الشرط الجزائي
قرار هيئة كبار العلماء رقم (25) وتاريخ (31/ 8/1394هـ)

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:
فبناءً على ما تقرر في الدورة الرابعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين (28/ 10 و14/ 11 / 1393هـ) من الرغبة في دراسة موضوع (الشرط الجزائي) فقد جرى إدراجه في جدول أعمال الهيئة في دورتها الخامسة ، المنعقدة فيما بين(5 و22/ 8 / 1394 هـ) في مدينة الطائف .
ثم جرى دراسة الموضوع في هذه الدورة بعد الاطلاع على البحث المعد في ذلك من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
وبعد مداولة الرأي والمناقشة ، واستعراض المسائل التي يمكن أن يقاس عليها الشرط الجزائي ، ومناقشة توجيه قياسه على تلك المسائل والإيراد عليه ، وتأمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (سورة المائدة الآية 1) وما روي عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "المسلمون على شروطهم ، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً". ولقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط" .
والاعتماد على القول الصحيح من أن الأصل في الشروط الصحة ، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً .
واستعراض ما ذكره أهل العلم من تقسيم الشروط في العقود إلى:
صحيحة وفاسدة .
وتقسيم الصحيحة إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: شرط يقتضيه العقد ؛ كاشتراط التقابض ، وحلول الثمن .
الثاني: شرط من مصلحة العقد ؛ كاشتراط صفة في الثمن ؛ كالتأجيل ، أو الرهن ، أو الكفيل به ، أو صفة في المثمن ؛ ككون الأمة بكراً .
الثالث: شرط فيه منفعة معلومة وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته ، ولا منافيا لمقتضاه ؛ كاشتراط البائع سكنى الدار شهراً .
وتقسيم الفاسدة إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: اشتراط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقداً آخر ؛ كبيع ، أو إجارة ، أو نحو ذلك .
الثاني: اشتراط ما ينافي مقتضى العقد ؛ كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه ، أو ألا يبيع أو يهب ولا يعتق .
الثالث: الشرط الذي يتعلق به العقد ؛ كقوله: بعتك إن جاء فلان .

وبتطبيق الشرط الجزائي عليها ، وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد ، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له ، والاستئناس بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قال لكريَّه: أدخل ركابك ، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج ، فقال شريح: "من شرط على نفسه طائعاً غير مكروه فهو عليه" . وقال أيوب عن ابن سيرين: أن رجلاً باع طعاماً وقال: إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع ، فلم يجئ ، فقال شريح للمشتري: "أنت أخلفت" فقضى عليه .
وفضلاً عن ذلك فهو في مقابلة الإخلال بالالتزام ، حيث إن الإخلال به مظنة الضرر ، وتفويت المنافع ، وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله ، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود تحقيقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (سورة المائدة الآية 1)
لذلك كله فإن المجلس يقرر بالإجماع:
أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر ، يجب الأخذ به ، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعاً ، فيكون العذر مسقطاً لوجوبه حتى يزول .
وإذا كان الشرط الجزائي كثيرٌ عرفاً ، بحيث يراد به التهديد المالي ، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية ؛ فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف ، على حسب ما فات من منفعة ، أو لحق من مضرة .
ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر ؛ عملاً بقوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (سورة النساء الآية 58) وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (سورة المائدة الآية 8) ، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على محمد , وعلى آله وصحبه وسلم .