المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقوبة شرب المسكر



الزغيبي
15-05-2011, 04:44 PM
مسائل قضائية
(23 )
عقوبة شرب المسكر


الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فقد ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن من شرب ماء العنب إذا غلا واشتد دون عمل وقذف بالزبد يحد حدّ المسكر سكر منه أم لا .
وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن يحدّ لشرب ماء العنب المشتد بطبعه ، وإن لم يقذف بالزبد سكر منه أم لم يسكر .
أما من شرب غيره فلا يحدّ عندهم جمعياً إلا إن سكر منه (105) .
وذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من شرب مسكراً من عنب أو غيره حدّ حدّ المسكر سكر منه أم لم يسكر (106) .
وسبب الخلاف في ذلك يرجع إلى اختلافهم في حقيقة الخمر في الشرع فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن الخمر اسم للنيء من ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد ، وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن الخمر ماء العنب إذا غلا واشتد بطبعه دون عمل بالنار سواء قذف بالزبد أم لم يقذف به (107) .
وذهب الجمهور إلى أن كل ما أسكر فهو خمر سواء كان عصيراً أو نقيعاً من العنب أو غيره مطبوخاً أو غير مطبوخ (108) .
واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر وغيرهما (109) .
والراجح عندي أن كل ما أسكر فهو خمر؛ لذا عنونت المسألة بعقوبة شرب المسكر .

وقد ذهب جماهير الفقهاء إلى أن عقوبة شارب المسكر الحد لا التعزير ، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك (110) ، واختلفوا في مقدار الحد على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
أن مقدار حدّ شارب المسكر ثمانون جلده ، وإليه ذهب الحنفية ، والمالكية ، وهو المذهب عند الحنابلة ، وعليه جماهير الأصحاب (111) .
القول الثاني :
أن مقدار حدّ شارب المسكر أربعون جلده ، وإليه ذهب الشافعية ، ورواية عند الحنابلة (112) .
القول الثالث :
أن مقدار حدّ الشارب أربعون والزيادة إلى الثمانين تعزير موكول إلى رأي الإمام وإليه ذهب بعـض الشـافعية ، وهـو رواية أخـرى عن الإمـام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (113) .

واستدل أصحاب القول الأول بأدلة منها :
ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم (( أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين ، وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبدالرحمن : أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر)) (114) .
ووجه الدلالة من الحديث :
أن عمر ـ رضي الله عنه ـ استشار الصحابة ، فأشير عليه بأن يجعل حدّ شارب الخمر كأخف الحدود ثمانين جلده ، فأمر به ، والصحابة متوافرون لم يعارض منه أحد ،فكان ذلك إجماعاً منهم على ذلك (115) .
وأجيب عن ذلك بأنه ذكر في الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جلد نحو أربعين ، وفعله حجة لا يجوز تركه لفعل غيره ، ولا ينعقد الإجماع على خلافه ؛ فضلاً على أن بعض الصحابة لم يوافق عمر ـ رضي الله عنه ـ على ذلك كعلي ـ رضي الله عنه ـ كما يظهر من الدليل الثاني لأصحاب القول الثاني ، فدل ذلك على عدم انعقاد الإجماع (116) .

واستدل أصحاب القول الثاني بأدلة منها :
1 ـ ما رواه مسلم وغيره عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين )) (117) .
2 ـ ما رواه مسلم وغيره أن علياً ـ رضي الله عنه ـ أمر عبدالله بن جعفر أن يجلد شارب خمر فجلده وعلي يعدّ حتى بلغ أربعين فقال : أمسك ثم قال : جلد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أربعين وجلد أبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكل سنه وهذا أحب إلي)) (118) .
ووجه الدلالة من الدليلين ظاهر .

واستدل أصحاب القول الثالث بمجمل أدلة القولين الأول والثاني جمعاً بينهما .

وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء ذو الرقم 53 ، والتأريخ 4/4/1397هـ (119) بالإجماع أن عقوبة شارب الخمر الحد لا التعزير ، كما قرروا أنه ثمانون جلدة ؛ ما عدا فضيلة الشيخ / عبدالله بن قعود فيرى أنه أربعون .
والعمل جار فيما وقفت عليه من أحكام على أن عقوبة شارب المسكر الحدّ ثمانون جلده (120) .
هذا إذا كان شارب المسكر مسلماً ، فهل غير المسلم كذلك ؟
وكتبه :
إبراهيم بن صالح الزغيبي

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ
(105) انظر : تبين الحقائق ، الزيلعي ، ج6 ، ص44 ؛ بدائع الصنائع ، الكاساني ، ج5 ، ص113 .
(106) انظر : المنتقي شرح الموطأ ، سليمان بن خلف الباجي ، دار الكتاب الإسلامي ، ج3 ، ص148 ؛ تحفة المحتاج ، الهيتمي ، ج9 ، ص167 ؛ المغني ، الموفق ابن قدامه ، ج7 ، ص136 .
(107) انظر : بدائع الصنائع ، للكاساني ، ج5 ، ص112 ؛ تبين الحقائق ، الزيلعي ، ج6 ، ص44 .
(108) انظر المنتقي شرح الموطأ ، الباجي ، ج3 ، ص148 ؛ الأحكام السلطانية ، للماوردي ، ص284 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج9 ، ص136 .
(109) انظر السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ، تقي الدين ابن تيمية ، مكتبة ابن تيمية ، ص142 ؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت ، ج10 ، ص47ـ48 .
(110) انظر : فتح الباري ، لابن حجر ، ج12 ، ص72 .
(111) انظر المبسوط ، للسرخسي ، ج24 ، ص30 ؛ المدونة ، للإمام مالك بن أنس بن مالك الأصبحي ، دار الكتب العلمية ، ج4 ، ص523 ؛ الإنصاف ، للمرداوي ، ج10 ، 229 .
(112) انظر : الأحكام السلطانية ، للماوردي ، ص284 ؛ الإنصاف ، للمرداوي ، ج10 ، ص230 .
(113) انظر : أسنى المطالب ، للأنصاري ، ج4 ، ص160 ؛ الإنصاف ، للمرداوي ، ج10 ، ص230 ؛ الإختيارات الفقهية ، للبعلي ، ص299 .
(114) انظر : صحيح مسلم ، كتاب الحدود ؛ باب حد الخمر ، حديث رقم 3218 .
(115) انظر : المبسوط ، للسرخسي ، ج24 ، ص30 ؛ المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج29 ، ص137 .
(116) انظر : المغني ، للموفق ابن قدامة ، ج9 ، ص137 .
(117) انظر : صحيح مسلم ، كتاب الحدود ، باب حد الخمر ، حديث رقم 3218 ؛ سنن الترمذي ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في حدّ السكران ، حيث رقم 1363؛ مسند الإمام أحمد ، باقي مسند المكثرين ، حديث رقم12341 .
(118) انظر : صحيح مسلم ، كتاب الحدود ، باب حد الخمر ، حديث رقم 3220 ؛ سنن أبي داود ، كتاب الحدود ، باب الحد في الخمر ، حديث رقم 3884 .
(119) المبلغ بتعميم (و) رقم 73/12ت ، في 11/6/1397هـ التصنيف الموضوعي ، ج2 ، ص399ـ400 .
(120) انظر : القرار الصادر من محكمة الزلفي برقم 1/5/ق ، في 8/1/1427هـ ، المصدق من محكمة التمييز بالرياض بقرارها رقم 73/ج5/أ ، وتأريخ 5/2/1427هـ ؛ القرار الصادر من محكمة الزلفي برقم 85/5/ق ، في 27/12/1427هـ ، المصدق من محكمة التمييز بالرياض بقرارها رقم 58/ج5/أ وتأريخ 16/1/1428هـ .

الأعمش
15-05-2011, 06:00 PM
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ