نشرت في منتدى مركز الدراسات القضائية التخصصي

حوارات السؤال الأول :
هلا حدثتنا عن يومك القضائي منذ خروجك من المنزل الى عودتك للمنزل؟.

الجواب :

عادة ما تكون هذه الفترة بين الثامنة صباحاً والثانية ظهراً ، أنظر خلالها من أربع إلى ست قضايا حقوقية ، وأربعاً من قضايا الإنهاءات العقارية ، وست قضايا إنهائية منوعة تقريباً .

= كان لي فترة استجمام قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق أسعد فيها بزيارة زملائي قضاة المحكمة نتذاكر فيها قضايا كل يوم حتى تحين صلاة الظهر .

= لا أنظر قضايا حقوقية بعد الظهر في الغالب ، بل أخصص هذه الفترة لتنظيم الصكوك ، وصور الضبوط الخطية ، والكتابة على المعاملات ، واستقبال البريد العام ، وبقية المهام الإدارية ؛ لكوني قضيت قرابة ثلاث عشرة سنة مسؤولاً عن رئاسة المحكمة أصالة أو بالنيابة .

= قلما أضع جلسات حقوقية أيام الأربعاء ؛ لتصفية المكتب من القضايا المنتهية خلال الأسبوع .

==========================

السؤال الثاني :
هل لك منهجية في التعامل مع الأقضية , خطوط عامة , أفكار جديدة لتسهيل التقاضي , جهات في المجتمع مفيدة في العملية القضائية؟.

الجواب :

أولاً: حال ورود المعاملة أطلع عليها ، وأسجل أبرز معلوماتها في ورقة صغيرة برمزية لا يسهل على غيري معرفتها لو اطلع عليها ؛ وذلك لتذكيري بأبرز ما فيها عند مراجعتها مرة أخرى .

ثانياً: قد أعيد الاطلاع على المعاملة مرتين أو ثلاثاً بحسب حجم لفاتها وكثافة مستنداتها الهامة ، وقد أختلي في المكتب جزءاً من الوقت عند الحاجة للتركيز في دراسة المعاملة قبل بداية الجلسة .

ثالثاً: في الجلسة الأولى أسمع الدعوى كما يريد المدعي دون مقاطعة ، ثم أسأله عما يلزم لكمال تحرير دعواه ، وبعد ضبط الدعوى أوجه للمدعى عليه الأسئلة اللازمة لتطبيق جوابه على الدعوى قبل أن آذن له بالكلام كما يريد ، وأسجل أجوبته على الأسئلة في ورقة خارجية بخطي ، ولا أستعجل في ضبط الجواب حتى يتكلم بما لديه كما يشاء ، وقد أعدل في جواب الأسئلة بعد سماع التفاصيل .
ولا يعني ذلك تضييع الوقت في سماع أحاديث لا علاقة لها بالدعوى ، بل أعيد المتحدث إلى جادة الدعوى إذا حاد عنها .

رابعاً: لا أعتمد - مطلقاً - على اللوائح الخطية في ضبط الدعوى وجوابها والدفوع والردود ، ولا آمر بنقلها كما كتبت في الضبط ، بل ألخصها وأقرأها على مُوقِّعها قبل رصد الملخص ، ومتى أجاز ذلك سجلته في الضبط ، وقد أرصد عبارة ( وقدم ... لائحة في ... صفحة قيدت برقم .. وتاريخ .. وأدرجت في لفات المعاملة ، وملخصها ... ) وذلك عندما يأبى صاحب اللائحة إلا ذكر لائحته .
ونفي الاعتماد على رصد اللوائح الخطية في الضبط لا يعني نفي الاعتماد على ما تتضمنه من الحقائق والمعلومات ، لأن بعضها يصل إلى عشرات الصفحات ، ومثل ذلك مما يمكن اختصاره في الضبط ، ويكفي ضم الأوراق - بعد تقييدها - في ملف القضية عن رصدها بنصها ، وهذا يسهل مهمة دراستها وتدقيقها وتلخيص حكمها وتنفيذه .
كما أن ما يكتب عادة يمثل وجهة نظر الكاتب والمستشار والمحامي الذي استعان به الخصم ، وقد رأينا من مناقشة الخصوم وقوع الكاتب في أخطاء في فهم ما يريده الأصيل ، وبعضها مؤثر على موقفه من الدعوى ، والاحتياط لحقوق الناس من أهم ما يعتني به القاضي .

خامساً: أسمع الشهادة في القضايا غير الإنهائية من كل شاهد على انفراده ، ولا أسمح له بالجلوس مع بقية الشهود بعد أخذ شهادته حتى لا يُلقنهم ، وللشاهد عندي مقعدٌ خاص غير مقاعد الخصوم ، وأبدأه بالإكرام إذا أضفت أطراف الدعوى بقهوة أو شاي أو طيب .

سادساً: لا أقفل باب المرافعة حتى أكرر سؤال الطرفين : إن كان قد بقي لديهما ما لم يضبط ويجيبان بالنفي ، وقد أرصد في الضبط ذلك مكرراً في أول الجلسة وآخرها ، وقد أرفع الجلسة وأكرر السؤال في جلسة لاحقة بحسب خطورة القضية .

سابعاً: أعتني كثيراً بأسباب الحكم ، وكثيراً ما أجعلها في فقرات ( أولاً ، ثانياً ، ثالثاً ... ) ، ولا أذكر من الأدلة ما هو معلوم بالضرورة ، بل أكثر من الاستناد على القواعد والضوابط المستخرجة منها ؛ مثل : ولأن اليقين لا يزول بالشك ، أو : ولأن البينة على المدعي ، أو : ولأن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أكبر منه ، أو : ولأن ذلك مما جرى به عرف الناس هذه الأيام كما في قرار هيئة النظر ... الخ .
أما الأدلة من الكتاب والسنة : فأذكرها فيما له أهمية ، أو : إذا احتاج الحكم إلى استنباط من الدليل ، أو : كان الدليل خفياً او غير مشهور ؛ كما في تغليظ العقوبة على مدمن الخمر ، أو : إيجاب النفقة على العصبة ، أو : تضمين الغاصب ، أو : الحكم بشفعة الجار المشارك في نحو طريق وبئر .

ثامناً: عند إعلام الخصوم بالحكم أستعرض معهم خلاصة الدعوى والجواب والأدلة ، ثم أقرأ الحكم بأسبابه ، وقد أرصد اعتراض من عليه الحكم قبل طلبه عندما أتيقن طلبه إياه ؛ ليسهل عليه تلقي صدمة الحكم .

تاسعاً: إذا لم يحتج قرار استدراك محكمة التمييز إلى إحضار الخصوم فإني أجيب عليه وأعيده في حينه قدر المستطاع .

عاشراً: بعد تصديق الحكم واستيفاء لوازم التهميش على السجل والضبط أبعث المعاملة لجهات التنفيذ على الفور ، وغالباً ما يراجع أطراف الدعوى فيجدون المعاملة قد صدرت من المحكمة لإنفاذ الحكم .

حادي عشر : من الجهات التي أستعين بها في تذليل عقبات الدعاوى ( هيئة النظر ، أهل الخبرة من كبار السن ، قدماء الموظفين في مجال الإصلاح ، عمد الأحياء والقرى ، شيوخ المهن ، المحكمين ، أئمة المساجد ، ثلاثة من الحرفيين أو المقاولين ).

==========================

السؤال الثالث :
بدائل السجن والجلد , رأيك الخاص في ضوابطها , نقدك لبعض البدائل , حلول حول تنفيذ البدائل , هل لك تجربة في ربط بعض تفاصيل التنفيذ للحكم للقاضي أم ترى أنه تشتيت وتدخل في مسئوليات الجهات التنفيذية ؟

الجواب :

بدائل السجن والجلد لا حصر لها ، ومجالها أوسع من أن يحصر ، ولقد تميز أخوان لنا في تنويع هذه البدائل ، كما نسمع عن فضيلة قاضي المويه أو ظلم أو هما معاً .
وقد ذكرت أنواعاً من الأحكام التعزيرية التي يتعدى نفعها إلى المجتمع في إلماحة لجريدة الحياة على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=227

غير أن العقبة في هذه البدائل هي في كيفية الإلزام بها ، وطريقة التعامل مع من يرفض إنفاذ الحكم بها ، وهل الأولى أن ينص على الحكم بالسجن والجلد أولاً ويجزئ عنه كذا وكذا من البدائل ، أم يحكم بالبدل ابتداءً ، وعند رفض إنفاذه يعاد العرض على القاضي لتحديد الطريقة المناسبة للتنفيذ ، كلا الأمرين وارد ولكلٍ منهما إيجابيات وسلبيات .

والحل لا يمكن أن يستخرج من فكر أحدٍ بعينه ، بل لابد من تدارس الأمر من مجموعة من المختصين بطريقة العصف الذهني ، وعند ذلك سيخرج الجميع من تلاقح أفكارهم بحلولٍ وطرقٍ مناسبة للتنفيذ .

وهذا الأمر مما أقدم عليه أولئك الزملاء الكرام ولهما فيه قصب السبق من دوننا ، ولا أعلم من سبقهما إليه غير زميل قديم حكم بالسجن والجلد تعزيراً على أحد الوافدين وعجب من تقبله الحكم طواعية ، فعدل عن الحكم إلى التعزير بالغرامة المالية ( خمسمائة ريال ) ، فقامت قائمة الرجل وكاد أن يغمى عليه ، وعندما دققت محكمة التمييز الحكم بطلبٍ من المدعى عليه أعيدت المعاملة للقاضي بحجة أن المخالفة ليست مما يقضى فيها بالغرامة المالية !.
ولعل هذا الحجر الفكري هو السبب في عدم الإقدام على الحكم بالبدائل وتنويعها ، وإلا لكان لدينا منها موسوعة لا يستهان بها خلال الأعوام السالفة من انتظام العمل القضائي في المملكة .

أما إيراد بعض تفاصيل التنفيذ فلست أرى أن تكون حكماً ، بل تورد على هيئة رأيٍ أو توصية غير ملزمة ؛ بعبارة : وأرى أن ... الخ ، ويترك الخيار في تنفيذه أو العدول عنه لجهة التنفيذ .
وكنا نوصي في بعض أحكام الجلد بأن تكون في زمنٍ معين أو مكانٍ محدد ، وقد نوصي بمكانٍ معين لتغريب السجين ، أو بأن لا تشمله تعليمات العفو عن السجناء ، وكانت جهات التنفيذ لا تحيد عن تلك التوصيات فيما نعلم .

==========================

السؤال الرابع :
تجربة خاصة في التعامل مع عدم تفاعل جهات التحقيق والضبط من الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء ؟

الجواب :

لا يخلو قاضي من قضاة العالم من تجارب في صعوبة التعامل مع جهات التحقيق ، ولدي منها الكثير ؛ بعضها سأورده مفصلاً في سلسلة : تشريعات قضائية لازمة .

أما هيئة التحقيق والادعاء العام فجميع الإخوة الذين تعاملت معهم - من المحققين والمدعين العامين - كانوا مستجدين وفي بدايات عمل الهيئة ، وكان لرئيسهم السابق - أنعم به من رجل - كان له أثر في حسن سلوكهم ودماثة أخلاقهم ؛ ولا غرو فالقوم على سمت أئمتهم ورؤسائهم .
لقد كانوا يتشوفون لرأي القاضي فيما يحررونه من لوائح ، ويبادرون لقبول الملحوظات المطروحة عليهم ، وكان تجاوبهم - فيما رأيت - جميلاً جليلاً . أسأل الله لهم التوفيق في أعمالهم .

أما كثير ممن سبقهم فقد كانوا من غير المختصين ، وكان لهم أساليب يتناقلونها ويعتبرونها حقائق مسلمة ، دون إعمال الذهن في معناها ، ودون إدراك أنها من فضول الكلام وساقط الدلالات .
مثل : استعراض الأدلة ضد المتهم ؛ فأول ما يبدأون به أدلتهم ضد المتهم :
(1) دعوى المجني عليه ضده .
وكأنَّ الدعوى المجردة دليلٌ على صدق مدعيها وعلى إدانة المدعى عليه فيها .
ثاني الأدلة قولهم :
(2) عجزه عن تحديد مكانه وقت الحادث .
ولو قال المتهم لهم : كنت في منزلي بين أفراد أسرتي . فهذا عندهم عجز عن تحديد مكانه وقت الحادثة ؛ لأن أسرته لا تقبل شهادتهم له بذلك .
وكأنَّ المفروض على المتهم أن يبقى خارج منزله وبين أناس يعرفهم ويعرفونه ، حتى إذا اتهم في أمرٍ ما كان باستطاعته إحضارهم للشهادة له .
ثالث الأدلة قولهم :
(3) تعرف المجني عليه على المتهم .
ولست أرى فارقاً بين رقم (1) ورقم (3) ، فمن ادعى على شخصٍ بعينه لابد وأن يتعرف عليه غالباً ، فأين دقة الاستنتاج للدليل المثبت لإدانة المتهم .
ومثل هذا لا يكون دليلاً في كل ادعاء ؛ فلكل قضية ملابساتها وأدلتها التي لا تصلح إلا لها ولمثلها .

ولذلك كان القاضي منا يهمل هذا التزيد في تكثير الأدلة ، ويقوم هو بعمل المحقق والمدعي العام ؛ ليستخرج الوقائع والأدلة من أوراق المعاملة ودفاتر التحقيق والتقارير الطبية والفنية ومن استجوابه للمدعي والمتهم والشهود في المجلس الشرعي .

وكثيراً ما نعثر على أدلةٍ تبرئ المتهم ، أو : على أدلة تدين آخرين لم يشملهم التحقيق ، وقد نجد أدلة إدانة للمتهم لم ينتبه لها المحققون ، ولولاها لما أدانت المحكمة المتهم أصلاً .

أما وقت إشراف الشرطة على التنفيذ : فحدث ولاحرج من الجهل في تطبيق الأحكام ، وأحياناً يجهلون كنه الحكم المطلوب تنفيذه ، وما ذلك إلا لعدم إعدادهم لهذه المهمات كما ينبغي .

أما من حيث العموم : فالعلاقة بين جهات التحقيق والتنفيذ وبين القضاة يسودها التقدير والاحترام المتبادل ، والحرص على إنفاذ الأنظمة والتعليمات فيما يخدم المصلحة العامة .

==========================

السؤال الخامس :
هل من حل لتعذر احضار الخصوم واختفائهم ؟
وهل هناك من أحكام غيابية في القضايا الجنائية أم هي مستثناة ؟

الجواب :

إنَّ تعذر إحضار الخصوم في القضايا المدنية ليس مشكلة بالغة التعقيد ، فمتى ثبت لدى القاضي تبليغ الخصم بالموعد المحدد - بأيٍ من طرق التبليغ المنصوص عليها في نظام المرافعات - فعليه أن يستمر في نظر القضية ، وينهي كافة إجراءاتها وله الحكم في القضية متى صلحت للحكم ، دون انتظار تفضُّل الخصم بالحضور للدفاع عن نفسه .
ولا أرى للقاضي أن يهتم كثيراً لحضور الخصم ما دام النظام قد حدد الإجراء الواجب لغياب أيٍ من المدعي أو المدعى عليه .

أما في القضايا الجنائية فلاشك أن ذلك مستثنىً كما جاء في المادة 141 من نظام الإجراءات الجزائية ؛ غير أنه - في نظري - ليس على إطلاقه ؛ إذ متى امتنع المتهم من الحضور لأيِّ سبب من الأسباب فإن القضية تبقى معلقة وإن كانت صالحة للحكم ، وقد تلغى القضية بفوات مدة العشر سنوات التي تحددها بعض الأنظمة بشأن الجرائم التي تسقط بالتقادم .

ولو نظرنا إلى العالم من حولنا لوجدناهم يطبقون أحكاماً غيابية على المطلوبين للعدالة متى تعذر إحضارهم ، ويحفظون لهم حق الدفاع عن أنفسهم متى حضروا ، وفي عصر النبوة صدرت أحكام غيابية في قضايا جنائية ؛ كما جاء في إهدار دم ابن خطل حتى قتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومثله إهدار دم كعب بن زهير رضي الله عنه ولم يمنع ذلك الحكم الغيابي من العفو عنه لما جاء تائباً ، وكذا ابن أبي السرح رضي الله عنه ولم يمنع ذلك من قبول شفاعة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه له .

وفي الوقت الحاضر يمكن التضييق على المتغيب عن الحضور أو الممتنع عن التنفيذ بطرقٍ شتى ، يسرها إمكانية ضبط مصالح المطلوب بجهاز الحاسب الآلي المركزي ، فلا يصدر له جواز ولا رخصة ولا مبايعة ولا تأشيرة ، وتقفل حساباته البنكية ، ويحجر على مخصصاته ورواتبه ، ويفصل عن منزله ومكتبه وممتلكاته جميع الخدمات التي لا يتعدى ضررها إلى غيره ، ونحو ذلك ؛ حتى يمتثل لطلب الحضور والتنفيذ .

==========================

السؤال السادس :
قرأت مقالك الرائع ((تشريعات قضائية لازمة . التعويض العادل)) لدي قضية مشابهة ولكن صاحب الملك يرغب بأرضه مهما كانت النتائج ويرفض التعويض .
و مارأيك بالتعدي على ملك الغير بالغصب ونحوه أو بالفضول أو بإهمال القبض والتخلية وإنتقالها من يد لأخرى وأصر صاحب الملك المشتري على استيفاء حقه كاملا ورفضه للتعويض مع صعوبة وضع يده على ملكة لطروء تصرفات تالية من البائع الأول وهذه التصرفات معقدة و متشابكة على ملكة ؟ الدعوى كالمعتاد تقام على واضع اليد فقط هل من أراء أخرى فيها ؟
هل من قواعد عامة في التعامل معها ؟

الجواب :

إصرار المشتري على المطالبة بالأرض - وهي غير مقدور على تسليمها - أخشى أن يؤثر لاحقاً على مطالبته بالتعويض ، ولا وجه لإلزام البائع بالتخطيط ؛ لأنه ليس في يده ، ولا يمكن تحديد وقتٍ لإنهاء إجراءات التخطيط ، إلا أن يُقال بأن يوكل أمر التخطيط إلى مكتبٍ مختصٍ وأجره على البائع ، وهذا - وإن كان متجهاً - إلا أن ضعف جهاز التنفيذ يقف حجر عثرة في طريق هذا الحل .

وههنا أربع حالات :
1/ إذا تصرف واضع اليد في الأرض بالبناء أو الزرع وهو يعلم بحق المدعي فيها ، فعند عدم التوفيق بين الأطراف : يحكم القاضي بإزالة الإحداثات ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ( ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌ ) ، وتسلم الأرض لمن هي له .

2/ إذا ثبت تغرير البائع بالمشتري الثاني ، وعند خوف الجور في إزالة الإحداثات ، ومع إصرار واضع اليد على إقرار وضع يده على الأرض ؛ فيحكم عليه بتعويض المشتري الأول بقيمة الأرض ، ويفهم : بأن له مطالبة البائع عليه بما يغرمه .

3/ للقاضي أن يحكم برفع يد المشتري الأخير وبتسليم الأرض وما عليها للمشتري الأول ، والحكم عليه بالتعويض عن البناء أو الزرع للمدعى عليه ، ويفهم المشتري الأخير : بأن له الرجوع على البائع عليه بقيمة الأرض دون البناء أو الزرع .

4/ العقار التي تتناقله الأيدي غير الظالمة يحكم بالتعويض عن قيمته للمدعي على البائع المغرر مباشرة ، ويقر وضع اليد كما هو .

وكل ذلك : بحسب المصلحة التي يراها القاضي أو أهل الخبرة أو المحكمين ، ويتوافر فيها اجتناب أكبر الضررين ، أو يتحقق معها أعظم المصلحتين .

ولا ينبغي أن يغيب عن القاضي أهمية إعمال قواعد الفقه في موضوع تعنت المشتري ، فالضرر لا يزال بالضرر ، والضرورة تقدر بقدرها ، والتعويض بقيمة المثل مع تغريم المتسبب نفقة المطالبة عدلٌ لا يصار إلى ما هو دونه .

وعند إقامة الدعوى على واضع اليد يسوغ للقاضي إدخال البائع المتسبب في الخطأ ، وتوجيه الدعوى ضده ، والحكم عليه بما يراه موافقاً للأصول الشرعية ، فإن لم يوافق المشتري الأول : أفهم بأن ليس له إلا ذلك ، وأقر واضع اليد على ما هو عليه .

==========================

السؤال السابع :
هناك وثائق مبايعات قديمة لأراضي فيها من التضارب والتناقض والاختلاف مما سبب كثير من الخصومات وتداخل الحقوق وفيها من التقادم مما يجعل التثبت منها أمر متعسرا , هل رأي عام فيها وتجربة خاصة فيها ؟

الجواب :

الوثائق والمبايعات القديمة إذا لم تكن ظاهرة الدلالة معلومة التفاصيل : فحكمها حكم المجهول ؛ الذي ينزل منزلة المعدوم ، فيبقى حينئذ وضع اليد ؛ الذي هو الدلالة الأقوى عبر العصور .

ولا يسع القاضي السؤال عما يزيد الأمر تعقيداً ، فالقاضي إذا اتخذ الإجراءات النظامية بسؤال الدوائر ذات الاختصاص ، وأعلن للعموم في الصحيفة المحلية الأوسع انتشاراً في مدينته ، وسمع دعاوى المعترضين وبيناتهم ، ولم يثبت لديه منها ما ينقل الملك عن واضع اليد فقد أدى ما عليه وبرئت ذمته ؛ إذ لا يمكن أن تبقى العقارات بلا ملاك ، ولا يمكن تعطيل مصالح الناس حتى يثبت واضع اليد تسلسل ملكيته أباً عن جد .

وإثبات الملكية لا يمنع أحداً من إقامة الدعوى على طالب الاستحكام متى ظهر له حق في الملك ولو بعد صدور الحجة .

والافتراضات المجردة عن الدليل ، والاحتياطات المبنية على الوهم والتخمين : من الوسواس ، الذي لا يخدم المصلحة العامة ، ولا يثمر في حاضر المجتمع ولا في مستقبل القاضي .
وقديماً قيل :
والدعاوَى ما لم يُقيموا عليها *** بيناتٍ أصحابُها أدعياءُ

وللعلم : فالأملاك في الحواضر القديمة ليس في يد كثير من ملاكها الحاضرين ما يثبت قطعاً انفرادهم بملكيتها تسلسلاً ثابتاً من اللاحق عمن سبقه بحيث لا يشاركه أحدٌ في ما تحت يده ، لكن العمل استقر على إعمال غلبة الظن ، واعتماد قرينة وضع اليد ، وعدم وجود المعارض الأقوى لدعوى التملك ، وهو الذي بموجبه أقر الملاك على ما تحت أيديهم ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها .

==========================

السؤال الثامن :
أتتني إمرأة لا تعرف أباها ويظهر أنها لقيطة وإنما تقول تربيت في بيت فلان وهذا الرجل نفى أن تكون بنته أو علمه بها وأنكر أي صلة بها أو أن تكون لقيطة وهو كبير في السن سيء الفهم والإفهام وتريد منه أوراقا ثبوتيه لها وأولادها سعوديون وهي أيضا كبيرة في السن وكل شهود حالها متوفين ويظهر أنها من الموالي وتستحي من كثير من تساؤلاتي و لاتملك أي أوراق ثبوتية وهي محالة من المحافظة للحكم بالوجه الشرعي , هل ترى أن تحال للداخلية لتصحيح وضعها .؟

الجواب :

عليك الاحتساب بالبحث لهذه المرأة عما يجب لحل مشكلتها . ولا يفوتك : أنه لا ذنب لها فيما عمله والداها . عفى الله عنا وعنهم .

= فاكتب للعمدة ، وإمام المسجد ، وجيران منزلها .
= واجلب البالغ من أولادها ، وابحث في سجلات دراسته وشهادة ميلاده والمعرفين به ونحو ذلك .
= واكتب لدار الرعاية الاجتماعية إن كان لديها سجل باسمها ؛ ولو مستعاراً كما هو حال اللقطاء في بلادنا .
= واسأل الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية في بلدك عن أيِّ شيءٍ بشأنها .

من كل ما تقف عليه من أمرها تستطيع تحديد ما ينبغي إثباته من قبلك ، وما تحتاج أن تكتب به إلى وزارة الداخلية عن طريق المحافظة ؛ إن لزم الأمر .

المهم : تجنب السلبية في التعامل مع هذه الأمور ؛ لأن القاضي الذي يقف موقفاً إيجابياً في مثل هذه القضايا يكون مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر . جعلنا الله وإياك منهم .

==========================

السؤال التاسع :
طريقتك في توزيع المهام الإدارية بين الموظفين ؟

الجواب :

لكل قاضٍ طريقةٌ خاصة في توزيع الأدوار بين الموظفين بحسب عدد الموظفين ، مستوياتهم في الدراسة ، حسن الخط ، القدرة على تحمل المسؤوليات ، الرغبة في الاضطلاع بمهام أكبر ؛ وخصوصاً مقدار الموثوقية التي يتحلى بها الموظف .

وفي الغالب : يكون هناك موظفٌ لكتابة الضبط ملازم للقاضي ، وآخرُ لضبط الإنهاءات العقارية ، وثالثٌ للإنهاءات الأخرى ، ورابعٌ للنماذج والمواعيد وحفظ المعاملات .

ولابد من حسن المعاملة مع الموظف في المكتب القضائي بما يخدم العمل ويعمل على تسيير قضايا الناس بكل سهولةٍ ويسر .

وقد ذكرت نحواً مما يجب على القاضي في مقالةٍ بعنوان : واجبات القضاة . في أربع حلقات ، وهذا رابط ما يخص زملاء وأعوان القاضي من تلك الواجبات : http://www.cojss.com/article.php?a=29

وتحديد نمطٍ محددٍ لتوزيع المهام الإدارية بين الموظفين مرتبطٌ بما تقدم ، وبأخلاقيات التعامل معهم . أسأل الله لي ولك دوام التوفيق لما يرضيه

==========================

السؤال العاشر :
كان لك مقال جميل عن العقال , فماذا يتبادر لذهنك عندما ترى قاضيا يلبس عقال ؟

الجواب :

المقال عن العقال ليس المقصود منه ذات العقال ، ولكن المراد هو ما قسته عليه ( تقنين أحكام الشريعة ) ؛ التي تُحكم ضبط معاملات الناس ؛ كما يضبط العقال الغترة على الرأس .

أعد النظر في المقال لتعلم مغزاه ، ولا تنس الاطلاع على التعقيبات عليه ، وهذا رابطه : http://www.cojss.com/article.php?a=54

أما العقال فلا حرج - عندي - على من ينزعه ، ولا على من يلبسه ، ويكفي أنه لباسنا الوطني ؛ الذي واظب عليه ملوكنا ومسؤولو بلادنا ، بل هو لباس السواد الأعظم من مجتمعنا ، وما انفرد كثيرُ من المتدينين باجتنابه ؛ إلا تورَّعاً عنه غير صحيح ، أو تنزهاً من غير قبيح ، أو تزيُّداً بغير مليح .

==========================

السؤال الحادي عشر :
أصبحت أكثر صراحة , وأكثر تواصلا مع الاعلام , وأكثر انتاجاً فكرياً , هل هذا له علاقة بمباشرة القضاء وتركة أو البعد عن الجو القضائي ؟

الجواب :

لم أكن يوماً مداهناً لأحدٍ ، ولا مجاملاً على حساب عملي ، فلي صولاتٌ وجولاتٌ على جميع المستويات ؛ ملؤها الصراحة والجرأة في قول ما أراه حقاً ، وقد يكون هذا هو سبب تجنبي المزاحمة على المجالس العامة ، وهو أيضاً سبب اعتزالي صخب التواصل مع الرموز الدينية والإدارية ؛ حتى أن كثيراً منهم يسمع بي ولا يعرفني .

وإني وإن كنت مقصراً في هذا الجانب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) . غير أنَّ التسليم للغير بغير ما أراه صحيحاً فنٌ لا أُحسنه ، وسبيلٌ لا أسلكه ، ولا أستهوي من يُمارسه ، فآثرت العزلة ، وصاحبت الكتاب ، وأنست بالوحدة .

ومشاركاتي في الصحافة بدأت - على استحياء - عام 1418هـ ، ولم أكتب في الشأن القضائي بتخصصٍ إلا عام 1426هـ ؛ لِما رأيته من جنوحٍ ظالم من قِبل كثيرٍ من الكتاب بتحميلهم القضاء الشرعي مسؤولية التخلف والتأخر عن اللحاق بركب الأمم المتحضرة في نظمها وقوانينها ، فأبرزت في أكثر من مائة مقالةٍ محاسن التشريع ، وشمولية الأنظمة ، وألقيت باللائمة على التطبيقات المعيبة ، وحمَّلت القائمين عليها مسؤولية التقصير ، وجعلت مع كل نقدٍ لممارسةٍ ما طريقةً مفصلةً لإصلاح وضعها القائم ، ولم أنقد لذات النقد بل للإصلاح ، مقروناً بالطرق التي أراها مناسبةً ، وبالخطوات التي أظنها لازمةً للنهوض بالمؤسسة القضائية . حرس الله القائمين عليها والداعمين لهم من غيرهم .

وكان لهذه المقالات وقعٌ كبيرٌ على كثيرٍ من المثقفين والمسؤولين والقضاة في المحاكم العدلية والإدارية ، بل علمت بأنَّ أقساماً في بعض الجامعات جعلتها مادةً للدراسة والتحليل ، واستُند على كثيرٍ منها في الرسائل العلمية المتخصصة في الشأن القضائي . والله من وراء القصد

ولاشك أنَّ تفرغي للعمل في فريق التحكيم - خلال السنوات الأربع الأخيرة - كان له اليد الطولى في احتباس أدراعي وأعتُدي في سبيل الله . أسأل الله حسن النية وصواب العمل .

وإن كان ذلك لم يرق لبعضهم ، إلا أنهم عجزوا عن الرد عليَّ في جميع ما نُشر لي ، ولم يتعقبوا تلك المنشورات بما يَصِمُها بالمبالغة أو عدم الصدق في أطاريحها ، فلجؤوا إلى الحجر على نشرها في الصحافة ، صحيفةً تلو أخرى ؛ حتى لم أجد إلا هذا المركز الذي أنشأته لذلك الغرض قبل الحاجة إليه بسنتين .

وأما البعد عن الجو القضائي فقد أرادوه دائماً ، والله وحده هو الذي لا معقب لحكمه ، واقرأ إن شئت مقالة : شعرة القلب . على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=186 . والله الهادي إلى سواء السبيل

==========================

السؤال الثاني عشر :
هل القضاء وظيفة حساسة (بعبع) تجعل الشخص بالفعل منعتقا على نفسه يعيش ازدواجية شؤون خارجية وداخلية عامة وخاصة , يعيش الحذر من كل صغيرة وكبيرة ؟ وماعلاقته مع حريات المجتمع المسموحة ؟

الجواب :

كنا نظن ذلك قبل ولوجنا هذا المعترك ، فلم نجد كبير فرقٍ بين الحالين .

غير أن من كان على شيءٍ من التهاون قبل التحاقه بالسلك القضائي : فسيجد نفسه مضطراً للانغلاق للتجهيز للوضع الجديد .
فإن تمكنت منه الحالة النفسية الأولى : فسيجد نفسه أمام وضعين متغايرين ، لابد لمثله أن يتخذ لكلٍ منهما قناعاً مناسباً ، فيلج دائرة النفاق الاجتماعي ، والتمظهر الكاذب ، والورع المزيف .

ولست أرى لزوم الحذر من بعض المباحات ، فالناس تريد من المتدين ما يشجعهم على التواصل معه ، ويرغبهم في اقتفاء منهجه .

والمتدين بحاجة إلى انقشاع ضباب الصورة المنقولة عنه من قِبَلِ المناوئين المغرضين ، ولا يكون ذلك بغير التسامح مع تلك الحريات المباحة اقترافاً أو تقريراً .

ولو عَوَّد المرء نفسه أن لا يفعل في خلواته إلا ما لا يخشى علم الناس به ، وَقَسَرَ نفسه على ما هو محمود ، وَأَطَرَها على الحق قدر طاقته ؛ محتسباً ثواب ذلك عند الله ، مريداً به وجه الله : لكان له في ذلك فضل مجاهدة المرء هواه ، وهو أدعى إلى إعانة الله له على تحقق مراده ، وعلى وضع القبول له بين عباده

==========================

السؤال الثالث عشر :
فضيلة الدكتور نود نصيحه في كيفية اختيار القاضي الجهه التي سيلازم فيها من ( المحكمه , والشيخ الذي سيلازم عنده ) وهل لها اثر على شخصية القاضي ومركزه العلمي مستقبلاً .

الجواب :

لا مجال لاختيار القاضي من قبل الملازم ، فتوجيه الملازم للقاضي من اختصاص رئاسة المحكمة ، وسيمر الملازم على أكثر من أربعة قضاة في المحاكم العامة واثنين في المحاكم الجزئية بحسب التعليمات الحالية .

وليكن السؤال : كيف للملازم أن يأخذ بأحسن ما عند القضاة ، ويتحاشى ما يراه منهم من تقصير أو عيب .

لقد لازمت ثلاثة من القضاة في آنٍ واحد ، كان أحدهم هادئاً ، حليماً ، قليل الكلام ، متقناً في إدارة القضية وتوجيهها نحو الهدف ، معتنياً بكثرة التسبيب ، حريصاً على السلامة من اللحن ، يشق عليه التصحيح في هامش الضبط .

وكان الثاني مُجَلِّيَاً في التعامل مع الخصوم ، ولصوته مقاماتٌ بحسب الحال ، يعلو تارة ويخفض تارة ، سليم القلب ، محب للفكاهة والترفيه عن موظفيه في أوقات الفراغ ، لم أر مثله في التفاعل مع تحليف الخصوم .
ففي الوقت الذي تُعرض فيه اليمين على الخصم بنبرة الحديث المعتاد من بعض القضاة ، تجد شيخنا هذا يرفع صوته مدوياً ؛ محذراً من مغبة اليمين الغموس .
ومتى خشي من كذب الحالف في يمينه قام من مقعده لتحليفه بصوت يخلع القلب ، وقد يقبض بيده يد الحالف ليجعلها على المصحف ، في مشهدٍ تعبيري ، صادق الدلالة ، بعيد المغزى .

وكان الثالث حسن الخط ، أريحي الخلق ، لا يجد حرجاً في كتابة الضبط وقت انشغال الكاتب أو الملازم ؛ ولو لبرهة ، يجود بالنصح الصادق المقرون بالأمثلة والأحداث من القضاة السابقين .

فأخذنا من كلٍ منهم أحسن صفاته ، وكان لنا مع بعضهم مواقف نادرة ؛ ترتكز على الصدق والرغبة في الاستزادة من المعرفة .

تَعَوَّد - أخي الفاضل - أن تكون كالنحلة ؛ تقع على الزهرة طيبة الرائحة ، وتأخذ أعذب ما فيها ، وتترك أثراً لها عليها بما ينميها .

==========================

السؤال الرابع عشر :
ألاحظ أن بعض من لازمنا عندهم من حيث يشعرون أولا يشعرون ينفعلون إنفعالاً مع الحق , يشعر فيه الطرف الذي جانبه الحق أن القاضي منحاز أو غير حيادي كما تعلم وتلاحظ من صروف الخصومات ، كيف تسيطر على انفعالاتك , هل تمارس نوعا من التوبيخ المستمر أثناء الترافع للضغط على الأطراف أو تصبر وتصدر رأيك أو وعظك أو توبيخك بعد قفل باب المرافعة؟.

الجواب :

الانفعال - أياً كان سببه - من الهفوات التي يقع فيها بعض القضاة ؛ خصوصاً : أثناء نظر القضية ، وقبل الحكم فيها ؛ لأنَّ الخصم شديد الحساسية من موقف القاضي من طرفي الدعوى ، ويريد أن يعرف : أهو معه أم ضده ، وقد يصنف القاضي مراتٍ ومرات بحسب ما يراه وما يسمعه منه .

من الحكمة : أن لا يدع القاضي للخصم مجالاً لتصنيفه ، فمتى غلب على ظن الخصم أنه مغلوب فسيماطل في حضوره وفي إجاباته وفي إحضار بيناته ، بخلاف : ما لو بقي حائراً طامعاً في الحكم له .

في إحدى القضايا : اضطررت لطلب المعدلين لكلٍ من شهود المدعي والمدعى عليه ؛ حتى لا يعلم الخصمان لمن سيكون الحكم ؛ ولأن المدعي كان ذكياً جداً وقادراً على الإخلال بنظام الجلسة ، لو ظهر له - قبل قفل باب المرافعة - أنه سيحكم عليه .

وهذا لا يمنع من ضبط الجلسة بزجرٍ ، أو : توبيخٍ ، أو : بنظرة عتاب ، أو : بتعزيرٍ بنحو سجن 24 ساعة ، أو : بتنظيم محاضر إساءة الأدب في المجلس الشرعي للتخويف وضمان التهدئة .

وينبغي التماس العذر لكلا الخصمين في ما يصدر منهما أثناء المرافعة ؛ فكلٌ منهما - في الغالب - يرى أنه على الحق ، ويلتمس العدل ، ولا يرضى بالظلم ، وقد يبدر منه ما يسوء مع الشد العصبي والانفعالات المتلاحقة تجاه من يريد أخذ حقه منه فيما يعتقده .

ومَن عليه الحق هو الأولى بالرفق من صاحبه ، وذلك بالتلطف معه عند استعراض بيناته ونقدها وبيان وجه كون الحق لصاحبه ، فإنَّ وقع الحكم مؤلم على الطرف الخاسر في جميع الحقوق .

ولا ينس القاضي أنَّ حكمه قد يبطل ، أو يستدرك عليه من محكمة التمييز بما يضطره للرجوع عنه ، ولذلك : فتوازن موقفه من الطرفين لا يعرضه لشماتة من حُكم عليه أولاً .

إياك والجدال مع القاضي ، وتجنب الحديث معه وقت إطراقه وتركيزه في ما يهمه ، ولا تقطع عليه تفكيره ولا حديثه مع غيرك ، ولا تعترض على فعله إلا بقولك : ما رأيك لو قلنا كذا ، أو فعلنا كذا وكذا ، ولا تُخطئه في حكمه ، ولكن انقل له نصوص الحكم الذي تراه مناسباً في ورقة ، وأعطه إياها ، فإنها إن كانت حقاً رجع إليه أو كانت لك معذرة ، وإن كانت خطأً أبان لك فاستفدت ولم تتعجل .

اكتب ما تخشى فواته عليك من فوائد القاضي وإبداعاته ، وتذاكرها مع زملائك ؛ لتثبت في ذاكرتك ، ويعم بها النفع ، ولتقف على تعليقٍ بشأنها قد يصححها أو يزيدها تأييداً . كان الله معك .

==========================

السؤال الخامس عشر :
هل تؤيد صفحة انترنت لمكتبك القضائي تراسل فيها الأطراف بمواعيد الجلسات وما يتأجل منها أو بعض الطلبات والنواقص أو بعض الظروف التي تستدعي المراجعة ؟ أو ترى فيها تجاوز اختصاص أو لا صلاحيات ؟

الجواب :

اتخاذ القاضي صفحة إنترنت لمكتبه القضائي ( لا لشخصه ) أمر حديث يحتاج إلى ضبطٍ على مستوى عام ، وأرى أن لا ينفرد القاضي به قبل اعتماده وتعميمه ؛ حتى لا يُساء استخدامه ، فقد يتلقى عبرها شيئاً من المضايقات .

والوزارة الموقرة تستطيع إعداد برنامجٍ يُعمم على جميع القضاة ، ويُربط بخادم الوزارة ، تُعطى فيه كل قضيةٍ بريداً إلكترونياً خاصاً ؛ يتراسل فيه القاضي مع أطراف القضية ، ويُقفل حال انتهاء القضية وصدورها من القاضي للتنفيذ ، أو للاستئناف ، ويبقى محفوظاً في مركز التحكم ؛ ليمكن الرجوع إلى ما فيه عند الحاجة .

وللقاضي مراسلة الخصوم عبر الهاتف الجوال والبريد الإلكتروني ؛ لتحديد أو تغيير المواعيد ، أو لإضافة بعض الطلبات النظامية ؛ على أنه - قبل ضبط هذه التقانة نظاماً - لا يُمكن القاضي الاعتماد عليها والاستغناء بها عن المُحضر والمواعيد الورقية ، ولا عن الإعذارات والإنذارات المقررة شرعاً .

==========================

السؤال السادس عشر :
ما رأيك بطريقة القضاء الأمريكي عندما يعطي الصلاحيات للقاضي أو المدعي العام بعقد اتفاقيات أحكام مخففة بحال كذا ومشددة في حال كذا عدم اعترافه أو نحوه ؟
هل يمكن الاستفادة منه في قضائنا الشرعي , بمعنى أن يكون هناك تواصلاً بين القضاة وبين المحققين والمدعين حول رأيهم في تعاون المتهم أو انصلاح حاله في السجن كما هو ملاحظ في دور الملاحظة الاجتماعية وماللمشرف الاجتماعي من دور يستأنس به لاصلاح الحدث ؟
وفي الجانب الآخر لاحظنا أن هذه الصلاحيات في القضاء الأمريكي حاد عن خطه العدلي والاصلاحي وكان سببا في الفساد عندما أصبحت هذه الصفقات تستغل في الاضرار بالآخرين أو لتحييد القضية والضغط الظالم من قبل المحققين كما في قضية حميدان التركي عجل الله بفك أسره؟

الجواب :

المقصود الأسمى من القاضي هو تحقيق العدالة على وجه أدق وأشمل وبالسرعة الممكنة ، وكل ما ساعد على ذلك فهو مطلوب مرغوب .

والثقة المفترضة في القاضي لا تعطيه الحرية المطلقة ، بل له أن يقرر ما يراه مناسباً ، مستحضراً : خضوع قراراته للتدقيق ، وشمول شخصه بالتحقيق ؛ فيما لو تعمد أمراً ليس إليه سلباً أو إيجاباً .

وتمكين قاضي التنفيذ من دراسة حالة السجين مع المختصين ينبغي أن يتبعه إعطاؤه صلاحية تخفيف المحكومية بنسبةٍ محددة نظاماً ، كما لا يمنع أن يُعطى صلاحية العرض لحاكم القضية عن استبدال العقوبة ؛ معللاً ذلك بما رآه من حال السجين ، أو سمعه من المشرفين على السجن ، أو اطلع عليه من تقارير طبيةٍ أو نفسية أو اجتماعية ونحوها .

واعلم - أخي الكريم - أن الصلاحية المطلقة مفسدة مطلقة ، وأن ضبط الأمور بنظمٍ وقوانين واضحةٍ محددة ، وربطها بجهةٍ واحدةٍ - لتفسير غامضها وتبيين مجملها - يمنع من الوقوع في التجاوزات والتناقضات في الحكم أو في العفو عنه .

واعلم أن حيادية القاضي واستقلال المؤسسة القضائية هما دعامتا سلامة الحكم من عوامل التعرية العدلية الخارجية . والله أعلم وأحكم .





-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4937 | تأريخ النشر : الأحد 18 ربيع الأول 1430هـ الموافق 15 مارس 2009م

طباعة المقال

إرسال المقالة
حوار المنتدى 1 السؤال الأول : هلا حدثتنا عن يومك القضائي منذ خروجك من المنزل الى عودتك للمنزل؟. الجواب : عادة ما تكون هذه الفترة بين الثامنة صباحا والثانية ظهرا ، أنظر خلالها من أربع إلى ست قضايا حقوقية ، وأربعا من قضايا الإنهاءات العقارية ، وست قضايا إنهائية منوعة تقريبا . = كان لي فترة استجمام قبيل صلاة الظهر بعشر دقائق أسعد فيها بزيارة زملائي قضاة المحكمة نتذاكر فيها قضايا كل يوم حتى تحين صلاة الظهر . = لا أنظر قضايا حقوقية بعد الظهر في الغالب ، بل أخصص هذه الفترة لتنظيم الصكوك ، وصور الضبوط الخطية ، والكتابة على المعاملات ، واستقبال البريد العام ، وبقية المهام الإدارية ؛ لكوني قضيت قرابة ثلاث عشرة سنة مسؤولا عن رئاسة المحكمة أصالة أو بالنيابة . = قلما أضع جلسات حقوقية أيام الأربعاء ؛ لتصفية المكتب من القضايا المنتهية خلال الأسبوع . ========================== السؤال الثاني : هل لك منهجية في التعامل مع الأقضية , خطوط عامة , أفكار جديدة لتسهيل التقاضي , جهات في المجتمع مفيدة في العملية القضائية؟. الجواب : أولا: حال ورود المعاملة أطلع عليها ، وأسجل أبرز معلوماتها في ورقة صغيرة برمزية لا يسهل على غيري معرفتها لو اطلع عليها ؛ وذلك لتذكيري بأبرز ما فيها عند مراجعتها مرة أخرى . ثانيا: قد أعيد الاطلاع على المعاملة مرتين أو ثلاثا بحسب حجم لفاتها وكثافة مستنداتها الهامة ، وقد أختلي في المكتب جزءا من الوقت عند الحاجة للتركيز في دراسة المعاملة قبل بداية الجلسة . ثالثا: في الجلسة الأولى أسمع الدعوى كما يريد المدعي دون مقاطعة ، ثم أسأله عما يلزم لكمال تحرير دعواه ، وبعد ضبط الدعوى أوجه للمدعى عليه الأسئلة اللازمة لتطبيق جوابه على الدعوى قبل أن آذن له بالكلام كما يريد ، وأسجل أجوبته على الأسئلة في ورقة خارجية بخطي ، ولا أستعجل في ضبط الجواب حتى يتكلم بما لديه كما يشاء ، وقد أعدل في جواب الأسئلة بعد سماع التفاصيل . ولا يعني ذلك تضييع الوقت في سماع أحاديث لا علاقة لها بالدعوى ، بل أعيد المتحدث إلى جادة الدعوى إذا حاد عنها . رابعا: لا أعتمد - مطلقا - على اللوائح الخطية في ضبط الدعوى وجوابها والدفوع والردود ، ولا آمر بنقلها كما كتبت في الضبط ، بل ألخصها وأقرأها على موقعها قبل رصد الملخص ، ومتى أجاز ذلك سجلته في الضبط ، وقد أرصد عبارة ( وقدم ... لائحة في ... صفحة قيدت برقم .. وتاريخ .. وأدرجت في لفات المعاملة ، وملخصها ... ) وذلك عندما يأبى صاحب اللائحة إلا ذكر لائحته . ونفي الاعتماد على رصد اللوائح الخطية في الضبط لا يعني نفي الاعتماد على ما تتضمنه من الحقائق والمعلومات ، لأن بعضها يصل إلى عشرات الصفحات ، ومثل ذلك مما يمكن اختصاره في الضبط ، ويكفي ضم الأوراق - بعد تقييدها - في ملف القضية عن رصدها بنصها ، وهذا يسهل مهمة دراستها وتدقيقها وتلخيص حكمها وتنفيذه . كما أن ما يكتب عادة يمثل وجهة نظر الكاتب والمستشار والمحامي الذي استعان به الخصم ، وقد رأينا من مناقشة الخصوم وقوع الكاتب في أخطاء في فهم ما يريده الأصيل ، وبعضها مؤثر على موقفه من الدعوى ، والاحتياط لحقوق الناس من أهم ما يعتني به القاضي . خامسا: أسمع الشهادة في القضايا غير الإنهائية من كل شاهد على انفراده ، ولا أسمح له بالجلوس مع بقية الشهود بعد أخذ شهادته حتى لا يلقنهم ، وللشاهد عندي مقعد خاص غير مقاعد الخصوم ، وأبدأه بالإكرام إذا أضفت أطراف الدعوى بقهوة أو شاي أو طيب . سادسا: لا أقفل باب المرافعة حتى أكرر سؤال الطرفين : إن كان قد بقي لديهما ما لم يضبط ويجيبان بالنفي ، وقد أرصد في الضبط ذلك مكررا في أول الجلسة وآخرها ، وقد أرفع الجلسة وأكرر السؤال في جلسة لاحقة بحسب خطورة القضية . سابعا: أعتني كثيرا بأسباب الحكم ، وكثيرا ما أجعلها في فقرات ( أولا ، ثانيا ، ثالثا ... ) ، ولا أذكر من الأدلة ما هو معلوم بالضرورة ، بل أكثر من الاستناد على القواعد والضوابط المستخرجة منها ؛ مثل : ولأن اليقين لا يزول بالشك ، أو : ولأن البينة على المدعي ، أو : ولأن الضرر لا يزال بمثله ولا بما هو أكبر منه ، أو : ولأن ذلك مما جرى به عرف الناس هذه الأيام كما في قرار هيئة النظر ... الخ . أما الأدلة من الكتاب والسنة : فأذكرها فيما له أهمية ، أو : إذا احتاج الحكم إلى استنباط من الدليل ، أو : كان الدليل خفيا او غير مشهور ؛ كما في تغليظ العقوبة على مدمن الخمر ، أو : إيجاب النفقة على العصبة ، أو : تضمين الغاصب ، أو : الحكم بشفعة الجار المشارك في نحو طريق وبئر . ثامنا: عند إعلام الخصوم بالحكم أستعرض معهم خلاصة الدعوى والجواب والأدلة ، ثم أقرأ الحكم بأسبابه ، وقد أرصد اعتراض من عليه الحكم قبل طلبه عندما أتيقن طلبه إياه ؛ ليسهل عليه تلقي صدمة الحكم . تاسعا: إذا لم يحتج قرار استدراك محكمة التمييز إلى إحضار الخصوم فإني أجيب عليه وأعيده في حينه قدر المستطاع . عاشرا: بعد تصديق الحكم واستيفاء لوازم التهميش على السجل والضبط أبعث المعاملة لجهات التنفيذ على الفور ، وغالبا ما يراجع أطراف الدعوى فيجدون المعاملة قد صدرت من المحكمة لإنفاذ الحكم . حادي عشر : من الجهات التي أستعين بها في تذليل عقبات الدعاوى ( هيئة النظر ، أهل الخبرة من كبار السن ، قدماء الموظفين في مجال الإصلاح ، عمد الأحياء والقرى ، شيوخ المهن ، المحكمين ، أئمة المساجد ، ثلاثة من الحرفيين أو المقاولين ). ========================== السؤال الثالث : بدائل السجن والجلد , رأيك الخاص في ضوابطها , نقدك لبعض البدائل , حلول حول تنفيذ البدائل , هل لك تجربة في ربط بعض تفاصيل التنفيذ للحكم للقاضي أم ترى أنه تشتيت وتدخل في مسئوليات الجهات التنفيذية ؟ الجواب : بدائل السجن والجلد لا حصر لها ، ومجالها أوسع من أن يحصر ، ولقد تميز أخوان لنا في تنويع هذه البدائل ، كما نسمع عن فضيلة قاضي المويه أو ظلم أو هما معا . وقد ذكرت أنواعا من الأحكام التعزيرية التي يتعدى نفعها إلى المجتمع في إلماحة لجريدة الحياة على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=227 غير أن العقبة في هذه البدائل هي في كيفية الإلزام بها ، وطريقة التعامل مع من يرفض إنفاذ الحكم بها ، وهل الأولى أن ينص على الحكم بالسجن والجلد أولا ويجزئ عنه كذا وكذا من البدائل ، أم يحكم بالبدل ابتداء ، وعند رفض إنفاذه يعاد العرض على القاضي لتحديد الطريقة المناسبة للتنفيذ ، كلا الأمرين وارد ولكل منهما إيجابيات وسلبيات . والحل لا يمكن أن يستخرج من فكر أحد بعينه ، بل لابد من تدارس الأمر من مجموعة من المختصين بطريقة العصف الذهني ، وعند ذلك سيخرج الجميع من تلاقح أفكارهم بحلول وطرق مناسبة للتنفيذ . وهذا الأمر مما أقدم عليه أولئك الزملاء الكرام ولهما فيه قصب السبق من دوننا ، ولا أعلم من سبقهما إليه غير زميل قديم حكم بالسجن والجلد تعزيرا على أحد الوافدين وعجب من تقبله الحكم طواعية ، فعدل عن الحكم إلى التعزير بالغرامة المالية ( خمسمائة ريال ) ، فقامت قائمة الرجل وكاد أن يغمى عليه ، وعندما دققت محكمة التمييز الحكم بطلب من المدعى عليه أعيدت المعاملة للقاضي بحجة أن المخالفة ليست مما يقضى فيها بالغرامة المالية !. ولعل هذا الحجر الفكري هو السبب في عدم الإقدام على الحكم بالبدائل وتنويعها ، وإلا لكان لدينا منها موسوعة لا يستهان بها خلال الأعوام السالفة من انتظام العمل القضائي في المملكة . أما إيراد بعض تفاصيل التنفيذ فلست أرى أن تكون حكما ، بل تورد على هيئة رأي أو توصية غير ملزمة ؛ بعبارة : وأرى أن ... الخ ، ويترك الخيار في تنفيذه أو العدول عنه لجهة التنفيذ . وكنا نوصي في بعض أحكام الجلد بأن تكون في زمن معين أو مكان محدد ، وقد نوصي بمكان معين لتغريب السجين ، أو بأن لا تشمله تعليمات العفو عن السجناء ، وكانت جهات التنفيذ لا تحيد عن تلك التوصيات فيما نعلم . ========================== السؤال الرابع : تجربة خاصة في التعامل مع عدم تفاعل جهات التحقيق والضبط من الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء ؟ الجواب : لا يخلو قاضي من قضاة العالم من تجارب في صعوبة التعامل مع جهات التحقيق ، ولدي منها الكثير ؛ بعضها سأورده مفصلا في سلسلة : تشريعات قضائية لازمة . أما هيئة التحقيق والادعاء العام فجميع الإخوة الذين تعاملت معهم - من المحققين والمدعين العامين - كانوا مستجدين وفي بدايات عمل الهيئة ، وكان لرئيسهم السابق - أنعم به من رجل - كان له أثر في حسن سلوكهم ودماثة أخلاقهم ؛ ولا غرو فالقوم على سمت أئمتهم ورؤسائهم . لقد كانوا يتشوفون لرأي القاضي فيما يحررونه من لوائح ، ويبادرون لقبول الملحوظات المطروحة عليهم ، وكان تجاوبهم - فيما رأيت - جميلا جليلا . أسأل الله لهم التوفيق في أعمالهم . أما كثير ممن سبقهم فقد كانوا من غير المختصين ، وكان لهم أساليب يتناقلونها ويعتبرونها حقائق مسلمة ، دون إعمال الذهن في معناها ، ودون إدراك أنها من فضول الكلام وساقط الدلالات . مثل : استعراض الأدلة ضد المتهم ؛ فأول ما يبدأون به أدلتهم ضد المتهم : (1) دعوى المجني عليه ضده . وكأن الدعوى المجردة دليل على صدق مدعيها وعلى إدانة المدعى عليه فيها . ثاني الأدلة قولهم : (2) عجزه عن تحديد مكانه وقت الحادث . ولو قال المتهم لهم : كنت في منزلي بين أفراد أسرتي . فهذا عندهم عجز عن تحديد مكانه وقت الحادثة ؛ لأن أسرته لا تقبل شهادتهم له بذلك . وكأن المفروض على المتهم أن يبقى خارج منزله وبين أناس يعرفهم ويعرفونه ، حتى إذا اتهم في أمر ما كان باستطاعته إحضارهم للشهادة له . ثالث الأدلة قولهم : (3) تعرف المجني عليه على المتهم . ولست أرى فارقا بين رقم (1) ورقم (3) ، فمن ادعى على شخص بعينه لابد وأن يتعرف عليه غالبا ، فأين دقة الاستنتاج للدليل المثبت لإدانة المتهم . ومثل هذا لا يكون دليلا في كل ادعاء ؛ فلكل قضية ملابساتها وأدلتها التي لا تصلح إلا لها ولمثلها . ولذلك كان القاضي منا يهمل هذا التزيد في تكثير الأدلة ، ويقوم هو بعمل المحقق والمدعي العام ؛ ليستخرج الوقائع والأدلة من أوراق المعاملة ودفاتر التحقيق والتقارير الطبية والفنية ومن استجوابه للمدعي والمتهم والشهود في المجلس الشرعي . وكثيرا ما نعثر على أدلة تبرئ المتهم ، أو : على أدلة تدين آخرين لم يشملهم التحقيق ، وقد نجد أدلة إدانة للمتهم لم ينتبه لها المحققون ، ولولاها لما أدانت المحكمة المتهم أصلا . أما وقت إشراف الشرطة على التنفيذ : فحدث ولاحرج من الجهل في تطبيق الأحكام ، وأحيانا يجهلون كنه الحكم المطلوب تنفيذه ، وما ذلك إلا لعدم إعدادهم لهذه المهمات كما ينبغي . أما من حيث العموم : فالعلاقة بين جهات التحقيق والتنفيذ وبين القضاة يسودها التقدير والاحترام المتبادل ، والحرص على إنفاذ الأنظمة والتعليمات فيما يخدم المصلحة العامة . ========================== السؤال الخامس : هل من حل لتعذر احضار الخصوم واختفائهم ؟ وهل هناك من أحكام غيابية في القضايا الجنائية أم هي مستثناة ؟ الجواب : إن تعذر إحضار الخصوم في القضايا المدنية ليس مشكلة بالغة التعقيد ، فمتى ثبت لدى القاضي تبليغ الخصم بالموعد المحدد - بأي من طرق التبليغ المنصوص عليها في نظام المرافعات - فعليه أن يستمر في نظر القضية ، وينهي كافة إجراءاتها وله الحكم في القضية متى صلحت للحكم ، دون انتظار تفضل الخصم بالحضور للدفاع عن نفسه . ولا أرى للقاضي أن يهتم كثيرا لحضور الخصم ما دام النظام قد حدد الإجراء الواجب لغياب أي من المدعي أو المدعى عليه . أما في القضايا الجنائية فلاشك أن ذلك مستثنى كما جاء في المادة 141 من نظام الإجراءات الجزائية ؛ غير أنه - في نظري - ليس على إطلاقه ؛ إذ متى امتنع المتهم من الحضور لأي سبب من الأسباب فإن القضية تبقى معلقة وإن كانت صالحة للحكم ، وقد تلغى القضية بفوات مدة العشر سنوات التي تحددها بعض الأنظمة بشأن الجرائم التي تسقط بالتقادم . ولو نظرنا إلى العالم من حولنا لوجدناهم يطبقون أحكاما غيابية على المطلوبين للعدالة متى تعذر إحضارهم ، ويحفظون لهم حق الدفاع عن أنفسهم متى حضروا ، وفي عصر النبوة صدرت أحكام غيابية في قضايا جنائية ؛ كما جاء في إهدار دم ابن خطل حتى قتل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومثله إهدار دم كعب بن زهير رضي الله عنه ولم يمنع ذلك الحكم الغيابي من العفو عنه لما جاء تائبا ، وكذا ابن أبي السرح رضي الله عنه ولم يمنع ذلك من قبول شفاعة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه له . وفي الوقت الحاضر يمكن التضييق على المتغيب عن الحضور أو الممتنع عن التنفيذ بطرق شتى ، يسرها إمكانية ضبط مصالح المطلوب بجهاز الحاسب الآلي المركزي ، فلا يصدر له جواز ولا رخصة ولا مبايعة ولا تأشيرة ، وتقفل حساباته البنكية ، ويحجر على مخصصاته ورواتبه ، ويفصل عن منزله ومكتبه وممتلكاته جميع الخدمات التي لا يتعدى ضررها إلى غيره ، ونحو ذلك ؛ حتى يمتثل لطلب الحضور والتنفيذ . ========================== السؤال السادس : قرأت مقالك الرائع ((تشريعات قضائية لازمة . التعويض العادل)) لدي قضية مشابهة ولكن صاحب الملك يرغب بأرضه مهما كانت النتائج ويرفض التعويض . و مارأيك بالتعدي على ملك الغير بالغصب ونحوه أو بالفضول أو بإهمال القبض والتخلية وإنتقالها من يد لأخرى وأصر صاحب الملك المشتري على استيفاء حقه كاملا ورفضه للتعويض مع صعوبة وضع يده على ملكة لطروء تصرفات تالية من البائع الأول وهذه التصرفات معقدة و متشابكة على ملكة ؟ الدعوى كالمعتاد تقام على واضع اليد فقط هل من أراء أخرى فيها ؟ هل من قواعد عامة في التعامل معها ؟ الجواب : إصرار المشتري على المطالبة بالأرض - وهي غير مقدور على تسليمها - أخشى أن يؤثر لاحقا على مطالبته بالتعويض ، ولا وجه لإلزام البائع بالتخطيط ؛ لأنه ليس في يده ، ولا يمكن تحديد وقت لإنهاء إجراءات التخطيط ، إلا أن يقال بأن يوكل أمر التخطيط إلى مكتب مختص وأجره على البائع ، وهذا - وإن كان متجها - إلا أن ضعف جهاز التنفيذ يقف حجر عثرة في طريق هذا الحل . وههنا أربع حالات : 1/ إذا تصرف واضع اليد في الأرض بالبناء أو الزرع وهو يعلم بحق المدعي فيها ، فعند عدم التوفيق بين الأطراف : يحكم القاضي بإزالة الإحداثات ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه ( ليس لعرق ظالم حق ) ، وتسلم الأرض لمن هي له . 2/ إذا ثبت تغرير البائع بالمشتري الثاني ، وعند خوف الجور في إزالة الإحداثات ، ومع إصرار واضع اليد على إقرار وضع يده على الأرض ؛ فيحكم عليه بتعويض المشتري الأول بقيمة الأرض ، ويفهم : بأن له مطالبة البائع عليه بما يغرمه . 3/ للقاضي أن يحكم برفع يد المشتري الأخير وبتسليم الأرض وما عليها للمشتري الأول ، والحكم عليه بالتعويض عن البناء أو الزرع للمدعى عليه ، ويفهم المشتري الأخير : بأن له الرجوع على البائع عليه بقيمة الأرض دون البناء أو الزرع . 4/ العقار التي تتناقله الأيدي غير الظالمة يحكم بالتعويض عن قيمته للمدعي على البائع المغرر مباشرة ، ويقر وضع اليد كما هو . وكل ذلك : بحسب المصلحة التي يراها القاضي أو أهل الخبرة أو المحكمين ، ويتوافر فيها اجتناب أكبر الضررين ، أو يتحقق معها أعظم المصلحتين . ولا ينبغي أن يغيب عن القاضي أهمية إعمال قواعد الفقه في موضوع تعنت المشتري ، فالضرر لا يزال بالضرر ، والضرورة تقدر بقدرها ، والتعويض بقيمة المثل مع تغريم المتسبب نفقة المطالبة عدل لا يصار إلى ما هو دونه . وعند إقامة الدعوى على واضع اليد يسوغ للقاضي إدخال البائع المتسبب في الخطأ ، وتوجيه الدعوى ضده ، والحكم عليه بما يراه موافقا للأصول الشرعية ، فإن لم يوافق المشتري الأول : أفهم بأن ليس له إلا ذلك ، وأقر واضع اليد على ما هو عليه . ========================== السؤال السابع : هناك وثائق مبايعات قديمة لأراضي فيها من التضارب والتناقض والاختلاف مما سبب كثير من الخصومات وتداخل الحقوق وفيها من التقادم مما يجعل التثبت منها أمر متعسرا , هل رأي عام فيها وتجربة خاصة فيها ؟ الجواب : الوثائق والمبايعات القديمة إذا لم تكن ظاهرة الدلالة معلومة التفاصيل : فحكمها حكم المجهول ؛ الذي ينزل منزلة المعدوم ، فيبقى حينئذ وضع اليد ؛ الذي هو الدلالة الأقوى عبر العصور . ولا يسع القاضي السؤال عما يزيد الأمر تعقيدا ، فالقاضي إذا اتخذ الإجراءات النظامية بسؤال الدوائر ذات الاختصاص ، وأعلن للعموم في الصحيفة المحلية الأوسع انتشارا في مدينته ، وسمع دعاوى المعترضين وبيناتهم ، ولم يثبت لديه منها ما ينقل الملك عن واضع اليد فقد أدى ما عليه وبرئت ذمته ؛ إذ لا يمكن أن تبقى العقارات بلا ملاك ، ولا يمكن تعطيل مصالح الناس حتى يثبت واضع اليد تسلسل ملكيته أبا عن جد . وإثبات الملكية لا يمنع أحدا من إقامة الدعوى على طالب الاستحكام متى ظهر له حق في الملك ولو بعد صدور الحجة . والافتراضات المجردة عن الدليل ، والاحتياطات المبنية على الوهم والتخمين : من الوسواس ، الذي لا يخدم المصلحة العامة ، ولا يثمر في حاضر المجتمع ولا في مستقبل القاضي . وقديما قيل : والدعاوى ما لم يقيموا عليها *** بينات أصحابها أدعياء وللعلم : فالأملاك في الحواضر القديمة ليس في يد كثير من ملاكها الحاضرين ما يثبت قطعا انفرادهم بملكيتها تسلسلا ثابتا من اللاحق عمن سبقه بحيث لا يشاركه أحد في ما تحت يده ، لكن العمل استقر على إعمال غلبة الظن ، واعتماد قرينة وضع اليد ، وعدم وجود المعارض الأقوى لدعوى التملك ، وهو الذي بموجبه أقر الملاك على ما تحت أيديهم ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . ========================== السؤال الثامن : أتتني إمرأة لا تعرف أباها ويظهر أنها لقيطة وإنما تقول تربيت في بيت فلان وهذا الرجل نفى أن تكون بنته أو علمه بها وأنكر أي صلة بها أو أن تكون لقيطة وهو كبير في السن سيء الفهم والإفهام وتريد منه أوراقا ثبوتيه لها وأولادها سعوديون وهي أيضا كبيرة في السن وكل شهود حالها متوفين ويظهر أنها من الموالي وتستحي من كثير من تساؤلاتي و لاتملك أي أوراق ثبوتية وهي محالة من المحافظة للحكم بالوجه الشرعي , هل ترى أن تحال للداخلية لتصحيح وضعها .؟ الجواب : عليك الاحتساب بالبحث لهذه المرأة عما يجب لحل مشكلتها . ولا يفوتك : أنه لا ذنب لها فيما عمله والداها . عفى الله عنا وعنهم . = فاكتب للعمدة ، وإمام المسجد ، وجيران منزلها . = واجلب البالغ من أولادها ، وابحث في سجلات دراسته وشهادة ميلاده والمعرفين به ونحو ذلك . = واكتب لدار الرعاية الاجتماعية إن كان لديها سجل باسمها ؛ ولو مستعارا كما هو حال اللقطاء في بلادنا . = واسأل الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية في بلدك عن أي شيء بشأنها . من كل ما تقف عليه من أمرها تستطيع تحديد ما ينبغي إثباته من قبلك ، وما تحتاج أن تكتب به إلى وزارة الداخلية عن طريق المحافظة ؛ إن لزم الأمر . المهم : تجنب السلبية في التعامل مع هذه الأمور ؛ لأن القاضي الذي يقف موقفا إيجابيا في مثل هذه القضايا يكون مفتاحا للخير مغلاقا للشر . جعلنا الله وإياك منهم . ========================== السؤال التاسع : طريقتك في توزيع المهام الإدارية بين الموظفين ؟ الجواب : لكل قاض طريقة خاصة في توزيع الأدوار بين الموظفين بحسب عدد الموظفين ، مستوياتهم في الدراسة ، حسن الخط ، القدرة على تحمل المسؤوليات ، الرغبة في الاضطلاع بمهام أكبر ؛ وخصوصا مقدار الموثوقية التي يتحلى بها الموظف . وفي الغالب : يكون هناك موظف لكتابة الضبط ملازم للقاضي ، وآخر لضبط الإنهاءات العقارية ، وثالث للإنهاءات الأخرى ، ورابع للنماذج والمواعيد وحفظ المعاملات . ولابد من حسن المعاملة مع الموظف في المكتب القضائي بما يخدم العمل ويعمل على تسيير قضايا الناس بكل سهولة ويسر . وقد ذكرت نحوا مما يجب على القاضي في مقالة بعنوان : واجبات القضاة . في أربع حلقات ، وهذا رابط ما يخص زملاء وأعوان القاضي من تلك الواجبات : http://www.cojss.com/article.php?a=29 وتحديد نمط محدد لتوزيع المهام الإدارية بين الموظفين مرتبط بما تقدم ، وبأخلاقيات التعامل معهم . أسأل الله لي ولك دوام التوفيق لما يرضيه ========================== السؤال العاشر : كان لك مقال جميل عن العقال , فماذا يتبادر لذهنك عندما ترى قاضيا يلبس عقال ؟ الجواب : المقال عن العقال ليس المقصود منه ذات العقال ، ولكن المراد هو ما قسته عليه ( تقنين أحكام الشريعة ) ؛ التي تحكم ضبط معاملات الناس ؛ كما يضبط العقال الغترة على الرأس . أعد النظر في المقال لتعلم مغزاه ، ولا تنس الاطلاع على التعقيبات عليه ، وهذا رابطه : http://www.cojss.com/article.php?a=54 أما العقال فلا حرج - عندي - على من ينزعه ، ولا على من يلبسه ، ويكفي أنه لباسنا الوطني ؛ الذي واظب عليه ملوكنا ومسؤولو بلادنا ، بل هو لباس السواد الأعظم من مجتمعنا ، وما انفرد كثير من المتدينين باجتنابه ؛ إلا تورعا عنه غير صحيح ، أو تنزها من غير قبيح ، أو تزيدا بغير مليح . ========================== السؤال الحادي عشر : أصبحت أكثر صراحة , وأكثر تواصلا مع الاعلام , وأكثر انتاجا فكريا , هل هذا له علاقة بمباشرة القضاء وتركة أو البعد عن الجو القضائي ؟ الجواب : لم أكن يوما مداهنا لأحد ، ولا مجاملا على حساب عملي ، فلي صولات وجولات على جميع المستويات ؛ ملؤها الصراحة والجرأة في قول ما أراه حقا ، وقد يكون هذا هو سبب تجنبي المزاحمة على المجالس العامة ، وهو أيضا سبب اعتزالي صخب التواصل مع الرموز الدينية والإدارية ؛ حتى أن كثيرا منهم يسمع بي ولا يعرفني . وإني وإن كنت مقصرا في هذا الجانب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) . غير أن التسليم للغير بغير ما أراه صحيحا فن لا أحسنه ، وسبيل لا أسلكه ، ولا أستهوي من يمارسه ، فآثرت العزلة ، وصاحبت الكتاب ، وأنست بالوحدة . ومشاركاتي في الصحافة بدأت - على استحياء - عام 1418هـ ، ولم أكتب في الشأن القضائي بتخصص إلا عام 1426هـ ؛ لما رأيته من جنوح ظالم من قبل كثير من الكتاب بتحميلهم القضاء الشرعي مسؤولية التخلف والتأخر عن اللحاق بركب الأمم المتحضرة في نظمها وقوانينها ، فأبرزت في أكثر من مائة مقالة محاسن التشريع ، وشمولية الأنظمة ، وألقيت باللائمة على التطبيقات المعيبة ، وحملت القائمين عليها مسؤولية التقصير ، وجعلت مع كل نقد لممارسة ما طريقة مفصلة لإصلاح وضعها القائم ، ولم أنقد لذات النقد بل للإصلاح ، مقرونا بالطرق التي أراها مناسبة ، وبالخطوات التي أظنها لازمة للنهوض بالمؤسسة القضائية . حرس الله القائمين عليها والداعمين لهم من غيرهم . وكان لهذه المقالات وقع كبير على كثير من المثقفين والمسؤولين والقضاة في المحاكم العدلية والإدارية ، بل علمت بأن أقساما في بعض الجامعات جعلتها مادة للدراسة والتحليل ، واستند على كثير منها في الرسائل العلمية المتخصصة في الشأن القضائي . والله من وراء القصد ولاشك أن تفرغي للعمل في فريق التحكيم - خلال السنوات الأربع الأخيرة - كان له اليد الطولى في احتباس أدراعي وأعتدي في سبيل الله . أسأل الله حسن النية وصواب العمل . وإن كان ذلك لم يرق لبعضهم ، إلا أنهم عجزوا عن الرد علي في جميع ما نشر لي ، ولم يتعقبوا تلك المنشورات بما يصمها بالمبالغة أو عدم الصدق في أطاريحها ، فلجؤوا إلى الحجر على نشرها في الصحافة ، صحيفة تلو أخرى ؛ حتى لم أجد إلا هذا المركز الذي أنشأته لذلك الغرض قبل الحاجة إليه بسنتين . وأما البعد عن الجو القضائي فقد أرادوه دائما ، والله وحده هو الذي لا معقب لحكمه ، واقرأ إن شئت مقالة : شعرة القلب . على هذا الرابط : http://www.cojss.com/article.php?a=186 . والله الهادي إلى سواء السبيل ========================== السؤال الثاني عشر : هل القضاء وظيفة حساسة (بعبع) تجعل الشخص بالفعل منعتقا على نفسه يعيش ازدواجية شؤون خارجية وداخلية عامة وخاصة , يعيش الحذر من كل صغيرة وكبيرة ؟ وماعلاقته مع حريات المجتمع المسموحة ؟ الجواب : كنا نظن ذلك قبل ولوجنا هذا المعترك ، فلم نجد كبير فرق بين الحالين . غير أن من كان على شيء من التهاون قبل التحاقه بالسلك القضائي : فسيجد نفسه مضطرا للانغلاق للتجهيز للوضع الجديد . فإن تمكنت منه الحالة النفسية الأولى : فسيجد نفسه أمام وضعين متغايرين ، لابد لمثله أن يتخذ لكل منهما قناعا مناسبا ، فيلج دائرة النفاق الاجتماعي ، والتمظهر الكاذب ، والورع المزيف . ولست أرى لزوم الحذر من بعض المباحات ، فالناس تريد من المتدين ما يشجعهم على التواصل معه ، ويرغبهم في اقتفاء منهجه . والمتدين بحاجة إلى انقشاع ضباب الصورة المنقولة عنه من قبل المناوئين المغرضين ، ولا يكون ذلك بغير التسامح مع تلك الحريات المباحة اقترافا أو تقريرا . ولو عود المرء نفسه أن لا يفعل في خلواته إلا ما لا يخشى علم الناس به ، وقسر نفسه على ما هو محمود ، وأطرها على الحق قدر طاقته ؛ محتسبا ثواب ذلك عند الله ، مريدا به وجه الله : لكان له في ذلك فضل مجاهدة المرء هواه ، وهو أدعى إلى إعانة الله له على تحقق مراده ، وعلى وضع القبول له بين عباده ========================== السؤال الثالث عشر : فضيلة الدكتور نود نصيحه في كيفية اختيار القاضي الجهه التي سيلازم فيها من ( المحكمه , والشيخ الذي سيلازم عنده ) وهل لها اثر على شخصية القاضي ومركزه العلمي مستقبلا . الجواب : لا مجال لاختيار القاضي من قبل الملازم ، فتوجيه الملازم للقاضي من اختصاص رئاسة المحكمة ، وسيمر الملازم على أكثر من أربعة قضاة في المحاكم العامة واثنين في المحاكم الجزئية بحسب التعليمات الحالية . وليكن السؤال : كيف للملازم أن يأخذ بأحسن ما عند القضاة ، ويتحاشى ما يراه منهم من تقصير أو عيب . لقد لازمت ثلاثة من القضاة في آن واحد ، كان أحدهم هادئا ، حليما ، قليل الكلام ، متقنا في إدارة القضية وتوجيهها نحو الهدف ، معتنيا بكثرة التسبيب ، حريصا على السلامة من اللحن ، يشق عليه التصحيح في هامش الضبط . وكان الثاني مجليا في التعامل مع الخصوم ، ولصوته مقامات بحسب الحال ، يعلو تارة ويخفض تارة ، سليم القلب ، محب للفكاهة والترفيه عن موظفيه في أوقات الفراغ ، لم أر مثله في التفاعل مع تحليف الخصوم . ففي الوقت الذي تعرض فيه اليمين على الخصم بنبرة الحديث المعتاد من بعض القضاة ، تجد شيخنا هذا يرفع صوته مدويا ؛ محذرا من مغبة اليمين الغموس . ومتى خشي من كذب الحالف في يمينه قام من مقعده لتحليفه بصوت يخلع القلب ، وقد يقبض بيده يد الحالف ليجعلها على المصحف ، في مشهد تعبيري ، صادق الدلالة ، بعيد المغزى . وكان الثالث حسن الخط ، أريحي الخلق ، لا يجد حرجا في كتابة الضبط وقت انشغال الكاتب أو الملازم ؛ ولو لبرهة ، يجود بالنصح الصادق المقرون بالأمثلة والأحداث من القضاة السابقين . فأخذنا من كل منهم أحسن صفاته ، وكان لنا مع بعضهم مواقف نادرة ؛ ترتكز على الصدق والرغبة في الاستزادة من المعرفة . تعود - أخي الفاضل - أن تكون كالنحلة ؛ تقع على الزهرة طيبة الرائحة ، وتأخذ أعذب ما فيها ، وتترك أثرا لها عليها بما ينميها . ========================== السؤال الرابع عشر : ألاحظ أن بعض من لازمنا عندهم من حيث يشعرون أولا يشعرون ينفعلون إنفعالا مع الحق , يشعر فيه الطرف الذي جانبه الحق أن القاضي منحاز أو غير حيادي كما تعلم وتلاحظ من صروف الخصومات ، كيف تسيطر على انفعالاتك , هل تمارس نوعا من التوبيخ المستمر أثناء الترافع للضغط على الأطراف أو تصبر وتصدر رأيك أو وعظك أو توبيخك بعد قفل باب المرافعة؟. الجواب : الانفعال - أيا كان سببه - من الهفوات التي يقع فيها بعض القضاة ؛ خصوصا : أثناء نظر القضية ، وقبل الحكم فيها ؛ لأن الخصم شديد الحساسية من موقف القاضي من طرفي الدعوى ، ويريد أن يعرف : أهو معه أم ضده ، وقد يصنف القاضي مرات ومرات بحسب ما يراه وما يسمعه منه . من الحكمة : أن لا يدع القاضي للخصم مجالا لتصنيفه ، فمتى غلب على ظن الخصم أنه مغلوب فسيماطل في حضوره وفي إجاباته وفي إحضار بيناته ، بخلاف : ما لو بقي حائرا طامعا في الحكم له . في إحدى القضايا : اضطررت لطلب المعدلين لكل من شهود المدعي والمدعى عليه ؛ حتى لا يعلم الخصمان لمن سيكون الحكم ؛ ولأن المدعي كان ذكيا جدا وقادرا على الإخلال بنظام الجلسة ، لو ظهر له - قبل قفل باب المرافعة - أنه سيحكم عليه . وهذا لا يمنع من ضبط الجلسة بزجر ، أو : توبيخ ، أو : بنظرة عتاب ، أو : بتعزير بنحو سجن 24 ساعة ، أو : بتنظيم محاضر إساءة الأدب في المجلس الشرعي للتخويف وضمان التهدئة . وينبغي التماس العذر لكلا الخصمين في ما يصدر منهما أثناء المرافعة ؛ فكل منهما - في الغالب - يرى أنه على الحق ، ويلتمس العدل ، ولا يرضى بالظلم ، وقد يبدر منه ما يسوء مع الشد العصبي والانفعالات المتلاحقة تجاه من يريد أخذ حقه منه فيما يعتقده . ومن عليه الحق هو الأولى بالرفق من صاحبه ، وذلك بالتلطف معه عند استعراض بيناته ونقدها وبيان وجه كون الحق لصاحبه ، فإن وقع الحكم مؤلم على الطرف الخاسر في جميع الحقوق . ولا ينس القاضي أن حكمه قد يبطل ، أو يستدرك عليه من محكمة التمييز بما يضطره للرجوع عنه ، ولذلك : فتوازن موقفه من الطرفين لا يعرضه لشماتة من حكم عليه أولا . إياك والجدال مع القاضي ، وتجنب الحديث معه وقت إطراقه وتركيزه في ما يهمه ، ولا تقطع عليه تفكيره ولا حديثه مع غيرك ، ولا تعترض على فعله إلا بقولك : ما رأيك لو قلنا كذا ، أو فعلنا كذا وكذا ، ولا تخطئه في حكمه ، ولكن انقل له نصوص الحكم الذي تراه مناسبا في ورقة ، وأعطه إياها ، فإنها إن كانت حقا رجع إليه أو كانت لك معذرة ، وإن كانت خطأ أبان لك فاستفدت ولم تتعجل . اكتب ما تخشى فواته عليك من فوائد القاضي وإبداعاته ، وتذاكرها مع زملائك ؛ لتثبت في ذاكرتك ، ويعم بها النفع ، ولتقف على تعليق بشأنها قد يصححها أو يزيدها تأييدا . كان الله معك . ========================== السؤال الخامس عشر : هل تؤيد صفحة انترنت لمكتبك القضائي تراسل فيها الأطراف بمواعيد الجلسات وما يتأجل منها أو بعض الطلبات والنواقص أو بعض الظروف التي تستدعي المراجعة ؟ أو ترى فيها تجاوز اختصاص أو لا صلاحيات ؟ الجواب : اتخاذ القاضي صفحة إنترنت لمكتبه القضائي ( لا لشخصه ) أمر حديث يحتاج إلى ضبط على مستوى عام ، وأرى أن لا ينفرد القاضي به قبل اعتماده وتعميمه ؛ حتى لا يساء استخدامه ، فقد يتلقى عبرها شيئا من المضايقات . والوزارة الموقرة تستطيع إعداد برنامج يعمم على جميع القضاة ، ويربط بخادم الوزارة ، تعطى فيه كل قضية بريدا إلكترونيا خاصا ؛ يتراسل فيه القاضي مع أطراف القضية ، ويقفل حال انتهاء القضية وصدورها من القاضي للتنفيذ ، أو للاستئناف ، ويبقى محفوظا في مركز التحكم ؛ ليمكن الرجوع إلى ما فيه عند الحاجة . وللقاضي مراسلة الخصوم عبر الهاتف الجوال والبريد الإلكتروني ؛ لتحديد أو تغيير المواعيد ، أو لإضافة بعض الطلبات النظامية ؛ على أنه - قبل ضبط هذه التقانة نظاما - لا يمكن القاضي الاعتماد عليها والاستغناء بها عن المحضر والمواعيد الورقية ، ولا عن الإعذارات والإنذارات المقررة شرعا . ========================== السؤال السادس عشر : ما رأيك بطريقة القضاء الأمريكي عندما يعطي الصلاحيات للقاضي أو المدعي العام بعقد اتفاقيات أحكام مخففة بحال كذا ومشددة في حال كذا عدم اعترافه أو نحوه ؟ هل يمكن الاستفادة منه في قضائنا الشرعي , بمعنى أن يكون هناك تواصلا بين القضاة وبين المحققين والمدعين حول رأيهم في تعاون المتهم أو انصلاح حاله في السجن كما هو ملاحظ في دور الملاحظة الاجتماعية وماللمشرف الاجتماعي من دور يستأنس به لاصلاح الحدث ؟ وفي الجانب الآخر لاحظنا أن هذه الصلاحيات في القضاء الأمريكي حاد عن خطه العدلي والاصلاحي وكان سببا في الفساد عندما أصبحت هذه الصفقات تستغل في الاضرار بالآخرين أو لتحييد القضية والضغط الظالم من قبل المحققين كما في قضية حميدان التركي عجل الله بفك أسره؟ الجواب : المقصود الأسمى من القاضي هو تحقيق العدالة على وجه أدق وأشمل وبالسرعة الممكنة ، وكل ما ساعد على ذلك فهو مطلوب مرغوب . والثقة المفترضة في القاضي لا تعطيه الحرية المطلقة ، بل له أن يقرر ما يراه مناسبا ، مستحضرا : خضوع قراراته للتدقيق ، وشمول شخصه بالتحقيق ؛ فيما لو تعمد أمرا ليس إليه سلبا أو إيجابا . وتمكين قاضي التنفيذ من دراسة حالة السجين مع المختصين ينبغي أن يتبعه إعطاؤه صلاحية تخفيف المحكومية بنسبة محددة نظاما ، كما لا يمنع أن يعطى صلاحية العرض لحاكم القضية عن استبدال العقوبة ؛ معللا ذلك بما رآه من حال السجين ، أو سمعه من المشرفين على السجن ، أو اطلع عليه من تقارير طبية أو نفسية أو اجتماعية ونحوها . واعلم - أخي الكريم - أن الصلاحية المطلقة مفسدة مطلقة ، وأن ضبط الأمور بنظم وقوانين واضحة محددة ، وربطها بجهة واحدة - لتفسير غامضها وتبيين مجملها - يمنع من الوقوع في التجاوزات والتناقضات في الحكم أو في العفو عنه . واعلم أن حيادية القاضي واستقلال المؤسسة القضائية هما دعامتا سلامة الحكم من عوامل التعرية العدلية الخارجية . والله أعلم وأحكم . -
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع