|
قضائيات هناك من المؤهلين لتولي وظيفة القضاء من لا يرغب في الالتحاق بالعمل الحكومي لأي سببٍ من الأسباب ؛ كما هو حال كثيرٍ من الحقوقيين ؛ الذين هم فضلاً عن ذلك يأنفون - أيضاً - من تولي مهمةٍ شريفة عزيزة هي : المحاماة .
والسبب : عندهم انقطاع حبل المودة بينهم وبين كثير من القضاة .
وهذه الملكة الفاضلة لدى من حباهم الله حلماً وعلماً ودراية بطريق فصل الخصومات وحسم النزاعات ينبغي على الأمة أن لا تهدرها ، فكما تعمل الدولة سدوداً للاستفادة من مياه الأمطار المنحدرة تجاه البحر ، فينبغي أن نجد سبيلاً لحكر هذه المواهب الإلهية الجليلة ؛ حتى ينتفع منها كثير ممن ابتلوا برتابة العمل القضائي الحكومي في الوقت الحاضر .
ولعل سائلاً يقول : كيف يمكن أن نستفيد من مثل هؤلاء الرافضين لتولي العمل القضائي الحكومي دون موافقة منهم ؟.
والجواب :
أولاً/ علينا أن نستشعر أهمية مثل هذه الأعمال الجليلة ، واستحسان الشرع لها خارج نطاق الدولة ؛ كما روى أبو داود والنسائي وصححه الألباني عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ : أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ (( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ ؟. فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي ، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ ، فَرَضِيَ كِلا الْفَرِيقَيْنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا !. الحديث
ثانياً/ يلزمنا أن نفرق بين حال الأمس وحال اليوم ؛ من حيث تنوع واشتداد اللدد في الخصومات ، والتأبي على الولاة ، والمطل في وفاء الحقوق ، ليظهر لنا : لزوم دعم أمثال هؤلاء بقوة الدولة ؛ وإن لم يكونوا من رجالاتها العاملين في نطاقها ؛ حتى يستقيم الأمر للمحسنين في أعمالهم .
ثالثاً/ لابد لنا أن نعلم أن التحكيم الاختياري والإلزامي عن طريق المحكمة لا يمنع من التعرض لرتابة التقاضي في المحاكم ، وهي بهذه الحال في العالم أجمع من حيث تأخر المواعيد وازدحام الأعمال وطول الإجراءات وبدائيتها .
رابعاً/ غير خافٍ على أحدٍ ما تعانيه المحاكم من نقصٍ في أعداد القضاة وأعوانهم ، ورغبة المختصين عن الالتحاق بالقضاء لأسبابٍ غير مجهولة ؛ صرح ببعضها معالي وزير العدل غير مرة ، الأمر الذي أدى إلى تأخر الفصل في القضايا ، وترتُّب خصوماتٍ على تأخر البت في خصوماتٍ قبلها ، بل اجتر بعض التأخر نزاعاتٍ أكبر ؛ وصل في بعضها إلى إراقة الدماء ؛ كما ذكرته في مقالةٍ سابقة بعنوان : النقص البسيط والمركب على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=7
خامساً/ يحسن بنا أن لا نغفل عن أن الخلاف في جواز أخذ الأجرة على كثير من الوظائف موجود منذ القدم كالقسمة ، والتوثيق ، وأن الحال استقرت على جواز ذلك لضعف الهمم عن الاحتساب ، ولأن لكل عمل أجر دنيوي وأخروي ؛ فمن رغب في الأخروي ورغب عن الدنيوي فقد أحسن وفاز بما هو خير ، ومن رغب فيهما معاً فلم يسئ ؛ تحقيقاً لقوله تعالى { وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ } وقوله جل في علاه { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ } .
سادساً/ لا يمكن لأحدٍ أن يجهل أنَّ مراكز التحكيم القائمة في كثير من دول العالم تستمد قوتها من أحد أمرين :-
1/ المحتكمين إليها الراغبين في الحكم العادل والساعين لتحققه في أسرع وقتٍ ممكن ، لولا أن تمرد أحد طرفي الدعوى ، أو تأبِّيه عن إنفاذ طلبات الحكمين كفيل بتعطيل إنهاء القضية عن طريق التحكيم أو تأخر صدور الحكم .
2/ الجهة القضائية التي ندبت المحكمين لإنهاء النزاع ، فهي التي بسلطتها تضفي الهيبة على الحكم وتسهل مهمته بقوة النظام ، غير أن المحكمة هي التي لها القول الفصل في حكم المحكمين بعد صدوره .
قد يقول قائل : فما الحل إذاً ؟.
والجواب : إنَّ الحل في الجمع بين إيجابيات هذه الأمور الستة ؛ للتخلص من السلبيات جميعها .
ولمن قال : كيف يكون ذلك ؟.
والجواب : يكون ذلك بالإذن للقادرين على القضاء بين الناس بافتتاح محاكم خاصة على النحو التالي :-
1/ يحق لجميع المتداعين التقدم إليها للنظر في دعاواهم ، ولا عبرة برضا المدعى عليه من عدمه ؛ أسوة بالمحاكم النظامية .
2/ يكون لها عموم النظر بتراضي الطرفين ، وتلتزم بالاختصاص المحلي فيما سوى ذلك .
3/ يكون الترافع فيها طبق الأصول الشرعية والنظامية المتبعة في هذه البلاد .
4/ يكون التعامل معها من جميع الدوائر التنفيذية مماثلاً تماماً للطريقة التي تتعامل فيها مع المحاكم الأخرى ؛ في طلبات التبليغ والتحقيق وغيرها من لوازم نظر الدعوى ، أو التحري عن البينات والأدلة .
5/ تكون أحكامها خاضعة للتدقيق لدى محاكم الاستئناف ، وليس لدى محاكم الدرجة الأولى ؛ كما هو معمول به اليوم في أحكام المحكمين .
6/ يخضع القضاة في هذه المحاكم لشروط تعيين القاضي في الوظيفة الرسمية ، والمنصوص عليها في نظام القضاء ، المادة ( 31 ) ، ويصدر الإذن لقضاة المحاكم الخاصة من ولي الأمر أو من ينيبه .
7/ يسري على القضاة فيها مواد المنع والرد الواردة في نظام المرافعات الشرعية ، وكذا مواد التفتيش والتأديب المنصوص عليها في نظام القضاء .
8/ يكون تنفيذ أحكامها القطعية من قبل جهات التنفيذ القضائية والأمنية ؛ كسائر الأحكام بلا فرق .
9/ تحدد أجور التقاضي في هذه المحاكم عن طريق لجنة ذات خبرة ودراية ؛ إما : باعتبار الجلسة ، أو : بالساعة ، أو : بنسبةٍ معلومة من المدعى به .
10/ الخلافات بين المحاكم وأطراف الدعاوى تنظر في المحاكم الحكومية بحسب الاختصاص النوعي والمحلي .
11/ يشرف المجلس الأعلى للقضاء على هذه المحاكم قضائياً ، ووزارة العدل إدارياً ، ووزارة التجارة مالياً كل بحسب اختصاصه .
هذه خطوط عامة للاستفادة من هذا النشاط الذي يصب في مصلحة الوطن والمواطن ؛ والذي بشر معالي وزير العدل بقرب الإذن للموثقين الخاصين بممارسة مهنة التوثيق ، مما يجعل الطريق مفتوحاً للتوسع في الخصخصة ، وفك الحصار عن المحاكم الحكومية بما يشبه مراكز التحكيم ويفوقها اختصاصاً وسلطة . والله الموفق
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 1 | عدد القراء : 4628 | تأريخ النشر : الأحد 28 محرم 1430هـ الموافق 25 يناير 2009مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: الأربعاء 8 ربيع الأول 1430هـ الموافق 4 مارس 2009مسيحية
طباعة التعليق