حكم بيع أعضاء الإنسان

التمهيد: بيع الأعضاء إذا قيل بجواز نقلها مبني على مسألة بدن الإنسان هل هو ملكٌ له ويندرج تحت هذا نقاط:
1- بدن الإنسان هل هو مملوك له ، أو هو وصيٌ وأمينٌ عليه ، وهل هو حقٌ لله أو حقٌ للعبد ، أو حقٌ مشترك.
2- إذا قيل باجتماع الحقين فإن تغليب أي منهما يختلف باختلاف الأحوال والتصرفات.
3- ومعلومٌ أن ما اجتمع فيه الحقان فإن إسقاط العبد لحقه مشروطٌ بعدم إسقاط حق الله تعالى ، فإن حق الله تعالى هو الغاية من خلق الآدميين ، فليس للإنسان حق التصرف في بدنه بما يضر في الغاية من خلقه.
آراء العلماء في حكم بيع الأعضاء:
القول الأول الجواز :
والأدلة على الجواز هي:
1-قياسا على لبن الآدميات. فقد قال الشافعية والحنابلة يجوز بيع لبن المرأة في قدح .
وأجيب بأنه قياس مع الفارق لأن اللبن من مفرزات الجسم وهو يتجدد وبقاؤه في ثدي المرأة مؤذٍ لها بخلاف الأعضاء التي هي مقومات الجسد البشري.
2- قياسا على أخذ الدية الواجبة في الأعضاء عند إتلافها.
والجواب أن كمال العقول والأجسام من حق الله تعالى في العباد لا من حقوق العباد بدليل أنه لم يجعل إلى اختيارهم فلا يصح للعبد إسقاطه. وأما أخذ المال مقابل فوت جزءٍ منها فلأنه حصل من غير كسبه ولا تسببه فهنالك يتمحض حق العبد إذ ماوقع لا يمكن رفعه فله الخيرة حينئذٍ لأنه صار حقاً مستوفى في الغير كدينٍ من الديون .
3- قياساً على بيع الرقيق فإذا جاز بيع الكل جاز بيع البعض.
والجواب: أن وجود الرق حالة استثنائية تقتضيها المصلحة التي يقدرها ولي الأمر، ثم إن الإسلام حض على إعتاق الرقيق وجعله كفارةً لكثيرٍ من الأخطاء كالحنث في اليمين وغيره. وبيع الرقيق لا يعني أنه لا يتمتع بحق الحياة أو إباحة الاعتداء عليه فقد جعل الإسلام كفارة من لطم وجهه على عبده عتقه . وفي الحديث: من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم .
2- القول الثاني: لا يجوز بيع الأعضاء وهو ما أفتى به المجمع الفقهي:
الأدلة على التحريم:
أ- أن أعضاء الإنسان ليست ملكاً له ، ولم يؤذن له ببيعها شرعاً فيكون بيعها داخلاً في بيع الإنسان مالا يملك.
ب- أن بيع الإنسان لأعضائه فيه امتهانٌ له ، والله عز وجل مكرم له فخالف مقصود الشرع من هذا الوجه. ولذلك نجد الفقهاء يعلل أكثرهم حرمة البيع بتكريم الله للإنسان قال الشيخ علاء الدين الحصكفي (رحمه الله) عند بيانه لما لا يجوز بيعه:وشعر الإنسان لكرامة الآدمي ولو كان كافراً .وفي حاشية ابن عابدين 5/215: وإن قال له : اقطع يدي وكلها لا يحل لأن لحم الإنسان لا يباح في الاضطرار ولكرامته. وفي الفتاوى الخانية 3/404 : مضطر لايجد الميتة وخاف الهلاك فقال له رجل: اقطع يدي وكلها لا يسعه الأمر. وفي الفتاوى الهندية 5/354 : الانتفاع بأجزاء الآدمي لم يجز قيل للنجاسة ، وقيل لكرامته وهو الصحيح. وفي الفتاوى البزازية 6/365 : يكره معالجة الجراحة بعظم الإنسان …لأنها محرمة الانتفاع. وفيها أيضاً ص366: خاف الهلاك جوعاً فقال له آخر: اقطع يدي وكلها ليس له ذلك لأن لحم الإنسان لا يباح حال الاضطرار لكرامته.
وقال القرافي في الفروق 1/141 : وحرم القتل والجرح صوناً لمهجة الإنسان وأعضائه ومنافعها عليه ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يعتبر رضاه ولم ينفذ إسقاطه. وقال الشاطبي في الموافقات 2/376 : إن إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام من حق الله تعالى في العباد لا من حقوق العباد ..فإذا أكمل الله تعالى على عبدٍ حياته وجسمه وعقله الذي به يحصل ما طلب به من القيام بما كلف به فلا يصح للعبد إسقاطه.
وفي روضة الطالبين 3/285 : ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره ولا للغير أن يقطع من نفسه للمضطر. وفي مغني المحتاج 4/400 : ويحرم جزماً على شخصٍ قطعه بعض نفسه لغيره من المضطرين.
وفي كشاف القناع 6/198 : وإن لم يجد المضطر إلا آدمياً محقون الدم لم يبح قتله ولا إتلاف عضوٍ منه. وفي مجلة المجمع عدد4 ج1 ص1: قال الدكتور البار: أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع الأعضاء من الحر.
هل يجوز بيع أعضاء من لا يتمتع بحياة محترمة كالمحكوم عليه بالموت والمرتد والزاني المحصن والمحارب.
1- القول الأول: يجوز ، وقال به الدكتور: محمد سعيد البوطي.
2- القول الثاني: لا يجوز ، وبه صدر قرار المجمع الفقهي.
أدلة القائلين بالجواز:
أ- بناءً على قاعدة يتحمل أخف الضررين لدرء أشدهما ، لأن حياة المعصوم محترمة فتصان بإزالة حياةٍ غير محترمة.
ب- عملاً بقول الشافعية والحنابلة بجواز أكل المضطر المحصن من جسد غير المحصن إذا كان في ذلك إنقاذ حياة هذا المعصوم المحصن.
ج- أن حياة المعصوم إحدى الضرورات الخمس فتصان ، والمحافظة على عضو من لا يتمتع بحياة محترمة من الحاجيات التي أهدرتها الضرورة.
وبناءً على القول بالجواز فمن يملك القرار بأخذ العضو هل هو الرجل نفسه أم الورثة أم الوالي ؟ أما الرجل صاحب العضو فلا يملك حق التصرف بحياته وأعضائه ، وأما الورثة فليس لهم الحق في ذلك في حياته وبعد موته وينحصر حقهم في تركته . وأما الوالي فقيل: له الحق في ذلك ، لأنه المخول بالأمر بتنفيذ الحكم بالوجه الشرعي الذي ينفذ به ، ولأن له الولاية العظمى على مصالح المسلمين ، ولكن هذا مردودٌ بأنه ليس من حقه أن يبيع ما لا يملك.
أدلة القائلين بالتحريم:
1- لأن ذلك ليس من حق الشخص ، لأنه بيعٌ لما لا يملك ، فإن جسد الإنسان ملكٌ لله. ولا من حق ورثته كما سبق ، ولا من حق الحاكم لأنه يبيع ما لايملك وليس ثمة ما يخوله ذلك شرعاً.
2- أنه مخالفٌ لتكريم الله تعالى لجنس الآدمي.
وقد أصدر المجمع الفقهي قراراً ومما جاء فيه:
سابعاً: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها مشروطٌ بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو ، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحالٍ ما. أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأةً وتكريماً فمحل اجتهادٍ ونظر.

المراجع :
1- البيوع الشائعة وأثر ضوابط المبيع على شرعيتها د/ محمد توفيق البوطي.
- أحكام الجراحة الطبية د/ محمد المختار .
3- أبحاث هيئة كبار العلماء ج1.
4- مجلة المجمع عدد (4) ج1 .
5- انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسانٍ آخر د/ محمد البار.