العلامة ابن عقيل الظاهري: ابن باز مع الأصوليين على أن الظاهر هو خلاف الواضح وهذا ليس صحيحاً!


... في ثاني حلقات "المواجهة" مع العلامة أبي عبد الرحمن ابن عقيل تتسع باحات الفكر سعيًا في المزيد، تكبر مساحات القول والاعتراف كأنّك تستمع إلى سمفونية فكرية لا تريدها أن تنتهي...
هذه الحلقة تكشف لنا – بجلاء – مدى الصدق الذي يختزله هذا العلامة مع نفسه قبل أن يعلنه؛ حيث يتبدّى لنا الاعتراف واضحًا من خلال إقراره بـالجهل بأمر التعليم في الوقت الحاضر، مقرًا أنّه لم يلق دروسه إلاّ بخطاب رسمي (مشروط) بعدم تدريس المذهب (الظاهري)، مبيًنا أنّه عرض أحد كتبه على الشاعر المعروف عبدالله ابن خميس فلم ينل رضاه فسارع إلى تمزيقه، رافعًا شكواه بعد أن سرق أحد المسؤولين مكتبته، وكاشفًا كيف أنّ الملك عبد الله – حفظه الله – لما علم بهمه بيع مكتبته سارع في حل أزمته، واصفًا ما يسمى ب(المطاوعة) بأنّهم ليسوا عواماً أو مشايخَ، مسقطًا عليهم نوعًا من التّطرف، وأن الإرهاب لم يأت إلاّ من الحركيين المتأسلمين، مؤكدًا أنّه لم يحرق (نظرات لاهثة)، ولا (نظرات لاهية)؛ أمّا (النغم الذي أحببته) فله قصّة سنقرأ سطورها في ثنايا هذا الحوار، منتقدًا بعض القيادات الشرِّيرة التي صرفت الأموال في النساء والقمار والفضول
إذن هناك قائمة طويلة من الاعترافات والانتقادات تكشفها ... سطور المواجهة في جزئها الثاني:
أوعزت بإحراق ثلاثة كتب خاصة بك هي (نظرات لاهثة) و(نظرات لاهية) وديوان (النغم الذي أحببته)؛ لماذا أقدمت على ذلك؟
- لم أحرق (نظرات لاهثة) ولا (نظرات لاهية) مع تراجعي عن بعض الأخير، وأما (النغم الذي أحببته) فقد صدر بغلافين غلاف عليه صورة فتاة ومعها عود؛ فطلب مني الأستاذ عبدالعزيز الشبانات صاحب(عالم الكتب) جزاه الله خيراً أن يشتري مني الكتاب ويحرقه؛ فقلت له:(لك ذلك أحرقه بلا قيمة)، وأحرقه، واستبقيت منه نسخة واحدة.. ولكن الكتب التي أحرقتها كانت في صغري، ومنها كتاب اسمه(الأصول والفروع) في الأنساب على حروف المعجم، وقد عرضته على شيخي عبدالله ابن خميس متعه الله بالصحة والعافية ولم ينل رضاه؛ فمزقته، ومنها أرجوزة علمية بعثت بها إلى سماحة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم رحمه الله فلم تعجبه، وكتب لي نصيحة بذلك فأحرقتها.. وهذا خلاف ما وأده بعض الأشخاص من كتبي وليس عندي نسخها كالدكتور صلاح الدين المنجِّد، ودار الاعتصام بمصر، والشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله.. ومنها ما فقد لظروف معيَّنة ككتابي ( بين كميت والملحاء) وذكرت قصته في التباريح.
جهد علمي
هل كل مُؤَلَّف لك لم يرضِ المفكرين والأدباء عمدت إلى إحراقه.. لمَ لا تدعه للتاريخ؟
- لم أحرق من كتبي إلا ما ذكرت، وهذه الكتب التي عندي ليس فيها ما ينال إعجابي ورضاي إلا قليل مثل تحقيق المذهب للباجي والردود عليه لبعض العلماء رحمهم الله تعالى، والذي سينال استحساني إن شاء الله وفيه جهد علمي وفكري وهو من الكتب التي أعمل عليها الآن (الإكثار في شرح المحلى بالآثار).
هل ستعيد طباعتها؟
- سأصطفي منها إن شاء الله .
لا مثل لها
* أقدمت على بيع مكتبة لك..هل السبب هو الحاجة، أو أن هناك سبباً آخر؟
- كانت لدي مكتبة لا أظن أن لها مثيلاً، ولم يخل مكان في البيت من الكتب حتى الدرج كانت غاصة بالكتب، وأقدمت على بيع شيء منها، والباقي تركته عند رجل مسؤول عن دار مكتبة ابن حزم فباعه، وسرقه، وقد أُبعد..هذا على الرغم من أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل أن يصبح ملكاً جزاه الله خيراً وأيده لما علم بهمي ببيع المكتبة أبى وحل أزمتي..وبحمد الله عوضت عن تلك الكتب؛ فكتبي كانت طبعات قديمة، لكن صدرت طبعات منقحة وبخط واضح.
ومكتبة داود الظاهري؟
- المكتبتان جمعتا وضاعتا كما أسلفت بيانه.
مثلي لا يتكهن
* في ظل الهيمنة الغربية على مناحي الحياة هل يعتقد فضيلتكم أن تيار الفكر الغربي الليبرالي هو الذي سيسود وسط العالم الراهن؟
- مثلي لا يتكهَّن، ولكنه يستنبط كلام خالق الحقيقة سبحانه.. نحن نعلم أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، ونعلم أن الصهيونية العالمية سواء كانوا من اليهود أو من الذين صهينهم اليهود لخدمة اليهود هم الذين يسودون العالم باسم المواطنة، ولهم اليد على العالم بالمشاركة في الاختراع وتولي المحاماة وكراسي الجامعات والتصفيات المعنوية والكيد العظيم في كل نواحي الحياة حتى لا يكاد يوجد مسؤول ليس له ولاء لهم، وبالتصفيات الجسدية كالتي يفعلها الموساد وألف موساد غيرها؛ فهم الذين يسيطرون على العالم، والمفكرون لا يستطيعون الحديث..
البرهان على هذا
والبرهان على كلامي هذا عندما ألف أميركي كتاباً عن أسطورة المحارق التي قام بها هتلر: أُخذ كتابه، وتمت مضايقته، وفصله من الجامعة، وتم الاتصال به تليفونياً وتهديده حتى أصيب بالهستيريا؛ فتسربت نسخة إلى سنغافورة؛ فأحرقت، وتسربت نسخة إلى القاهرة وطُبع منها سبعون ألف نسخة كلها فُقدت في أسبوع واحد؛ لأنهم أحرقوها؛ فهم مهيمنون ويكفي أن اثني عشر ألف يهودي يسيطرون على قارة أمريكا التي يبلغ عدد سكانها مئتين وسبعين مليون نسمة.. بدأ هذا بالتدريج أولاً بتحويل هؤلاء من الكاثوليكية إلى البروتستانتية التي هي تحوير يهودي، ثم تحول هؤلاء البروتستانت إلى يهود سبتيين ابتداءً من جورج الجد صاحب الكتب الخطيرة.. وهذه الهيمنة ستظل باقية فيهم ما داموا يملكون قرارنا السياسي وقرارنا الثقافي والإعلامي، ويأخذون مواردنا بأبخس الأثمان، ويسوِّقون منتجاتهم بأغلاها، ولسنا مهيئين للجهاد.. السيف لا يقابل دبابة، والدبابة لا تقابل قنبلة ذرية.. ولكن الإنباء من الشرع المطهَّر يفيد بأنه لن يطول عذاب المؤمنين، وأن الخيرية لن تُعدم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم..يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة)، وإن كل شيء له منتهى؛ فكل حضارة تحارب الله عز وجل لها نهاية؛ فكم من حضارة سادت وبادت؟.. وقد يكون هذا بنضوب موارد الحضارة، وقد يكون بكارثة كونية، وفي النصوص الشرعية ما يدل أيضاً على أن الحياة ستعود طبيعية: خيل وسيف، وأنه سيكون فتح روما عاصمة النصارى، وسيقيم المسلمون دولتهم.. كل هذا حق، ولكن هذا ابتلاء من الله للمسلمين يُميِّز به الخبيث من الطيب، ومن أراد النجاة وألا يرفع رأسه في الفتنة فسيظل على الحق ولن يضره شيء، ولم يأت وقت العزلة التي ينعزل فيها الإنسان إلى الشعاب والأودية؛ فالناس لا يزالون بخير والحمد لله.
هذه هرطقات
هل تعتقد أن المخرج من هذا المأزق الذي نعيشه الآن في وجود إسلام ليبرالي كالذي طرحته تركيا مثلاً في حزب العدالة والتنمية؛ ليكون نموذجاً يُحتذى في التعامل مع الغرب؟
- هذه هرطقات.. ليس هناك إسلام من هذا النوع؛ بل هناك إسلام معيَّن توقيفيٌّ على الشرع بلَّغه عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، والأمة العاجزة تكون صالحة في ذاتها فيما يتعلق بتنشئتها ونَشْئها وأبناء وطنها، ويكون مذهبها الانتقاء، ونحن نعيش في عصر ليست فيه رقابة، ولكن إعلان مبدإ الرقابة إعلان لما نؤمن به نحن وحقٌّ علينا أن لا نسبح مع التيار.. هناك حِنكة سياسية ومعادلة بين المصالح والمفاسد تلغي أن نُجبر على ما لا نرضاه في أمور ديننا، والمعادلة بين المصالح والمفاسد معناها أن الشرع المطهَّر يُبيح لنا إهدار مصلحة صغرى لدرء مفسدة كبرى، ويبيح لنا تحمُّل مفسدة صغرى؛ لتحقق مصلحة كبرى.. وإن أمة تعيش بهذه المعادلة قطعت نصف السبيل، والنصف الآخر يقوم على تكوين أنفسنا بحيث نستطيع الدفاع عنها..
أمثلة كثيرة
نحن صدمنا منذ عام بإطلاق إيران لأول صاروخ فضائي في العالم الثالث وإن كان قد احترق، ونحن الآن في دول الخليج تملك من المال ما لا يعلمه إلا الله؛ فلماذا لا يُصرف هذا المال في استجلاب المواهب العلمية؛ لتصنع لنا شيئاً ندافع به عن أنفسنا، ويُعهد به إلى أيدٍ أمينة من زعماء العرب، وتؤخذ عليهم مواثيق غليظة مع الرقابة، وأكثر من هذا فإن كثيراً من ذوي الخبرات من دول الاتحاد السوفياتي جاؤوا إلينا فما وجدوا لهم عندنا مكاناً واستقبلتهم إيران؟.
يعود إلى أمرين
هل ترى أن السبب الرئيس في ذلك يعود إلى المناهج الدراسية؟
- بل يعود إلى أمرين: الأول هو قيادات خيِّرة ولكنها عجزت أن تدير الآخرين، والثاني قيادات شرِّيرة صرفت أموال هذه الأمم الخليجية في النساء والقمار وشيء من المحرمات والفضول واللهو.. وهناك قيادات خيرة ترعى العالم العربي والإسلامي لكنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً حيال وحدتهم، أو أن تفرض عليهم نتيجة القول:(بأن هذا المال هو عصب الحياة، ونريد أن نستجلب به مهارات تدافع عنا وعنكم، ونعهد بنتاجها إلى قيادات أمينة بإشراف عربي منتقى).. هذا هو المهم لنحقِّق ما نريده، ولكن النصف الأهمِّ حقَّقته المملكة العربية السعودية التي لم تسبح مع التيار، وراعت المعادلة بين المصالح والمفاسد، وراعت ثوابتها، وهذا نشكر عليه الله سبحانه وتعالى، ولا أدعي أننا في مرحلة الكمال، ولكن هذا أبدع ما كان في الإمكان.
كلمة ليبرالية
وصفت الليبرالية بالهرطقة..ألا تعتقد أن لليبرالية جذوراً في تاريخنا العربي والإسلامي بصورة أو بأخرى؟
- لماذا استخدام كلمة ليبرالية؟..دعني أقول كلمة ديمقراطية أو حرية، والحرية حريتان: حرية كونية وهذه لا توجد؛ إذ ليس في الوجود حرية كونية: يولد الإنسان بغير اختياره، ويموت بغير اختياره، ووضعية حياته من فقر وغنى وشقاء وسعادة ومرض وصحة وضيق نفس كل هذا لا يملك فيه شيئاً؛ فهو أمور قدرية.. وهناك حرية سلوكية، وهذه ليست قيمة فكرية، ولكنها موجودة.. يملك الإنسان حرية أن يدمن المخدرات، وأن يذهب إلى البار، وأن يذهب إلى المسجد، وأن يقتل، وأن يطيع ربه.. هذه حرية سلوكية، ولكن الحرية الفكرية التي يترتب عليها السلوك موجودة بِقَدْرٍ؛ فلابد أن يكون الإنسان حراً في فكره لا يضغط عليه فكر مضلِّل سوى مسلمات بنى عليها سابقاً..إذا تكوَّن للإنسان رأي بيقين أو رجحانٍ تنتهي الحرية، ويأتي باب الالتزام، والفكر عمل رياضي؛ لأنني عندما أضرب عدداً من4 أرقام مثل 9999×8888 وأكرر عملية الضرب تتضح لي النتيجة؛ فعملية الضرب والقسمة والجمع والطرح كلها مسلمات على هذه الآحاد؛ فيصبح التشكيك في حاصل ضرب 9999 × 8888 نوعاً من السفسطة إذا أُحكم التدقيق..
بديهية معينة
وإذا آمن العقل ببديهية معينة لا يشكك فيها يستمر في البناء عليها؛ فقد دلني عقلي على أن هذا الكون لن يخلق نفسه؛ لأن الكلمة غير مفهومة.. كيف يخلق الكون نفسه وهو شيء وقبل أن يخلق لم يكن شيئاً؟.. هذا غير معقول، ولا يمكن أن يوجد الكون مصادفة.. لابد أن يكون قد وُجد عن موجِدٍ أعظم وأحكم من كل شيء ومن كل ظاهرة فيه من القوة والحكمة والعظمة. هذه البديهة كونتها بعقلي؛ فمن هذا المنطلق لا تكون الحرية قيمة في ذاتها، وليست حقاً ولا خيراً ولا جمالاً، ولكنها موضوع للقيمة؛ فالتحرر من الخير شر، والتحرر من الشر خير، والتحرر من القبح جمال، والتحرر من الباطل حق.
عبيد الله
هل تؤمن بأن في الإسلام ديمقراطية بالمفهوم العصري؟
- كما شرحت لك فإن الغالب في الإسلام هو جانب العبودية التشريفية.. الناس كلهم عبيد الله، ولكن الكفار عبيد القهر والإذلال وعبيد قدره الكوني جل جلاله يموتون على حتفهم وبغير إرادتهم.. والعبودية التي نؤمن بها هي العبودية لله، وأن نُقدِّم مراد ربنا على شهواتنا وأهوائنا إلا ما جعل الله لنا الإباحة في النظر فيه.. والإسلام لم يعلِّمنا كيف نصنع هذه الطاولة ولا كيف نصنع الإبرة أو السيف، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أنتم أعلم بشؤون دنياكم)، وحمَّل الله المسؤولية السمع والبصر والفؤاد؛ فنحن نعمل بمواهبنا ومهاراتنا ولا نتوانى في الصنع والإنتاج؛ لكن إذا أنتجنا يتدخل الإسلام في توظيف ما أنتجناه للخير والحق والجمال ..
حرية القول
لو صنعنا قنبلة نووية يتدخل الإسلام وينهى عن أن تستخدم إلا في الخير أو في الدفاع عن النفس.. وحرية القول بدأت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الأربعة رضي الله عنهم، ولكنها حرية مشروطة بألا تؤذي حرية الآخرين.. يقول تعالى:(ولا تَسُبُّوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)؛ لأننا إذا سببنا آلهة الكفار سيسبُّون ربنا، والناحية الثانية هي أن يُسمع القول حتى يتبيَّن الحق بيقين أو رجحان أو تصويت، وإذا وصل الأمر إلى هذا انقطع النزاع..ولن ينقطع النزاع بين المسلمين وبقية الأمم إلى الأبد؛ لذلك فإن الغرب الآن يفصل في قضية الحرية بالتصويت، والشرع المطهَّر يُجلِّي الشبهة، والتصويت لذوي الحلِّ المؤتَمنين لا الغوغائية، والديمقراطية لغة وممارسة تعني حرية الشهوات والشبهات بناء على القانون الطبيعي-وليس بقانون-؛ فبنوا عليه الحق الطبيعي، وأسقطوا حق الله ابتداء بروسو واسبينوزا اليهودي في العَقْد الاجتماعي، ورسالة اللاهوت.
أجهل الناس
التعليم في المملكة جُوْبِه بكثير من الانتقاد في المدة الأخيرة.. كيف تشخِّص واقعه ؟
- أنا أجهل الناس بأمر التعليم في المملكة منذ أن تركت الدراسة؛ لأن دراستنا كانت على مناهج معينة محصورة، والآن تغيرت المناهج تغيراً كلياً، وقد جربت في حياتي أنْ درَّستُ الفلسفة الإسلامية والتوحيد في كلية التربية بجامعة الملك سعود، ودرَّستُ الطالبات في عليشة، وفي أول يوم ذهبتُ كنت قد عكفت على التحضير وأجهدت نفسي؛ فلما اجتمع عندي الطلبة وجدت أنهم أناس لا يفقهون قولاً، وكأنهم يسمعون كلاماً إنجليزياً؛ لهذا تهاونت حتى صرت لا أُحضِّر لدروسي والطلبة يفهمون بعسر، ويظهر لي من تجربتي القصيرة وخبرتي الناقصة أن ما يدرسونه هو تدريب على العلم، وليس علماً.. وأما برمجة تعليمنا، وتقليص الشؤون الدينية فهذا فعلاً شيء يراد بنا، بل وجدتُ جامعة يتراطن أساتذتها بالإنكليزية، ويقررون في المنهج عشرين ساعة للإنكليزية إجبارياً وأربع ساعات للعربية غير إجبارية كأنهم أئمةٌ في لغتهم؛ فهذه هي الهزيمة الروحية الشنيعة، وتعلم اللغات واجب ثلَّة من العلماء؛ لضرورة العصر، والأمة كلها مطالبة بإتقان لغة العرب؛ لحفظ كيانها، وفهم دينها، ومع هذا فمملكتنا بالله ثم بسياستها في حفظ كِيانها سوف تدافع عن هذا، وسوف تختار باطن الأرض على ظاهرها إذا ساوموها في دينها.
لم أمنع
يشاع أنك مُنعت من التدريس ولم تتركه طوعاً؟
- لم يحدث ذلك، ولكن كانت لي حلقات في المسجد وحلقات في البيت، وفي عام 1405هـ تقريباً وُجد خطباء الفتنة؛ فصدر أمر بألا يتكلم في الميكرفون بالمسجد إلا من له بطاقة من إدارة البحوث والدعوة، وقد درَّست في المسجد والبيت بإذن من سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله ، ودرست في مدارس ثانوية في صغري بالبطحاء، ودرّستُ الأنظمة البلدية في معهد الإدارة العامة، ودرَّستُ في جامعة الملك سعود بتكليف من الدكتور أحمد التويجري حفظه الله، وهو عنده توجيه من مرجعه؛ فكيف مُنعتُ؟
إذن مشروط
لمَ لمْ تكن لك بطاقة؟
- لأني لم أطلبها، بل ذهبت إلى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، وذكرت له أنني أقيم دروساً في المسجد ودروساً في البيت لمن يأتيني، ولم يتم منعي ولكن بعد تلك الإجراءات توقفت من تلقاء نفسي؛ فأذن لي بخطاب رسمي مشروط بعدم تدريس المذهب الظاهري ؛ فالتزمتُ .
هذا مرفوض
أصابع الاتهام ما فتئت تشي باتِّجاه مناهجنا التعليمية في سياق بحثها عن مسوغات ومسبِّبات لظاهرة الإرهاب.. أين تقف من هذه الرؤية وهذا الاتهام؟:
- علماء السلف كافة (ولا أقول الحنابلة فقط) كلهم ضد الإرهاب بالمعنى الموجود الآن، والذي نعرفه أن نُعدَّ العُدَّة لنرهب عدو الله، ولندافع عن أنفسنا؛ فهذا شيء آخر.. لكن إرهاب الآمنين والذميين والمعاهدين والمسلمين في أنفسهم ومنشآتهم وممتلكاتهم وممتلكات المصلحة العامة للدولة فهذا ما لا يوجد في دين الله سبحانه وتعالى، ولا في أي مذهب من مذاهب الأمة.. غاية ما في الأمر أنه بعد سقوط الدولة السعودية الثانية وُجد أناس يقال لهم: (مطاوعة) ليسوا عواماً، وليسوا مشايخَ صار لديهم نوع من التطرف، بل كفَّروا تركيا عموماً، ومع الأسف تسرَّب شيء من ذلك في كتاب الرسائل والمسائل النجدية، وما عملوه خطأ، ولا يجوز التكفير جملة.. إننا نُكفِّر من لا يحكم بما أنزل الله، ولكن أن نكفر أمة كاملة فهذا مرفوض؛ إذن كُفْرُ من لم يحكم بما أنزل الله لا يقتضي تكفير المجتمع كله، وهذا جمال عبدالناصر رحمه الله صالح في نفسه، والقانون موجود قبله، وقد حرص الدكتور عبدالرزاق السنهوري عند وضع الدستور بحرصٍ من عبدالناصر أن يكون من مصادر الدستور الإسلام حينما عجز الإخوانيون عن تحقيق دعوتهم بأن يكون إسلاميَّاً تحت ضغوط العلمانيين بقيادة خالد محيى الدين؛ فحصل السنهوري على أقصى ما يقدر عليه، ويسمونه الحل الوسط؛ وذلك بأن يكون الإسلام من مصادر الدستور؛ فكيف نكفره، وهو غير قادر؟ ..
مداهنة أمريكا
وعبدالناصر ربما أنه كان ينوي أن يُعدِّل، ونعرف أنه بعد أن خرج الاستعمار شكلاً من البلاد بقي الاستعمار الفكري حتى لا تقوم دولة إسلامية، وكان رجال الثورات في العالم العربي يُعَدَّون من العدو مسبقاً، وعبدالناصر داهن أمريكا، ثم ارتمى في أحضان روسيا؛ ولما رأوا جِدَّه في القومية العربية ـ وليست هي مطلب المسلمين ـ، وتحمس له جمهور البلاد العربية، وأسقط حروباً أهلية كما في لبنان في عهد فؤاد شهاب: أسقطه الحليفان المتكافئآن آنذاك بنكسة عام 1967م؛ فملأ الفراغ بعد النكسة الملك فيصل رحمه الله بمبادئ خيِّرة وثوابت إسلامية، وَوُجِدَ التجمُّعُ الإسلامي، وتألَّقتْ باكستان المسلمة بقيادة ضياء الحق وبدعم مالي سخي من الملك فيصل رحمهما الله تعالى، وأرادوه خليفة للمسلمين فأبى، وقبله أبى ذلك أبوه الملك عبدالعزيز رحمهما الله تعالى؛ لعلمهما أن ذلك لا يكون؛ لأنه متعذِّر، وليس متعسِّراً وحسب.. والإرهاب الذي قد يوجد هو ما كان من أخطاء بعض المطاوعة مع أنها ليست من مذهب شيخهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي قال في كتابه منهاج السنة: (لا أكفر أحداً من أهل القبلة)، وأخطأ عليه أناس قالوا إنه يقول: (العبرة ببلوغ الحجة لا بفهمها)، وهذا خطأ منهم؛ لأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال في أحد كتبه: (من بلغته الحجة لفظاً ولم يفهم معناها فلم تبلغه الحجة)، ثم قال في موضع آخر: (العبرة ببلوغ الحجة)؛ فهو بمدلول كلامه السابق يريد بلوغ الحجة معنى ولفظاً، وهو رحمه الله لا يقول بالتلازم بين الكفر والتكفير، بل مذهبه أن هذا القول أو الفعل أو المعتقد فسق أو بدعة أو كفر، ولكن مرتكب هذا الفعل أو البدعة أو الكفر لا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة، وأما دنيوياً فيحكم عليه بمرافعةٍ شرعية يلتزم فيها ما لزم مذهبه من كفر؛ فإذا التزمه حُكم عليه بالكفر؛ لقيام الحجة عليه؛ وإزالة شُبَهِه؛ لأنه إذا كانت له شبهة تزال بالحجة حتى لا يبقى عنده إلا العناد ، وهكذا إذا ارتكب شيئاً لا حجة له عليه ألبتة، أو كانت الحجة لما ارتكبه معارضة ببرهان قطعي كمن سجد لصنم أو ذبح على النُّصُب..
علماء سوء
ومثلهم علماء سوء تعبدوا لله في زعمهم بكذب وضعوه، أو بكذب يعلمون أنه كذب كمن رغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ورغب عن فهم كلام الله بلغة العرب، وادعى مصادر للشرع كاذبة لم يرد بها نص ولم تُفهم من الشرع بلغة العرب، وما أشبه ذلك من دعاوى مُخترعة لا يعجز أحد عن اختراع غيرها؛ فهذا لا نشك في كفره؛ لأنه ليس له في هذا شبهة، وأما ما عدا ذلك فلا يكفر أحد إلا بقيام الحجة وارتفاع العذر؛ فإن أريد حكم دنيوي فلابد من مرافعة شرعية، وقد كتب في هذا أئمة منهم الصنعاني، والشوكاني وغيرهما رحمهم الله تعالى.
إرهاب الحركيين
تكلمت عن الإرهاب مفهوما، وأنا أسأل عن مناهجنا التي يتهمها البعض بأنها تولِّد الإرهاب.. أريد كلمات مختصرة.. هل هناك دور للمنهج أو أن هناك منهجاً خفيَّاً داخل في العملية التربوية؟
- الإرهاب جاءنا من الحركيين من غير فهم حقيقي لسياسة الدين، وقد صفعهم عبدالناصر؛ فاحتضنهم الملك فيصل رحمه الله، وبلغ حسن الظن عند دولتنا أنها لم تحتضنهم فقط، بل جعلتهم يُدَرِّسون، وذلك أعظم منصب قيادي؛ فأخرجوا لنا أمثال أصحاب خطب الفتنة فيما مضى.. هذا هو الجانب الإرهابي الفكري، وقد وُجد الإرهاب أيضاً عند المتأسلمين (وهم إما يهود، وإما نصارى، وإما بوذيون، وإما بهائيون.. إلخ)، وهؤلاء تأسلموا ظاهراً، واتخذوا حرب الشيوعية في أفغانستان ذريعة، وكان وسيلة علمية حقيقية لعملية غسيل المخ، وكنت أظنها خرافة، وقد وقع بيدي كتاب ضخم منذ أكثر من ثلث قرن في مجلدين لصلاح نصر الذي آذى المسلمين في مصر ومات ميتة شنيعة بعد طول كَدَر وعذاب، وكل كتابه نَقْلٌ عما يجري في المعسكر الشيوعي، ولا سيما عند ماو تسي تونغ، وكدت أصاب بالدوار من القراءة عن هذه العملية؛ وعز عليَّ بعد ذلك الحصول على هذا الكتاب..
مذهب الحركيين
ومذهب الحركيين بالمعنى الأبسط يبدأ بالغاية الكبرى، وهي عند الحركيين المتأسلمين غاية كبرى تعني حاكمية الإسلام ونصرته، وطرد العدو من بلاد العرب، وإنشاء الخلافة الإسلامية؛ فهذه هي الغاية التي تُكرس لها الجهود مع غض النظر عن واقعنا بفقدان المعادلة التي أسلفتها، ومع غفلة عما كان عليه عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن تكون له دولة.. ثم تأتي الوسائل التي تبدأ بتمهيدات يجرُّ بعضها إلى بعض: تمهيد بدائي غير مستغرب، ثم تمهيد آخر، وتمهيد ثالث حتى يظل الصغير مقتنعاً بأن تحقيق هذه الغاية بقتلٍ أو نسف منشآت هو الطريقة الصحيحة لنصرة الدين، وأما مناهجنا فقد مضى الحديث عنها
أنتم ترون أن أكثر من أُلقي القبض عليهم في قضايا الإرهاب هم من صغار السن ؟:
- هذا هو الواقع ؛ فأكثر من قبض عليهم من الإرهابيين هم من صغار السن .

المصدر: http://www.al-madina.com/node/193635