العلامة أبو عبد الرحمن الظاهري: خالفت ابن تيمية.. وابن جرير مقلّد لأرسطو وسقراط!



في أولى حلقات المواجهة مع العلامة أبي عبد الرحمن ابن عقيل نقف مشدوهين مع هذه القامة الفكريّة نطلب المزيد بحثاً عن السطور المطمورة في ذاكرته، وسعيًا نحو استنطاقه في صورة من صور إعمال الفكر؛ بعد أن تكشف لنا الكثير من الاعترافات خاصّة مخالفته ل(ابن حزم)، و(ابن تيمية)، وإسقاط التّقليد على ابن جرير محاكاة لأرسطو وسقراط، وصافًا مراحل طلب العلم الأولى بأنّها كانت بزي غير زيّ طالبة العلم الشرعي فهو كثير (العبث)، و(التنكيت)، و(الغمز) بحسب تعبيره، غير مبالٍ بشهادة ولا بمنصب ولكنّه يبالي برضاه عن نفسه بما أحققه من علم أو رأي.. فإلى سطور المواجهة في جزءها الأولى:

شيخنا الكريم دعني أبدأ بالسؤال التقليدي: هل لك أن تحدثنا عن مرحلة الطفولة, والنشأة, والعوامل المؤثرة في توجهاتك ورغباتك.. خاصة إذا ما علمنا أن التنشئة الأولى لها أكبر الأثر في حياة الإنسان فيما تقادم من سني حياته؟
- لقد أسهبتُ كثيراً عما سألتم عنه في مناسبات كثيرة، ولا بأس من جواب بإيجاز عن المؤثرات.. لقد أثرت فيَّ مواعظ أبي رحمه الله، وتقطُّعه عليَّ حسرات؛ فرسخت في قلبي توقظني كثيراً، وأثَّر فيَّ بصفتي طالب علم شرعي قراآتي الشرعية التي كانت في الأغلب فيما سبق مجرد ثقافة، وليست ممارسة عملية، وأثَّر عندي بحمد الله وفضله وله المنة في هداية التوفيق عقيدةٌ إيمانية بربي وكماله المطلق الذي لا يقبل سلباً ولا إضافة.. لم يتزحزح ألبتة فيما تزحزح أيام منعطفات حياتي، والله يعفو عني سبحانه، وهو المستعصم فيما بقي من عمري.. وأثر فيَّ طبيعة تكويني التي جبلني وفطرني عليها ربي سبحانه؛ فأنا محب للجمال طبيعيِّه وفنِّيه، مجبول على حيوية الفكر ونزوعه إلى الاستقلال، والإحساس بفقره إلى زخم علمي.. ومجبول على مواهب عقلية من اللماحيَّة المرهفة المفرطة في التمييز بين الأشياء بعلاقاتها وفروقها، وتتبع آثار العلاقات، والحرص على محل النزاع للبعد عن الجدل، وتنفر نفسي إلى حد البغض- أعاذني الله من الغلو والجفاء - عن الكتب الأرشيفية التقليدية في أي فرع، ولا أطيق متابعة السرد التهويلي بلا تحقيق؛ لهذا اصطفيت أمثال الشافعي وابن جرير وابن حزم وابن عبدالبر وابن تيمية وابن قيم الجوزية وأمثالهم رحمهم الله؛ لسعة علمهم، وتفوقهم العقلي مع المحاكمة العسيرة بلا شغب، وأُتعِب نفسي في الرجوع إلى ما استطعت الرجوع إليه من مصادر أمثال: الإمام ابن حزم فيما يحققه من العلماء، وابن تيمية فيما ينقله من المسائل ولا سيما عن الفلاسفة والمتكلمين، وخالفت الإمام ابن حزم وابن تيمية في أكثر من مسألة مع علمي بإمامتهما وجهادهما وورعهما - ولا سيما إذا خالفا أهل التخصص-؛ فأنا أحبهما والحق أحب إليَّ منهما كما قال الإمام ابن حزم عن الإمام ابن جرير رحمهما الله: أحب ابن جرير والحق أحبُّ إليَّ منه.. وهو مقلد لأرسطو مع سقراط.. ولا يقولن قائل: ومن أنت يالشقراوي حتى تطرح من مسائل ابن حزم وابن تيمية رحمهما الله ما طرحت؟..أأنت أعلم منهما ؟.
صاحب الذوق
قال أبو عبدالرحمن: كلا، بل بالله ثم من علمهما وعلم أمثالهما تعلمت المحاكمة، وأنا كصاحب الذوق الجيِّد ينتقي من معرض الأزياء أجود أو أجمل ما يصطفيه ذوو الذائقة المدرَّبة الجيدة وهو لا يستطيع صنع أردإ ما في معرض الأزياء.. ومثل السباح المتوسط يستطيع أن يحكم بين عمالقة السباحين وهو لا يبلغ شأو واحد منهم.. ومثل مشارك لهما في ثقافة مسألة ما ولكنه توسع فيها وهما توسعا فيما هو أهم منها.. وبعد ذلك تَدَرَّبتُ على أهل التخصص فجربت سعة علم ابن حجر الذي تبلغ مصادره ألوفاً في فتح الباري، وانظر ما قرأه علي شيخه إبراهيم التنوخي في كتابه (المعجم المؤسس) فتجد العجب العجاب، ومثله في الخبرة بالحديث العيني إلى الألباني إلى محققي مسند الإمام أحمد رحمهم الله تعالى البالغ خمسين جزءاً مجلداً؛ فخبرة هؤلاء التخصصية مع ما منحني ربي من موهبة مُقَدَّم على خبرة الإمامين ابن حزم وابن تيمية.. وابن فارس والراغب الأصفهاني إمامان في الاشتقاق الكبير، وابن جني وشيخه أبي علي الفارسي(وإن كانا معتزليين) إمامان في أسرار العربية، والزمخشري إمام في المجاز وإن كان معتزلياً، وأبو إسحاق الفارابي-وهو غير الفارابي الفيلسوف-، والاستراباذي إمامان في معاني الصيغ، والجوهري والأزهري إمامان في تحرير مواد اللغة عن العرب؛ فخبرتهم مع تخصصي وموهبتي مقدم على ما خالف فيه شيخ الإسلام أهل التخصص؛ لأنه لم يتفرغ تفرغهم كإنكار المجاز، وهو محال في علم اللغة وآدابها، وقد ينسى ويستعمل المجاز، ويرد على المجاز بتوجيه مسوِّغه، ولا ينفيه في الواقع وإن اجتهد في النفي..
صارفي النصوص
مع العلم أنه ليس! كل دعوى مجاز يكون صحيحاً كدعاوى صارفي النصوص عن ظاهرها ولا سيما في صفات الرب سبحانه وتعالى، إلا أن المجاز في ذاته صحيح، وهو أكثر ما في لغة العرب- أعني المجاز اللغوي لا الأدبي- ؛ لأن المعنى الحقيقي المطابق واحد فقط في معاني كلِّ مفردةٍ وصيغة وحرف، وبقية المعاني مجازية.. وأشاركه في مسائل ضلل فيها أمثال الإمامين الرازي وأبي حامد الغزَّالي وشيوخ المعتزلة، ولكنني مقر بذكائهم وعبقريتهم، وأنهم لم يحرموا الإصابة في بعض المسائل، وأُتعِب نفسي في الرجوع إلى ما أقدر عليه من كتبهم فيما نقله عنهم لأطمئن من صحة السياق، وأنه لم يحدث سهو في النقل عنهم، ومنطلقي هو منطلقه من الإيمان المكين برب إله كريم له الكمال المطلق معصوم كل ما جاء عنه من خبر وأمر، معصوم بلاغ شرعه.. ولا يسعني عند ربي غير هذا المسلك .
وأثَّر فيَّ العشق الجمالي، فاصطفيتُ إيقاع الزيات وطه حسين وزكي مبارك ودريني خشبة، وثقل عليَّ أيما ثقل أسلوب العقاد مع سعة ثقافته، وأسلوب محمود شاكر مع سعة علمه، وأسلوب الشيخ مصطفى صبري لإملاله بالتكرار كمحمود شاكر، وثقل علي أسلوب عبدالله القصيمي لكثرة لغوه وتكراره وهدمه بلا بناء، وليس بعد الكفر ذنب.
يعلق بذاكرتي
حقيبة ذكريات لا شكّ مليئة بكثير؛ فماذا فيها من مرحلة الطفولة؟
- يرمزون للأبديَّة بما يدور على دائرة ليس فيها نقطة حاجزة، ويقول عامة الأدباء: (نحن ندور في حلقة مُفْرغة)، وسؤالكم هذا حفظكم الله تكرار لما تضمَّنه السؤال الأول؛ وتقديراً لكم ألتمس مخرجاً؛ فأقول: كلاّ.. بل المراد ما بقي الآن معاشاً من ذكريات الطفولة، والجواب يجرني إلى أشياء كثيرة سأختصرها في جوانب معينة.. يعلق بذاكرتي أوَّلاً أشياخ أحببتهم لعلمهم ورأفتهم، ومنهم أناس أزهريُّون مثل الشيخ محمد صادق صديق، ومنهم سعوديون مثل محمد ابن داود رحم الله ميتهم، ومتع بالصحة والعافية حيهم..ويعلق بذاكرتي أيضاً أشياخ من العوام على سجيّتهم وفطرتهم وأريحيّتهم: لا يعرفون بنوكاً ولا رباً ولا حسداً ولا حقداً، ووجوههم منيرة.. ويعلق بذاكرتي من هذه المرحلة أيضاً أنَّني كوَّنت شخصيَّتي العلميَّة تدريجياً ابتداءً من أدب الأسطورة التراثية كسيرة عنترة والمقداد؛ فهذه الأساطير نمَّت عندي ملكة الخيال والعاطفة، وجرتني إلى قراءة الأدب الجاهلي، وإلى التعرُّف على بعض الأعلام كقيس بن زهير.
أول كتاب قرأته
على عهدكم المبكر كانت الكتب نادرة قاصرة على قلَّة من المتعلمين.. هل لك أن تدلنا على أبرز الكتب التي استحوذتْ على إعجابك في تلك المدة، وما أثرها على توجهاتك فيما تقادم من سنوات؟
- أول ما امتلكته تلك الأساطير التي ذكرتها لك، ومن خلالها علق بذاكرتي أعلام مثل قيس بن زهير، والربيع بن زياد، وعنترة؛ فجرني ذلك إلى كتب التراث وكتب المعلقات، وصرت أبحث عن التراجم.. وأول كتاب أدبي امتلكته فيما أظن لأسامة بن منقذ، ثم حرصت على تراجم الجاهليين، وانتقلت من هذا إلى قراءة المعلقات؛ فقرأت معلقة عنترة وغيرها، ولم أكن أُحسن اللغة ولا النحو، وأوَّل كتاب امتلكته شرح الشعراء الستة الجاهليين للشنتمري بورقه الأصفر، وتفسير الشوكاني في طبعته الصفراء، وزاد المعاد لابن قيم الجوزية رحمه الله.. اشتريته بعشرين ريالاً، ومن يجد هذا المبلغ آنذاك؟..وأول كتاب قرأته وليس ملكاً لي كتاب (لفُّ القماط) في اللغة العربية لصديق حسن خان رحمه الله بالمكتبة السعودية بدخنة.
التحقت مرغماً
دراستك الجامعية كانت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ فهل كانت بهذا الاسم نفسه؟
- كان اسمها عندما درستُ فيها كلية الشريعة ويقابلها كلية اللغة.. وكنت التحقت بكلية الشريعة مرغماً من والدي رحمه الله، وكانت رغبتي أن ألتحق بكلية اللغة، والحمد لله على ما حدث؛ لأنني من كلية الشريعة جمعت أكثر من تخصص، ولو كنت في كلية اللغة لما استطعت ذلك.
وماذا عن مرحلة الماجستير؟
- دخلت هذه المرحلة غير جاد؛ وكنت بزِيٍّ غير زي طلبة العلم الشرعي، وكنت كثير العبث بالمسبحة والدعابة والتنكيت والغمز، مما بعضه إثم شرعاً، وكانت لي كتابات فنية .
* مثل ماذا؟
- كتابات فنية معروفة عند الإخوان عن الغناء وغيره أستحي من سردها، أو التمثيل لها..وكنت كثير الدعابة؛ ولكنني ولله الحمد نجحت نجاحاً طيباً في الاختبار التحريري، ثم تأخَّرت في تحرير شهادة الماجستير التي هي البحث، وهو لا يستغرق أكثر من سنتين، ومرت عليَّ خمس سنوات، وهناك أناس دخلوا بعدي وتخرجوا قبلي في معهد القضاء العالي..دخلت معهد القضاء العالي سنة كاملة مستمعاً غير ملتحق، وغلب عليَّ العبث، والتعليق على الطلبة وهم مشايخ فضلاء عفا الله عني، ثم التحقت به رسمياً..وعودة إلى البحث أذكر أنه تغيَّر البحث خلال خمس سنوات ثلاث مرات.. كان أولاً (الظّاهريّة ما لها وما عليها)، ثم بعد سنتين تغيَّر إلى(ظاهريّة ابن حزم ما لها وما عليها) ، ثم تغيَّر إلى (الأحكام من سورة الطلاق).
ابن حزم السبب
لماذا كان هذا التغيير وإلى ماذا يرجع؟
- يرجع إلى أن المصدر هو ابن حزم رحمه الله تعالى؛ سواء أخذت أحكام أهل الظاهر من تفسير الرازي ومن كتب ابن عبد البر، ومن كتب النووي..إلخ، أو من كتب ابن حزم.
هل كان للذين تابعوا تحصيلك العلمي في مرحلة الماجستير خاصة أي غضاضة في تناولك للظاهرية إذا عُلم أنها لم تكن تحظى بتلك الشعبية المعروفة؟:
- حتى لو كان عندهم غضاضة فلا يهمني ذلك؛ لأن الأمر لمن يملكه، وهم المدرسون وإدارة المعهد..وكل أهل بلد على مذهب فقهي معين؛ فليس لمذاهب الفقه الأخرى عندهم شعبية، وقد قال الحافظ ابن أبي شيبة، وعبدالله بن الإمام أحمد، والخطيب البغدادي عن مذهب أبي حنيفة وعن أبي حنيفة نفسه رحمهم الله- ولا حول ولا قوة إلا بالله-شناعات دون ما قيل عن الظاهرية..وليس عليهم في بحثي غضاضة؛ لأنني عندهم بصفة المنصف الذي يتكلم عن الظاهرية بإنصاف وانتصاف معاً.. كان هذا هو مسلكي، ولكنني عندما تغير البحث بحثت مباحث لم تعجب أساتذتي الأفاضل، وكان هذا هو السبب الذي دفعني لتغيير البحث، وهو تفسير آيات الطلاق؛ فمن هذه الأبحاث التي لم تعجب شيخي الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عبدالوهاب بحيري رحمه الله تعالى مسألة كراء الأرض؛ فقد نصرت مذهب الإمام ابن حزم رحمه الله نصراً مؤزراً؛ فهو يقول: (إن الأرض لا تؤجَّر بنقدٍ معيَّن بمئة أو مئتي ألف ريال؛ وإنما يحييها فيما وضعت له سواء كان بناءً أو زراعة، أو يؤجرها على من يحييها بجزء مشاع من الغلة لا بمال معين)، وقد رأوا أن هذا هو المذهب الشيوعي، مع أنني لم أطّلع على المذهب الشيوعي، ولم أقل كلمة واحدة عن كارل ماركس أو غيره .
لم أقبل النتيجة
هل هناك من المشايخ من اعترض على تناول هذا الموضوع تحديداً؟
- لا أعرف ذلك؛ وإنما أعرف شيخي الشيخ عبدالوهاب البحيري رحمه الله.
ولكني علمت يا شيخنا الفاضل بأنك لم تقبل النتيجة التي حصلت عليها فيما بعد؟
- لم أقبل النتيجة؛ لأن الموضوع حُدد لي بأن يكون تفسير آيات الطلاق من غير ميول مني، وحُدد لي ما لا يزيد على 17 مصدراً منها شيء من أمهات كتب الحنفية، ومنها من أمهات كتب الشافعية، ومنها من أمهات كتب الحنابلة، ومنها من أمهات كتب المالكية.. كذلك اشتُرِط علي ألا يخرج ترجيحي عن دائرة ما رجحه الحنابلة أو شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه أو ابن قيم الجوزية رحمهم الله تعالى، أو ما رجَّحه جمهور العلماء من كل مذهب.. ورأيت في هذا العمل عملاً أرشيفياً؛ فأنهيته في سنة، وقدمته لهم، وهو عندي حتى الآن في كيسه ولم أستخرجه منها إلا عندما رتبت مؤلفاتي في أدراج، وانقبضت نفسي عن قراءته..ونلت على هذا البحث درجة مقبول، وعندما اجتمعت اللجنة المكونة من الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله،(6) والشيخ مناع القطان، وعبدالعال عطوة، والشيخ البحيري: دعوني ليخبروني بالنتيجة.. وأذكر أن الشيخ عبد الرزاق، والشيخ البحيري رحمهما الله قالا : (إنما نعطيك هذه الدرجة لذاتك أنت لا لبحثك)؛ فقلت لهم:(إنني لا أقوِّم ذاتي؛ إنما يقوِّمها الآخرون، وأما بحثي فأنا مجبر على هيئته؛ لأنه لم تكن لي حرية الاختيار)، فقالوا لي: إنني أستطيع أن أُعَدِّل فيه فيما بعد.
مناع القطان
هل كان من يشرف على رسالتك من الإخوان المسلمين؟
- الشيخ البحيري رحمه الله رجل حنفي، متمسِّك، ولا يعرف قضية الإخوان المسلمين انتماءً، ولكن الشيخ منَّاعاً القطان رحمه الله كان من الإخوان المسلمين.
متى كان ذلك؟
- انتهيت من الرسالة في أخريات عام 1395 تقريباً.
في تلك المدة كان هناك كثير من التيارات والمحاضن تتراوح ما بين: الإخوان المسلمين، والتيار الماركسي، والقوميين، واليساريين.. أين يقع الشيخ محمد من هذه التيارات؟
- هذه التيارات كانت موجودة خارج المملكة العربية السعودية، ولم نعرف هذه الانتماءات إلا مرة واحدة في العمر في عهد الملك سعود رحمه الله عندما وُجِدت الناصرية في عنفوانها، وتحمَّس لها كثير من الشباب؛ فَأُطْلِقت الشيوعية على كل من كان ناصرياً، وأصبحت ككلمة الزندقة في العصر العباسي.. لكن هذه المدة لم تطل وانتهت، ثم بلينا بالتطرف المنتسب للإسلام بجهل من صغار السن، وأهواء كبار السن كحب التلميع، والطموح الذي هو فوق أقدارهم، وتضليلهم بمتأسلمين كذباً وهم أعداء ملة ونحلة.
السلفية عندي
هل كانت لك ميول إلى هذه التيارات؟
- منذ مولدي حتى هذه اللحظة لم أتجاوز مذهب السلف رحمة الله عليهم، والسلفية عندي لا تعني ذهاب مجموعة من السلف إلى مسألة معيَّنة اجتهاداً؛ فيلتزمها السلفي من غير اجتهاد إذا كان قادراً عليه، بل تعني عندي ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتلاميذهم من التابعين في المسائل التي لم يختلفوا فيها، ثم من تبع هديهم، ولكنهم عندما اختلفوا في مسائل كمسألة أن الله خلق آدم على صورة الرحمن أو على صورة آدم نفسه عليه السلام ، ثم رجح عند بعض السلف أن الله تعالى قد خلق آدم على صورة الرحمن: لا أعتبر هذا قولاً سلفياً، وإن قال به جمهور من السلف؛ لأنه اختلاف بعد إجماع على أن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولأنه مذهب قلة، ثم تبعهم كثير تقليداً مع ورع وصلاح ذلك الجمهور.. والحق يعدو قول جمهورهم، وقولهم المانع منه الاتفاق السابق على النص يمنع منه أيضاً اجتهاد سلفيين مثل ابن خزيمة رحمه الله تعالى ومعه اجتهاد أذكياء العالم من علماء المسلمين وإن كانوا غير منتسبين إلى مذهب السلف؛ لأنه يقوم على مبدإ البرهان؛ فالسلفي يتبع البرهان أينما كان.. ومثل هذا قضية خلق القرآن؛ فليس إلا خالق ومخلوق، ومنع من القول بخلق القرآن الإمامان إسحاق بن راهويه، وأحمد ابن حنبل، وتبعهم آخرون تقليداً لهم رحمهم الله تعالى، وتراجع بعضهم لما هجره الإمام أحمد، وثبت على القول الآخر غير الصحيح في علمي قلة مثل الإمامين الذهلي وداوود الظاهري رحمهم الله جميعاً.. مع أن الاختلاف بين السلف أتى بعد إجماع سلفي لما أحدث الجعد بن درهم مقالته، وهو عدم البحث في هذه المسألة؛ لأنه قفو بغير علم، ولم تبحث المسألة لا عن صحابي ولا عن تابعي، وكل ما ذكره اللالكائي رحمه الله-وهو أوسع من بحث هذا-من نصوص وآثار فهي: إما خارج محل النزاع، وإما اجتهاد خاطئ، وإما إيراد ما هو ضعيف أو موضوع، وإما معارِض لأصل قطعي.. وشنَّعوا على التوقُّف، وهذا تعنُّت؛ لأن من لم يترجح عنده شيئ يتوقف ولا بد؛ لقوله تعالى:( ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) ولم يرد نص قطعي في المسألة.. ومن رجحت عنده نصوص كالنصوص من إحداث الذكر، وأنه كلام الله مشَبَّه بصلصة الجرس- ولا تشبيه لغير المخلوق-، وأنه لا قسم ثالثَ بين الخالق والمخلوق، وأن القرآن الكريم لا يخلق شيئاً، وأن المنزل مخلوق كالملائكة عليهم السلام، وأن القرآن ليس صفة لله سبحانه، وأن فعله غير مفعوله؛ فالتكلم صفته سبحانه، والتكليم فعله، والكلام اسم لما صدر عنه سبحانه من مفعول مخلوق، وأن الله لا يوصف بالقرآن، ولا أنه الكلام: فالورع أن يتوقَّف من القول بأنه مخلوق، بل يحترم سكوت السلف الأوَّل منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته وكبار التابعين رضي الله عنهم، ولا يُرجِّح في أمر عقيدي مسبوق بسكوت سلف الأمة الأوائل، وللشيخ الشوكاني والمَقْبَلي كلام نفيس في ذلك.
أصول التفكير
هل تعتقد أنه كانت لك في تلك المدة قدرةٌ وأدواتٌ علمية لأن تخالف ما كان سائداً؟
- نعم.. القدرة الفكرية كانت عندي بحمد الله وفضله منذ النشأة فطرةً، وتبلورت علمياً منذ صحبتُ الإمام ابن حزم فيما بين عامي 1386 و1387م وتعلمت منه أصول التفكير المنضبط: بألا تفرق بين متماثلين، ولا تقيس مع الفارق، ولا تتجاوز محل الخلاف، وأن يكون عندك لَمَّاحية، وأن تفرق بين الأشياء وبين علاقاتها، وأن تفقه المؤثر من العلاقات..مع العلم بأن دقة الفكر تنتج حسن التصور الذي ينتج حسن القول، وحسن السلوك معاً..ثم لما تقدمت في العمر، ووُجِد عندي جانب الورع، والحذق لنظرية المعرفة، وعلمت أن الفقه مشروط بحضور النصوص الشرعية، وحملها على ما تُيُقِّن أو ترجَّح..وجناح ذلك الفقه في اللغة مفردةً وصيغة وأداة وسياقاً وقرائن ونحواً وبلاغة، ثم التوثيق التاريخي..وكنت أتَّبع من أثق بعلمه حتى أبحث المسألة بدقة واستيعابٍ ونزاهة؛ فآخُذ بما أمرني الله به من اجتهاد بالشرط المذكور إذا كان الحاصل اليقين أو الرجحان..والرجحان مقتضٍ العلم والعمل ما ظل الرجحان قائماً في الذهن من علم ماثل لم يحصل ما ينافيه.
الرسم الإملائي
كتبت شيخنا الكريم العديد من الكتابات حول إعادة بناء الرسم الإملائي, وأتبعت ذلك بممارسة فعلية من خلال كتاباتك وأبحاثك, ولكن البعض عاب طريقتك، ولم يتفاعل معها.. السؤال: لماذا عاب البعض هذه الطريقة, وهل تعتقد أنك بهذه الطريقة تستطيع أن تحوِّل أمَّةً كاملة؛ لتعتمد على ما ناديتَ به، ثم ألا ترى أنك بهذه الطريقة تدعو إلى إعادة كتابة القرآن الكريم ليتناسب وما قصدت؟؟
- نعم عابوها ولم يتفاعلوا معها، وأنا عبتُ بعضها ولم أتفاعل معه؛ لأن دعوتي لم تكن تدريجية لمحو أخطاء عاشتها الأمة قروناً.. وما دعوت إليه صحيح بإطلاق؛ لأن الرسم الإملائي الذي نتعلمه في الصغر ثانياً مردودٌ إلى رسم حروف الهجاء التي تعلمناها أولاً، ولا يجوز التناقض فيما علمناه على وجهه، ولكن التحول إلى الصحيح يكون مستغرباً مستهجناً؛ بأن يكون دفعة واحدة، وحسبي أن أتمسك بما يسهل تطبيقه، وأن أسجل رأيي الذي دعوت إليه دفعة واحدة في كتيِّب تأصيلاً لا تطبيقاً؛ فإن الكلمة الصائبة لا تضيع وإن طال عليها الزمن، وتتم بالتدريج.
عفا الله عنك
وتقول يا أخي السائل عفا الله عنك: (تدعو إلى إعادة كتابة القرآن الكريم..إلخ).. ما هذا حفظك الله، وما علاقته بالرسم الإملائي؟؟.. أنا وأنت وزيد وعبيد نكتب بالرسم الإملائي، وهو غير رسم المصحف الشريف.. ورسم المصحف الشريف كان يوم كان الرسم الإملائي بدائياً، والمحافظة على رسم المصحف الشريف عند كتابته للتلاوة وعند طباعته واجبة وجوباً، وليس ذلك لأن ما رسم به هو الأكمل، بل لأن قضاء الله الكوني القدري قضى بتدوينه وَفْق ما انتهى إليه العلم العربي في الرسم الإملائي، ثم وجب بالشرع الاحتفاظ به لتدوين المصحف؛ لما ينبني عليه من أحكام؛ ولهذا فعلى المفسر أن يكتب الآية برسم المصحف الشريف؛ فإذا شرع في التفسير، واحتاج إلى ذكر كلمة أو جملة أو جمل من الآية رسمها بالرسم المعتاد؛ ليفهم الناس كلام ربهم، وليفهموا حقيقة الرسم الإملائي.
استقرارٍ ذهني
دعني أنتقل إلى موضوع آخر حيث بأنك لست مستقراً وظيفياً، وأنك عملت بإمارة المنطقة الشرقية، ثم موظفاً بديون الخدمة المدنية..إلى غير ذلك..هل تعتقد بأن عدم الاستقرار الوظيفي هو عدم استقرار ذهني؟
- ليس عدم استقرارٍ ذهنيٍّ ، ولكنني كنت غير راغب في الوظيفة، ولم ألجأ إليها إلا اضطراراً وتحت ضغط الحاجة المادية؛ فتوظفتُ في المنطقة الشرقية، وأخرجني أبي رحمه الله لأكمل دراستي بعد أن تأثر سمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي رحمهم الله تعالى بحال أبي وهو يطالب بفصلي، وهذا ذكرت تفاصيله في كتاب التباريح، أو تباريح التباريح، ثم توظفت في ديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية الآن) اضطراراً؛ لأجل الراتب.. كنت أسرق من الوقت ما يمكنني من القراءة، واستمر هذا الوضع حتى وصلت إلى منصب مدير عام الشؤون القانونية بوزارة البلديات؛ ولهذا اضطررت للتقاعد المبكر في عام 1414هـ قبل بلوغ السن القانونية، وعدت متعاقداً بوزارة الداخلية مستشاراً وفاحصاً.
أعطيتها بالشمال
كثير من الناس يثنون على علمكم وثقافتكم المتميزة، ويرون أنها لا تتناسب مع مكانتكم الاجتماعية والمناصب التي تقلَّدتموها، ويرون أنه ربما قصرت بكم الهمة أو الظروف المحيطة عن أن تكونوا في المنصب الذي تستحقونه، ويرون أنك تستحق أن تكون قائداً للثقافة الحرة في هذا البلد وفي الجزيرة العربية عموماً؛ فما قولك؟
- أما ما يتعلق بالوظيفة فإنما أعطيتها بالشمال للأسباب التي ذكرتها لك سابقاً، وكنت أحمل معاملاتي إلى البيت كثيراً؛ لأنني أمضيت أكثر من أربعين عاماً لا أنام إلا بعد صلاة الفجر عند احترار الشمس، وتكفيني في النوم ساعات قليلة، ثم تقدم بي العمر، وتعبت، واحتجت إلى ساعات من النوم أكثر.. ومما أشكره للإمام ابن حزم رحمه الله تعالى زهده في الوظيفة، وقد كان وزيراً ابن وزير.. وأما أن تعدد مشاربي العلمية قد أثَّر عليَّ تأثيراً ضاراً فلا أعتقد ذلك؛ لأن اختياري غير اختيار المثقف أو الأديب بالعرف القديم الذي يأخذ من كل علم بطرف؛ فلم تكن هذه طريقتي، بل طريقتي هي احتذاء عدد من العلماء ذوي معارف كثيرة مع ثقافة عامة؛ فيكون مثلاً متخصصاً في اللغة ومتخصصاً في الفقه والعلوم النظرية وأكثر من فن، ثم تكون له ثقافة في العلوم الأخرى لِيكَوِّن علاقاتٍ بين هذه المعارف.
وكنت عازفاً عنها
لا أحد ينكر ما تملكه من ثقافة وعلم، ولكنني أسأل لماذا لم يعطَ أبو عبدالرحمن ابن عقيل مكانته العلمية والوظيفية في حين أن من هو أقل ثقافة وعلماً منه استطاع أن يُحقِّق مكانة ويصبح اسمه ذا سلطة؟.. كأن يحقق منصباً مثلاً؟
نعم .. كما قلت لك ليس لي رغبة في الوظائف، وكنت عازفاً عنها؛ للظروف التي ذكرتها آنفاً، وأما مكانتي في قلوب الناس فأنا أُحسُّ بها والحمد لله، وهمِّي الآن في سن الورع رضا الله؛ وبذلك يجعل الله لي ودّْاً، ولا أزال أصرف الآن معظم نشاطي في علم نافع في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، وهو عمل موسوعتي (الإكثار في شرح المحلى بالآثار)؛ لأتدارك ما مضى من تسيِّب علمي، ومثل هذا العمل هو أمنية شيخي ابن غصون رحمه الله تعالى؛ فعسى الله أن يجعل فسحة من العمر لإنهائه، وأن يحتذيه الباحثون بعدي، وقد عرض عليَّ مثل هذه الأمنية لنفسه هو معالي الدكتور غازي القصيبي لما كنتُ في لندن.. وأكرر أنني لا أبالي بشهادة ولا بمنصب، ولكني أبالي برضاي عن نفسي بما أحققه من علم أو رأي بأن يكون صواباً إن شاء الله، وسأجده عند ربي كما يقول بعض السلف (طلبنا العلم لغير الله فأصبح لله).
قضية التكريم
وماذا عن قضية التكريم.. ألا تحدثك نفسك بأن يتم تكريمك كما كُرِّم غيرك؟؟:
- التكريم نوع من الثناء الحسن، وهو عاجل بشرى المؤمن، لكن إن أتى فرحتُ به، وإن لم يأت لا أتأسف عليه.
تنتظره في الآخرة؟:
- نعم.. بعمل صالح، وعلم نافع يُنتفع به إن شاء الله .
وماذا عن الدنيا؟:
- إن أتى شكرتُ، وإن لم يحدث فلن يضيرني.. يهمني جانب التأثير في الآخرين بما يرضي الله، وبما ينفعهم دنياً وآخرة .
وقتي موزع
إذن وقتي موزَّع لحق الله مع التقصير، وترتيب وقتي، وإنجاز أعمالي الرسمية، وألتقي بإخواني في مناسبات ثقافية ببيتي، ونشاطي وأكثر وقتي للعمل كما أسلفت في موسوعتي (الإكثار في شرح المحلى بالآثار).. لكنني مع هذا آخذ كفايتي من النوم بخلاف ما كنت عليه في السابق، وهذا البرنامج الصارم ألتزم به ولم أخرقه أبداً إلا في حالات الأسفار خارج المملكة، أو اعتلال الصحة، أو وجود مناسبة حفلٍ في الليل.. والطقوس حفظكم الله غير مناسبة في هذا السياق؛ لأنها تعني أحوالاً ما أنزل الله بها من سلطان أو نزل سلطان الله بإبطالها ببرهان نيِّر كأحوال بعض أهل الملل والنحل في كفرهم أو بدعهم، وكأحوال السَّحرة..ولكن قصدكم نظيف؛ لأنكم تريدون برنامجي في ممارسة عملي، وتنظيم وقتي.
رجعتم للطقوس
لديك طقوساً غريبة حين تشرع في الكتابة حيث تقوم بغسل قلمك بالماء؟
- رجعتم للطقوس حفظكم الله، ولست أعرف شيئاً من ذلك، ولكني أقتني أكثر من قلم حبر سائل يُسْـقَى من الدواة، وإذا أخذ مني مدة قد أغسله لتجويد العمل.. القضية لتنظيف القلم كل مدة .
لغتك في الكتابة أقرب إلى لغة القدماء..ما هو سر ذلك، وهل تعتقد أن القرَّاء لديهم من الوقت القدر الكافي لاستيعاب هذه الطريقة؟
- هذه مقولة سئمت من سماعها، ولا أعلم أنني أغربت في لغتي إلا مرات أجاري فيها أبا تراب الظاهري رحمه الله تعالى حينما يكتب عني بلغة قاموسية جافة أشبه بلغة المقامات، وأما ما عدا ذلك فإن أسلوبي متنوِّع: إن كتبت عن بحث علمي كتبت بلغة العلم المباشرة بدون تعمُّلٍ، وإن كتبت عن ناحية فكرية أحرص على الرصد والمباشرة والإيضاح ولا يتطرق الغريب إلى ذلك أبداً.. وفي كلا الحقلين أحرص على لغة مفهومة مع التقسيم والحدِّ والمثال الشارح للتصوُّر، وأما في الوجدانيات والتأملات والمقالة الفنية فإني أحرص على الإيقاع الأخَّاذ محتذياً أسلوب طه حسين تارة، ودريني خشبة تارة، والزيات تارة، وسيد قطب تارة، وزكي مبارك تارة، وأجمع بينهم تارة، وأصطفي من الكلمات المهجورة الفصيحة؛ لأن الفصاحة تتعلق بالألفاظ بخلاف البلاغة.. ومع هذا يظل لأسلوبي ميزته الفنية، وأتعمد تطعيم مقالاتي بكلمات من اللغة العربية الأنيقة المهجورة عن غفلة، وهي لا تزيد على ثلاث تقريباً في المقالة الواحدة، وهي ليست من الغريب، ولكنها من الكلام الجميل المهجور.
رصد الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي أسماء وألقاباً مستعارة للكُتاب السعوديين: منهم أحمد زكي يماني (أبو مي) وأحمد الشيباني (ذيبان الشمري) وأحمد الصالح (المسافر) وحسن عبد الله القرشي (محمد) وشيخنا محمد بن عمر ابن عقيل (أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري) ما هي قصة هذه الألقاب في رأيك، وما هو سِرُّ اختيارك لهذا اللقب؟
- كان اللقب الأول (أبو نفلا) وكنت أكتب به في جريدة القصيم وباليمامة عندما كانت جريدة، وسرُّ ذلك أنني لما كنتُ طالباً أُمثِّل دوراً شخصيتي فيه هي أبو نفلا؛ فلما صحبت الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى تأسَّيت به وبالسلف في الكنية؛ فتكنيت بجدي عبدالرحمن رحمه الله، والكنية محبَّبة عند العلماء، ومأثورهم من الشرع، ومن العلماء من لم يتزوج وتكنَّى كأبي العباس ابن تيمية ولم يتزوج رحمة الله عليه، ومنهم مَن تأخر زواجه وتكنى قبل ذلك كالإمام أبي عبدالله أحمد ابن حنبل(12) رحمه الله تعالى، وكثير من العلماء لا يُعرفون إلا بكناهم كأبي عيسى الترمذي، وأبي عمر ابن عبدالبر، وأبي جعفر ابن جرير رحمهم الله، وورد أيضاً حديث لا أدري الآن عن درجة صحته (تكنوا تحابوا)؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم كنى أبا رقاد وأبا تراب وغير ذلك.
قضية البلوت
يقال إنك أحد عشاق لعبة (البلوت)، ويردُّون سبب تعلقك بها لجوِّك العقلي الذي يتساوى مع تركيبة الشيخ الفكرية؟
- قبل قضية البلوت فالكنية لها فائدة علمية للكاتب؛ لأنه إذا كان ينقل عن غيره من العلماء ويريد أن يعلق فقال:(قال أبو عبد الرحمن) ينفصل رأيه عن غيره.. وأما أنني من عشاق البلوت فلستُ أُحرِّمه، كنت أتسلَّى بها أويقات، وفي مناسبات، وأما الآن فلا فراغ لي لأي لهو إلا في مناسبات قليلة، وذلك مما لازمني من (الداد) و(الهُنَيَّات)، وأنوي هجرها إن شاء الله (وإن كانت غير حرام، وإن كانت المناسبات قليلة).. وفي مناسبات سابقة كان لي أصدقاء يلعبونها فكنت ألعبها من غير عشق لها.

المصدر: http://www.al-madina.com/node/191237