أو يتابع بـحجة مصلحة محققة أو موهومَة، أو لضرورة مقدرة محتملة، أو بالاستخفاف إلى حد
    التصديق الغير متناهٍ..
    أما إبراهيم – وهو المجاهد في الحق – فلم يبِع به ولم يشترِ.. وهو يعلم بأن فقه الواقع لا يجوز أن يفهم بأنه يعني مسايرة الواقع.. على النحو الذي فهمه المسايرون في عالم زحمة الاستعراض المظهري.. ومجتمع إيثار السواد السياسي المضاهي واقعه – في أغلب الأحوال – شرك عبَّاد الأوثان المتخذين منها آلهة مع الله ومن أصحابها أولياء من دونه.
    فيأتي دعاة فقه الواقع على حقيقة أو مجاز هذا الوجود المتابع للسنن المبشر بها، فيلتزمون حكماً إقراره، ويحققون الرضا به سكوتاً عليه، وإعراضاً عن إنكاره، ابتغاء تحقيق مصلحة موهومة، ونزولاً على دعوى اقتضاء ضرورة محتملة، إلى أجل غير مسمى، أو بدعوى واجب طاعة أولي الأمر، والتزام رأي الكثرة، وبلازم تنفيذ فتوى شخصية التنظير الحزبي، أو التنظيم الشللي الفكري، أو التعصب المذهبي الفقهي أو الإعتقادي.. على غير هدى عملي من الله، أو أثارة من فاعليـة هدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أو بصيرة من اكتساب علم بفقه أو دراية.
    وإنه لبلاء عظيم وخَطْب جلل وتنكيل شديد.. واقع بالدعوة ورجالها على ذمة أخطاء هذه الفرق بأفرادها المزكين لأنفسهم على حساب التقوى.. وقد جعلوا لأشخاصهم وذواتهم حق إصدار الأحكام على آخرين.. لعلهم قاطعوا هذا التنظيم أو ذاك لمصلحة دينية أو سياسية.. أو لغير ذلك.. لكن لم يطب لهذا التنظيم ترك من تركه.. حملاً على السلامة.. على أية حال.. وإنما يقرر ويعمم على أعضائه ووحدات فروعه وجوب متابعة الخارج والتصدي له إلى حد إشاعة البهتان.. واعتقاد حق المصادقة والإقرار على تنفيذها إشاعةً تمس جانب الولاء والبراء لدى هذا المقاطع الخارج بولائه المطلق للتنظيم أو للحزب أو للجماعة أو للفرقة.. وقد كان انتماؤه مبرِّراً للاعتراف بشخصيته وجميل صفاته!!
    أما الآن وقد خرج فشخصيتُه نكرة..! وصفاتُه مذمومة.. وعقيدتُه فاسدة!! ودينُه معلَّق..! ولربما..؟!
    وهذا كله سببه راجع إلى الاختلاف والتنازع بين الـجماعات الإسلامية المعاصرة التي اتـخذت من سياساتها – كلٌّ على حدة – سُبُلاً للوصول إلى إشفاء الغليل من الجماعات المضادة لها سياسة وكلمة، والمتحدة معها عقيدة وشريعة، لتُبَرهِن للعامة والمريدين من الأتباع سموَّ أفكارِها، وصحةَ سلوكِها دون مغالاة أو تقصير، ولَوِ اجتمعتْ جميعُها على كلمة واحدة، وتنازلت كل جماعة عن الغث من أفكارها وعن الغُلُو أو التقصير في بعض سلوكها لانتَفَعَتْ هي نفسُها فيما بينِها، ولَرَأَبَ الله بها صدعَ الأمة الإسلامية المُنْشَقة، ولاسْطاعَتْ فيما بعد إهلاكَ عدوِّها الأزلي المشترَك، ولَمَكَنَّهم الله من وَعْدِه في التَّمكين بالسيادة على هذه الأرض؛ ولكن اختلفوا وتنازعوا حتى غَدَوا عُرضة لرياح الفشل المحمَّل بِوباء الخسران وذهابِ ريْحِهم المُهابَة بين الأمم، والله – تبارك وتعالى – عليم خبير بما صار وسيصير إن نحن تفرقنا عن حبله المتين واختلفنا على الغث والسمين في أمر جلل أو حقير ونهانا عن هذا الاختلاف والتنازع بقوله – جلَّ شأنه –: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ …، ونـهانا أيضاً أن ننهج سنن مَن قبلَنا: اليهود والنصارى في التفرق والاختلاف بعد أن تجلَّت لنا البيناتُ الواضحات، وذلك في قوله تعالى: وَلا تَكُوْنُوْا كَالَّذِيْنَ تَفَرَّقُوْا وَاخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَات ….
    فيا لها من فتنة يشعلها عُبَّاد الأهواء والمصالح على طريق الدعوة والدعاة..!
    وفي هذه الأيام ونحن نعيش سيرة مبدأ التغيير في منهج دعوة المجاهد – رحمة الله وبركاته عليه – إذ وقعت أحداث عدن الحاصل فيها ابتلاء جماعات الدعوة الإسلامية عامة بفعل تغيير بعض منكرات معالم ومنارات الوثنية القبورية، المعبودة من دون الله، داخل حرم جامع العيدروس وحوله، وذات المعبود فيه المطوَّف به قبر جعلوه وثناً يُعبَد من دون الله، وقد أقامته وشيدته أيدي الصوفية القُبورية، وأعانت على تظهيره وتعهَّدت بتفعيل عبادته سلطات الملك الإقطاعي.. ثم نظام الحكم الشمولي التأميمي في ظل تسلط الحزب الإشتراكي الشيوعي..
    دويلات وحكومات توالت وتعاقبت على هذا الجزء من الوطن الإسلامي الكبير، وكلهم لم يهمهم إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقابلة حرصهم الشديد على نشر مقومات الجهل، ومباركة مسوِّغات التجهيل بالدين، وإقرار وتأييد موبقات الأقوال والأفعال الرافضة لتطبيق أحكام الإسلام..
    ومن واقع هذا الحال امتداد موروث حرص التزام الانتصار للوثنية القبورية على كل حال وفي كل حال وبكل وسيلة..
    وهذا أمر طبيعي بالنسبة للحكومات المتبعة لغير سبيل المؤمنين..
    لكن أن ينتصر لها مَن سَبيْلُهُ الإيمانَ وطريقُه التزامَ الدعوة إلى الله!! حين وقع التغييرُ لمنكر الشرك المتمثل في الهدم والتسوية لشُرُفات قبرٍ اتخذه دهماءُ الناس وثناً يعبدونه من دون الله تعالى، المعلومِ واجب إنكاره وتغييره من الدين بالضرورة..!! والذي الزم قرارَ وتنفيذَ التغيير لهذا المنكر باليد.. وتغييراتٍ مماثلةٍ لمنكراتٍ أخرى.. هو: عاملٌ الوقت وحاصلُ الحالِ المقتضي لفعل تلك التغييرات تطبيقاً لأمر الله ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -.
    وقد كان وقوعها بعد أحداث الحرب الانفصالية المنتهية بإنهاء القوة الحربية للحزب الإشتراكي اليمني بعد مقاومته لقوة الإرادة شهرين قمريين من العام: 1415ﻫ،
    الموافق: 1994م حتى هزمه الله وفرَّ رواده ومُنَظِّرُوه عبر البر والبحر والجو نحو الأفاق، وما جمع الله لهم شملاً ولا أمراً ولا ألهمهم رشداً، وما طاب لهم ذكر ولا بقي لهم فخر غير معالم الوثنية التي حموها وشجعوا عبادتها على مدى سبع وعشرين عاماً. وإلا إحياء وإبقاء بدع احتفال المناسبات والموالد سلم هدم أصول الإسلام وفروعه.
    إن حدث إنكار المنكر المتمثل في إزالة معالم الشرك محَّص الله به أقواماً صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. وألزَمَ الحجةَ آخرين بما عللوا وأوَّلوا ثم مَثَّلوا وشَبَّهوا، وقد ألحقوا أو أسندوا، وما فتئوا يحرضون بما نسئوا وأخَّروا( ).
    يا ليت شعري كيف لو كان أعمَلَ إبراهيم فقهَ مثل هذا الواقع السلبي؟
    لقد أراد الله به خيراً حين أراه فِهْمَ الواقع إيجاباً، وألهمه سوء عاقبة ترك الردع والصدع الإيجابي، ثم ألهمه رشده وردَّ على الجاحد والحاقد والحاسد صولة تفعيل الضرورة والمصلحة، وقد كانوا يفخرون وهم يُفْتُون في التحليل والتحريم باسم العلماء وما هم منهم.
    واليوم وُجِد في الحال الجاري أمثالُهم يُصرِّحون على مستوى الإعلام بما يُفْهِم العامة من تصريحهم العجيب الغريب:
    " إن هـدم القباب وإزالـة شُرُفـات القبـور ومنارات الأوليـاء في هذا الوقت ليس من جوهر الدين! وأن من يقوم بهذا العمل لا يدرك مقاصد الشريعة وأحكام الدين!
    وأن هذه الأعمال تعد ممارسات تخدم أهداف المتآمرين على وحدة اليمن، وأمنه واستقراره!! وأن الذين هدموا قباب القبور لم يكونوا إلا مدفوعين من قبل المتآمرين على وحدة اليمن وتشويه انتصاراته المشرقة! وأن هذا العمل جزء من المخططات الهادفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، وإثارة الفتنة في المجتمع..!
    وأن ما حدث في عدن من إزالة المنكر بأنكر لا يَقْبَل به عقل ( )..! وأن هذا التغيير المزعوم هو من القضايا الهامشية والفرعية البعيدة عن جوهر الدين، وقيم الإسلام..!!
    وأن هذه العناصر التي قامت بهذا العمل لم يعرف عنها موقف جاد، وأنها عناصر غير مسئولة، وتفهم الدين فهماً قاصراً!
    وهي تجعل من فروعه قضايا أساسية وتتغاضى وتتغافل عن الأصول والقضايا
    الجوهرية! هي اليوم توجه قوتها وسلاحها ضد قبور الموتى الذين لا حول لهم ولا قوة!
    وعليـه:
    فإننا نُنُدِّد ونشجُب تلك الأفاعيل، ونستنكر وندين بشدة هذه الممارسات الخاطئة ونُحمِّل أجهزة الدولة بكشف هؤلاء، وسرعة وضع حد لهم بممارساتهم الخادمة لأهداف المتآمرين على وحدة اليمن، وأمنه واستقراره "!! انتهى.
    وإني لأرى في مجمل ما تقدم غربة الإسلام تتحقق في مصدِّر هذا البيان الظالم.. المفطر للصائم، والقاطع للغيث والرحم، وهو يقع في حق أفراد أو جماعة لم يتجاوزوا بتغييرهم دائرة الذين أوجبوا على أنفسهم النصرة بالعهد.. ثم هو يشارك في إنزال الشين والعيب مع من لا يرفـع بإنكار المنكر رأسـاً، ولا يرى على نفسه واجب الدعوة إلى هدى الله..!
    نعم، فيما لو كان البيان اكتفى بالنقد البناء بأسلوب وآلية الوسيلة التي تم بها التنفيذ في هدم تلك القباب الوثنية.. مهما كان هذا البيان بقصد وإرادة كسب مواقف سياسية خاصة.. لكن إلى حد إنكار المعروف والنهي عن فعله.. فذلك عين المنكر.. أما إذا تجاوز الإنكار للمعروف حداً عُلم وجوب إنكاره من الدين بالضرورة.. ثم إلى حد الجرأة على إعلان البراءة ممن أنكر وغيَّر.. فالإصرار على قلب الحقائق.. فإن ذلك هو التعسف والظلم الواجب إنكاره.. كيف وفاعل تغيير المنكر منا وفينا ومن خيارنا هدفاً وغاية.. باعتقادنا، مهما اختلفنا معه أسلوباً ووسيلة تبليغ، أو مهما قاطَعَ وقاطَعْنا: سماعَ وحضورَ كلٍّ منَّا دروس ومحاضرات الآخر، وتصدَّينا لبعضنا بالتحذير والحظر على مستوى أفراد جمعِنا، وفصائلِ تنظيمِ كلٍّ منا واتخذنا كامل الاحتياطات اللازمة لمنع تسرُّب الشباب إلى محاضن استقبال الآخر واعتبرنا من فعل ذلك أنه منهم – وكـان قـد سبق تحديد انتمائه لآخر ولا يزال في حضنه وظاهره موالاته – فإنه مهما ظهر لـنا حسن نيته وباطن سريرته فإن واجبنا الولائي للتنظيم يحتم علينا اعتبـار هذا الشـاب جاسوساً ومخبراً بدليل جمعه الحضوري بين التجمـعَين ليسـمع دروس ومحاضرات الجميع..!!
    فإنه مهما كان هذا حاصل ومثلُه وغيرُه.. ومصادق عليه حكماً من قبل الطرفين.. حتى مع اعتراف هذا الطرف بأنه طرف مخالف.. وقد قام بهذا التغيير المعروف واجب فعله من الدين بالضرورة..
    أقول: فإنه مهما اختلفنا مع هذا المنتصر للحق حتى وإن كان أسلوبه في التغيير لا يعجبنا.. فواجبنا إعذاره، والدفاع عنه بلازم الولاية العقيدية شرعاً ومنهجاً دعوياً.. وألا نرى فيه الضِّدِّية بعدم التزامه وسيلتنا على ما يَرى من وافقناهم وليسوا معنا على سواء.. بل ولا اشتراك غابر على طريق الدعوة يجمعنا، ولا حتى حاصل في واقع الحال ما يمكن لإرباء المودة بيننا، وإنني ما كدت أُنـهي قراءة عناصـره حتى قلت:
    " وهذه من موبقات الحزبية النَّـتِنَة "..
    وعليـه: فقد صدق من قال:
    " إن محسوبين جهلة على جماعات الدعوة الإسلامية سادوا فيهم حتى تكلموا باسمهم في أمر الدين، وإلى أن حملوا عمومهم على تبني مواقف خاطئة ومريبة في ميزان أصحاب الدعوة الإسلامية الصافية.. بعد أن أفرغوا مضمونها من الفقه الشرعي، وأعلنوها دعوة فكرية مجردة من أي التزام يعني إظهار أخوة الإسلام، أو الإبقاء على حقيقة إعلان دعوته ضمن جماعة عرفت به تحقيقاً لأصل الرابطة، وقد ارتضوا لأنفسهم مسمى التحزب الحر الديموقراطي، وحاصله من باب فرضيَّة القبول بالأمر الواقع المحسوب ظلماً على سياسة فهم الواقع هروباً من أن يقول دهماء الناس عنهم.. لكن لا يهمهم أن تُفْصِحَ حالُهُم عن سذاجةِ تأوُّلِهِم، أو عن حماقةِ مبادرةِ تَحَوُّلِهم، أو عن سخافةِ توجُّهِهم نحو التقليد المشين، أو انتهاجِهم حظرَ متابعةِ السُّننِ على غير واقعٍ نَظَرٍ، ولا صحيحٍ خَبَرٍ، أو أثارَةٍ من تحقيق حالةِ ضرورةٍ، أو حقيقةِ مصلحةٍ مضبوطةٍ، أو مصداقيةِ دعوى فهمِ الواقعِ، وإنما متابعة الواقع، واقع المخالفات الشرعية الصـادرة عن تلك المنهجية التقليدية الفارضة للقبول بالأمر الواقع، والمعرفة لدى أنصار الدعوة وقادة منهجيتها الأخيار عن سياسة النفاق.. وليدة الحركات اللاأخـلاقية، والمجاملات المُرِيْبة على ما جاء في شعر أبي أيوب محمد بن مشعوف الأسلمي( ) – رحمه الله – حيث يحفي هذا بقوله:
    وأشبهُ الأجواءِ بالسياسةْ
    مجاملاتٌ كلُّها نفاقُ
    فباسم تلك اللفظة السياسةْ
    معظمهمْ تراهُ ذا وجهينِ
    أقولُ – واللهِ – في حماسةْ
    تجارةٌ لَعِيْنَةٌ ومُربِحَةْ
    جوُّ السياسيين والسياسةْ
    وحركاتٌ مالَها أخلاقُ
    وسائسيها من رجال السَّاسةْ
    يأكل لحم الناس باليدينِ
    على الـمَـلا: بأنها نجاسةْ
    لِمَنْ يُجِيد فَـنَّها وناجحَةْ

    وصدق رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في مجيء الزمن الذي يسند فيه الأمر لغير أهله، ونحن اليوم نرى الرجل التافه يتكلم في أمر العامة وهو يفرض عليهم.. ثم يتجرأ على الفتوى وهو يعممها، ويحمل سلطة التنفيذ واجب تطبيق أحكامها على من صدرت فيهم!! (ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم) وقد كان هذا يهون فيما لو تم إصداره عن غير متعهد لنصرة دعوة الله عقيدة وشريعة ومنهج حياة..
    ولقد صدق الداعية الإسلامي الأستاذ/ محمد قطب وهو يصف تمكين الشباب المتحمس من تسيـير العمل الإسلامي داخل الجماعات بالسلبيات الكثيرة نتيجة لقلة خبرة هذا الشباب وعدم رَوِيَّتِه وقصورِ رُؤيَتِه، وهشة علمه وهامشية تحصيله.
    وكل ذلك بسبب انشغال القادة عنهم لأمر أو لآخر، أو بسبب التسليم لظاهر الولاء فيهم.. أو لتقدير تمثل مقومات الاستيعاب لديهم.. أو بناءً على تصديق إقناعات التزكية لهم مِن قِبَل المختصين القادة في هذا التنظيم أو ذاك.. لهؤلاء الشباب التِّرَة رُكَّاب الغرور.. الذين لم يفتأ تعاقبهم يترى على تشويه الدعوة وتنكيصها بسوء فعالهم وتصرفاتهم الخاطئة المُريبة في ميزان الدعوة، على ذمة مبرر دعوى تفويض الجماعة.. أو على احتساب قاعدة: (.. ويسعى بذمتهم أدناهم).. وقد أدركوا ازدياد معقبات الثقة بهم على ذمة الإركان إلى مجرد براقع المعرفة.. ووشاهش التحصيل.. أو إلى دوران النسب والحسب والقرابة.. إلا أنه ومهما حصل من واقع أمهات المآسي عن هذا التحالف أو هذا الانتماء.. فإنه قد يهون خَطْبه بإدخال عامل التَّصْنيف عليه بالتصرف الفردي فيوثق خارج مسئولية الجماعة.. وتتاح الفرصة أمام قيادتها لتتخلص من التبعية.. وهي تُلقي باللوم على الفردية الشخصية المتصرفة.. ولا يبقى في المقابل إلا ما يُسند إلى الله علمُه.. وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُوْرُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ.
    ومن هذا المنطلق يتأتى إمكان الإعذار بالاعتذار لوجود الاحتمال المعتبر شرعاً مهما عللت الجماعة اعتذارها المبرَّر بتقرير عدم تضامنها مع تلك الشخصية الفردية التي لم تمثل إلا نفسها في إنكار المعروف.. وأنها بما كتبت رهينة.. كما أن: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِيْنَةٌ، وَكُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِيْنٌ، وإنه لأعظمُ خطراً وأشدُّ خَطْباً وتنكيلاً، وأبغضُ نُكْراً وحالاً ومآلاً على وحدةِ الأمة المسلمة، ورابطةِ الجماعة، وقوةِ صَفِّها، وشدِّ عضدها بأفرادها.. وذلك أن يوجِّه ويُصَدِّر موبقات الأحقاد ومعضلات الفُرقة ومسببات الشقاق من له في الجماعات أو في الجماعة مزية قيادة، أو ريادة، أو مكرُمة تمسيك بعلم الكتاب، وفقه السنة وتخريجها.. ثم هو ينتصر لرأيه وفكره وعقله ومنهجه..!! ليصل بذلك إلى إنكار المعروف، ونصرة الباطل، ومحاربة الخير، ورد الحق.. أو أفراد بالخصوص يُصَدِّرون أمهات الكبائر ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً بإشاعة أفحش القول ومنكر الزور في حق الدعوة الأم.. ومؤسسها الشهيد..
    وما منكر إخراج وتصدير البركان في نسف جامعة الإيمان بأقلَّ بلاءً وفتنةً على المسلمين بجماعاتهم: دعاة التمسيك والبلاغ.. وقد دبَّ فيهم داء الأمم قبلهم: الشحناء والبغضاء حالقة الدين.. من فتنة أهل الكتاب بافتراقهم شِيَعاً وأحزاباً..
    وإنا لنبرأ إلى الله مما يفعلُ هؤلاء ويصنعُ أولئك..
    وأترك الأستاذ/ قطب يتحدث ليوضح فيُغْني وأروي ذلك عنه بتصرُّف وتجوُّز أحياناً بادئاً بقوله:
    أمَّا تبعثر العمل الإسلامي فله أسباب عدة:
    السبب الأول:
    غياب القيادة الكبيرة التي تطمئن لها النفوس وتنقاد لها طائعة بدافع الحب والتقدير والثقة والاحترام، فَيَلْتَمُّ حولها الشمل وتجتمع حولها القلوب.
    وإنه في غياب مثل هذه القيادة تتولد زعامات صغيرة شابة تنقصها الخبرة.
    وكثيراً ما يختلط في نفوسها الإخلاص للدعوة والإخلاص للذات من مدخل من مداخل الشيطان هو اعتقاد كل واحد منهم أنه على الـحق، وأن اتباع الحق يستوجب اتباع من يمثله! أي: اتباعه هو! ومن ثم تتناحر هذه الزعامات وتتناطح ويقول كل منها: على فلان وجـماعته – إذا أرادوا – أن يأتوا إليَّ ويتبعوني! أمَّا أنا فلا أذهب إليه ولا أتبعه لأنه ليس على الحق!.
    والسبب الثاني:
    أن معظم الشباب المقبل على الدعوة اليوم لم يَتَرَبَّ على يد قيادة منظمة ومتعهدة بإلزام حُسن الإقتداء كل ملتحق بها ومُنْتـَمٍ إليها.
    وإنما أكتفى بأسلوب الإركان والتوجيه بالإحالة إلى كتب قشور المعرفة وقراءة مظان المنهج والثقافة العامة الهباء.
    والقراءة وحدها لا تُفَقِّهُ ولا تُثَقِّف ولا تؤتي الحكمة طالبها..
    إن العمل الإسلامي لا بد له من قيادة: تقوده، وتعلمه وتربيه..
    ولو كان الله يعلم أن النفوس – التي خلقها بعلمه سبحانه – تكفيها الكتب فقد كان اللهُ قادراً على أن يُنَـزِّل القرآنَ كلَّه جملةً في قرطاس ويُعلِّم الناسَ قراءتَه!
    ولكن الله الذي خلق هذه النفوس – وهو يعلم بها سبحانه – يعلم أن الحقَّ لا يعمل عملَه في النفوس إلا أن يتلقاه قلبٌ من قلبٍ، ومُتعلِّمٌ من مُعلِّمٍ، ومُتَلقٍّ من مُوجِّه..
    لذلك أرسل الله رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – ليكون هو المعلِّم والموجِّه المتعهِّد ويكون هو القلب العظيم الذي تتلقى منه سائر القلوب.
    وكون الشباب يَمْلَك الحماسة والرغبة في العمل للإسلام فهو لا يملك النضوج بمجرد قراءة الكتاب أو بأي تحصيل ذاتي بلا مرشد يرشد، ولا معلم يعلم، ولا قائد يقود!
    ومن روايات العُرف: (من كان أستاذُه كتابُه فخطؤه أكثر من صوابِه).
    ومن هؤلاء الشباب من وصل ومن سيصل محسوباً قيادياً بجهله المركب فيُمَكَّن ليَسلِب ويُوجَبُ بغير علم، فَيَضِلّ ويُضِل باسم هذه الجماعة أو تلك، محسوباً منها بإحفافها.. واحتفائها.
    لذلك فإنه يبعد جداً أو يستحيل جمع كلمة المسلمين أو جمع تفرق جماعتهم، أو حتى أعضاء أي منهم في ظل وجود قيادات ينقصاها التأهل العلمي الفقهي والعقيدي أو أحدهما من الكتاب والسنة.. حتى فقه الدعوة وأسلوب الحكمة فيها مطلوب كوسيلة ناجحة للاستقطاب وجمع الكلمة التي تشتت في غيبة الموجِّه والمرشد الحصيف الناقد الذي تطمئن إليه القلوب وتنقاد له.
    ولا نعنـي بـجمع الكلمة منع حدوث اختلاف وجهات النظر فذلك ليس له حل عاجل وبالإمكان التجاوز فيه باحتمال سلامة الصدر، وللتسليم بجواز حدوثه في البشر وهو طبيعي لكسر جموح الغرور ونبذ التعلق بالذات لاعتقاد كمالها! ومن شأن العقول أن تختلف في حدود ما يجوز فيه الخلاف.. ومن النصوص ما هو ظني الدلالة وظني الثبوت. والخلاف فيه إلا أنه لا يجوز أن يصل إلى حد التناكر.. وجائز أن هذا يرى طريق الخلاص من هنا، وذاك يراه من هناك، وثالثٌ يرى غير هذين.. مهما تبنى رأيه بفقه من دين الله، ولم يتشبث به ليفاصل الناس عليه!.
    لكن المفروض أن يجتمع العمل الإسلامي ولا يتبعثر، لأن الفرقة لا تخدم أحداً إلا الأعداء..
    والاجتماع غير ممكن بدون حل الخلاف، وحل الخلاف يحتاج إلى معاناة وصبر وبذل جهد دائم ومتواصل مع لازم الإخلاص قصداً أو إرادةً بدليل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ( ).
    ولا ننس لحظة واحدة أنه ليس البشر هم الذين يدبرون! إنما هو الله سبحانه الذي تكفل بأن يميز صفها، وينقي خبثها.. وهو ما نعتقد أن الأمور ستصير إليه في النهاية بعون الله وتوفيقه.. وَمَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِيْنَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيْزَ الخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغَيْبِ ( ).
    فهو سبحانه لا يترك الصف مختلطاً فيه الطيب والخبيث، وهو لا يطلع الناس على غيبه فيقول لهم سلفاً: هذا طيب وهذا خبيث.. ولكنه يدخل المؤمنين في اختبارات وابتلاءات يتميز بها الطيب من الخبيث في الوقت الذي يتمحص فيه المؤمنون ويتجردون لله.
    وهذا التصنيف لا يعني المناصفة لعباد الله بين الحق والباطل.. وإنما يعني النسبة والقليل هم المعنيون بعباد الله المخلصين وقد يكون فرداً واحداً خاصة في زمن الفتن الموعود.. ومساواة القبض فيه على الدين القبض على الجمر.. بنص أدلة الشرع المعلومة من سنة رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم –..
    ومن خلال التجربة وواقع العمل التطبيقي في دعوة إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – بالعلم عن طريق الرواية المستفيضة والرؤية العينية على الواقع المشهود من دليل الأثر الملموس في حياة البلاد والعباد من القول والفعل الجاري والمتواصل..
    ومن خلال التجربة والمشاركة الفعلية الصادقـة داخل جماعات الصحوة الإسلامية اليوم استطعنا أن نميز وندرك الفارق الكبير بين دعوة التزم مجددها إعمال فقه الكتاب والسنة لتسييرها أمثال: عمر بن عبد العزيز، والإمام/ أحـمد، وابن تيمية، والشوكاني، ومحمـد بن عبد الوهاب، وأخـيراً دعوة الشهيد/ حسن البنا – رحمهم الله جميعاً –، وغيرهم ممن سار على نهجهم حتى الآن.. وبين دعوةٍ يُسَيِّرها أصحابُها من فقه الواقع الذي لا يتعدى به أصحابه متابعة واقع الحال.. وإعمال الضرورة السارحة الوهمية، ومن نهج المصلحة ذات النظرة السطحية القريبة جداً.. أحياناً إلى حد الاعتقاد بأن تجاوز الأحكام الشرعية هو من الاجتهاد الجائز في حالة الضرورة المحتملة والمصلحة الوهمية أو من القناعة بدعوى واقع الحاجة إلى تحرير فقه الإسلام في مواجهة الانغلاق الاستبدادي المنظر به لإقامة نظام (إكليريكي) أو (ثيوقراطية مفوضة ومرتهنة) تعني: رفض حق مشاركة الانفتاح الديموقراطي الحِرَفي اختبار تشريع الواقع الواعد بالتطور الحضاري والمدني دون ارتهان بنصوص محكمة في تراثٍ مَّا، ولا اقتداءٍ بأصولية مَلْهَمة..!!
    سبحانك ربي هذه وجهتهم وتلك شبهتهم!
    وَمَا عَلَى الَّذِيْنَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيءٍ.
    وحقيقة إطلاق مسمى: (الأثيوقراطية) لا يعني أكثر من التنفير من جماعة الالتزام الشرعي الإسلامي، وإن تعجب فالعجب الحميد أن ترى فريقاً من الذين أوتوا نصيباً من الإسلام ولو حظاً مما ذكروا به يَـجْرون وراء القوم الذين ظلموا أنفسهم.. وقد سلكوا منهج الحداثة والانبعاث والتحرير.. وعليه فهم يمسِّكون بأن رسالة القرآن الأساسية هي دعوة كل مسلم إلى التأمل شخصياً – (خارج أي سنة أو كتاب) ودون واسطة (إكليريكي) – دعوته لكي يكون مسئولاً عن نفسه.. ولا يكون له ذلك بانعزاله وإبراز اختلافه وتمجيده لذاته بل يكون خلافاً لذلك من خلال دخوله في تنافسٍ أخَوِي مع المسيحيين واليهود والبشر كلهم جميعاً مهما كانت هويتهم الدينية والعقيدية حتى ولو أعلنوا أنهم ملحدون.!!؟
    ومن عجائب التضليل المغطى بلحن الحجة في القول والصناعة أنه ما لم يقم جيل المستقبل على فقه تحرير لإسلامٍ منفتح متجدد يراعى في تطبيقه واقع الحال المفروض بحيث لا تتصادم أحكامه مع هذا الواقع فيوصم أهله وأتباعه بالتخلف والجمود الفكري والفقهي المجرد المعزول بإخراج أدلته عن مساقها..
    لذلك كان لا بد من تفعيل واقع التصدي لأي انغلاق أو انحصار للإسلام في هذا التراث أو ذاك وحتى لا يحق بحاصل الشبهة جزاء إقرار التهمة..
    وعلى تقدير الإهمال في احتساب التصدي فإن ذلك يوجب إثبات تهم التفريط في فهم الواقع القائم على المذهبية الشكلية والعبادية والحرفية الجافة الغارقة في التجارة والسياسة والمال مما يلزم بوجوده حقيقة الرضا بالنـزول على واقع الحال لمصلحة أصولية، وهذا ما يعني بإجماله الرضا بنظام الإستبداد..
    وما لم يكن إعمال التصدي فإنه يحصل التعطيل لمفهوم البعد الشمولي للإسلام، ويقع الحجر دون تطور فطرة المعاودة لاكتشاف البُعد الروحاني والعشقي الإلهي المنفتح على حقيقة العلم والفهم والإدراك لسر وجود الكون والكائنات.. على ما قرره ذو النون إلى ابن عربي.. في مواجهة جمود الإسلامَوية الأصولية واضعة منهج الاستبداد للحكومات الدكتاتورية.. على ما قرره ابن تيمية إلى المودودي.. وخلفهم.. ثم الإسلاموية الفروعية المتطرفه في تَنْظِيرها للسلفية التراثية..!! بمثل: قطع يدَي السارق، ووجوب التفريق بين الجنسين، ووضع
    المرأة الدوني..!!؟ " انتهى..
    وفي نظري وحسابي أن المُنَظِّر لمثل هذا الحال مخدوع والتابع خادع.. وفي الواقع أن كليهما خادع، وكليهما مخدوع..
    هذه هي حقيقة (تراجيديا) هذه الأمة بواقعها الراهن المزايد به على حساب فقه الواقع باسم مصلحة الأمة ودعاة الإصلاح فيها.. وما هم منهم.. لكن زكوا بدعواهم وتمكنوا بمسكنتهم، وسادوا بتظاهر إخلاصهم، وفرط مداهناتهم إلى أن أمِنوا فتنكروا.. لقد هزلت فعميت حتى فرقت وضاعت الحكمة، وما هم مخرجين.. وأربابهم بقوا لا يهمهم أي طغيان مغطى على هذا النحو بـ(شعار لمصلحة) والله المستعان.
    وعليـه:
    فإننا نرى ونلمس مدى الفرق الشاسع بين الأسلوبين في الدعوة ذات الهدف
    الواحد.. وبين دعوة جماعات تعددت أهدافها وتباعدت غاياتها.. وإن الواقع ليشهد بتزكية تلك الدعوة ووضوح غايتها وصحة تحركها، وعظم إدراكها للواقع والضرورة والمصلحة الحقيقية وأنها الأكثر نفعاً والأشد تَثبيتاً، والأنصع توجُّهاً وتَجَرُّداً، وإخلاصاً لله تعالى من دعوة فاعلتها دعوى الواقعية في حزبية التكثير والخلافات الهامشية المزبدة..
    أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ( ).
    ثم إن الواقع الحقيقي لمجمل جماعات التعدد الحزبي يقضي بعدم توفر شروط أهليتهم كلياً أو جزئياً لقيادة الأمة العظيمة الواحدة وعدم استحقاقها لنصر الله وتمكينه لها في الأرض واستخلافها كما وعد.. إنه لن يكون لها ذلك حتى ترى مصالح المسلمين قبل مصالحها وفوق هذا المبادرة بالحقوق لأصحابها، والإنصاف من النفس للمظلوم تطبيقاً للعدالة وخوفاً وحذراً من عاقبة غمط الحق ورده.. فكلما كان الحق أعز علينا من أنفسنا، وكان وصولنا إلى الحق عن تدبر ودراسة وبصيرة فإنه ستنجاب الغاشية، وتتضح الرؤية ويستبين الطريق بعلم وأمر الله تعالى به قبل القول والعمل: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفَرْ لِذَنْبِكَ ( ).



    الفصل التاسع

    توصيفُ حياة المجاهد
    العلمية والسِّيَرية،
    وتقريرُ الأبجديات،
    وتصنيفُ المرفقات وتوصيفها







    الفصل التاسع
    توصيفُ حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية، وتقريرُ الأبجديات، وتصنيفُ المرفقات وتوصيفها

    ويخصُّه ثلاثة فروع:
    الفرع الأول: توصيفُ حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية.
    الفرع الثاني: تقريرُ الأبجديات.
    الفرع الثالث: تصنيفُ المرفقات، وتوصيفُها.










    الفرع الأول:
    توصيفُ حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية
    اشتغال المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى الطيب – رحمة الله وبركاته عليه – بالدعوة وعظاً وإرشاداً وتدريساً لم يترك لديه مجالاً للكتابة والتأليف، كذلك جو الزمان والمكان غير مهيأ، ولا هو ضروري، وما كان يصلح سبباً ولا وسيلة لإيصال الدعوة إلى الناس، ولا للتغيير في التوقيت الجاهلي الضارب بجذوره، والمظلل بفروعه، والمتوه بغياهبه وأدغاله وأحراشه في مجتمع آسن ساذج بادي الرأي لا يهمه تأليف ولا يعنيه قراءة مقروء مكتوب من قرآن أو سنة أو من سواهما.. بفعل الأمية الضاربة والجهالة البسيطة والمركبة.
    وأيضاً قِصَر عُمْر دعوته حيث لم تتجاوز عشر سنين من بدايتها حتى توفاه الله، وانتقل إليه سبحانه، وهو في أوج شبابه، بعد أن وطد عقيدة التوحيد كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء أعطت ثمارها أبناء مجتمع كانت أخلاقهم تكسرت، وعقيدتهم قد التوت، ومبادِؤهم وقيمهم وأفكارهم قد فارقت مكانها اللائق بها.
    فأعظم بدعوة التوحيد من شجرة.. ولا زال جنيها دانٍ يغذي بقطافه خلائف نسلهم، ودائم بإذن الله لأعقابهم يرى أثرها ويلمسه وينتفع به، ويعترف له كل صادق عادل منصف من أهل بلده وفي مجتمع قومه.
    إنها صدقة جارية عليهم، وهي ثواب لمحسنها بغرسه شجرتها يصله بفضل الله ضمن أجور الصدقات الجارية بالعلم المورَّث النافع، ودعوات الولد الصالح – إن شاء الله –، ثم من تعلَّم وعَلِمَ وعَلَّم من أبناء المنطقة إلى يوم الدين ( ).
    وقد سبقت الإشارة إلى تلك المُفَكِّرات والمُذَكِّرات والكتابات التي صودرت مع كل كتبه المقتناة من قبل سلطة الحكم المنفذة لرغبة عُبَّاد الأوثان والمصالح، وتجار الإستبداد؛ بحجة أنها وهابية الهدف والغاية، وناصبية المحتوى والأفكار..
    وهنا نقصد إلى تقديـم نُـتَفٍ مـما تبقى منها وتـم اطلاعنا عليه محرراً في ورقة أو ورقات أو تعليقات، أو هوامش على صفحات كتاب أو كُتَيْب..
    ومجموع المخطوطات كانت عبارة عن شروح لبعض النصوص العلمية الشرعية في فقه العبادات والمعاملات.. وعلوم الحديث.. واللغة العربية. كذلك تحوي شروحات لمتون العقيدة.. وشيئاً من تاريخ حياته ومراحل طلبه..
    وما كَتَبَه ترجمة لبعض شيوخه.. ثم ما أملاه في مادة الفقه على طلبه المدرسة الأندونيسية في مكة المكرمة.
    لذلك ولكون المصادرة كانت نهائية.. ثم إنه توفي – رحمه الله – قبل أن يتمكن من إعادة كتابتها، رغم ما كان يحمل من اهتمام بشأن إعادتها.. لهذا فاتنا الشيء الكثير بما كانت تحويه من معارف ومآثر ومواهب.. لكن بإرادة الله ثم بكمال الثقة به وطيب القصد والإرادة: أن وفقنا الله للتفكير في جمع معلومات تاريخه، ومآثر جهاده، ومناقب أمجاده في وقت وزمن بقيةٍ من محبيه وطلابه الذين بقوا يحفظون له ويروُون عنه بملازمتهم له وحرصهم على الأخذ عنه طيلة سنوات دعوته وفيهم من أهله بني الطيب( ).
    ومعظم ما سبق إثباته لم يكن إلا نقلاً عنهم وعلى رأسهم/ محمد بن حسن
    برمي –رحمه الله –، راوي سيرة شيخه وأستاذه مفهوماً ونصاً لملازمته له، وحرصه على الأخذ عنه، ولِتَفانِيْهِ في حُبه، ولقد أدركته يحفظ خطبه ومناضراته ويمليها كما سمعها ولكم كان يحدثني ويـروي لي كلمـا جئته، طلبت منه ذلك أو لم أطلب – رحمة الله وبركاته عليهم أجمعين –.
    ولا أكون مبالغاً إن قلت على ألسُنِ رجالِ المنطقة المُسِنِّين والشيوخِ،
    وكافةِ عقلائها وعدولِ سكانِها: أنه لم ينتقل الشيخ إلى الله تعالى إلا بعد أن صاروا جميعاً – شيباً وشباباً – طلابَ علم وحملةَ عقيدة ودعاةَ أمر بمعروف ونهي عن منكر لذواتهمومَن يعولون على الأقل.. في حدود مفهوم الوازع.. وخاصتهم ممن جمع بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي هم الذين تأهلوا لإدراك الضابط.. وإحراز مفهومه الشرعي.. على ما سبق الإشارة به.
    كما رَوَيْتُ وسمعت الكثير عن الشيخ الفاضل شيخ مشايخ قبيلة مسروح خيران ( ).
    ومعلومات خاصة أخذتُها عن غيره( ).
    كلها عنهم يروونـها سيرة عطرة لداعيتهم.. بل هو معلمهم وموجههم ومزكِّي عقيدتهم وإيمانهم عن طريق عامة أساليب الدعوة حتى تفقههم في العقيدة والعبادات والسيرة النبوية.. ونحو ذلك.
    وعن الوالدة الأم الوفية رَوَيْتُ كلما احتواه فهمها.. وعن المجالس العامة
    على ألسنة كافة بيوت وأسر بني الطيب والحشارجة، والحبدادة، وبني حملة، وغيرهم ممن حظوا ببلوغ دعوة الشيخ المجاهد/ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) – رحمة الله وبركاته عليه –.







    الفرع الثاني
    تقريرُ الأبجديات

    ويخصُّه تمهيد وأربع فقرات:
    التمهيد: أبجديات المآثر، وتوجيهها.
    الفقرة الأولى: (أ) – صحيفة أصول منهج (المجاهد) في الدعوة.
    الفقرة الثانية: (ب) – إعداد وتنفيذ مقرر مادة الفقه في المدرسة الأندونيسية بمكة المكرمة.
    الفقرة الثالثة: (ج) – إعداد وتنفيذ مقرر مادة التجويد (مخطوطة).
    الفقرة الرابعة: (د) – تجريد وتهذيب كلمات شرح التقريب على (فتح القريب المجيب) في الفقه.







    التمهيد:
    أبجديات المآثر، وتوجيهها
    تعريف الأبجديات:
    نعني بالأبجديات: المفردات النظرية العلمية الدالة بواقع توجيهها على حال وصفها.. كما نعني بالمآثر المخطوطة: ما وقع تحت يدي من ورقة أو وُرَيقات بِـخط المجاهد وإدراكه قلماً وفكرةً، تحكي واقع علمه، وتقرير منهجه.
    وما حصلت عليه من مآثر مخطوطة تخصه – رحمة الله وبركاته عليه – فهي تتمثل في الفقرات الأربع الآتية:










    الفقرة الأولى:
    (أ) - صحيفةُ أصول منهج (المجاهد) في الدعوة
    حيث كانت مُثَبَّتَه على ظهر آخر صفحة من كتاب الفَرْقُ بين الفِرَق سنة: 1366ﻫ،
    وقد سجَّل في نهايتها عنوانها باسم: (خلاصة الدين الإسلامي وعقيدة أهل السنة والجماعة).
    ونصوص محتواها كما يلي:
    قال: " أقول – وبالله التوفيق –: اعلم أنه لا يستقر للعبد قدم في الإسـلام حتى يعقد على قلبه:
    أولاً: أن الدين كله لله، وإليه يرجع الأمر كله، وأن الهدى هدى الله.
    ثانياً: أن الحق دائر مع الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وجوداً وعدماً، وأن لا مُطاعَ بعد الله سواه ولا متبوع غيره: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ( ).
    ثالثاً: أن كلام غـير الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – مهما عظَّم الناسُ قائلَه يـجب أن يُعرَض أولاً وقبل العمل به على حديثه للرجوع إليه فإن وافقه قبلناه لأنه لا ينطق عن الـهوى، وقد أُوتي – صلى الله عليه وآله وسلم – هذا الكتاب (القرآن) ومثله (الحديث).
    رابعاً: أن كلام غيره – صلى الله عليه وآله وسلم – مردود مهما عَلَتْ مكانةُ قائلِه عند الناس بعد الخلفاء الراشدين والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وبقية الصحابة الذين شهدوا عمل الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – أو سمعوا هديَه، أو رأوا إقراره.
    خامساً: أن كلام الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – باعتباره مبلغاً عن ربه ومُبَيِّناً لما أُنزِل إليه لا يعرض على آراء القياسيين، ولا عقول الفلاسفة والمتكلمين ولا على أذواق المتزهدين، بل تعرض هذه الآراء كلها على ما جاء به الرسول المعصوم – صلى الله عليه وآله وسلم – عرض الدراهم المجهولة على أخير الناقدين.
    فما حَكَم بصِحَّتِه فهو المقبول، وما حَكَم برَدِّه فهو المردود، وهذا مَناطُ إيمان العبد وفلاحه بنص القرآن: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيْمَاً ( ).
    سادساً: أن مفتاح حظيرة الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولا يغني فيها التقليد حتى يعلم المسلم معناها وسببها وأدلتها النقلية من الآيات الكونية، وأنها تحوي كفراً بالطاغوت وإيماناً بالله، والشرط أن يعمل بما علم وبخلاف ذلك فالعبد خارج من حظيرة الإسلام وإن تعلق بأستار الكعبة.
    سابعاً: الرجوع إلى أقوال الأئمة الأربعة بالذات ثم باقي علماء الإسلام السلف لا الخلف عند الحاجة القصوى أي إذا لم تظهر لك المسألة أو الجزئية في القرآن أو لم تهتد إليها في الحديث، حيث لا مناص من سد الثغرة من آرائـهم، واعلم أنه لا ينبغي ذلك أبداً إلا عند الضرورة القصوى.
    ثامناً: أن الواجـب على من علم شيئاً من الآيات البينات وهدْي الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يسارع في تبليغه للمسلمين ولا يكتمه خشية أن يلعنه الله ويلعنه اللاعنون وابتغاء المثوبة والأجر، كما يجب عليك أن تشكر وتدعو الله بالخير لمن علمك ولا يجوز أن تتوسل به إلى الله حياً بل بدعائه، أما ميِّتاً فلا وألف مرة لا، لأن ذلك من فعل المشركين وإياك أن تتخذه على باب الله حاجباً فباب الله مفتوح على مصراعيه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِيْ عَنِّي فَإِنِّي قَرِيْبٌ أُجِيْبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ( ).
    تاسعاً: أن زيارة القبور شرعت فقط للعظة والاعتبار وتذكر الآخرة والدعاء لأهلها المسلمين والمؤمنين بالدعاء المأثور لهم وإن تجاوزت هذه فهي الشرك، وقد نهى الرسول المطاع – صلى الله عليه وآله وسلم – عن زيارتها لغير هذا الغرض.
    عاشراً: أن التوسل إلى الله تعالى لا ينبغي إلا بالأعمال الصالحة وطاعته وطاعة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم –.
    وختام القول في تصنيف رؤى منهجية الدعوة لهذا الدين بمفهومها العام للإسلام بأنه دين ودولة، إيمان وعمل، إخلاص وتضحية، فكر وفقه وجهاد، تصفية وتربية وسلامة صدر، ثم أخوة وحب وإيثار.
    تلك هي خلاصة الدين الإسلامي على عقيدة أهل السنة والجماعة..
    حَشَرَنا الله معهم وفيهم.
    آمين آمين حتى ألف آمين.
    من إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب المسروحي الأهنومي
    شهر: رجب/ 1366ﻫ ". انتهى.








    الفقرة الثانية:
    (ب) – إعدادُ وتنفيذُ مقرر مادة الفقه في المدرسة الأندونيسية بمكة المكرمة
    وذلك للسنوات الأربع المرحلية في المدرسة الأندونيسية الناشئة في مكة المكرمة، أثناء توليه وظيفة إمام وخطيب المسجد التونسي في أحد أحياء أم القرى من عام: 1351ﻫ وحتى 1363هجرية.
    وقد كان في فترة من هذه السنوات يتلقى دراسته في مدرسة دار الحديث المكية ومدرسة الفلاح العلمية وفي الحلقات المقامة داخل الحرم، والتي من أهم وأشهر مشايخها: إمام الحرمين الشيخ/ عبد المهيمن أبو السمع – رحمه الله –، ثم الشيخ/ هارون إمام المسجد الجاوي، آنذاك.
    وهذان الشيخان هما اللذان اختارا المترجَم له – وهو تلميذهما – لإمامة المسجد السالف، ثم مُدرساً لمادة الفقه في المدرسة المذكورة بعد إعداده منهجها في مراحلها الأربع، كما قرر على طلبة المراحل نفسها في المعهد الإسلامي الأندونيسي.
    وهذا بحسب رواية المخطوطة الثالثة في مقدمتها لمنهج المرحلة الموصوفة.. والذي يثبت حقيقتها قلمه وختمه.
    ونص هذه المقدمة كما يلي:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد نور الهداية وعلى آله وصحبه نجوم الرشاد.
    وبعد:
    فهذه دروس في الفقه على مذهب الإمام/ الشافعي – رضي الله عنه – اخترتها لتلامذة المدارس والمعاهد الإسلامية، وجعلتها في أربعة أجزاء مراعياً فيها غرائز النابتة الأندونيسية، وميولهم، وأصوارهم، وعقولهم، أسأل الله أن يحقق ما أردت، إِنْ أُرِيْدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوفِيْقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيْبُ ( ) ".
    وفي مكان آخر من المخطوطة يقول:
    " وكم كنت أود أن تكون لي خدمة ولو صغيرة لأطفال أهل هذا البلد المُقَدَّس، وما أسعدني عندما وفقت لوضع كتابي مقرر السنة الثالثة التحضيرية في الفقه بهذه الصفة التي حاولت أن تكون مـختصرة في غير ما تعقيد، مفيدة في غير ما إخلال، سهلة في غير ما لَبْس.
    وإني أتقدم به إلى المدارس وكُلِّي أمل في أن أكون قد وفقت ولو بعض التوفيق لتقريب هذه المعلومات لأذهان الناشئة كلَّل الله أعمالنا بالنجاح ورزقنا الإخلاص في أقوالنـا وأعمالنـا إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ".
    وهذه المخطوطة التي تحوي مقرر السنة الثالثة في تلك المدارس والمعاهد كانت الوحيدة من المخطوطات الأربع التي استطعنا الحصول عليها، وتشمل من أبواب الفقه:
    أركان الإسلام، وما يتصل بها من الواجبات، والسنن، والمستحبات، وأحكام الطهارة، بصورة مبسطة ومُيَسَّرة تناسب عقول وأفهام من وُضِعت لهم حينها.. ولا يحرز استيعابها طلاب الجامعات اليوم! وبحثي جارٍ لإيجاد المخطوطات الأخرى لتكمل الفائدة ويحسن الإعداد للنشر، واللهَ أسأل أن يهيأ لي الطريق إليها والدلالة عليها.




    الفقرة الثالثة:
    (ج) – إعدادُ وتنفيذُ مقرر مادة التجويد (مخطوطة)

    كتبها على طريقة السؤال والجواب لتقريب معاني منظومة الجزرية، والتحفة، ونهاية القول المفيد..
    ومن المناسب هنا إثبات مقدمة لذلك؛ لنوصل بها ربط هدف ذكرها، أما قصده: فتقريب معاني (الدقائق المحكمة..) لأبي يحيى الأنصاري، ونصها:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " الحمد لله على جميع نعمه والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
    أما بعد:
    أصلاً هذه الرسالة لَخَّصْتُها مما في الجزرية والتحفة من أحكام التجويد وضمَمْتُ إليها زيادات اختصرتها من كتاب نهاية القول المفيد.. وجعلتُها لَصِيْقَةَ السؤال والجواب؛ لتكون سهلة للمبتدئ وتذكرة لأولي الألباب راجياً بذلك الرقي إلى درجاتِ مَن تَعَلم القرآن وعلَّمه وألحقتها بمفتاح التجويد لزيادة الفائدة بإبلاغ المقصود لكل قارئ جاد، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل وسميته (تهذيب وتقريب الدقائق المحكمة في شرح المقدمة) ".
    وسأذكر منها نصوصاً مختارةً.. لمناسبة التعليق الإشاري والملاحظ على هذه الرسالة أن كثيراً من أوراقها قد ذهب ولم يبقَ منها سوى المقدمة وثلاثة أبواب.
    وهذه تكاد تكون أوراقها تالفة بما يبدو عليها من طول الإهمال وتمكين أيدي العبث من تناولها مما جعلتها غير صالحة للطبع، بسبب الجزء المفقود، وحتى المقدمة وصلت أيدي العبث إليها بالطمس والكتابة فوقها.
    ومما أرى إثباته من نصوصها هو الآتي:
    أولاً: أنه أخذ – رحمة الله وبركاته عليه – من قول ابن الجزري:
    إذ واجب عليهم مُحَتَّمُ
    قبل الشروع أولاً أن يعلموا

    قال:
    " العلم يصل حاصله إلى المتعلم بوسيلتين:
    الكتابة، والحفظ، وكلاهما وارد به الأمر.
    من ذلك قوله تعالى: اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ  اِقْرَأْ وَرَبُكَ الأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ  عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ( ).
    فالقراءة وسيلة العلم، والكتابة بالقلم وسيلة القراءة، فالمكتوب يُقرأ، والمقروء بقصدٍ فيه مفتاح العلم، وكلما زِدْتَه زاد، لقوله تعالى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرِ( ).
    كما أن الله تعالى أثنى على الملائكة ومدحهم، لأنهم يعلمون بالحفظ ويدونون علمهم بالكتابة، معلوم من قوله تعالى: كِرَامَاً كَاتِبِيْنَ  يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ( ).
    فهم مُوُكَّلُون من الله تعالى بمراقبة بني آدم فرداً فرداً، لا ينطق أحد منهم إلا وملكين يحفظان نُطقَه ويكتبان لَفظَه وقوله؛ بدليل قوله تعالى: مَا يَلْفِـظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ ( ).
    ويُروَى عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – الأمر بالكتابة أو الإرشاد إليها بقوله: »قيدوا العلم بالكتابة« أو كما قال – صلى الله عليه وآله وسلم –.
    وقد أمر – صلى الله عليه وآله وسلم – بعض الصحابة وعيَّنهم لكتابة القرآن الكريم.
    كما أن الشعر دل على لزوم الكتابة وحث عليها بمثل قول الشاعر:
    العلم صيدٌ والكتابة قيدُه
    فمِن الحماقة أن تصيد غزالةً
    فقيِّد صُيُودك بالحبال الواثقةْ
    فتتركَها بين الخلائق طالقةْ

    كما أن الكتابة وحدها لا تعني العلم، نستفيد ذلك من قوله – صلى الله عليه وآله وسلم –: »تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينـزع من أُمَّتي« ( ).
    ولهذا قال صاحب الرحبية ( ) محذراً من ترك علم الفرائض بعدم تعلمها وحفظها:
    علماً بأن العلم خير ما سُعِي
    وأن هذا العلم مخصوص بما
    بأنه أول عِلم يُفقَدُ
    فيه وأولى ما له العبد دُعِي
    قد شاع فيه عند كلِّ العُلما
    في الأرض حتى لا يكاد يوجَدُ

    وفقدانه هنا لا يعني أنه غير موجود في الكتب وإنما يعني أنه لم يعد موجوداً في الصدور، أو غير محمول فهماً ومعرفة.
    وقد ذم الله تعالى الذين يحملون كتب العلم وهم لا يفهمونها ولا يعلمون بها بقوله سبحانه: مَثَلُ الَّذِيْنَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِيْنَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِيْنَ ( ).
    وقال الشاعر عن الذي يكتب العلم ويجيد خطه وهو لا يفهم( ):
    جامعُ العلمِ تراه أبداً
    وتراه حسن الخط إذا
    فإذا فَتَّشتَه عن علمه
    في كراريسَ جيادٍ أحكمتْ
    فإذا قلتَ له: هاتِ لنا
    غير ذي علمٍ ولكن ذا غلَطْ
    كتب الخط بصيراً بالنِّقَطْ
    قال: عِلْمي – يا خليلُ – في السَّفَطْ
    وبخطٍ أيُّ خَطٍ أيُّ خَطْ
    حك لحييه جميعاً وامتَخَطْ

    وعلم التجويد يحتاج إلى هاتين الوسيلتين، يعني: الفهم، والكتابة، ولكونها متعلقة بكتاب الله لفظاً وتطبيقاً على حالة وهيأة معينة، تفيدها دلالة قوله تعالى: وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيْلاً ( )، ودلالة قوله – صلى الله عليه وآله وسلم –: »الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكِرام البَرَرَة« ( ).
    وبنـاءً عليـه: فإنه يلزم وسيلة ثالثة تميزه على سائر العلوم، وذلك هو التلقي من أفواه المشايـخ العارفين به تلقياً شيخاً عن شيخ إلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – والنـبي عن جبريل – عليه السلام – عرضاً عن الله – عزَّ وجلَّ –.
    وفي الحديث أن جبريل كان يدارس النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –.. ومرة دارسه مرتين في شهـر رمضان عند دنو أجله حيث لم يأت عليه رمضان آخر ". انتهى نصه – رحمة الله وبركاته عليه –.
    فأقول: ولَكَم كان حريصاً – رضي الله عنه – على تلقين الأطفال من العلوم الدينية ما يكون به لديهم حبها، ثم العمل..
    وبما أنني حين انتقَلَ الشيخ الجليل/ إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – إلى الله تعالى قبل أن أكون مميزاً إلا أنني أذكر يوم ميزت وأنا أحفظ من متون التجويد عنه: تحفة الأطفال ومعظم الجزرية، وأجزاء من القرآن الكريم متصلة ومتفرقة، ثم أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وصفة الطهارة من الحدث، ودعاء ختم القرآن، وأشياء أخرى تربوية وأخلاقية وأدبية.. كل ذلك حفظته عنه بواسطة التلقين والسماع.
    ثانياً: نص تعليقه – رحمة الله وبركاته عليه – على قول ابن الجزري:
    والأخْذُ بالتجويد حتمٌ لازمُ
    لأنَّه بِه الإلَهُ أَنْزَلا
    وهو أيضاً حِلية التلاوَةِ
    وهو إعطاءُ الحروفِ حقَّها
    وردُّ كلِّ واحدٍ لأصلهِ
    مكملاً من غير ما تكلُّفِ
    وليس بينه وبين تركهِ
    من لم يُجَوِّد القرآن آثِمُ
    وهكذا منه إلينا وصَلا
    وزينةُ الأداءِ والقراءةِ
    من صفةٍ لها ومُستحقِّيها
    واللفظ في نظيرهِ كمثله
    باللفظ في النطق بلا تعسفِ
    إلاَّ رياضة امرئٍ بفَكِّهِ

    قال: " إن دلالة هذه الأبيات بصفة عامة: تعني ارتباط التجويد لفظاً وغاية بالقرآن الكريم خاصة دون غيره من الكلام، حتى الأحاديث القدسية وأحاديث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – المشتملة على سنته ليس التجويد منها في شيء، ولا هو يعنيها، ولا مطلوب من قارئها المهر بها، ولا تحليتها به لتزيين أدائها، وما يفعله الأعاجم من التـرنم بها وتكسير أصواتهم بحروفها، وخاصة برانية الفرس وجوانيتهم من الرافضة والمتشيعة التائهة.. وهم الذين يقرءون القرآن وما يعتقدونه لثبوت نقصه عندهم بمقدار الثلثين عن مصحف فاطمة الزهراء – رضي الله عنها وعن زوجها وولَدَيها – وهذا فقط هو الذي يؤمنون به، وقد أدخلوا ألحانهم الأعجمية التكلفية ضمن تجويد القرآن حتى خرجوا به عن الجائز والواجب واللازم.. المعلومة والمعروفة والمعهودة، من الأحكام لدى أئمة القراءات وعلماء التجويد وحُفَّاظ العربية.
    وذلك الذي حذر منه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – المسلمين أن ينتهجوه أو يسلكوه بالمتابعة والقدوة الأعجمية في قوله: »اقرءوا القرآن بألحان العرب، ولا تقرءوه بألحـان الأعاجم«، أو كما قال – صلى الله عليه وآله وسلم – ( ) ".
    ثم أضاف قوله:
    " وإنا لنعيش اليوم زمن أولئك الذين أخبر عنهم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنَّهُم يقرءون القرآن لكن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّمِيَّة.. ".
    ومن هؤلاء من ذكرنا وأمثالهم المقتدين وأصحاب العقائد الضالة.. ولقد أحسن أبو يحيى وهو يصنف أصحاب هذه الصفة بقوله:
    " واعلم أن قراءَ زمانِنا ابتدعوا في القراءة:
    شيئاً يسمى: بـ(الترقيص)، وهو: أن يروم السكتَ على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عَدْوٍ وهَرولة.
    وآخر يسمي بـ(الترعيد)، وهو: أن يُرْعِدَ صوتَه كالذي يرعد مِنْ بَردٍ
    أو ألَم.
    وآخر يسمى بـ(التطريب)، وهو: أن يترنم بالقراءة، فيمُد في غير محل المد، ويزيد في المد ما لم تُجِزْه العربية.
    وآخر يسمى بـ(التحزين)، وهو: أن يترك طباعَه وعاداتِه في التـلاوة، ويأتي بها على وجه آخر كأنه حزين يكاد يبكي من خشوع وخضوع، وإنما نُهي عنه لِمَا فيه من الرياء.
    وآخر أحدثه هؤلاء الذين يجتمعون فيقرءون كلهم بصوت واحد فيقطعون
    القراءة، ويأتي بعضهم ببعض الكلمة والآخر ببعضها، وهو حرام، ويحافظون على مراعاة الأصوات خاصة، وسماه بعضهم (التحريف).
    والغرض من القراءة إنما هو تصحيح ألفاظها على ما جاء به القرآن العظيم ثم التفكر في معانيه.
    (وليس بينه) أي: التجويد (وبين تركه) فرق (إلا رياضة امرئٍ) أي: مداومته على القراءة (بفكه) أي: بفمه وبالتكرار والسماع من أفواه المشايخ، لا بمجرد النقل والسماع.
    وإطـلاق الفك (وهو: اللِّحَـى) على الفم من إطـلاق الـجزء على الكل، ولكل امرئٍ فكَّان ".
    قال: " وأزيد بواسطة خبرتي بأحوال الناس في القراءة أن الكثيرين منهم وهم يقرءون القرآن يُبدِلون ويـختزلون ويُميلون جهلاً بقواعد الحركات للحروف العربية في جُمَلها، فالواو مثلاً: تناسبها الضمة، والياء: تناسبها الكسرة، والألف: تناسبها الفتحة.
    وإنه وارد جواز إبدال كل من المتناسين بأحدها، أما بغير المتناسب فلا، إلا أن هذا هو الواقع بفعل الجهل وعدم حُسن التلقين الشفهي للنابتة والناشئة في الأجيال المريدين للقراءة والحفظ في حلقات القرآن، حتى تعودوا بالسماع إمالة الكسرة إلى الفتحة بمثل نصفها كإمالة الكسرة في نون (الرحمنْءْ) أو يقرءونها (الرحمني الرحيم) فهم يسمعونها همزة ساكنة تلي النون فوق السطر، أو يقرءونها ياءً خالصة، كما يختلسون ياء (الرحيم) مع الإمالة مداً على الحرف، أو هكذا خطفاً بحذف الياء: (الرحِم)، كذلك اختلاس الضمة بمثل نصفها في دال (الحمد)، حيث يقرءونها: (الحمدؤ لله) بتقريبها إلى الهمزة فوق واو حيثما وقعت، موصولة أو مقطوعة.
    وهكذا في كل كسرة أو ضمة تخص حرفاً من حروف القرآن في جميع آياته، وهم يعدون هذا اللحن الجليِّ والخفي وغيره من باب الترتيل والتحسين ( )!! وهم يعدونه مطلوباً للمهر بالقرآن، جهلاً بمدلول النص من قوله – صلى الله عليه وآله وسلم –: »الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة« ( ).
    وقد أتى إخباراً بنتيجة الجزاء على تنفيذ الأمر بالترتيل في الآية الكريمة من سورة المزمل: وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيْلاً.
    كذلك إبدال الياء الساكنة في المد العارض للسكون في مثل كلمة: (العالَمِين)، فهُم يقرءونها (العالَمَان)، ومثل إبعاد حروف الحلق عن مخارجها كالهمزة والهاء والعين والحاء والغَين ولخاء، فهُم ينطقونها خطفاً على عجلة، وأحياناً بسحب الصوت الذي يعدم معه معرفة تحديد المخرج للحرف ثم تضيع صفته كلياً أو جزئياً، والله المستعان ". انتهى.




    الفقرة الرابعة:
    (د) – تجريدُ وتهذيبُ كلمات
    شرح التقريب على (فتح القريب المجيب) في الفقه
    وهذا الكتاب يـحوي من مآثر إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه –: إثبات تاريخ بداية دراسته في مكة المكرمة، وقبلها إثبات مراحل دراسته في اليمن، وأسماء تلك المدارس، واتجاهاتها المذهبية: الفقهية والعقيدية ثم إثبات بعض مشايخه الذين تلقى دراسته على أيديهم، ومنهم:
    1. القاضي العلامة/ عبد الله السرحي، (شيخ مدرسة شهارة).
    2. العالِم الفقيه/ محمد صدِّيق البطاح، (شيخ مدرسة زبيد).
    3. العالِم الفقيه/ عمر البطاح، لـم يذكر مدرسة لقائه به، ولا نوع دراسته على يديه.
    4. الشيخ الأستاذ/ حسن خيرات.. والقاضي/ السالمي.. أيضاً لم يُتَرجِم لهما.
    5. قال: " وغيرهم من علماء اليمن "..
    ومن شيوخه في مكة المكرمة:
    1. إمام وخطيب المسجد الحرام/ عبد المهيمن أبو السمح، (شيخ الحلقات).
    2. إمام المسجد الجاوي في أحد أحياء مكة المكرمة/ هارون السرخسي، (شيخ الحلقات ومدرسة دار الحديث المكية).
    3. الشيخ/ الزواوي، لم يذكر حلقة لقائه به، وهو: (من شيوخ الحجاز المُبَرَّزين في المذهب الشافعي).
    4. الأستاذ/ أحمد محمد جمال، وذَكَر أنه: (أستاذ التفسير)، وقد كان له بمثابة أخٍ وموجهٍ حريص.. ومن شيوخه: والده/ محمد جمال.
    5. قال: " وغيرهم من علماء الحجاز، وأمِّ القرى ".
    كذلك وفي الكتاب المذكور الإشارة خطياً إلى توليته وقيامه – رحمة الله وبركاته عليه – بإمامة أحد مساجد أحياء مكة، في الجُمَّيزة أو في الحي التونسي أو (الترسي)، هكذا مكتوب.. كذا الإشارة إلى:
    قيامه بالتدريس لمادة الفقه في المدارس الناشئة أو في معهد، أو المعاهد الأندونيسية في مكة المكرمة، قد سبق بيان هذا أو توضيحه.
    ومن موثقات هذه المثبتات العلمية عن سيرة إبراهيم – رحمه الله – ما يلي:
    1. ذكرتُ استعراضاً نحواً من هذا البيان في حضور القاضي العلامة/ محمد بن أحمد الكبسي، رئيس استئناف محافظة صعدة، عضو المحكمة العليا للنقـض والإقرار، فكان منه التعليق بخصـوص مـا يعـرفه عن العلامة/ عبد الله السرحي، قائلاً: " لقد كان – رحمه الله – من خيرة وأشهر علماء اليمن في الثلاثينات وما بعدها من القرن الرابع عشر للهجرة النبوية – على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وعلى آله – ".
    2. كذلك كان استعراضه في حضرة الشيخ الفاضل/ سليمان بن محمد بن
    عبد الوهاب الأهدل، وهو واحد من علماء زبيد، بل من علماء اليمن، فكان منه التعليق بخصوص معرفته للشيخ العالِم الجليل/ محمد صدِّيق البطاح قائلاً: " إن البطاح من خيرة علماء زبيد، وأزهدهم وهو شيخ والدي/ محمد بن عبد الوهاب.. ولقد لحقته فدرست على يديه وقتاً وبرهة يسيرة قبل وفاته، وكان له احترام خاص من بين عامة علماء زبيد لعلمه الواسع وتواضعه الجم – رحمه الله وغفر له – ".
    3. وأيضاً تم استعراض هذا في حضور القاضي الكريـم/ هلال بن عباس الكبودي ( )، فكان منه تـخصيص أبو السمح بالذكر قائلاً: " لقد عرفتُ عبد المهيمن أبو السمح – رحمه الله – أنه كان يقرأ صبيحة كل جمعة في صلاة الفجر سورة السجدة، وهو إمام الحرم المكي، فإذا وصل منها إلى قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ جَهَش بالبكاء واختنق به حتى يغيب صوته.. وجهش خلفه المصـلون ".
    4. استعراض أسماء مشايخ إبراهيم في حضور الأستاذ محمد بن يحيى الحسني – وهو من أهالي الميدان، رَيْمَة، فأفاد: أنه يعرف إبراهيم الطيب طالباً في سنٍ مبكر من عمره تقريباً لدى السيد/ حسن خيرات.. قال: " وكنا مجموعة كلنا ندرس سوياً لدى الشيخ "، والقول للحَسَني. قال: " ومرة حصل بيني وبين هذا الطالب خلاف أدى إلى المضاربة بسبب تحريش الزملاء بيننا.. وكنا نسميه الشامي.. وقد كان ذكياً وله عند الشيخ ميزة خاصة وتقدير لذكائه وإقباله على طلب العلم بحرص وتلهف جعل له ذلك الاحترام.. وكنا من أجله نحسده.. لكن بعد ذلك أحببناه حتى سافر وبقينا نذكره ".. قال: " ولا زلت أتذكر صورته حتى الآن، غلام وسيم وضيء ".
    فأقول: – وبهذا – فإنه يتأكد سند الرواية لسيرة إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – مجملة ومفصلة بما قدرت على إثباته منها عن طريق السماع، أو عن طريق المستندات التوثيقية.. وكثير غاب عني علمُه ومُلزِماتُ إثباته، ونحن بأمَسِّ الحاجة لمعرفة المزيد من أي طريق وبأي سند صحيح.
    وللعلم: أن هناك روايات تجاوزْتُ إثباتها لِهشاشتها أو لعدم أهميتها.
    ولقد حاولت أن أثبت ولو مقطوعة نصية واحدة من مجموع تجريده وتهذيبه – رحمة الله وبركاته عليه – لمجمل نصوص الكتاب المذكور، إلا أنني لقيت صعوبة في تفريدها وتمييز مراده من تلك الرموز التي كثيراً ما يوردها مرتبطة بتعليقه وشرحه لجملة أو جمل.
    وهو يضع لها أحياناً حـرفاً هجـائياً، وأحيـاناً يَرمز بالرقم: (2) أو (4) أو (12).
    وقد وجدتُ لها عدة احتمالات:
    أزكاها: أنها رموز لمخطوطات كان عَمِلَها، فهو يشير إليها، ويقيني أنها صودرت ضمن مـجموعة تلك الكتب المصادرة يوم أراد أعداء دعوته إطفاء نورها وإخـمادها في مهدها كما سبق تفصيله.
    وخيوط أملي أحسبها موصلة لي – إن شاء الله – لإحراز ما تقر به عيني من مجموعة الكتب والمخطوطات المختفية بفعل المصادرة، وذلك بعد نشر هذه الرسالة، وأهل الخير كثير، ولا أراهم إلا دالِّين عليها، أو موصلوها – بإذن الله – وعليه فقد رأيت تأجيل ذلك حتى أتمكن من جمعها كاملة موصوفة ومخرَّجة في مؤلف خاص مضيفاً إليها ما يناسبها من مجموع مآثره – رحمه الله – لتكون مرجعاً لطالب العلم والباحث والناقد، ضمن مجموعة تراث المكتبة الإسلامية.
    إلا أنه عند استعراض موضوعات الكتاب بين يدَي شيخي وأستاذي الفاضل الكريم الدكتور/ علي بن علي بن جابر الحربي، أستاذ العقيدة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم الدراسات العليا، أشار إليَّ بأن أضمن الكتاب ما أمكن من مآثر المجاهد المخطوطة للتدليل بها، كما هي العادة لدى المحققين.. وعليه فقد أخذت بهذه الإشارة التوجيهية العلمية، ولقد فكرت وما كنت أرى نفسي محظوظة ولا مُهَيَّأة لإخراج مثل هذه الكنوز الثمينة، من محتوى سيرة الداعيـة النـبراس القدير/ إبراهيم بن يحيى بن حسن بن يحيى بن صالـح الطيب – رحمة الله وبركاته عليه ( ).
    وإنها لتحوي المآثر الغنية والمعارف الوارفة التي لم يسبق لي إخراج مثلها ولا تقريب لمفردات دونها، لذلك صرحت بقولي عن عجزي تخوفاً.
    لكن لما رأيت طلابه الأوفياء يلتحقون بالله واحداً تلو الآخر ولم يبق سوى النادر العاجز، أو المتشاغل العاجف، أو كيَّال الحَشَف من بسيط ومركب، أو عريض القفا يذري الرواية ذَرْوَ الهشيم.
    استعنت بالله لأعرف من سيرته شخصيته، ومن علمه فهمه وحلمه، ومن عمله إخلاصه ونفعه، ومن بلائه صبره واحتسابه.
    وإني لأرجو أن أنال بفعلي هذا صلتَه وبِرَّه.
    ولقد رأيت وسمعت على مدى وجودي، وفي كل مناسبة تواجدي في منطقة دعوته رجالاً يحملون اسم إبراهيم ويطرحونه في مجالسهم بكل فخر، واعتزاز، وإكبار، وإجلال، وتقدير، وذكر حسن لمواقفه العظيمة، وتأثيره الكبير في النفوس وتغييره لحياة الناس الجاهلية عقيدةً، وأخلاقاً، وآداباً، وسلوكاً، وكلهم يُرضُّون عنه، ويدعون الله له ويترحمون عليه، وهم يستعرضون سيرته وأبعاد تأثيره، ومآثره القولية والفعلية.
    وأكثرهم يقارن حالنا بحاله، وهم يرثون لنا ويتحسرون علينا لعدم تأثيرنا بجمعنا مع وفرة وسائل الدعوة وأمن العيش وأمان الخوف، مع علمهم أن لنا دعوة محفوفة بالتأثير إلا أن وسيلتها حزبية، وهدفها التكاثر، وغايتها طلب الولاية والمظهر.. في نظرهم.
    أما إبراهيم فقد كان وحده لكنه أنشأ جيلاً فاعلاً وربَّى مجتمعاً إسلامياً إيمانياً، دون أي وسيلة غير وسيلة الإخلاص والعلم والفهم، وهدف هداية الناس وغاية رضا الله.
    وقد كانت صعوبة كسب العيش، وعدم أمان حرية القول والفعل بدليل ما حصل له، وما وَقَع عليه، وما صُنِع به مقابل قيامه بالتغيـير، وإبلاغه الدعـوة إلى الله وإلى سبيل هدايته، فما وهَن وما ضعُف ولا استكان لما أصابه في سبيلها ومن أجلها حتى جاء الحق وزهق الباطل وخسر المبطلون.
    لذلك: استحق وصفه بالمجاهد في الحق، ثم تخليد ذكره الحسن إلى يوم الدين.
    والذي عليه تقرر مسمى هذا الكتاب الحاوي جليل معالم حياته، وأسأل الله العظيم أن أكون قد وُفِّقتُ وهُديتُ.. وهو حسبي ونعم الوكيل.
    وبما أن هذا المجاهد لم يصرح بانتمائه المذهـبي ولا الفكري التابع لشخصية أو جماعة؛ لذلك فقد ابتعدتُ كثيراً، وتحاشيت تصنيفه ووصفه التنظيمي في الجماعات الإسلامية القائمة بأصول مناهجها المتفقة غايةً وفي الهدف غالباً، أما الوسيلة فلا يلزم الاتفاق عليها..
    ولبعضهم التصريح بلازم الأعذار بعضهم لبعض فيما اختلفوا فيه.. ولا أخفي علمي التوقعي بوجهة المجاهد الخاصة تصريحاً وأنا أختم سيرته بآخر موضوعاتها، كما أنه لا يخفى على لبيب غَمْر بعد أن استظهر مستجمعاً محتويات هذا الكتاب تصنيف اتجاهات مجاهده من خلال توصيف نصوص أحداثه، ومن باب التأكيد فإن إبراهيم هذا الموصوف بجهاده – رحمة الله وبركاته عليه – كان على علم بتنظيم الجماعات الإسلامية على الساحة وحقيقة مناهجها وأبعاد اتجاهاتها وسيلة، وهدفاً، وغاية.
    وقد أخذ منهجه من مجموع منهجي جماعة الدعوة السلفية والإخوان المسلمين، وصاغه في إطار يتناسب مع حالة وحال مجتمع دعوته..
    فهو يرى ضرورة تلازم التصفية والتربية علماً وعملاً مع الدعوة لإصلاح الحكم ووحدة الأمة الإسلامية، واختيار ولاة أمرها وحاكم شملها.. وهذا الذي كان يتمنى إقامته، وبقي يطلبه في دعوته حتى لقي ربه – رحمة الله وبركاته عليه – وأسأل الله أن يوفقنا للسير على درب الدعاة إلى الله، والجهاد في سبيله مهتدين، وأن يلحقنا بمنازل الشهداء صالحين، وبمحمد – صلى الله عليه وآله وسلم – مقتدين.







    الفرع الثالث
    تصنيفُ المرفقات،
    وتوصيفُها














    المرفق رقم: (1)

    مَشْجَرُ نسب
    المجاهد في الحق
    إلى شرف الدين الطيب،
    الجد الأدنى للمجاهد في الحق،
    والذي إليه انتساب بني الطيب في اليمن

    (مستندٌ واحدٌ في صفحةٍ واحدة)
    Scan-130212-0005.jpg













    المرفق رقم: (2)

    قرارُ وحدة
    أصل نسب بني الطيب
    في اليمن،
    وتقريرُ حالهم

    (مستندٌ واحدٌ في صفحةٍ واحدة)


    محفـــوظ











    المرفق رقم: (3)

    تقريرُ السيد/ محمد الوظاف
    بواقع سلالة نسب بني الطيب في اليمن
    بمخابرة معالي الوالد
    العلامة/ عبد الملك بن محمد الطيب
    عميد الأسرة وسيد العائلة النبراس
    – رعاه الله وسدد خطاه –

    (مستندٌ واحدٌ في صفحةٍ واحدة)

    محفــــوظ










    ا[CENTER]لمرفق رقم: (4)

    نسخة من صفحتين،
    صورتـهما عن مخطوطة للسيد/ محمد الشرفي،
    أولاهما: تحمل الرقم: (43)
    وثانيهما: تحمل الرقم: (45)
    وفي كل منهما تحديد
    أصل بني الطيب نسباً في اليمن

    (مستندان اثنان في صفحتَين اثنتين)[/CENTE

    محفــــوظ















    المرفق رقم: (5)

    خمس صور من مخطوطة كتاب (فتح القريب المجيب)،
    مناسبة إرفاقه:
    واقعُ ما تحمل هوامشه
    من تعليقات قيمة بقلم المجاهد وتوضيحه
    من فهمه وبُعد إدراكه
    – رحمة الله وبركاته عليه –

    (مستندٌ واحدٌ في خمسِ صفحات)

    محفــــوظ





    المرفق رقم: (6)

    خطةُ المجاهد المنهجية على طريق الدعوة،
    وواقعُ عظيم بنود سِيَرِهِ فيها
    وقد قرر مجموعها أصولاً
    التزم تنفيذها في دعوته
    – رحمة الله وبركاته عليه –

    (مستندٌ واحدٌ في صفحتَين اثنتين)
    محفــــوظ



    المرفق رقم: (7)

    واقعُ تأليفِ المجاهد، ووضعِه منهج مادة الفقه
    للسنوات الأربع في المعهد الأندونيسي،
    على ما قرره في مقدمة الكتاب الثالث وخاتمته
    المقرر على طلبة السنة الثالثة التمهيدية،
    والمقرر على طلاب السنة الأولى..
    والمرفق منه الصفحة الأولى والأخيرة بحالتِهِما القائمة

    (مستندٌ واحدٌ في صفحتَين اثنتين)
    محفــــوظ




    الفصل العاشر

    تقريراتٌ فرعيةٌ عامة







    الفصل العاشر
    تقريراتٌ فرعيةٌ عامة

    ويخصُّه فرعان اثنان:
    الفرع الأول: الحدثُ الجَلَل.
    الفرع الثاني: خاتمة المسك.





    الفرع الأول:
    الحدثُ الجَلَل
    وتقريرُ حالِه
    إن أجمل حدث وأزكى خبر وأحب معلومة تاريخية إلى نفسي وقلبي من مجموع ما ارتشفت واستوعبت من سيرة المجاهد في الحق.. رواية ودراية.. هو ما علمته وسجلت خلاصته من رواية حَدَثِ وفاته – رحمة الله وبركاته عليه – وذلك لما اختص به هذا الحدث الجلل من بشارات وكرامات حصلت ليلة ارتحاله وانتقاله إلى جوار ربه – عزَّ وجلَّ – بنفس مطمئنة.. هوَّن الله على جسده خروجها.. وخفف – تبارك وتعالى – عليه عند قبضها ونزعها سكرات الموت.. والخبر من الواقع بالمشاهدة والحضور..
    أولاً: عن الوالدة الأم الوفية – حفظها الله ورضي عنها –..
    ثم: عن أحد سكان القرية الفضلاء الثقات – رحمه الله – ( )، وقد كان له مع إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – صحبة في إحدى رحلات طلبه الأولى..
    أما هي، فتروي أنه:
    " لما كان ليلة وفاة إبراهيم بدأ تماثله للشفاء، حتى كأنه على أحسن حال بالنسبة لسابق أيام مرضه.. وقد أقبل مـجتهداً في قراءة القرآن.. والأذكار.. وسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم –، وسيرة الصحابة – رضي الله عنهم –.. ثم الحرص على استدامة الطهارة.. ونوافل الصلاة.. وكان بدأ بأداء فرائض الصلاة في أوقاتها بداية من ظهر يوم تلك الليلة.. كأحسن ما كان يصليها قبل مرضه..
    ومن بعد صلاة العشاء اجتمع عدد من أهله وأحبائه وطلابه.. وبقي يبادلهم الحديث ويذكِّرهم.. إلى أن أمرهم بالانصراف.. وبقيْتُ إلى جانبه أُرَوِّح على جسمه بمروحة في يدي.. وهو مستغرق في أذكاره.. وأحياناً يغيب.. فأراه يبتسم.. ثم يعود للذكر.. وأكلمه فلا يرد عليَّ.. حتى غشيني النعاس.. إلى أن أفزعني صوت سمعته يرتفع بالتهليل ثلاث مرات من ناحيةٍ قِبَل بيتنا.. كأنه صوتُ أبي (الحاج/ منصور)، وبقيت أنتظر دخوله.. وأنا أنظر إلى وجه المريض مبتسماً.. ثم يكلمني خيراً.. ويطمئنني.. ويشجعني.. وهو يأمرني بالنوم ويُلِحُّ.. ولَمَّا لم أفعل.. نظر إليَّ مبتسماً وقال: (تنـزل الآن ليلة القدر فعليكِ بها واستعدي لها).. ولعلِّي وجدت في نفسي من قوله.. فعاتبْتُه.. ثم قال: (إني أريد رؤية السماء).. فساعدْتُه على الخروج إلى قِبَل البيت.. والسماء صافية.. بنجومها دون قمر.. وبقي ينظر إليها وهو مُستَلقٍ على كرسيه.. ويقلب وجهه في نواحيها ويتأمل ويتفكر.. وهو يذكر الله ويستغرق في الذكر.. إلى أن بدت سحابة في وسط السماء عالية.. فنظر إليها وهو يقول: (إنها تحمل بشرى.. أدخليني لأستقبل رُسُل ربي).. فقلت: (لمن توصي بأطفالك)؟.. فقال: (لله الذي ربَّاني وربَّى جميع العالمين بنَعَمِه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه).. فساعدْتُّه على الدخول حتى استوى على فراشه، وهو لا يفْتُر عن الذكر والنطق بالشهادتين.. إلى أن أغفى قليلاً ثم انتبه وهو يبتسم فينظر إليَّ ويقول: (اصبري واحتسبي فإني سألقى ربي.. ولا ترفعي صوتك في وجه الملائكة).. فيعود إلى ذكر الله والصـلاة على رسـول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وأنا أردد معه.. حتى غفوت دون شعور.. ولم أنتبه إلاَّ على ذلك الصوت بالتهليل ثلاث مرات كما سبق.. ثم رأيت كالضوء الهادئ يدخل فأرى به وجه المريض مشرقاً وهو يبتسم.. وفي لحظة يهدأ الليل ويسكن.. وأرى المريض كالنائم.. وكأني لم أدرك حقيقة موته إلا بعد طلوع الفجر وحضور الناس.. وهم يترحمون عليه.. ويسترجعون.. ولقد وُورِي وأّثَرُ ذلك النور لا زال على وجهه.. وإني لأذكر الرجل الذي غسَّله وكفَّنه يحكي ذلك للناس( ) ".
    أما الآخر فأروي عنه ما حدثني به عمَّا رأى في تلك الليلة، قال( ):
    " إنه لما كان بعد منتصف الليلة التي توفي فيها الشيخ/ إبراهيم – رضي الله عنه ورحمه – خرجت لحاجتي إلى ناحية المسجد.. ولما اقتربتُ من حرمه شعرت كأنه الفجر، وسمعتُ التهليل ثلاث مرات حتى قلت: (هو الحاج/ منصور، ولعله قد صلى وهو في طريقه إلى البيت).. ثم في لحظة يختفي ويهدأ الليل.. وسرعان ما شعرت بالخوف والفزع، ورجعت مسرعاً إلى البيت أرتعد.. وقد أصبحت أحدث الناس بما رأيت.. – رحمة الله وبركاته على الشيخ/ إبراهيم، ذلك المجاهد في الله، وعلى كل من دعا له وترحَّم عليه إلى يوم الدين – ".
    إنه يوم انتقل إلى الله تعالى كان قد خلف أربعة أبناء أكبرهم لم يتجاوز السادسة من عمره، وما خلف لهم من الدنيا سوى العلم الذي نشر تطبيقه العملي التنفيذي، والتعليمي النظري هنا وهناك على مستوى أهله وجيران بلده إلى أن خلصهم به من شرك الدعوة وشرك الخوف والرجاء وشرك الطاعة والمحبة وشرك الأهواء والمتاع، ومن فاحش الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ومنكرات الأخلاق والعادات القائمة فيهم على مستوى المناسبات.. والتي كانت قد أضلتهم عن سواء السبيل.
    كما خلف لأمِّ أطفالِه الثقةَ بالله والقناعةَ بالقليل، والإيمانَ بالوعد الصادق، فربتهم بدورها على ذلك إلى أن شَقُّوا طريقَهم وتولَّوا أمرَهم.
    وأعظم ثروة خلفها لهم أنه خلص مجتمع عيشهم ونقَّاه من منغصات الجهل، ومفسدات أفعال الجوارح وموبقات أقوالها.
    أما الثروة النقدية والعينية الثابتة والمنقولة فذلك الذي عفَّ عنه مطعمه وكفَّ عنه يده، وأغنى عنه نفسه، ونزَّه بالزهد فيه دعوته، حيث لم يحرص على حياة عاجلة، واستبدل بها حسن الظن بالله وشديد الثقة به، واكتفى بعمل يده والمشي في مناكب الأرض كغيره من بني مجتمعه وعامة قومه، ولم تمنعه صعوبة موارد عيشه عن القيام بوافر الدعوة إلى الله والانتصار لها وتغيير منكرات المخالفة لمستلزماتها وتأسيس حقول التربية ونشرها مع ولايته سير العمل فيها إلى أن لقي الله طيب النفس هادئ البال قرير العين، لقي ربه بعمر الشباب الداعية المفكر المؤمن.









    الفرع الثاني:
    خاتمةُ المِسك
    هذا الكتاب في موضوعاته وعلى مستوى جميع مفرداته يمثل وثيقة ذات طابع خاص في رؤية المنهجية الواضحة المثمرة بنجاحها في ظل القيادة المخلصة في اقتدائها بخير قدوة، وهو يُسَيِّر دعوته ليؤسس مستقبلها ويبني رجالها.. ثم في إعلانها ليُبَلِّغ رسالة ربه إلى كل من يعنيهم الأمر من المكلفين ليحييهم بإيمانهم عن بينة.. ويهلك من لم يستجب منهم عن بينة..
    ثم كذلك في ظل القيادة المربى رجالها والمقتدون فيها بالمنهج الرائد بالفقه، والفكر، والعقيدة، وحدة متلازمة دون انفصام..
    والمتعهد بتطبيقه طوعاً ذاتياً.. أو عن طريق القدوة الموجهة بالأولى حسب الاستطاعة والإمكان..
    ليبرئ ويحمي ويصون بهم وحدة الهدف والغاية ويسدد ويقارب ليجرد فيهم وحدة الوسيلة من الجمود، والتسلط، والإفراط السائب.. أو التفريط المتسيب..
    وليصفيها من أغباش مطامع المظاهر، ومبهرات المفاخر، ومتابعات الأهواء..
    ويشفيها من أوهام وتخيلات أمراض الانفصام الشخصي والروحي المؤثرة سلباً في واقعية القرار العام بإخفاء مصابها مبررات غايته، وإرادة هدفه، وهو يبدي ظاهر التزامه ويتغنى بعذرية حُـبِّه، وبراءة ولائه؛ لتصان ثقته وتسلم قضيته. كذلك اشتماله على رؤيا ناصعة بأنه ما لم يعد للقدوة وجود فإنه يتحقق بغيابه ضياع المقاييس بين أفراد الأمة وجماعات المسلمين، وخاصة جماعة المنهج الواحد، إلى حد نسيان الأصل الذي قامت دعوتهم عليه، ثم إلى حد إسقاط فضيلة الالتزام بشرف المبدأ، وكرامة الهدف، وعظيم الغاية، واستبدال الغث والقشور وسقط المتاع عن السمين والمليء.. والتمكين للظلم وعتاته تحت شعار المصلحة، والضرورة.. إلى حد إصدار الأحكام الغيابية الجائرة ضد بريء مهيض مهضوض، وتنفيذها عليه نهائية جبرية بدعوى كائد متربص صاحب غِلٍّ دفين، وهوى متبع، ونفس ناكبة ساخطة خاطئة بذاتية أنانية حاقدة استطاعت بغِمْرها حجب رؤيا من أجلبت عليهم عن حقيقة الواقع إلى أن أوصلتهم إلى نهاية الانحراف بالعدالة وإلى قمة نسيان الفضل.. وغاية تضييع الفضيلة بمقاييسها.. وإلى حد قطع الصلة.. وآصرة الأخوة الإيمانية المقطوع بها.. وخلق مبادرة التنكر.. وإنكار الجميل.. مع حاصل دعوى حب المتربص به المهضوض.. من قبل الجالب.. للمجلوب عليه.. إلى حد إطلاق التغني بظاهر من القول.. وزور من الفعل.. أو امتناع بالمنع.. على خلاف القصد.. كما هو الحال في مفهوم واقع الحُب العذري( )، وإنه ليمثل كذلك عرض الحالة الواقعية لزمان ومكان الصفة والموصوف.. والتعريف بالهدف والغاية لدى الداعية والمدعو مع مقارنة مناهج الوسيلة ماضياً وحاضراً وتحقيق ما يلزم أن يكون به القدوة مستقبلاً، وفيه إثبات تحقيق بركة الطلب بتحقق نفعه وسوغ مجمله نتيجة إيجابية.. علماً وعملاً قولاً وفعلاً، ظاهرة في إطلالة عودته
    تلك.. تحفها خاتمة المسك.. بعظيم الهدى وكريم العطاء، وقد رام بها صاحبها صقل ران القلوب بالعودة مليئاً بفقه الدين.. وفهم الإيمان.. وفكر الإسلام.. متمثلاً بتنفيذه توجيه الله تعالى في الآية الكريمة من سورة التوبة: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٍ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ( ).
    لذلك كان احتساب حاصل المكاره وواقع المصاب في سبيل الطلب للتأهل وأداء التحمل بحمل التأهيل، وإرادة البشارة بالصبر.. لقوله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيْنَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيْدُونَ وَجْهَهُ ( ).
    وإن أزكى مسك وأبلغ أريج يهدى لـمحب متلهف: توثيق القاعدة المنهجية ضمن المآثر النظرية الصادرة عن بنان الداعية وبناة أفكاره، وكلها في هذا الكتاب تمثل ومضة مضيئة على طريق السائرين ودليلاً وهدايةً على درب المقتدين، في إطار مفاهيمها العامة وتفصيل مدلولاتها الخاصة.
    وتاج عروس الكتاب هو: تلك الوثيقة التي قصد بها إبراهيم – رحمة الله وبركاته عليه – وضع خطة منهجية لدعوته الفكرية الإصلاحية والعلمية العقيدية الفقهية، على منهاج النبوة في أسلوب تربوي للأخلاق والسلوك والآداب نابع من داخل النفس بعلم ضابطه الذاتي الخوف من الله، والتعلق بمحبته والحرص على تطبيق شريعته، إتِّقاءً لغضبه وعذابه، ورغبة في ثوابه وجزائه، وضابطه الاجتماعي التناصح بالحق، والتواصي بالصبر، وذلك بهدف الوصول بالمجتمع إلى درجة تحقيق الوازع الديني في أفراده وجماعته..
    وحتى يسود سلطان الشرع وينعم الجميع بتطبيق عدالة الشريعة وتنفيذ أحكامها المدنية والجزائية والشخصية على السواء، وهذا هو الجزء المهم والمُعوَّل عليه في سيرة المجاهد في الحق، لذلك: كان بناء تقديم الكتاب عليه، وهل السيرة تعني غير جانب من الخصوص.؟
    وسيرة شخصية هذا المصلح محفوفة بالحفظ صدراً ولساناً لدى الخاصة وفي بعض أحداثها على مستوى العامة وإثباتها عنهم بالتواتر، والآحاد نقلاً شفوياً، حيث لم يكن أحد منهم كان له اهتمام بالكتابة والبعض ممن تلقيت عنهم لا زال يتمتع بعاجل الحياة.
    ولقد كان لي الشرف العظيم يوم وفقني الله للبحث والكتابة في سيرة واحد من علماء اليمن المستورين، وفرد من أنصار الدعوة الفكرية السلفية المغمورين، وإنه لذلك المجاهد الذي عرفناه، وقد كنت أفضل أن كان جمع تاريخه أحد طلبته المنصفين.. لقطع الأفواه المرة المريضة.. بتفعيل سقم أصحابها كما قال الشاعر( ):
    ومَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ
    يَجِدْ مُرَّاً به الماءَ الزُّلالا

    وإنني مهما واجهت من صعوبات في جمع معلومات تاريخية ومفردات مآثره، فإنه كان لي بمثابة نزهة في حديقة غَـنَّاء فجعلت أبحث عن أغمر جداولها، وانتقي أأرج وأزكى زهورها، فطاب لي البحث، وهنئت بالقطاف على مدى عشرين سنة منذ بدأت أجمع من مُقِلٍّ ومُكْثِرٍ، وعالِمٍ شاهدٍ، وواعٍ مبلِّغٍ ألِيْهٍ حتى حصلت على مفردات أحداث تاريخه القولية والعملية دون المخطوطة النظرية الموثقة، وبهذا أرجو أن أكون قد وفقت وأحسنت الجمع والتأليف واختيار ما ينفع ويفيد الدارس والباحث والمطلع، كما أسأله تعالى صلاحَ النِّيةِ وقبولَ العملِ وسدادَ القولِ، وبِرَّ الفعل.
    وإني لأدعو الله تعالى مخلصاً أن يغفر ويرحم كل من وجد خرقاً وهو يجيد القول والفعل فأصلحه، أو أعذر بالدعاء لصاحبه، وليس له إلا ذنب وليه.
    والله حسبنا، والحمد لله رب العالمين.

    في: 12/ ربيع أول/ 1415ﻫ
    الموافق: 18/ أغسطس/ 1994م




    يتبــــــــع ......

  5. #5

    افتراضي رد: كتاب المجاهد في الحق ( إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب )

    خلاصة
    كتاب: (المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الطَّيِّب)
    الشخصيةِالإسلاميةِالمعاصر ة
    المقدَّم إلى مؤسسةِ السعيد للعلوم والثقافة
    لجنةِ جائزة المرحوم/ هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب

    Scan-130212-0006.jpg

    الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كُفُؤاً أحد.
    وأشهد ألاَّ إله إلا الله بديع السموات والأرض لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    ـ فإنه من المناسب أن أقدم بين يدي القارئ والباحث ومريد الإطلاع وغيرهم من طالب ومناقش ومستمع: لمحة سريعة وموجزة يُستفاد منها مفهوماً علمياً محصلاً يستدل منه على عامة مضمنات كتاب (المجاهد في الحق/ " إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب ") – رحمة الله وبركاته عليه –.
    ومثل هذا العمل هو المعهود والمتبع في عالم تطور البحوث والمؤلفات العلمية، تطبيقاً لقاعدة العرف: (إذا أردت أن تعرف قدرَ الكتاب فاقرأ مقدمتَه، وإذا أردت أن تعرف غايتَه فاقرأ خاتمتَه).
    ومهما اعتقد واقع هذه القاعدة وحقيقة وضعها من معيار النظر؛ فليس ذلك على كل حال، ولا على كل نوع يحفيه البحث العلمي في مجموعة أنواع العلوم الشرعية والأدبية والتاريخية.
    ولعل من أوائل أنواع العلوم التي لا يغني فيها التلخيص ولا تشملها القاعدة: نوع علم الترجمة النظري والفكري.
    وكتاب (المجاهد …) هذا هو مما لا يغنيه التلخيص، ولا يجمعه الوجيز.
    والحق أقول: إن مفهومه مُعوَّل على استيعابه واستحضاره عنواناً وموضوعاً، على مستوى اشتمال الجمل والألفاظ أصولاً تحت مسمى فصوله أو مسميات المراحل والفروع، ولا غنى عن دراسة المقدمة والخاتمة، لاشتمالهما على توصيات وإقرارات وكشف جديد، قد لا تجد علم مفرداتها فيما بينهما من موضوعات الكتاب.
    والتلخيص يعني الاختصار، واختصار المختصر إخلال..
    وبما أنه لا بد فلا أكثر من إجمال بعض الأسباب القائمة على معانقة إتمام وإبلاغ الهدف غايته،ثم استعراض العناوين الرئيسة وإبراز أغمر النتائج مع العلم بأن نتيجة كل موضوع يحويه الكتاب مصدَّرة بنهايته، وهي:
     إما ترجمة لمسك قول أو فعل من بناة المترجم له.
     وإما لتقرير حالة اقتضاها التعليق والبيان.
    وإن من أهم الأسباب الدافعة لإخراج هذا الكنـز ونثر درِّه:
    أولاً: أن الناس عند الشدائد المرهقة، والضائقات الخانقة والمحن القاسية يبدءون باستعراض مآثر العظماء، وتذكر مناقب رجال الفكر والإصلاح ومقامات أهل العزم، وإقدام أصحاب العزائم.
    وذلك للتذكير والدعوة في أخذ القدوة بهم فيما عملوا به ودعوا إليه، وأخلصوا لله فيه.
    ثانياً: النظرة الفاحصة إلى حالة الجماعات الإسلامية على الساحة وحالة انقسامها على نفسها، وبعثرتهم للعمل الإسلامي وشَلِّهم لبركته بعدم إرادة الألفة، وفي فرقهم من يتأول نفع الدعوة ومصلحتها في الإبقاء على الخلاف بين الجماعات الموجودة على الساحة الدعوية من أجل التمييز.. وإحياء التنافس.. وللدولة والحكومة وحملة التصدي لتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة في كل مكان على مستوى العالم العربي والإسلامي والأجنبي الكافر، لهم كلهم مصلحة بقاء الخلاف والتنافر بين الجماعات الإسلامية ولذلك فإنهم لا يغفُلون ولا يتوقفون عن مراقبتهم ليجدوا فرصة الضرب لبعضهم ببعض وحتى يكون بأسهم بينهم شديداً، وعليه: فلا يبقى لجماعة وزن في مقابل طلاب تحرير الأفكار من الانتصار للدين والشرع، ولا لأحدهم.. لأن وحدة الأمة الإسلامية وقوتها لا تتمثل إلا في إجماع أمر خيارها: الدعاة والعلماء والمفكرين المصلحين.
    إن عدم التزام الجماعات الإسلامية بقاعدة: الإعذار لبعضهم فيما اختلفوا فيه من الفرعيات سبَّب نزع بركة الدعوة وحطَّم جانب الاستجابة فيها، وأوجد مقومات التنكر وضيق الحرج لدى عامة من يعنيهم تلقي ركبانها.. ثم لدى خاصة من يعنيهم مخاصمة ركاب الجهالات، وتقويم مُحَدِّبي التجاوزات باسم الدين والضرورة والمصلحة دون تقدير ولا انضباط وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً!
    وقد افتقدوا القيادة المربية الصالحة للقدوة الحسنة والعمل الملتزم الخالص لله رب العالمين على مستوى العالم الإسلامي.
    ولمزيد من التوضيح في هذه النقطة فإني أفتح الإقفال بالإشارة والإلفات إلى اشتمال الكتاب في الموضوع على واقع سلبيات الإفراط المزري بمقومات حقيقة الدعوة وحقيقة أصلها بأفعال بعض فئات فِرَقِها التنفيذيين المُتَنَفِّذين بقادتهم وقد منحوهم باسم التنظيم أحقية اختصاص ملكية زِرِّ التحكم على ضوء وكيفية منح دول الفِيتو رؤساء دولهم زِرِّ التحكم النووي لإحراق العالم عند الضرورة.. ومن هذا المنطلق تحقق لبعض قادة الدعوة ملكية قرار التفجير الموقظ للفتنة.. وقد كان إيجابياً في استخدام حقه ليوجه ويصدر مفاعل البركان في نسف جامعة الإيمان..!!
    وقد عرف هذا في موضعه بالمأساة (تراجيديا) الأمة الإسلامية في مسمى جماعات المسلمين..
    ثالثاً: وجود التعمُّد في تناسي مآثر عظماء التغيير العملي في ميدان الدعوة والسعي لوضع الحجاب دون إنجازاتهم الـخَيِّرة حتى لا يعرفها الخلف فتموت القدوة، ويخلو الجو لمن لا يطيب لهم صلاح الناس ولا نور العلم فيبيضوا ويفقسوا في غمرات الجهل بالدين وموبقات طمس معالم رجال القدوة المتقين.
    ولقد كانت دعوة المجاهد محطمة لصخرة الكبرياء والعظمة المتثمل بها قادة الملك العضوض، ثم شالَّة ومنكصة لغطرسة عتو الباطل ومنهية لبلادة وبلاهة
    ركاب الجهالات وصناع البدع والخرافات والمنكرات المحدثة في الدين.
    ومن ثم كذلك وبالذات محاولة إنكار وطمس معالم الدعوة السلفية الداعية إلى تحرير العقيدة من شرك القبورية والوثنية وتضليلات المتصوفة التائهة في صحراء الظمأ والعطش الشديد..
    وقد كان المجاهد في الحق/ " إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب " العَلَمُ الشامخ والمباري المجالد في ميدان إظهار دعوة التوحيد ونبذ كل بدعة وخرافة وشرك ووثنية وكل صوفية قبورية أو محدثة في الدين..
    رابعاً: إرادة وجه الله تعالى بالمشاركة في ميدان الترجمة لِعَلَمٍ من أعلام الإسلام، ورجل من رجال الدعوة إلى الله أخرج أهله وقومه من الظلمات إلى النور، وقد كانوا في هُوَّة الضلال والشرك والوثنية المحبطة للصالحات.
    وأسباب أخرى احتواها الكتاب أُحِيلُ إليها ومن أُحيل على مَليءٍ فَلْيَحْتَل وسيجد من الأسباب تشجيع بعض المحبين وإلحاحهم عليَّ بواجب الإسراع في إخراج كتاب المجاهد..
    خامساً: وسبب جديد وإن كان الأخير في الترتيب إلا أنه سبق الأول من حيث أنه أوجد حافز الإنجاز في أضيق الأوقات، وقد أشرت إليه في هامش صفحة: (53) من هذا الكتاب، ومضمونه: أنني لما قرأت الإعلان في صحيفة (الصحوة) عن طـلب مؤسـسة السـعيد للعلوم والثقافة – مجلس أمناء جائزة المرحوم الحاج/ هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب – قلت: وما لي لا أشارك بما جمعت من مفردات سيرة المجاهـد، وما لبـثت أن بدأت مستعـيناً بالله ومستمداً العون منه – سبحانه – فأعانني حتى بلغ بي حد الانتهاء من جـمع وتصنيف عامة موضوعه المشتمل على عشرة فصول بين المقدمة والخاتمة.
    كما هو مقدم بذات الحالة والهيئة التي هو عليها، مع ملحقاته..
    وقد اخترت في تقسيمه مسمى فصول تعني عناوين الكتاب الرئيسة وكل فصل يحكي فروع موضوعاته بالتفصيل، وكلها لا تتجاوز مفهوم العنوان قدر
    الإمكان.
    وذلك ما سرت عليه منهجاً تصنيفاً وتوصيفاً لإخراج وإبراز مفردات سيرة المجاهد أخذاً وعطاءً في ميدان مراحل تحصيله العلمي وزمن سنوات نشره وتبليغه إلى أن لقي ربه مجاهداً في سبيل الدعوة إليه سبحانه.
    ومقتضى هذا السير يحدده قسمي إجمال الخطة المنهجية وهي ما تعني الأحوال السيرية التاريخية والعلمية العملية على طريق الدعوة المتضمن واقعها وحاصلها إقرار عشرة فصول مسبوقة بالمقدمة الحائز موضوعها النصي على تقرير الأهمية وتسبيب الاختيار المقرون بالإقرارات الشكلية، والمشتمل على توجيه المنهجية الموضوعية على مستوى مضمنات كل فصل وتفريع.
    وأُثبِتُها في شكلها الإجمالي كما يلي:
    الفصل الأول:
    نسب المجاهد، ومولده، وحالة فرع أسرته في مجموعة فروع بني الطيب في اليمن على مستوى مناطق تواجدهم..
    الفصل الثاني:
    مراحل طلب التحصيل العلمي للمجاهد، ونتائجها..
    المرحلة الأولى: الإعداد: سببها، ونتائجها..
    المرحلة الثانية: تحديد الوجهات الطلبية، ونتائجها..
    المرحلة الثالثة: ختام مدارس التعليم: جهتها، وبلد قرارها..
    الفصل الثالث:
    طبيعة دعوة المجاهد التعليمية والعمَلية، ويتضمـن هذا الفصل مجموعة فروع. كل فرع تخصه مقوماته الموضوعية والوصفية، مع اختصاص كل من الفرعين/ الأول والثاني بتقريره الخاص؛ إضافة إلى حقائق ثلاث تضَمَّنها تقرير الفرع الثالث مستقلاً..
    الفصل الرابع:
    مراحل تبليغ الدعوة، وحقائقها..
    المرحلة الأولى: الإعداد والتمهيد..
    المرحلة الثانية: ارتباط المجاهد بالحياة الزوجية، وحالة تأسيس مدراس التعليم..
    المرحلة الثالثة: تنظيم وتطوير التعليم..
    المرحلة الرابعة: تقرير أوصاف أسلوب الدعوة..
    الفصل الخامس:
    أهمُّ مجريات الفتن والمعوقات على طريق دعوة المجاهد، ويتضمن فروع، مجمل دلالاتها تخص إثبات واقع الحال الجاري عليه زمان ومكان الدعوة المعوَّل عليها إخراج أهل هذا الزمان والمكان من موبقات معتقداتهم الشِّرْكية، وأعرافهم وعاداتهم الجاهلية..
    الفصل السادس:
    مقومات التزكية والإخلاص في دعوة المجاهد، وقد خُصَّ في أول التقريرَين المخصَّصَين لهذا الفصل بلازم التمهـيد، وفي هامش صحيـفته نص قصيدة الشهيد/ الزبيري؛ وُضِعَت لمناسبتها هنا، وقد قيلت بمناسبة هدم منارة قبر ابن علوان على يد الإمام/ أحمد بن يحيى حميد الدين حين كان وليَّاً للعهد في مملكة والده الإمام/ يحيى – رحمها الله تعالى – آنذاك.
    كما يلـي ذلك فرعـان ضِمْـن التقرير الثاني من هذا الفصل تحت مسمى: انتصار الدعوة في تحطيم معاقل الأوثان، وهذان الفرعان هما: معقل: (أ)، ومعقل: (ب)..
    الفصل السابع:
    مقومات احتساب الدعوة في حياة المجاهد، واشتماله على فرعين يعنيان بتقرير سيرة المجاهد الموصوفة بالورع والزهد في مقابل حرصه على هداية الناس، وتنفيذه قرار الصدع بكلمة الحق، والتزامه منهج وأسلوب التغلُّب في ميدان المناظرة..
    الفصل الثامن:
    مصوّغات ومقومات دعوة المجاهد بين الأصالة والمعاصرة، ومحتواها يحكي سياسة إظهار متابعة الواقع بأحواله في مقابل دعوى المصلحة والضرورة الشرعية.. وفيه تحديد أسباب تبعثر العمل الإسلامي..
    الفصل التاسع:
    توصيف حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية، وتقرير الأبجديات، وتصنيف المرفقات، وإليه مردُّ مضمِّنات معاني هذا التوصيف والتقرير والتوصيف معتَبراً في ثلاث فروع:
    أولها: توصيف حياة المجاهد من الناحيتين العملية والسِّيَرية.
    وثانيها: تقرير أبجديات المآثر وتوجيهها.
    وثالثها: تصنيف المرفقات ومصوغات توصيفها.
    الفصل العاشر:
    تقريرات فرعية عامة، ومؤدى هذه التقريرات فرعان:
    فرع الحدث الجلل: بانتقال المجاهد في الحق/ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) – رحمة الله وبركاته عليه – إلى الله تعالى.
    ثم فرع الخاتمة (مسك الختام): وفي إجمالها: تقدير إدراك جزء العلم من واقع الغاية المرجوَّة من هذا الكتاب ومن إتمامه على الصورة والحالة القائمة به شكلاً وموضوعاً، ولذلك فقد استحقت أن تفرد بمسمى فصل، وقد احتوت معاني ومفاهيم جديدة خارج موضوعات الكتاب ثم أبعاد فِقْهِهِ..
    ـ ولا أخفي عوائق المواجهة الشخصية والنفسية وأنا أجمع متفرقات هذا السفر التاريخي العلمي لأزوِّد به المكتبة الإسلامية وأنفع الباحِث والمُطَّلِع والعالِم..
    وأنفع نفسي أولاً بإدراك البِرِّ – إن شاء الله تعالى –، وقد أوجد سبباً لدوام الترجمة على المترجَم له.. على مدى بقاء الدنيا حيث سيدعو له ويترحم عليه كل من قرأ، أو سمع أو بَحَث.. ثواباً جارياً إلى يوم الدين.
    وجاني الوردَ لا بد أن يجرحه الشوك، كما أن جامع الرحيق لا ينجو من لَسْعِ خلية مَنْحَلَتِه.
    وهذا يعني حقيقة وجود صعوبات وقد لاقيتها فعلاً على كل حال وسأكتفي بذكر أشدِّها:
    أولاً: عدم وجود مستندات خطية تحكي تفصيل سيرة المجاهد أو مفردات حياته العلمية والعملية..
    ثانياً: وجود الحرج السائد وأنا أكتب عن من أنا له وما أملك فيما لو كان حيَّاً، أما وقد انتقل إلى الله فواجبي الدعاء له.
    وواقع الحرج في إدراكي وحسباني وكأني أكتب عن نفسي.. وحال من يكتب عن نفسه كحال مُزَكِّيها.. ولا أرى لنفسي ذلك ولا أحبذه بل لا أرتضيه في مثل هذا النوع من التزكية..
    ثالثاً: ندرة الشخصيات الحافظة والموثقة المتقنة لتفاصيل المآثر القولية والفعلية العملية التي كان يتبناها المجاهد على مستوى منطقة دعوته ومجتمع قومه، وقد كان عطاؤه فيهم شفوياً وتبلغيه ارتجالاً، وتمسيكه وتغييره يداً وإزالة بالفعل.. وتطبيقاً بالعمل..
    رابعاً: تصادف وتوافق قرار الإعداد والجمع لمتفرقات ومضمنات الكتاب مع واجب أداء وتنفيذ مهمة عمل يقتضي سفراً وجهداً غير يسير..
    كما تصادف ذلك وتوافق مع حاضر موعد مناقشة طلاب الدفعة الحادية عشرة المتخرجة في المعهد العالي للقضاء من العام: 1998م، وقد كنت مكلَّفاً ضمن أعضاء هيئة التدريس في المعهد بإجراء المناقشة وتقييم البحوث المقدمة في مجال فقه التشريع.. متحداً في الوقت والزمان مع هذا الإخراج.
    كذلك توافقه مع تكليفي من قِبَل المعهد بضرورة إنجاز الكتابة والبحث في موضوع مسمى (التحديات المستقبلية التي تواجه الأمة الإسلامية فيما بعد القرن العشرين) للمشاركة بإخراجه في مؤتمر رابطة الجامعات الإسلامية، والفرصة كانت محددة بشهر ديسمبر، نهاية عام: 1998م التالي لنهاية موعد مؤسسة السعيد بشهر واحد فقط.
    وغير ذلك من العوارض المقدرة.
    خامساً: ترددي بين أن أقدمه مشاركاً به إلى مؤسسة السعيد للعلوم والآداب.. وبين أن أبقيه مخطوطاً تراثياً لتخرجه الأجيال..
    كذلك وبين طمعي في نشره على مستوى مكتبات البيع لأمرٍ ذكرته في المقدمة..
    سادساً: إدراكي التام بأن رضا الناس غاية لا تدرك وفي موضوعات الكتاب ما يحسبه الجاهل العليم.. صيحة عليه.. وحرصي على إيجاد لغة التقارب.. ولست ممن يفاصل الناس على غير موجب شرعي ظاهر البرهان، ولا أنا من غُزَيَّة..
    ـ أما النتائج المستفادة من هذا الكتاب فأهمها:
    أولاً: إبراز شخصية إسلامية مغمورة، صاحبها واحدٌ من رجال الفكر وعَلَمٌ من أعلام وحراس العقيدة، ثم هو فرد من أفراد الدعوة إلى الله كاد التاريخ أن يفقد سيرته، وأن يلغي من أذهان الخلق جهاده.. لولا بقاء ثلة من طلابه وأحبائه وأصحابه، تنقصهم القدرة على التعبير، ويعتريهم الذهول عن الكتابة، ويشغلهم السعي وراء كفاية العيش..
    ثانياً: إبراز حقيقة واقع القول بأن العالِمَ إذا مات فإنه لن يخلفه إلا فرط من أهله، أبناؤه أو أحفادُه.
    ودعوة إبراهيم الخليل – عليه السلام –: رَبِّ اجْعَـلْنِي مُقِيْمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ... سورة إبراهيم.
    وقد كان لأبناء الإمام/ أحمد بن حنبل – رحمه الله – قدم صدق في إظهار تاريخ والدهم، وإبراز منهجه العلمي..
    كذلك وللإمام/ الشوكاني – رحمه الله – مثل ذلك وهو يترجم لوالده، ويبدي مكانته الشخصية والعلمية.
    ثالثاً: إبراز واقع الحاجة الماسة إلى شخصية إسلامية تـمثل القدوة الحسنة لشباب الصحوة المبعثر جهدهم على الساحة، تتخطفهم الأماني، ويبغيهم الغرور، وتقودهم التِّرة..
    رابعاً: إظهار واقع حال الجماعات الإسلامية في تفرقهم بفعل التزكية للنفس وللجماعة، أو للانتماء، أو للحزب الحاكم مجاملة ومداهنة، واتهام الآخرين في المقابل بالبعد عن الحق.. وبعدم صحة الفهم للواقع، أو لفقهه، أو باتباع الشخصيات.. أو بالتعصب للقشور من العلوم والفهوم.. أو بتعمد ترك السمين والمليء من الأصول.. وهكذا تحدد في الكتاب نتيجة واقع الجماعات.. وفي ادعائهم وصل ليلى: حقيقة اتباع العوراء (الفتنة في الدين)، و(إدخال البدعة فيه)، وظاهر دعوتهم محاربة البدع أحياناً إلى حد التكفير بها..!!
    والحل ترك ما هم فيه، ونبذ ما هم عليه بالعودة إلى تطبيق صحيح الأخوة الإسلامية..
    وقاعدة الإعذار فيما يجوز الخلاف فيه مما مداره ومجاله الاجتهاد.. كافية في
    إمكان إيـجاد سلامة الصدر بأبعد الاحتمـالات.. أو بأقلها وأقربـها.. من
    باب: (احتمل لأخيك).
    خامساً: حقيقة واقع إمكان انتصار الدين بواحد.. من باب واحدٍ بألفٍ.. وألفٍ بأُف.. وقد كان إبراهيم الخليل: أُمَّةً قَانِتَاً لله حَنِيْفَاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ  شَاكِرَاً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ.
    سادساً: تقرير وجود الجهل – المركب – بالدين في زمن تسابق العلم الصناعي والذري.. ثم تقرير واقع الجهل البسيط في زمن كثرة المدارس والمعاهد والجامعات..
    سابعاً: تقرير واقع الاستبداد الشخصي والقهر السياسي والظلم الاجتماعي، والطغيان الفكري.. تحت مظلة مسمى حكم الديموقراطية.. أو دولة النظام والقانون.. أو تـحت مسمى الحزب الإسلامي.. (مؤداه اسـماً أو وصفاً نزعة ونعرة مذهبية.. سلالية).
    وهكذا يقرر الكتاب بأن الحل للخروج من أزمة الضمير، وأزمة الذلة والضعف أمام اليهود والنصارى، ومن أزمة القهر الاقتصادي والسياسي والصناعي والحربي.. ليس في إطلاق الحريات الحزبية، والسياسية، والدينية، والثقافية، والفكرية..
    وليس في تغيير المسميات الشكلية للدولة والمؤسسة والحزب.. وإنـما الحل كل الحل في الالتزام بتقريرات مفاهيم الشريعة وجوباً في العزائم.. وندباً في الرخص.. والخيرية للأمة بالعموم في التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.. وفقاً للقدوة.. وتحكيماً للأسوة.. وفي تطبيقه على الواقع العملي ديناً ودولة.. إلى حد تحقيق قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُونَكَ فِيْمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلَّمُوا تَسْلِيْمَاً.
    وهذا المفهوم واحد من إثباتات أصول المجاهد في الحق – رحمة الله وبركاته عليه –.
    وإن من أزكى نتائج كتاب المجاهد دعوته إلى تجريد العقيدة الإسلامية من شوائب حظوظ النفس لدى الداعية المسلم والجماعة المسلمة كذلك دعوته لكل فرد له صلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يعلن تجرده من حمية الجاهلية، وفتنة الحزبية.. وما استعراض الكتاب ونقده لواقع السلبيات والمخالفات المعلومة من الدين بالضرورة إلا مجرد نصح وبلاغ للذين هم يبغونها عوجاً.. ولعلهم يتقون.
    ومَن فهِم منه خلاف ذلك فعليه ذنبه.. وما اعتقاده أو ظنه إلا من باب الريبة الواقع بلاؤها بالنفس..
    وأخيراً: فإن شكري أواب، وتقديري توَّاب إن أفصحت به إلى من لا يستحقه غير الله..
    ثم للذين ساهموا في إخراج هذا السِّفر المتواضع دون الملل، والقاصر دون الزلل، ولا كَمَال إلا بالله، إليه الأمر كله من قبل ومن بعد، وإليه المصير.
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    المؤلف،،








    السيرة الذاتية لمؤلف كتاب: (المجاهد في الحق …)
    حسب طلب مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة..
    أولاً: البطاقة الشخصية:
    الاسم: إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى الطيب.
    تاريخ الميلاد: 1374ﻫ، 1954م.
    محل الميلاد: قرية الحِلَّيْلَة (أوسط قرى بني الطيب في جبل حديد من بلاد مسروح) – منطقة خيران – الشرفين – لواء حجة، أُولى منازل أصل هذا الفرع من بني الطيب عن الجد الأعلى في جبل الأهنوم (شهارة)، وهو فرعٌ من أصل بني الطيب في اليمن.. كلهم ينتمون فروعاً إلى الجد الأول/ شرف الدين الطيب في تعز، والمنتقل إليها هجرةً على ما قُرِّر في هذا الكتاب.
    الحالة الاجتماعية: متزوج، وله من الولد تسعة.
    محل الإقامة: صنعاء.
    النشأة والتربية: قدَّرها الله تعالى في مجتمع نظيف طهَّر أدرانَه المجاهدُ في الحق/ (إبراهيم..) المُعَقِّب لشخصية هذه البطاقة.. لم ينعم بالتربية في أحضان الأب/ إبراهيم الذي تُوُفِّي عنه مبكراً، وهو لا زال في سن السادسة..
    ثم إن أمه هي التي تولت تربيته مع ثلاثة من إخوانه فكانت خير مربٍ ومعلم في مجتمع قومِها؛ حيث دفعت به إلى الخِيَرة من تلامذة والده ذلك الشيخ المجاهد، وبقي يتلقى منهم القرآنَ الكريم، وتجويدَه النظري والتطبيقي من خلال: (تحفة الأطفال)، (ومقدمة ابن الجزري)، ومن الحديث: (الأربعين النووية)، وما يخص الصلاة من أركان وشروط وواجبات وسنن، والخط، والإملاء، وكذلك تعَلَّم عقيدة التوحيد من خلال: أركان الإيمان، وسيرة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –، ومعرفة شخصيته نسباً ومولداً، وغير ذلك من تعاليم الآداب والأخلاق في سن الطفولة إلى أن بلغ سن العاشرة..
    ثانياً: البطاقة التعليمية:
    وبعد التعليم الأولي المشار إليه كان الحرص من الأم لا يزال مستمراً في تطلعها إلى أن يكمل دراسته على الصفة التي تلقى بها والده تعليمه، فكان سفرُه للدراسة محفوفاً من قِبَلِها بوافر التشجيع المعنوي والدعم الذاتي للدراسة في الخارج مع أحد تلامذة المجاهد حامل أمانته الشيخ/ محسن بن محمد الطيب – رحمه الله وغفر له –؛ حيث أوصله إلى مدينة الرياض فالتحق بمدرسة تحفيظ القرآن الابتدائية وبقي فيها حتى تخرج حافظاً للقرآن الكريم، وحاملاً الشهادة الإبتدائية.. ولا زالت الأم الوالدة هي المتعهدة.
    ثم التحق بمعهد الحرم المكي الإعدادي الثانوي ومدرسة دار الحديث المكية، ثم ثانوية مكة، ثم الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة التي تخرج فيها عام: 1400ﻫ، 1980م.
    ثم بعد ذلك رجع إلى اليمن حاملاً شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية والفقه المقارن؛ فالتحق بالتجنيد، ثم الوظيفة، وأثناء الوظيفة تيسَّر له مواصلة الالتحاق بالدراسة في المعهد العالي للقضاء حتى تخرج فيه عام: 1984م.
    كما حصل على شهادات أخرى دورية، منها في: العلاقات العامة والإنسانية، ومنها في: الحسابات المالية، وغير ذلك..
    ثالثاً: البطاقة الوظيفية:
    التحق بالعمل الجامع بين التجنيد الإجباري والتوظيف الرسمي في وزارة الداخلية (مصلحة الأحوال المدنية) برتبة م/ د 2، وعمل أميناً لقسم الثورة من تاريخ: 1/ 11/ 1981م إلى نفس التاريخ من سنة: 1982م.
    ثم مديراً للعلاقات العامة في المصلحة، وأثناء هذا العمل التحق بالمعهد العالي للقضاء وتخرَّج فيْه بدرجةٍ قضائية أهَّلته للعمل في سلك القضاء بالقرار الجمهوري رقم: (1) لسنة: 1994م.
    فعمل أولاً في محكمة جنوب صنعاء، ثم انتدب مديراً لإدارة التفتيش والتحقيق في إدارة عام المحاكم، ثم عاد التشكيل لهيئة التفتيش القضائي وعُيِّن ضمن أعضاء الهيئة بالقرار الجمهوري رقم (1)، وتاريخ: 25/ 9/ 1418ﻫ، الموافق: 23/ 1/ 1998م.
    أهم الأعمال خارج الوظيفة الرسمية:
     كان عضواً مؤسساً في المؤتمر العام الأول للمؤتمر الشعبي العام.
     عُيِّن ضِمن ضُبَّاط التوجيه المعنوي والسياسي في القوات المسلحة والأمن بقرار القائد العام للقوات المسلحة رقم (3) لسنة: 1983م.
     اختير أميناً لتحرير العقود الشرعية في المنطقة الغربية بأمانة العاصمة منذ
    عام: 1413ﻫ، الموافق: 1983م.
     انتخب مسئولاً مالياً للمجلس المحلي في أمانة العاصمة في الدورة الانتخابية
    من: 11/ 11/ 1985م إلى: 1990م.
     كُلِّف بالتدريس في المعهد العالي للقضاء لمادة الثقافة القضائية، وأصبح عضواً فاعلاً في هيئة التدريس بالقرار الوزاري رقم (240) لسنة: 1998م.
     أما عمَلُه الخاص – والذي اعتَبَرَه قمة الأهمية – فهو: تدريس القرآنِ الكريمِ وتجويدِه وعلومِه، في الحلقات المسجدية على مدى دراسته في السعودية من العام: 1385ﻫ، 1965م إلى العام: 1400ﻫ، 1980م عام تخرجه في الجامعة الإسلامية، وما من مسجد وُلِّيَ التدريس فيه إلا كُلِّف بإمامته نيابة كلية أو جزئية بدءاً من مسجد الفريان في الرياض ومسجد الحجون في مكة المكرمة ومسجد قباء في المدينة المنورة، وحتى بعد عودته إلى اليمن ورجوعه إلى صنعاء في العام: 1401ﻫ، 1981م والذي التزم فيه بالإمامة والخطابة بجامع قلالة، وأنشأ الحلقة العلمية وحلقة التحفيظ، ثم المدرسة والمركز (بنين وبنات)؛ حيث كانت هذه المدرسة باكورة مدارس التحفيظ، وأصبحت بذلك أول مدرسة أُنشِئت لتحفيظ القرآن الكريم في اليمن بنين وبنات؛ لتلقى فيها البنت من العناية بتحفيظها ما يلقى الإبن على السواء.. وفي بقاء ودوام هذا العمل قيام أمله في الله برجاء القبول.
    وهاهي مدارس تحفيظ القرآن (بنات فقط) يصل عدد طالبات الحفظ إلى ثلاثة آلاف طالبة، أُعلن هذا العدد في احتفال عام: 1420ﻫ، الموافق: 1999م لمدارس التحفيظ على مستوى المراكز الصيفية في أمانة العاصمة صنعاء فقط..
    إنها النتيجة المثمرة لشجرة الأصل الأولى؛ انطلاقاً من مركز الفاروق في جامع قلالة.
    ومهما حصلت بعض المفارقات بين أصالة أهداف الإنشاء.. وغايات التأسيس.. وبين واقع الحال القائمة عليه مدارس التحفيظ، الذي خبأ عطاؤها الكيفي بإحلال التظهير الكمي وإرادته.. عن طريق الكادر الإداري الموصوفة حالُهم بعدم التأهُّلِ المستحيلِ معه إعطاءُ التأهيل.. فقد أراد الله – لبقاء هذا الخير المؤسَّس على التقوى – استخلاف رجال يعنيهم بقاء مدارس التحفيظ على أصل المنهج الذي قامت عليه هدفاً وغايةً.. فقيَّض الله جمعية القرآن الكريم الخيرية التي بات للقائمين عليها دور فعال في إعادة ترتيب سقفها، وتحرير إدارتها، وقد أوقفوا اهتماماتهم وخبراتهم على تـجريد مقومات حفظ القرآن الكريم وتلقينه للمتلقِّين من شتَّى شرائح المجتمع، وفتحِ المراكز النموذجية والحلقات العلمية المسنَدَةِ إلى أهلها فعلاً، وكذلك كلية القرآن الكريم التي أصبحت الآن مؤسسةً ترعى حَمَلَة كتاب الله – عز وجل –، وتُعِدُّ الكوادرَ الكَفُؤَةَ الحاملة لكتاب الله تعالى لفظاً ومنهاجاً، ولن يَغلِبَ العُسرُ يُسرَين. واللهُ مع المؤمنين حزبِ الله دون المدَّعِين للإيمان داخل أو ضمن أحزاب الديموقراطية، أو في فِرَقِ البرَّانية والجوانية، أو في الجماعات الموفورة التزكية في مقابل النهي: وَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.
    المؤلفات والمنشورات:
    أهمُّها:
     كتاب: (القضاء وأهميته في الشريعة الإسلامية).
     كتاب: (اجتهاد النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ليس وحياً).
     كتاب: (المال ومقوماته في الشريعة الإسلامية والقانون).
     كتاب: (إبطال دعوى التمثيل في قصص القرآن الكريم).
     كتاب: (بحوث في علوم القرآن وارتباطها بحق التلاوة).
     كتاب: (الثقافة القضائية).
     كتاب: (التحديات المستقبلية التي تواجه الأمة الإسلامية فيما بعد القرن العشرين).
     (تحرير وتقرير بدعة التَّنَفُّل بين أذان الفجر والإقامة للصلاة سوى ركعتين خفيفتين).
     وهذا الكتاب: (المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب) …
     وبحكم قيامه على الإلتزام بالإمامة والخطابة فقد أخرج سلسلة من الخطب المنبرية من إعداده وإقراره توصيفاً وتصنيفاً.
    وله اتهامُ نفسِه بالتقصير من حاصل جهده.. كما أن له تذكير نفسه بواقع وحاصل ترداد مقولة الشاكر الذاكر:
    فالكاملُ اللهُ في ذاتٍ وفي صِفةٍ
    وناقصُ الذاتِ لم يُكْمَلْ لهُ عملُ

    بيد أننا لن ننسى – نحن بدَورِنا كمطَّلِعِين على ما يجود به من نفائس عِلْمه وعظائم عَمَله – ما بَذَله من جُهدٍ ميمون في إخراج هذا الكتاب الفريد من نوعه إلى النور وغيرِه من المصنفات التي أروَى بها ويَروِي ظمأ كلَّ متلهفٍ إلى معرفة، وأرشد ويرشد كلَّ ناشِدٍ ضالتَه من تربية حسنة وتعليم سليم قويم.. ولا يتواضع لله إلا رفيع، ولا يترفَّع عن الله إلا وضيع.
    وفي الأخير: لا يفوتني إثبات بعض مشايخه الذين تلقى عنهم الحفظَ والتلقينَ والعرضَ للأهمية: أوَّلُهم وأزكاهم: والده المجاهد في الحق.. وقد كان تلقِّيه عنه في سن الطفولة المبكرة.. ثم كان تلقيه بعد ذلك عن خيرة أهل القرآن الممسِّكين به، والقائمين على نشر تعليمه وتحفيظه وتجويده.. وأُثْبِتُ من خيارهم:
    الشيخ المقرئ/ محمد بن عبد الماجد ذاكر (شيخ الحلقات المسجدية)..
    الشيخ المقرئ/ عبد الباري بن محمد (شيخ المدرسة الرسمية النظامية)..
    الشيخ المقرئ/ محمود خليل الحُصَري.
    الشيخ المقرئ/ محمد صديق المنشاوي.
    الشيخ المقرئ/ مصطفى إسماعيل.
    وهؤلاء ممن حظي بعرض تلاوته وحفظه عليهم حتى أقَرُّوا إجازتَه..
    الشيخ الأستاذ/ عبد الفتاح القاضي.
    الشيخ الأستاذ/ محمد صادق قمحاوي.
    وقد كان هذان الأخيران ممن أخذ عنهما توجيه رواية حفص عن عاصم، وأقَرَّا إجازته الصادرة عن وزارة المعارف بالمملكة العربية سعودية في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالرياض.
    وأخيراً: فإن مِنَّا الختم الموصوف لفظاً ومعنىً بأغَنِّ جنِان وأنفح أريج وخير وقاية ردَّده أفضلُ رسول وأعظمُ نبيٍّ يوم قال له الناس وللمؤمنين: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانَاً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ..
    والحمد لله رب العالمين..

    عبد العزيز بن يحيى الهاشمي


    فهرست مواضيع الكتاب
    خطة البحث 1
    الإهداء 3
    تقديم 5
    المقدمة 25
    الفصل الأول: نسبُ المجاهد، ومولدُه 35
    الفصل الثاني: مراحلُ طلبِ التحصيل العلمي للمجاهد، ونتائجُها 51
    المرحلة الأولى: الإعداد: سببُها، ونتائجُها 55
    المرحلة الثانية: تحديدُ الوُجْهات الطلبية، ونتائجُها 57
    الوُجهة الأولى: مدرسة الشغادرة: 57
    الوُجهة الثانية: مدرسة الزيدية: 57
    الوُجهة الثالثة: مدرسة زبيد: 58
    المرحلة الثالثة: ختامُ مدارس التعليم: جهتُها، وبلدُ قرارها 61
    وفي هذه المرحلة وقف منها على عدد من المدارس: 61
    الفصل الثالث: طبيعةُ دعـوة المجـاهد التعـليمية والعمَلية 69
    الفرع الأول: تقريرُ طبيعة الدعوة 73
    الفرع الثاني: تقريرُ أوصاف الدعوة، وحقائقُها 83
    الحقيقة الأولى: 83
    الحقيقة الثانية: 85
    الحقيقة الثالثة: 85
    الفرع الثالث: ربطُ مصير الدعوة بالتصفية والتربية 87
    الفصل الرابع: مراحلُ تبليغ الدعوة وحقائقُها 91
    المرحلة الأولى: الإعداد والتمهيد 95
    المرحلة الثانية: ارتباطُ المجاهد بالحياة الزوجية وحالةُ تأسيس مدارس التعليم 103
    المرحلة الثالثة: تنظيمُ وتطويرُ التعليم 109
    المرحلة الرابعة: تقريرُ أوصاف أسلوب الدعوة 115
    الفصل الخامس: أهمُّ مجريات الفتن والمعوقات على طريق دعوة المجاهد 127
    الفرع الأول: شِعْبُ الجوف، وحادثةُ الافتراء الأثيم 131
    الفرع الثاني: محنةُ السجن العام على طريق تزكية الدعوة 135
    الفرع الثالث: السجنُ الخاص، ونتيجتُه الإيجابية 139
    الفرع الرابع: انتهاءُ المحنة دفاعُ الله يتدخل ليُنهي سجن إبراهيم (المجاهد في الحق) – رحمة الله وبركاته عليه – 143
    الفصل السادس: مقوماتُ التزكية والإخلاص في دعوة المجاهد 153
    التقرير الأول: التمهيدُ، الجاري عليه تقرير الإخلاص 157
    التقرير الثاني: انتصارُ الدعوة في تحطيم معاقل الأوثان 163
    الفرع الأول: معقل: (أ) – مزارُ قبر علي بن أحمد 165
    تأثير خطبة الجمعة بعد سقوط نصب القبر: 170
    كلمة حسن بن إسماعيل التعليقية بعد الصلاة: 176
    كلمة علي بن علي غوث: 177
    الفرع الثاني: معقل: (ب) – شايع حربي مزارُه المشهود ومحرابُه المرهوب 179
    تضرع إبراهيم بعد سقوط آخر وثن: 180
    استجابة الدعوة: 182
    الفصل السابع: مقوماتُ احتساب الدعوة في حياة المجاهد 187
    الفرع الأول: سيرةُ إبراهيم (المجاهد في الحق) تؤكد رفضَه أخذَ الأجور على الدعوة لهداية الناس 191
    الفرع الثاني: الصدعُ بالحق في ميدان المناظرة يحقق التطبيق العملي لحماية مقومات سلوك المعارضة في دعوة المجاهد 195
    والخلاصة: 202
    الفصل الثامن: مصوِّغاتُ ومقوِّماتُ دعوة المجاهد بين الأصالة والمعاصرة 209
    السبب الأول: 221
    والسبب الثاني: 222
    الفصل التاسع: توصيفُ حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية، وتقـريرُ الأبـجديات، وتصـنيـفُ المـرفقـات وتوصيفها 229
    الفرع الأول: توصيفُ حياة المجاهد العلمية والسِّيَرية 233
    الفرع الثاني: تقريرُ الأبجديات 237
    التمهيد: أبجديات المآثر، وتوجيهها 239
    تعريف الأبجديات: 239
    الفقرة الأولى: (أ) - صحيفةُ أصول منهج (المجاهد) في الدعوة 241
    الفقرة الثانية: (ب) – إعدادُ وتنفيذُ مقرر مادة الفقه في المدرسة الأندونيسية بمكة المكرمة 245
    الفقرة الثالثة: (ج) – إعـدادُ وتنفيذُ مقرر مادة التجـويد (مخطوطة) 249
    الفقرة الرابعة: (د) – تجريدُ وتهذيبُ كلمات شرح التقريب على (فتح القريب المجيب) في الفقه 259
    الفرع الثالث: تصنيفُ المرفقات، وتوصيفُها 267
    المرفق رقم: (1) 269
    المرفق رقم: (2) 271
    المرفق رقم: (3) 273
    المرفق رقم: (4) 275
    المستند الأول رقم: (43) 276
    المستند الثاني رقم: (45) 277
    المرفق رقم: (5) 278
    المستند الأول 279
    المستند الثاني 280
    المستند الثالث 281
    المستند الرابع 282
    المستند الخامس 283
    المرفق رقم: (6) 284
    الصفحة الأولى 285
    الصفحة الثانية 286
    المرفق رقم: (7) 287
    الصفحة الأولى 288
    الصفحة الثانية 289
    الفصل العاشر: تقريراتٌ فرعيةٌ عامة 291
    الفرع الأول: الحدثُ الجَلَل 295
    الفرع الثاني: خاتمةُ المِسك 299
    خلاصة كتاب: (المجاهد في الحق/ إبراهيم بن يحيى بن حسن الطَّيِّب) 305
    السيرة الذاتية لمؤلف كتاب: (المجاهد في الحق …) 319
    أولاً: البطاقة الشخصية: 319
    ثانياً: البطاقة التعليمية: 320
    ثالثاً: البطاقة الوظيفية: 321
    أهم الأعمال خارج الوظيفة الرسمية: 321
    المؤلفات والمنشورات: 323
    فهرست مواضيع الكتاب 329
    مُصَنَّفاتٌ للمؤلِّف 335






    مُصَنَّفاتٌ للمؤلِّف
    1. إبطالُ دعوى التمثيل في قَصص القرآن الكريم.اجتهادُ الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – ليس وَحْياً.
    2. بحوثٌ في علوم القرآن وتحقيقُ ارتباطها بمُقَومات حق التلاوة.
    3. القضاءُ وأهميتُه في الشريعة الإسلامية.
    4. كتابُ الثقافة القضائية (الذي بين أيدينا).
    5. المالُ ومقوماتُه في الشريعة والقانون.
    6. المجاهدُ في الحق/ (إبراهيم بن يحيى بن حسن الطيب).
    7. مدخلُ دراسة التحديات المستقبلية التي تواجه الأمة الإسلامية في المستقبل وتَحْديبُ عَولَمَة تقنينها.
    8. هَبَّاتُ عواصفِ الفِتَن ومُزْعِجاتِ المِحَن.











    صف وإخراج

    عبد العزيز الهاشمي

    هاتف موبايل
    [71658720]
    [73220480]

    بريد إلكتروني
    Alhashimy653@Maktoob.com

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على الموضوعات
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
Keep Track of Visitors
Stats Counter

IP