مَرَّتْ وزارة العدل الموقرة بتجربة فريدة خلال عامي 1423 – 1424 هـ باحتضانها لجان إعداد اللوائح التنفيذية لأنظمة: المرافعات الشرعية، الإجراءات الجزائية, المحاماة, السجل العيني للعقار.

هذه اللجان التي أخرجت ما سيسطره لها التاريخ القضائي في المملكة العربية السعودية في صفحاته البيضاء باقتحامها مجالي: التنظيم, والتقنين الإجرائي لما احتوته تلك النظم, وإنجازها ما يفتقر إليه قضاة المحاكم, وما يؤمله أصحاب الحاجات من توحيد إجراءات الترافع في جميع المحاكم وفي جميع القضايا.

وقد أشرف على إدارة اللجان مجموعةٌ فاضلة من الإخوة النبلاء, وشاركهم خوض غمار البحث في بطون الكتب الشرعية والتنظيمية والقانونية مجموعةٌ فذة من خيار القضاة الشباب من جميع مناطق المملكة دون استثناء؛ الذين لا يزالون يأملون الإذن لهم باحتمال مهامَ قضائيةٍ أكبر, ويشاركهم في ذلك التطلع الكثيرُ من القضاة في سائر الأرجاء من هذا الوطن الحبيب. فجهود جميعهم معلومةٌ غير مغمورة, وإسهاماتهم كلهم مشكورةٌ غير مكفورة.

وخير ما أبرزته تلك التجربة الناجحة الفريدة أنها أعطت الثقة لمنسوبي الوزارة بأنفسهم, ومن مقام الوزارة بمنسوبيها. الأمر الذي يُطَمْئِنُ قيادة الوزارة الموقرة على أيٍ من مشاريعها المستقبلة؛ سواءٌ في التنظيم الإداري أو القضائي أو تحديث أيٍ منهما.

ولا يفوتني: أن أشيد بالدور الفاعل والفاضل لمعالي وزير العدل الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ في ضمان سرعة وسلامة الإنجاز, الذي ما فتئ يرعى تلك اللجان بنفسه وعبر فضيلة وكيله الدؤوب الشيخ عبد الله اليحيى, وبتوجيهات معاليه لجميع مسؤولي الوزارة بتذليل عقبات العمل قدر الطاقة, فجزاه الله خيراً, وكتب ذلك في موازين حسناته هو وأعوانه إنَّ ربي سميع مجيب.

ولإعطاء إضاءةٍ على ما يمكن أن يتيسر به عمل أيِّ لجنةٍ يوكل إليها أمر التحضير للقانون السعودي - بعد تيسير الله لها - ألخص خطة العمل في النقاط التالية:
1 ـ تحضير خلية العمل تحضيراً جيداً من حيث: الأجهزة, الأدوات المكتبية, والوظائف الإدارية المدربة.

2 ـ ندب مجموعة منتقاة من القضاة والباحثين للعمل في اللجنة, وتثبيتهم فيها حتى انتهاء العمل.

3 ـ توجيه جميع المؤسسات القضائية بالتعاون الجاد مع اللجنة فيما تحتاج إليه مما هو داخل اختصاصها.

4 ـ تقسيم اللجنة إلى مجموعات: الحصر, التصفية, المجانسة, التلخيص, الربط, الصياغة, والتدقيق.

5 ـ مهمة مجموعة الحصر: جمع القرارات الشرعية الصادرة من كلٍ من: سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ, يرحمه الله, هيئة كبار العلماء, المجمع الفقهي, مجلس القضاء الأعلى, محكمتي التمييز في مكة المكرمة والرياض, واللجنة الدائمة للإفتاء.

6 ـ مهمة مجموعة التصفية: فرز القرارات, والاستغناء عن المكررات وما لا دخل له في مواد القانون.

7 ـ مهمة مجموعة المجانسة : ضم القرارات ذات الموضوع الواحد إلى بعضها؛ أياً كان مصدرها.

8 ـ مهمة مجموعة التلخيص: اقتطاع نص الحكم الفقهي وتسبيباته من صلب القرار, مع إبقاء المجانسة السابقة.

9 ـ مهمة مجموعة الربط: وصل الأحكام المقتطعة من القرارات بعد تلخيصها بما يقابلها من مواد في أيٍ من الذخائر التالية: مجلة "الأحكام الشرعية" للشيخ أحمد القاري, مجلة "الأحكام العدلية", مواد القانون الأردني, الإماراتي, والكويتي.
وفي هذه المرحلة يجتمع أعضاء كامل المجموعات؛ لمدارسة العمل, وتطعيمه بالتجارب التي مروا بها في عملهم, وكذا التي علموا بها من زملائهم, وتضمينها في مواد القانون قبل الصياغة.
وقد يكون من اللائق استكتاب قضاة المحاكم للمشاركة في المشروع - وهم في أماكنهم - بإرسال ما لديهم من أحكامٍ موثقةٍ بالدليل أو التعليل, وكذا وجهات النظر المخالفة لما يصدر من أحكامٍ بالأكثرية في القضايا المشتركة, وكذا الإجابات على قرارات محكمة التمييز المختصة أو الهيئة الدائمة في مجلس القضاء الأعلى بشأن الملحوظات المستدرك بها على أحكامهم؛ إن كانت تتضمن أدلةً أو تعليلاتٍ لافتةً؛ دون النظر إلى كون تلك الأحكام, أو وجهات النظر, أو الإجابات قد حظيت بتأييد جهات التدقيق, أو لم تحظ به.

10 ـ مهمة مجموعة الصياغة: التوفيق بين أحكام القرارات ونصوص مواد الذخائر السالفة بصياغةٍ أوليةٍ تجمع بين الفرائد اللغوية والاستثناءات والقيود الاحتياطية, مع بيان وجه الاختلاف في الأحكام.

11 ـ مهمة مجموعة التدقيق: مراجعة الأعمال التي ترد إليها من مجموعة الصياغة, وتعديل ما يلزم تعديله منها, وربط المواد ببعضها؛ إن كان لها ارتباطٌ في مواضع متعددة من أبواب القانون.

12 ـ عرض المشروع برمته على اللجنة العلمية للتدقيق النهائي, ولاختيار أرجح الأقوال في المسائل الخلافية, ولتطعيم القانون بالاختيارات الفريدة من جميع الفقهاء المجتهدين, ولتعيين المبادئ العامة والقواعد المعتمدة للقانون, ويراعى اشتمال هذه اللجنة على كوادرَ قضائيةٍ متميزةٍ وعلى كفاءاتٍ وطنيةٍ في مجال القانون.

وأني لمتفائلٌ بألا يستغرق إنجاز المشروع - على هذا النحو - أكثر من سنةٍ واحدةٍ, بإذن الله؛ لننعم بسماع الأمر السامي الكريم باعتماد أول قانونٍ سعوديٍ شاملٍ مستمدٍ من أحكام الشريعة الإسلامية الراجحة من جميع المذاهب المعتمدة.

ولا بد من إبقاءِ اللجنة كاملةً مدة خمس سنواتٍ لاحقة في عملها؛ لتلقي الاستفسارات والإجابة عنها, ولتدارس الإشكالات والعمل على حلها, ولرصد النواقص والثغرات؛ والتهيئة لإضافتها إلى القانون في تجديده السنوي.

سيكون هذا القانون - بفضل الله - أحدثَ وأشملَ وأكملَ قانونٍ إسلاميٍ على وجه الأرض حتى ساعة اعتماده, وَسَيَدِيْنُ المسلمون كلهم بالفضل بعد الله لهذه الدولة المباركة؛ التي كما أسعدها الله بخدمة الحرمين الشريفين, وكما أسعد الله بها المسلمين في جميع أرجاء الأرض, فسيسعدها الله - إن شاء الله تعالى - بخدمة الشرع الشريف والدين الحنيف؛ في خُطوةٍ لا يُساميها قبلها أيُّ خطوةٍ أخرى مشابهةٍ بعد توحيد المسلمين على مصحفٍ واحدٍ في عهد ذي النورين عثمان بن عفان, رضي الله عنه وأرضاه.

ومتى اكتمل (القانون السعودي) السعيد, وتوافرت له طباعةٌ وإخراجٌ متميزان كان للدولة أن تفخر به, وأن تدرجه في مكتبات العالم مترجماً إلى اللغات التي يتكلم بها المسلمون في أنحاء المعمورة.

وأرى في مقامي هذا - إن شاء الله تعالى - أن ذلك سيجعله قانوناً إسلامياً قابلاً للتطبيق والتعميم في بلادٍ كثيرة من بلاد المسلمين وبين الجاليات المسلمة في البلاد الأخرى؛ خلال سنواتٍ قلائلَ من صدوره وتطبيقه واقعاً ملموساً. والله من وراء القصد.


http://www.cojss.com/article.php?a=103