المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سماع البينة بين الإقراط والتفريط



وجهة نظر
12-04-2010, 04:59 PM
فضيلة الدكتور / ناصر .... وفقه الله
إن المطلع على عمل أصحاب الفضيلة قضاة المحاكم العامة ــ بالذات ــ ليلحظ أمرا عجيبا ، وهو أنه في غالب القضايا التي لا يكون للمدعي فيها بينة تثبت صحة دعواه ، بعد أن يقرر أنه لا بينة له طبق دعواه ، فيعرض القاضي عليه يمين المدعى عليه على نفي دعواه ، فيطلب المدعي يمين المدعى عليه ، فيحلف المدعى عليه اليمين ويحكم برد دعوى المدعي ، فيعترض المدعي ويتقدم لمحكمة التمييز بلائحته الاعتراضية ويذكر فيها أن لديه بينة تثبت صحة دعواه ، وأنه إنما امتنع عن تقديمها رجاء أن ينكل المدعي عليه عن اليمين والحلف كاذبا فيثبت حقه بالنكول أو برد اليمين عليه ، وتارة يكون المدعي لا يعلم أن له بينة ، ثم بعد صدور الحكم برد دعواه ، وتسامع الناس به يجد من يبدي استعداده للشهادة طبق دعواه شهادة حق وصدق وبر أو شهادة زور وكذب وتلفيق ، بأنه سمع المدعى عليه يقر للمدعي أمامه بالحق المدعى به .
وهنا تتفاوت اجتهادات القضاة في سماع هذه البينة وقبولها ، فكثير منهم يرفض سماعها ، لأن المدعي قرر أمامه في مجلس القضاء أنه لا بينة له ، ويعضدهم في ذلك العبارة الشهيرة عند فقهاء الحنابلة في كتاب " القضاء" [ وإن قال : لا بينة لي ثم أقامها لم تسمع لأنه مكذب لها ]. وهذا يقوي احتمال أنها شهادة زور لجأ إليها المدعي لما رأى أنه سيخسر القضية ، ولا سيما في هذه الأزمان التي قل فيها لورع وخربت فيها الذمم وتجرأ الكثير على شهادة الزور ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فيكون إغلاق هذا الباب هو المتعين لئلا يتجرأ الناس على شهادة الزور
وفريق آخر يرى في أن عدم سماع بينة المدعي إهدارا لوسيلة مهمة من وسائل الإثبات ،لاسيما والمعتمد في المحاكم السعودية هو نظام (الإُثبات الحر بأي وسيلة معتبرة تؤدي إلى الحق ) ، علاوة أن المدعي قد يكون صادقا في دعواه ويكون شهوده شهود حق وبر وليسوا شهود زور ، وكثيرا ما يكون المدعى عليه قد أقر بالحق المدعى به أمام بعض زملائه أو أقاربه أو أصدقائه ، ولكنه يجحده أمام القضاء
فتعين سماع بينته إبراء للذمة واستنادا إلى القاعدة القضائية المقررة أن (اليمين قاطعة للخصومة وليست مزيلة للحق ) .
فما هو المتوجه لديكم في هذه المسألة ؟!! وما مستندكم فيه ؟!!
*

د. ناصر بن زيد بن داود
12-04-2010, 06:38 PM
أخي الفاضل : وجهة نظر .
لكل قاضٍ طريقته في سياسة الدعوى ، وذلك بسبب عدم الضابط الملزم لجماعة القضاة وفق قوالب محددة تتساوى فيها الدعاوى والحقوق والمآلات .

ولذلك : فبعد أن يحدد المدعي موقفه من بيناته بلفظ صريح غير محتمل - ليتسنى مؤاخذته عما يتجدد له من مواقف تجاه تقريره - فالمتوجه لدي الآتي :-

1- لو قال : لا أعلم لي بينة حتى هذه الساعة . ثم أحضر بينة بعد التحليف والحكم ، وثبت أنه كان يعلم بها قبلاً - لم يقبل منه ؛ لأنه مكذب لها .

2- لو قال : لا أعلم لي بينة . ثم أحضر بينة بعد التحليف والحكم ، ولم يكن يعلم بها حقاً : قبل منه ؛ وفق إجراءات التماس إعادة النظر .

3- لو قال : ليس لي بينة ، وأكتفي بيمين صاحبي لإنهاء القضية . لم يقبل منه أي بينة بعد ذلك ؛ لتقريره الاستغناء عنها بأداء اليمين .

4- ومثله لو قال : لي بينة ، وأكتفي عنها باليمين . من باب أولى .

5- ولو قال : لي بينة غير حاضرة ، ولا أعلم متى حضورها ، أو لا أستطيع إحضارها ، ثم عرضت عليه اليمين فقبلها : فله طلب سماع البينة متى تيسرت ؛ وفق إجراءات التماس إعادة النظر .

وكل هذه الاجتهادات من القاضي منها ما هو منصوص عليه كما جاء في صلب السؤال ، ومنها ما هو تطبيق لقواعد الفقه العامة ؛ خصوصاً : فروع قاعدتي ( المشقة تجلب التيسير ، الضرر يزال ) . وفقني الله وإياك لمرضاته

وجهة نظر
13-04-2010, 12:01 AM
دكتور/ ناصر : شكرا لتفاعلك مع الموضوع ولكن ماذا لو قال المدعي :
(ليس) عندي بينة ، لأنه لم يكن معنا أحد وقت تسليمي المال له ، وحلف المدعى عليه على نفي دعوى المدعي .
وحكم القاضي بناء على ذلك بعدم استحقاق المدعي للمال .
ثم بعد ذلك بفترة تقدم المدعي للتمييز زاعما أنه وجد شاهدا واحدا مستعد للشهادة بأنه سمع المدعى عليه يقر أمامه بأن للمدعي في ذمته الحق المدعى به ؟!! فكيف يكون التصرف حينئذ ؟!!

د. ناصر بن زيد بن داود
13-04-2010, 02:34 AM
أخي الكريم :
هذه المسألة مما يمكن بحثها قبل اليمين وبعده ، فموقف القاضي - ممن يقول : لي بينة . ثم يحضر من يشهد أنه سمع الخصم يقر بالمدعى به - كموقف القاضي ممن يحضر شاهد السماع بعد نفي البينة وتحليف الخصم .
ولا مزية لـ ( ليس ) هنا فيما يظهر لي .


ويمكن سبر وتقسيم الموقف القضائي على النحو التالي :-
1- طرح الشاهد قبل سماع شهادته ؛ لأن الحقوق لا تثبت بغير الكتابة وتحمل الشهادة أثناء التعاقد ؛ كما جاء في الآية الكريمة (282) من سورة البقرة .

2- قبول الشهادة فيما يتسامح الناس فيه عادة من قليل المال دون كثيره .

3- مناقشة الشاهد واختبار صدقه ، ثم تمكين المشهود عليه من قدح الشاهد أو الشهادة ، ثم التحري عن عدالته بما يقطع بعدم ممالأته لمن شهد له ، قبل تكميل الشهادة بيمين الطالب .


وأنا أميل للرأي الثاني ؛ مراعاة لأحوال الناس وعاداتهم في عدم التحوط في خسيس المال دون نفيسه . والله أعلم