المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وجهة نظر
[OVERLINE][/OVERLINE]
الأخ / قاضي المظالم وفقه الله
قاعدة " ما ثبت بالكتابة لا يجوز إثبات عكسه إلا بالكتابة" هذه القاعدة محل نظر وتعقب ، لأنه مثلا لو اشترك اثنان في شراء أرض أو تكوين شركة وتم تسجيل الأرض أو الشركة باسم أحدهما لسبب ما ، فهذا لا يمنع الآخر من إثبات شراكته في الآرض أو الشركة بموجب شاهدين عدلين تكون شهادتهم خالية من القوادح وموصلة في محل النزاع ومعدلة شرعا *، وعلى هذا جرى عمل محاكم القضاء العام بالمملكة ، فهنا تم إثبات ملكية أحدهما منفردا بالكتابة وتم إثبات عكس ذلك بغير الكتابة !!
أخي الكريم: (وجهة نظر)
أشكر لكم مداخلتكم .. وسؤالكم الوجيه
ولعلي أضيف إلى هذه القاعدة ما يوضح ما قد يخفى من جوانبها القانونية المختلفة التي قد تبدو للوهلة الأولى مصادمة لقاعدة حرية الإثبات بكافة الوسائل ..
هذه القاعدة تشتهر بلفظ: (ما ثبت بالكتابة لا يجوز إثبات عكسه بغير الكتابة) وبعض القانونيين يعبر في جزئها الأخير بـ:(... عكسه إلاِّ بالكتابة) وبعضهم يعبر عنها بقوله: (قاعدة وجوب الكتابة في إثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي).
وعلى كل حال فالمقصود من القاعدة أنه إذا أراد شخص أن يثبت عكس ما تمت كتابته في دليل كتابي فإنه يجب أن يثبت هذا العكس عن طريق الكتابة.
وأساس ذلك أن يكون التصرف المراد إثبات عكسه تصرفاً مدنياً تمت كتابته من طرفين كالتعاقد مثلاً بيعاً أو إجارة أو رهناً أو وديعة أو جعالةً ونحو ذلك.
وهي ترتكز في تعليلها على أنه طالما احتاط الطرفان مقدماً لتعاملهما وأعدا لضبط الالتزام وحفظ الحق دليلاً كتابياً يشهد عليه رغم أن القانون لا يلزمهما في هذه الحال بإنشائه ولا بتقديمه؛ فإنه يمسي من غير الجائز مناقضة هذا الدليل أو الإضافة إليه إلا عن طريق الكتابة أيضاً. ويقولون: إنه من غير المعقول أن يقدم دليل أقل قوة من الدليل المراد مناقضته أو الإضافة إليه.
اقتصار القاعدة على المتعاقدين:
والقانونيون ينصون على حصر حكمها على المتعاقدين وخلفهما العام فقط، في حين يجيزون لمن يعتبر غيراً بالنسبة للتصرف المثبت بالمحرر أن يثبت عكس ما يشتمل عليه ذلك المحرر إما بالمناقضة الكلية لما أثبته المحرر أو بإثبات المجاوزة له في أحكامه، ويعللون ذلك بأنه في هذا الفرض أجنبي ومؤاخذته بما ثبت كتابته بين شخصين تكليفٌ له بما لا يطاق.
لذا فإن للقاعدة شروطاً وضوابط ينبغي توافرها لتصبح صالحةً للتطبيق:
1- أن يوجد دليل كتابي:
ويقصد به ما يعتبر من الأوراق دليلاً كاملاً، سواءً كانت أوراقاً رسمية، أو عرفية معدة للإثبات، ويضاف إليها الرسائل الموقعة من مرسلها، إذ تكسبها بعض القوانين قوة المحرر العرفي في الإثبات، أما ما دون ذلك من الأوراق غير المعدة للإثبات، كالأوراق المنزلية ، ودفاتر التجار، أو التأشير على السند، فإنها لا تخضع لحكم هذه القاعدة، وبالتالي يمكن إثبات عكسها بجميع وسائل الإثبات.
2- أن تكون الكتابة مثبتة لتصرف مدني:
أما لو كان المحرر المراد إثبات عكسه يثبت تصرفاً تجارياً فإنه من الممكن إثبات عكسه بأي وسيلة للإثبات.
3- أن يكون المراد إثباته يخالف أو يجاوز الكتابة:
لا تنطبق هذه القاعدة إلا إذا كان المراد إثباته مما يناقض أو يجاوز ما اشتمل عليه الدليل الكتابي.، بحيث يلزم – حتماً وبالضرورة – من إثبات ما يخالف الكتابة تكذيب أو مناقضة المكتوب في الورقة.
ومثال المناقضة التامة: لو كتب في عقد البيع أن البائع استوفى الثمن كاملاً، فلا يجوز له أن يثبت أنه لم يتقاضى إلا جزءاً منه إلا بالكتابة فقط.
ومثال مجاوزة ما ثبت بالكتابة: أن تكون المدة الإجارة المثبتة في العقد المحرر كتابةً بين طرفيها ثلاثة أشهر مثلاً، فيدعى المستأجر أنه قد اتفق مع المؤجر بعد توقيع العقد على أن تكون المدة خمسة أشهر. ومعنى المجاوزة: زعم الإضافة أو التعديل للمكتوب.
وهذا الشرط يخرج الحالات التي لم تتضمن الإدعاء المستلزم للمناقضة الكلية أو المجاوزة، وبالتالي لا خضع تلك الحالات لهذه القاعدة، ويصبح في مكنة المدعي إثبات ما يدعيه بكافة الطرق. وفرعوا على ذلك صوراً:
الصورة الأولى: ادعاء أحد المتعاقدين بعيب أو إكراه شاب رضاه وقوع غشٍ في التعاقد، وهنا يمكن له الإثبات بجميع الطرق، ذلك أن عيوب الرضا هي من قبيل الوقائع المادية ، والقاعدة لا يتعدى أثرها لغير الأحكام التي أعدت الورقة لإثباتها ، ومعلوم أن المحرر لم يعد في الأصل لإثبات وجود عيوب الرضا ولا لإثبات انعدامها.
الصورة الثانية: الأخطاء المادية التي اشتمل عليها المحرر الكتابي يمكن تصحيحها دون الحاجة إلى دليل كتابي بشرط ظهور الغلط واضحاً جلياً من الوهلة الأولى وبمجرد استعراض مضمون المحرر، ومن يتولى عملية التصحيح هو قاضي الموضوع.
وفي حال عدم القطع بوجود الغلط في دلالة المكتوب ، ولكن مضمون المحرر يدل على أنه الاحتمال الراجح، فإن للقاضي أن يطلب من مدعي الغلط استكمال هذه الدلالة بشهادة الشهود.
الصورة الثالثة: عدم ذكر تأريخ المحرر المعرفي أو أي بيان لازمٍ فيه، فإنه يمكن إقامة الدليل عليه بجميع الطرق.
الصورة الرابعة: ادعاء واقعة مستقلة لاحقة على ولادة التصرف أو المحرر ، ومن شأنها أن تؤدي إلى انقضاء الالتزامات الناشئة عنه. فإثبات تلك الواقعة لا يخضع لهذه القاعدة، لأن ادعاءها لا يتضمن – في حقيقته – إضافة أو تكذيبا لما هو مكتوب، كأن يدعي واقعة إبراء من صاحب الحق، أو سداد له فيما بعد. وبعض القانونيين يضيفون مثالاً آخر كأن يدعي نشوء حقٍ له في مواجهة الدائن فيما بعد المحرر ويتمسك بالمقاصة، وفي رأيي لا تعد هذه الحالة خروجاً عن القاعدة.
الصورة الخامسة: أن تطلب المحكمة إثباتاً تستهدف به الكشف عن النية لطرفي التصرف الثابت بالكتابة ، فهذه الحالة لا تعتبر إثباتاً لما يخالف أو يجاوز الدليل الكتابي، ومن ثم يمكن للمحكمة أن تستعين بأي وسيلة للإثبات بما في ذلك الشهادة.
أخي الكريم:
وبعد هذا الايضاح ... فإنه في رأيي:
لا تعتبر الصورة التي ذكرتها في سؤالك إشكالاً على القاعدة ، لأمور:
الأول: أن الصك كمحرر الرسمي -في هذه الحالة- لا يعدو أن يكون تسجيلاً لاحقاً للملكية وليس منشأً لتصرف المدني الذي وُلد أساساً قبل ذلك بواقعة البيع أو الهبة أو غير ذلك من أسباب الملكية ، ما يعني أن الكتابة في هذا المحرر ليست هي الكتابة المعدة أساساً لإثبات التصرف المدني ، ولجوء مدعي الشراكة للشهادة هو عودة لمنشأ التصرف المُكسب للملكية بعيداً عن إجراءات التوثيق.
ولذا فإنه لو وجد عقد بيع للأرض – محل الواقعة – بين طرفين (بائع ومشترٍ) وبعد أن سجلت بصك كاتب العدل للأخير جاء ثالث وادعى شراكة من سجلت باسمه كان طعنه في محرر البيع العرفي هو ما يدخل في موضوع هذه القاعدة ، وهو كما مرَّ معنا – سالفاً – لا يعد خروجاً من القاعدة لأنها لا تنطبق أساساً إلا بين طرفي التصرف المدني وهذا الطاعن من الغير لذا يجوز له إثبات الشراكة بجميع وسائل الإثبات بما في ذلك الشهادة.
الثاني: وهو مأخوذ من الأول أن القاعدة لا تسري إلا على تصرف مدني موثق بالكتابة بين طرفين وسؤالك يتعلق بطعن ثالث في دليل كتابي ليس طرفاً فيه ، نعم الأرض تخصه لكن الصك لم يعد كوثيقة كتابيه مبرمة بينه وبين شريكه.
الثالث: أن دلالة الصك على ملكيته لشخصٍ واحد هي دلالة قطعية بالنسبة لذلك الشخص الذي سجلت الملكية باسمه ، لكنها ليست كذلك في نفيها للشريك فجاز لمدعي الشرِك إثباته بكافة وسائل الإثبات.
الرابع: إدعاء الشراكة باعث لمحكمة الموضوع على إعمال الصورة الخامسة التي مضى بيانها للكشف عن النية ، وتلك الصورة ولئن كانت غير منطبقة تماماً على الواقعة محل السؤال إلاَّ أنه يمكن التخريج عليها بقليلٍ من التأمل ، أساس ذلك: أنه إذا كان جائز للمحكمة اللجوء لدليلٍ غير كتابي للكشف عن النية لطرفي الكتابة ، فإنه يصبح في سلطتها أن تأذن للغير بأن يطرق سمعها بدليلٍ غير كتابي يثبت لها واقعة جديدة ويكشف لها – في الوقت ذاته – عن وجود نية التوثيق بخلاف أحكام تلك الواقعة ، لأنها بذلك لا تتجاوز ولا تناقض مكتوباً بين طرفين وإنما تستبين حقيقة التسجيل.
ولعل أخونا سيادة القانون يتحفنا برأيه فهو المتخصص في القانون المدني وبالتالي هو رب هذه القاعدة.
والله أعلم.