|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1887 - وصحيفة اليو العدد 12373
قضائيات كنت في زيارة رسميَّة إلى جمهورية مصر العربية على رأس وفد وزارة العدل لاستطلاع تطبيقات السجل العقاري هناك ، حيث وصلنا قاهرة المعز يوم السبت 8 /6 /1423هـ ، وكان في استقبالنا في المطار نائب وزير العدل المصري ومندوبٌ عن سفارة خادم الحرمين الشريفين في مصر .وللحديث عن هذه الزيارة موضوعٌ مستقل ، إلا إني ـ خلال هذه الرحلة ـ كنت أطالع جريدة الأهرام صباح يوم الاثنين 10 /6 / 1423 هـ فلفت نظري خبرٌ صغيرٌ ؛ مفاده : انعقاد المجلس الأعلى للقضاء في مقره بالقاهرة هذا اليوم ، ثم في صباح الأربعاء التالي فوجئت بخبرٍ استوعب نصف صفحة من الجريدة نفسها تضمن الإعلام بانتهاء المجلس يوم أمسٍ الثلاثاء ؛ أي : إن المجلس لم يستغرق سوى يومين فقط ؛ هما : الاثنين والثلاثاء فقط .
والمفاجأة المذهلة هي : اشتمال الخبر الصحفي على نشر تفاصيل قرارات المجلس وهي قريب من المائتي قرار ؛ ومنها : قرارات النقل ، والترقية ، والتعيين ، والتنظيم ، والإعفاء .
لا أخفيك عزيزي القارئ : أنني أكبرت تلك الشفافيَّة في أرض الكنانة ؛ لأننا تعودنا أن المجلس الموقر عندنا ينعقد مرة أو مرتين في العام كله ، وأن السِّريَّة والغموض يكتنفانه ؛ بدءاً من موعد انعقاده ، مروراً بتحديد مدته ، وانتهاءً بماهية قراراته .
والسبب في ذلك ـ والله أعلم ـ يعود إلى تخوُّف القائمين عليه من إلحاح ذوي الحاجة من القضاة ؛ الأمر الذي يستلزم تعطيلهم أعمالهم أثناء مراجعتهم للمجلس ؛ سواءٌ كان ذلك التغيب منهم : بإجازة أو بدون إجازة .
ولقد شاع لدى المهتمين بمراجعة المجلس : أن الطلب الكتابي أو الحضور إلى المجلس مرة واحدة علامة على إهمال الطلب أو تهميش صاحبه ، وأن إدمان طرق الباب ، وطبع الصورة في مخيلة الأعضاء ؛ بمداومة المراجعة ، والتزام دهليز المجلس ؛ لأداء التحية قبل جلسة الصباح وبعدها ، ومسايرة الأعضاء إلى صلاة الظهر ذهاباً وإياباً ، وتوديع الأعضاء بعد انتهاء الجلسة ؛ ولمدة خمسة أيام على الأقل : كل ذلك كفيلٌ بإضفاء صفة الجديَّة على الطلب ، ومنحه صفة الأهميَّة في البحث ، والأولويَّة في إيجاد الحلول المناسبة .
( وكم فاز باللذة من جسور ملحاح ، كما خابت الآمال من حييٍ سماح ) .
ولنا في مجلس الوزراء السعودي الموقر خير مثال من كل المجالس ـ الداخلية والخارجية ـ سواه ؛ بما ينفرد به من خطورة الوظائف ، وحساسيَّة القرار ، وفوريَّة الإعلان عن النتائج . في وقت يلتزم فيه مقام الرئيس وجميع الأعضاء بالحضور في موعده المحدَّد من كل أسبوع .
إن الوضوح والشفافيَّة في كل الأمور خلاصٌ من المعضلات ، ولم يكن الغموض فاعلاً يوماً ؛ إلا في أمور الحرب والمهمَّات السريَّة العسكرية .
ويمكن القضاء على التخوُّف ـ من كثرة المراجعة وتعطيل الإعمال ـ بسنِّ الأنظمة وتبليغها للمعنيين .
فمثلاً : عند التعيين في القضاء ـ ابتداءً ـ يجب أن يتم جدولة الأماكن الشاغرة ، ونشرها وإطلاع المعنيين بالأمر عليها ، ومن ثم استطلاع رغباتهم ؛ ليكون التخصيص قريباً من الحاجة . هذا أولاً .
ثانياً / يلزم أن تصنَّف الأماكن الشاغرة إلى ثلاث فئات : كبرى ، ومتوسطة ، وصغرى ، وأن تحدَّد مدةٌ إلزاميَّةٌ لكل فئة ؛ على سبيل المثال :-
1/ للفئة الأولى (( خمس سنوات )) ؛ بحيث لا يقبل أيُّ طلبِ نقلٍ قبل إمضائها .
2/ للفئة الثانية (( أربع سنوات )) .
3/ للفئة الثالثة (( ثلاث سنوات )) .
على أن يؤخذ على القاضي المعيَّن إقرارٌ بالالتزام بمضمونه ؛ لتتم محاسبته على ضوئه . وهذا يقضي على ازدحام الطلبات والطالبين ـ فترة انعقاد المجلس ـ وبنسبةٍ عاليةٍ جداً لا تقل عن ثمانين بالمائة (( 80% )) .
ثالثاً / من يُنقل لاحقاً ـ حسب طلبه ، أو بموافقته ـ يلزمه العمل حيث تم نقله مدة (( خمس سنوات )) فلا يجوز له طلب نقلٍ خلالها .
رابعاً / من اقتضت المصلحة العامة نقله ـ بلا طلبٍ منه ـ فيلزمه العمل في المكان المنقول إليه مدة (( ثلاث سنوات )) ، وينظر في طلبه النقل بعدها إن شاء .
خامساً / القضاء التام على القرارات الدوَّارة ؛ التي تبرم في غير الجلسات المعتبرة نظاماً .
سادساً / تقليص مدة الجلسة بحيث لا تزيد عن ثلاثة أيام في المرة الواحدة ، وتكثيرها بحيث ينعقد المجلس كل شهرين على الأقل .
سابعاً / الإعلان عن القرارات في جميع الصحف المحلية فور انتهاء الجلسة ؛ لقطع الطريق على إعادة النظر في بعضها ؛ بحسب شخصِ من تتعرَّض له ، أو طريقته في الاعتراض والإلحاح وتكثيف المراجعة .
ثامناً / تطوير نظام القضاء ؛ وبخاصة : المواد المنظمة لقرارات النقل والإعفاء والترقية ، وتفعيلها قبل اتخاذ هذه القرارات ، والنصُّ على ذلك في قرارات المجلس ؛ على أن لا يجاز من القرارات ما تحفَّظ عليه أيٌ من الأعضاء بسبب نقصٍ في الإجراءات .
تاسعاً / منح القاضي مهلة يعترض فيها على القرار المتخذ بشأنه (( مرة واحدة )) ، وينظر في اعتراضه بعين الاعتبار من لجنة خاصة من قاضيي تمييز ؛ يعين أحدهما وزير العدل ، والآخر رئيس ديوان المظالم ؛ لتحديد الإجراء المناسب من إمضاء أو إلغاء أو تعديل القرار بحسب الحالة .
ومن الملحوظ : أن اختيار القضاة من شتى مناطق المملكة يساعد المجلس على توفير عدلٍ أكبر عند التعيين أو النقل ؛ وبخاصة : أن الكليات الشرعية منتشرة في جميع أنحاء البلاد حرسها الله ، ولا مزيَّة لمنطقة على أخرى .
ولو لم يكن في التركيز على منطقة واحدة أو اثنتين إلا تكديس القضاة في ناحية وتفريغهم من نواحي أخرى لكفى به خللاً إجرائياً ، وعيباً إدارياً ، وهضماً لحقوق المواطنة .
فهل نرى في المجلس الأعلى الجديد تنظيماً يواكب به التطورات المتنامية في عالمنا اليوم ، ويرضي تطلعات منسوبي السلك القضائي على نحوٍ أفضل من ذي قبل . هذا ما نرجوه ، والله الموفق .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 6347 | تأريخ النشر : السبت 23 ذو القعدة 1426هـ الموافق 24 ديسمبر 2005ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|