قضائيات وردتني رسالة هاتفية من الأخ الفاضل : عبد العزيز البنيان . من قناة الاقتصادية ، ونص المقصود منها :
السلام عليكم .. هل التشهير عقوبة شرعية ؟، وهل تستخدم حسب نوع المخالفة ؟. انتهى

وللبيان : لابد من إيضاح معنى التشهير في لغة العرب وفي اصطلاح الفقهاء ، ثم بيان مشروعية التشهير وأدلتها بإيجازٍ يقتضيه المقام .

والتشهير في اللغة : من الإشهار ، وهو : الإيضاح والظهور ، ضد : الإسرار والإخفاء . وقد يستخدم في الخير ؛ مثل : إشهار الزواج ، وتكريم الفائزين والمبدعين .
لكنه غلب على استعماله في الشر .

وهو في الاصطلاح : إشاعة السوء عن إنسانٍ ، وفضحه بين الناس .
ومنه : الإخزاء ؛ من الخزي ، الذي هو : الهوان بالوقوع المذل في البلية والشر والشهرة .
وقيل : هو الانقماع لقبح الفعل . والخزاية : الاستحياء ؛ لأنه انقماع عن الشيء لما فيه من العيب ؛ والاستحياء يكون من سوء فعل المستحيي ، أو من قبح فعلٍ به .
قال الشاعر :
فإني بحمد الله لا ثوبَ عاجزٍ *** لَبِستُ ، ولا مِن خِزيَةٍ أتقنَّعُ
ويقال للرجل : خَزْيانٌ ، وللمرأة : خَزْيا . وهو : الذي عَمِل أمراً قبيحاً ، فاشتدَّ لذلك حياؤه وخَزَايَتُهُ . والجمع : خَزَايا.

والمُخْزَى في اللغة : المُذَلُّ المَحْقُورُ بأَمْرٍ قد لزمه بحُجَّة .
والخزي يكون في الدنيا ، ويكون في الآخرة ؛ كما جاء في الكتاب العزيز ، وقد يأتي ذكره في الدنيا ، ويقابله في الآخرة العذاب العظيم والأشد والأكبر والأخزى .
وفي الدعاء : اللّهُمّ احْشُرْنا غير خَزَايا ولا نادمين ، أي : غير مُسْتَحْيِينَ من أعمالنا .
ومنه : قول الله عزَّ وجلَّ حكاية عن لُوطٍ . أنه قال لقومه { فاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخزُونِ فِي ضَيْفِي } ، يقول : لا تفضحُوني .

والفضيحة : اسم لكل أمرٍ سَيِّءٍ يَشْهَرُ صاحبه بما يسوء ، ويقال : افتُضِحَ الرجل افتضاحاً ، إذا ركب أمراً سيئاً فاشتُهِرَ به .

ومن مرادفات التشهير : التشنيع ، والإشاعة ، والفَضْح ، والإعلان ، والكشف .

أنواع التشهير : مشروع ، وممنوع .
والممنوع منه : ما كان بغير حق ؛ مثل ما جاء في قول الله تعالى { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } .

والتشهير المشروع ينقسم إلى أقسام عدة ؛ بحسب اعتباراته :-
1/ فمن حيث المستند ، ينقسم إلى : نصيٍّ ، واجتهادي .
فالمنصوص : مثل قول الله تبارك وتعالى في عقوبة الزانية والزاني { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } .
والاجتهادي : ما يراه القاضي باجتهاده رادعاً وزاجراً ؛ مثل جلد المجرم في الأماكن العامة ، أو النشر عن جريمته في وسيلة إعلامية .

2/ ومن حيث المكان ، ينقسم إلى : محدود ، وشائع .
فالمحدود منه : ما يكفي وصول خبر الجريمة إلى فئة من الناس ؛ كأهل السوق ، أو أهل المدينة ، أو طائفة .
والشائع : ما يكون التشهير به عاماً على أهل بلده وغيرهم ؛ كما لو نشر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ؛ ليصل خبره إلى أكبر قدر ممكن من الناس .

3/ ومن حيث الزمان ، ينقسم إلى : دائم ، ومنقطع .
والدائم منه : ما خلد في الكتاب والسنة خبر سوء فعله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة ، ومنه : ما قدر الله على صاحبه أن يسطر سوء فعله في كتب التواريخ والتراجم والسير .
والمنقطع : ما ينتهي قريباً من وقت حصوله ، ويلفه النسيان .

4/ ومن حيث اللزوم ، ينقسم إلى : حديٍّ ، وتعزيري .
والحدي منه : ما لا يسوغ الحيدة عنه أبداً عند الحكم به ؛ كالصلب في عقوبة المحارب ، والجلد في عقوبة الزاني .
والتعزيري : ما يجوز للحاكم العفو عنه لأحدٍ دون أحد ؛ تحقيقاً لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلاَّ الْحُدُودَ ) رواه أبو داود وصححه الألباني .

5/ ومن حيث الوسيلة ، ينقسم إلى أقسام تتجدد ولا تنحصر ، فمن المأثور :-
أولاً/ التعريض لسخط العامة :
روى البيهقي وصححه الألباني : عن أبي هريرة ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشكُو جَارَهُ ، فَقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِصْبِرْ ، ثم أتاه الثانية يشكو ، فَقَالَ له النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِصْبِرْ ، ثم أتاه يشكو ، فَقَالَ له : اِصْبِرْ ، ثم أتاه الرابعة يشكوه ، فَقَالَ : اِذْهَبْ!، فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ ، فَضَعْهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ . فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ إِلا قَالَ لَهُ : شَكَوْتُ جَارِيْ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اِذْهَبْ!، فَأَخْرِجْ مَتَاعَكَ ، فَضَعْهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ . فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ إِلا قَالَ : الَّلَهُمَّ اِلْعَنْهُ ، الَّلَهُمَّ أَخْزِهِ . قَالَ : فَأَتَاهُ ، فَقَالَ : يَا فُلانُ!، اِرْجِعْ إِلَى مَنْزِلِكَ ؛ فَوَاللهِ لا أُوْذِيْكَ أَبَدَاً ) .

ثانياً/ الهجر في الكلام ؛ كما حصل مع كعب بن مالك رضي الله عنه بعدما تخلف عن غزوة تبوك ، روى البخاري ومسلم عنه رضي الله عنه قوله ( .. .. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً .. ) الحديث

ثالثاً/ الفصل بين الجاني وزوجته ؛ كما حصل - أيضاً - مع كعب بن مالك رضي الله عنه في نفس القضية ومما جاء في روايته قوله رضي الله عنه ( حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ قَالَ لا بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلا تَقْرَبْهَا .. ) الحديث

رابعاً/ الهجاء ؛ روى الشيخان عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ ( اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ ) . وفي رواية لمسلم : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( اهْجُوا قُرَيْشًا!؛ فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ ) .

خامساً/ الإخبار عن سوء الفعل ؛ روى ابن أبي عاصم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ عَذِيرِيْ مِنْ فُلانٍ أَهْدَىْ إِلَيَّ بِجَفنَةٍ ؛ فَكَأَنَّمَا نَظَرتُ إِلَى بَعضِ أَهْلِي ، فَأَتَيْتُهُ بِسِتِّ بَكْرَاتٍ ، فَظَلَّ يَتَسَخَّطُ عَلَيَّ ، وأيْمُ اللَّهِ !، لا أَقْبَلُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا مِنْ أَحَدٍ هَدِيَّةً ؛ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُهَاجِرًا قُرَشِيًّا ، أَوْ أَنْصَارِيًّا ، أَوْ دَوْسِيًّا ، أَوْ ثَقَفِيًّا ) . ورواه أبو داود والترمذي مختصراً وصححه الألباني .

ومن وسائل التشهير الحادثة :
1/ الإعلان في القنوات الفضائية بالصوت والصورة .
2/ النشر في الصحف وفي المواقع والمنتديات عبر شبكة المعلومات الرقمية ( الإنترنت ) .
3/ استخدام تقنيات البلوتوث والرسائل الإلكترونية ( eMail , sms ( .
4/ الإشاعة عن طريق المنشورات الورقية ، وبث الصور المخزية .

أسباب التشهير :
يشهر بالشخص لعدة أسباب ؛ منها : ما يعود لذاته ، ومنها : ما يعود لفعله ، ومنها : ما يعود لغيره ؛
الأول/ خوف الانخداع به :
روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ ( مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ : مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟. فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ . قَالَ : فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟. فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ !، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ) .

الثاني/ التعريف بقدر من هو خير منه : ودليله الحديث السالف .

الثالث/ الترهيب من فعل أخفاه :
روى مسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ ، فُلَانٌ شَهِيدٌ . حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ ، فَقَالُوا : فُلَانٌ شَهِيدٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَلَّا !، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ .. ) الحديث

الرابع/ الضغط عليه لترك معصية ؛ كما في حديث المؤذي جاره المتقدم .

الخامس/ التمهيد لتقرير عقوبة أشد بحقه :
روى البخاري في حادثة الإفك حديثاً طويلاً ، وفيه ( فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَوْمِهِ ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟. فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا .. .. ) الحديث

السادس/ لإرضاء موتور بفعله :
روى إسحاق بن راهوية والطبراني : عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ قَالَ : اِستَبَّ رَجُلانِ ، فَعَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بِأُمِهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَعَا الرَّجُلَ ، فَقَالَ : أَعَيَّرتَهُ بِأُمِهِ ؟. فَأَعَادَ ذَلِكَ مِرَارَاً ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللهِ !، اَستَغفِرُ اللهَ لِمَا قُلْتُ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اِرفَع رَأسَكَ ، فَانظُر إِلَى المَلأِ . فَنَظَرَ إِلَى مَن حَولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا أَنتَ بِأَفضَلَ مِن أَحمَرَ وَأَسوَدَ مِنهُم ؛ إِلا مَن كَانَ لَهُ فَضلٌ فِي الدِّينِ ) .

السابع/ ليعتبر به غيره :
قال عز وجل { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون }

الثامن/ لإظهار الحزم في تطبيق الشرع :
روى مسلم : عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنَّ قُرَيْشاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ ، فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟. فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ !. فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟. فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ : اسْتَغْفِرْ لِي!، يَا رَسُولَ اللَّهِ !. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَاخْتَطَبَ ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ، ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا ) .

التاسع/ للتنفير من مثل فعله :
قال جلت عظمته { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } .
وروى البخاري : عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا عَبْدَ اللَّهِ!، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ) .

مصالح التشهير المشروع :
1/ التحذير من التعامل البريء مع المشهر به ، في مال ، أو عمل ، أو عرض .
2/ تمكين ضحاياه الذين تسلط عليهم بنحو شهادة زور من القدح فيه .
3/ اتخاذ الاحتياطات اللازمة في معاملاته ؛ بما يضمن السلامة منه .
4/ ردع الآخرين وزجرهم عن مثل عمله .
5/ تمكين الباحثين من دراسة أحواله ؛ متى أصبحت ظاهرة .
6/ ضمان انكساره وانحسار شره مدة معقولة عقب التشهير .
7/ إظهار المساواة والعدل في التعامل مع المنحرفين من بين فئات المجتمع .
8/ توثيق الأحداث الهامة في المجتمع مما في توارثه مصلحة عامة .

ضمانات التشهير :
التشهير عقوبة مؤلمة وبالغة التأثير ، ويتعدى أثرها إلى أسرة المشهَّر به وأقاربه وأرحامه وأهل بلده ، لذلك : كان لابد من وضع الشروط اللازمة لضبط توقيع هذه العقوبة المتعدية ، ومنها :
أولاً/ عدم التوسع في تشريع التشهير .
ثانياً/ تحديد أنواع الجرائم التي يدخلها التشهير ؛ حتى لا يتعداها إلى غيرها .
ثالثاً/ تصنيف الجرائم التي يدخلها التشهير من أول مرة ، أو بعد تكرارها ؛ كلٌ بحسبه .
رابعاً/ لزوم تقييد الجهة المسؤولة بإنزال هذه العقوبة بالجهاز القضائي .
خامساً/ اشتراط الإجماع على توقيع عقوبة التشهير من جميع القضاة في المحاكم المعنية بالحكم بالعقوبة ، أو بتأييده .
سادساً/ ضرورة النص في الحكم القضائي على الحكمة من إيقاع التشهير .
سابعاً/ تحديد نوع وقدر ومدة التشهير المحكوم به ؛ بحيث لا يتجاوز به ما نص عليه في الحكم .
ثامناً/ حث الدعاة والخطباء على نشر واستيعاب ثقافة التأديب ، حتى لا تسري آثاره إلى غير المعنيِّ به من خاصته .
تاسعاً/ نشر ثقافة أن التشهير بالشخص لا يعني استباحة عرضه من كل أحد بغير حق .
عاشراً/ وضع العقوبات المشددة على من يتجاوز حدوده - بشأن التشهير - سواء : من موظفي الدولة ، أو من غيرهم . والله أعلم وأحكم


-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 12342 | تأريخ النشر : الأحد 29 شوال 1430هـ الموافق 18 أكتوبر 2009م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( عقوبة التشهير )) وردتني رسالة هاتفية من الأخ الفاضل : عبد العزيز البنيان . من قناة الاقتصادية ، ونص المقصود منها : السلام عليكم .. هل التشهير عقوبة شرعية ؟، وهل تستخدم حسب نوع المخالفة ؟. انتهى وللبيان : لابد من إيضاح معنى التشهير في لغة العرب وفي اصطلاح الفقهاء ، ثم بيان مشروعية التشهير وأدلتها بإيجاز يقتضيه المقام . والتشهير في اللغة : من الإشهار ، وهو : الإيضاح والظهور ، ضد : الإسرار والإخفاء . وقد يستخدم في الخير ؛ مثل : إشهار الزواج ، وتكريم الفائزين والمبدعين . لكنه غلب على استعماله في الشر . وهو في الاصطلاح : إشاعة السوء عن إنسان ، وفضحه بين الناس . ومنه : الإخزاء ؛ من الخزي ، الذي هو : الهوان بالوقوع المذل في البلية والشر والشهرة . وقيل : هو الانقماع لقبح الفعل . والخزاية : الاستحياء ؛ لأنه انقماع عن الشيء لما فيه من العيب ؛ والاستحياء يكون من سوء فعل المستحيي ، أو من قبح فعل به . قال الشاعر : فإني بحمد الله لا ثوب عاجز *** لبست ، ولا من خزية أتقنع ويقال للرجل : خزيان ، وللمرأة : خزيا . وهو : الذي عمل أمرا قبيحا ، فاشتد لذلك حياؤه وخزايته . والجمع : خزايا. والمخزى في اللغة : المذل المحقور بأمر قد لزمه بحجة . والخزي يكون في الدنيا ، ويكون في الآخرة ؛ كما جاء في الكتاب العزيز ، وقد يأتي ذكره في الدنيا ، ويقابله في الآخرة العذاب العظيم والأشد والأكبر والأخزى . وفي الدعاء : اللهم احشرنا غير خزايا ولا نادمين ، أي : غير مستحيين من أعمالنا . ومنه : قول الله عز وجل حكاية عن لوط . أنه قال لقومه { فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي } ، يقول : لا تفضحوني . والفضيحة : اسم لكل أمر سيء يشهر صاحبه بما يسوء ، ويقال : افتضح الرجل افتضاحا ، إذا ركب أمرا سيئا فاشتهر به . ومن مرادفات التشهير : التشنيع ، والإشاعة ، والفضح ، والإعلان ، والكشف . أنواع التشهير : مشروع ، وممنوع . والممنوع منه : ما كان بغير حق ؛ مثل ما جاء في قول الله تعالى { فأرسل فرعون في المدائن حاشرين (53) إن هؤلاء لشرذمة قليلون (54) وإنهم لنا لغائظون (55) وإنا لجميع حاذرون } . والتشهير المشروع ينقسم إلى أقسام عدة ؛ بحسب اعتباراته :- 1/ فمن حيث المستند ، ينقسم إلى : نصي ، واجتهادي . فالمنصوص : مثل قول الله تبارك وتعالى في عقوبة الزانية والزاني { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } . والاجتهادي : ما يراه القاضي باجتهاده رادعا وزاجرا ؛ مثل جلد المجرم في الأماكن العامة ، أو النشر عن جريمته في وسيلة إعلامية . 2/ ومن حيث المكان ، ينقسم إلى : محدود ، وشائع . فالمحدود منه : ما يكفي وصول خبر الجريمة إلى فئة من الناس ؛ كأهل السوق ، أو أهل المدينة ، أو طائفة . والشائع : ما يكون التشهير به عاما على أهل بلده وغيرهم ؛ كما لو نشر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ؛ ليصل خبره إلى أكبر قدر ممكن من الناس . 3/ ومن حيث الزمان ، ينقسم إلى : دائم ، ومنقطع . والدائم منه : ما خلد في الكتاب والسنة خبر سوء فعله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ، ومنه : ما قدر الله على صاحبه أن يسطر سوء فعله في كتب التواريخ والتراجم والسير . والمنقطع : ما ينتهي قريبا من وقت حصوله ، ويلفه النسيان . 4/ ومن حيث اللزوم ، ينقسم إلى : حدي ، وتعزيري . والحدي منه : ما لا يسوغ الحيدة عنه أبدا عند الحكم به ؛ كالصلب في عقوبة المحارب ، والجلد في عقوبة الزاني . والتعزيري : ما يجوز للحاكم العفو عنه لأحد دون أحد ؛ تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) رواه أبو داود وصححه الألباني . 5/ ومن حيث الوسيلة ، ينقسم إلى أقسام تتجدد ولا تنحصر ، فمن المأثور :- أولا/ التعريض لسخط العامة : روى البيهقي وصححه الألباني : عن أبي هريرة ، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اصبر ، ثم أتاه الثانية يشكو ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : اصبر ، ثم أتاه يشكو ، فقال له : اصبر ، ثم أتاه الرابعة يشكوه ، فقال : اذهب!، فأخرج متاعك ، فضعه على ظهر الطريق . فجعل لا يمر به أحد إلا قال له : شكوت جاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اذهب!، فأخرج متاعك ، فضعه على ظهر الطريق . فجعل لا يمر به أحد إلا قال : اللهم العنه ، اللهم أخزه . قال : فأتاه ، فقال : يا فلان!، ارجع إلى منزلك ؛ فوالله لا أوذيك أبدا ) . ثانيا/ الهجر في الكلام ؛ كما حصل مع كعب بن مالك رضي الله عنه بعدما تخلف عن غزوة تبوك ، روى البخاري ومسلم عنه رضي الله عنه قوله ( .. .. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .. ) الحديث ثالثا/ الفصل بين الجاني وزوجته ؛ كما حصل - أيضا - مع كعب بن مالك رضي الله عنه في نفس القضية ومما جاء في روايته قوله رضي الله عنه ( حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال لا بل اعتزلها ولا تقربها .. ) الحديث رابعا/ الهجاء ؛ روى الشيخان عن البراء رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان ( اهجهم أو هاجهم وجبريل معك ) . وفي رواية لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( اهجوا قريشا!؛ فإنه أشد عليها من رشق بالنبل ) . خامسا/ الإخبار عن سوء الفعل ؛ روى ابن أبي عاصم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من عذيري من فلان أهدى إلي بجفنة ؛ فكأنما نظرت إلى بعض أهلي ، فأتيته بست بكرات ، فظل يتسخط علي ، وأيم الله !، لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية ؛ إلا أن يكون مهاجرا قرشيا ، أو أنصاريا ، أو دوسيا ، أو ثقفيا ) . ورواه أبو داود والترمذي مختصرا وصححه الألباني . ومن وسائل التشهير الحادثة : 1/ الإعلان في القنوات الفضائية بالصوت والصورة . 2/ النشر في الصحف وفي المواقع والمنتديات عبر شبكة المعلومات الرقمية ( الإنترنت ) . 3/ استخدام تقنيات البلوتوث والرسائل الإلكترونية ( eMail , sms ( . 4/ الإشاعة عن طريق المنشورات الورقية ، وبث الصور المخزية . أسباب التشهير : يشهر بالشخص لعدة أسباب ؛ منها : ما يعود لذاته ، ومنها : ما يعود لفعله ، ومنها : ما يعود لغيره ؛ الأول/ خوف الانخداع به : روى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال ( مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لرجل عنده جالس : ما رأيك في هذا؟. فقال : رجل من أشراف الناس ، هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع . قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم مر رجل آخر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأيك في هذا ؟. فقال : يا رسول الله !، هذا رجل من فقراء المسلمين ، هذا حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع لقوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) . الثاني/ التعريف بقدر من هو خير منه : ودليله الحديث السالف . الثالث/ الترهيب من فعل أخفاه : روى مسلم عن عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، فلان شهيد . حتى مروا على رجل ، فقالوا : فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا !، إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة .. ) الحديث الرابع/ الضغط عليه لترك معصية ؛ كما في حديث المؤذي جاره المتقدم . الخامس/ التمهيد لتقرير عقوبة أشد بحقه : روى البخاري في حادثة الإفك حديثا طويلا ، وفيه ( فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟. فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا .. .. ) الحديث السادس/ لإرضاء موتور بفعله : روى إسحاق بن راهوية والطبراني : عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : استب رجلان ، فعير أحدهما الآخر بأمه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا الرجل ، فقال : أعيرته بأمه ؟. فأعاد ذلك مرارا ، فقال الرجل : يا رسول الله !، استغفر الله لما قلت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارفع رأسك ، فانظر إلى الملأ . فنظر إلى من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما أنت بأفضل من أحمر وأسود منهم ؛ إلا من كان له فضل في الدين ) . السابع/ ليعتبر به غيره : قال عز وجل { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون (55) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (56) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون } الثامن/ لإظهار الحزم في تطبيق الشرع : روى مسلم : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟. فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم !. فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه فيها أسامة بن زيد ، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتشفع في حد من حدود الله؟. فقال له أسامة : استغفر لي!، يا رسول الله !. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاختطب ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : أما بعد ، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ) . التاسع/ للتنفير من مثل فعله : قال جلت عظمته { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } . وروى البخاري : عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا عبد الله!، لا تكن مثل فلان ؛ كان يقوم الليل فترك قيام الليل ) . مصالح التشهير المشروع : 1/ التحذير من التعامل البريء مع المشهر به ، في مال ، أو عمل ، أو عرض . 2/ تمكين ضحاياه الذين تسلط عليهم بنحو شهادة زور من القدح فيه . 3/ اتخاذ الاحتياطات اللازمة في معاملاته ؛ بما يضمن السلامة منه . 4/ ردع الآخرين وزجرهم عن مثل عمله . 5/ تمكين الباحثين من دراسة أحواله ؛ متى أصبحت ظاهرة . 6/ ضمان انكساره وانحسار شره مدة معقولة عقب التشهير . 7/ إظهار المساواة والعدل في التعامل مع المنحرفين من بين فئات المجتمع . 8/ توثيق الأحداث الهامة في المجتمع مما في توارثه مصلحة عامة . ضمانات التشهير : التشهير عقوبة مؤلمة وبالغة التأثير ، ويتعدى أثرها إلى أسرة المشهر به وأقاربه وأرحامه وأهل بلده ، لذلك : كان لابد من وضع الشروط اللازمة لضبط توقيع هذه العقوبة المتعدية ، ومنها : أولا/ عدم التوسع في تشريع التشهير . ثانيا/ تحديد أنواع الجرائم التي يدخلها التشهير ؛ حتى لا يتعداها إلى غيرها . ثالثا/ تصنيف الجرائم التي يدخلها التشهير من أول مرة ، أو بعد تكرارها ؛ كل بحسبه . رابعا/ لزوم تقييد الجهة المسؤولة بإنزال هذه العقوبة بالجهاز القضائي . خامسا/ اشتراط الإجماع على توقيع عقوبة التشهير من جميع القضاة في المحاكم المعنية بالحكم بالعقوبة ، أو بتأييده . سادسا/ ضرورة النص في الحكم القضائي على الحكمة من إيقاع التشهير . سابعا/ تحديد نوع وقدر ومدة التشهير المحكوم به ؛ بحيث لا يتجاوز به ما نص عليه في الحكم . ثامنا/ حث الدعاة والخطباء على نشر واستيعاب ثقافة التأديب ، حتى لا تسري آثاره إلى غير المعني به من خاصته . تاسعا/ نشر ثقافة أن التشهير بالشخص لا يعني استباحة عرضه من كل أحد بغير حق . عاشرا/ وضع العقوبات المشددة على من يتجاوز حدوده - بشأن التشهير - سواء : من موظفي الدولة ، أو من غيرهم . والله أعلم وأحكم -
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع