المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعديل الشهود



الزغيبي
03-01-2010, 06:16 PM
مسائل قضائية
(17)
تعديل الشهود


الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فقد اتفق الفقهاء على اشتراط العدالة في الشاهد(87) ، لقوله تعالى : (( واشهدوا ذوي عدل منكم )) (88) .
والعدالة عند جمهور الحنابلة : (( استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ... ، ويعتبر لها ... شيئان : الصلاح في الدين وهو أداء الفرائض ، واجتناب المحارم .... فلا يرتكب كبيرة ولا يصر على صغيرة .... الثاني : .... استعمال المرؤة .... وهي فعل ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة )) (89) .
والصحيح من المذهب اعتبار العدالة في الشاهد ظاهراً وباطناً (90) .
وعدالة الظاهر: أن لا يظهر على الشاهد قادح ، ويظهر حسن سيرته وديانته ، والعلم بها مشترك بين كل من لهم به اتصال .
وعدالة الباطن هي : ما يخبره من يلابسونه في مثل هذه الأمور ، ويعرفون نزاهته من السوء أما العقائد الباطنة فأمرها إلى الله (91) .
وتعتبر العدالة في الشاهد حسب الإمكان ، والعدل في كل زمان ومكان وطائفة بحسبها لقوله تعالى : (( ممّن ترضون من الشهداء )) (92) ، والحليق وشارب الدخان في هذا الوقت ممّن يرضى الناس شهادتهم ، ولو اعتبـر في العـدالة ما ذكر في تعريفها لبطلت جلّ الشهادات ، ولضاعت الحقوق (93) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (( والعدل في كل زمان ومكان وفي كل طائفة بحسبها ، فيكون الشهيد في كل قوم من كان ذا عدل فيهم ، وإن كان لو كان في غيرهم لكان عدل على وجه آخر ))(94) .
وقال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ (( .... والصحيح أن الشروط تعتبر حسب الإمكان في الشاهد .... ويصير عدل كل قوم هو خيرهم ، فلا تكون العدالة المعتبرة الملغى ما سواها هي العدالة في زمن الصحابة )) (95) .

وتثبت عدالة الشاهد بإحدى طرق ثلاث :
الطريقة الأولى :
تعديل المشهود عليه للشاهد ، فإذا عدل المشهود عليه الشاهد لم يبحث عن عدالة الشاهد ؛ لأن البحث عن عدالته لحق المشهود عليه ، وقد اعترف بها ؛ لكن لا تثبت عدالة الشاهد في حق غير المشهود عليه ؛ لأن عدالته لم تثبت بإطلاق(96) .

الطريقة الثانية :
علم القاضي بعدالة الشاهد ، فإذا علم القاضي أن الشاهد عدل حكم بشهادته ، وإن علم فسقه لم يحكم بها (97) ، وليس هذا من حكم القاضي بعلمه .

الطريقة الثالثة :
شهادة رجلين بعدالة الشاهد (98) ، ويكفى في الشهادة على العدالة أن يقول : هو عدل ، أو عدل رضا ، أو عدل مقبول الشهادة (99) .
والتعديل حق لله تعالى ؛ لذا يطلبه الحاكم ، وإن سكت عنه الخصم ؛ لتوقف صحة الحكم عليه (100) ، ولا يحتاج في الشهادة على العدالة حضور الخصمين ولا الشاهد ، ويجب فيها المشافهة ، ويكفى غلبة الظن فيها بخلاف الجرح فلا يجرحه إلا بما رآه أو سمعه منه ، أو استفاض عنه (101) .
وكما تشترط العدالة في شاهد الأصل ، فإنها تشترط في الشاهد على العدالة (102) .
وقد ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم أن القاضي يتخذ أصحاب مسائل تتوفر فيهم شروط الشهادة يكتب إليهم باسم ونسب وصفة من يشهد عنده ممّن يجهل عدالته ليسألوا عنه ، فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم(103) .
وعند النظر في عمل المحاكم أجد أن القاضي يجهل في كثير من الحالات عدالة المعدلين ، بل قد يكون ظاهر بعض الشهود أفضل من ظاهر بعض معدليهم ، وطلب معدلين للمعدلين يلزم منه الدور ، فما هو المستند في قبول شهادة من جهل القاضي عدالته من المعدلين ؟
يمكن القول بأن : العدل من لم تظهر منه ريبة ، وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها الخرقي وغيره (104) فقبلت شهادته بناء على ذلك .
لكن على القول بذلك ، فلماذا لم يؤخذ بهذا القول في عدالة الشاهد الذي طلب تعديله ؟
وما المانع من اتخاذ أصحاب مسائل كما ذكر كثير من فقهاء المذهب وغيرهم ؛ لاسيما في القضايا المهمة ذات الأثر ؟
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(87) انظر : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص268 ؛ مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ، محمد بن محمد بن عبدالرحمن الخطاب ، دار الفكر ، ج6 ، ص151 ؛ مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، محمد بن أحمد الشربيني ، دار الكتب العلمية ، ج6 ، ص341 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418 .
(88) سورة الطلاق أية رقم 2 .
(89) كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص418ـ 422 . وانظر : الإنصاف للمرداوي ، ج11 ، ص43ـ 51 .
(90) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 ؛ شرح منتهى الإرادات ، للبهوتي ، ج3 ، ص488 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص423 ، م4223 .
(91) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص425 ، م4224 .
(92) سورة البقرة آية رقم 282 .
(93) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص419 .
(94) الإختبارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، للبعلي ، ص357 .
(95) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج13 ، ص23 ، م4323 .
(96) انظر: أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص426 ، م4226 .
(97) انظر : شرح مختصر خليل ، للخرشي ، دار الفكر ، ج7 ، ص169 ؛ أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص157 ، كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص348 .
(98) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص350ـ 351 .
(99) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(100) انظر : أدب القضاء ، لابن أبي الدم ، ص148 ؛ كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(101) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 .
(102) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص351 ؛ فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ، ج12 ، ص429 ، ص4231 .
(103) انظر : كشاف القناع ، للبهوتي ، ج6 ، ص353 .
(104) انظر : الإنصاف ، للمرداوي ، ج11 ، ص43 .

القاضي إياس
03-01-2010, 07:22 PM
شكر الله لك و نفع بك ..

الزغيبي
18-02-2010, 05:21 PM
فضيلة القاضي إياس شكرا لكم , وجزاكم الله خيرا .

المحامي علي السعدون
23-02-2010, 01:27 AM
أخي الكريم الزغيبي
وفقك الله فما تطرحه نوافذ علمية رائعة استفدت منها كثيرا .
زادك الله فقهاً وعلما

بليهي
24-02-2010, 01:17 PM
شكرا على الموضوع بس لو سمحت لي بتوضيح نقطة الحليق وشارب الدخان الله يعافيك

الزغيبي
17-03-2010, 09:00 PM
الأخ المحامي علي السعدون
الأخ بليهي
شكراً لكما ,وجزاكما الله خيراً .
الأخ بليهي الحليق وشارب الدخان ممن تقبل شهادتهما بالجملة ؛مالم يكن بأحدهما مانع من موانع الشهادة .

ابو مضر
23-03-2010, 09:11 AM
أخي الكريم إبراهيم الزغيبي
طرح متميز وجزاكم الله خيرا

الزغيبي
17-06-2010, 01:58 PM
الأخ المكرم أبو مضر
شكراً لك ,وجزاك الله خيراً .

ابو مضر
19-06-2010, 08:37 AM
جزاكم الله خيرا، هل يمكن للقاضي قبول شهادة شاهد معين وهو يراد دائما متواجد في المحاكم لعرض مساعدته لكل من يحتاج إلى شاهد ؟ وجزاكم الله خيراً

المحامي أحمد المالكي
19-06-2010, 02:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحسنتم فضيلة الشيخ إبراهيم بن صالح الزغيبي على هذه المشاركه القيمه , وقد أشكل علي في وقت من الأوقات مسألة إن كان الأصل في الإنسان المسلم العداله أم الجهاله حتى قرأت ما رُوي أن عمر رضي الله عنه أُتي بشاهدين. فقال لهما: لست أعرفكما، جيئا بمن يعرفكما، فأتيا برجل، فقال: تعرفهما؟ فقال: نعم، فقال عمر: صحبتهما في السفر الذي يتبين فيه جواهر الناس؟ قال: لا، قال: عاملتهما بالدنانير والدراهم التي تقطع فيهما الرحم؟ قال: لا. قال: كنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساءهما؟ قال: لا. قال: يا ابن أخي، لست تعرفهما، جيئا بمن يعرفكما.
وكذلك قول الشيخ تقي الدين: وأما قول من يقول: الأصل في الإنسان العدالة فقد أخطأ، وإنما الأصل فيه الجهل والظلم؛ قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} . وقال ابن القيم رحمه الله في (البدائع): إذا شك في الشاهد هل هو عدل أم لا لم يحكم بشهادته؛ إذ الغالب في الناس عدم العدالة.أ.هـ. وصرح أصحابنا وغيرهم: أن القاضي إذا عرف عدالة الشهود قال للمشهود عليه: قد شهدوا عليك، فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهما فثبته عندي، فإن لم يقدح فيهما حكم عليه. وأيضاً فالتزكية حق للشرع يطلبها الحاكم، وإن سكت عنها الخصم، كما هو الصحيح من مذهب أحمد.
جزاك الله خير ونفع بك

د. ناصر بن زيد بن داود
20-06-2010, 09:48 PM
توضيح هام :
العدالة في المسلم هي الأصل ؛ إلا في باب الرواية والشهادة عند جماهير العلماء .
- ففي الرواية : احتياطاً لتبليغ أحكام الله ؛ لما رواه مسلم عن ابن سيرين - يرحمه الله - أنه قال : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
- وفي الشهادة : احتياطاً للحقوق ؛ لقوله تعالى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ } .

= ومما صح عن أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله ( الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ؛ إِلاَّ مَجْلُودٍ فِى حَدٍّ ، أَوْ مُجَرَّبٍ فِى شَهَادَةِ زُورٍ ، أَوْ ظَنِينٍ فِى وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ ) .

رعاة لاجباة
03-07-2010, 02:08 AM
لا مشكلة في امر التعديل للشهود
وموطن الاشكال في القوادح الموجهه للشهود
فمثلا القدح بحلق اللحية لا وجه له اصلا لكون المسألة محل خلاف قوي بين اهل العلم ولو فتح الباب في مثل هذا الامر ما امكن سماع شهادة شاهد بخلاف مايكون محل خلاف غير معتبر
اما القدح بشرب الدخان فلا يخفى ان الدخان محرم وان وجد مخالف فهو قول شاذ سيما بعد اتفاق العقلاء على ضرره لكن امر الشهادة مختلف هنا لقاعدة عموم البلوى فالامر هنا منوط بدرجة كبيرة بالزمان والمكان فلو منعنا شهادة من يشرب الدخان مثلا في مصر فالنتيجه لاشهود الامن رحم ربك وكذا لو منعناه في حق الجنود ونحوذلك ومثل هذا الامر يحدده اجتهاد القاضي انما يجب ان يسبب القبول او الرفض في حال قدح احد الاطراف بذلك مع ان الامر في مصطلح العدالة كبير كما نص كلام الفاروق على حالات رد الشهادة والواجب وضع عناصر محددة للقوادح في العدالة وتذكر في مواد النظام وبذلك تكون رافعة للخلاف لان حكم الحاكم يرفع الخلاف وما كان خارج عنها فلا ترد به الشهادة حماية للاخرين من القدح الاجوف والذي يهدف الى الانتقاص او تعطيل اجراءات التقاضي وتأخير الاحكام وسد الباب امام الجميع من قضاة وغيرهم حتى لايكون الامر بلا زمام اوخطام بل ان القضاة انفسهم يعانون من عدم وجود ضوابط للقوادح فاصبحوا فريسة سهله للمجلس سابقا والوقت الحالي بسبب اختلاف وجهات النظر في امور لو صدرت بها انظمة ارتفع الحرج وزال الاشكال ولزم الجميع

الأعمش
15-04-2011, 01:52 AM
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ إبراهيم