المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ندوة التقاضي في بيئة الإنترنت



ابوعبدالعزيز
18-01-2009, 12:19 AM
ندوة
التقاضي في بيئة الإنترنت
تنظيم جمعية الحقوقيين – الإمارات العربية المتحدة
17-18/2/2002
المحامي يونس عرب


1- في الطبيعة الخاصة للإنترنت
الإنترنت لا تعترف بالحدود الجغرافية ، فالمكان والزمان عنصران غالبا ما لا يكون لهما أي اثر في انشطة تبادل المعلومات والعلاقات الناشئة في بيئة الإنترنت ، وللإنترنت سمات وخصائص ذات اثر على البناء القانوني والعلاقات القانونية ، فهي واسطة اتصال تنقل فيها المعلومات على شكل حزم ، توجه الى عنوان افتراضي لا صلة له بالمكان بوجه عام ، وليس ثمة طريق اتصال محدد من نقطة الى نقطة ، انما انتقال عشوائي يتخير بذكاء افضل الطرق واقصرها للوصول الى مقصده النهائي ، هذه الحزمة تحمل معلومة او رسالة بريد الكتروني او برنامجا او طلبا او غير ذلك ، وليس ثمة سيطرة مركزية لاحد على الإنترنت ، انها بيئة مملوكة لكافة الافراد والمؤسسات وليست مملوكة لاحد ، وليس ثمة اطار تقني او قانوني او تنظيمي يسيطر مركزيا على الإنترنت بل ان اداراتها والتحكم بها انما تحكمه طبائعها الذاتية وواقع ( حركة السير ) لملايين الاتصالات التي تتم في نفس الوقت

2- في اثر التقنية على القانون وفي مدى انسجام بعض الدعوات الدولية لحد ادنى من التنظيم القانوني لتقنية المعلومات مع واقع النظام القانوني العربي
ان التقنية العالية احدثت منذ نهاية الستينات اثارا واسعة على العلاقات القانونية والتصرفات القانونية اوجدت وخلقت فروعا وموضوعات قانونية استلزمت موجات متلاحقة من التشريعات ، وذلك في ثمانية حقول ، امن المعلومات - جرائم الكمبيوتر والإنترنت - ومسائل الخصوصية وحماية الحياة الخاصة ، ومسائل الملكية الفكرية للمصنفات الرقمية كالبرمجيات والدوائر المتكاملة وقواعد البيانات واسماء نطاقات وعناوين الإنترنت وحماية محتوى مواقع المعلوماتية ، وكذلك في حقول المعايير والمقاييس التقنية ، وفي حقل قواعد الاثبات والاجراءات الجنائية وما تبعها من مسائل الاختصاص والقانون الواجب التطبيق ، وفي حقل وسائل الدفع الالكتروني والخدمات المصرفية الالكترونية ، وتثير الان اوسع تحدياتها في حقل التجارة الالكترونية والحكومة الالكترونية التي مثلت الاطار الجامع لحركة التشريع المتصل بتقنية المعلومات ، وقد كان من اهم انتقادات الفقهاء بشان التدابير التشريعية لمسائل تقنية المعلومات ان التدخل قد تم في كل موضوع على حده واستقلال عن غيره ، ولهذا دعا هؤلاء الى تاطير فرع قانوني جديد هو قانون الكمبيوتر ، لكن ومن حيث لم يتوقع احد ، جاءت التجارة الالكترونية لتخلق الحاجة الى ايجاد تنظيم شمولي للمسائل القانونية المتصلة بتقنية المعلومات في كافة فروعها ، فالتجارة الالكترونية اظهرت الاهمية للتدخل التشريعي لتنظيم مسائل الخصوصية وامن المعلومات والحجية القانونية للمستخرجات ذات الطبيعة الالكترونية ومسائل الملكية الفكرية واسماء النطاقات وعلاقتها بالعلامات التجارية ومسائل التوثق والتعريف الشخصي والتواقيع الرقمية والتشفير ومعايير الخدمات التقنية ومواصفاتها والتنظيم القانوني لسوق الخدمات التقنية ومسائل الضرائب اضافة الى مسائل الحق في الوصل للمعلومات التي اثارتها بشكل رئيس فكرة الحكومة الالكترونية وبقية فروع قانون الكمبيوتر ذات العلاقة .
وانطلاقا من هذه الحقيقة علينا ان ندرك كدول عربية الاختلاف فيما بين الواقع الدولي وواقع انظمتنا القانونية في تعاملهما مع مسائل تقنية المعلومات ، وصحيح ان هناك شبه اجماع عالمي على وجوب ان يكون التدخل التشريعي في التجارة الالكترونية بحدوده الدنيا وهذا ما عبرت عنه الرئاسة الامريكية في عام 1997 عند اطلاق اطار التجارة الالكترونية وهو ما تبناه خبراء الاتحاد الاوروبي في مؤتمراتهم وهو ما تبناه المؤتمر العالمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1998 ، لكن لهذه الجهات ان تتبنى هذا الموقف لان نظمها القانونية عرفت عشرات التشريعات في حقل تقنية المعلومات قبل التجارة الالكترونية ، ولان نظمها منذ مطلع السبعينات عرفت حزمة تشريعات لا تزال اخذة في النماء والتطور في حقل جرائم الكمبيوتر وامن المعلومات وحجية مستخرجات الحاسوب والمواصفات والمعايير التقنية والملكية الفكرية والخصوصية وقواعد نقل وتبادل البيانات ووسائل الدفع الالكتروني وحماية المستهلك وغيرها ، لكن مجتمعاتنا لم تعرف مثل هذه التشريعات ولم تتقاطع مع موجات التشريع العالمية في هذا الميدان ، اضف الى ذلك ان ثمة عشرات الاتفاقيات الدولية والثنائية في حقل حماية البيانات ونقلها وفي حقل الحماية الجنائية من الانشطة الجرمية في عالم المعلومات ، نحن لسنا طرفا فيها وليس بين دولنا العربية حد ادنى من مثل هذا التعاون . لهذا لا يصلح معنا كدول عربية تبني وجهة النظر التي تطالب بحد ادنى من التدخل التشريعي دون تقييم هذه الدعوى ، فهي صحيحة للغير وليست صحيحة لنا ببساطة لانهم انجزوا وينجزون مئات التشريعات والاطر القانونية في هذا الحقل ونحن بعد لم نقف على أي من موجات التشريع هذه ، ولهذا فان الدول العربية مدعوة لوقفة اكثر شمولية ودقة في ارساء تنظيم تشريعي شمولي لافرازات عصر المعلومات ومن هنا تجدونني أومن بان استراتيجيتنا العربية هي بناء الـ E- Law ، أي بناء النظام القانوني المتوائم مع العصر الالكتروني ، وهي برايي وسيلة حقيقة لانتاج معارفنا القانونية الخاصة والكف عن سياسات استهلاك معارف الاخرين سيما وان شرائعنا السماوية وحركة تعاملنا مع التاريخ تدعونا لان نكون نحن لا ان نكون مستهلكين لخيارات الاخرين.
3- في الحاجة الى اداء قانوني وقضائي عربي يساير تحديات العصر الرقمي

اثارت البيئة الرقمية جملة من التحديات والمشكلات القانونية التي تطلبت وتتطلب تنظيما قانونيا في جانب منها لعدم تعرض القوانين القائمة في الدول العربية لتنظيمها او تتطلب اعادة تقييم للقواعد القائمة لتتوائم مع الطبيعة الخاصة لتطبيقات العصر الرقمي ، وومن ابرز التحديات القانونية في هذا الحقل تحديات التعاقد بالطرق الالكترونية Contracting by Electronic Means ، وتحديات وقانونية الدليل evidential value ، وفي اطارها يظهر الموضوع الاهم ، التواقيع الرقمية Digital Signature بجوانبه الموضعية والاجرائية ، ويرتبط به موضوع التشفير Cryptography ويتصل بالاثبات مسالة الموقف القانوني من الرّسائل الإلكترونيةِ Legal Recognition of Electronic Messages ، وتحديات انظمة الدفع الالكتروني والمال الالكتروني والبنوك الالكترونية electronic money and electronic banking Payment systems ، وتتصل هذه التحديات بمفهوم النقود الالكترونية ، الحوالات الالكترونية ، وآليات الدفع النقدي الالكتروني . وتحديات المسؤولية القانونية للجهات الوسيطة في انشطة الخدمات والمنتجات الالكترونية Liability of on-line intermediaries ، ومسؤولية جهات التوثيق واصدار الشهادات Certificate authorities. وتحديات التنظيم القانوني للبنية التحتية Infrastructure ، وتتعلق بالتنظيم القانوني لخدمات الاتصال وتزويد خدمة الإنترنت وجهات الاشراف على الاعمال الالكترونية في الدولة المزودة لحلولها وروابطها ، وما يتصل بهذا التنظيم من معايير ومواصفات وقواعد قانونية ومسؤوليات قانونية . وتحديات حماية المستهلكِ وتنفيذِ القانونِ Consumer protection and law enforcement وتحديات الملكية الفكرية Intellectual property في بيئة التجارةِ إلكترونيةِ، وتحديدا العلاقة بين حماية العلامات التجارية واسماء النطاقات ، الى جانب حماية محتوى مواقع التجارة الالكترونية من المواد المكتوبة والمرئية والمسموعة طبعا اضافة الى حماية برمجيات التجارة الالكترونية وحلولها التقنية خاصة تلك التي يجري تنزيلها عن الموقع بصورة رقمية . و مسائل امن المعلومات IT Security المتصلة بانماط اختراق مواقع التجارة الالكترونية ونظمها ومتطلبات امن الشبكات من مختلف صور جرائم الكمبيوتر والانترنت. وتحديات مسائل الخصوصية Privacy و الضرائب Taxation و الجمارك والتعريفة Customs وتنظيم مسائل التسليم المادي للمنتجات المبيعة على الخط :- و تحديات الاختصاص والولاية القضائية Jurisdiction والقانون الواجب التطبيق Applicable Law، وتحديات فعالية النظام القضائي في هذه البيئة وادواته الملائمة لضمان السرعة وسلامة المخرجات ، اضف الى ذلك كله ، ان جوهر المشكلة ليس مجرد التشريع ، بل سلامة الاطار التشريعي وملاءمته من جهة ، وآليات انفاذه على نحو فاعل وملائم دون خلاق معيقات او ردود فعل سلبية من قبل المخاطبين باحكام هذه القوانين كما حصل عربيا في حقل انفاذ تشريعات الملكية الفكرية على قطاع البرمجيات ، مع ما يستتبع ذلك من احتياجات البحث و الدراسة والتدريب والتاهيل لكافة الجهات ذات العلاقة بالنظام القانوني والقضائي ، وتطوير ادوات امتلاك المعرفة القانونية وتوظيف وسائل اتمتة المحتوى والحلول القانونية والقضائية ( المعلوماتية القانونية ) .

4- منازعات البيئة الرقمية وتحديات الاختصاص القضائي والقانون الواجب التطبيق
يتوقع في البيئة الرقمية – وهو ما حصل فعلا في الاعوام الخمسة المنصرمة - ظهور المنازعات بخصوص الاخلال بشروط التعاقد ، او الحاق الضرر بالغير او الاعتداء على العلامات والأسماء التجارية للغير او منازعات بخصوص تنفيذ العقد والتسليم المادي للبضائع ، ومن الوجهة العملية وبتحليل الحالات القضائية التي نظرت امام القضاء المقارن في اوروبا وامريكا ظهر ان غالبية المنازعات تتصل بمسائل الملكية الفكرية ومسائل التعويض عن الضرر جراء المنتجات المعيبة او الاخفاق في تقديم الخدمة بشكل صحيح .
ومشكلة منازعات التجارة الالكترونية تكمن في ان الغالب في علاقاتها القانونية انها تتم بين اطراف تختلف جنسياتهم واماكن اقامتهم وتتعلق بموقع لا يعلم مكانه ولا مكان الجهة التي تديره ولا وموقع الخادم (السيرفر ) الخاص به ، كما ان القانون الواجب التطبيق ايضا لا يكون محددا بوضوح ، وحتى في حال الاتفاق عليه بين المتعاقدين عبر العقد الالكتروني تثار مدى صحة مثل هذا الشرط في ضوء حقيقة ان المستخدم قد لا يكون قد قرأ العقد وهو بالتاكيد لم يناقشه وربما يقع هذا العقد وفق بعض النظم القانونية ضمن مفهوم عقد الاذعان ، اضافة الى ان ثمة العديد من النظم القانونية لا تتضمن للان تشريعات منظمة لمسائل تقنية المعلومات ، فما هو القانون الواجب التطبيق على منازعات التجارة الالكترونية ، ومن هي المحكمة المختصة ، وما مدى حجية احكام المحاكم الاجنبية ومدى قابليتها للتنفيذ في اقليم آخر ، ثم ما هي انجع الوسائل لفض منازعات التجارة الالكترونية ؟؟؟؟

بالنسبة لاوروبا ، حيث تسود النظم اللاتينية والجرمانية وكذلك الانجلوسكسونية في بعض دولها ، امكن لتجربة اوروبا الموحدة ان تحقق التكامل الاوربي ، ويقوم التكامل الاوروبي من الوجهة الاقتصادية على اربعة مباديء ، حرية انتقال البضائع ، حرية انتقال الخدمات ، حرية انتقال الافراد حرية انتقال رؤوس الاموال ، وما كان يمكن ان تكون هذه المبادئ فاعلة وحقيقة دون تحقيق تعاون واسع في حقلي الاحكام القانونية والتعاون القضائي ، وقد حققت اتفاقية بروكسل لعام 1968 حرية تبادل وانتقال القرارات القضائية ، وقد اصبحت هذه الاتفاقية نافذة منذ عام 1988 بموجب اتفاقية لوجانو . وقد مثلت هذه الاتفاقية اضافة الى اتفاقية روما لعام 1980 الخاصة بالقانون الواجب التطبيق على العقود والتي اصبحت نافذة عام 1990 ، احد ركائز تكامل الاتحاد الاوروبي .
ان القانون الاوروبي يجري تطويره عبر اتفاقيات conventionsبين الدول الاعضاء ومن خلال انظمة ولوائح regulations ومن خلال ادلة توجيهية واوامر تشريعية او تعليمات directives ايضا ، وتمثل المحكمة الاوروبية اطارا هاما لضمان التكامل والانسجام القانوني في الاتحاد الاوروبي ، ومؤخرا ، ضمن مسعى اوروبا لوضع حلول متكاملة لعصر الاقتصاد الرقمي ، جرى تطوير القانون الاوروبي ، ليتلاءم مع الاثار الجديدة لعصر المعلومات ، وضمن هذا السياق ، جرى وضع العديد من الادلة التوجيهية والتعليمات التي استندت الى دراسات شاملة ومتخصصة لكافة المسائل القانونية المتصلة بالتكنولوجيا والمعلومات ، من ضمنها مسائل الاختصاص والقانون الواجب التطبيق في بيئة الإنترنت ، ولهذا خضعت اتفاقية بروكسل ولوجانو الى مراجعة شاملة ، وجرى تقديم مقترح وزاري للبرلمان الاوروبي لاجراء تعديلات على الاتفاقيات القائمة ومقترح التعديلات لاتفاقية بروكسل المقدم من مجموعة العمل الوزارية ، جرى اقراره في عام 2000 ، لا يمس القواعد والمباديء الرئيسة لاتفاقية بروكسل ، لكن التعديل يتصل بالمادتين 13 و14 من الاتفاقية ، التي تنظم الاختصاص المتعلق بعقود المستهلك ، ووفق التعديل فان محاكم الدول الاعضاء التي يقيم ضمنها المستهلك تكون مختصة اذا وجه مورد البضاعة او الخدمة ( البائع ) انشطته الى المنطقة التي يقيم فيها المستهلك ، وتكون انشطة البائع موجهة لدولة المستهلك اذا تحقيق التبدل المعلوماتي عبر الإنترنت مع منطقة المستهلك . كما صدر عن البرلمان الاوروبي وعن مجلس اوروبا في حزيران 1998 تعليمات الاوامر القضائية المتعلقة بحماية مصالح المستهلكين ، وحيث ان الاحكام القضائية والاوامر القضائية المتعلقة بالاعلان والتسويق تتعلق بالنظام العام وفقا للقانون الدولي فان هذه الاحكام والاوامر لن تكون قابلة للتنفيذ من قبل المحاكم الاجنبية ، عوضا عن عدم قدرة جمعيات ومنظمات حماية المستهلك التدخل فيما يتصل بالمستهلكين في دول اخرى غير الدول الموجودة فيها هذه المنظمات ، وهذا سيؤدي الى الاخلال بقواعد حماية المستهلك وادخال المستهلكين في دائرة قانونية مفرغة ، من هنا تبنى البرلمان والمجلس هذه التعليمات او الامر التشريعي الذي تضمن ان محاكم الدولة العضو عليها ان تطبق الاحكام والاوامر القضائية الصادرة في دولة عضو اخرى ، وهذا الحكم سيؤثر ايجابا على انشطة الاستثمار في بيئة الإنترنت ، باعتبار ان هيئات ومنظمات حماية المستهلك ستكون قادرة على التعامل مع الانشطة الاعلامية والتسويقية وشروط البيع غير العادلة التي تتم من خارج الحدود . ولا يتضمن هذا التشريع حلولا بشان القانون الواجب التطبيق ، وسيصبح نافذ اعتبارا من 31 كانون الاول 2000 . اما دليل الخدمات المالية فقد قدم للبرلمان الاوروبي ولمجلس اوروبا مشروع تعليمات بشان خدمات المستهلكين المالية الخارجية ، وهي تعليمات معدلة للتعليمات والادلة التشريعية الخاصة بالخدمات المالية وتضمنت التعليمات المعدلة نصا بخصوص الاختصاص وهو المادة 12/4/أ وبموجبه يمكن للمستهلك ان يقيم دعواه امام محاكم اقامته او محاكم اقامة البائع بغض النظر عن قواعد اتفاقية بروكسل .اما الدعاوى المقامة على المستهلك فانها محصورة بمحاكم الدولة التي يوجد فيها مكان اقامته . واما بالنسبة لتعليمات للتجارة الالكترونية ففي اواخر عام 1998 تقدمت اللجنة الاوروبية بمشروع تعليمات او امر تشريعي خاص بالمسائل القانونية المتعلقة بالتجارة الالكترونية ( تعليمات التجارة الالكترونية ) ، وقد اقرها البرلمان الاوروبي ومجلس اوروبا في 18/11/1998 ، وتطبق على مزودي الخدمات المعلوماتية وتشمل كافة انشطة التبدل والتحويل على الخط ، كبيع البضائع على الخط ، وتقديم الخدمات على الخط بانواعها كالنشر الالكتروني والخدمات المهنية والتسلية وغيرها والتعريف غير مقتصر على التسليم الذي يتم على الخط وانما يشمل التسليم المادي للمنتجات المباعة على الخط . وفي حقل منازعات التجارة الالكترونية فقد اعتمدت المادة 3/1 معيار ان الدولة المختصة بالنظر في النزاع هي دولة المنشا الأصلي للخدمة ، وهو معيار مختلف فيه بل انه منتقد من منظمات حماية المستهلك وسيكون محل جدل لدى برلمانات الدول الاعضاء ، وقد بررت اللجنة الاوروبية اختيار هذا المعيار لانه يتيح ويشجع حرية انتقال واقامة مشاريع الاستثمار المعلوماتي في اية دولة من دول الاتحاد وفيما بينها وفقا لراي اللجنة . وان هذا المعيار يتعلق بالسلطات فقط كجمعيات حماية المستهلك ونحوها ، وفيما يتعلق باختيار القانون الواجب التطبيق فانه وفقا لتعليمات البيع عن بعد ، ( Distance-selling Directive ) ، فان المادة 12/2 ( وكذلك المادة 11/3 من مشروع تعليمات الخدمات المالية المعدل ) يقر ان للدولة العضو ان تتخذ التدابير لتضمن ان المستهلك لن يفقد الحماية المقررة عند الاتفاق على القانون الواجب التطبيق عبر الاتفاقيات التعاقدية عندما تعين الاتفاقية قانون دولة غير الدول الاعضاء ليطبق على العقد . وان المستهلك لا يملك فقد حقوق مقررة له بموجب التعليمات ، وبذلك قدمت هذه التعليمات ومشروع تعليمات الخدمات المالية حماية اكثر من تلك المقررة في المادة 5 من اتفاقية روما التي اقرت قانون اقامة المستهلك القانون الواجب التطبيق على العقد . وبالنسبة لمكان مواقع الإنترنت ( Website ) ، فقد اقترح اعتبار موقع الإنترنت او سيرفر الإنترنت بمثابة تاسيس ( شركة ) او مؤسسة قائمة بالمفهوم المقرر في المادة 5/5 من اتفاقية بروكسل وصيغة لوجانو بشان الاختصاص القضائي والمادة 4/2 من اتفاقية روما بشان القانون الواجب التطبيق تعليمات التجارة الالكترونية الاوروبية ، اوضحت ان موقع الإنترنت لا يمكن اعتباره كتاسيس شركة ( establishment of a company ) بمعنى ان الشركة لا يمكنها ان تتصرف على انها منطقة تسويق ( Forum-shopping ) في نطاق دول الاتحاد الاوروبي اذا هي انشات سيرفر في احدى دول الاتحاد الاوروبي ، فالتاسيس القانوني والوجود القانوني يرتكز على مكان تنفيذ الانشطة الاقتصادية الفعلية للموقع .
والخلاصة التي يمكننا ان نتوصل اليها بشان الاتحاد الاوروبي ان المحرك الرئيس لحل مشاكل الاختصاص والقانون الواجب التطبيق على منازعات التجارة الالكترونية هي مسالة حماية المستهلك ( consumer protection) وهي الاساس في تحديد الحلول والقواعد في هذا الحقل . ويظهر ايضا ان التوجه الاوروبي فيه نوع من التناقض ، اذ يختلف حل تعليمات التجارة الالكترونية التي اعتمدت البلد الاصلي لمنشا الخدمة ، عن حلول التعليمات والادلة التشريعية الاخرى ومقترحات تعديل اتفاقية بروكسل وصيغة لوجارنو ، التي تقوم على اساس النشاط المؤثر الموجه لمنطقة وجود المستهلك كمعيار عريض واساسي .
على كل حال فان موردي الخدمات على الإنترنت واصحاب مشروعات الاستثمار المعلوماتي عليهم ان يدركوا جيدا ان توجيه النشاط للمستهلكين الاوروبيين ، يمكن ان تؤدي وفي الغالب الى خضوعهم لاختصاص المحاكم الاوروبية وان تطبق عليهم القوانين الاوروبية المتشددة في نطاق حماية مستهلكيها ، وان الاعتراف بالقرارت الاجنبية وتطبيقها قد لا يكون متيسرا في نطاق الاتحاد الاوروبي اذا ما تعارض مع القواعد المشار اليها .
بالرغم من وجود هذه الادلة والاتفاقيات وتعديلاتها المقترحة فان نقصا لا يزال قائما في حقل منازعات التجارة الالكترونية ، لهذا مثلت الاتفاقية الصادرة عن مؤتمر هيوجو اواخر عام 2000 وسيلة هامة لسد النقص خاصة في حقل الاعتراف بالاحكام الاجنبية وانفاذها في المسائل المدنية والتجارية.
اما بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية ، فانني قد تناولت تفصيلا في موسوعة القانون وتقنية المعلومات – الكتاب الرابع منها بجزأيه - الجهود التشريعية المتخذة على المستوى الفدرالي لمواجهة مشكلات تنازع الاختصاص وتحديدا ما تضمنه قانون التجارة الامريكي الموحد وقانون معلومات صفقات الحاسوب لعام 1999 ، واما في حقل التطبيقات القضائية ، فان المحاكم الامريكة التي نظرت عشرات المنازعات المتصلة بالانترنت اخضعت هذه المنازعات الى ما يمكن تسميته فحص الاختصاص والولاية القضائية ، ويعتمد فحص قابلية المحكمة لنظر الدعوى في القانون الامريكي على توفر حد ادنى من الارتباط بين المدعى عليه ونطاق اختصاص المحكمة ( مجتمع المحكمة ) وهذا المعيار يختلف في فحص الاختصاص العام عنه في فحص الاختصاص المحدد او الخاص ، ففي حقل الاختصاص العام ( الفحص الاول عمليا ) لا بد من وجود اتصال وارتباط منتظم continuous and systematic contacts with the forum بين المدعى عليه ومجتمع المحكمة واما بشان الاختصاص الخاص او المحدد عند انتفاء الاتصال المنتظم فانه يتوقف على مدى وجود علاقة بين سلوك المدعى عليه وبين نطاق اختصاص المحكمة ومدى توجيه المدعى عليه انشطته لمجتمع المحكمة اضافة الى عوامل طبيعة الارتباط وعدد مرات الاتصال . وضمن هذه المعايير الموضحة تفصيلا في ورقة العمل ، كانت اتجاهات القضاء الامريكي على النحو التالي :-
بالنسبة للمواقع التي يقتصر نشاطها على ممارسة الانشطة الاعلانية للمنتجات والخدمات ، أي انها مجرد منصة اعلانية ، والتي يطلق عليها مواقع passive ، فقد قررت غالبية الاحكام القضائية الامريكية عدم كفاية النشاط الاعلاني وعرض المعلومات فقط للقول بقيام الاختصاص لانتفاء التفاعل مع نطاق اختصاص المحكمة والمقيمين فيه ، وسنشير خلال المحاضرة لحالات تطبيقية في هذا الجانب عوضا عما تناولناه تفصيلا في مؤلفنا المشار اليه . وحتى في الاحوال التي يظهر ان عددا من الاشخاص المقيمين ضمن مجتمع المحكمة قد اتصل بهذا الموقع ، فان غالبية القرارات لم تجد في عدد الاتصالات مبررا لوجود الاختصاص لان هذه المواقع لا توجه نشاطها خصيصا لمجتمع المحكمة ، ومع هذا فقد صدرت بعض القرارات التي خالفت التوجه الغالب ووجدت ان الاعلان على موقع خاص بالمعلن وثبوت وجود نحو 300 دخول من قبل مشتركين من مجتمع المحكمة يوفر الاختصاص للمحكمة باعتبار ان المعلن لدى معرفته بحصول هذه الاتصالات قبل ان يضع نفسه في علاقة مع مجتمع المحكمة وقبل ان يخضع لقوانينها ، وبغرض اعادة تقييم المحكمة العليا لاتجاه بعض المحاكم التي ترى في المواقع الاعلانية محلا صالحا لتحقيق الارتباط بمجتمع المحكمة بما يبرر الاختصاص ، قررت المحكمة فحصا من خمسة معايير ، يتضمن طبيعة الاتصال ، عدد مرات الاتصال ، نشوء سبب الدعوى عن الاتصال ، مصلحة المجتمع في نظر الدعوى ، مدى ملاءمة المحكمة لنظر نزاع الاطراف.
اما بالنسبة للمواقع التي تضيف الى الاعلان انشطة اتصالية اخرى ، فان المحاكم اصدرت قراراتها في ضوء طبيعة هذا الاتصال ، فبالنسبة لاضافة وسيلة الاتصال الهاتفي المجاني للموقع فقد اعتبرت المحاكم انه سلوك غير كاف لاقامة الارتباط بين المدعى عليه (مالك الموقع ) والمحكمة لكنها قررت وجود ارتباط كاف فيما اذا مارس الموقع انشطة اعلانية الكترونية لمشتركين من مجتمع المحكمة ، وكذلك في الاحوال التي ثبت فيها ان الموقع انشا قائمة بريد الكتروني لمستخدميه تضمنت مشتركين من مجتمع المحكمة ، وفي حالة ثبوت وجود مشتركين من نفس مجتمع المحكمة في خدمات صيانة وتطوير البرامج التي يعلن عنها .
واخيرا فان المحاكم الامريكية قررت اختصاصها وتطبيق قوانينها في الحالات التي ثبت فيها وجود الارتباط الكافي والنشاط المنتظم ، وهذه الحالات تتحقق في المواقع التي تسوق مبيعاتها لمجتمع المحكمة وتقدم خدماتها وتتلقى الدفع من وسائل ترتبط بمجتمع المحكمة
وفيما يتعلق باختيار القانون الواجب التطبيق والشروط التعاقدية المتصلة بفض المنازعات ، فان اثارتها تم ضمن دعاوى تتعلق في الغالب برخص البرمجيات ، ومدى مشروعية العقد الالكتروني على الخط ، ومدى قانونية التعاقد بمجرد الضغط على ايقونة ( انا اقبل ) وقد نما اتجاه قضائي نحو قبول هذه التعاقدات في الاحوال التي يثبت ان الموقع اتاح الفرصة للمستخدم لقراءة شروط العقد وان له خيارا متوفرا في الخروج من الموقع ورفض التعاقد ، وقد قاست قبولها هذا على قبول القضاء لشروط رخص فض العبوة التي توضع مع حزمة البرنامج المباعة في الاسواق ، اذ في الغالب لا يقرؤها الزبون لكن وجودها معه وادراكه ان مجرد فض العبوة تجعله ملزما بشروطها ادى الى قبول هذه الوسيلة التعاقدية ، في حين ان العقد الالكتروني يوفر ضمانات اكثر للمستهلك من رخص فض العبوة . هذا مع الاشارة الى ان قواعد حماية المستهلك تعمل جنبا الى جنب مع هذا التوجه اذ في الحالات التي يظهر فيها احتمال عدم اطلاع المستهلك على الشروط بسبب عدم وضوحها او في الحالات التي لا يتضمن الموقع وسيلة اضافية لاحقة على قرار قبول التعاقد لتاكيده قضي بعدم صحة الشروط العقدية المقررة للقانون الواجب التطبيق .

4- وسائل فاعلة لفض منازعات التجارة الالكترونية
تؤكد المؤتمرات الدولية في هذا الحقل على اهمية الوسائل البديلة لفض المنازعات ADR وعلى تمتعها بسمات فاعلة لمواجهة منازعات التجارة الالكترونية والملكية الفكرية ، باعتبارها تساهم في حل مشكلة الاختصاص والقانون الواجب التطبيق ، وتختصر الوقت والكلف وتحمي السمعة على نحو يتفق مع مشروعات تقنية المعلومات ، وتؤكد المؤتمرات الدولية ايضا على تشجيع ايراد شروط اللجوء للتحكيم او الوساطة او المفاوضات كبديل للقضاء ضمن تعاقدات التجارة الالكترونية ، وفي هذا الحقل تبرز تجارب عالمية وعربية مميزة ، كتجربة مركز تحكيم الوايبو ( منظمة الملكية الفكرية) وتجربة الاتحاد الاوروبي في وضع استراتيجيات وادلة توجيهية لتسوية المنازعات خارج المحاكم وادخال الوسائل الالكترونية لتسوية المنازعات ، وفي البيئة العربية ثمة تجارب مميزة يجري تطويرها وتعزيز دورها ، ومن المفيد الاشارة في هذه العجالة الى ان خبرة المحكمين المختارين في هكذا مراكز وطنية واقليمية ودولية يمكن ان تساهم في تجاوز مشكلات التخصص والخبرة الفنية في مسائل تقنية المعلومات خاصة تلك المتعلقة بالمحتوى التقني للمنازعات .
واخيرا تجدر الاشارة الى أحدث تطور عالمي في حقل فض المنازعات وهو العمل على حل المنازعات المتصلة بتقنية المعلومات والانترنت بشكل الكتروني وعلى شبكة الإنترنت نفسها ضمن ما يعرف بالتسويات الالكترونية والمحاكم الالكترونية ، وثمة توجه الى اعتماد انظمة كمبيوتر ذكية تعتمد على قواعد بيانات شاملة تتيح تلقي عناصر النزاع وفق القانون المعني وتقديم الحل لها ، وبالرغم من ممارسة اكثر من 40 جهة في العالم مثل هذا النشاط الا ان ما ساهم في تحقيقه توفر البناء الشامل لتشريعات تقنية المعلومات ، وسنستعرض وسائل عمل هذه الجهات ونماذج من انشطتها على الإنترنت خلال محاضرتنا باذن الله .
وكي لا نبقى في الاطار النظري وحتى نقدم لمضيفينا الاكارم شيئا نافعا باذن الله ، فانني اجد لزاما علي تقديم خلاصة انشطتنا ورؤيتنا للتعامل مع احتياجات هذه الموضوعات ، وذلك للجهة الاميز عربيا في تعاملها مع تحديات العصر الرقمي، حكومة امارة دبي العامرة ، حيث احمل معي ما اسميناه ( وديعة باحثي قانون الكمبيوتر ) الى فارس الاداء الرقمي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله ، وهي عبارة عن فكرة انشاء مشروع بحثي وتاهيلي وخدمي وانتاج تشريعي شمولي في حقل قانون الكمبيوتر كحصيلة لما اظهرته دراساتنا البحثية والميدانية وانشطتنا التدريبية في السنوات العشر الاخيرة .

ختام ودعوة

هل ثمة فرصة لانتاج معارف قانونية عربية اصيلة وفاعلة في حقل قانون تقنية المعلومات ومسائلها تتواءم مع افرازات نظمنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ؟؟ الحقيقة ان السؤال نفسه بهذه الطريقة ربما يكون خاطئا ،، والاصح التساؤل ، اليس ثمة اهمية استثنائية ومتطلبات موضوعية وذاتية لانتاج معارفنا وحلولنا القانونية الخاصة وتحقيق قدر متقدم وجدي في اجادة التعامل القانوني والقضائي مع تحديات العصر الرقمي؟؟
ربما اكون شخصيا من اكثر المتحمسين لسبر اتجاهات النظم المقارنة خاصة في حقل قانون الكمبيوتر بفروعه المختلفة ، وهو ما كرست له عشر سنوات من البحث والعمل كان من ضمن حصيلتها وضع موسوعة القانون وتقنية المعلومات في خمسة كتب ونحو عشرة اجزاء بوشر باصدارها تباعا منذ العام الماضي ، تناولت عرض مختلف التجارب العالمية بل والمدونات من الاتفاقيات والقوانين المقارنة ، لكنني واثق كل الثقة ان التجارب العربية تؤكد يوما بعد يوم ان خيارات النماذج التنظيمية والقانونية الجاهزة التي تغفل الواقع العربي وافرازاته لن تنجح في تحقيق الاهداف المرجوة ، لهذا فان اهم درس سنستفيده من عصر العولمة ، ولا نزال في افتتاحياته الاولى بعد ، ان على جهودنا التشريعية والبحثية ان تدرك جديا سر عصر المعلومات وسر ( الالكترونية ) وان تعيد قراءة قواعدنا القانونية واداءها التشريعي والقضائي في ضوء معطيات هذا العصر الذي هو في الحقيقة عصر متميز السمات والخصائص ذو اثار متلاحقة على نحو متسارع .
ان مجتمع القانون العربي ( جهات تشريع وقضاء ومحامين وجهات تنفيذ للقانون وحقوقيين ومستشارين ومحكمين وخبراء ) بامس الحاجة الى الوقوف على الجديد والمستجد في حقل النظريات والقواعد القانونية والمنازعات المثارة في عصر المعلومات ، وبحاجة اكثر الى تحويل المعارف الجديدة المنتجة اصالة من واقع البيئة العربية الى ممارسات تطبيقية فاعلة ، ولجهة تحقيق هذا الهدف وفعالية وشمولية محتوى الانشطة والبرامج المتصلة به ، يتعين براينا التوقف عن المعالجات المبتسرة والاهتمامات الانية والتحول الى خطط الاداء المنظم وتوظيف كل قدراتنا وادواتنا البحثية والتقنية في انتاج مشاعل المعرفة والابداع النظري ومخرجات التطبيق المميز ، لان هذا اقل ما يليق بامة الابداع والحضارة .