نشرت في مجلة اليمامة العدد 1900 - وصحيفة اليوم العدد 12401

قضائيات في العدد السابق أوضحنا أسباب نقل القضاة والموقف النظامي منها ، أما بيان أنواع التجاوزات التي يقترفها القضاة وعقوباتها النظامية فكالآتي :-

النوع الأول/
ما يمكن تلافيه ، وليس له آثارٌ ماديةٌ متعديةٌ إلى الغير ؛ مثل : عدم انتظام مواعيد الحضور والانصراف . وهذا قد قرَّر فيه النظام إجراءً اسماه : (التنبيه) . يكون من الرئيس المباشر للقاضي المخالِف (مشافهة ، أو مكاتبة) . المادة (72) من نظام القضاء ، وأوضح النظام إجراءاتِ تطبيقِ هذا التنبيه ، وإمكانَ الاعتراض عليه ، وطريقةَ ذلك . وهو : عقوبة مجازية .

النوع الثاني/
ما يمكن تداركه ، وله آثارٌ ماديةٌ متعديةٌ إلى الغير ؛ مثل : الغياب مدة طويلة بلا سبب مشروع ، أو تكرار المخالفة التي سبق تنبيهه بشأنها ، ونحو ذلك . وهذا ما قصد النظام تطبيقَ عقوبة (اللوم) فيها بشروطٍ حدَّدها النظام .

النوع الثالث/
ما يعسُرُ إصلاحه ، وله آثارٌ متعدية إلى الغير ، وهو ما يمكن معه إحالةُ القاضي على التقاعد ، بعد تطبيق المواد (72-83) من نظام القضاء نصاً وروحاً في حقِّ من تنطبق عليه دون تمييزٍ .

والأمثلة المذكورة في السبب الرابع من أسباب النقل : مما يمكن مع أغلبها تطبيق عقوبة (التنبيه) ، وتكون كافية لذلك ، وقليلٌ منها ما يحتاج إلى عقوبة (اللوم) ؛ دون الحاجة إلى النقل التأديبي .

وغير خافٍ : أن عقوبتا ( التنبيه ، واللوم ) مما يستطيع القاضي تجاوزَ آثارهما عند إيقاعهما ؛ إذا تَمَّ تطبيق المواد الخاصة بالدعوى التأديبية سالفة الذكر .

ولست أعلم سبباً لاعتبار المجلس الموقر النقلَ عقوبةً تأديبيةً ؛ لتصبح العقوبةَ الأكثرَ تطبيقاً ؛ في وقتٍ لا يمكن لأيِّ جهةٍ تجريمَ أحدٍ أو عقوبتَه إلا بناءً على نصٍ شرعيٍ أو نصٍ نظاميٍ ؛ كما جاء في المادة (38) من النظام الأساسي للحكم .

إن الدولة - وفقها الله - عندما نظَّمت العقوبات التأديبية التي يمكن إيقاعها في حق موظفي الدولة من العاشرة فما دون جعلتها خمس عقوبات هي : ( الإنذار ، اللوم ، الحسم من الراتب ، الحرمان من علاوة دورية واحدة ، الفصل من الوظيفة ) .

أما في حق موظفي المرتبة الحادية عشرة فما فوقها : فقد تنزَّل النظام في تقرير العقوبات التأديبية لتصبح ثلاثاً ؛ تقديراً لخدمتهم وخبرتهم ومكانتهم في الهيكل الوظيفي للدولة ؛ وهذه العقوبات هي : ( اللوم ، الحرمان من علاوة دورية واحدة ، الفصل ) . المادة (32) من نظام تأديب الموظفين .

أما القضاة فقد قدَّر لهم النظام مكانة أعلى ، وافترض منهم سلامة القصد ، وحَفِظَ عليهم ما أضفته عليهم خطورة مهنتهم وجلالة عملهم ، فكانت العقوبات التأديبية في حقهم اثنتين - فقط - هما : (اللوم ، الإحالة على التقاعد ) . المادة (82) من نظام القضاء .

العجيب في الأمر : أن العقوبات الواردة في المادة (32) من نظام تأديب الموظفين ، وكذا الواردة في المادة (82) من نظام القضاء : جاءت على سبيل الحصر ، وليس من بينها النقل التأديبي ؛ لا في حقِّ الموظفين العامِّين بنوعيهم ، ولا في حق القضاة ، فكيف أجاز المجلس مخالفة نظام الدولة بمعاقبة القاضي - أياً كانت مخالفته - بعقوبةٍ غيرِ واردةٍ في النظام ؛ وإن تمَّ تغليف ذلك بذكر كونه للمصلحة العامة .

ودفعاً للمزايدة أقول : لا يشك عاقلٌ أن كل شبرٍ من دولتنا العزيزة وطنٌ للجميع ، يَنعَمُ كل مواطن في كل جزءٍ منها بما ينعم به سائر المواطنين ؛ ولذلك : لا اعتراض لأحدٍ على تحديد الجهة المختصة لمكان عمله في بداية التحاقه بالخدمة ، مع لزوم اعتبار مصلحة الموظف بداهة بما لا يضر بمصلحة العمل ؛ غير أنَّ تصرُّف أيِّ مسؤول بنقل الموظف تأديباً له على مخالفة اقترفها أمرٌ غير نظاميٍّ ومردودٌ عليه ، ولو قيل : بتضمينه نتائجَه لَصَحَّ وَلَزِم .

أما اقتضاء مصلحة العمل النقل فلابد أن يكون تقريره نظامياً لا تعسُّفياً ؛ ولابد من تحديد ضوابطه ، وشروطه ، وبدائله ، ومدته ؛ إذ إن الذي يظهر من بعض تلك القرارت : أنها عقوبةٌ تُمَارَسُ لِتركيعِ من تقع في حقِّه ، ولِتخويفِ آخرين من مَغَبَّتِها .

وعندما علمتُ : أنَّ نقلاً طار بقاضٍ من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها الغربي مسافة (2500 كم) ، وآخر : طَوَّحَ بأحدهم من شرقيها إلى أقصى شمالها الغربي مسافة (2000 كم) ؛ أيقنت أن هذا (( التَّنقيل )) لا يُفهم منه إلا أنه : للإرغام ، أو تكسيرٌ للعظام . والله المستعان .

سنرى آثار تلك القرارات التعسفية والحلول المقترحة لحسم أمرها في عددنا القادم إن شاء الله تعالى والله الموفق .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4689 | تأريخ النشر : السبت 2 ربيع الأول 1427هـ الموافق 1 أبريل 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
تنقلات القضاة 2-3 في العدد السابق أوضحنا أسباب نقل القضاة والموقف النظامي منها ، أما بيان أنواع التجاوزات التي يقترفها القضاة وعقوباتها النظامية فكالآتي :- النوع الأول/ ما يمكن تلافيه ، وليس له آثار مادية متعدية إلى الغير ؛ مثل : عدم انتظام مواعيد الحضور والانصراف . وهذا قد قرر فيه النظام إجراء اسماه : (التنبيه) . يكون من الرئيس المباشر للقاضي المخالف (مشافهة ، أو مكاتبة) . المادة (72) من نظام القضاء ، وأوضح النظام إجراءات تطبيق هذا التنبيه ، وإمكان الاعتراض عليه ، وطريقة ذلك . وهو : عقوبة مجازية . النوع الثاني/ ما يمكن تداركه ، وله آثار مادية متعدية إلى الغير ؛ مثل : الغياب مدة طويلة بلا سبب مشروع ، أو تكرار المخالفة التي سبق تنبيهه بشأنها ، ونحو ذلك . وهذا ما قصد النظام تطبيق عقوبة (اللوم) فيها بشروط حددها النظام . النوع الثالث/ ما يعسر إصلاحه ، وله آثار متعدية إلى الغير ، وهو ما يمكن معه إحالة القاضي على التقاعد ، بعد تطبيق المواد (72-83) من نظام القضاء نصا وروحا في حق من تنطبق عليه دون تمييز . والأمثلة المذكورة في السبب الرابع من أسباب النقل : مما يمكن مع أغلبها تطبيق عقوبة (التنبيه) ، وتكون كافية لذلك ، وقليل منها ما يحتاج إلى عقوبة (اللوم) ؛ دون الحاجة إلى النقل التأديبي . وغير خاف : أن عقوبتا ( التنبيه ، واللوم ) مما يستطيع القاضي تجاوز آثارهما عند إيقاعهما ؛ إذا تم تطبيق المواد الخاصة بالدعوى التأديبية سالفة الذكر . ولست أعلم سببا لاعتبار المجلس الموقر النقل عقوبة تأديبية ؛ لتصبح العقوبة الأكثر تطبيقا ؛ في وقت لا يمكن لأي جهة تجريم أحد أو عقوبته إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ؛ كما جاء في المادة (38) من النظام الأساسي للحكم . إن الدولة - وفقها الله - عندما نظمت العقوبات التأديبية التي يمكن إيقاعها في حق موظفي الدولة من العاشرة فما دون جعلتها خمس عقوبات هي : ( الإنذار ، اللوم ، الحسم من الراتب ، الحرمان من علاوة دورية واحدة ، الفصل من الوظيفة ) . أما في حق موظفي المرتبة الحادية عشرة فما فوقها : فقد تنزل النظام في تقرير العقوبات التأديبية لتصبح ثلاثا ؛ تقديرا لخدمتهم وخبرتهم ومكانتهم في الهيكل الوظيفي للدولة ؛ وهذه العقوبات هي : ( اللوم ، الحرمان من علاوة دورية واحدة ، الفصل ) . المادة (32) من نظام تأديب الموظفين . أما القضاة فقد قدر لهم النظام مكانة أعلى ، وافترض منهم سلامة القصد ، وحفظ عليهم ما أضفته عليهم خطورة مهنتهم وجلالة عملهم ، فكانت العقوبات التأديبية في حقهم اثنتين - فقط - هما : (اللوم ، الإحالة على التقاعد ) . المادة (82) من نظام القضاء . العجيب في الأمر : أن العقوبات الواردة في المادة (32) من نظام تأديب الموظفين ، وكذا الواردة في المادة (82) من نظام القضاء : جاءت على سبيل الحصر ، وليس من بينها النقل التأديبي ؛ لا في حق الموظفين العامين بنوعيهم ، ولا في حق القضاة ، فكيف أجاز المجلس مخالفة نظام الدولة بمعاقبة القاضي - أيا كانت مخالفته - بعقوبة غير واردة في النظام ؛ وإن تم تغليف ذلك بذكر كونه للمصلحة العامة . ودفعا للمزايدة أقول : لا يشك عاقل أن كل شبر من دولتنا العزيزة وطن للجميع ، ينعم كل مواطن في كل جزء منها بما ينعم به سائر المواطنين ؛ ولذلك : لا اعتراض لأحد على تحديد الجهة المختصة لمكان عمله في بداية التحاقه بالخدمة ، مع لزوم اعتبار مصلحة الموظف بداهة بما لا يضر بمصلحة العمل ؛ غير أن تصرف أي مسؤول بنقل الموظف تأديبا له على مخالفة اقترفها أمر غير نظامي ومردود عليه ، ولو قيل : بتضمينه نتائجه لصح ولزم . أما اقتضاء مصلحة العمل النقل فلابد أن يكون تقريره نظاميا لا تعسفيا ؛ ولابد من تحديد ضوابطه ، وشروطه ، وبدائله ، ومدته ؛ إذ إن الذي يظهر من بعض تلك القرارت : أنها عقوبة تمارس لتركيع من تقع في حقه ، ولتخويف آخرين من مغبتها . وعندما علمت : أن نقلا طار بقاض من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها الغربي مسافة (2500 كم) ، وآخر : طوح بأحدهم من شرقيها إلى أقصى شمالها الغربي مسافة (2000 كم) ؛ أيقنت أن هذا (( التنقيل )) لا يفهم منه إلا أنه : للإرغام ، أو تكسير للعظام . والله المستعان . سنرى آثار تلك القرارات التعسفية والحلول المقترحة لحسم أمرها في عددنا القادم إن شاء الله تعالى والله الموفق .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع