المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحراسة القضائية على الشركات



عرفات تركى
04-06-2014, 10:19 AM
الحراسة القضائية على الشركات: سلاح ذو حدين


الحراسة القضائية هي وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ويتهدده خطر عاجل، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته مؤقتا ثم رده إلى من يثبت له الحق فيه. وأن الحراسة القضائية بهذا المفهوم هي إجراء تحفظي وقتي وقائي لصيانة الحقوق وحفظها من الضياع ولايجوز فرضها إلا في حالات استثنائية معينة وبشروط معينة. ولقد نظمت أحكام المواد من (239) إلى (245) من نظام المرافعات الشرعية موضوع الحراسة القضائية، ولسنا هنا بصدد شرح هذه الأحكام من شتى جوانبها المختلفة، فهذا أمر لا يحتمله مقال، بل يحتاج إلى سفر خاص. وإنما نهدف من هذا المقال إلى تسليط الضوء على بعض الجوانب المتعلقة بفرض الحراسة القضائية على الشركات التجارية، لأن لها أبعادا مالية، اقتصادية، واجتماعية خطيرة. ولقد لاحظت من خلال عملي كمحام في بعض قضايا منازعات الشركاء في الشركات العائلية أن بعض المتقاضين إما أنهم لا يدركون الآثار الخطيرة للحراسة القضائية ويتخذون من المطالبة بفرضها على الشركة موضوع النزاع وسيلة ضغط بهدف إجبار خصومهم على الإذعان لمطالبهم. أو أنهم يدركون أخطار الحراسة، ومع ذلك يصرون على طلب فرضها على الشركة بدافع من نوازع البغضاء واللدد في الخصومة، كما أن بعض الجهات القضائية قد تهدد أحيانا بفرض هذه الحراسة على الشركة إن لم يتفق الخصوم على تسوية خلافاتهم صلحا. ولا شك أن حث الخصوم على الصلح أمر محمود، ولكن لا يصح في تقديري أن يكون مقرونا بمثل هذا التهديد لسببين، الأول أن الجهة القضائية تكشف بذلك عن قناعتها واتجاهها، والمفروض أن القاضي ملزم بعدم إظهار ما يضمره من قناعات تكون قد تكونت لديه قبل النطق بالحكم في القضية. والسبب الثاني أنه لا يمكن للخصوم التفاوض من أجل تحقيق صلح مشرف ومتوازن تحت التهديد بالحراسة القضائية، لأن الخصم الذي يحسب أن الحراسة في مصلحته سيتخذ من هذا التهديد منطلقا للتشدد في مواقفه والإسراف في مطالبه وشروطه فيصعب على الخصم الآخر قبولها، وبالتالي يصبح الصلح بعيد المنال.

ويجب على الجهة القضائية التروي وتوخي الحذر قبل الحكم بفرض الحراسة القضائية على الشركة موضوع النزاع، وأن تقدر النتائج المترتبة على فرضها في ضوء ظروف وأوضاع الشركة، بحيث إذا كانت النتائج المترتبة على فرض الحراسة أشد ضررا على الشركة من بقائها بدون حراسة، فإنه يتعين عندئذ الحكم برفض دعوى الحراسة القضائية إعمالا للقاعدة الشرعية التي تقضي بأن "يدفع الضرر الأشد بالضرر الأخف". فمثلا لو أن شركة تعمل بصورة منتظمة وتحقق أرباحا ويقوم نشاطها الأساسي على عقود وكالات تجارية مبرمة مع شركات أجنبية لتوزيع وبيع منتجاتها في السوق السعودية، وثار خلاف بين الشركاء حول حساباتها أو إدارتها وفرضت الجهة القضائية المختصة الحراسة القضائية على الشركة بناء على طلب أحد الشركاء، فإنه سيترتب على ذلك نتائج ضارة وخطيرة يمكن تحديدها على النحو التالي:

1. قيام الشركة الأجنبية الموكلة بإلغاء عقود الوكالات التجارية، لأن هذه العقود تحدد عادة حالات إلغائها ومنها فرض الحراسة القضائية.

2. قيام البنوك التي تتعامل مع الشركة بتجميد جميع حسابات الشركة لديها ووقف التسهيلات المصرفية الممنوحة للشركة، بل والمطالبة الفورية بسداد جميع الديون المترتبة عليها لهذه البنوك.

3. وترتيبا على ما تقدم ستدخل الشركة في مرحلة الإفلاس ثم التصفية، ما يؤدي إلى إنهاء خدمات جميع العاملين في الشركة والذين قد يصل عددهم إلى الآلاف فيفقدون هم وعائلاتهم موارد أرزاقهم لفترة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.

ولذلك فإنه يتعين عدم وضع الشركة تحت الحراسة القضائية إن كان ذلك سيؤدي إلى انهيارها وتصفيتها، لأن القاعدة الشرعية تقضي بأن "درء المفاسد أولى من جلب المنافع".

ومن خلال استقراء بعض المراجع الفقهية وبعض الأحكام القضائية السعودية وغير السعودية بشأن دعاوى الحراسة القضائية على الشركات يمكن استخلاص أبرز المبادئ التي تحكم هذا الموضوع، وذلك على النحو التالي:

1. لا يجوز فرض الحراسة القضائية إلا في حالة وجود نزاع جدي بين الشركاء وخطر عاجل محدق بالشركة لا يمكن درؤه إلا بالحراسة القضائية. والعبرة بالخطر هو الخطر المحدق بالشركة المطلوب فرض الحراسة عليها وليس مجرد اعتبارات تخص المدعي.

2. لا يجوز فرض الحراسة القضائية إلا في حالة وجود نزاع جدي بين الشركاء وخطر عاجل محدق بالشركة لا يمكن درؤه إلا بالحراسة القضائية. والعبرة بالخطر هو الخطر المحدق بالشركة المطلوب فرض الحراسة عليها وليس مجرد اعتبارات تخص المدعي.

3. أن يكون طلب الحراسة مقدما من الشركاء الذين يملكون أغلبية حصص أو أسهم رأس المال. فلا يجوز فرض الحراسة القضائية على الشركة إذا كان طالب الحراسة لا يملك إلا جزءا يسيرا من رأس المال حتى لا يلحق الضرر بالشركاء المالكين لأغلبية رأس المال.

4. إن مجرد اختلاف الشركاء حول حسابات الشركة ليس مبررا كافيا لفرض الحراسة القضائية، لأن هذا الخلاف يمكن حله عن طريق تعيين خبير مالي يدقق حسابات الشركة ويحدد حقوق الشركاء.

5. لا يجوز فرض الحراسة القضائية إذا كان الغرض من طلبها إجبار الشركاء الآخرين على القبول بتعديل عقد الشركة أو نظامها الأساسي أو تحويل الشركة من نوع إلى نوع آخر أو الحد من سلطة المدير المخولة له بمقتضى عقد الشركة لما في ذلك من مساس بأحجام عقد الشركة.

6. يجب التمييز بين شركات المساهمة وغيرها من أنواع الشركات، فبالنسبة لشركات المساهمة لا يجوز وضعها تحت الحراسة القضائية، إلا إذا استحال على مجلس الإدارة الاستمرار في إدارتها، كأن يقع نزاع بين أعضاء مجلس إدارة الشركة يؤدي إلى عرقلة نشاطها أو إذا استقال أو توفي أحد الأعضاء، مما يتعذر معه انعقاد المجلس فتتعطل بذلك أعمال الشركة، أو إذا طعن جديا في صحة انعقاد مجلس الإدارة، ففي هذه الحالات يعين حارس على الشركة تكون وظيفته دعوة الجمعية العمومية إلى الانعقاد على الفور لانتخاب مجلس إدارة جديد. وتنتهي وظيفة الحارس بانتخاب المجلس الجديد. أما إذا كان بالإمكان استمرار مجلس الشركة في نشاطه فلا يجوز الأمر بالحراسة القضائية رغم وجود نزاع، كأن يقوم نزاع بين المساهمين على ملكية بعض الأسهم، إذ ليس من شأن ذلك أن يمس الشركة فلا يسوغ والحالة هذه وضع الشركة تحت الحراسة القضائية لما يترتب على ذلك من تعطيل هيئاتها النظامية – أي الجمعيات العمومية ومجلس الإدارة عن مباشرة نشاطها طبقا لعقد الشركة.

أما بالنسبة لباقي أنواع الشركات غير شركات المساهمة فيمكن وضعها تحت الحراسة القضائية، إذ تولى بعض الشركاء إدارتها خلافا لنصوص عقد الشركة، أو استأثر بالأرباح، أو إذا شغر منصب المدير لوفاته أو استقالته أو عزله ولم يتمكن الشركاء من تعيين مدير جديد، ففي مثل هذه الأحوال إذا كان هناك خطر عاجل يهدد مصالح الشركاء والسير العادي للشركة وأموالها، فإنه يجوز الأمر بتعيين حارس قضائي يتولى إدارة الشركة مؤقتا والمحافظة على سيرها العادي وعلى أموالها حتى يعين مدير جديد للشركة وتستقر الأوضاع بها.

وفي الختام، نشير إلى أنه يوجد مشروع نظام جديد للشركات مازال محل نظر الجهات المختصة، وأتمنى أن يحتوي على فصل خاص بأحكام الحراسة القضائية على الشركات تقوم على أساس القواعد والمبادئ التي استقرت في الأحكام القضائية المقارنة والتي أشرت إلى بعضها آنفا منعا للتضارب في الاجتهادات.

مقال لـ خالد أحمد عثمان