نشرت في صحيفة الوطن العدد 2879

نظاميات الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأزواجه وجميع صحبه ومن والاه إلى يوم الدين
أما بعد : فقد وردني ثلاثة أسئلة من الأخ العزيز الأستاذ : عضوان الأحمري المحرر في صحيفة الوطن ، حول مهرجان سوق عكاظ ونحوه .
أوردها وإجاباتها سائلاً الله التوفيق لكل ما يحبه الله ويرضاه .

السؤال الأول :
ما رأيكم في إحياء المهرجانات الثقافية القديمة ؛ مثل مهرجان سوق عكاظ؟.
-
ج1
المهرجانات القديمة والحديثة من أسباب نشر الثقافة ومن وسائل الدعوة إلى تحقيق الوظيفة التي استخلف الله بها عباده لعمارة الأرض ؛ وسواء كانت المهرجانات شعرية أو أدبية أو خطابية كما في سوق عكاظ وشبهه من أسواق العرب ، أو كانت مهرجانات تسوق تباع فيها سلع استهلاكية معينة ، أو سلع متنوعة مخفضة الأقيام بحيث يسهل على المتسوق الحصول على حاجته في مكان واحد .
أو كانت سلعاً تناسب وقتاً محدداً كمهرجانات الزهور التي تقام في الربيع بحيث يستطيع المتسوق إيجاد أنواعٍ متعددة من النباتات ومعدات الري وأنواع المخصبات ولوازم الحدائق ونحوها في مكان واحد .
وكذا ما يسمى بالأسابيع التذكيرية مثل أسبوع المرور الذي يتخذ لزيادة الثقافة المرورية والتوعية بما يحفظ النظام العام ، ويؤدي إلى تحقيق نسبة كبيرة من السلامة في الأرواح والممتلكات .
وكذا أسبوع الشجرة الذي يستغل في زراعة آلاف الأشجار في الحدائق العامة والأرصفة .
وكذا أسبوع النظافة للتوعية البيئية .
وكذا أسبوع المساجد للعناية بالمساجد وتنظيفها وترتيب سجادها ومصاحفها .
وكذا لو أحدث أسبوع لترك التدخين .
وأسبوع للمشاركة الوجدانية مع المرضى ونزلاء المصحات ودور المسنين والرعاية الاجتماعية .
كل هذه الأمور من مكارم الأخلاق التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق . وكل ذلك من اتخاذ السنن الحسنة في المجتمع الذي شغله تمدده عن إدراك كثير مما يجب عليه نحو بيئته وبلده وأسرته ومواطنيه .
ومهرجان عكاظ مهرجان ثقافي بحت يراد منه أن يؤدي دوره الذي كان يؤديه في الجاهلية والذي بلغ مبلغاً كبيراً جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصده للدعوة فيه إلى الإسلام ، ولولا أنه كان وسيلة ناجعة لمثل هذا الغرض النبيل لما قصده صفوة الأنبياء والمرسلين للدعوة إلى آخر الأديان وخاتمها .
-------------------------------------------------
-
السؤال الثاني :
هل هناك قاعدة فقهية في استخدام الأماكن التي كانت حية في الجاهلية ؟.
-
ج2
الأماكن التي تقصد في الجاهلية للأمور المباحة لا حرج من استغلال شهرتها المتوارثة وإحياء أنشطتها ، أما لو كانت تلك الأنشطة من الأمور المحرمة ؛ كما لو كانت أياماً لتقديس الأصنام ، أو للذبح فيها لغير الله ، أو لممارسة عبادات بدعية شركية يدعى فيها غير الله ؛ كما في مآتم الشيعة وبعض الطقوس الصوفية : فلاشك أن ذلك محرم ، ولا يجوز إقامته ، ولا الدعوة إليه ، ولا حضوره ، ولا السكوت عن إنكاره بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .
وبذا فإن القاعدة المناسبة هي : أن الأصل في الأمور الإباحة ، ولأن ما لا يتم الشيء إلا به فله مثل حكمه ، فما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب ، وكذلك في الواجب والمحرم والمكروه والمباح .
ومن ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن حضوره حلف الفضول ويسمى حلف المطيبين : (( لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )) ، وكان هذ الحلف في الجاهلية على نصرة المظلوم بأخذ الحق له ممن ظلمه .
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام (( ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )) وفي رواية (( ولو دعيت إليه الآن لأجبت )) فلم يمنعه صلى الله عليه وسلم الإسلام من حضور حلفٍ عقد في الجاهلية لو دعي إليه مرة أخرى في الإسلام ؛ لنبل الغاية ، وسمو الهدف ، واتفاق المطلوب مع ما شرعه الله لعباده .
--------------------------------------
-
السؤال الثالث :
ما رأيكم في التحريض ضد الأحداث الثقافية والإجتماعية؟.
-
ج3
الذي يدعو إلى تحليل المحرمات ليس بأكبر ذنباً ممن يدعو إلى تحريم المباحات فكلاهما مضاد لله في حكمه ؛ لقول الله تعالى { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } ، بل ذكر أهل العلم : أن ترك الحسنات أضر من فعل السيئات ، لأن الحسنة تمحو السيئة حتى تأتي على أغلبها أو جميعها . والتحجير على الناس فيما يجلب الحسنات ويمحو السيئات إغلاقٌ لبابٍ كبير من أبواب الخير والصلاح في أمري الدين والدنيا .
ولو جعل المانعون جهودهم في ضبط هذه الأمور المباحة ، بدلاً عن المناضلة في منعها وحجبها عن الناس : لكان خيراً وأبقى ؛ لأن المنع والتحجير يضعف مع كثرة المطالبة والإلحاح بها ، وإذا انفتح الباب وتدافع المتزاحمون لم يمكن غلقه ولا ضبط ما يلج منه .
ووضع الضوابط التي يمكن بها تكثير المصالح وتكبيرها وتقليل المفاسد وتصغيرها من هذه المهرجانات والمناسبات الجليلة خير من الحجب والمنع الذي هو مع مخالفته لمقاصد الشريعة الصحيحة فلاشك أنه لا يأتي بغير الضغينة والكيد لأهل الدين ومحبة السوء لهم والشماتة بهم ، وهم من تسبب في ذلك بغلوهم وجفائهم . نسأل الله السلامة ، والله أعلم
-
-
-
-
-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 4587 | تأريخ النشر : الجمعة 13 شعبان 1429هـ الموافق 15 أغسطس 2008م

طباعة المقال

إرسال المقالة
مهرجان سوق عكاظ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأزواجه وجميع صحبه ومن والاه إلى يوم الدين أما بعد : فقد وردني ثلاثة أسئلة من الأخ العزيز الأستاذ : عضوان الأحمري المحرر في صحيفة الوطن ، حول مهرجان سوق عكاظ ونحوه . أوردها وإجاباتها سائلا الله التوفيق لكل ما يحبه الله ويرضاه . السؤال الأول : ما رأيكم في إحياء المهرجانات الثقافية القديمة ؛ مثل مهرجان سوق عكاظ؟. - ج1 المهرجانات القديمة والحديثة من أسباب نشر الثقافة ومن وسائل الدعوة إلى تحقيق الوظيفة التي استخلف الله بها عباده لعمارة الأرض ؛ وسواء كانت المهرجانات شعرية أو أدبية أو خطابية كما في سوق عكاظ وشبهه من أسواق العرب ، أو كانت مهرجانات تسوق تباع فيها سلع استهلاكية معينة ، أو سلع متنوعة مخفضة الأقيام بحيث يسهل على المتسوق الحصول على حاجته في مكان واحد . أو كانت سلعا تناسب وقتا محددا كمهرجانات الزهور التي تقام في الربيع بحيث يستطيع المتسوق إيجاد أنواع متعددة من النباتات ومعدات الري وأنواع المخصبات ولوازم الحدائق ونحوها في مكان واحد . وكذا ما يسمى بالأسابيع التذكيرية مثل أسبوع المرور الذي يتخذ لزيادة الثقافة المرورية والتوعية بما يحفظ النظام العام ، ويؤدي إلى تحقيق نسبة كبيرة من السلامة في الأرواح والممتلكات . وكذا أسبوع الشجرة الذي يستغل في زراعة آلاف الأشجار في الحدائق العامة والأرصفة . وكذا أسبوع النظافة للتوعية البيئية . وكذا أسبوع المساجد للعناية بالمساجد وتنظيفها وترتيب سجادها ومصاحفها . وكذا لو أحدث أسبوع لترك التدخين . وأسبوع للمشاركة الوجدانية مع المرضى ونزلاء المصحات ودور المسنين والرعاية الاجتماعية . كل هذه الأمور من مكارم الأخلاق التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق . وكل ذلك من اتخاذ السنن الحسنة في المجتمع الذي شغله تمدده عن إدراك كثير مما يجب عليه نحو بيئته وبلده وأسرته ومواطنيه . ومهرجان عكاظ مهرجان ثقافي بحت يراد منه أن يؤدي دوره الذي كان يؤديه في الجاهلية والذي بلغ مبلغا كبيرا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصده للدعوة فيه إلى الإسلام ، ولولا أنه كان وسيلة ناجعة لمثل هذا الغرض النبيل لما قصده صفوة الأنبياء والمرسلين للدعوة إلى آخر الأديان وخاتمها . ------------------------------------------------- - السؤال الثاني : هل هناك قاعدة فقهية في استخدام الأماكن التي كانت حية في الجاهلية ؟. - ج2 الأماكن التي تقصد في الجاهلية للأمور المباحة لا حرج من استغلال شهرتها المتوارثة وإحياء أنشطتها ، أما لو كانت تلك الأنشطة من الأمور المحرمة ؛ كما لو كانت أياما لتقديس الأصنام ، أو للذبح فيها لغير الله ، أو لممارسة عبادات بدعية شركية يدعى فيها غير الله ؛ كما في مآتم الشيعة وبعض الطقوس الصوفية : فلاشك أن ذلك محرم ، ولا يجوز إقامته ، ولا الدعوة إليه ، ولا حضوره ، ولا السكوت عن إنكاره بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن . وبذا فإن القاعدة المناسبة هي : أن الأصل في الأمور الإباحة ، ولأن ما لا يتم الشيء إلا به فله مثل حكمه ، فما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب ، وكذلك في الواجب والمحرم والمكروه والمباح . ومن ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن حضوره حلف الفضول ويسمى حلف المطيبين : (( لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )) ، وكان هذ الحلف في الجاهلية على نصرة المظلوم بأخذ الحق له ممن ظلمه . وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام (( ولو أدعى به في الإسلام لأجبت )) وفي رواية (( ولو دعيت إليه الآن لأجبت )) فلم يمنعه صلى الله عليه وسلم الإسلام من حضور حلف عقد في الجاهلية لو دعي إليه مرة أخرى في الإسلام ؛ لنبل الغاية ، وسمو الهدف ، واتفاق المطلوب مع ما شرعه الله لعباده . -------------------------------------- - السؤال الثالث : ما رأيكم في التحريض ضد الأحداث الثقافية والإجتماعية؟. - ج3 الذي يدعو إلى تحليل المحرمات ليس بأكبر ذنبا ممن يدعو إلى تحريم المباحات فكلاهما مضاد لله في حكمه ؛ لقول الله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون } ، بل ذكر أهل العلم : أن ترك الحسنات أضر من فعل السيئات ، لأن الحسنة تمحو السيئة حتى تأتي على أغلبها أو جميعها . والتحجير على الناس فيما يجلب الحسنات ويمحو السيئات إغلاق لباب كبير من أبواب الخير والصلاح في أمري الدين والدنيا . ولو جعل المانعون جهودهم في ضبط هذه الأمور المباحة ، بدلا عن المناضلة في منعها وحجبها عن الناس : لكان خيرا وأبقى ؛ لأن المنع والتحجير يضعف مع كثرة المطالبة والإلحاح بها ، وإذا انفتح الباب وتدافع المتزاحمون لم يمكن غلقه ولا ضبط ما يلج منه . ووضع الضوابط التي يمكن بها تكثير المصالح وتكبيرها وتقليل المفاسد وتصغيرها من هذه المهرجانات والمناسبات الجليلة خير من الحجب والمنع الذي هو مع مخالفته لمقاصد الشريعة الصحيحة فلاشك أنه لا يأتي بغير الضغينة والكيد لأهل الدين ومحبة السوء لهم والشماتة بهم ، وهم من تسبب في ذلك بغلوهم وجفائهم . نسأل الله السلامة ، والله أعلم - - - - -
(1) - عنوان التعليق : شكرا

تأريخ النشر: الجمعة 5 رمضان 1429هـ الموافق 5 سبتمبر 2008مسيحية

ï؟½ï؟½ ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½ï؟½
شكرا يا شيخ على هذه الأجاية الوافية والجيدة ونتمى لك دوام الصحة والعافية

طباعة التعليق

إرسال التعليق
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع