فقهيات الحمد لله وحده :
روى البخاري : عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ * لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ * .
من هذا الأصل الشرعي الصحيح الصريح انطلق علماء الجزيرة ؛ يأمرون الناس بكل معروف يرونه خيراً لأنفسهم ؛ حباً لعباد الله ، ونشراً للخير بين المسلمين .
ومنه أيضاً نهوا عن كل منكر يرونه شراً عليهم ، وشددوا في جانب النهي ؛ تطبيقاً لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * .. .. فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ : فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ : فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ * .

ولأن البدع في الدين تهدم ولا تبني ، فما قامت بدعة في أرض إلا وماتت بذلك سنة . نسأل الله السلامة .
وتشديد علماء الجزيرة في جانب التوحيد والعقيدة لَه أصله في الشرع .
فالمصطفى عليه الصلاة والسلام أقام بمكة يدعو لتوحيد الله جل جلاله ثلاث عشرة سنة ، ولم تشرع الصلاة مع الدعوة إلى توحيد الله إلا قبل الهجرة بسنة واحدة .

فتطهير جناب التوحيد أول الواجبات وأهم الفرائض ؛ أرأيت : أن الآكل يغسل يده من القذر قبل الأكل ، ومريد الجلوس والنوم يتعاهد وِطاءه وفراشه قبل الجلوس والنوم ، فيزيل ما يكدر عليه جِلسته ومنامه .

وعلموا من أدلة الشرع ما لا يجب منهم ؛ وهو أن لا يُعبد الله بغير ما شرعه ؛ قال تعالى (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) .
ومن أين للعباد أن يعلموا الإذن من الله بما هو مشروع لهم من أمور الدين ؛ إلا أن يرد في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أو أن يأتي به حديث صحيح صريح من المصطفى عليه أفضل الصلوات والتسليم .

وقد درج علماء هذه البلاد على الحرص على ما ينفع المسلمين في أمر دينهم وعلاقتهم بربهم والقيام بواجب الله عليهم وتحقيق الحكمة التي خلق الله الخلق لها وهي عبادته وحده لاشريك لَه .
(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) .
فأزالوا كل ما ينافي كمال التوحيد ، بعد أن حطموا ما يمس أصله وأساسه . رحمهم الله رحمة واسعة ، وغفر الله لنا ولهم الخطأ والزلل اللذين لا يسلم منهما أيٌ من بني آدم ؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ * .

وكان من السنن التي أقامها دعاة الخير في هذه البلاد :
ـ التفقُّد في صلاة الفجر .
ـ والدعوة للصلاة حال دخول وقتها ؛ على صفة لم تعهدها بلاد الإسلام منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً .
ودليلهم على ذلك :
1/ روى البخاري : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا ؛ وَلَوْ حَبْوًا ، لَقَدْ هَمَمْتُ : أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ * .
وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتفقد صحابته ، فيعرف الحاضر منهم والغائب ، ولذلك : توعد من لا يخرج منهم إلى الصلاة بالتحريق .

2/ روى أبو داود : عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا الصُّبْحَ ، فَقَالَ : أَشَاهِدٌ فُلَانٌ . قَالُوا : لَا . قَالَ : أَشَاهِدٌ فُلَانٌ . قَالُوا : لَا .
قَالَ * إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا ؛ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ ، وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى *
وهذا شاهد على التفقد لصلاة الفجر ؛ يُذكر فيه اسم الواحد من جماعة المسجد لينبئ عن نفسه إن كان حاضراً ، أو يُخبر المتفقِّد بعدم حضوره .

3/ روى مالك : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ .
وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ ؛ وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ، فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ ، فَقَالَ لَهَا : لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ . فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ . فَقَالَ عُمَرُ : لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً .
وهذا يعني : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفتقد من لم يحضر صلاة الصبح من المسلمين ، وزاد رضي الله عنه بأن سأل عن المتخلف في سكنه وتتبعه ليعلم عذره .

4/ روى مالك : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَلَقِيَ رَجُلًا لَمْ يَشْهَدْ الْعَصْرَ ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا حَبَسَكَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ . فَذَكَرَ لَهُ الرَّجُلُ عُذْرًا . فَقَالَ عُمَرُ : طَفَّفْتَ .
وهذا يعني : أن التفقد لا يخص صلاة الصبح عند السلف يرحمهم الله بل كان للتفقد في صلاة العصر حظاً .
وإن كان علماء هذه البلاد لم يعملوا بالتفقد لصلاة العصر فلأنه عسير على جماعة المسجد لتباعد المسافات بين أطراف المدن وأماكن الحاجات . والمشقة تجلب التيسير .
أما الفجر : فلا عذر لأحد في عدم التواجد في بيته ؛ إلا من سفر أو مرض .

===============

أما أدلة التذكير بدخول وقت الصلاة :
1/ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ * كَانَ يَمُرُّ بِبَابِ فَاطِمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِذَا خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ ؛ يَقُولُ * الصَّلَاةُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * .
وهذا يدل : على أن المشروع أن ينادي المحتسب بالصلاة ؛ ليستيقظ النائمون عنها ، فيصلوها قبل خروج وقتها .

2/ ومن حديث طويل لأَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طِخْفَة َ قال * .. .. .. ثُمَّ خَرَجْنَا ، فَأَتَيْنَا الْمَسْجِدَ ، فَاضْطَجَعْتُ عَلَى وَجْهِي ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَعَلَ يُوقِظُ النَّاسَ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ .
وَكَانَ إِذَا خَرَجَ يُوقِظُ النَّاسَ لِلصَّلَاةِ ، فَمَرَّ بِي ؛ وَأَنَا عَلَى وَجْهِي ، فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ . فَقُلْتُ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طِخْفَةَ . فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَكْرَهُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ * .

3/ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَال : أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْعَتَمَةِ ، حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا ، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا ، فَقَامَ عُمَرُ ، فَقَالَ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ .
وهذا دليل على : عمل الصحابة بهذه السنة في حياته صلى الله عليه وسلم ، وأنه لم ينكر على من قام بها ؛ وهو المعني بالتذكير بها .

4/ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ : خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ ، حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَبَدَتْ النُّجُومُ ، وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ . قَالَ : فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ؛ لَا يَفْتُرُ وَلَا يَنْثَنِي : الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ .. .. إلى آخر الأثر .
وفي هذا دليل : على أن من المعروف لدى الصحابة التذكير بالصلاة ؛ حتى من الأدنى للأعلى قدراً أو علماً ونحوه .

ـ ها أنت ترى : أن ما عابه البعض على أهل نجد بحجة أنه بدعة ، قد جاء ما يسنده في السنة الصحيحة الصريحة ، وفي عمل الصحابة ، ومنهم الخلفاء الراشدون . رضي الله عن الجميع .
ولولا خشية الإطالة لذكرت الأحاديث كلها ؛ برواياتها ، وما تحويه من زيادات ؛ لا تخلو من فائدة .
إلا أنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق . والله أعلم .




-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4148 | تأريخ النشر : الاثنين 6 شوال 1421هـ الموافق 1 يناير 2001م

طباعة المقال

إرسال المقالة
التفقد في صلاة الفجر الحمد لله وحده : روى البخاري : عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال * لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه * . من هذا الأصل الشرعي الصحيح الصريح انطلق علماء الجزيرة ؛ يأمرون الناس بكل معروف يرونه خيرا لأنفسهم ؛ حبا لعباد الله ، ونشرا للخير بين المسلمين . ومنه أيضا نهوا عن كل منكر يرونه شرا عليهم ، وشددوا في جانب النهي ؛ تطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم * .. .. فإذا نهيتكم عن شيء : فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر : فأتوا منه ما استطعتم * . ولأن البدع في الدين تهدم ولا تبني ، فما قامت بدعة في أرض إلا وماتت بذلك سنة . نسأل الله السلامة . وتشديد علماء الجزيرة في جانب التوحيد والعقيدة له أصله في الشرع . فالمصطفى عليه الصلاة والسلام أقام بمكة يدعو لتوحيد الله جل جلاله ثلاث عشرة سنة ، ولم تشرع الصلاة مع الدعوة إلى توحيد الله إلا قبل الهجرة بسنة واحدة . فتطهير جناب التوحيد أول الواجبات وأهم الفرائض ؛ أرأيت : أن الآكل يغسل يده من القذر قبل الأكل ، ومريد الجلوس والنوم يتعاهد وطاءه وفراشه قبل الجلوس والنوم ، فيزيل ما يكدر عليه جلسته ومنامه . وعلموا من أدلة الشرع ما لا يجب منهم ؛ وهو أن لا يعبد الله بغير ما شرعه ؛ قال تعالى (( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )) . ومن أين للعباد أن يعلموا الإذن من الله بما هو مشروع لهم من أمور الدين ؛ إلا أن يرد في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أو أن يأتي به حديث صحيح صريح من المصطفى عليه أفضل الصلوات والتسليم . وقد درج علماء هذه البلاد على الحرص على ما ينفع المسلمين في أمر دينهم وعلاقتهم بربهم والقيام بواجب الله عليهم وتحقيق الحكمة التي خلق الله الخلق لها وهي عبادته وحده لاشريك له . (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) . فأزالوا كل ما ينافي كمال التوحيد ، بعد أن حطموا ما يمس أصله وأساسه . رحمهم الله رحمة واسعة ، وغفر الله لنا ولهم الخطأ والزلل اللذين لا يسلم منهما أي من بني آدم ؛ قال صلى الله عليه وسلم * كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون * . وكان من السنن التي أقامها دعاة الخير في هذه البلاد : ـ التفقد في صلاة الفجر . ـ والدعوة للصلاة حال دخول وقتها ؛ على صفة لم تعهدها بلاد الإسلام منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا . ودليلهم على ذلك : 1/ روى البخاري : عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم * ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ؛ ولو حبوا ، لقد هممت : أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلا يؤم الناس ، ثم آخذ شعلا من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد * . وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتفقد صحابته ، فيعرف الحاضر منهم والغائب ، ولذلك : توعد من لا يخرج منهم إلى الصلاة بالتحريق . 2/ روى أبو داود : عن أبي بن كعب قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح ، فقال : أشاهد فلان . قالوا : لا . قال : أشاهد فلان . قالوا : لا . قال * إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ؛ ولو حبوا على الركب ، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة ، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه ، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى * وهذا شاهد على التفقد لصلاة الفجر ؛ يذكر فيه اسم الواحد من جماعة المسجد لينبئ عن نفسه إن كان حاضرا ، أو يخبر المتفقد بعدم حضوره . 3/ روى مالك : أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح . وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ؛ ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي ، فمر على الشفاء أم سليمان ، فقال لها : لم أر سليمان في الصبح . فقالت : إنه بات يصلي ، فغلبته عيناه . فقال عمر : لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة . وهذا يعني : أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفتقد من لم يحضر صلاة الصبح من المسلمين ، وزاد رضي الله عنه بأن سأل عن المتخلف في سكنه وتتبعه ليعلم عذره . 4/ روى مالك : أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر ، فلقي رجلا لم يشهد العصر ، فقال عمر : ما حبسك عن صلاة العصر . فذكر له الرجل عذرا . فقال عمر : طففت . وهذا يعني : أن التفقد لا يخص صلاة الصبح عند السلف يرحمهم الله بل كان للتفقد في صلاة العصر حظا . وإن كان علماء هذه البلاد لم يعملوا بالتفقد لصلاة العصر فلأنه عسير على جماعة المسجد لتباعد المسافات بين أطراف المدن وأماكن الحاجات . والمشقة تجلب التيسير . أما الفجر : فلا عذر لأحد في عدم التواجد في بيته ؛ إلا من سفر أو مرض . =============== أما أدلة التذكير بدخول وقت الصلاة : 1/ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ؛ يقول * الصلاة يا أهل البيت ؛ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * . وهذا يدل : على أن المشروع أن ينادي المحتسب بالصلاة ؛ ليستيقظ النائمون عنها ، فيصلوها قبل خروج وقتها . 2/ ومن حديث طويل لأبي عبد الله بن طخفة قال * .. .. .. ثم خرجنا ، فأتينا المسجد ، فاضطجعت على وجهي ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يوقظ الناس : الصلاة الصلاة . وكان إذا خرج يوقظ الناس للصلاة ، فمر بي ؛ وأنا على وجهي ، فقال : من هذا ؟ . فقلت : أنا عبد الله بن طخفة . فقال : إن هذه ضجعة يكرهها الله عز وجل * . 3/ عن ابن عباس قال : أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بالعتمة ، حتى رقد الناس واستيقظوا ، ورقدوا واستيقظوا ، فقام عمر ، فقال : الصلاة الصلاة . وهذا دليل على : عمل الصحابة بهذه السنة في حياته صلى الله عليه وسلم ، وأنه لم ينكر على من قام بها ؛ وهو المعني بالتذكير بها . 4/ عن عبد الله بن شقيق قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر ، حتى غربت الشمس وبدت النجوم ، وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة . قال : فجاءه رجل من بني تميم ؛ لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة .. .. إلى آخر الأثر . وفي هذا دليل : على أن من المعروف لدى الصحابة التذكير بالصلاة ؛ حتى من الأدنى للأعلى قدرا أو علما ونحوه . ـ ها أنت ترى : أن ما عابه البعض على أهل نجد بحجة أنه بدعة ، قد جاء ما يسنده في السنة الصحيحة الصريحة ، وفي عمل الصحابة ، ومنهم الخلفاء الراشدون . رضي الله عن الجميع . ولولا خشية الإطالة لذكرت الأحاديث كلها ؛ برواياتها ، وما تحويه من زيادات ؛ لا تخلو من فائدة . إلا أنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق . والله أعلم . -
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع