نشرت في مجلة اليمامة العدد 1897 - وصحيفة اليوم العدد 12380

قضائيات للمجلس الأعلى للقضاء - في بلادنا - دورتان في العام الواحد ؛ يُقرِّر المجلس في كلٍ منهما الكثير من القرارات المتعلقة بالقضاء والقضاة ، ومنها على وجه الخصوص : إعفاء القضاة من وظائفهم .

وسبب ذلك لا يخلو من أحد أمرين ؛ إما : طلبٌ من القاضي صاحب العلاقة ؛ ولو بإيعازٍ من ذي شأن ، أو : لأمرٍ أوجب ذلك ؛ بحسب ما يراه المجلس الموقر ، وهو مدار حديثنا اليوم .

أما من يصدر بحقِّه قرارٌ بإحالته إلى التقاعد للمصلحة العامة : فما إن يعلم بذلك حتى يسارع إلى مراجعة المسؤول عن القرار متظلماً ومتذرعاً بالحجج والأدلة ؛ التي يرى أنها تنصر موقفه ، ويأمل في أن تخفِّف من ردَّة فعل المجلس تجاه ما بَدَرَ منه .

وقد يطلب الشفاعاتِ ممن يرى أن له يداً في المجلس أو عند أحد أعضائه ؛ ليعمل على إلغاء القرار أو تحويله إلى قرار نقلٍ ولو تأديبيٍ ؛ ليحفظ على نفسه وأسرته سُمعَتَهم ؛ فلا تتلطخ بِدَنَسِ العزل وظنون الناس الآثمة ؛ وبخاصة : إذا كان مبنى القرار وشايةً من حاسدٍ ، أو دسيسةً من حاقد .

وكثيرٌ من تلك القرارات : تُفلح فيها بعضُ تلك المحاولات ؛ سواءٌ : قبل إمضاء القرار من المجلس الموقر أو بعد إمضائه ، وبعضها : تمضي على أصحابها قسراً ، بعد أن لا يعلمون سبيلاً يطرقونه لإبطال تلك القرارات إلا سلكوه حتى على أرفع المستويات في الدولة دون جدوى .

ولبحث هذه الجزئية ( إعفاءات القضاة ) يلزم المنصِفَ مراجعةُ إجراءات إصدار تلك القرارات الحاسمة الصارمة القاصمة ، ومعرفة : هل تَمَّ تطبيقها في حقِّ من تعرضت له كما جاءت في نظام القضاء الصادر عام 1395 هـ ، أم أن تلك القرارات معيبةٌ بحيث يجوز إبطالها ؛ ولو ظاهراً .

إننا إذا استثنينا : جواز عزل الملازم القضائي ؛ بحسب المادة (51) من نظام القضاء ، وكذا : عزل القاضي خلال سنة التجربة الأولى في القضاء ؛ بحسب المادة (50) ، وكذلك : العزل بسبب العجز الصحي ؛ بحسب المادة (57) ، أو : بسبب عدم الكفاءة المتمثِّل : بحصول القاضي على تقديرٍ أقل من المتوسط ثلاث مراتٍ متوالية ؛ بحسب المادة (69) : فإن إحالة القاضي - في غير هذه الحالات - تعد عقوبةً تأديبيةً ؛ بحسب المادة (82) ، وحتى تصدر هذه العقوبة (( وفق النظام )) لا بد من تحقيق الأمور الستة التالية مرتبةً ترتيباً تصاعدياً :-

أولاً / حصول تحقيقٍ جزائيٍ أو إداريٍ يتولاه ( قاضي تمييز ) يندبه (( وزير العدل )) . المادة(74) .

ثانياً / رفع دعوى تأديبيةٍ ضد القاضي بطلبٍ من (( وزير العدل )) . (المادة 74) ، ويكون ذلك بمذكرةٍ تشتمل على التهمة والأدلة المؤيِّدة لها. (المادة75) .

ثالثاً / لزوم نظر الدعوى التأديبية أمام ( الهيئة العامة ) لمجلس القضاء الأعلى بصفتها مجلس تأديب ، وليس أمام الهيئة الدائمة أو بعض أفرادها . (المادة73) ، أما التحقيقات - التي تراها الهيئة العامة لازمةً أثناء نظر الدعوى – فللهيئة أن تتولاها بنفسها ، ولها أن تندب أحد أعضائها للقيام بذلك . (المادة76) .

رابعاً / إبلاغ المتهم بالحضور أمام الهيئة العامة ؛ بخطاب تكليفٍ يوجَّه إليه يشتمل على : بيانٍ كافٍ لموضوع الدعوى وأدلة الاتهام . (المادة 77) ، ومع أن للمجلس طلب حضور القاضي بشخصه ؛ إلا أن ذلك لا يلزم القاضي ؛ فالحكمُ عليه غيابياً جائزٌ ؛ بعد التَّحقُّق من صحة دعوته . (المادة80) .

خامساً / لزوم تمكين القاضي المتهم من الحضور ( بشخصه ) أمام الهيئة العامة لسماع دفاعه ، وله : أن ينيب من يدافع عنه أمام الهيئة العامة ؛ ولو من رجال القضاء ، أو : أن يقدِّم دفاعه إلى الهيئة كتابة ؛ كيفما شاء هو لكونه صاحب العلاقة . (المادة80) .

سادساً / وجوب اشتمال الحكم الصادر في الدعوى التأديبية على الأسباب التي بُنِيَ عليها ، وتلاوة أسبابه عند النطق به في جلسةٍ سريةٍ . (المادة 81) .

هذه المتطلبات الستة ؛ أستطيع القول : إنها لم تطبق (( جميعُها )) في حقِّ (( جميع )) من تعرَّضوا لقرارات الإعفاء ، أو الفصل من الوظيفة ، أو الإحالة على التقاعد .
وذلك عيبٌ نظاميٌ يأتي على تلك القرارات بالإبطال ، ويعرِّض الدولة والوزارة الموقرة والمجلس ذاته للحرج أمام القضاة الذين صدرت بحقهم أولاً ، وأمام التاريخ عبر العصور القادمة ، ولو أدرك القائمون على إصدار تلك القرارات ذلك لما أقدموا عليها ؛ إذ الباطلُ لا يُبنى عليه غيرُه ، وما يُبنى على باطلٍ فهو باطل .

في العدد القادم سنرى نتائج هذه القرارات والحلول المقترحة حيال تلك التصرفات . وفق الله الجميع لما يرضيه .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4848 | تأريخ النشر : الأحد 12 صفر 1427هـ الموافق 12 مارس 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
إعفاءات القضاة 1-2 للمجلس الأعلى للقضاء - في بلادنا - دورتان في العام الواحد ؛ يقرر المجلس في كل منهما الكثير من القرارات المتعلقة بالقضاء والقضاة ، ومنها على وجه الخصوص : إعفاء القضاة من وظائفهم . وسبب ذلك لا يخلو من أحد أمرين ؛ إما : طلب من القاضي صاحب العلاقة ؛ ولو بإيعاز من ذي شأن ، أو : لأمر أوجب ذلك ؛ بحسب ما يراه المجلس الموقر ، وهو مدار حديثنا اليوم . أما من يصدر بحقه قرار بإحالته إلى التقاعد للمصلحة العامة : فما إن يعلم بذلك حتى يسارع إلى مراجعة المسؤول عن القرار متظلما ومتذرعا بالحجج والأدلة ؛ التي يرى أنها تنصر موقفه ، ويأمل في أن تخفف من ردة فعل المجلس تجاه ما بدر منه . وقد يطلب الشفاعات ممن يرى أن له يدا في المجلس أو عند أحد أعضائه ؛ ليعمل على إلغاء القرار أو تحويله إلى قرار نقل ولو تأديبي ؛ ليحفظ على نفسه وأسرته سمعتهم ؛ فلا تتلطخ بدنس العزل وظنون الناس الآثمة ؛ وبخاصة : إذا كان مبنى القرار وشاية من حاسد ، أو دسيسة من حاقد . وكثير من تلك القرارات : تفلح فيها بعض تلك المحاولات ؛ سواء : قبل إمضاء القرار من المجلس الموقر أو بعد إمضائه ، وبعضها : تمضي على أصحابها قسرا ، بعد أن لا يعلمون سبيلا يطرقونه لإبطال تلك القرارات إلا سلكوه حتى على أرفع المستويات في الدولة دون جدوى . ولبحث هذه الجزئية ( إعفاءات القضاة ) يلزم المنصف مراجعة إجراءات إصدار تلك القرارات الحاسمة الصارمة القاصمة ، ومعرفة : هل تم تطبيقها في حق من تعرضت له كما جاءت في نظام القضاء الصادر عام 1395 هـ ، أم أن تلك القرارات معيبة بحيث يجوز إبطالها ؛ ولو ظاهرا . إننا إذا استثنينا : جواز عزل الملازم القضائي ؛ بحسب المادة (51) من نظام القضاء ، وكذا : عزل القاضي خلال سنة التجربة الأولى في القضاء ؛ بحسب المادة (50) ، وكذلك : العزل بسبب العجز الصحي ؛ بحسب المادة (57) ، أو : بسبب عدم الكفاءة المتمثل : بحصول القاضي على تقدير أقل من المتوسط ثلاث مرات متوالية ؛ بحسب المادة (69) : فإن إحالة القاضي - في غير هذه الحالات - تعد عقوبة تأديبية ؛ بحسب المادة (82) ، وحتى تصدر هذه العقوبة (( وفق النظام )) لا بد من تحقيق الأمور الستة التالية مرتبة ترتيبا تصاعديا :- أولا / حصول تحقيق جزائي أو إداري يتولاه ( قاضي تمييز ) يندبه (( وزير العدل )) . المادة(74) . ثانيا / رفع دعوى تأديبية ضد القاضي بطلب من (( وزير العدل )) . (المادة 74) ، ويكون ذلك بمذكرة تشتمل على التهمة والأدلة المؤيدة لها. (المادة75) . ثالثا / لزوم نظر الدعوى التأديبية أمام ( الهيئة العامة ) لمجلس القضاء الأعلى بصفتها مجلس تأديب ، وليس أمام الهيئة الدائمة أو بعض أفرادها . (المادة73) ، أما التحقيقات - التي تراها الهيئة العامة لازمة أثناء نظر الدعوى – فللهيئة أن تتولاها بنفسها ، ولها أن تندب أحد أعضائها للقيام بذلك . (المادة76) . رابعا / إبلاغ المتهم بالحضور أمام الهيئة العامة ؛ بخطاب تكليف يوجه إليه يشتمل على : بيان كاف لموضوع الدعوى وأدلة الاتهام . (المادة 77) ، ومع أن للمجلس طلب حضور القاضي بشخصه ؛ إلا أن ذلك لا يلزم القاضي ؛ فالحكم عليه غيابيا جائز ؛ بعد التحقق من صحة دعوته . (المادة80) . خامسا / لزوم تمكين القاضي المتهم من الحضور ( بشخصه ) أمام الهيئة العامة لسماع دفاعه ، وله : أن ينيب من يدافع عنه أمام الهيئة العامة ؛ ولو من رجال القضاء ، أو : أن يقدم دفاعه إلى الهيئة كتابة ؛ كيفما شاء هو لكونه صاحب العلاقة . (المادة80) . سادسا / وجوب اشتمال الحكم الصادر في الدعوى التأديبية على الأسباب التي بني عليها ، وتلاوة أسبابه عند النطق به في جلسة سرية . (المادة 81) . هذه المتطلبات الستة ؛ أستطيع القول : إنها لم تطبق (( جميعها )) في حق (( جميع )) من تعرضوا لقرارات الإعفاء ، أو الفصل من الوظيفة ، أو الإحالة على التقاعد . وذلك عيب نظامي يأتي على تلك القرارات بالإبطال ، ويعرض الدولة والوزارة الموقرة والمجلس ذاته للحرج أمام القضاة الذين صدرت بحقهم أولا ، وأمام التاريخ عبر العصور القادمة ، ولو أدرك القائمون على إصدار تلك القرارات ذلك لما أقدموا عليها ؛ إذ الباطل لا يبنى عليه غيره ، وما يبنى على باطل فهو باطل . في العدد القادم سنرى نتائج هذه القرارات والحلول المقترحة حيال تلك التصرفات . وفق الله الجميع لما يرضيه .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع