المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كتاب/فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ



ابن البدر
06-03-2010, 12:47 AM
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم رئيس ديوان جلالة الملك سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد جرى الاطلاع على المعاملة الواردة إلينا منكم برقم 7/17/2167 وتاريخ 25/5/1377هـ المختصة بالنزاع الواقع بين محمد مدني زكري وبعض شركائه ضد محمد المهدي العطاس في البيوت التي بجيزان ، كما جرى الاطلاع على الصك الصادر من وكيل قاضي صبيا برقم 30 وتاريخ 25/10/77هـ المتضمن إثبات عقد بيع مدني للبيوت المذكورة على المهدي .
وبتأمل أوراق المعاملة والصك المذكور وجدت تتلخص فيما يلي :
1ـ أن مدني زكري باع البيوت المذكورة على المهدي بشرط الخيار منه ستة أشهر بألف وثمانمائة ريال . وهي دون نصف ثمن المثل ،وصار المهدي يؤجرها ويستغل أجرتها من حين صدور عقد البيع سنة 1371هـ .
2 ـ بعد تمام المدة تساكتوا فلم يكلم أحد منهم الآخر في فسخ البيع أو إمضائه بهذا الثمن أو بأكثر منه ، واستمر المهدي على وضع يده على البيوت واستغلالها
3 ـ لما كان في سنة 1374هـ قام المهدي يطلب تسجيل البيع فاعترض بعض شركاء مدني بأنهملم يوكلوه على البيع ، ولم يأذنوا له ولم يرضوا ببيع بيوتهم بهذا الثمن ، وهي تساوي خمسة آلاف بزعمهم ، كما أن مدني نفسه اعترض وادعى بأن عقد البيع عقد صوري كتوثقة بالثمن ، كما هو عادتهم في التوثقات والرهون ونحوها .
4 ـ رفعت المعاملة إلى قاضي صبيا حمد المطلق الغفيلي فاستشكلها وذكر أن هذه من بيع الأمانات واعتقد أن فيه شبهة ،وطلب إحالتها إلى محكمة جيزان لأن البيوت في جيزان ، فامتنع قاضي جيزان من النظر فيها وأرجعها إلى قاضي صبيا .
5 ـ صادف رجوعها حال غياب قاضي صبيا المذكور وكان وكيله أحمد البسام فنظر فيها وأصدر فيها الصك المرفق الذي لا يخلو من عدة ملاحظات . وخلاصته أنه أثبت البيع ، ولم ينزع يد المهدي من البيوت ، لكنه نظر إلى تشكي المدعين بالغبن ونقص الثمن عن ثمن المثل وأمر من يثمنه بواسطة رئيس محكمة جيزان ، فثمن بأربعة آلاف ريال . وارتأى وكيل قاضي صبيا أن البيع لازم بما قومه به الأمناء . هذا خلاصة الصك ـ على ما فيه .
6 ـ تشكى مدني زكري وشركاؤه من ما أصدره وكيل قاضي صبيا ،ورفعت المعاملة إلى وزارة الداخلية وصار إرجاعها إلى قاضي جيزان لابداء نظره فيها ، فقرر فيها قراراً يتلخص بما يقتضي تصحيح البيع ، ثم إنه إرتأى فسخ البيع وإرجاع البيوت إلى البائع وإرجاع الثمن إلى المشتري نظراً لوجود الغبن وغيره ، وقرر أن البيع للمهدي ، لأنه نماء ملكه .
7 ـ بتأمل ما ذكر وجدنا في كل من قرار رئيس محكمة جيزان وصك وكيل قاضي صبيا أشياء تحتاج إلى ملاحظة ،وتتلخص فيما يلي :ـ
أولاً : الملاحظات على صك وكيل قاضي صبيا . فهذه لا نطيل بتتبعها ، لكن حاصلها عدم صحة حكمه من أصله ، لأنه تناقض .
فلم يقل بصحة العقد بالثمن المسمى حتى يعرف أن ليس للبائع غيره . ولم يقل ببطلانه حتى يعرف أن الثمن مرجع على صاحبه والبيوت تعود إلى البائع مدني زكري وشركائه ، بل عمد إلى شيء آخر وهو ما قومته به الهيئة أربعة آلاف ريال وجعلها هي الثمن . وألزم الطرفين بموجبها ، وأثبت البيع بدون رضا منهم ولا اتفاق . وهذا عجيب منه ، لأنه إن كان يرى صحة العقد فكيف يلزم المشتري بزيادة ألفين ومائتين على الثمن المسمى بأصل العقد ، وإن كان يرى بطلانه فكيف يحكم ببقائه بيد المشتري . والحاصل أن العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً بحال ، ومتى أراد تصحيحه فلابد من إعادته بشروطه السبعة المعروفة . وأما الزيادة التي أضاف إلى الثمن الأول بموجب تقويم الهيئة فلا تصححه بمجردها . فعرف بهذا أن حكمه الذي بني عليه صكه المذكور غير صحيح من أصله فلا عمل عليه .
ثانياً : ما قرره رئيس محكمة جيزان فهو أقرب إلى الصواب من سابقه ، لكن مع ذلك لاحظنا عليه أنه ذكر في المادة الأولى من قراره تصحيح البيع ، لأن البائع باع عن نفسه وبالوكالة عن شركائه ،واستلم الثمن ،وسلم المبيع للمشتري ، وتصرف كل منهما ولم يلتفت إلى معارضة المدعين بنفي الوكالة ، وبأن البيع صوري بمثابة الرهن للتوثقة بالثمن . ثم أنه خالف ذلك في المادة الثانية حيث قرر فسخ البيع نظراً لاعتراض بعض الشركاء ونظراً لغياب بعضهم ولم تصدر منهم وكالة تخول مدني بيع عقارهم المشترك ،ونظراً لما قرره الأمناء من تثمين البيوت بأربعة آلاف ريال ، مع أن العقد وقع على ألف وثمانمائة وهي أقل من نصف ثمنه ، فصار فيه هذا الغبن الفاحش . إلخ حيثياته . فقرر فسخ البيع ، وإرجاع البيوت على مدني زكري وشركائه .وإرجاع الثمن على المهدي .
ومن تقريره هذا يظهر أنه يرى بطلان العقد من أصله ، لكنه خالف ذلك ، وذكر في آخر قراره أن الأجور للمهدي لأنها نماء ملكه ، والملك في المدة الماضية للمشتري .
ثالثاً : بعد تأمل جميع ما ذكر ظهر لنا أن العقد غير صحيح من أصله لأمور :ـ
(أولاً) لعدم ثبوت الوكالة التي تخول لمدني زكري بيع هذا العقار المشترك ، كما ذكر رئيس محكمة جيزان ، وإذا لم تثبت الوكالة فإن العقد باطل من أصله .وقبضه قبض فاسد ،والمقبوض بعقد فاسد حكمه حكم المغصوب ، فلا يملك به ، ولا ينفذ تصرفه فيه ، ويضمنه بنمائه المتصل والمنفصل ، وعليه أجرة مثله مدة بقائه عنده .
(ثانياً) أن من تأمل عقدهما بعين البصيرة وعرف معاملات أهل تلك الجهة وما يتعاطونه من الرهن المغلق الذي نهى عنه النبي صلى الله عليهوسلم بقوله :" لا يغلق الرهن من صاحبه" الحديث وتحيلهم على هذا ببيع الخيار الذي تباع فيه السلعة بأقل من ثمن مثلها عرف أن هذا هو الذي نص عليه الفقهاء في باب الخيار حيث قالوا : لا يصح شرط الخيار في عقد حيلة ليربح في قرض . وهذا هو ربا القرض الذي ورد فيه الحديث " كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا" وفي لفظ " نهى عن قرضٍ جر منفعة " .
فهذه العقود وأمثالها أكبر مقصودهم فيها انتفاع البائع بالثمن وانتفاع المشتري بالمبيع مع التوثيق والاستغلال حتى يرد عليه البائع الثمن ، وهذا شيء ظاهر ، ولهذا لايتمكن من بيعه ولا من التصرف فيه بغير الاستغلال بكل حال .
وربما يتوهم بعضهم أن هذا من بيع الخيار الذي نص الفقهاء على جوازه ، وليس كذلك ، فإن حقيقة بيع الخيار الجائز هو أن يقصد الإنسان بيع سلعته ثم يبيعها بما يقارب ثمن مثلها ، ويشترط الخيار مدة معلومة لينظر في خير الأمرين الامضاء أو الرد ، ومثله المشتري فهذا هو بيع الخيار الجائز بشروطه ، ولهذا قالوا : ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع وعوضه المعين فيها بغير إذن الآخر . وقيدوا الإذن بالتصرف بأن يكون الإذن بعد العقد لا قبله ولا معه ، كما قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله في حاشية على " شرح الزند " أن مراده إذا كان الإذن ونيته حادثين من البائع والمشتري بعد العقد ، ولم يريداه ولم ينوياه في العقد . بل دخلا في البيع على أصله الشرعي ثم حدث هذا الإذن بعد ذلك ، وإلا فإن أراداه ونوياه قبل العقد ودخلا في البيع عليه وعلى انتفاع المشتري بغلة المبيع حرم وبطل البيع لأن الذي يقبضه البائع قرضاً ، فكان هذا الخيار المشترط حيلة ليربح في قرض . أ هـ .
وقال شيخ الإسلام أبو العباس بعد كلام له : ونص على أنه إذا كان المقصود بالاشتراط الخيار أن يستوفي المشتري منافعها ثم يفسخ البائع العقد ويرد الثمن ويسترجع الدار لم يجز ، لأنه بمنزلة أن يدفع إليه المشتري دراهم قرضاً ثم يأخذها منه ومنفعة الدار ربح ، وذكر فيما إذا اشترط الخيار إلى أجل فهو جائز إن لم يكن أراد حيلة ، فمتى أراد أن يقرضه قرضاً ويأخذ العقار أو الشيء فيستغله ويجعل له فيه الخيار ليرجع فقال الأثرم : ليربح فيما أقرضه فهذا حيلة ، فإن لم يكن أراد هذا فلا بأس . أ هـ نقل ذلك عنه في " مجموع المنقور" .
ونقل المنقور أيضاً عن غير واحد من مفاتي نجد تقرير هذه القاعدة وتوضحيها ،وذكر عدة أمثلة مما يفعله بعض العوام في هذه الأزمنة تحيلاً على الربا بصورة بيع الخيار ، سواء كان قرضاً أو ديناً مؤجلاً . كما ذكر مراجعة وقعت بين الشيخ محمد بن اسماعيل وبين تلميذه أحمد بن محمد بن بسام قرر فيها ابن اسماعيل معنى ما ذكرنا ، ومثله جواب الشيخ محمد الخزرجي ،والشيخ ابن ذهلان وكذلك نقل عن الموفق الشارح وصاحب الإنصاف وغيرهم ، وللشيخ ابن عطوة جواب بمعنى ذلك ، وكذلك البلباني وغيرهم من المحققين رحمهم الله تركنا إيراد أجوبتهم هنا للاختصار .
إذا تقرر ما ذكر فينبغي تنبيه رئيس محكمة جيزان على ذلك وأن ينبه القضاة التابعين لمحكمته عليه .
وأما قضية مدني زكري وأحمد المهدي فالمتعين فيها أن ترجع البيوت على مدني زكري وشركائه ، ولهم أُجرتها ايضاً ، ويرجع عليهم محمد المهدي بالثمن الذي سلم لهم ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المصدر
http://islamport.com/w/ftw/Web/2269/1361.htm

البتار
14-12-2011, 11:09 PM
الله المستعان