جريدة الاقتصادية - الثلاثاء 1430/3/27 هـ. الموافق 24 مارس 2009 العدد 5643

5 محاور لتطوير القضاء الإداري


احمد العمري

تجربة المملكة في تطبيق القضاء الإداري متميزة، فهي لم تكن فكرة مقتبسة أو منقولة، بل وجدت لها جذورا في تاريخ القضاء الإسلامي، فقد عرف المسلمون قاضي المظالم وميزوه عن سائر القضاة لطبيعة القضايا التي ينظر فيها، فحيث لا يكون هناك تساو في القوة والنفوذ والقدرة على جلب الخصم إلى المحكمة، فإن القاضي يجب أن يكون لديه صلاحية لا تتوافر لغيره من سائر القضاة، فالمظالم ليست نوعا من القضايا، إنما هي قضايا أصحاب القوة والنفوذ أيا كان نوعها، وسميت مظالم لأنها تتضمن تسلطا وإجحافا من طرف قوي ضد طرف ضعيف يتم فيها تجريد الطرف الضعيف من حقه أو المساس به، حيث يبدو الطرف الضعيف غير قادر على استرداد حقه عن طريق القاضي المعتاد في الفصل بين المتخاصمين. ولأن تجربة المسلمين في تحقيق العدالة لم تكن لتستثني أحدا، فالخلفاء أنفسهم تقاضوا طوعا، ولكن هذا لا يتحقق في كل شخص، خصوصا من أصحاب الولاية والوزارة، ما اضطر الخلفاء أن يتولوا بأنفسهم إنصاف الخصوم من أصحاب السطوة والنفوذ، فكان الخليفة عمر بن الخطاب أول من أرسى دعائم ولاية المظالم وسار على ذلك الخلفاء الراشدون من بعده حتى العصر الأموي، حيث اشتد جور الولاة ومن يتولون السلطة، فخصص الخليفة عبد الملك بن مروان يوما لقضاء المظالم وكان يباشرها القاضي أبو إدريس وينظر في تنفيذها الخليفة نفسه. وسارت الدولة الأموية وكذلك العباسية وسائر الدول والممالك الإسلامية المتعاقبة على النظر في المظالم من خلال قاض أو قضاة متخصصين لهم صلاحية الحكم على الولاة وغيرهم ممن هم موظفون أو في حكم الموظفين ومن يتصرفون نيابة عن الوالي أو الوزير أو نحوه.
من هنا يتضح أن فكرة مقاضاة الإدارة وموظفيها والحكم بإلغاء أو تصحيح ما يتم منهم من قرارات كانت واضحة في غاية الوضوح وهي جزء من تاريخ القضاء في الإسلام، بل إن تأسيس فكرة قضاء المظالم لم تشبها شائبة، فلم يكن الغرض منها إعطاء مزايا للإدارة ضد الأفراد كما نعرفه عن نشأة القضاء الإداري في العصر الحديث، الذي تحول إلى قضاء يبحث عن الحقيقة والعدالة، حتى وإن كانت ضد الإدارة، بل إنه ابتكر نظريات جديدة في دور القضاء جعلت منه صورة مشرقة للقضاء الذي يحمي الشرعية في القرارات الإدارية، وضمان سير المرافق العامة وتقرير التعويض المجزئ للأفراد ضد الإدارة في الأضرار الناتجة عن التعاقد مع الإدارة أو أعمالها المادية.
إن سلطة قاضي المظالم أو ما نعرفه اليوم بالقاضي الإداري في سبيل الوصول للحقيقة التي يبني حكمه عليها أوسع من سلطات القاضي العادي سواء في الجانب الموضوعي أو الإجرائي، ذلك أنه يحمي الشرعية التي تؤكدها الشريعة الإسلامية والدساتير الحديثة وتحمي المصلحة العامة، ولعل أفضل ما يقال في ذلك ما ذكره الإمام الماوردي في وصف القاضي الإداري أو قاضي المظالم، حيث يجب أن يكون له (من فضل الهيبة وقوة اليد ما ليس للقضاة في كف الخصوم عن التجاحد ومنع الظلمة من التغالب والتجاذب، لذلك اشترطوا فيه أن يكون جليل القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر العفة قليل الطمع كثير الورع، لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحماة وثبت القضاة فاحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين).
إن نشوء القضاء الإداري في المملكة يرجع إلى عام 1373هـ، وهو تاريخ إنشاء أول مجلس وزراء، حيث نص نظام مجلس الوزراء على أن يكون ديوان مجلس الوزراء من خمس شعب إحداها شعبة المظالم، وفي العام نفسه 1373هـ صدر نظام شعب مجلس الوزراء وتضمن أن ينشأ في ديوان مجلس الوزراء ديوان المظالم يُعين رئيسه بمرسوم ملكي، وهو مسؤول أمام الملك وهو مرجعه الأعلى، وفي العام التالي 1374هـ صدر النظام الأساسي والداخلي لديوان المظالم، وتضمن النص أن يكون ديوان المظالم مستقلا، وفي تلك المرحلة لم يكن ديوان المظالم قضاء بالمعنى الدقيق، ولكنه جهة تتلقى الشكاوى في المظالم وتحقق فيها وتعرض ما تراه بشأنها من مقترحات إلى الوزارة أو المصلحة الحكومية وعندما لا يتم الأخذ بمقترحات الديوان فإن الأمر برمته يعرض على الملك ليقرر ما يراه بشأنه.
وهنا يتضح أن حماية الأفراد من أية مظالم تمت على أيدي الوزارات أو المصالح الحكومية أو أصحاب النفوذ كانت محل عناية، حيث عاصر نشوء ديوان المظالم تكوين مجلس الوزراء في أول نظام له، أما في عام 1381هـ فقد تولى ديوان المظالم صلاحية الفصل قضائيا في جرائم الرشوة والتزوير وتبعتها صلاحية الفصل في قضايا المقاولين ضد الدوائر الحكومية، ثم تظلم المنشآت الصناعية والتجارية المرخص لها بموجب نظام استثمار رأس المال الأجنبي وطلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية، فضلا عن اشتراك ديوان المظالم مع جهات وهيئات أخرى في أعمال التحقيق وعضوية مجالس التأديب.
أما التحول الجذري في مهام ديوان المظالم فقد كان عام 1402هـ، حيث صدر نظام ديوان المظالم ونص في مادته الأولى على أن ديوان المظالم هيئة قضاء إداري مستقل ترتبط مباشرة بالملك ومقره مدينة الرياض ويجوز إنشاء فروع له حسب الحاجة، أما اختصاصاته فقد جاءت متنوعة في القضايا الإدارية والجزائية والتأديبية، وهي تتركز في دعاوى الحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية، والتقاعد لموظفي ومستخدمي الأجهزة الحكومية والأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة المستقلة، وكذلك دعاوى الطعن في القرارات الإدارية، ودعاوى التعويض الموجهة من ذوي الشأن ضد الحكومة ومرافقها المستقلة بسبب أي أعمال تستوجب التعويض، ودعاوى العقود الإدارية والدعوى التأديبية، والدعاوى الجزائية في جرائم الرشوة والتزوير ومباشرة الأموال العامة وطلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأي دعاوى أخرى تنص الأنظمة على اختصاص ديوان المظالم بنظرها، وأخيرا أي مواضيع أو قضايا يقرر مجلس الوزراء إحالتها إلى ديوان المظالم.
ومن الواضح أنه في عام 1402هـ أصبح هناك قضاء إداري هو ديوان المظالم، ولكنه شمل أيضا اختصاصات أخرى ليست من صميم القضاء الإداري، بل إن نصوص نظام الديوان تركت الباب مفتوحا لأي اختصاصات أخرى، وبالفعل فقد أضيف لديوان المظالم عام 1407هـ الاختصاص بالنظر في المنازعات التجارية، حيث ورث الديوان هيئة حسم المنازعات التجارية وتحمل عبئاً ثقيلا خارجا عن طبيعته ووظيفته في السلطة القضائية، ولقد أوشك الديوان أن يتحول إلى قضاء نظامي ينظر في المنازعات الناشئة عن تطبيق أي نظام جديد ما لم يتم تحديد لجنة قضائية خاصة بذلك النظام. أما بعد صدور نظام ديوان المظالم وآلية التنفيذ، إضافة إلى نظام القضاء، فإن هناك نقلة جديدة في تاريخ ديوان المظالم أسميها تخصيص ديوان المظالم بالقضاء الإداري وتخليصه من الأعباء التي يجب تخليصه منها.
إن إعادة هيكلة القضاء الإداري له خمسة محاور، وفي إطار هذه المحاور سنلقي نظرة موجزة على مضمونها مع توضيح ما يسندها في نظام القضاء، ونظام ديوان المظالم، وآلية العمل التنفيذية للنظامين، حيث سنركز في هذا المقال على محاور إعادة هيكلة القضاء الإداري، وهي كالتالي:
ـ تخصيص ديوان المظالم بالقضاء الإداري فقط.
ـ إنشاء مجلس القضاء الإداري.
ـ إنشاء المحكمة الإدارية العليا.
ـ إنشاء محاكم الاستئناف الإدارية.
ـ فروع ديوان المظالم محاكم إدارية.
تخصيص ديوان المظالم بالقضاء الإداري
إن مشروع إعادة هيكلة القضاء شمل ديوان المظالم وأعاد ترتيب الاختصاصات القضائية له وللقضاء العام أيضا، ويمكن القول بإيجاز إنها إعادة نقل عمل ما ليس من اختصاص القضاء الإداري إلى القضاء الشرعي، وهو القاضي الطبيعي في كل المنازعات غير الإدارية، لذا فإن ترتيب المحاكم في القضاء العام سيشمل المحاكم التجارية والمحاكم الجزائية ولن يصبح لديوان المظالم اختصاص بنظر أي دعاوى تجارية أو جزائية، وإن من يطلع على المذكرة الإيضاحية للنظام القديم للديوان يجد أن اختصاص الديوان بنظر غير القضايا الإدارية هو اختصاص مؤقت، حيث نصت المذكرة على ما يلي (بما أن الديوان جهة قضاء إداري فإن اختصاصاته الجزائية مؤقتة إلى حين عمل الترتيبات اللازمة لقيام المحاكم بالفصل في تلك القضايا وفق نظام القضاء) ويقال هذا أيضا عن الدعاوى التجارية التي أضيفت للديوان في وقت لاحق.
وسيقتصر اختصاص ديوان المظالم على الآتي:
ـ الدعوى المتعلقة بالحقوق المقررة في نظم الخدمة المدنية والعسكرية والتقاعد.
ـ دعاوى إلغاء القرارات الإدارية النهائية.
ـ دعاوى التعويض عن قرارات وأعمال الجهات الإدارية.
ـ دعاوى العقود التي تكون الإدارة طرفا فيها.
ـ الدعاوى التأديبية التي ترفعها الجهات المختصة ضد موظفي الدولة.
ـ طلبات تنفيذ الأحكام الأجنبية وأحكام التحكيم الأجنبي.
ـ المنازعات الإدارية الأخرى.
إنشاء مجلس القضاء الإداري
لقد نصت المادة الرابعة من نظام الديوان على إنشاء مجلس القضاء الإداري وهو مماثل ومواز للمجلس الأعلى للقضاء في القضاء العام، إلا أنه يمارس تلك الاختصاصات فيما يتعلق بمحاكم ديوان المظالم فقط، ومن ثم فهو أولا ليس محكمة تصدر أحكاما أو تتصدى للفصل في أي منازعات إدارية، ثانيا لا يراجع الأحكام التي تصدرها المحاكم الإدارية، حيث تقف المحكمة الإدارية العليا على سلم الهرم القضائي في ديوان المظالم وهي مماثلة في اختصاصاتها للمحكمة العليا في القضاء العام، وثالثا فقد أحال نظام الديوان في اختصاصات مجلس القضاء الإداري إلى تلك المسندة للمجلس الأعلى للقضاء، وهي اختصاصات تتعلق بشؤون القضاة وإصدار اللوائح المتعلقة بالشؤون الوظيفية لقضاة ديوان المظالم وإنشاء المحاكم والدوائر والإشراف عليها وتنظيم صلاحيات رؤسائها ومساعديهم ورفع المقترحات ذات الصلة بتلك الاختصاصات للملك وإعداد التقرير السنوي عن أعمال الديوان ورفعه للملك. لذا فإن مجلس القضاء الإداري ليس من تشكيل محاكم الديوان، بل هو مشرف عليها ماليا وإداريا ووظيفيا وتنظيميا.
إنشاء المحكمة الإدارية العليا
هي أعلى محاكم الديوان في الترتيب ومقرها مدينة الرياض، وتؤلف دوائرها من ثلاثة قضاة، وتختص بالنظر في الاعتراضات على الأحكام التي تصدرها محاكم الاستئناف الإدارية في حالات محددة واردة على سبيل الحصر، وهي كما تضمنتها المادة 11 من نظام الديوان كما يلي:
ـ مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، أو الأنظمة التي لا تتعارض معها، أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها، بما في ذلك مخالفة مبدأ قضائي تقرر في حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا.
ـ صدوره من محكمة غير مختصة.
ـ صدوره من محكمة غير مكونة وفقا للنظام.
ـ الخطأ في تكييف الواقعة، أو في وصفها.
ـ فصله في نزاع خلافا لحكم آخر سبق أن صدر بين طرفي الدعوى.
ـ تنازع الاختصاص بين محاكم الديوان.
ومن الواضح أن المحكمة الإدارية العليا تحاكم الحكم ذاته من حيث سلامته في تطبيق الشرع والنظام، فهي بالمعنى الدقيق محكمة إبرام أو نقض للأحكام القضائية وإقرار المبادئ القضائية الملزمة للمحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية، ولأنها أعلى المحاكم في جهة القضاء الإداري، فإن لها هيئة عامة برئاسة رئيسها وعضوية جميع أعضائها ولها المهام ذاتها المنوطة بالمحكمة العليا في القضاء العام.
إنشاء محاكم الاستئناف الإدارية
وجود مصطلح استئناف جديد حتى على ديوان المظالم، رغم تطوره التنظيمي وما حققه من سبق في مجال تطبيق الأنظمة وليس في علم المرافعات مصطلح آخر يمكن استخدامه بديلا عنه، فالاستئناف يعني إعادة النظر في أحكام المحاكم الإدارية التي تعد الدرجة الأولى للتقاضي، فهو يعيد النظر في القضية برمتها ومن جميع جوانبها، وهو غير ملزم بما اتخذته محاكم الدرجة الأولى، لأنه تقاض جديد، كما لو أن القضية لم تنظر من قبل، وهذا يوفر ضمانة قوية لسلامة تطبيق الشرع والنظام، حيث تعرض القضية أمام قضاة لم يسبق لهم نظر تلك القضايا المستأنفة أمامهم وهم أصحاب تكوين علمي وخبرة عملية أعلى من محاكم الدرجة الأولى، وبالتالي فإن أمام الخصوم فرصة أخرى لإعادة المحاكمة.
إن فكرة الاستئناف بمعناها الدقيق وجدت في اللجان العمالية والجمركية، في حين كانت تسير جهة القضاء العام وكذلك جهة القضاء الإداري على تبني التمييز للأحكام أو التدقيق وهو ليس استئنافا، فالرأي السائد في الفقه أن التمييز أو التدقيق ليس درجة تقاضي لعدم طرح النزاع برمته أمامه كما هو الحال بالنسبة للاستئناف. أما اليوم فهناك درجة تقاض جديدة هي الاستئناف ستسهم في تصحيح أحكام المحاكم الإدارية وعلاج الأخطاء التي تقع في أحكامها، هذا في الجانب التصحيحي، أما الجانب الوقائي فإن وجود محاكم للاستئناف الإدارية باعث قوي لكي تتحرى المحاكم الإدارية الدقة في أحكامها، والتأني في إصدارها لكي تتفادى إلغاء أحكامها أو تعديلها.
وما يقال عن محاكم الاستئناف في القضاء العام يقال أيضا عن محاكم الاستئناف الإدارية في القضاء الإداري، فالفكرة في جوهرها واحد سواء من الناحية الفقهية في علم المرافعات أو من الناحية التنظيمية أو التشريعية أو من الناحية الإدارية في ترتيب المحاكم في جهتي القضاء.
فروع ديوان المظالم محاكم إدارية
احتفظ ديوان المظالم باسمه المصاحب له منذ نشوئه شعبة في مجلس الوزراء عام 1373هـ وحتى تحوله إلى جهة قضاء إداري عام 1407هـ وحتى صدور نظامه الجديد عام 1428هـ، الذي يعاد فيه هيكلة السلطة القضائية بجهتيها العام والإداري مع تخصيص ديوان المظالم بالقضاء الإداري فقط، فإن تطوره خلال خمسة عقود لم يفقده ارتباطه الوثيق بقضاء المظالم، وإن من يلاحظ اختصاصات قاضي المظالم في كتب الفقه يجد أنها مماثلة لاختصاصات القضاء الإداري حاليا وإذا كان الواقع العملي قديما فرض وجود قضاء مستقل للمظالم، فإن الواقع العملي اليوم يؤكد أن وجود قضاء إداري مستقل أكثر ضرورة من قبل، بل إن الضرورة وتحقيق العدالة تمليان أن يكون للقضاء الإداري ومحاكمه وجود في كل مكان يوجد فيه نشاط للإدارة ومستفيدين من ذلك النشاط، فالمرافق العامة وما ينتج عن نشاطها من قرارات وعقود وحقوق لموظفيها هي مجال واسع يفرز قضايا تحتاج إلى قضاء قريب من الأفراد ومن فروع الإدارات المركزية في المناطق والمدن في سائر أجزاء الدولة.
لقد وجد ديوان المظالم في معظم مناطق المملكة تحت اسم فرع ديوان المظالم، ولأن تلك الفروع هي محاكم إدارية وأولى درجات التقاضي الإداري بحسب نظام ديوان المظالم، فقد تحول اسم كل فرع إلى المحكمة الإدارية مع تخصيصه بالمنطقة التي يوجد فيها، وقد أصدر رئيس الديوان قراره بتحويل اسم الفروع إلى محاكم إدارية، على أن يضع مجلس القضاء الإداري خطة لإنشاء محاكم إدارية في باقي مناطق المملكة.
إن اختصاص المحاكم الإدارية في مناطق المملكة هي ذاتها اختصاصات ديوان المظالم بصفته جهة قضاء إداري، فمحاكم الاستئناف الإدارية وكذلك المحكمة الإدارية العليا تنظر في القضايا المحكوم فيها من قبل المحاكم الإدارية التي لن تنظر سوى في القضايا الإدارية فقط، وقد نصت المادة 13 من نظام الديوان على اختصاص المحاكم الإدارية، وهي الاختصاصات التي سبق ذكرها في اختصاصات ديوان المظالم وهي قضايا إدارية بحتة. وفي موقف الفقه والنظام من تحديد ما هي المنازعات الإدارية تظهر أهمية التفريق بين العقود الإدارية التي يبرمها أشخاص القانون العام متصلا بنشاط المرافق العامة مع استخدام وسائل القانون العام في التعاقد، أما عقود الإدارة التي تكون الإدارة طرفا فيها، فهي وإن كانت ليست من العقود الإدارية بالمعنى القانوني، إلا أنها أيضا من اختصاص ديوان المظالم، حيث يأخذ الديوان بالمعيار الشكلي، فمتى كانت الإدارة طرفا في العقد فهو من اختصاص الديوان، وعلى هذا يمكن أن نختصر اختصاصات المحاكم الإدارية في أنها تلك المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها سواء كانت واقعة مادية أو قرارا إداريا أو عقدا. وإذا كان عام 1407هـ تاريخ بداية وجود جهة مختصة بالقضاء الإداري فإن عام 1428هـ شهد تخصيص ديوان المظالم بالقضاء الإداري فقط مع تكريس واضح لفكرة التشكيل الثلاثي والمتعدد للدوائر، حيث الأصل أن تكون كل دوائر المحاكم الإدارية مكونة من ثلاثة قضاة عدا بعض الحالات الاستثنائية، أما محاكم الاستئناف الإدارية وكذلك المحكمة الإدارية العليا فإن دوائرها ذات تشكيل ثلاثي، حيث لا نجد أثراً لفكرة القاضي المنفرد.
إن من أهم إيجابيات التنظيم القضائي الجديد أنه سيحقق التخصص القضائي الدقيق في كل نوع من القضايا، وهذا يسهم في الارتقاء بالعمل القضائي في الجودة والسرعة واستفادة القضاة من تراكم الخبرة لديهم في نظر نوع من القضايا، مع تحسن صياغة الأحكام وتدوين حيثياتها وتفعيل دور الاستفادة من المبادئ القضائية التي تقرها المحكمة العليا في القضاء العام والمحكمة الإدارية العليا في القضاء الإداري. كما أن التخفيف من إشكالية التنازع السلبي والإيجابي بين المحاكم في نظر القضايا ستختصر الوقت على القضاة والخصوم ومحاميهم، أما في حالة التنازع فإن لجنة للفصل في التنازع سيكون مقرها المجلس الأعلى للقضاء، في حين توجد لجنة مماثلة للفصل في التنازع في ديوان المظالم لتحديد الجهة المختصة في كل قضية على حدة.