المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوجه المقارنة بين نظام التحكيم السعودي الجديد والقديم



أحمد عبد الفتاح
06-12-2015, 12:25 AM
تتعدد البواعث التي تدفع أطراف العلاقة النظامية إلى اللجوء للتحكيم بدلاً عن القضاء ومنها على سبيل المثال رغبة الأطراف في التغلب على بطء إجراءات التقاضي والحصول على حماية نظامية سريعة ومتخصصة في نفس الوقت تكون وثيقة الصلة بالمجال محل النزاع ولعل هذه الأسباب التي دفعت المنظم السعودي بإقرار التحكيم كوسيلة لفض المنازعات والتي تكون في الغالب ذات طبيعة تجارية وصناعية وبعض أطرافها مستثمرين أجانب ، وقد مر النظام التحكيمي في المملكة بعدة مراحل إلى أن صدر مؤخراً نظام التحكيم الصادر في عام 1433 ه ليحل محل نظام التحكيم الصادر في عام 1403 هـ .
وسوف نتناول في هذا البحث تطور التحكيم في المملكة وذلك كمبحث أول ، والمبحث الثاني سيتناول أوجه المقارنة بين نظام التحكيم القديم والجديد .



المبحث الأول
تطور التحكيم في المملكة العربية السعودية
بدأت إرهاصات العمل بالتحكيم في المملكة العربية السعودية منذ أوائل القرن العشرين وتقريباً في ثلاثينيات ذلك القرن ، وكانت الحاجة ملحة لوجود نظام للتحكيم أسوة بما هو موجود في أغلب دول العالم وخاصة بعد زيادة النشاط التجاري في المملكة مما يتطلب معه وجود نظام أو قضاء موازي يحقق المرونة والسرعة في حل المشكلات والمنازعات التي تنتج عن النشاط التجاري .
كما أن من أسباب العمل بالتحكيم في المملكة هو مشروعيته إذا لا يوجد في العمل بنظام التحكيم ما يخالف الشريعة الإسلامية وهو ما عليه جمهور الفقهاء بجواز التحكيم [1] .

وقد مر التحكيم في المملكة بالعديد من المراحل والتي سنذكرها بشئ من الإيجار .

أولاً ــ نظام المحكمة التجارية عام 1350هـ:
جاء أول تنظيم للتحكيم في نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر العالي رقم 32 وتاريخ 15/1/1350هـ. ولقد احتوى هذا النظام على بعض المواد وهي (493-497) والتي تنظم العملية التحكيمية بين الأطراف الراغبين في تسوية نزاعهم عن طريق التحكيم .[2]
وقد أهتمت تلك المواد في هذا النظام ببعض المسائل المتعلقة بالتحكيم من حيث شكل ومحتويات الاتفاقية التحكيمية ، وتعيين المحكمين، ومدة التحكيم، وبعض الإجراءات المتعلقة بالعملية التحكيمية، وإمكانية الطعن في حكم التحكيم أمام المحكمة التجارية آنذاك، وضرورة إقرار حكم التحكيم من المحكمة التجارية قبل تنفيذه.[3]


ثانياً : نظام الغرفة التجارية الصناعية عام 1365هـ:
لقد أعطى هذا النظام التجار الحق في الاتفاق على تكليف الغرفة التجارية الصناعية لتكون حكماً في فض ما قد يقع بينهم من نزاعات وبذلك وضع هذا النظام أول تنظيم للتحكيم المؤسسي في المملكة العربية السعودية بجانب تحكيم الحالات الخاصة الذي يلجأ إليه الأطراف والذي أقره نظام المحكمة التجارية.
ولقد مارست أول غرفة تجارية صناعية في المملكة العربية السعودية (الغرفة التجارية الصناعية بجدة) التوفيق والتحكيم بين أعضائها الراغبين في ذلك كإحدى مهامها [4]
ثالثاً : نظام العمل والعمال عام 1389هـ:
أجاز نظام العمل والعمال لأصحاب العمل والعمال إحالة ما ينشأ بينهم من نزاعات إلى التحكيم بدلاً من حلها عن طريق اللجنة الابتدائية لتسوية الخلافات العمالية المختصة. وقد اشترط النظام أن يتم اعتماد اتفاقية التحكيم المبرمة بين المتنازعين من قبل اللجنة الابتدائية المختصة قبل بدء إجراءات التحكيم، كما عالج النظام اختلاف أطراف النزاع بشأن تعيين المحكمين حيث يتولى في هذه الحالة رئيس اللجنة الابتدائية المختصة تعيينهم.
كما يعد الحكم الصادر من هيئة التحكيم قابلاً للطعن فيه بالاستئناف أمام اللجنة العليا لتسوية الخلافات العمالية ما لم يتفق أطراف النزاع مقدماً في اتفاقية التحكيم المبرمة بينهم على أنه نهائي، وفي جميع الأحوال يجب تسجيل هذا الحكم أمام اللجنة الابتدائية لتسوية الخلافات العمالية المختصة، وذلك خلال أسبوع من تاريخ صدوره.[5]
4- نظام الغرف التجارية الصناعية عام 1400 هـ
جعل نظام الغرف التجارية الصناعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 30 /4/1400 من اختصاصات الغرف التجارية الصناعية الفصل في النزاعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها، فقد نصت المادة الخامسة من هذا النظام على انه ( تختص الغرف التجارية الصناعية بالأمور التالية: (ح) فض المنازعات التجارية والصناعية بطريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها).
كما تضمنت اللائحة التنفيذية لنظام الغرف التجارية الصناعية الصادرة بقرار وزير التجارة رقم (1871) وتاريخ 22/5/1401 هـ القواعد والإجراءات التي يجب إتباعها عند القيام بالتحكيم بين أطراف النزاع أمام الغرف التجارية الصناعية.[6]
خامساً: نظام التحكيم عام 1403 هـ
في خطوة بالغة الأهمية وعلى نحو السير في خطة ثابتة لإيجاد كيان ونظام خاص بالتحكيم ولتأكيد وظيفة التحكيم كطريق لتسوية النزاعات الناشئة بين الأطراف صدر نظام التحكيم بالمرسوم الملكي رقم(م/46) وتاريخ 12/7/1403 هـ، والذي يحتوي على خمسة وعشرون مادة نظمت العديد من المسائل التحكيمية والتي غفلت عنها الأنظمة السابقة كما صدرت لائحته التنفيذية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم(7/2021) وتاريخ 8/9/1405 هـ.
ولقد اشتمل هذا النظام ولائحته التنفيذية على أحدث المبادئ التحكيمية السائدة في ذالك الوقت حيث عالج هذا النظام معظم المسائل المتعلقة بالعملية التحكيمية كعدد المحكمين وطريقة تعيينهم والشروط الواجب توافرها فيهم وعزلهم وردهم وتقدير أتعابهم، وطريقة إصدار حكم التحكيم وتنفيذه وغيرها ، متلافياً في ذلك العيوب والانتقادات التي وجهت لنظام التحكيم في مراحله السابقة
وأهم ما أمتاز به هذا النظام :
إن هذا النظام لم يفرق بين النزاعات التجارية وغيرها من النزاعات الأخرى، كالنزاعات المدنية والعقارية.
إقرار صحة الاتفاق بين الأطراف على إحالة ما قد ينشأ بينهم من خلافات مستقبلية إلى التحكيم( شرط التحكيم).
منح القضاء السعودي المختص سلطة واسعة للإشراف على العملية التحكيمية حيث تبنى نظام التحكيم السعودي- لأول مرة - فكرة الدور المزدوج لقضاء الدولة فيما يتعلق بمسائل التحكيم وهو دور جديد طُبق حديثاً ونجح في العديد من الدول منها فرنسا. ونعني بهذا الدور المزدوج أن يكون لقضاء الدولة مساعداً ومعاوناً للتحكيم بجانب دوره التقليدي المتمثل في الرقابة على التحكيم.[7]
ومع ذلك فقد وُجهت أصابع النقد لهذا النظام وخاصة بعد الممارسة الفعلية لعملية التحكيم طبقاً لهذا النظام ، وأيضاً بسبب تنوع وازدياد النشاط التجاري في المملكة على نحو غير مسبوق ودخول العديد من المستثمرين من مختلف الدول لممارسة نشاطهم في المملكة ، ومن ضمن الانتقادات التي وجهت لهذا النظام :
ـــــ خلا نظام التحكيم من تحديد نطاق سريان أحكامه من حيث الزمان, وذلك أسوة بالأنظمة المقارنة وحتى الأنظمة الأخرى [8] داخل المملكة والتي تبين نطاق تطبيق هذا النظام من حيث الزمان ، مما جعل هذا النظام غير واضح المعالم من حيث من نطاق سريانه وما مدى سريانه على المنازعات التحكيمية القائمة وقت صدور هذا النظام ، وإن كان هذا النقد هو نقد يخص مدى إستفادة أصحاب المنازعات القائمة وقت صدور النظام من تطبيقه ، ومع ذلك لم يكن هذا النقد هو النقد الوحيد الذي وجه لهذا النظام وكان من ضمنها أيضاً :
أولاً :اعتماد وثيقة التحكيم من قبل الجهة القضائية المختصة يستغرق وقتاً طويلاً لإسباب قد تعود للخصوم مثل رفض أحد الخصوم تعيين المحكم الخاص به ، أو عدم إتفاق الخصوم على تعيين المحكم المرجح أو انسحاب أحد المحكمين قبل بدء إجراءات التحكيم وهي جميعها تدل على بطء إجراءات التحكيم طبقاً لهذا النظام وعدم وجود نصوص تقف أمام مماطلة بعض أطراف التحكيم . [9]
ثانياً : الخصوم لا يملكون الحق في اختيار لغة أجنبية [10] كما لا يملكون الحق في اختيار قانون أجنبي أو مبادئ التجارة الدولية .
لكل ما سبق وإن كان نظام التحكيم الصادر في عام 1403 ه ، قد لبى بعض الاحتياجات في وقته إلا إنه وبعد التطور التجاري والصناعي في المملكة ودخول العديد من المستثمرين الأجانب لم يعد نظام التحكيم المذكور يلبي تطلعات ومتطلبات ذوي الشأن لذا كان من الضروري واللازم صدور نظام تحكيمي يتواكب مع التطور التجاري في المملكة وأيضاً يتواكب مع التطور التشريعي للأنظمة التحكيمية على مستوى العالم ، مما حدا بالمنظم السعودي بإصدار نظام التحكيم الجديد والصادر في عام 1433 هـ ، ليحل محل نظام التحكيم الصادر بالأمر الملكي رقم (م/46) لسنة 1403 ه .
وسوف نتناول في المبحث التالي لأهم ما جاء به نظام التحكيم الجديد مقارنة بالنظام الذي سبقه :


المبحث الثاني
مقارنة بين نظام التحكيم القديم والحديث .

المطلب الأول
مشارطه التحكيم
مشارطة التحكيم أو إتفاق التحكيم هو إتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات التي تنشأ بينهم في شأن علاقة نظامية محددة ، تعاقدية كانت أو غير تعاقدية ، سواء كان التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في العقد أو في صورة مشارطة تحكيم مستقلة [11].
وقد تطرق نظام التحكيم القديم لمشارطة التحكيم بشكل مقتضب جداً سواء في النظام أو لائحته التنفيذية إذ نص النظام على " يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم ، كما يجوز الاتفاق مسبقاً على التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين " [12]
في حين تطرق نظام التحكيم الجديد لعدة مسائل في موضوع مشارطة أو إتفاق التحكيم بشكل أكثر وضوحاً وتفصيلاً لما لها من أهمية حيث تعتبر القاعدة الأساسية التي يسير على الخصوم في النزاع ومن هذه المسائل :
1ــ يجوز أن يكون إتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواءً أكان مستقلاً بذاته أو ورد في عقد معين ، كما يجوز أن يكون إتفاق التحكيم لاحق لحدوث النزاع ، وإن كانت إقيمت بشأنه دعوى أمام المحكمة المختصة ، وفي هذه الحالة يتعين أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم وإلا كان الإتفاق باطلاً [13] ، وفي هذه الحالة يتعين على المحكمة المختصة والتي تنظر موضوع النزاع ، إحالة الموضوع إلى التحكيم [14] ، وهذه المادة توضح مدى توسع المنظم السعودي في إقراره واعتماده لاتفاقية التحكيم حتى لو كان هناك دعوى منظورة بالفعل في هذا الموضوع .

2 ــ النص صراحة في نظام التحكيم الجديد على ضرورة أن تكون مشارطة التحكيم مكتوبة ، وترتيب البطلان على ترك هذا الإجراء ، ويعد إتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر صادر من أطراف التحكيم أو إذا تضمنه ما تبادلاه الخصوم من رسائل موثقة أو برقيات أو غيرها من وسائل الإتصال الإلكترونية أو المكتوبة [15].
ويتضح من الفقرة السابقة توسع المنظم السعودي في إضافة صور جديدة لطريقة اعتماد مشارطة التحكيم بأن أثبت للمحررات الإلكترونية صفة الكتابة وبذلك يكون قد أخذ في حسبانه عند إصدار هذا النظام تطور المراسلات الإلكترونية مثل البريد الإلكتروني وغيرها من وسائل .
كما تعد الإشارة إلى عقد ما أو الإحالة فيه إلى مستند يشتمل على شرط للتحكيم ، بمثابة اتفاق للتحكيم كما يعد في حكم أتفاق التحكيم المكتوب كل إحالة إلى أحكام عقد نموذجي أو إتفاقية دولية أو أي وثيقة أخرى إذا كانت تتضمن شروط تحكيم بشرط أن تتضمن الإحالة أن هذا البند هو شرط من العقد .[16]


المطلب الثاني
اعتماد وثيقة التحكيم
ورد في نظام التحكيم القديم الآلية التي يتم عن طريقها إعتماد وثيقة التحكيم بأن يودع أطراف النزاع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ويجب أن تكون هذه الوثيقة موقعة من الخصوم أو من وكلائهم الرسميين المفوضين ومن المحكمين ، وأن يبين بها موضوع النزاع وأسماء الخصوم وأسماء المحكمين وقبولهم نظر النزاع وأن ترفق بها صور من المستندات الخاصة بالنزاع [17].
وإن كان المنظم في النظام القديم قد نص صراحة على طريقة إعتماد وثيقة التحكيم إلا إن هذه المادة كانت من ضمن المواد التي وُجهت على أثرها سهام النقد له ، مما جعل المنظم في النظام الجديد الصادر في عام 1433 ه يتلافى مثل هذا المادة إذ لم يتطلب المنظم في هذا النظام إعتماد وثيقة التحكيم من المحكمة المختصة كشرط من شروط التحكيم .
إذ أن اشتراط اعتماد وثيقة التحكيم من المحكمة أو الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع تعد من العقبات التي تؤخر البدء في العملية التحكيمية في النظام السابق، حيث قد يستغرق ذلك الاعتماد عدة أشهر رغم أن النظام السابق قد حدد مدة معينة لذلك الاعتماد .
وعلى هذا لم يشترط النظام الجديد إعتماد وثيقة التحكيم من الجهة المختصة لإقرار وثيقة التحكيم , بل أصبحت من صلاحية هيئة التحكيم اعتماد وثيقة التحكيم ثم الشروع في التحكيم، لأن الأصل في وجود التحكيم هو السرعة والسرية في إنهاء النزاعات القائمة في قطاع الأعمال وهو ما راعاه النظام الجديد[18]


الفرع الأول
المسائل التي ينصب عليها التحكيم
المقصود بالمسائل التي ينصب عليها التحكيم هي الموضوعات والمنازعات التي تصلح أن تكون محلاً للتحكيم ويجوز لطرفي الخصومة الاتفاق على التحكيم فيما بينهما فيها .
والحال في هذه المسائلة في نظام التحكيم الجديد لم يتغير كثيراً عما كان عليه الوضع في النظام القديم ، حيث نص نظام التحكيم القديم على أنه لا يقبل التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح .[19]
وهو نفس النص في نظام التحكيم الجديد والذي ينص على عدم سريان أحكام هذا النظام على منازعات الأحوال الشخصية والمسائل التي لا يجوز فيها الصلح [20] .
وفي كلا النظامين لا يصح أن تكون المسائل التي لا يجوز فيها الصلح مثل اللعان والحدود ، أن تكون محلاً لتسوية المنازعات التي تنتج عنها ، عن طريق التحكيم إذ تعد هذه المسائل من النظام العام .


الفرع الثاني
التحكيم الدولي
خلا نظام التحكيم الصادر في عام 1403 ه من الإشارة من قريب أو بعيد إلى التحكيم الدولي مما جعله يتعرض للعديد من الانتقادات ، حيث أنه في بعض الأحيان يرغب طرفي النزاع من إجراء التحكيم خارج إقليم المملكة وإخضاعه في نفس الوقت لنظام التحكيم السعودي ، وهو ما استجاب له المنظم السعودي مؤخراً في نظام التحكيم الجديد الصادر في عام 1433 هـ ، بأن أجاز لأطراف العملية التحكيمية إذ نصت المادة الثالثة من النظام الحالي أن يكون التحكيم دولياً إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال التالية :
1ــ إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في أكثر من دولة وقت إبرام اتفاق التحكيم ، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع ، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم أو كليهما مركز أعمال محدد فالعبرة بمحل إقامته المعتاد .
2ــ إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في الدولة نفسها وقت إبرام اتفاق التحكيم ، وكان أحد الأماكن الآتي بيانها واقعاً خارج هذه الدولة :
أ ــ مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم ، أو أشار إلى كيفية تعيينه .
ب ــ مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة من العلاقة التجارية بين الطرفين .
ج ــ المكان الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع .
3ــ إذا إتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة ، أو هيئة تحكيم دائمة ، أو مركز للتحكيم يوجد مقره خارج المملكة .
4ــ إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله إتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة .

وبهذا يكون النظام الجديد قد حدد الحالات التي يعتبر فيها التحكيم دولياً وذلك عند رغبة أطراف التحكيم تطبيق نظام التحكيم السعودي على المنازعة .


المطلب الثالث
هيئة التحكيم
هيئة التحكيم هي : المحكم الفرد أو الفريق من المحكمين والذي يفصل في النزاع المحال للتحكيم [21] ، و تكاد تكون الشروط المتطلبة في هيئة التحكيم متشابهة بين النظامين من ناحية إشتراط الأهلية وحسن السير والسلوك إلا أن نظام التحكيم الجديد قد اشترط في المحكم إذا كان فرداً أن يكون حاصلاً على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو الأنظمة أو إذا كانوا أكثر من فرد فيشترط أن يتوفر هذا الشرط في رئيس الهيئة التحكيمية ، كما يشترط في حالة تعدد أفراد هيئة التحكيم أن يكون عددهم فرداً وإلا كان التحكيم باطلاً .[22]
ــ تعيين المحكمين وعزلهم :
الأصل أن يقوم طرفي الخصومة بتعيين المحكمين ولكن في بعض الأحيان يمتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين أو لأي سبب ينتج عنه عدم إتفاق الأطراف على تعيين هيئة التحكيم ففي هذه الحالة يتعين اللجوء إلى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع لكي تقوم بتعيين هيئة التحكيم وذلك بناءاً على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم وهو ما جاء النص عليه في نظام التحكيم القديم [23].
ولم يختلف الحال كثيراً في النظام الجديد عما كان معمولاً به في النظام القديم حيث أن المبدأ في كلا النظامين واحد من حيث حرية الخصوم في اختيار المحكمين وفي حالة وجود نزاع أو خلاف بين الطرفين حول تعيين المحكمين يتم اللجوء إلى الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع [24] ، كما يسري نفس الأمر بخصوص عزل وإعادة تعيين محكم أخر وأيضاً رد المحكمين ، فالأصل وطبقاً للنظام الجديد أن يكون هناك اتفاق مسبق بين الطرفين يحدد هذه المسائل فإن لم يوجد ولم يتفق الأطراف على هذا الأمر ، تكون الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي صاحبة الاختصاص في النظر في الفصل في هذه المسائل .
وما يتضح مما أورده المنظم في النظام الجديد ، أنه جعل الجهة القضائية أو الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ، جهة احتياطية يلجأ إليها الخصوم إذا استحال عليهم حل المشاكل التي تعتري العملية التحكيمية ، ويسري نفس الأمر أيضاً بالنسبة لتحديد أتعاب هيئة التحكيم .


المطلب الرابع
إجراءات التحكيم
تبدأ إجراءات التحكيم طبقاً للنظام القديم بعد أن يقوم طرفي الخصومة باعتماد وثيقة التحكيم من المحكمة المختصة ، على أن يتولى كاتب الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع كافة الإخطارات والإعلانات المنصوص عليها في هذا النظام . [25]
والملاحظ في نظام التحكيم القديم أنه لم يهتم كثيراً بمسألة إجراءات التحكيم حيث جاءت العبارات مقتضبة جداً ولم تبين ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها وما هي القواعد الحاكمة لهذه الإجراءات ، مما حدا بالمنظم في النظام الجديد أن يتناول هذه المسألة بنوع من التفصيل .
إذ خول المنظم لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتخذها هيئة التحكيم ، بما في ذلك حقهم في إخضاع إجراءات التحكيم للقواعد النافذة الموجودة في أي منظمة أو هيئة أو مركز تحكيم في المملكة أو خارجها بشرط عدم مخالفة هذه الإجراءات للشريعة الإسلامية.
وفي حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق ، كان لهيئة التحكيم إتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات مع الأخذ في الاعتبار مع مخالفة الشريعة الإسلامية [26].
كما تبدأ إجراءات التحكيم من اليوم الذي يتسلم فيه أحد طرفي التحكيم طلب التحكيم من الطرف الأخر ، ما لم يتفق الطرفين على غير ذلك[27] .
كما يحدد الأطراف المكان المناسب لهم لإجراء التحكيم ، سواء داخل المملكة أو خارجها ، وفي حالة عدم وجود إتفاق بين إطراف النزاع حول المكان ، يجوز لهيئة التحكيم تعيين مكان التحكيم مع الأخذ في الاعتبار ظروف الدعوى وملائمة المكان المختار للإطراف .[28]

ولا يوجد في نظام التحكيم السابق ولا في لائحته التنفيذية نص مماثل يعطي حرية الأطراف أو هيئة التحكيم إختيار المكان المناسب للتحكيم بل ما جرى عليه العمل من الناحية الفعلية هو إنعقاد هيئة التحكيم في المكان الذي ينعقد فيه الاختصاص للجهة المختصة بنظر النزاع أصلاً .
وقد منح نظام التحكيم الجديد الأطراف وهيئة التحكيم إمكانية الاتفاق على إجراء التحكيم بأي لغة يختارونها فالأصل أن يتم التحكيم وجميع إجراءاته باللغة العربية إلا أن المنظم قد منح الأطراف حرية اختيار اللغة التي تتناسب معهم [29] ، وهذا على عكس ما كان عليه العمل في نظام التحكيم السابق والذي كان يشترط أن تتم إجراءات التحكيم باللغة العربية .
وتستكمل بقية إجراءات التحكيم طبقاً لما ورد في النظام الجديد عن طريق تبليغ المدعي للمدعى عليه بدعواه مبيناً فيه طلباته وأسانيده على العنوان المتفق عليه ، وبعدها يتم استكمال الإجراءات بأن يقوم المدعى عليه بالرد بمذكرة جوابية على دعوى المدعي .
وفي نظام التحكيم القديم كان يختص كاتب الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ، بعمل سكرتارية التحكيم ويتولى جميع الإخطارات والبلاغات المطلوبة [30]
وقد تناول المنظم في نظام التحكيم الجديد إجراءات التحكيم والسير فيه على نحو أكثر تفصيلاً ودقه عما كان موجود في نظام التحكيم السابق ، وفي نفس الوقت معطياً أطراف النزاع الحق في الإتفاق على الإجراءات المناسبة بينهم للسير في العملية التحكيمية مثل تعيين الخبراء وغيره على النحو المفصل في مواد النظام الجديد .



المطلب الخامس
النظام الواجب التطبيق على المنازعة محل التحكيم
المقصود النظام الواجب التطبيق على منازعة التحكيم : هي القواعد والأنظمة التي تلجأ إليها هيئة التحكيم للفصل في المنازعة المعروضة عليها ، ولم يتطرق نظام التحكيم القديم إلى ماهية تلك القواعد ولم يشير إليها صراحة ، وما كان يجري عليه العمل طبقاً لهذا النظام هو تطبيق الأنظمة السعودية وقواعد الشريعة الإسلامية .
في حين أن نظام التحكيم الجديد قد تطرق للنظام والقواعد الواجبة التطبيق على منازعات التحكيم على نحو من التفصيل ، ويعتبر من أهم ما أشار إليه النظام المذكور في هذا الشأن هو أحقية الخصوم في الإتفاق على تطبيق نظام دولة معينة ، وفي حالة عدم إتفاق أطراف النزاع على القانون الواجب التطبيق ، تقوم هيئة التحكيم بتطبيق القواعد الموضوعية للنظام الأكثر اتصالا بالموضوع ، كما تقوم الهيئة بتطبيق الأعراف المرعية في عرف هذه المعاملة ، والعادات المتبعة والتي جرى عليها العمل بين الطرفين [31]


المطلب السادس
صدور قرار التحكيم
يصدر قرار التحكيم بناءاً على أغلبية أراء الأعضاء وينطق رئيس هيئة التحكيم بالقرار في الجلسة المحددة ويتم تحرير القرار مشتملاً على أسماء أعضاء الهيئة التي أصدرته وتاريخ ومكان الإصدار وبيانات المحتكمين والدفوع ونص القرار وأي بيانات أخرى تكون من الضروري أن يشملها القرار [32].
ولم يختلف الحال كثيراً في نظام التحكيم الجديد في إجراءات صدور قرار التحكيم إذا تصدر قرارات التحكيم طبقاً لهذا النظام بالأغلبية إذا كانت الهيئة مكونة من أكثر من عضو تحكيم وفي حالة تشعب الآراء وعدم القدرة إلى الوصول إلى الأغلبية فلهيئة التحكيم إختيار محكم مرجح وذلك في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ عدم الوصول للأغلبية المطلوبة لصدور القرار وفي حالة عدم قيام هيئة التحكيم بتعيين المحكم المرجح ففي هذه الحالة ينعقد الاختصاص للجهة المختصة بنظر النزاع أصلاً ، ويصدر قرار التحكيم طبقاً لنظام التحكيم الحالي مشتملاً على جميع البيانات الضرورية على النحو المذكور في النظام السابق فيما عدا أن نظام التحكيم الحالي قد تطلب أن يتضمن قرار التحكيم على أتعاب المحكمين وكيفية توزيعها بين الأطراف كما يشتمل القرار على نفقات التحكيم.
و في حالة إذا كانت هيئة التحكيم مفوضة بالصلح ، فيجب أن يصدر القرار من هيئة التحكيم بالإجماع .
وقبل صدور الحكم فقد خول النظام لأطراف التحكيم الطلب من الهيئة إصدار أحكام وقتية أو في جزء من الطلبات وذلك قبل إصدار الحكم المنهي للخصومة [33] .
والمقصود بالأحكام الوقتية هي الأحكام التي تقتضيها ظروف وملابسات المنازعة وضرورة سرعة إتخاذ إجراء لمنع ضرر محدق قد يقع على أحد أطراف التحكيم دون تأثير هذا الإجراء أو الحكم الوقتي على موضوع النزاع ومثال ذلك طلب أحد الخصوم تعيين حارس على بضاعة ما خشية تعرضها للسرقة وغيرها من الإجراءات الوقتية والتي يكون الغرض منها مواجهة إجراء طارئ دون المساس بأصل الموضوع .
والملاحظ أن هذا الصلاحية لم تكن منصوص عليها من ضمن اختصاصات هيئة التحكيم في النظام السابق ولعل المنظم قد اقتدى في ذلك بالقواعد الموجودة في المادة 23/1 من نظام الغرفة التجارة الدولية بباريس والمادة 26 من قواعد اليونسترال والمادة 47 من إتفاقية واشنطن والمادة 17 من القانون النموذجى للتحكيم [34].
وتنتهي إجراءات التحكيم بصدور حكم من هيئة التحكيم منهي للخصومة أو بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال التالية : المادة (41)
1ــ إذا اتفق طرفا التحكيم على إنهاء التحكيم .
2ــ إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ، ما لم تقرر هيئة التحكيم بناءاً على طلب المدعى عليه بأن له مصلحة جدية في استمرار التحكيم حتى ينتهي النزاع .
وأرى أن هذه الحالة تواجه الحالات يرى فيها المدعي أن موقفه ضعيف ومن المتوقع عدم الحكم له فيما يدعيه من طلبات فيحاول ترك الخصومة ، وقد يسبب ذلك ضرراً مباشراً أو غير مباشرً للمدعى عليه خاصة في الأوساط التجارية بالتأثير سلباً على سمعته ، مما جعل المنظم ينص في نظام التحكيم الجديد على حق المدعى عليه بالمطالبة من هيئة التحكيم الاستمرار في التحكيم حتى ينتهي النزاع .
3ــ إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب أخر عدم جدوى إستمرار إجراءات التحكيم أو إستحالته .
4ــ صدور أمر بإنهاء إجراءات التحكيم من هيئة التحكيم بناءاً على نص الفقرة (1) من المادة الرابعة والثلاثون والتي تعطي الحق لهيئة التحكيم في إصدار قرار بإنهاء الخصومة في حالة عدم قيام المدعى وبدون عذر مقبول بتقديم بياناً مكتوباً بدعواه يشمل إسمه ، وعنوانه ، ووقائع الدعوى ، وأسانيده ، وطلباته ، ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك [35].
كما لا تنتهي إجراءات التحكيم بموت أحد أطراف التحكيم أو فقد أهليته ما لم يتفق من له الصفة مع الطرف الأخر على إنهاء التحكيم .



المطلب السابع
الطعن على قرار التحكيم
أعطى نظام التحكيم للأطراف فرصة لتدارك الأخطاء التي من الممكن أن تقع من هيئة التحكيم بالمخالفة للأنظمة ولما هو متفق عليه وإن كان الأمر قد إختلف بعض الشيء عما كان معمولاً به في نظام التحكيم القديم وسوف تناول في هذا المطلب طلب تصحيح الحكم ، وطلب التفسير ، ودعوى البطلان .


الفرع الأول
طلب تصحيح قرار التحكيم
قد يقع في منطوق الحكم الصادر من هيئة التحكيم بعض الأخطاء المادية والتي تتطلب التصحيح لذا فقد أعطى نظام التحكيم الأطراف حق التقدم للهيئة المصدرة للقرار طلب بتصحيح ما شاب القرار من أخطاء مادية ، كما يحق لهيئة التحكيم أن تتصدى لتصحيح مثل هذه الأخطاء بنفسها ، ويجوز الطعن على قرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت الهيئة حقها المنصوص عليها ، وفي حالة رفض طلب الصحيح فلا يجوز الطعن فيه على إستقلال [36] .
ولم يختلف الحال كثيراً في النظام الجديد عما كان عليه النظام السابق إذا أجاز نظام التحكيم الحالي للخصوم طلب تصحيح ما يقع في الحكم من أخطاء مادية وحسابية ويجوز لهيئة التحكيم أن تتصدى لتصحيح هذه الأخطاء من نفسها وذلك في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور قرار التحكيم ، أو من تاريخ إيداع طلب التصحيح لدى هيئة التحكيم ، ويجوز للإطراف الطعن على القرار الصادر من هيئة التحكيم وذلك عن طريق التمسك بدعوى البطلان والتي سنتعرض لها لاحقاً في هذا البحث [37] .


الفرع الثالث
طلب تفسير قرار التحكيم
قد يشوب الحكم الصادر من هيئة التحكيم غموض ، مما يستتبع معه طلب الخصوم من الهيئة تفسير الحكم وتوضيحه ، ويعتبر الحكم الصادر من هيئة التحكيم بالتفسير مكملاً ومتمماً للحكم الصادر ، وقد تصدى كلا النظامين القديم والحديث لمسألة تفسير القرار الصادر من التحكيم ، وقد حدد نظام التحكيم الجديد مدة ثلاثون يوماً من تاريخ تقديم طلب التفسير كموعد لصدور قرار من هيئة التحكيم بالتفسير [38].



الفرع الثالث
دعوى البطلان
تختلف دعوى البطلان عن طلب تفسير وتصحيح الحكم والذي أشرنا إليهما فيما سبق ، إذا أن الطرف الذي يتقدم بدعوى البطلان يهدف من ورائها هدم جميع أجزاء القرار الصادر من هيئة التحكم نظراً لما شاب القرار من بطلان ، في حين أن الطرف الذي يتقدم بطلب تفسير أو تصحيح الحكم في حقيقة الأمر مقر بالحكم ولكن
يهدف من ذلك تدارك ما وقع في قرار التحكيم من أخطاء كتابية أو حسابية أو تفسير ما لحق القرار من غموض ، بجانب أن طلب التصحيح أو التفسير يقدم إلى هيئة التحكيم مصدرة القرار في حين أن دعوى البطلان تقدم إلى الجهة أو المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع .
وفي نظام التحكيم القديم قد أورد المنظم طريقة الطعن على القرار الصادر من هيئة التحكيم ولكن بشكل مقتضب وبدون أن يسمى الدعوى بالبطلان وكل ذكره المنظم في حينه أنه يجوز للخصوم الطعن على القرارات الصادرة من هيئة التحكيم وذلك أمام الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع والتي أودع خلالها الحكم وذلك في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ التبليغ بالقرار وإلا أصبح القرار الصادر من هيئة التحكيم نهائياً وواجب التنفيذ [39].
وبهذا فقد منح النظام الأطراف في خلال خمسة عشر يوماً الحق في الطعن أمام الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع وللجهة المختصة بنظر النزاع إما أن ترفض الطعن ويصبح القرار نهائيا وواجب التنفيذ أو تقبله وتفصل في الطلبات.
والملاحظ في هذا النهج أنه يخل بالهدف الذي من أجله أُنشئ التحكيم إذ تصبح هيئة التحكيم عبارة عن درجة أولى من درجات التقاضي يحق للخصوم قبول أحكامها أو رفضها ، دون النظر إلى ما تقتضيه منازعات التحكيم من سرعة البت في هذه المنازعات ، كما أن نظام التحكيم السابق لم يحدد أسباب معينة للخصوم للطعن على أساسها أمام المحكمة المختصة بل ترك الأمر مفتوحاً للطعن على قرار التحكيم بجميع الأسباب .
وقد تدارك المنظم في نظام التحكيم الحالي هذا الأمر ، بأن جعل القرارات الصادرة من هيئة التحكيم هي قرارات نهائية لا يجوز الطعن عليها بأي شكل من الأشكال سوى طريق واحد وهو دعوة البطلان والتي أورد المنظم أسبابها على سبيل الحصر :
أولاً: شروط قبول دعوى البطلان
1ــ إذا لم يوجد أتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً ، أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدته .
2ــ إذا كان أحد أطراف التحكيم وقت إبرام التحكيم فاقد الأهلية ، أو ناقصها وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته .


3ــ إذا تعذر على أحد الخصوم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم ، أو لأي سبب أخر خارج عن إرادته .
4ــ إذا أستبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع .
5ــ إذا شُكلت هيئة التحكيم أو عين المحكمون على وجه مخالف لهذا النظام ، أو لاتفاق الطرفين .
6ــ إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم ، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له ، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم وحدها .
7ــ إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثر في مضمونه ، أو إستند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثرت فيه .
والسمة الواضحة والمشتركة في الأسباب السابقة لقبول دعوى البطلان أمام الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع ، أن جميعها تتلاقي في الحالة التي يخالف فيها قرار التحكيم النظام حيث تقوم هيئة التحكيم بالفصل في منازعة التحكيم على خلاف الشروط المتفق عليها بين الأطراف ، والجهة المختصة بنظر دعوى البطلان لا تنظر في وقائع موضوعيه بل تنظر في مدى أتفاق الحكم الصادر من هيئة التحكيم مع صحيح النظام فهي محكمة نظام لا محكمة وقائع شأنها شأن المحكمة العليا في المملكة .
كما لا يترتب على رفع دعوى البطلان لدى المحكمة المختصة وقف تنفيذ قرار التحكيم ، غير أنه يجوز وقف تنفيذ قرار التحكيم إذا طالب بذلك مدعي البطلان في صحيفة الدعوى ووجدت المحكمة أن الطلب مبني على أسباب جدية ، ويكون على المحكمة أن تفصل في طلب وقف التنفيذ في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه وللمحكمة إذا رأت وقف تنفيذ قرار التحكيم أن تأمر بتقديم كفالة أو ضمان مالي ، ويتوجب عليها في هذه الحالة أن تفصل في الدعوى في خلال مائة وثمانين يوماً من تاريخ صدور قرار وقف التنفيذ [40].
ثانياً : تصدي المحكمة المختصة للبطلان من تلقاء نفسها.
في الحالات السابقة يتم رفع دعوى البطلان عن طريق طرفي النزاع ، ولكن في بعض الحالات يمكن للمحكمة أن تتصدى لنظر البطلان وذلك في الحالات التالية :
1ــ مخالفة القرار الصادر من هيئة التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة .
2ــ إذا تضمن الحكم مخالفة ما أتفق عليه طرفا التحكيم .
وأرى أن الفقرة السابقة ما هي إلا تكرار لما ورد في أسباب قبول دعوى البطلان في الفقرة الثالثة (د) وليس من الواضح ما هو الهدف والقصد من المنظم في إعادة ذكرها من ضمن المسائل التي يجوز للمحكمة أو الجهة المختصة للتصدي لها من تلقاء نفسها ولعل المنظم يتدارك هذا الأمر بتوضيحه في اللائحة التنفيذية لهذا النظام والتي لم تصدر حتى تاريخ عمل هذا البحث .
3ــ إذا أشتمل القرار الصادر على موضوع من الموضوعات التي لا يجوز التحكيم فيها مثل اللعان والقصاص .
ولا ينقضي اتفاق التحكيم بصدور حكم المحكمة المختصة ببطلان حكم التحكيم ، ما لم يكن طرفا التحكيم قد أتفقا على ذلك ، أو صدر حكم نص فيه على إبطال اتفاق التحكيم .[41]
وترفع دعوى بطلان قرار التحكيم من الخصوم في خلال ستين يوماً من تاريخ الإبلاغ بالحكم ، كما أن تنازل أحد أطراف التحكيم عن حقه في رفع دعوى البطلان قبل صدور قرار التحكيم لا يمنع المحكمة من قبولها .
ثالثا: المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان .
حدد نظام التحكيم الحالي المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان التحكيم وهي محكمة الإستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع على حسب قواعد الاختصاص .
وفي حالة إذا كان التحكيم دولياً فإن الاختصاص في هذه الحالة ينعقد لمحكمة الإستئناف بالرياض ما لم يتفقا طرفا النزاع على محكمة إستئناف أخرى في المملكة [42].


المطلب الثامن
حجية قرارات التحكيم وطريقة تنفيذها
بعد صدور قرار التحكيم على النحو السابق يتم السعي للحصول على الصيغة التنفيذية للقرار إذ أن مجرد صدور القرار من هيئة التحكيم لا يعتبر مسوغاً بمفرده للمطالبة بتنفيذه أمام الجهات المختلفة لذا تطلب كلا النظامين إيداع القرار الصادر من التحكيم للجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع حتى يتم إضفاء الصيغة التنفيذية على قرار التحكيم والبدء في تنفيذه .
ويتم تقديم قرار التحكيم لأخذ الصيغة التنفيذية بعد أن يصبح نهائيا سواء بعد تأييد الجهة المختصة الحكم الصادر من هيئة التحكيم أو بعد فوات مواعيد الطعن على القرار وقد تطلب نظام التحكيم السابق أن يتم تقديم الطعن على القرار أمام الجهة المختصة بنظر النزاع أصلاً في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإبلاغ بالقرار ، في حين أن نظام التحكيم الحالي تطلب أن يتم رفع دعوى البطلان على النحو السابق ذكره ، في خلال ستين يوماً من تاريخ الإبلاغ بالقرار .
ومتى أصبح قرار التحكيم نهائياً يتم بعدها الحصول على الصيغة التنفيذية على الحكم من المحكمة المختصة بنظر النزاع وقد تطلب نظام التحكيم الحالي أن يتم تقديم المستندات التالية من أجل الحصول على الصيغة التنفيذية للحكم :
1ــ أصل الحكم أو صورة طبق الأصل .
2ــ صورة طبق الأصل من إتفاق التحكيم .
3ــ إذا كان الحكم صادراً بغير اللغة العربية فيتطلب ترجمته من جهة معتمدة .
4ــ ما يدل على إيداع الحكم لدى المحكمة المختصة .
ولا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إلا بعد التحقق من الأتي :
ـــ أن لا يتعارض مع حكم أو قرار صادر من محكمة أو لجنة أو هيئة لها ولاية الفصل في موضوع النزاع داخل المملكة العربية السعودية .
ـــ أن لا يتضمن القرار ما يخالف الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة وإن أمكن تجزئة القرار فيتم تنفيذ الجزء الغير مخالف للشريعة الإسلامية .
ــ أن الحكم قد تم تبليغه للمحكوم عليه إبلاغاً صحيحاً.
كما أنه لا يجوز التظلم من قرار تنفيذ حكم التحكيم ولكن يجوز التظلم من رفض تنفيذ قرار التحكيم .[43]

ولكن يثور التساؤل في حالة صدور قرار التحكيم وقد أصبح حكماً نهائياً ورفضت المحكمة تنفيذ هذا القرار بسبب الأسباب المذكورة ، فما ما هي الطبيعة النظامية لمثل هذا القرار فمن المعروف أن الأحكام النهائية واجبة التنفيذ ، وهل للمحكمة المختصة الحق في إبطال قرار التحكيم أم تقضي بعدم التنفيذ مع بقاء الحكم على حاله ، أعتقد أن هذه الأمر يحتاج لتوضيح ، وخاصة أنه قد تم النص عليها من قبل في أسباب البطلان والتي يجوز للمحكمة أن تتصدى لها من تلقاء نفسها.

الخاتمة

وبعد العرض السابق يتضح لنا أهم مظاهر نظام التحكيم الجديد وما استحدثه من مواد وإجراءات لم تك موجود أبان نظام التحكيم السابق ، متأثراً في ذلك بالقواعد والأنظمة المختلفة للتحكيم ، وفي حقيقة الأمر ومن وجهة نظري أن أهم ميزة يمكن ملاحظتها في هذا النظام هو إعطاء قدر كافي من الحرية لهيئة التحكيم في العمل على إنهاء منازعة التحكيم وأصبح تدخل القضاء في هذا العملية أقل بقليل عما كان موجود عليه العمل في نظام التحكيم السابق إذ يقتصر دور القضاء فقط في مراقبة مدى إتساق الحكم الصادر من هيئة التحكيم مع الأنظمة الموجودة في المملكة وبالطبع مدى توافقه مع الشريعة الإسلامية بجانب الأسباب الأخرى والخاصة بدعوى البطلان في الحالات التي ذكرناها عند الحديد عن دعوى البطلان .
وقد يثور التساؤل هل حقق نظام التحكيم الجديد جميع ما كان يتطلع إليه المختصين والمهتمين بالأمر ؟
وقد يكون الرد على هذا السؤال سابق لأونه حيث أن اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الجديد لم تصدر بعد والتي يتمنى الجميع أن توضح بعض المواد والتي قد يكون فيه غموض والتي أشرنا إليها في موضعها .
وفي هذا الصدد يقول الدكتور خالد النويصر رئيس لجنة التحكيم بمجلس الغرف " ليس هناك نظام كامل؛ فالأنظمة جهد بشري وهي دائما في حالة تطوير وتحديث وفق معطيات مختلفة، لكن النظام الجديد يعتبر نقلة كبيرة رغم وجود بعض الملاحظات ونحن في انتظار اللائحة والتي نرجو أن تتضمن تفصيلاً واضحاً لهذا النظام، وأن تواكب ما عليه الأنظمة الدولية سواء كانت أموراً إجرائية أو غيرها كما نأمل أن تواكب هذه اللائحة ما تم النص عليه في قواعد التحكيم الخاصة بغرفة التجارة الدولية والتغلب على نقاط الخلاف والاستفادة من النقاط الإيجابية في اللائحة التنفيذية التي تساعد حركة الاستثمار في كلا النظامين، ومن ثم احتكام المتخاصمين سواء كانوا وطنيين أو أجانب لأحكام نظام التحكيم السعودي الجديد مثل ضم الدعاوى التحكيمية ومحكم الطوارئ، ولعل تقييمه لا يزال مبكرا حتى يدخل حيز التنفيذ والممارسة العملية التي تظهر العيوب والمزايا.[44]


إعداد
مستشار قانوني
أحمد عبد الفتاح
[1] أنظر مشروعية التحكيم في الفقه الإسلامي ، د. زيد عبد الكريم الزيد ، صفحة رقم 8 بحث منشور على شبكة الآنترنت .

[2] ألغ المنظم السعودي المواد من (193 ــ 497 ) ليحلها محلها نظام الغرف التجارية

[3] أنظر حقيبة مقرر قانون التحكيم ، د . هشام موفق عوض ، د . نايف سلطان الشريف ، صفحة رقم (8) جامعة الملك عبد العزيز كلية الإقتصاد والإدارة

[4] حقيبة مقرر قانون التحكيم ، المرجع السابق ، صفحة (9)

[5] أنظر نظام العمل والعمال السعودي مادة (183) الصادر بتاريخ 1389 هـ

[6] أنظر نظام الغرف التجارية والصناعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400هـ ولائحته التنفيذية

[7] حقيقة مقرر قانون التحكيم المرجع السابق صفحه رقم (10).

[8] نظام التحكيم في المملكة (الواقع والمأمول ) مقال للدكتور صالح جاد المنزلاوي ، مجلة المحامين العرب ــ العدد الرابع .

[9] دراسة نقدية لنظام التحكيم السعودي ، د . نايف بن سلطان الشريف ، كلية الإقتصاد والإدارة قسم القانون .

[10] المادة (25) من الائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الصادر في عام 1403 .

[11] المادة الأولي من نظام التحكيم السعودي الجديد الصادر في عام 1433 هـ ،

[12] المادة الأولى من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي (م/46) لسنة 1403 .

[13] المادة التاسعة من نظام التحكيم الجديد الصادر في عام 1433 هـ .

[14] المادة الثانية عشر من نظام التحكيم الجديد .

[15] المادة التاسعة من نظام التحكيم الجديد فقره (2)

[16] المادة السابقة من نظام التحكيم الجديد .

[17] المادة الخامسة من نظام التحكيم السعودي القديم الصادر في عام 1403 .

[18] النظام الجديد يتيح حل النازعات التجارية بدون مراكز تحكيم ، د . محمد عبد العزيز الجرباء ، مقال بجريدة الجزيرة السعودية العدد رقم 14498

[19] المادة رقم (2) من نظام التحكيم الصادر في عام 1403 هـ .

[20] المادة الثانية من نظام التحكيم الجديد الصادر في عام 1433 هـ .

[21] المادة الأولي فقرة (2) من نظام التحكيم الصادر في عام 1433 هـ .

[22] المادة الثالثة عشر و الرابعة عشر من نظام التحكيم الصادر في عام 1433 هـ .

[23] المادة العاشرة من نظام التحكيم الصادر في عام 1403 هـ .

[24] المادة الخامسة عشر من نظام الحكيم الصادر في عام 1433 هـ .

[25] المادة الثالثة عشر من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم القديم .

[26] المادة الخامسة والعشرون من نظام التحكيم الصادر في عام 1433 هـ .

[27] المادة السادسة والعشرون من النظام السابق .

[28] المادة الثامنة والعشرون من النظام السابق .

[29] المادة التاسعة والعشرون من نظام التحكيم السابق .

[30] المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الصادر في عام 1403 .

[31] المادة الثامنة والثلاثون من نظام التحكيم الصادر في عام ب1433 هـ .

[32] المادة السادسة عشر والسابعة عشر من نظام التحكيم القديم .

[33] المادة التاسعة والثلاثون الفقرة (5) من نظام التحكيم الجديد .

[34] الإجراءات الوقتية والتحفظية التي تملك هيئة التحكيم إتخاذها ، مقال منشور على صفحة مركز العدالة للتحكيم والاستشارات القانونية .

[35] الفقرة (1) من المادة الرابعة والثلاثون من نظام التحكيم الجديد .

[36] المادة الثانية والأربعون من اللائحة التنفيذية من نظام التحكيم القديم .

[37] المادة السابعة والأربعون من نظام التحكيم الجديد .

[38] المادة السادسة والأربعون من نظام التحكيم الجديد .

[39] المادة الثامنة عشر من نظام التحكيم القديم .

[40] المادة الرابعة والخمسون من نظام التحكيم الحالي .

[41] المادة الخمسون من نظام التحكيم الجديد .

[42] المادة الثامنة من نظام التحكيم الجديد .

[43] المادة الخامسة والخمسون من نظام التحكيم الجديد .

[44] لا تعارض بين التحكيم والقضاء السعودي ، د . خالد النويصر ، مقال منشور بجريدة الرياض في العدد 16138 بتاريخ 28/ 11/1433 هـ

ابو محمد 2
06-12-2015, 01:51 PM
بحث قيم شكر الله لك ونفع بك

أحمد عبد الفتاح
06-12-2015, 11:08 PM
أسعدني مرورك أخي المستشار أبو محمد ، والبحث قد أعددته منذ عام 2013 وسأقوم قريباً إن شاء الله بإعادة تنقيحه