|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1902 - وصحيفة اليوم العدد 12422
قضائيات إنَّ المُتَتَبِّعَ لأحوالِ كثيرٍ مِن قراراتِ مجلسِ القضاءِ الأعلى الخاصةِ بالقُضَاةِ ؛ سواءٌ منها : ما يَخُصُّ الإعفاء َ، أو النقلَ ، أو التعيينَ ، أو الترقيةَ لَيَخْرُجُ بانطباعٍ واحدٍ ؛ هو : أنَّ تطبيقَ أنظمةِ الدولةِ - في تلك القراراتِ - مَعِيبٌ ومنقوصٌ ، ومَرَدُّ ذلكإمَّا : لِعَدَمِ الإلمامِ بها أصلاً ،
أو : لِعَدَمِ استحضارِها وقتَ إصدارِ القراراتِ ،
أو : لاعتقادِ جوازِ الخروجِ عليها وَتَجَاوُزِهَا لأيِّ تأويل ؛ ما دام أنَّ تدقيقَها أمرٌ معدومٌ ، ورَفْضَ التَّظَلُّمِ منها واقعٌ محسومٌ .
ونفتتحُ موضوعَنا : بما تَضَمَّنَهُ النِّظَامُ الأساسُ للحكم في المادة (8) ( يقومُ الحكمُ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ على أساسِ العدلِ والشورى والمساواةِ وَفْقَ الشريعةِ الإسلاميةِ ) ، والمادة (12) ( تعزيزُ الوَحْدَةِ الوطنية وَاجِب ٌ، وتمنعُ الدولةُ كُلَّ ما يُؤَدِّي للفُرْقَةِ والفِتْنَةِ والانقِسَامِ ) ، والمادة (28) ( تُيَسِّرُ الدولةُ مجالاتِ العملِ لِكُلِّ قادرٍ عليه ) .
لِنَخْلُصَ إلى القولِ : بِأَنَّ الموادَ الثلاثَ من الدُّسْتُوْرِ المعمولِ به في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ غيرُ مُطَبَّقَةٍ في مَجَالَي تعيينِ وترقيةِ القضاةِ كما يُرِيدُهُ وُلاةُ الأمرِ وفقهم الله ؛ الذين يَحرِصُونَ على تطبيق الدُّسْتُوْرِِ في جميعِ قطاعاتِ الدولةِ ؛ فضلاً عن جهازِ العدلِ والإنصافِ ( جهازِ القضاءِ ) ، والبيانُ كالتالي :-
أولاً / إنَّ الدولةَ - وفقها الله -لم تَألُ جُهْدَاً ، ولم تَدَّخِرْ وِسعَاً في تَعْمِيْمِ التَّخَصُّصِ في أمورِ الشريعةِ على غالبِ مناطقِ المملكةِ ؛ فَكُلٌ مِن : العاصمةِ المقدَّسةِ مكةَ المكرمةِ ، والمدينةِ النبويَّةِ المنوَّرةِ ، والعاصمةِ الرياضِ ، والأحساءِ الغنَّاءِ ، والقصيمِ المحروسةِ ، وأبها البهيَّةِ ؛ كُلُّ هذه الحَواضِرُ العزيزةُ من بلادنا الغاليةِ تَحْوِيْ بين جَنَبَاتِهَا كلياتٍ للشريعة ، بل إنَّ جامعةَ مكةَ المكرمةِ ( أُمُّ القُرَى ) تَضُمُّ قِسْمَاً خاصاً للقضاء ؛ يُدَرَّسُ فيه القضاءُ طِوَالَ سنواتِ الجامعةِ الأربعِ ، ومع ذلك : لا يَجِدُ الخريجون فيه قبولاً لدى المجلسِ الموقرِ ، كما لا يَجِدُ الخريجون في كليات الشريعة في المُدُنِ الأخرى فُرَصَاً للعملِ في مَجَالِ القضاءِ على وجهِ المساواةِ .
ثانياً / لا تَكَادُ تَخْلُو جلسةٌ من جلساتِ مجلسِ القضاءِ الأعلى من ترقياتٍ إلى قضاءِ التمييز ، وهو في الحقيقة تعيينٌ جديدٌ في مجالٍ جديدٍ مُتَضَمِّنٌ لِتَرْقِيَةٍ ، وحَالُهُ ليس أَبْعَدَ من سابِقِهِ ؛ ففي آخِرِ جلسةٍ لمجلسِ القضاء الأعلى تَمَّ ترقيةُ تسعةِ قضاة ؛ ترتيبُ نِصْفِهِم يأتي بعد العدد (100) من بين عشراتِ المستحقين ، بل إنَّ أحدَ أقدمِ القضاةِ المستحقين للترقيةِ تَخَرَّجَ في كليةِ الشريعةِ قبل أحدِ المُرَقَّين أخيراً بِقُرَابةِ خَمْسَ عشرةَ سنة ؛ أي : أنَّ الأولَ يعملُ في القضاءِ والثاني لم يَبْلُغْ سِنَّ السابعةِ بعد ، أمَّا ما يُقالُ عن إجراءِ المجلسِ قُرعَةً بين المستحقين فلا يستقيم ؛ إذ القُرعَةُ مشروعةٌ عند التساوي ، لا مع التَّفَاضُلِ في السِّنِّ ، وتاريخِ التَّخَرُّجِ ، والخِبرَةِ العَمَلِيَّةِ ، والدَّرَجَةِ العِلمِيَّةِ .
ثالثاً / حَكَى لِيَ أحدُ أبناءِ مدينة ( النَّمَاص ) الفُضَلاءِ : أنَّه اجتاز مرحلةَ الماجستير في المعهدِ العالي للقضاءِ ، وتَمَّ تحويلُ أوراقِهِ إلى مجلسِ القضاءِ الأعلى ، وعند مُرَاجَعَتِهِ ِالمجلسَ المُوَقَّرَ أُخْبِرَ : أنَّ المجلسَ لا يرغبُ في توظيفِ قُضَاةٍ من الخِرِّيجِينَ في قسم : السياسة الشرعية !!! ، ولذلك أُعِيْدَت أوراقُهُ إلى مَصْدَرِهَا .
العجيبُ في الأمرِ ! - أنَّ الرجلَ يَحْمِلُ شهادةَ الشريعةِ من كُلِّيَتِهَا بأبها . فبدون شهادةِ الماجستير يُعْتَبَرُ ذلك الرجلُ مُؤَهْلاً للعملِ في القضاءِ أَصْلاً ، فَكَيْفَ بِهِ !! ، وقد حَمَلَ فوق ذلك شهادةَ الماجستير في السياسةِ الشرعيةِ ؛ التي يُعَدُّ القضاءُ باباً من أبوابها !!! ، لقد ذَكَّرَنِي ذلك بِالمسألةِ : اليَمِّـيَّةِ ، أو : الحَجَِريَّةِ من مسائلِ الفرائضِ !!.
مِمَّا تَقَدَّمَ /
هل يُمْكِنُ لأحدٍ القولُ : أنَّ المساواةَ هنا مُتَحَقِّقَةٌ ،
أو : أنَّ هذا العملَ يُعَزِّزُ الوَحدَةَ الوطنيةَ ،
أو: أننا قد يَسَّرنَا العملَ للقادرين عليه ؛ كما دعت إليه المواد (8،12،28) من النظام الأساسِ للحكم ؟ .
وهل نحن - بهذا الإِقصَاءِ – نُطَبِّقُ نُظُمَ ولوائحَ وأوامرَ الدولة ؟ ،
أو : أنَّنَا نحفظُ على أفرادِ القضاةِ حقوقَهم الثابتةَ لهم شرعاً ونظاماً مِنَ الضَّيَاعِ ،
أم : أنَّنَا نَفتَرِضُ المَقْدِرَةَ والمَوْثُوْقِيَّةَ في أحدٍ دون أحد ؟ .
إنَّنَا لا نَشَكُّ أبداً : أنَّ كُلَّ طَالِبِ عَمَلٍ تَتَوَفَّرُ فيه الشروطُ النظاميةُ - أياً كان انتِمَاؤُهُ من بين مناطقِ المملكةِ - مِنْ حَقِّه : أن يُمَكَّنَ من العملِ في مَجَالِهِ ؛ وهو ما نَصَّت عليه الأنظمة ، وهو الذي تقتضيه سياسةُ الدولة وفقها الله ؛ التي تَنْظُرُ لِجَمِيعِ المواطنين - مِن جميعِ المناطقِ - بِعَيْنِ الرِّعَايَةِ وعلى وَجْهِ المساواةِ ؛ دون تمييزٍ عِرقِيٍّ ، أو إقليميٍّ ، أو قَبَلِيٍّ ، فَفِي كُلٍ خَيرٌ ، وهو المُؤَمَّلُ تَطبِيقُهُ من قياداتِ القضاءِ في أمرِ التعيينِ وغيرِه ؛ حتى لا يُفَسَّرَ تَكرَارُ مُخَالَفَةِ نُظُمِ الدولة : بِأَنَّهُ تَعَمُّدٌ مَحْضٌ ، فَيُوجِبُ ذلك المُسَاءَلَةَ ؛ كما جاءت به الأنظمةُ المرعيَّةُ .
وأمَّا الاحتياطُ لوظيفةِ القضاء : فأمرُهُ مَحْسُوْمٌ بالنظامِ أيضاً ؛ الذي يَدُلُّ على توفيقِ اللهِ لهذه الدولةِ المباركةِ في تنظيمِ أمورِ المسلمين ؛ وبيانه : أنَّه إذا كان الموظفُ العادِيُّ يَخضَعُ للتَّجرِبَةِ سنةً واحدةً ؛ بحسب المادة (9) من نظام الخدمة المدنية ، فإنَّ القاضيَ يَخْضَعُ لأربعِ سنواتِ تجريبٍ ؛ منها : سنواتُ الملازمةِ الثلاثُ ، وسنةٌ بعدها بحسب المادتين (50،51) من نظامِ القضاءِ .
فلا وَجْهَ لاستباق الحُكْمِ على الآخرين بِعَدَمِ الصَّلاحيةِ ، ولابُدَّ مِنْ إتَاحَةِ الفُرَصِ لجميعِ أبناءِ الوطنِ العزيزِ من جميعِ المناطقِ فيما تَأَهَّلُوا لَهُ ، مِمَّا يُمكِنُهُم الخدمةُ فيه .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 2 | عدد القراء : 5188 | تأريخ النشر : السبت 16 ربيع الأول 1427هـ الموافق 15 أبريل 2006ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: الخميس 27 شوال 1428هـ الموافق 8 نوفمبر 2007مسيحية
طباعة التعليق