المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحاماة حلال



أحمد المنشاوي
19-06-2011, 04:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره وسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) .

و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1).

وقال جل جلاله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71) .

فإن أحسن الكلام كلام الله ، عز و جل ، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار . و بعد :

فهذا بحث في المحاماة من حيث حكمها في الشريعة الإسلامية بينت فيه آراء العلماء المعاصرين ، فقسمت البحث إلى عدة مباحث فكانت على النحو التالي :

*البحث الأول: تعريف المحاماة .

*الفرع الأول : تعريــف المحـامـاة

*الفرع الثاني: الوكالة والوكالة بالخصومة .



*البحث الثاني :مشروعية المحاماة .



*الفرع الأول : المحرمون وأدلتهم .


*الفرع الثاني : أدلة المجيزون.



نسأل الله تعالى أن يتقبل هذا العمل البسيط ، فيسجله في صحيفة أعمالنا الخيرة .



و الله من وراء القصد


البحث الأول

تعريف المحاماة


ونعرض في هذا البحث إلى تعريف المحاماة لغةً ثم قانوناً وهذا الفرع الأول في هذا البحث .



أما الفرع الثاني : فنعرففت الوكالة بالخصومة لغة ثم نعرف الوكالة ، والوكالة بالخصومة في الاصطلاح الشرعي ، ثم نبحثت في الوكالة والخصومة في القانون الوضعي خاتماً البحث بتعريف جامع مانع للمحاماة وفق ما رأيناه .



الفرع الأول


تعــــــــريف المحــــامــــاة

كما هي عادة الأبحاث التي تتعرض لموضوع مقارن ما بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي يعرض الباحث للتعريف اللغوي ثم الشرعي ثم القانوني .

ولا جرم أن مصطلح المحاماة غير معروف بهذا اللفظ في فقه الشريعة الإسلامية مع إعترافنا بإمكانية وجود أساس شرعي ولغوي للمحاماةفي الشريعة الإسلامية ، لذلك سوف أبحث في جذور هذا المصطلح في اللغة العربية ومن ثم أبحث في تعريف المحاماة قانون وشرعاً ، ذلك أن المحاماة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا الوكالة بوجه عام والوكالة بالخصومة بوجه خاص . لعلنا نتوصل إلى تعريف شرعي جامع ومانع لهذه المهنة الهامةفي هذا العصر الذي ضاع فيه العدل على يد ما يسمى برجال العدل و القانون .

أولاً -المحاماة في اللغة :
المحاماة على وزن مفاعلة وهي مشتقة من حامى عنه ، من الحماية ، والحماية قد تكون حماية شر ودفاع عنه ، وقد تكون حماية خير ودفاع عنه .
قال الإمام الزبيدي : (حمى الشيء يحميه حمياً بالفتح وحماية بالكسر ومحمية منعه ودفع عنه ، وحاميت عنه محاماة وحماء منعت عنه ) .
و حمى المريض ما يضّره منعه إياه فاحتمي وامتنع ، والحامية الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضاً حامية وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم .
وقيل : ( أنّه لحامي الحميا أي يحمي حوزته وما وليه . ) .
و بما تقدم يتبين لنا أن المحاماة كلمة أصيلة في اللغة العربية وهي مشتقة من فعل حمى ، وحماية المتهم و حقوقه الشرعية هي صلب مهمة المحامي الشرعي .
ثانياً : المحاماة في القانون الوضعي :
يحاول شرّاح القانون تعريف المحامي بالاستناد إلى النصوص القانونية من خلال تحديد وظيفة المحاماة تارة والرجوع إلى المصادر التاريخية للمحاماة تارة أخرى .
والملاحظ أن القوانين الوضعية لم تأت بتعريف جامع مانع للمحاماة أو المحامي بل جاءت بتعاريف تصف جانب دون الآخر لهذه المهنة أو لصاحبها .
وإذا ما قمنا بعرض بعض التعاريف الواردة في الفقه المقارن فإننا نجد أنّ هناك تفرقة سائدة بين المحامي ووكيل الدعاوي.
فنجد أنّ القانون اللبناني رقم 17 لسنة 1983 م يعرف في مادته الأولى المحاماة بأنها : ( مهنة حرّة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون ، وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ... ) .
نلاحظ أن هذا التعريف بيّن جانبا واحدا فقط من جوانب المحاماة ، وهي وظيفة المحامي في مشاركة السلطة القضائية لتحقيق العدالة وكفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم .
أما القانون الأردني فقد نص في مادته الأولى على :
( أن المحامين هم من مساعدي القضاء الذين اتخذوا مهنة لهم تمثيل المتقاضين في الدعوى والقيام بإجراءاتها والمدافعة فيها وتقديم كل استشارة قانونية لمن يطلبها لقاء أجر ... ) .
إذاً القانون الأردني عرف المحامين بأنهم من مساعدي القضاء مع التأكيد على انهم قد اتخذوا المحاماة مهنة لهم يرتزقون منها وحدها مع عدم إجازة جعل مهنة المحاماة ثانوية . ثم شرح وظيفة المحامي ومهمته بأنها تمثيل المتقاضين و القيام بجميع إجراءات الدعوى وتقديم كل استشارة قانونية لقاء أجر عادل .
ولا جرم بأن كلا القانونين المصري و الأردني لم يأتيا بتعريف جامع مانع للمحامي القانوني.
وكذلك فعل القانون الليبي الذي عرف المحامين بأنهم : ( أعوان القضاء في الدفاع عن ذوي الشأن والقيام بالأعمال القانونية لدى المحاكم و مختلف الجهات وهم كل من قيد اسمه بجدول المحامين وفقاً لأحكام هذا القانون ) .
و نلاحظ ان التقنين الليبي بعد أن عدد مهام المحامين أو ما يستطيع فعله حصر هذا العمل بمن قيد اسمه بجدول المحامين دون أن يحق لغيره مهما كانت صفته أو شهادته العلمية مزاولة هذه المهنة أو إطلاق اسم محامي على نفسه .
أما القانون التونسي فقال بأن المحامي : ( مساعد للقضاء و يمثل الأشخاص والذوات المعنوية لـدى مختلف المحاكم للدفاع عنهم أو تأييدهم أو الإشـارة عليهم .
فالتقنين التونسي عرف المحامي بأنه مساعد يمثل الأشخاص الطبيعيين والذوات المعنوية أي كل من يملك شخصية معنوية وقيد مهمتهم بتأييد الموكل أو الإشارة إليه بالرأي القانوني .
أما القانون السوري فقد جاء بتعريف مبتكر ليس له مثيل في القوانين العربية بيد أنّه لا يسمن ولا يغني من جوع .
فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 39 تاريخ 21/8/1981 م على أن المحاماة : ( مهنة علمية فكرية مهمتها التعاون مع القضاء على تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وفق أحكام هذا القانون ) .
وقيد هذا التعريف عمل المحامي وجعله من الأعمال الفكرية والعلمية فقط دون الأعمال المادية وجعل مهمة المحامي التعاون مع القضاء لتحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الموكلين وفق أحكام القانون السوري .
و لكننا نتساءل هل يمكن أن ننزع هذه الصفة عن كل محام لا يتعاون مع القضاء لتحقيق العدالة ؟ .
لا جرم بأن الواقع العملي يثبت عكس ذلك كما يؤكد إخفاق القانون السوري والقوانين الوضعية الأخرى و فشلها الظاهر في صياغة تعريف جامع مانع للمحامي .
ومن خلال استعراضنا لنماذج من تعاريف المحامي والمحاماة في بعض التقنينات العربية نجد أنّ جميع هذه التعاريف قاصرة عن صياغة تعريف جامع مانع للمحامي ، وقد اكتفت بوصف جانب دون آخر أو تعداد مهام المحامي واختصاصاته .
وإذا انتقلنا إلى تعريف المحاماة عند شراح القانون ، نرى أنهم أوردوا تعاريف عديدة من دون أن يتمكن أحدهم من صياغة تعريف جامع مانع للمحاماة أو المحامي .
المحاماة مهنة شريفة تؤدي خدمة عامة تعيش في ظل الحرية وتنمو في رحاب العدل وتعمل تحت راية سيادة القانون
جاء الأستاذ غالب محمد القرالة بتعريف طويل جداً للمحاماة في كتابه أعوان القضاء قال فيه : ( المحاماة مهنة شريفة تؤدي خدمة عامة تعيش في ظل الحرية وتنمو في رحاب العدل وتعمل تحت راية سيادة القانون .
وهي رسالة ذات غاية قومية وإنسانية نبيلة تستهدف الدفاع عن الحقوق الطبيعية و الموضوعية للأفراد والأمة والوطن والإنسانية ، وهي تسعى في الوطن العربي لتوفير العدل والحرية وسيادة القانون لكل المواطنين و تحقيق الحرية و التقدم في المجتمع العربي في ظل شعارنا الخالد الحق و العروبة ) .
لاشك بأن هذا التعريف هو تعبير عن حالة نفسية أراد صاحبها وصف المهنة بأجمل ما يمكن أن توصف به وفق رأيه الشخصي .
وعلى العموم هو تعريف غير علمي وفيه عيوب لا تعد ولا تحصى ولعـل أهمهـا :
قال غالب القرالة : ( تعيش في ظل الحرية وتنمو في رحاب العدل وتعمل تحت راية سيادة القانون ) .
هذا القول غير صحيح على الإطلاق فالمحامي الشرعي يعمل في ظل الشرع الحنيف و العدالة أما المحامي غير الشرعي فينمو ويترعرع في رحاب الظلم والفزع وشراء الذمم و التلاعب بالحقوق .
لذلك نلاحظ قلة المحامين الشرفاء في سلك المحاماة وكثرة المحامين الذين لا يهمهم إلا الربح المادي من دون أن يشغلوا بالهم في العدل والعدالة .

ثم قال : ( هي رسالة ذات غايات قومية وإنسانية نبيلة تستهدف الدفاع عن الحقوق الطبيعية والموضوعية للأفراد والأمة والوطن والإنسانية ) .

فصاحب التعريف يورد مصطلحات جذلة طنانةبيد أنها فارغة المضمون ، لأنها مصطلحات أطلقها اللادينيون في مجتمعنا المسلم فصمت الأذان و أماتت كثير من القلوب و الضمائر .

كقوله هي ( رسالة ) فنحن لا نعلم أن المحامي مرسل من عند أحد بل هو وكيل عمن وكله يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة وبلاغة وحجج و براهين .

أما قوله : ( تستهدف الدفاع عن الحقوق الطبيعية والموضوعية ) .

فتعبير المؤلف غير موفق على الإطلاق لعدم وجود مثل هذه الحقوق ، فما هي الحقوق الطبيعية والموضوعية للإنسان ؟

لا جرم أنّ هذه الحقوق غير موجودة ، ولكن هناك حقوق و واجبات شرّعها الخالق العظيم يمكن للمحامي أن يدافعها ضمن أحكام وأوامر ونواهي الشريعة الإسلامية .

أما قوله : ( وهي تسعى في الوطن العربي لتوفير العدل والحرية ….. ) فيمكن الفهم منه أن المحاماة خارج ما يسمى بالوطن العربي لاتسعى إلى توفير العدل والحرية .. لا جرم بأن المحاماة وظيفة سامية في جميع أنحاء العالم وليس في جزء من أجزائه فقط بل لا نكون قد بالغنا إذا قلنا أنه ليس لهذه المهنة قيمة تذكر داخل الوطن العربي و العالم الثالث أما خارج هذين العالمين فيمكن إثبات عكس ذلك نوعاً ما .

وفي الختام فإن الأستاذ غالب القرالة لم يوفق في هذا التعريف على الإطلاق كونه تعريف عاطفي غير موضوعي . بل وكان الأجدر على الباحث أن يأتي بتعريف موضعي غير شخصي وجامع ومانع أيضاً .

أما الأستاذ رزق الله أنطاكي فقد عرّف المحامي بقوله : ( لا يدخل المحامون في فئة الموظفين فهم مساعدون قضائيون من نوع خاص تنحصر وظائفهم بمساعدة المتقاضين وذلك بإعطائهم الاستشارات القانونية و بالدفاع عنهم أمام المحاكم بطريق الوكالة ).

وعرّف الدكتور عبد العزيز عامر المحامي بقوله : ( طائفة خاصة يشترط في أفرادها العلم والكفاية و الخبرة وحسن السمعة ووظيفتها الوكالة عن الخصوم أمام المحاكم للدفاع عن موكليهـم وتقديم المشورة لهم وتولـي شـؤونهم القضائية ) .

يستفاد من التعاريف السابقة أنّ تعريف المحامي مرتبط بالوظيفة التي يشغلها وإن المحاماة تتضمن أنواعـاً ثلاثـة من الأعمال القانونية هي :


1. تقديم الفتاوى القانونية .


2. تمثيل الموكل في الدعاوى .


3. الدفاع عن الموكل أمام المحاكم وغير المحاكم .


وسنشرح هذه الأعمال بشيء من التفصيل وفق الترتيب السابق .

1- تقديم الفتاوى القانونية : يكون المحامي عادة عالماً بالقانون ونظرياته وتطبيقاته لذلك يمكنه تقديم وصف دقيق لجميع حقوق موكله ، وإرشاد موكله إلى الوسائل التي يوفرها القانون للمحافظة على حقوقه ، و إلى أوجه الدفاع المتوفرة تجاه دعاوى خصومه.

ويوحي إليه بالإجراءات التحفظية التي تعمل على حماية موقعه كما يمكن أن يرشد موكله إلى الاستخدامات الصحيحة للأدلة التي ترجح دعواه في حال توافر هذه الأدلّة ، أو البحث عن تلك الأدلة غير المتوفرة التي تضمن حكماً لصالح موكله .


2- تمثيل الموكل في الدعاوى : لعل هذا العمل من أهم أعمال المحامي ، فهو يسمح له بالحلول محل موكله في تحريك الدعوى القضائية والإشراف على الأعمال ، والإجراءات القانونية .


3- الدفاع عن الموكل أمام المحاكم وغير المحاكم : يعتبر الدفاع عن الموكل نشاطاً صرفاً يقوم به المحامي ولا يمكن لغيره القيام به إلا بشروط عديدة ضمن دائرة ضيقة تحددها القوانين .


الفرع الثاني

الوكالة والوكالة بالخصومة

تعريف الوكالة لغة : الوكالة بفتح الواو و قد تكسر .

و تطلق الوكالة على معاني متعددة منها :

1- الحفظ ومن ذلك قوله تعالى : ) وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ وَ نِعمَ الوَكِيلُ ( . أي أنّ الله تعالى هو الحافظ لمن وكله توكيلاً مطلقاً .

2- التفويض ، ومنه قول الله تعالى : ( تَوَكَّل عَلَى الله ) . أي فوض أمرك إلى الله سبحانه وتعالى وهو سيحميك وينصرك إن شاء .

3- الوكيل اسم من أسماء الله تعالى وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد .
4- الوكيل : هو الذي يقوم بأمر الإنسان .


الخلاصة الوكالة في اللغة تطلق على معاني عدّة لعل أهمها الحفظ والتفويض ، والوكيل المقيم بأمر الإنسان ، لأن موكله قد وكل إليه القيام بأمره فهو موكول إليه .

الخصومة في اللغة :
أما الخصومة فهي ، بالضم الجدل ، خاصمه خصاماً ومخاصمة . خصمه خصماً : غلبه بالحجة ، والخصومة الاسم من التخاصم والاختصام .


والخصم يستوي فيه الجمع والمؤنث ومن العرب من يثنيه ويجمعه ، فيقول خصمان وخصوم .

( وقيل للخصمين خصمان لأخذ كـل واحد منهمـا في شق من الحجـاج والدعوى ) .

والخصومة لها عدة معانٍ في اللغة منها :

الجدل : قال صاحب تاج العروس : ( الخصومة بالضم : الجدل ) .

المنازعة : قال الزبيدي : ( قيل للخصمين خصمان لأخذ كل منهما في شق من الحجاج والدعوى ) .


جانب العدل الذي فيه العروة : قال أبن دريد في الجمهرة : ( الخصم ، والجمع أخصام ، جوانب العدل أو الجوالق ، الذي يحمل فيه ، يقال : خذ بأخصامه أي بنواحيه ) .


الوكيل : ويطلق الخصم أيضاً على الوكيل والنائب في الدعوى .



بعد أن قمت بتعريف الوكالة والخصومة لغة وبينت معانيها مع مجموعة من التعاريف للوكالة والوكالة بالخصومة في الاصطلاح الشرعي والقانون الوضعي نبحث فيما يـلي :



1- الوكالة في الاصطلاح الشرعي .



2- الوكالة في الخصومة في الاصطلاح الشرعي .



3- الوكالة في القانون الوضعي .



4- الخصومة في القانون الوضعي .



أولاً- الوكالة في الاصطلاح الشرعي :



قال الإمام ابن حجر العسقلاني في تعريف الوكالة : (هي إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقاً ، أو مقيداً ) .


وعرفت مجلّة الأحكام في مادتها 1449 الوكالة كما يلي : ( هي تفويض أحد في شغل لآخر وإقامة مقامه في ذلك الشغل . ويقال لذلك الشخص موكل ولمن أقامه وكيل وذلك الأمر موكل به ) .


وعرف الشافعي الصغير الوكالة بأنها : ( تفويض شخص لغيره ما يفعله عنه حال حياته مما يقبل النيابة أي شرعاً … ) .


وعرف أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الوكالة بأنها : ( تفويض المتصرف والحفظ إلى الوكيل ) .



وقال الشيخ صالح المدهون بأن التوكل هو : ( إقامة الغير مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ممن يملكه ).



وجاء الأستاذ مصطفى الزرقا بتعريف مختلف نوعاً ما عما سبق عرضه من التعاريف فقال هي : ( عقد يفوض له الإنسان غيره ويبديه عن نفسه في التصرف ) .



و مما تقدم يمكننا أن نستنتج ما يلي :


إن الفقهاء لم يأتوا بتعريف جامع مانع للوكالة بل اكتفوا بتعريفها من حيث أنها : تفويض أو إنابة أو إقامة شخص مقام الموكل ولم يبينوا أو يحددوا شروط الوكيل في التعريف بل عالجوا شروطه في أركان الوكالة كما في مذهب الجمهور .


وهذه التعاريف لم تبين أيضاً صيغة الوكالة إلا حال الفقهاء كل ما يتعلق بصيغة الوكالة إلى أحد أركانها وهو الصيغة.



ثانياً : الوكالة بالخصومة في الاصطلاح الشرعي :



عرف الإمام الغزالي الوكالة بالخصومة بقوله : ( لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق مقصود و ذلك تارة يكون ابتداءً وتارة يكون اعتراضاً ) .


وعرفها الإمام السرخسي بأنها : ( اسم لكلام يجري بين اثنين على سبيل المنازعة والمشاجرة ) .


و الملاحظ على هذين التعريفيين أنهما عرفا الوكالة بأنهما كلام و الكلام يعني مفردات ذات معنى محدد مقصود ، بيد أن الوكالة بالخصومة هي عبارة عن عقد مبرم ما بين الموكل و الوكيل من أجل الخصومة فالسرخسي و الغزالي لم يبينا هذه المسألة الهامة بل نراهما قد بينا أن محل العقد منصب ليستوفى به مـال أو حق .



ثالثاً - الوكالة في القانون الوضعي


عرفت القوانين الوضعية الوكالة بأنها عقد ، ومضمون هذا العقد هو الالتزام بعمل قانوني لحساب الموكـل .


نصت المادة 655 من القانون المدني السوري والمطابق لنص المادة 699 من القانون المدني المصري على أن الوكالة ( عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ) .


أما قانون الموجبات والعقود اللبناني ، فقد عرفاها في نص المادة 769 بأنها :


( عقد بمقتضاه يفوض الموكل إلى الوكيل القيام بقضية أو بعدة قضايا أو بإتمام عمل أو فعل أو جملة أعمال وأفعال ويشترط قبول الوكيل ، ويجوز أن يكون قبول الوكالة ضمنياً وأن يستفاد من قيام الوكيل بها ) .


القانون اللبناني جاء بتعريف طويل للوكالة أعتقد أننا لسنا بحاجة إليه بهذا القدر ، و أن القانونين المصري والسوري كانا موفقين أكثر من القانون اللبناني بتعريف الوكالة .


جاء في المادة اللبنانية : ( القيام بقضية أو بعدة قضايا أو بإتمام عمل أو فعل أو جملة أعمال أو أفعال ) .


أما القانونين المصري والسوري فنصا على : ( أن يقوم بعمل قانوني ) .


ولا شك بأن هذه العبارة جملة من جوامع الكلم تستوعب جميع الأعمال القانونية التي ذكرتها المادة 769 من قانون الموجبات والعقود اللبناني .


أما ما جاء في المادة اللبنانية : ( ويجوز أن يكون قانون الوكالة ضمنياً وأن يستفاد من قيام الوكيل بها ) .


فهذه العبارة لا داعٍ لها و يمكن استنتاجها ضمناً دون حاجة إلى ذكرها صراحة في نص المادة ، وليت القانون اللبناني جاء بنص مماثل للقانون السوري والمصري لكان أفضل .



رابعاً :الخصومة في القانون الوضعي :


يقصد بالخصومة بالعرف القانوني ما يلي :



1- الحال القانونية التي تنشأ منذ رفع الدعوى إلى القضاء .



2- مجموعة الأعمال التي ترمي إلى تطبيق القانون في حالة معينة بواسطة القضاء .



التعريف الأول (مؤداه) أن المحكمة مجبرة على الفصل بالدعوى المعروضة عليها مهما كانت واهية الأساس وإلا كانت منكرة للعدالة .


أما التعريف الثاني فقد خرج من دائرة هذا التناقض وقال بأنها مجموعة من الإجراءات تبتغي تطبيق القانون وتنتهي إما بالحكم في حال وجود أساس متين للدعوى أو برفض الدعوى ، وبالتالي عدم الحكم إذا لم يكن لهذه الإجراءات أساس قانوني .


و على هذا تكون وكالة المحامي : ( مجموعة من الإجراءات القانونية التي ترمي إلى تطبيق القانون بواسطة السلطة القضائية .


بعد أن قمت بتعريف المحاماة لغة و قانوناً و رأيت أن جميع القوانين مع شرّاحها لم يأتوا بتعريف جامع مانع للمحاماة .







و عرضت لتعريف الوكالة والوكالة بالخصومة لغةً واصطلاحاً وقانوناً ، ثم عرّجت على تعريف الخصومة وفق المنهاج السابق وكانت الغاية من هذه التعاريف استنتاج تعريف جامع مانع للمحامي الشرعي .







تعريف المحامي الشرعي وشرح التعريف :







بعد الإطلاع على ما سبق أقترح أن يعرف المحامي الشرعي كما يلي :







( رجل ، رشيد ، عدل ،عالم بالشرع ، يوكل بما يصح شرعاً ) .







شرح التعريف :







*رجل : أي أننا أخرجنا المرأة من هذه المهنة سداً للذرائع ، ومراعاة للواقع و تطبيقا للنصوص الصحيحة من الشرع الحنيف .







*رشيد : أي أنه بلغ سن الرشد ، وبهذا أخرج من لم يبلغ سن الرشد أو بلغ هذه السن ولم يكن رشيداً .







*عدل : العدل هو الذي لا يرتكب الكبائر ولا يصر على الصغائر وبهذا القول أخرج غير المسلم ، أي أن غير المسلم لا يمكن أن يكون محامي عن المسلم في مخاصمة مسلم ، بل يمكن أن يكون غير المسلم وكيل عن غير المسلم فقط .







*عالم بالشرع : ويمكن تفسير هذا القيد بالشهادة الجامعية الملائمة لهذه المهنة .







*يوكل بما يصح شرعاً : وهذا قيد على جميع أفعال المحامي .







البحث الثاني







مشروعية المحاماة




انقسم العلماء المحدثين إلى فريقين في حكمهم على مزاولة مهنة المحاماة . فريق محلل وآخر محرم . وسعى كل من الفريقين إلى حشد الأدلة والبراهين المؤكدة لاجتهاده .







وسبب هذا الاختلاف بين الفقهاء المحدثين على ما أعتقد :







1- سوء سمعة المحامي القانوني وأثره السيء على المتقاضين والمحاكم .







2- عدم وجود تطبيق عملي متطور لهذه المهنة في التاريخ الإسلامي .







3- عدم وجود نص شرعي أكيد يحلل أو يحرم هذه المهنة .







4- فقدان المرجعية الإسلامية خصوصاً بعد إسقاط خلافة بني عثمان ووقوع معظم المسلمين فريسة الجهل والتجهيل الصادر عن الدول الاستعمارية وتلاميذهم الحاكمين لمعظم الديار الإسلامية بعد جلاء الأساتذة .







5- محاربة الاجتهاد والمجتهدين بحجة إغلاق باب الاجتهاد وادعاء عدم وجود مجتهدين في هذا العصر .







لهذه الأسباب مجتمعة لم تتطور الوكالة بالخصومة تطوراً يوافق ويلائم العصر الحديث ومشاكله .







وسوف أبحث في الصفحات التالية آراء العلماء المحدثين حول هذه المهنة .







كما سأبحث في أركان الوكالة لأننا سنعتمد عليها اعتماداً كبيراً لبناء المحاماة الشرعية.







و على هذا فالبحث الثاني سوف نقسمه كما يلي :







الفرع الأول : المحرمون وأدلتهم .







الفرع الثاني : أداة المجيزين .



الفرع الأول







المحرمون وأدلتهم





حلل معظم الفقهاء والكتاب المحدثين هذه المهنة . بيد أن قلّة قليلة منهم هاجم هذه المهنة وأصحابها حرم امتهانها والالتجاء إليها .







و لعل أشهر هؤلاء العلّامة أبو الأعلى المودودي عليه رحمة الله ، وهو أمير الجماعة الإسلامية في الباكستان .







والشهيد الدكتور عبد لله عزّام ، والدكتور خادم حسين .







وسوف نورد آرائهم وأدلتهم التي استندوا إليها مع مناقشة لهذه الأدلة والبراهين :







أولاً-العلامة المودوي:







قال الإمام المودودي يرحمه الله : ( هذه المهنة من أكبر معايب النظام الحاضر للمحكمة ، بل لعلها أكبرها وأشنعها ولا يمكن أن تقال أي كلمة في تبرير بقائها من الوجهة الخلقية .







أما من الوجهة العملية ، فليس هناك حاجة حقيقية لأعمال المحكمة لا يمكن سدّها بطريق غير طريق المحاماة .







إن حرفة المحاماة مما يأبى مزاج الإسلام وجوده إباءً شديداً ….. ) .







فالإمام المودودي يقرر أن المحاماة محرمة في الشريعة الإسلامية لعدة أسباب لعل أهمهـا :







1- هذه الحرفة من أكبر معايب النظام الحاضر للمحاكم الوضعية .







2- عدم وجود أي مبرر خلقي ، أو عملي لبقاء هذه المهنة في المحاكم .







3- إن وجودها يؤدي إلى تلاعب المحامين بالقانون الإلهي ، كما يتلاعبون الآن بالقوانين الوضعية .







4- إن المحامي يأخذ محلّه في السوق ببضاعة مهارته ، فهو يخرج الحجج القانونية لمن يوكله ، ولا يهمه إن كان موكله على حق أم على باطل .







5- إن هذه الحرفة ما ضرت نظام العدالة فحسب بل تسربت مضرتها إلى كل مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية .







6- إن الحكم الإسلامي عمر أكثر من نصف الدنيا ، دون أن ترى لهذه الحرفة أثراً .







ثم يورد الشيخ حرفة أخرى لتحل محل المحاماة مكونة من منصب الإفتاء و الوالة بالخصومة :







1- منصب الإفتاء : طالب الشيخ بتجديد منصب الإفتاء عن طريق تعيين من لهم خبرة في القانون على أن تقتطع لهم الرواتب المعقولة من الخزانة العامة حسب حاجة كل بلدة ومقاطعة . ويكون تزويد أي من الخصمين لهذا الموظف بأي مبلغ من المال غير مشروع بحكم القانون . ولا يكون للحكومة أي حق في الضغط عليهم أو التأثير على آرائهم عندما يحضرون المحكمة ويدلون بدلائلهم .







2-الوكالة : كما طالب الشيخ - رحمه الله - بإحياء وتطوير الوكالة التي كانت رائجة في محاكمنا أيام الحكم الإسلامي ، عن طريق إنشاء صفوف ثانوية يعلُم فيها ذوي الثقافة المتوسطة قانون سير القضايا نظرياً وعملياً .







والمتخرجون من هذه الصفوف لا ينبغي أن يكون من واجبهم إلا إعداد القضايا وتهذيبها للضابطة حتى تصير قابلة للمرافعة في المحاكم ولا بأس بالإذن لهم بتقاضي أجرة مناسبة من المراجعين على مثل هذه الأعمال .







رحم الله شيخنا المودودي فقد فسر الماء بعد الجهد بالماء وعوضاً عن تسهيل وتبسيط الإجراءات القضائية قام بتعقيدها بفصل مهنة المحاماة إلى مهنتين : الإفتاء والوكالة .







وعوضاً عن هذه الحلول المعقدة و التي تزيد الطين بلة .







لماذا لا نهذب مهنة المحاماة وفق شرعنا الحنيف وأخلاقنا السامية ومتطلبات العصر الحديث ؟







وسيرى القارئ العزيز سمات المحامي الشرعي الذي ينبغي أن يكون في شرعنا الحنيف منثورا في قرآننا الكريم و سنة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم .







ثانياًً : الدكتور عبد الله عزام :







أما الشهيد عبد الله عزام فقد قال : ( قال بعضهم إن عمل المحامي حرام ، لأنه يترافع أمام الطاغوت ويوقر الحكم بأحكام الكفر ، ويبجل القضاة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، وقـد تدخل المبالغات والزيــادات والتهويلات في مرافعاتـه …) .







يتبين مما تقدم أن الشهيد عبد الله عزام يحرم المحاماة لعدة أسباب ومفهوم المخالفة يقضي عند انتفاء هذه الأسباب أن يتغير الحكم ويكون ما هو حرام وفق ظروف معينة حلالاً وفق ظروف عكسية .







والأسباب التي دعت الشهيد إلى هذا الحكم هي :







1- ترافع المحامي أمام الطاغوت الذي يحكم بغير ما أنزل الله .







وعليه فإن المحاماة تصبح شرعية إذا لم يترافع المحامي أمام طاغوت ، بل أمام قاضي شرعي يحكم بما أنزل الله .







2- إن المحامي يدخل المبالغات والتهويلات في مرافعاته وعليه فإذا تأدب المحامي بآداب الإسلام وحدوده ، فإن هذه المهنة تصبح شرعية ولا شك في ذلك .







الخلاصة: أن المحاماة تصبح شرعية إذا وضعت في بيئة إسلامية وصيغت صياغة وفق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء .







ثالثاًً : الدكتور خادم حسين :







كان السيد خادم حسين من أشد مهاجمي المحاماة والمحامين وأستدل على حرمة المحاماة بما يلي : )







1-عدم معرفة هذه المهنة قبل القرن الثاني عشر من الهجرة إذ دخلت إلينا عبر أوربا التي استعمرت بلادنا .







2-إن الإسلام لا يبيح التوكيل بالخصومة أمام القضاء إلا في حالات اضطرارية .







3- الأجر الذي يستحقه المحامي مجهول يحيط به الغرر من كل جهة و أصول الشريعة لا تبيح صفقات الغرر .







4- التوكل بدفع الحد عن المتهم لا يصح في الإسلام .







5- المحاماة عبارة عن شفاعة والوكيل هو الشفيع ، والموكل هو المشفوع له ، والمعلوم أن الشفاعة لا تصح وعليه فإن المحاماة محرمة .







6- المحاماة قرينة بمهنة صناعة الخمر وبيع لحم الخنزير وهي من الحرف التي لا تجيزها أصول الشريعة .







وقد أحدثت مقالة للدكتور خادم حسين في تحريم الشريعة الإسلامية للمحاماة ضجةً عنيفة جداً وأثارت حفيظة كثير من العاملين في سلك القضاء والمحامين .







ومـن الذيـن ردوا على مقالة خـادم حسين القاضي الشـرعي فـي دولـة قطر - عبد القادر العماري - . والدكتور عبد لله رشوان إضافة إلى مقالات لم تنشر في الصحف لكثرتها .







الرد على شبهات الدكتور خادم حسين :







*الشبهة الأولى : عدم معرفة هذه المهنة قبل القرن الثاني عشر من الهجرة ودخولها إلى بلادنا عبر أوربا مع الاستعمار الأوربي .







*الرد على الشبهة الأولى :







إن المحاماة أو ما يطلق عليها الفقهاء الوكالة بالخصومة قديمة في بلادنا قدم المحاكم الشرعية ، بيد أن هذه المهنة لم تتطور إلا عند دخول الاستعمار الغربي إلى بلادنا ونحن سنستطيع - بعون الله سبحانه وتعالى - بعد أن تخلصنا من الاستعمار المباشر أن نتخلص من تلاميذه المسيطرين على معظم البلاد الإسلامية و أن نصبغ هذه المهنة الهامة بصبغة شرعية توافق بيئتنا الإسلامية و شرعنا الحنيف .







وليعلم الكاتب بأننا قد سبقنا أوربا منذ قرون في معرفة جذور هذه المهنة في الوقت الذي كانت لدينا الوكالة بالخصومة كان لدى أوربا ما يعرف بالنزال وصديق المتهم وهما أسلوبان همجيان للدفاع عن الموكل .







*الشبهة الثانية: إن الإسلام لا يبيح التوكيل بالخصومة أمام القضاء إلا في حالات اضطرارية .


*الرد على هذه الشبهة :

الحقيقة هي أن الوكالة بالخصومة جائزة في كل القضايا كقاعدة عامة إذا كانت ضمن دائرة المساعدة على إظهار الحقيقة وتطبيق الشريعة .


فالسلف الصالح - رضوان الله عليهم - كانوا يستخدمون الوكالة على نطاق واسع ولعل الأحاديث والآثار التي سوف نوردها - إن شاء الله - ستبين هذه الحقائق .


*الشبهة الثالثة : إن الأجر الذي يستحقه المحامي مجهول يحيط بـه الغرر من كل جهة .


*الرد على هذه الشبهة :

يقول الدكتور عبد الله رشوان رداً على هذه الشبهة : ( هذا الأجر أو الأتعاب نظير عمل ، وهو الجهد الذي يبذله المحامي في القضية لإظهار حقائقها بناء على اتفاقه مع موكله وبصرف النظر عن أي نتيجة . وهذه هي الحقيقة التي غابت عن الكاتب بحيث ظنّ أن الأتعاب مرهونة بنتيجة الخصومة . وبالتالي راح يربطها بعقود الغرر حتى يصل إلى حجة تؤيده فيما ذهب إليه من تحريم مهنة المحاماة في الكلية في الشريعة الإسلامية ، وهذا خطأ وقد يكون سبب هذا الفهم ما جرى عليه عرف بعض المحامين من تأجيل سداد بعض الأتعاب حتى تنتهي القضية وهو ما يسمى بمؤخر الأتعاب . وللمحامي الحق في تأجيل أتعابه كلها أو بعضها دون أن يمس ذلك أصل استحقاقه لها وكثير من المحامين الإسلاميين لا يعملون بهذا العرف ويتقاضون أتعابهم مقابل نظير عملهم فقط دون النظر إلى نتيجة الحكم في الدعوى وكـان مـن هـؤلاء ، المحــامي عبد القـادر عودة رحمه الله ) .







*الشبهة الرابعة : إن التوكل بدفع الحد عن المتهم لا يصح في الإسلام في القضايا الجنائية ( أي في الحدود ) .







*الرد على هذه الشبهة :







خلط الكاتب هنا بين التوكل بالخصومة ، والتوكيل فيما لا يقبل النيابة ، والفقهاء قد صرحوا بقبول توكيل المدعى عليه بالحد والقصاص بيد أنهم اختلفوا بحق الوكيل بالاعتراف عن موكله .







* الشبهة الخامسة : المحاماة عبارة عن شفاعة في حدود الله .







*الرد على هذه الشبهة :







إن الشفاعة التي لا تجوز هي طلب الرحمة لمقترفي الحد بعد ثبوت الحد وصدور حكم قضائي عليهم بذلك .







و لعل أبين مثال على ذلك هو محاولة أسامة بن زيد رضي الله عنه الشفاعة للمرأة المخزومية بعد ثبوت الحد عليها :







(عن عائشة بنت مسعود بن الأسود ، عن أبيها : قال لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش . فجئنا : إلى النبي صلى الله عليه وسلم نكلمه ، وقلنا : نحن نفديها بأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تطهر خير لها ) فلما سمعنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتينا أسامة فقلنا : كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قام خطيباً فقال : ( ما إكثاركم علي في حد من حدود الله عز وجل وقع على أمة من إماء الله ؟ والذي نفسي بيده ! لو كانت فاطمة ابنة رسول الله نزلت بالذي نزلت به ، لقطع محمد يدها ) .







وعلى هذا فإن المرأة المخزومية قد سرقت وثبت جرمها بحكم بات أصدره رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء أسامة ابن زيد فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لها بحد ثبت بشكل قاطع .







أما لو كان أسامة بن زيد جاء ليظهر حقيقة قد خفيت لكان فعل أسامة صحيحاً وشرعياً . والمحاماة على ما أعتقد تقع ضمن هذه الدائرة .







وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان : ( أن صفوان بن أمية قيل له : إنه إن لم يهاجر هلك ، فقدم صفوان بن أمية المدينة ، فنـام في المسجد وتوسد رداءه ، فجاء سارق فأخذ رداءه ، فأخذ صفوان السارق ، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده فقال له صفوان : إني لم أرد هذا يا رسول ، هو عليه صدقة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا قبل أن تأتيني به ) .







هذا الحديث فيه دلالة واضحة على أن الشفاعة تصح في غير مجالس القضاء ، والمحامي قد يستطيع إقناع المتضرر (المسروق ) بعدم رفع الأمر إلى القضاء ليحل الأمر بشكل ودي ، أما إذا رفع الأمر إلى القضاء ، وكان هناك شبهة تدرأ الحد عندها يستطيع المحامي بيان هذه الشبهة والبرهان على أنها تدرأ الحد عن موكله .







لقد أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات والحديث المروي في ذلك متفق عليه ، تلقته الأئمة بالقبول .







: ( من ذلك أن امرأة رفعت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زنت فسألها عن ذلك فقالت : نعم يا أمير المؤمنين وأعادت ذلك وأيدته ، فقال علي : أنها لتستهل به استهلال من لا يعلم أنه حرام ، فدرأ عنها الحد ) .







وقد قسم فقهاء الحنفية الشبهة إلى شبهة في الفعل تسمى شبهة الاشتباه وشبهة في المحل ، الأولى تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة فظن غير الدليل دليل ، فلا بد من الظن وإلا فلا شبهة أصلاً كظنّه حل وطء المطلقة ثلاثاً في العدة ففي هذه الحال لا حد إذا قال ظننت أنها تحل لي والشبهة في المحل مثل المطلقة طلاقاً بائناً بالكنايات ثم جاء الإمام أبو حنيفة بشبهة ثالثة وهي شبهة العقد فلا حد إذا وطئ محرمه بعد العقد عليها وإن كان عالماً بالحرمة فلا حد على من وطئ ، امرأة تزوجها بلا شهود وبغير إذن مولاها .







فالمحامي يستطيع أن يتأكد من حقيقة الشبهة ومدى مسؤولية موكله تجاهها ثم يحاول أن يجد ما يخفف الحكم عن موكله إذا كان مقتنعاً أن هناك ظروفاً توجب ذلك ، ولكن ليس من حقّه بل لا يجوز له أن يحاول تبرئة موكله من التهمة الموجهة إليه وهو يعلم أن الحقيقة خلاف ذلك .







إن من حق المتهم أن يبعد عن نفسه التهم وإن الغالب في المتهمين إذا دخل دوامة الاتهام يقع تحت ضغط نفسي وعصبي لا يتمكن معه من تجميع أفكاره وإيرادها بالتسلسل وبالوجه الصحيح وهنا يأتي دور المحامي فيعقد القضية ويهيئها ويهيىء الحجج والبراهين والمستندات اللازمة وكل الأدلة والقرائن وهي أن المحامي سيمنع وقوع الحد ، فإن الشرع الحنيف - ولله الحمد - لا يتعطش إلى إقامة الحدود أبداً .







وبعد هذا هل يمكن أن ندعي بأن المحاماة ما هي إلا شفاعة في الحدود لكي يترك المتهم تحت سطوة التهمة وعظمة بلواها بحيث لا يستطيع أن يدافع عن نفسه بحكم الكرب الذي وقع فيه ، أما المحامي بحكم علمه وإطلاعه وبعده عن هذا الكرب ، يستطيع أن يجمع الأدلة ويعد الدفوع للدفاع عن المتهم ولإقناع القاضي ببراءته من التهمة الموجهة إليه .







*الشبهة السادسة : المحاماة قرينة بمهنة صناعة الخمر وبيع لحم الخنزير ، فهي من الحرف التي لا تجيزها أصول الشريعة .







*الرد على الشبهة :







صاحب هذه الشبهة يقيس مهنة صناعة الخمور وبيع لحم الخنزير بمهنة المحاماة وهذا يؤدي إلى أن المحاماة المحرمة بين المسلمين حل لسواهم . وهذا أمر لا يقوله أحد من أهل القبلة إلا بدليل شرعي قطعي الدلالة والثبوت .







وسيرى القارئ في الصفحات التالية أن هناك أدلة نقلية وعقلية تبين شرعية المحاماة وضرورتها خاصة في المجتمع المسلم المعاصر .




الفرع الثاني







أدلة المجيزين





المحرمون لمهنة المحاماة هم قليلون جداً و أدلتهم النقلية تكاد تكون معدومة ، وأدلتهم العقلية من السهل الرد عليها .







أما المجيزون لهذه المهنة فهم كثر جداً : وقد استدلوا بأدلة نقلية وعقلية كثيرة نوردها بالترتيب التالي :







أولاً - القرآن الكريم :







في القرآن الكريم ما يدل دلالة قطعية على جواز الاستعانة بمن هو أفصح لساناً وأكثر بياناً ، وأقدر على إبراز الحجة وتمحيص الأدلة والقرائن والمناقشة وغير ذلك . ولعل الآيات الكريمة تبين ذلك .



قال تعالى : ( قالَ ربِّ إنِّي قَتلتُ مِنهُم نفسَاً فَأخَافُ أَن َيقتُلونِ w وأَخِي هَارونُ هُوَ أَفصحُ مِنّي لِسَاناً فَأَرسِلهُ مَعي رِدْءاً يُصَدِّقُنِيَّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكذِّبونِ w قَالَ سَنشُدُّ عَضُدكَ بأخيكَ وَنجعلُ لـكمَا سُلطانـاً فَلا يَصِلونَ إليكمُـا بِـآياتِنـا أنتمَـا ومَنِ اتَّبعكمَا الغَالبونَ w) .


فموسى عليه السلام بعد أن قتل القبطي خاف أن يقتلوه لهذه الفعلة ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه دفاعاً حسناً لما فيه من حبسة لسانه . لذلك طلب من ربّه أن يشد عضده بأخيه ، لأنّه أفصح لساناً وأكثر قدرة على استعمال الحجـج والبراهين . أما هارون عليه السلام فإن دوره يشبه وظيفة المحامي الفصيح العالم بأساليب الجدال وتقديم الدفوع والطلبات .لعل في هذه الآية دليل واضح على شرعية المحاماة في شرع الله سبحانه وتعالى .


قول الله تعالى : ( وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ قالوا ربكم أعلمُ بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزقٍ منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً )







قال الإمام القرطبي :







( في هذه البعثة بالــورق دليل على الوكالة وصحتها ) .







كذلك قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاْتُ للفُقَرَاْءِ وَالمَسَاكِينِ والعَامِلِينَ عَلَيْهَا والمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيْلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيْلِ فَرِيْضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ w ).







فجواز العمل على الزكاة يفيد حكم الوكالة عن المستحقين في تحصيل حقوقهم : قال الإمام النووي : ( قد تعلق علماؤنا في صحة الوكالة من القرآن بقولـه تعالى : ( والعاملين عليها ) وبقوله : ( اذهَبُوا بِقَمِيْصِي هَذَا فَاَلقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ w) .







وآية القميص ضعيفة في الاستدلال وآية العاملين حسنة .







وهناك من يحتج بصحة الوكالة بالخصومة ( المحاماة ) .







بقول الله تعالى : ( وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعثوا حَكَمَاً مِن أَهلِهِ . وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيْدَا إِصلاحَاً يوفِّق الله بينهما إنَّ اللهَ كانَ عليماً خبيراً.w ) .







قال الإمام القرطبي لبيان خطأ من يحتج بهذه الآية للبرهان على شرعية الوكالة : (هذا نص من الله سبحانه بأنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان و للوكيل اسم في الشريعة ومعنى ، وللحكم اسم في الشريعة و معنى ، فإذا بين الله كل واحد منهما فلا ينبغي لشاذ - فكيف لعالم - أن يركب معنى أحدهما على الآخر ! وقد روى الدار قطني من حديث محمد ابن سيرين عن عبيدة في هذه الآية :







( وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها…… الآية ) .







قال : جاء رجل وامرأة إلى علي رضي الله عنه مع كل واحد منها فئام من الناس فأمرهم فبعثوا حكماً من أهله و حكماً من أهلها ، وقال للحكمين :







( هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي . وقال الزوج : أما الفرقة فلا .







فقال علي : كذبت ، والله لا تبرح حتى تُقر بمثل الذي أقرت به … فلو كانا







وكيلين أو شاهدين لم يقل لهما : أتدريان ما عليكما ؟ إنما كان يقول : أتدريان بما وكلتما ؟… ).







وبعد أن بين لنا الأمام القرطبي عدم صحة الاحتجاج بهذه الآية لشرعية المحاماة أورد آية أخرى يمكن أن تبين شرعية المحاماة من حيث أنها تعاون على رفع الظلم وبيان الحق ،وهو نوع من أنواع البر والتقوى .







قال تعالى : (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثـم و العـدوان و اتقـوا الله إنّ الله شـديد العقاب w .)







وهو أمر من الخالق العظيم لجميع خلقه بالتعاون على البر و التقوى و (البر يتناول الواجب والمندوب إليه ،والتقوى رعاية الواجب …) .







فعلى العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم ويعينهم الفني بماله ،والشجاع بشجاعته في سبيل الله .







وعلى المحامي الشرعي أن يعين المسلمين الدفاع عن حقوقهم ،فيبين لهم الحق من الباطل كما يبين لهم الطرق الكفيلة باسترداد حقوقهم المغتصبة ، وأموالهم المعرضة للخطر .







ثانياً - السنة النبوية الشريفة :







لا يخلوا كتاب من كتب السنة إلا وبين طيات صفحاته عدد حسن من الأحاديث التي تدل دلالة المفهوم أو المنطوق على شرعية المحاماة .







قال الأمام الشوكاني - عليه رحمة الله- : ( أما كون الوكالة تجوز في كل شيء ، فلأنه قد ثبت منه صلى الله عليه وسلم التوكيل في قضاء الدين ) ، كما في حديث أبي رافع رضي الله عنه :(أنه أمره أن يقضي الرجل بكره .).







وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في استيفاء الحد كما في







حديث : ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن أعترفت فارجمها ) .







وثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في القيام على بدنه وتقسيم جلالها وجلودها ، وهو في الصحيح وثبت عنه صلى الله عليه وسلم التوكيل في حفظ زكاة رمضان ، كما في صحيح البخاري في حديث أبي هريرة وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن أعطى عقبة بن عامر غنماً يقسمها بين أصحابه ، وقد تقدم في الضحايا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لجابر : (إذا أتيت وكيلي فخذ من خمسة وسقاً ) كما أخرجه أبو داود و الدارقطني .







وإني لأجد أصول الوكالة بالخصومة ( المحاماة ) في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار ) .







وفي سنن أبي داود : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار ) .







في هذا الحديث وصف لأحوال الناس أمام القضاء من خلال إظهار تفاوتهم في البيان والآراء وهذا التبيان يؤدي إلى خلل في ميزان العدل ، فالذي يملك لساناً طلقاً وأسلوباً متيناً مزخرفاً بالحجج المركبة والبراهين المستعارة يستطيع أن يقلب الباطل حقاً ، والحق باطلاً .







أما الخصم الآخر فيقع لقمة سهلة المضغ أمام لحن خصمه وحجته .







أما إذا استعان الخصم الضعيف بوكيل يملك من العلم ما يملك فإنه يستطيع أن يدحض حجة وبراهين خصمه ، ويرجع الحق إلى أصحابه .







ولعل هذه القصة تبين استحسان اتخاذ المقصّر وكيلاً يعادل خصمه بلاغة وحججاً .







كما وقع في تاريخ القضاء مرات .







من ذلك ما رواه الخشني في قضاة قرطبة ، قال : ( اختصم إلى أحمد ابن تقي رجلان ، فنظر إلى أحدهما يحسن ما يقول ونظر إلى الآخر لا يدري ما يقول وأراه توسم فيه ملازمة الحق فقال : يا هذا لو قدمت من يتكلم عنك وأرى صاحبك يدري ما يتكلم . ( فقال له أعزك الله إنما هو الحق أقوله كائناً ، فقال القاضي: ما أكثر من قتله قول الحق ) .







وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتمر بريّ ، فقال له صلى الله عليه وسلم : من أين هذا ؟ قال بلال : كان عندنا تمر رديّ ، فبعت منه صاعين بصاع لنطعم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم عند ذلك : ( أوه أوه عين الربا عين الربا لا تفعل ، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثم أشتره ) .







ولا جرم أن هذا الحديث يتكلم عن الوكالة ولكن يجب أن لا يخفى عن القارئ اللبيب أن الوكالة هي القاعدة الصحيحة للمحاماة الشرعية .







وقد بوب البخاري - عليه رحمة الله - أحد أبواب صحيحه بباب الوكالة وبدأ كتابه بحديث علي رضي الله عنه قال : ( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها ) .







وعن عروة الباروني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنّ رسول الله أعطاه ديناراً ليشتري به شاة فأشترى به له شاتين . فباع أحدهما بدينار . فجـاء بشـاة ودينار فدعـا له بالـبركة في بيته . فكان لو أشترى التراب ربح فيه ) .







وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً ) .







ففي هذا الحديث دليل واضح على شرعية الوكالة وتعلق الأحكام بالوكيل .







ونورد الآن أحاديث تدعم وتعزز المحاماة . ويجب أن لا يخفى على القارئ أننا نعالج المحاماة كما يجب أن تكون وفق أحكام الشريعة الإسلامية .







فالمحاماة في وضعها الحالي ليست شرعية حالها حال القانون الوضعي نلجأ إليها مضطرين فقط .







كما يضطر الجائع إلى أكل لحم الميتة أما في حال وجود الطعام الطيب فلا يحل له أن يأكل إلا طيباً .







الأحاديث المقوية لشرعية المحاماة :







قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ….) .







وقد فسر بن رجب الحنبلي رحمه الله النصيحة للمسلمين بأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه ، ويشفق عليهم ويرحم صغيرهم ويوقر كبيرهم ، يحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أ سعارهم وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع من تجارته وكذلك جميع ما يضرهم عامة ، ويحب ما يصلحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم ، ونصرهم على عدوهم ودفع كل أذى ومكروه عنهم … وقال الخطابي : ( … النصيحة لعامة للمسلمين وإرشادهم إلى مصالحهم …) .







ولا جرم في أن المحامي المسلم يستطيع أن يقدم النصيحة لموكله فيدفع عن نفسه ما يكره ويضر مصالحه كما يستطيع أن ييسر لموكله ما ييسر عليه من قضايا ومصالح ، فيكون المحامي خير من يوصله إلى بر الأمان .





( إن الدين النصيحـة : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .







الشاهد في هذا الحديث النصيحة لعامة للمسلمين . إذ يستطيع المحامي أن يرشد المسلمين إلى ما يصلح دنياهم وذلك بكف الأذى عنهم وتعليمهم الأنظمة وما يجهلونه . كما يستطيع أن يستر عوراتهم ويعلمهم واجباتهم وحقوقهم وكيفية المطالبة بها والدفاع عنها والمحافظة عليها.


إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى



قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .







هذا الحديث الشريف يبين لنا قاعدة جليلة في رفعتها وعامة في حكمها وهي :







أن جميع الأعمال والأفعال بالنيات ، أي أن المحامي إذا كانت نيته الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم فإن عمله هذا صحيح وشرعي . أما إذا كانت نيته الكسب المادي بأي شكل من الأشكال ولو كان ذلك بإهدار الحقوق وانتهاك الحرمات فلا شك بأن عمله غير شرعي وكسبه حرام .







ثالثاً : الإجمــــــــــاع :







قال الأستاذ سيد سابق : ( أجمع المسلمون على جوازها بل على استحبابها لأنها نوع على التعاون على البر والتقوى الذي دعا إليه القرآن الكريم وحببت فيه السنة . يقول سبحانه وتعالى :







( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) .







وقال الشيخ الكوهجي : ( انعقد الإجماع على جوازها ) .







وقال الإمام النووي : ( الإجماع منعقد على مدى الدهر منذ نزل الوحي إلى اليوم وإلى يوم الدين ) .







وقال الأمام الشوكاني : ( وقد قام الإجماع على مشروعيتها ) .







وربما يقول قائل أن كل هذه الأقوال تثبت مشروعية الوكالة ، وليس مشروعية المحاماة نقول بان المحاماة التي نحاول صياغتها تعتمد اعتماداً ربما كلياً على الوكالة في حكمها وشروطها بالإضافة إلى وحدة العلة بين الوكالة والمحاماة ، والتي سوف نراها في الدليل الخامس إن شاء الله تعالى .







رابعاً – الأثـــــــــــــــر :







توجد في بطون الكتب آثاراً كثيرة تبرهن على أصالة المحاماة في المجتمع الإسلامي أورد منها :






روي أن علياً – رضي الله عنه - وكّل عقيلاً رضي الله عنه عند أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ، وقال :( ما قضى له فلي ، وما قضى عليه فعلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان - رضي الله عنه - ، وقال علي إن للخصومات قحماً ) فهذا الأثر يدل دلالة واضحة على شرعية المحاماة وأن عقيلاً وعبد الله بن جعفر هما محاميا علي –رضي الله عنه - يدافعان عنه وعن حقوقه ، والذي يقضي عليهما ، فعلى علي وما يقضى لهما ، فهي لعلي - رضي الله عنه - .







قال الإمام الشافعي – عليه رحمة الله - : ( و أقبل الوكالة من الحاضر من الرجال والنساء في العذر وغير العذر وقد كان علي - رضي الله عنه - وكل عند عثمان عبد الله بن جعفر وعليّ حاضر فقبل ذلك عثمان وكان يوكل قبل عبد لله بن جعفر عقيل بن أبي طالب و لا أحسبه إلا كان يوكله عند عمر و لعل عند أبي بكر وكان علي يقول إن للخصومة قحماً و إن الشيطان يحضرها ) .







وقال الإمام القرطبي : ( الوكالة معروفة في الجاهلية والإسلام ألا ترى إلى عبد الرحمن بن عوف كيف وكل أمية بن خلف بأهله وحاشيته بمكة أي يحفظهم ، وأمية مشرك ، التزم عبد الرحمن لأمية من حفظ حاشيته بالمدينة مثل ذلك مجازاة لصنعه ) .







وذهب الإمام السرخسي في المبسوط إلى أنه ( قد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر ) .






أما الأثر الثاني فقد جاء على لسان عبد الله بن جعفر وكيل علي رضي الله عنه (خاصمني طلحة بن عبيد الله في ضفير أحدثه علي رضي الله عنه بين أرض طلحة وأرض نفسه فوقع عند طلحة أن علياً أضر به ، وحمل عليه السيل و لم ير على ذلك ضرراً حين أحدثه . قال فوعدنا عثمان أن يركب معنا فينظر إليه . فقال إني و طلحة نختصم في المواكب ، وأن معاوية على بغلة شهباء أمام الموكب قد قدم قبل ذلك وافداً ، فألقى كلمة عرفت أنه أعانني بها . قال : أرأيت هذا الضفير كان على عهد عمر ؟







قـال : قلت : نعم . قال : لو كان جوراً ما تركه عمر : قال : فسار عثمان حتى رأى الضفير ، فقال : ما أرى ضرراً ، وقد كان على عهد عمر ، ولو كان جوراً لم يدعه . وإنما قال ذلك ، لأن عمر كان معروفا بالعدل ودفع الظلم …) .





كانت بين حسان بن ثابت ، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم







و بين بعض الناس منازعة عند عثمان بن عفان ، فقضى عثمان على حسان ، فجاء حسان إلى عبد الله بن عباس فشكا ذلك إليه ، فقال له ابن عباس : (الحق حقك ولكن أخطأت حجتك ، انطلق معي . فخرج به حتى دخلا على عثمان فاحتج له ابن عباس حتى تبين عثمان الحق فقضى به لحسان بن ثابت ) .







وهذا الأثر واضح الدلالة من دون أي تفسير ، أو تأويل على أصالة المحاماة في التاريخ الإسلامي ، فحسان بن ثابت شاعر رسول الله يجيد الشعر وصوغه ، بيد أنه لا يستطيع أن يصيغ أقواله بقوالب من الشرع الحنيف تبين و تثبت حقه . بل هذه مهمة الجهبذ ابن عباس رضوان الله عليه الذي فقه قضية حسان وبيّن للقاضي الحق فقضى به .






ونسوق من كتاب الوثائق و السجلات للفقيه ابن العطار المتوفى سنة 399 / 1008 م وهو يجري على هذه الصورة :







( وكل فلان فلاناً عند القاضي فلان قاضي الجماعة بقرطبة على المخاصمة عنه وله و على الإقرار عليه ، والإنكار عنه بوكالة التفويض التامة التي أقامه فيها مقام نفسه وقبل فلان توكيله ) وإن كانت وكالة جامعة أضاف بعد قوله : ( وعلى الإقرار عليه والإنكار عنه ) ( وطلب حقوقه واستخراجها وتقاضي الأعمال إن وجـبت له و قبض حقوقه والبيع عليه و الابتياع له والمصـالحة عنه لغير خصم ) . ثم يقول : ( شهد على إشهاد الموكل فلان و الموكل فلان على أنفسهما بما ذكر عنهما في هذا الكتاب من عرفهما وسمعه منهما ، وهما في حال الصحة وجواز الأمر ، وذلك في شهر كذا من سنة كذا …) .







هذا نص صريح من بطون الكتب يبين نماذج من العقود التي تحرر بين الموكلين والوكلاء في الخصومات ، وما ينبغي أن تكون عليه من دقة .







وفي كتب التاريخ وتراجم القضاة أن هناك وكلاء يخاصمون عن الناس بين يدي القضاة لمعرفتهم بالكتاب والسنة والفقه ووجوه الفتوى والتشريع وكان الوكيل لا يخاصم عن موكله إلا بوثيقة موثقة يقدمها إلى القاضي تشهد له بانه موكل بالخصومة .







خامساً : المعقــــــــــول :







إن الله تعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والقدرات ، وفتح لهم أبواب الرزق ، ويسر لكل منهم سبيلا ، أو أكثر للكسب والمعاش . فمنهم من أوتي القدرة والكفاءة التي تجعله على استعداد ، لأن يباشر جميع أعماله بنفسه ، إلا أنه قد تتوالى عليه الشواغل وتتزاحم عليه الأعمال فيضطر إلى الاستعانة بالآخرين.







ومن الناس من لم يأتي من القدرة والكفاءة ما يؤهله للقيام بأعمال قد يكون هو بأمس الحاجة إليها . وقد تكون لديه القدرة والكفاءة ، لكن تنقصه الخبرة في عمل من الأعمال أو مصلحة من المصالح ، ومنهم من يكون صاحب حق ، ولكنه لم يؤت من الحجة واللسان، والفصاحة والبيان .







ما يجعله قادراً على أن يظهر حقه ويدافع عن نفسه وقد يكون خصمه ألحن منه في حجته ، فيقلب باطله حقاً .من أجل ذلك كله كانت الحاجة ماسة إلى الاعتماد على غيرهم ولاستفادة من خبراتهم في بعض أعمالهم ، قليلة كانت أم كثيرة فكانت المصلحة في تشريع الوكالة سداً للحاجة وتيسيراً للمعاملة ، ورفعاً للحرج الذي جاء شرع الله تعالى يرفعه إذ قال: ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .







و قال إبراهيم بن علي في تبرير الوكالة بالخصومة : ( لأن الحاجة تدعو إلى التوكيل بالخصومات ، لأنه قد يكون له حق أو يُدّعى عليه حق ولا يحسن الخصومة أو يكره أن يتولاها بنفسه فجاز أن يوكل فيه ذلك من غير رضى الخصم ) .







و بعد كل هذه الأدلة النقلية والعقلية يتبين أن المحاماة شرعية وأصلية في الشريعة وفقه الشريعة الإسلامية . والمحاماة أصبحت في العصر الحاضر فناً من الفنون ، وعلم من العلوم التي لا يستغنى عنها للحفاظ عن الحقوق والدفاع عنها .







و أختم هذا البحث بقول الله تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } البقرة286

ابو محمد 2
19-06-2011, 07:18 PM
شكر الله لك سعادة المستشار.
لاشك أنها مهنة خطرة على صاحبها , وفيها ما فيها من الخفايا واللحن بالحجة , فقد يجتهد المحامي لتبرئة ظالم من اجل المال والعياذ بالله ولا نزكي أنفسنا أو غيرنا ممن أمتهن هذه المهنة . وهي مهنة لها هيبة لا تقل عن هيبة القاضي في الدول الغربية والتي تحكم بالقانون , للمحامي شأن وله وزنه في ذلك المجتمع بل نرى أن منهم من يتقلد مناصب عليا في الدولة وينتخب رئيساً .
أما في وطننا العربي وتحديداً في المملكة العربية السعودية هي حديثة عهد وهي وليدة سنوات قلائل ,
فقبل أن يعتمد ويعمم نظام المحاماة لم يكن لدى المستشارين الشرعيين والقانونيين تراخيص لمزاولة هذه المهنة.
وكان من يحمل إجازة بالتوكل عن الغير وهي عبارة عن دفتر صغير شبيه برخصة قيادة السيارة العمومية معنونة ( بإجازة بالتوكل عن الغير ) ولا يحصل عليها طالبها بسهولة فهو مع انه يحمل شهادة في الشريعة يخضع لاختبار في المسائل القضائية على يد ثلاثة قضاة بدرجة قاضي تمييز , ثم إذا ووفق ونجح شكلاً ومضموناً وتقبله مختبروه ترفع اوراق اختباره بالموافقة ويحصل على الإجازة.
والقصد من شكلاً إعفاء اللحية وتقصير الثوب , ومضومناً الألمام التام بالمسائل القضائية.
ويحق له فتح مكتب ويضع لوحة تحمل مسمى محامي ومستشار شرعي مع أن إجازته لا تحمل هذه العبارة هي فقط إجازة بالتوكل , وقد دخل على هذه المهنة دخلاء يطلق عليهم الدعوجية خلال عقود مضت .
الآن هذه المهنة المحاماة نظمت وتقبلها القضاة , في وقت كان ومضى لا يتقبلها ولا يعترف بها القضاة خاصة في المحاكم الشرعية عندما كان يطلق عليها الكبرى والمستعجلة .
وهي مهنة الوكيل في الخصومة , وقد برع فيها وكلاء مجازون شرعيون كانوا يتفوقون على نظرائهم القانونيون , ويتفوق القانونيون غالباً في محاكم ديوان المظالم خاصة عقب الغاء هيئة الفصل في المنازعات التجارية , وتشكيل الدوائر التجارية بديوان المظالم .
الخلاصة
أن هذه المهنة من وجهة نظري الخاصة والتي مارستها على مدى 28 عام هي مهنة خطرة على صاحبها إن لم يخاف الله ويتجنب اللحن في الحجة وابتكار اسلوب المراوغة وتظليل القاضي أو استدراجه للحكم لصالح موكله متجنباً الرد بما تنطق به الحقيقة وليس على خلافها.
ومن وجهة نظر شخصية أيضا أرى أن خطرها على صاحبها لا يقل عن خطر ما سيلقاه القاضي في حال تهاون أو حابا خصم أو اتجه له الفصل في الدعوى ولم يحكم , أو قرر الخصم وحاصره ولم يعطه المجال للدفاع وتقديم مالديه من مستندات .
ومازالت المحاماة في وطننا الغالي في بدايتها ولم تنل ذلك الاهتمام والتقدير والمكانة المرجوة.
(مداخلة على عجل )
دمت على خير حال

محام
19-06-2011, 07:21 PM
نفع الله بكم .. وسددكم على هذا البحث الجميل

أحمد المنشاوي
19-06-2011, 11:35 PM
اشكر سعاد المستشار ابومحمد ومحام ، والمهنة بعون الله قادمة لا محالة ، لكن ينقصها رجال أقوياء يعلون من شانها
والله الموفق ،،،،،،،،

أحمد المنشاوي
20-06-2011, 12:39 AM
المحاماة صوت الحق في هذه الأمة، وفي كل أمة.. هي رسالة ينهض بها المحامون فرسان الحق والكلمة، ويخوضون فيها الغمار، ويسبحون ضد التيار !.. يحملون راية العدل في صدق وأمانة وذمة ووقار.. يناصرون الحق، ويدرأون الظلم.. يناضل المحامي في القيام بأمانته مناضلة قد تتعرض فيها مصالحه وحريته للخطر وربما حياته نفسها !.

سيبقى رائعًا وعظيمًا ومنشودًا، أن يكون العدل مهجة وضمير وغاية ولسان وقلم القاضي فيما به يحكم، بيد أنه ليس يكفي المحامي أن يكون العدل مهجته وضميره وغايته، وإنما عليه أن يكون مفطورًا على النضال من أجله وأن يسترخص كل عناء ومجاهدة وخطر في سبيل الوصول إليه – القاضي حسبه أن يقتنع بالعدل فيحكم به، فالكلمة به صادرة من لسانه وقلبه، ثم هو محصن بالاستقلال وبالحصانة القضائية وبالمنصة العالية التي إليها يجلس، أما المحامي فيخوض غمارًا عليه أن يقف فيه شامخًا منتصبًا رغم أنه بلا حماية ولا حصانة، يكافح من أجل الحق الذي ينشده ويستصغر في سبيله مصالحه ويستهين بما قد يصيبه في شخصه وحريته، وربما في حياته نفسها، وتاريخ المحاماة شاهد في كل العصور على ذلك !

المحاماة رسالة، تستمد هذا المعنى الجليل من غايتها ونهجها.. فالمحامي يكرس موهبته وعلمه ومعارفه وقدراته لحماية (الغير) والدفاع عنه.. قد يكفي المهندس أو الطبيب أو الصيدلي أو المحاسب أو المهني بعامة أن يملك العلم والخبرة، والجد والإخلاص والتفاني، وعطاؤه مردود إليه.. معنى (الغير) والتصدي لحمايته والدفاع عنه ليس حاضرًا في ذهن المهني أو الحرفي، ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعي المحامي.. الداعية الديني – مسلمًا كان أو مسيحيًا – يجلس إلى جمهور المتلقين المحبين المقبلين الراغبين في الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا يناصبونه عداء ولا منافسة، أما المحامي فإنه يؤدي رسالته في ظروف غير مواتية، ما بين خصم يناوئه، ورول مزحوم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلقي نادرًا ما يجب سماعه وغالبًا ما يضيق به وقد يصادر عليه ويرى أنه يستغني بعلمه عن الاستماع إليه !! لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها، والفروسية خلقها وسجيتها...

يستطيع المهني أن يؤدي مهمته متى دان له العلم والخبرة بتخصصه – بالطب إذا كان طبيبًا فذلك يكفيه للتشخيص وتحديد العلاج، وبالهندسة إذا كان مهندسًا فذلك يكفيه لإفراغ التصميم ومتابعة التنفيذ – وهكذا، أما المحامي – فلا يكفيه العلم بالقانون وفروعه، ولا تكفيه الموهبة – وهي شرط لازم، وإنما يتوجب عليه أن يكون موسوعي الثقافة والمعرفة، لأن رسالته قائمة على (الإقناع) ، يتغيا به التأثير في وجدان، والوصول إلى غاية معقودة بعقل وفهم وضمير سواه، وهذه الغاية حصاد ما توفره الموهبة ويدلي به العلم وتضافره الثقافة والمعرفة – مجدول ذلك كله في عبارة مسبوكة وشحنة محسوبة لإقناع المتلقي. وما لم يصل المحامي إلى هذا الإقناع، فإن مهمته تخفق في الوصول إلى غايتها.. لذلك في المحامي لا يمكن أن يكون من الأوساط أو الخاملين، وإنما هو شعلة نابهة متوقدة متيقظة، موهوبة ملهمة، مزودة بزاد من العلوم والمعارف لا ينفد، مستعدة على الدوام لخوض الصعب وتحقيق الغاية مهما بذلت في سبيلها ما دامت تستهدف الحق والعدل والإنصاف.

ولذلك فإن فروسية الكلمة، ليست محض رصف لحروف، أو عبارات، ولا هي محض مباهاة أو طنطنة.. لا تتحقق للكلمة هذه الفروسية ما لم تكن تعبيرًا عن حاصل واقع وقائم في وجدان وحناياه ملقيها، مقرونًا باستعداد للبذل والنضال والكفاح من أجل تحقيق معانيها: في عالم الواقع لا في عالم الخيال، في عالم الفعل لا في عالم التفاخر والتباهي والتيه بالكلمات بغض النظر عن قيمتها وما تترجم عنه في عالم الواقع والفعل والعمل والسلوك.. لم يكن النبي - عليه السلام – فارسًا للكلمة لمجرد أنه يقول : ( أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) - ولا لمجرد أنه قال لعمه أبي طالب في شأن كبار قريش الذين جاءوا يساومونه على دينه ويعرضون عليه العروض ليصرف النظر عما يدعو إليه، فقال: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه - ما تركته !. ( .. ولم يكن عليه السلام فارسًا للكلمة لمجرد أن ختم دعاؤه الشهير بالطائف قائلاً في مناجاته لربه : ( إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي ! ) .. وإنما كان محمد المصطفى فارسًا للكلمة لأنه كان يعني ما يقول، ولأنه ترجم الكلمات إلى واقع احتمل فيه العذاب والتنكيل والإساءة و الإهانة والإيذاء .. جاهد ما وسعته وفوق ما تسعه طاقة أشداء المجاهدين، واحتمل جمرات قذائف وطعنات الكفار والمشركين، ولم يضق بما كان فيه من مكابدة ونصب، بل مضى لأداء رسالته يحول الكلمات إلى واقع غيّر وجه الحياة وحمل النور والضياء إلى الإنسانية عبر المكان والزمان !!

المحاماة رسالة الحق ونصيره وصوته، والمحامون هم فرسان هذه الرسالة، الحاملون لأمانتها، الناهضون بها، الباذلون بصدق وأمانة ومضاء وإخلاص في محرابها.. يحتضنون في ضمائرهم أوجاع وآلام وهموم الناس، يخوضون الغمار ويجتازون الصعاب للقيام برسالتهم النبيلة.. قوامها الحجة والبيان والبرهان، ورايتها الحق والعدل والحرية.

هذه الرسالة الضخمة، تستلزم استلزام وجوب أن توفر للمحامي وللمحاماة الحصانة والحماية الكافية، حصانة المحامي وحمايته في أداء رسالته وحمل أمانته، هي حصانة وحماية للعدالة ذاتها، لأن النهوض بها عبء جسيم، ولأن غايتها غاية سامقة يجب أن يتوفر لحملة رايتها ما يقدرون به أن يؤدوا الرسالة في أمان بلا وجل ولا خوف ولا إعاقة ولا مصادرة !!

ومع أن المدونة التشريعية المصرية، لا تزال إلى الآن دون المستوى المطلوب في حماية المحامي والمحاماة، فإن علينا أن نقر بأن كثيرين منا لا يلتفتون - أو بالقدر الكافي - لما حملته المدونة التشريعية من عناصر يتعين على المحامين، وعلى النقابة - أن يلموا بها وأن يتمسكوا بإعمالها إلى أن ترتفع المدونات ومعها الحماية إلى المستوى الذي تنشده المحاماة والمحامون. - هذا ويمكننا أن ستخلص من المدونات التشريعية الحالية بعض الخطوط العريضة التي نأمل أن تزداد عراضة واتساعًا وعمقًا.

تورد المادة / 1 من قانون المحاماة 17/1983 - أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم.

وتورد ذات المادة الأولى من قانون المحاماة، أن مهنة المحاماة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال لا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم وأحكام القانون، فماذا أوردت المدونة التشريعية المصرية ضمانًا لذلك ؟ !

سيادة القانون
20-06-2011, 09:40 PM
شكر الله لك سعادة المستشار.
لاشك أنها مهنة خطرة على صاحبها , وفيها ما فيها من الخفايا واللحن بالحجة , فقد يجتهد المحامي لتبرئة ظالم من اجل المال والعياذ بالله ولا نزكي أنفسنا أو غيرنا ممن أمتهن هذه المهنة .

هذا القول وبكل أسف أشيع في مجتمعنا على غير الصحيح لا يوجد محامي في الدنيا يدافع عن ظالم ولا عن مجرم ولا عن فاسق ولا عن "حرامي" أتدرون لماذا ؟ لأن الفاسق والمجرم والحرامي الأصل فيه " براءة الذمة" وهذا الأمر يحتاج الى دليل يهدم "قرينة البراءة" والحكم القضائي لا يكون قبل التعاقد مع المحامي ولا قبل أول مرافعة هذه في آخر المطاف هناك يعلم المحامي أن من دافع عنه كان بهذه الصفة أما غيرها فلا كما أن النظام " نظام المحاماة" جاء بلفظ مطلق للترافع يشمل " الصالح " و"الطالح" والا تريدون من المحامي يكون " سونار حساس" يكشف موكله قبل الحكم القضائي والا يرجم بالغيب؟ أها يمكن لأن الموكل ماعنده لحية وثوب قصير مثل ما قلت " شكلاً" عشان تمشي أموره.!


ما في وطننا العربي وتحديداً في المملكة العربية السعودية هي حديثة عهد وهي وليدة سنوات قلائل،وكان من يحمل إجازة بالتوكل عن الغير وهي عبارة عن دفتر صغير شبيه برخصة قيادة السيارة العمومية معنونة ( بإجازة بالتوكل عن الغير ) ولا يحصل عليها طالبها بسهولة فهو مع انه يحمل شهادة في الشريعة يخضع لاختبار في المسائل القضائية على يد ثلاثة قضاة بدرجة قاضي تمييز ،ثم إذا ووفق ونجح شكلاً ومضموناً وتقبله مختبروه ترفع اوراق اختباره بالموافقة ويحصل على الإجازة.
والقصد من شكلاً إعفاء اللحية وتقصير الثوب .

ما ضيعنا هنا الا شكلاً كان خصم موكليّ ذو لحية طويلة وثوب قصير ويكثر عند صمت القاضي من التسبيح والتهليل ولكنّه حراميّ ونصاب وكذاب نقيم للقاضي الأدلة " الرسمية" التي لا تقبل الطعن الا بالتزوير ونطالب بإحالته الى المدعي العام لتطبيق حق الدولة فيه و نطالب بالحق الخاص والقاضي كأنه محامي عنه حتى خرج لنا الحكم " مميعاً" تلفظه الضمائر وعندما عرفنا أن المؤهل وكرت العبور هو " شكلاً" تركنا لهم " المحاماة" والحمدلله الذي بيده تتم الصالحات.

ابو محمد 2
30-06-2011, 04:49 AM
سبق لي طرح موضوع محامي يؤنبه ضميره وهو دليل على أن المحامي ليس كغيره من الناس فعليه مسئولية التأكد من أن موكله على حق فيما يدعيه , وليس له إلا الظاهر مما قدمه الموكل من مستندات وبينة .
إلا أنه متى تبين له فيما بعد خلال مدة المرافعة ان موكله قد غرر به بظهور مستندات تثبت بطلان ما يدعيه وهي ليست بحوزة الطرف الآخر خصم موكله فظهورها سيقلب الموازين , فهو بين خيارين .
الأول: أن يحتفظ بصورة من هذا المستند حتى لا يعود عليه موكله فيما تقاضاه من أتعاب مقدمة في حال إنسحابة.
الثاني: مواجهة موكله بالحقيقة وتخويفه بالله وبما ينتظره من عقوبة حتى يذعن ويتراجع على صلح لا ضرر فيه ولا ضرار.
وصاحبنا الذي سبق طرح موضوعه كما اسلفت ( محامي يؤنبه ضميره ) أختار الخيار الثاني والزم موكله بطرح مبلغ لا حق له فيه مقداره اربعة ملايين ريال.
وهذا يعني ان في هذه المهنة كغيرها من المهن صاحب ذمة وضميرحي ومن تضعف ذمته امام المال.
ولا شك أنها مهنة شاقة ومتعبة وتعتمد على جهد وفكر. ويعتمد كسب المحامي زبائنه رصيده من القضايا الناجحة , فهي الجالبة للغير ممن يحتاجونه من التجار وغيرهم.
وأغلب التجار لا يهتم بالاعلاانات واللوحات والاسماء فهو يسأل عن المحامي المتمرس والناجح قبل التوجه لأي مكتب محاماة خاصة إذا كانت قضيته معقدة وتحتاج لمحام متمكن وخبير.
والسؤال الذي يطرح نفسه منهو المحامي المتمكن , وكيف يكون كذلك , وكيف حصل على هذه التمكنية والسمعة التي تسببت في انتشار اسمه وجعلته مقصداً لكل صاحب قضية .
الجواب من وجهة نظري الشخصية. هو شخصية تتمتع بذكاء وحنكة واطلاع واسع وأناة وصبر وسعة بال وشخصية قوية مع سرعة بديه , فيعرف مفاصل الكلام في الترافع الشفوي المختصر المفيد , وفي مذكراته غير مسهب مهذار لايفتح ثغرات ومداخل لمحامي الطرف الآخر على موكله.
كما أن الفراسة كسب كبير له إذا توفرت لديه بحكم الخبرة تسنده وتلهمه الجواب عند الطلب فتجده يعرف جواب السؤال عند طرحه من قبل القاضي هل هو استدراجي لغاية في نفس القاضي سيبني عليها حكمه الذي تصوره مكون رأي مبدئي عن القضية التي بين يديه مختصراً الطريق للفصل فيها بالوجه الشرعي.
وكثيراً من المواقف يكون المحامي متفوقاً في الخبرة والألمام بالمسائل الفقيه على الخصم والقاضي معاً.ويعرف نتيجة الحكم مسبقاً وفقاً لما جرى معه في قضايا سابقة عديدة.
السؤال الذي طرحه صاحب الموضوع: هل هي حرام أم حلال
لاشك أنها حلال ولا يوجد ما يحرم توكيل المحامي او الوكيل شرعاً.
والحرام والأثم يطال شخص الوكيل او المحامي متى ما كانت دعواه او دفعه القصد منها كسب القضية بالكذب والزور والتدليس وإخفاء الحقيقة.
وهي مهنة كأي مهنة تتطلب الاخلاص والأمانة والصدق وقول الحقيقة والترفع عن قول الزور.