|
نشرت في مجلة اليمامة العدد 1905 وصحيفةاليوم العد 12331
قضائيات استلمت وثيقة شهادة الدكتوراه من يد الأمير المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله أمير منطقة الرياض ، ثم سارعت إلى كتابة خطابين لكلٍ من معالي : وزير العدل ومعالي رئيس مجلس القضاء الأعلى ، مرفقٌ بكلٍ منهما صورةً مصدقةً من الوثيقة ، أزُفُّ في الخطابين البشرى بحصول أحد أبناء الجهاز القضائي على شهادة العالمية العالية ، وما هي إلا بضعة أيام حتى تلقيت خطاباً غالياً من معالي وزير العدل وفقه الله ؛ يهنئ فيه بإدراك تلك الدرجة العليا ، ويدعو فيه بدعواتٍ رقيقاتٍ . أسأل الله أن لا يحرمني وإياه وجميع المسلمين من قبولها واستجابتها .عندها أدركت : أن القضاءَ لن يزال بخيرٍ ما دام ذلك الرجلُ وأمثاله يَلُونَ أَمْرَه ، وكان لذلك التفاعل من معاليه أَثَرُهُ البالغُ في نفسي ؛ فجزاه الله عني خير الجزاء وأجزله ، وقد ظهر أثر ذلك وانعكس على ما بذلته وزملائي في إنجاز اللوائح التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية ، وفي بذل الوسع للتحضير للوائح التنفيذية لنظام السجل العيني للعقار ؛ التي أتمها الله على أيدي رجالٍ من أفاضلِ القضاة نفع الله بهم .
من ذلك رأيت لزوم الكتابة عن حقوق القضاة المعنوية ؛ لما لها من أثرٍ ظاهرٍ على الأداء وحسن سير الأعمال في جميع القطاعات ، وأوجزت ذلك في أمور :
أولاً / اللقاءات الخاصة :
يعمد بعض القضاة إلى زيارة المسؤولين في وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى بقصد السلام فقط ، أو التهنئة بالعيد ، أو بسلامة الوصول من سفر ونحوه ؛ سواءٌ : في الرياض ، أو في الطائف .
وهذه زيارات مجاملة يتقنها البعض ؛ وإن كانت على حسابِ أعمالهم وأجزاءَ غاليةٍ من أوقات دوامهم .
ولله در المسؤول الذي يجعل مكان مثل هذه الاستقبالات في منزله مرة أو مرتين كل أسبوع .
أما اللقاءات المقصودة فهي التي يُرَادُ منها مصلحة القاضي بطلب نقلٍ ونحوه ، أو مصلحة العمل بطلب مشورة أو شرحِ موقفٍ ما ، والتي يحتاج القاضي فيها إلى لقاءٍ مختصر وخلوة بالمسؤول لا تطول عادة .
ولو أدرك المعنيون بالأمر أهميتها وأثرها في نفوس القضاة لما تأخروا عن تحقيقها ، بدلاً عن إدخال بعض القضاة في مجموعات أو برفقة المراجعين من أصحاب المعاملات ؛ الأمر الذي يمنع القاضي من الإفصاح بكل ما لديه ، فيعود أدراجه لم يدرك شيئاً ، ولم يسلم من عناء الأسفار وهدر الأوقات بلا فائدة .
ثانياً / قرارات التدقيق :
أدركت وزملائي الرعيلَ الأولَ من قضاة محكمة التمييز والهيئة القضائية العليا ، وطَعِمنا حلاوةَ تعبيراتهم في تدقيق الأحكام ، وقت أن كان التعامل بين القاضي وبين جهات التدقيق تعاملاً مهذباً ؛ سواءٌ : في التعبير عن الملحوظات ، أو : عن تصديق الأحكام ، لقد كانت تلك التعبيرات ممزوجةً بالتماس الأعذار عند الاستدراك على القاضي ، ومُتَوَّجَةً بعبارات الثناء على ما يقوم به القاضي من جهدٍ وحسن إدراك مُوصِلٍ للحكم الصائب ، ولم نكن نتلقى العبارات القاصرة والتعبيرات الجوفاء مثل ( لم نجد ما يوجب النقض ) أو ( لم نر ما يوجب الملاحظة !! ) هكذا !! ، مع أن التعبير بلفظ ( الملاحظة ) عن الملحوظة خللٌ ظاهر ، وخطأٌ لغويٌ سافر ؛ فالملاحظة صيغة مفاعلة تكون من جانبين ، بخلاف الملحوظة التي لا تكون إلا من جانب واحد .
أما عبارات التصديق الأصيلة فمنها ( قررت الهيئة صحة الحكم ) ومنها ( قررت الهيئة أن الحكم صحيح وموافق للأصول الشرعية والنظامية ) ونحو ذلك .
ومن حقوق القضاة المعنوية العودة إلى فيض ذلك المعين الصافي ، الدافع للإبداع ، المُسعِدِ للأسماع .
ثالثاً / التفتيش :
إذ يشتكي كثيرٌ من القضاة من أخلاقيات قِلَّةٍ من المفتشين عند التحقيق في قضية ما ؛ ولعل ذلك بسبب شيوع مبدأ لبعض رموزهم البائدة ، وهو أن ( القاضي متهمٌ حتى تثبت براءته ) لا العكس ؛ الذي نصت الشرائع على صحته ولزوم تطبيقه في حَقِّ كُلِّ مُتَّهَمٍ .
ويذكر ضحايا تلك السجايا الشاذة : أن المفتش يأتي مشحوناً بالانفعالات ، محملاً بالتوجيهات ؛ لِتَطَلُّبِ العثرات ، واستنباط الزَّلاَّت ؛ ولو باللجوء إلى إغراء أو تهديد القاضي أو موظفيه ؛ لَعَلَّه يدرك شيئاً فينفخ فيه لتضخيمه .
ونحمد الله أن ذلك غيرُ شائعٍ فيهم ؛ وإن كان موجوداً حقيقةً ، ولقد أدركت ثلاثةً من خيرة أسلافهم ؛ يقعون على الحسنة كما يقع النحل على الأزهار ، ويشيدون بما يرون من تَمَيُّزٍ ، ويلتمسون الحلول لما قد يرون من قصور ، بارك لهم في أعمالهم وأعمارهم وذراريهم .
ومن حقوق القضاة المعنوية التأدب معه ومع موظفيه ، كما ينبغي أن يفعله القاضي مع الخصوم سواءً بسواء ولا فرق ! .
وليعلم أولئك القلة الشاذة أن ما يحقق المصلحة العامة هو : خلوص النية لله في أداء العمل ، لا الانقياد للاجتهاد الموجَّه من هنا وهناك ، فقديماً قال الشاعر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى = فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهاده
رابعاً / المشاركة في القرارات :
يَعْمَدُ الكثير من الدوائر في سبيل تطوير أدائها إلى استطلاع رأي منسوبيها ؛ لمعرفة آراء ذوي الاختصاص في مناطق عدة ، ومن مجموع تلك الاقتراحات - مضافاً إليها الخبرات العالية والتجارب الطويلة للمسؤولين - يُمكِنُ صياغة القرارات ، وابتداع الأنظمة المناسبة الجامعة لكثيرٍ من المزايا الخالية من الكثير من الأخطاء .
غير أن العمل لدينا جارٍ على خلاف ذلك ؛ إذ لم يسبق لمجلس القضاء الأعلى أن استطلع آراء جميع القضاة في أيٍ من أمور القضاء ، كما لم يسبق للمجلس أن بعث أيَّ استبيان حيال الإجراءات ، أو : بشأن توحيد الاجتهاد في أيٍ من الأحكام ، وقد يكون مرد ذلك إما : للثقة المطلقة بما يراه أعضاء المجلس فقط ، أو : لعدم الثقة أصلاً في رأي أفراد القضاة ، وقد ينضاف إليهما : الخشية من استمراء القضاة تلك المشاركات ، مما قد يؤدي إلى الاعتراض منهم مستقبلاً على ما لم يشاركوا في صُنعِه أو يُسْتَفْتَوا بشأنه .
وتلك - لعمري - الداهية الدهياء !!! .
فمن حقوق القضاة المعنوية المشاركة في صنع الحلول ، وصياغة الأسباب ، واستنباط العلل ، وافتراض الأحكام المناسبة ، وتكوين مدونة السوابق القضائية .
فهل نُضيء للقضاء والقضاة شموع الأمل في نهاية النفق المظلم ؟! .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4440 | تأريخ النشر : السبت 8 ربيع الثاني 1427هـ الموافق 6 مايو 2006ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|