المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ضمان الجاني لأجر المجني عليه مدة توقفه عن العمل بسبب الجناية



الزغيبي
23-10-2009, 02:54 PM
مسائل قضائية
(5)
في ضمان الجاني لأجر المجني عليه مدة توقفه عن العمل بسبب الجناية


هل يضمن الجاني أجر المجني عليه مدة توقفه عن العمل بسبب الجناية ، إضافة إلى الأرش ، أم لا ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول :
لا يضمن الجاني أجر المجني عليه مدة توقفه عن العمل بسبب الجناية ، وبه قال الجمهور الحنفية ، والمالكية ، والصحيح عند الشافعية ، والحنابلة ، وذلك تخريجاً على مسألة حبس الحر
قال السرخسي من الحنفية : (( إذا حبس حراً لا يضمن منافعه لأنه لم يوجد من الحابس اتلاف منافعه ))(66) .
وقال الخرشي من المالكية : (( وكذلك منفعة بدن الحر لا يضمنها الغاصب إلا بالتفويت، والمراد به الاستيفاء وهو .... استعمال الحر بالاستخدام أو العمل ، ولا شيء عليه حيث عطله عن العمل))(67).
وقال الرملي من الشافعية : (( وكذا منفعة بدن الحر لا تضمن إلا بالتفويت في الأصح دون الفوات كأن حبسه ولو صغيراً .... فإن أكرهه على العمل لزمت أجرته )) (68) .
وقال البهوتي من الحنابله : (( وإن منعه .... العمل من غير حبس فلا ضمان عليه في منافعه )) (69) .
وبه قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم حيث قال : (( وأما أجرة مدة تعطله بالمعالجة شهرين .... فلا أعلم استحقاقه الرجوع به على من دعمه )) (70) .
وبه قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حيث قال : (( لم أجد للأصحاب كلاماً في تضمين الجاني منفعة المجني عليه مدة احتباسه بالجناية ، والذي تقتضيه القواعد أن يقال : .... وأما إن كانت الجناية عمداً فهذه إن أوجبت قصاصاً أو دية مقدرة أو حكومة فليس فيها سوى ما توجبه الجناية ، ولا يضمن الجاني سوى ذلك ؛ لأن الشارع أوجب ذلك في مقابلة ما فات من عضو أو منفعة )) (71) .
ورجحه د . عبدالله بن عبدالواحد الخميس (72) .

القول الثاني :
يضمن الجاني أجر المجني عليه مدة توقفه عن العمل بسبب الجناية ، وبه قال ابن رحال من المالكية (73) ، وإليه ذهب بعض المتأخرين (74) .

الأدلة :

يمكن الاستدلال للقول الأول بأدلة منها :
قياس ما ليس فيه مقدر على ما فيه دية أو مقدر شرعاً ، فكما أنه لا يلزم الجاني فيما فيه ديه أو مقدر شرعاً سوى المقدر ، فكذلك لا يلزم إلا الأرش فيما لا مقدر فيه ، وقد سبق في المسألة الرابعة ذكر الاتفاق على أن ما فيه مقدر لا يلزم الجاني غيره .

وأستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها :
1 ـ قياس المجني عليه الذي حبسته الجناية عن العمل على المحبوس ، فكما أنه يلزم الحابس ما فات المحبوس من منفعة ، فكذلك يلزم الجاني ما فات المجني عليه من منفعة بالجناية التي حبسته عن العمل .
وأجيب عن ذلك : بأن الزام الحابس بما فات المحبوس من منفعة بمجرد الحبس غير مسلم ، وإنما يضمن الحابس باتلاف منافع المحبوس عند الحنفية ، وبإستعمالها عند المالكية ، وبتفويتها عند الشافعية كما سبق ذكره ، ولو سلمنا أنه يلزم الحابس ما فات من منفعة المحبوس بمجرد الحبس كما هو قول الحنابلة ، فإنه قياس مع الفارق ؛ لأن المجني عليه قد استحق بالجناية عليه قصاصاً أو دية أو مقدراً أو أرشاً ، بخلاف المحبوس الذي يستحق ما فاته من منفعة .
2 ـ استدلوا بقاعدة الضرر يزال .
3 ـ أن الزام الجاني بأجرة المجني عليه مدة احتباسه بالجناية من التعزير بالمال ، والتعزير بالمال مشروع .
4 ـ أن مقتضى العدل ، وإحقاق الحق يقتضي المماثلة بين التعويض والضرر ، ومقتضى المماثلة التعويض عن جميع الأضرار ، ومن ذلك الأجر الذي فات المجني عليه .

وقد سبق وجه الدلالة من الدليل الثاني والإجابة عليه وعلى الدليلين الثالث والرابع في المسألة الرابعة.

الراجح ، ووجه الترجيح :
من خلال ما سبق يترجح لي القول الأول ، وذلك لما يلي :
1 ـ للإجابة الواردة على أدلة القول الثاني .
2 ـ للأدلة المتوافرة على حرمة مال المعصومين ؛ إلا برضى نفس ، أو سبب مشروع .
3 ـ أن الشريعة الإسلامية سوت بين الصغيروالكبير ، والعالم والأمي ، والشريف والوضيع في الدية والأرش ، وهذا مقتضى العدل ، فتقتضي العدالة المساواة بين العامل ومن كان دون عمل ، وهذا المسلك يؤمن الاستقرار للأحكام ، ويبعد عنها الارتجال والإختلاف .

فإذا ترجح القول بأن المجني عليه لا يستحق أجرة خلال مدة علاجه ، فمن باب أولى لا يستحق مقدار نقص راتبه بعده ؛ لأن حصوله على ما ذكر أمر محتمل يتوقف على أداء العمل الذي يستحق عليه الأجر ، وقد يعرض له ما يمنعه ، ولما سبق تقريره من أنه ليس له شرعاً إلا ما أوجبت الجناية .
وكتبه:
إبراهيم بن صالح الزغيبي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(66) المبسوط ، للسرخسي ، ج 11 ، ص 78.
(67) شرح مختصر خليل ، للخرشي ،ج 6 ،ص 143 ، وانظر: التاج والإكليل ، للحطاب ، ج 7 ، ص 339 ؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، ج 3 ، ص 544 .
(68) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ، محمد بن شهاب الدين الرملي ، دار الفكر ، ج5 ، ص171 ، وانظر : تحفة المحتاج ، للهيتمي ، ج6 ، ص30 ؛ مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، محمد بن أحمد الشربيني الخطيب ، دار الكتب العلمية ، ج3 ، ص353 .
(69) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج4 ، ص87 .
(70) مجموع فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج11 ، ص342 ، مسالة رقم 3543 .
(71) المنتقى من فرائد الفوائد ، محمد بن صالح بن عثيمين ، دار الوطن للنشر ، الرياض ، ط الثانية ، 1411هـ ، ص162 .
(72) انظر: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ، علاج المجني عليه وتعطله وفوات الفرصة عليه ، د. عبدالله بن عبدالواحد الخميس ، السنة السادسة عشرة ، رجب ـ شعبان ـ رمضان ، 1425هـ ، ص74.
(73) انظر : البهجة في شرح التحفة ، لأبي الحسن علي بن عبدالسلام التسولي ، دار المعرفة ، بيروت ، ط الثالثة ، 1387هـ ، ج2 ، ص 354 ـ355 .
(74) انظر : الفعل الضار ، مصطفى الزرقا ، ص 120 ؛ نظرية الضمان ، للزحيلي ، ص24ـ25 ، 101 .

ابن حزم
26-10-2009, 08:40 PM
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً

الزغيبي
18-02-2010, 06:52 PM
صاحب الفضيلة ابن حزم وجزاك الله خيرا .

سيادة القانون
21-02-2010, 11:03 PM
جزاك الله خير بحوثك قيمة