تشريعات قضائية لازمة عندما يقل عرض السلع ويكثر طلبها ترتفع الأسعار ، ومتى زاد الطلب أكثر فلا مجال للاختيار ، إذ يلجأ العامة والخاصة إلى ما يقضي حاجاتهم ؛ ولو لم يرقَ إلى مستوى رغباتهم الحقة .

ومن الجهات العامة التي تعرضت لهذا الخيار الأوحد جهات الشرطة في الفترة من 1395هـ - 1405هـ ؛ فقد رغب الناس عن الالتحاق بجهاز الشرطة وبالوظيفة الحكومية أياً كانت ؛ لكثرة الفرص التنموية في القطاع الخاص ، فاضطرت الجهات المعنية إلى تخفيف اشتراطاتها في قبول الملتحقين بالخدمة الحكومية .

كان كثير من المتقدمين لطلب الالتحاق بالقطاع العسكري من أصحاب الشهادات الدنيا ، والتقديرات الأدنى ، وبعضهم من أرباب الجنح والسوابق .

ابتليت الجهات الأمنية بهؤلاء الأفراد ، فكثرت مشاكلهم ، وتعددت مخالفاتهم ، ورغم مواجهة هذه التجاوزات بالقرارات التأديبية إلا أن ذلك لم يَحُدَّ من أخطائهم حتى على بعضهم ؛ خصوصاً : مع تمكين بعضهم من حمل السلاح والذخيرة الحية .

وأشخاص حادثة موضوعنا من هذا النوع ، وملخصها كما يلي :-
= الزمان : ليلة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 1406هـ ، والمكان : محافظة الأحساء المحروسة ، والأطراف الثلاثة : جنود في الأمن العام بلباسهم العسكري وفي وقت دوامهم الرسمي ، ويركبون سيارات الدوريات ، وأداة الجريمة : السلاح الحكومي .

= الغموض اكتنف الحادثة حتى انتهاء القضية بالحكم القطعي ، وأظنه : لا يزال . والله أعلم

= القتيل في دوريته يمارس عمله ، والقاتل وقريبه ( ابن خاله ) يبحثان عنه في منزل أهله ، ولما لم يجداه توقفا لمحادثة اثنين من أقارب القتيل على رصيف الطريق ، ثم غادرا المكان .

= في طريق العودة وبالقرب من منزل القتيل التقى القاتل بالقتيل ، وتحادثا قليلاً ، ثم أخذ القاتل مسدس رفيقه ( ابن خاله ) ، كما أخذ رصاصة من حزامه ووضعها في المسدس ، ثم وجه المسدس ناحية عنق القتيل ، وأطلق الرصاصة ليقع القتيل أرضاً ، وبعدها تولى القاتل ورفيقه إسعافه إلى المستشفى .

= لم يفلح ابن خال القاتل في ثنيه عن سحب المسدس والرصاصة ، كما لم تفلح توسلات القتيل في منعه من توجيه المسدس نحوه بإقرار القاتل نفسه .

= سلم القاتل نفسه واعترف بقتل صاحبه ؛ غير أنه ذكر أن قتله جاء خطأً ، وبرَّر ادعاءه : بأنه كان يُقلد حركة رعاة البقر الأمريكيين ( الكاوبوي ) بتدوير المسدس على إصبع السبابة بسرعة ، ثم إيقافه فجأة في وضعية الإطلاق .

= الإصابة كانت في جانب العنق الأيمن للقتيل ، وهي التي تسببت في وفاته بعد ستة أيام من الحادثة .

= أثبتت التقارير الطبية خلو دم القاتل من أي مواد مسكرة أو مخدرة ، غير أن القاتل متهور بطبيعته ؛ حيث سبق له تهديد اثنين من زملائه بالمسدس .

= نظرتُ وزميلان لي في المحكمة هذه القضية ، وكان من ضمن ما اتخذناه - بعد سماع المرافعة - الآتي :

أولاً : سمعنا شهادة ضابطي الشرطة الذين توليا التحقيق في الحادث ، فأفادا بأنهما كررا التحقيق مع القتيل عدة مرات ، فأفاد بأنه كان يمزح مع الجاني ، وأنه لا يرغب في إقامة دعوى ضده .

ثانياً : طلبنا إفادة فضيلة القاضي الذي صدق إقرار تنازل المجني عليه ، فأفاد فضيلته كتابةً : بأن القتيل كرَّر مراراً - وهو يعقل ما يقول - عدم مطالبته القاتل بشيء ، وأنه قال في المرة الأخيرة ما نصه : لا أطالبه بشيء ؛ ولو فارقت الحياة .

ثالثاً/ كان لابد من ترغيب ورثة القتيل في العفو ؛ غير أنهم وافقوا على إسقاط المطالبة عن المرافق للقاتل مطلقاً ، ولم يوافقوا على العفو عن القاتل ولا على قبول الدية منه ، وكان مما قالوا : إن حق طلب القصاص للورثة وليس للقتيل الذي لا يعي ما يقول فيما جاء في شهادات الضابطين والقاضي ، ولم يقدحوا في الشهود بشيء ، وأثبتنا تعديل الشاهدين بشهادة زميلين لهما .

رابعاً : كان والد القاتل حاضراً فاستعد بدفع دية القتل العمد للورثة من ماله الخاص .

خامساً : ظهر لنا من ملف التحقيق : أن القتيل صديق للأخ الأكبر للقاتل – وقت عملهما في إحدى الشركات – وأن القاتل كان صغيراً وقتئذ ، ثم إن القاتل والقتيل تزاملا في الشرطة بضع سنوات قبل الحادثة .

سادساً : أقر القاتل بأن الكلفة مرفوعة بينه وبين القتيل ، وأنه كان يكثر من تهديد القتيل بـ ( فقع رأسه ) ، وبـ ( صدمه بالسيارة ) ، وأنه كان يكثر السخرية بالقتيل والمزح معه بكلام ( وسخ ) .

سابعاً : كانت أولى شبهات القضية : اختلاف القاتل والقتيل والمرافق في تحديد مكان الحادثة .
وثاني شبهات القضية : اختلاف الأطراف الثلاثة في وصف التقاء القاتل بالقتيل ، ومن منهم كان واقفاً قبل الآخر ، ومن الذي طلب من صاحبه الوقوف له ، ثم اعتراف القاتل ورفيقه بكذبهما في ما أفادا به في التحقيق بعدما ظهر اختلافهما في وصف ملابسات الحادثة .

ثامناً : لم تظهر قصة تقليد ( الكاوبوي ) من القاتل ورفيقه – على أنها سبب لإطلاق النار - إلا بعد وفاة القتيل ، أي : بعد نحو سبعة أيام من الجريمة .

تاسعاً : بعد ظهور تناقض القاتل في وصف حادثة القتل استقر على : أنه أخذ مسدس مرافقه بالقوة ، وكذا أخذ رصاصة من حزام رفيقه بالقوة أيضاً ، وقام بتهديد القتيل بصريح القتل بالمسدس عدة مرات ، وأن القتيل كان يحاول تهدئته ونصحه قبل إصابته .
وكان من ضمن أقارير القاتل في التحقيق : أنه عوَّض مرافقه برصاصة من ذخيرة القتيل قبل الذهاب به إلى المستشفى ؛ لتبرئته من المشاركة في الحادثة .

عاشراً : جاء في ملف التحقيق - من ضمن إفادات القتيل - قوله : وبعدين أقول لكم كلام الحقيقة ؛ لأني الآن تعبان ، وقوله : إنه شاهد المسدس في يد القاتل ، ولا يعلم ما هو سبب حمله ، وقوله : هذا ما حصل ، ولا أعلم ما وراء ذلك .

حادي عشر : جاء من ضمن إفادات القتيل وصفه القاتل : بأنه ( مرجوج ، خبل ، مزحه ثقيل ، ما عنده عقل ، متسرع ، متهور ، طائش ، غير متزن ، برى نفسه فوق كل شيء ، غير مبالٍ ) ، كما جاء في إفاداته : أن بينه وبين القاتل ومرافقه صداقة حميمة .

ثاني عشر : جاء في أقوال مرافق القاتل : أن القتيل لم يمنع القاتل ؛ لأنه لا يعلم عن نيته .

ثالث عشر : تطرق المحققون لتناقض القاتل ورفيقه ، فذكروا : أن إفاداتهم بنيت على معلومات وصلت إليهم فيما بعد .
وخرج المحققون بنتيجة مفادها : أن عملاً كهذا يُقصد به القتل ، وأن هناك شيئاً بين الطرفين لم يتمكنوا من الوصول إليه .

رابع عشر : ألمحت المحكمة إلى احتمال وجود طرفٍ ثالثٍ في القضية ؛ إما أن جميع أطراف القضية ستروا عليه ، أو أن دوره كان تلقين القاتل ورفيقه بمستجدات التحقيق ؛ لتوحيد إجابتهما ؛ سعياً في تخليصهما .

خامس عشر : لم يكن على المحكمة إلا التعرض لإثبات الوصف الجرمي لحادثة القتل ، والبت في طلب المدعين القصاص من القاتل فقط .
- وبالنظر للآلة المستخدمة في قتل مورث المدعين ( المسدس ) : نجد أنه مما يعد للقتل ؛ بما له من نفوذ بالغ في البدن .
- وبالنظر إلى ظروف استخدامه : نجد العمدية ظاهرة من خلال سحب القاتل المسدس عنوة من المرافق ، وكذا اقتلاع الرصاصة من حزام المرافق بالقوة أيضاً ، ووضعه الرصاصة في المسدس بعد ذلك ، وتوجيه المسدس ناحية عنق القتيل ، مع التهديد الصريح بلفظ القتل مرات عدَّة .
- وبالنظر إلى موقف القتيل من القاتل : نجد أنه حاول تهدئته ونصحه قبل إصابته ، وأنه لا يعلم ما ذا يبيت له القاتل من حمله المسدس .
- وبالنظر إلى زمان ومكان الحادثة : نجد أن الزمان بعد منتصف ليلة ثاني أيام عيد الأضحى ، أما المكان التهديد والقتل : ففي الطريق العام ، وأثناء أداء الأطراف الثلاثة مهامهم الأمنية .

= أصدرت المحكمة حكمها بإثبات صفة القتل العمد في حادثة قتل مورث المدعين ، وقضت : بسقوط القصاص عن المدعى عليه ؛ لما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة من : صحة عفو المقتول عن دم نفسه في قتل العمد ، وأفهمنا المدعين : بأن لهم قبض الدية التي استعد بدفعها والد القاتل اختياراً طيبة بها نفسه ؛ كما قرر هو ذلك في ضبط القضية .

= صدق الحكم من محكمة التمييز بقرارها ذي الرقم 301/ 1ص م المؤرخ في 31/ 10/ 1408هـ .

والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :-
1/ البت في موضوع ضم هيئة التحقيق والإدعاء العام إلى المؤسسة القضائية دون تأخير .

2/ ضم إدارات السجون إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام ، وربطها بها على الفور .

3/ دعم هيئة التحقيق لمواجهة القضايا الكبيرة بكل ما تحتاجه من طاقات بشرية متميزة ، ومن إمكانات مادية متقدمة .

4/ تطوير أساليب التحقيق بما يكفل سلامة المجتمع من انفلات الأمن ، ونفاذ المجرمين من العقاب .

5/ تشديد العقوبات للحق العام على المخالفين ؛ خصوصاً : من رجال الأمن .

6/ فتح المجال للمحاكم لاقتراح العقوبات المناسبة في حق المخالفين ؛ زيادة على ما جاءت به الإرادة السامية في حق القاتل عمداً .

7/ إصلاح السجون ، وتحديثها بما يكفل جعلها أدوات إصلاح وتهذيب .

8/ الاهتمام بأساليب ووسائل اختيار رجال الأمن ، وضمانات تسليمهم السلاح ؛ حتى لا يُساء استخدامه . والله أعلم وأحكم

-

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4409 | تأريخ النشر : الخميس 6 جمادى الآخرة 1431هـ الموافق 20 مايو 2010م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( عفو المقتول عمداً )) عندما يقل عرض السلع ويكثر طلبها ترتفع الأسعار ، ومتى زاد الطلب أكثر فلا مجال للاختيار ، إذ يلجأ العامة والخاصة إلى ما يقضي حاجاتهم ؛ ولو لم يرق إلى مستوى رغباتهم الحقة . ومن الجهات العامة التي تعرضت لهذا الخيار الأوحد جهات الشرطة في الفترة من 1395هـ - 1405هـ ؛ فقد رغب الناس عن الالتحاق بجهاز الشرطة وبالوظيفة الحكومية أيا كانت ؛ لكثرة الفرص التنموية في القطاع الخاص ، فاضطرت الجهات المعنية إلى تخفيف اشتراطاتها في قبول الملتحقين بالخدمة الحكومية . كان كثير من المتقدمين لطلب الالتحاق بالقطاع العسكري من أصحاب الشهادات الدنيا ، والتقديرات الأدنى ، وبعضهم من أرباب الجنح والسوابق . ابتليت الجهات الأمنية بهؤلاء الأفراد ، فكثرت مشاكلهم ، وتعددت مخالفاتهم ، ورغم مواجهة هذه التجاوزات بالقرارات التأديبية إلا أن ذلك لم يحد من أخطائهم حتى على بعضهم ؛ خصوصا : مع تمكين بعضهم من حمل السلاح والذخيرة الحية . وأشخاص حادثة موضوعنا من هذا النوع ، وملخصها كما يلي :- = الزمان : ليلة ثاني أيام عيد الأضحى المبارك 1406هـ ، والمكان : محافظة الأحساء المحروسة ، والأطراف الثلاثة : جنود في الأمن العام بلباسهم العسكري وفي وقت دوامهم الرسمي ، ويركبون سيارات الدوريات ، وأداة الجريمة : السلاح الحكومي . = الغموض اكتنف الحادثة حتى انتهاء القضية بالحكم القطعي ، وأظنه : لا يزال . والله أعلم = القتيل في دوريته يمارس عمله ، والقاتل وقريبه ( ابن خاله ) يبحثان عنه في منزل أهله ، ولما لم يجداه توقفا لمحادثة اثنين من أقارب القتيل على رصيف الطريق ، ثم غادرا المكان . = في طريق العودة وبالقرب من منزل القتيل التقى القاتل بالقتيل ، وتحادثا قليلا ، ثم أخذ القاتل مسدس رفيقه ( ابن خاله ) ، كما أخذ رصاصة من حزامه ووضعها في المسدس ، ثم وجه المسدس ناحية عنق القتيل ، وأطلق الرصاصة ليقع القتيل أرضا ، وبعدها تولى القاتل ورفيقه إسعافه إلى المستشفى . = لم يفلح ابن خال القاتل في ثنيه عن سحب المسدس والرصاصة ، كما لم تفلح توسلات القتيل في منعه من توجيه المسدس نحوه بإقرار القاتل نفسه . = سلم القاتل نفسه واعترف بقتل صاحبه ؛ غير أنه ذكر أن قتله جاء خطأ ، وبرر ادعاءه : بأنه كان يقلد حركة رعاة البقر الأمريكيين ( الكاوبوي ) بتدوير المسدس على إصبع السبابة بسرعة ، ثم إيقافه فجأة في وضعية الإطلاق . = الإصابة كانت في جانب العنق الأيمن للقتيل ، وهي التي تسببت في وفاته بعد ستة أيام من الحادثة . = أثبتت التقارير الطبية خلو دم القاتل من أي مواد مسكرة أو مخدرة ، غير أن القاتل متهور بطبيعته ؛ حيث سبق له تهديد اثنين من زملائه بالمسدس . = نظرت وزميلان لي في المحكمة هذه القضية ، وكان من ضمن ما اتخذناه - بعد سماع المرافعة - الآتي : أولا : سمعنا شهادة ضابطي الشرطة الذين توليا التحقيق في الحادث ، فأفادا بأنهما كررا التحقيق مع القتيل عدة مرات ، فأفاد بأنه كان يمزح مع الجاني ، وأنه لا يرغب في إقامة دعوى ضده . ثانيا : طلبنا إفادة فضيلة القاضي الذي صدق إقرار تنازل المجني عليه ، فأفاد فضيلته كتابة : بأن القتيل كرر مرارا - وهو يعقل ما يقول - عدم مطالبته القاتل بشيء ، وأنه قال في المرة الأخيرة ما نصه : لا أطالبه بشيء ؛ ولو فارقت الحياة . ثالثا/ كان لابد من ترغيب ورثة القتيل في العفو ؛ غير أنهم وافقوا على إسقاط المطالبة عن المرافق للقاتل مطلقا ، ولم يوافقوا على العفو عن القاتل ولا على قبول الدية منه ، وكان مما قالوا : إن حق طلب القصاص للورثة وليس للقتيل الذي لا يعي ما يقول فيما جاء في شهادات الضابطين والقاضي ، ولم يقدحوا في الشهود بشيء ، وأثبتنا تعديل الشاهدين بشهادة زميلين لهما . رابعا : كان والد القاتل حاضرا فاستعد بدفع دية القتل العمد للورثة من ماله الخاص . خامسا : ظهر لنا من ملف التحقيق : أن القتيل صديق للأخ الأكبر للقاتل – وقت عملهما في إحدى الشركات – وأن القاتل كان صغيرا وقتئذ ، ثم إن القاتل والقتيل تزاملا في الشرطة بضع سنوات قبل الحادثة . سادسا : أقر القاتل بأن الكلفة مرفوعة بينه وبين القتيل ، وأنه كان يكثر من تهديد القتيل بـ ( فقع رأسه ) ، وبـ ( صدمه بالسيارة ) ، وأنه كان يكثر السخرية بالقتيل والمزح معه بكلام ( وسخ ) . سابعا : كانت أولى شبهات القضية : اختلاف القاتل والقتيل والمرافق في تحديد مكان الحادثة . وثاني شبهات القضية : اختلاف الأطراف الثلاثة في وصف التقاء القاتل بالقتيل ، ومن منهم كان واقفا قبل الآخر ، ومن الذي طلب من صاحبه الوقوف له ، ثم اعتراف القاتل ورفيقه بكذبهما في ما أفادا به في التحقيق بعدما ظهر اختلافهما في وصف ملابسات الحادثة . ثامنا : لم تظهر قصة تقليد ( الكاوبوي ) من القاتل ورفيقه – على أنها سبب لإطلاق النار - إلا بعد وفاة القتيل ، أي : بعد نحو سبعة أيام من الجريمة . تاسعا : بعد ظهور تناقض القاتل في وصف حادثة القتل استقر على : أنه أخذ مسدس مرافقه بالقوة ، وكذا أخذ رصاصة من حزام رفيقه بالقوة أيضا ، وقام بتهديد القتيل بصريح القتل بالمسدس عدة مرات ، وأن القتيل كان يحاول تهدئته ونصحه قبل إصابته . وكان من ضمن أقارير القاتل في التحقيق : أنه عوض مرافقه برصاصة من ذخيرة القتيل قبل الذهاب به إلى المستشفى ؛ لتبرئته من المشاركة في الحادثة . عاشرا : جاء في ملف التحقيق - من ضمن إفادات القتيل - قوله : وبعدين أقول لكم كلام الحقيقة ؛ لأني الآن تعبان ، وقوله : إنه شاهد المسدس في يد القاتل ، ولا يعلم ما هو سبب حمله ، وقوله : هذا ما حصل ، ولا أعلم ما وراء ذلك . حادي عشر : جاء من ضمن إفادات القتيل وصفه القاتل : بأنه ( مرجوج ، خبل ، مزحه ثقيل ، ما عنده عقل ، متسرع ، متهور ، طائش ، غير متزن ، برى نفسه فوق كل شيء ، غير مبال ) ، كما جاء في إفاداته : أن بينه وبين القاتل ومرافقه صداقة حميمة . ثاني عشر : جاء في أقوال مرافق القاتل : أن القتيل لم يمنع القاتل ؛ لأنه لا يعلم عن نيته . ثالث عشر : تطرق المحققون لتناقض القاتل ورفيقه ، فذكروا : أن إفاداتهم بنيت على معلومات وصلت إليهم فيما بعد . وخرج المحققون بنتيجة مفادها : أن عملا كهذا يقصد به القتل ، وأن هناك شيئا بين الطرفين لم يتمكنوا من الوصول إليه . رابع عشر : ألمحت المحكمة إلى احتمال وجود طرف ثالث في القضية ؛ إما أن جميع أطراف القضية ستروا عليه ، أو أن دوره كان تلقين القاتل ورفيقه بمستجدات التحقيق ؛ لتوحيد إجابتهما ؛ سعيا في تخليصهما . خامس عشر : لم يكن على المحكمة إلا التعرض لإثبات الوصف الجرمي لحادثة القتل ، والبت في طلب المدعين القصاص من القاتل فقط . - وبالنظر للآلة المستخدمة في قتل مورث المدعين ( المسدس ) : نجد أنه مما يعد للقتل ؛ بما له من نفوذ بالغ في البدن . - وبالنظر إلى ظروف استخدامه : نجد العمدية ظاهرة من خلال سحب القاتل المسدس عنوة من المرافق ، وكذا اقتلاع الرصاصة من حزام المرافق بالقوة أيضا ، ووضعه الرصاصة في المسدس بعد ذلك ، وتوجيه المسدس ناحية عنق القتيل ، مع التهديد الصريح بلفظ القتل مرات عدة . - وبالنظر إلى موقف القتيل من القاتل : نجد أنه حاول تهدئته ونصحه قبل إصابته ، وأنه لا يعلم ما ذا يبيت له القاتل من حمله المسدس . - وبالنظر إلى زمان ومكان الحادثة : نجد أن الزمان بعد منتصف ليلة ثاني أيام عيد الأضحى ، أما المكان التهديد والقتل : ففي الطريق العام ، وأثناء أداء الأطراف الثلاثة مهامهم الأمنية . = أصدرت المحكمة حكمها بإثبات صفة القتل العمد في حادثة قتل مورث المدعين ، وقضت : بسقوط القصاص عن المدعى عليه ؛ لما أجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة من : صحة عفو المقتول عن دم نفسه في قتل العمد ، وأفهمنا المدعين : بأن لهم قبض الدية التي استعد بدفعها والد القاتل اختيارا طيبة بها نفسه ؛ كما قرر هو ذلك في ضبط القضية . = صدق الحكم من محكمة التمييز بقرارها ذي الرقم 301/ 1ص م المؤرخ في 31/ 10/ 1408هـ . والتشريع القضائي المطلوب هو التالي :- 1/ البت في موضوع ضم هيئة التحقيق والإدعاء العام إلى المؤسسة القضائية دون تأخير . 2/ ضم إدارات السجون إلى هيئة التحقيق والإدعاء العام ، وربطها بها على الفور . 3/ دعم هيئة التحقيق لمواجهة القضايا الكبيرة بكل ما تحتاجه من طاقات بشرية متميزة ، ومن إمكانات مادية متقدمة . 4/ تطوير أساليب التحقيق بما يكفل سلامة المجتمع من انفلات الأمن ، ونفاذ المجرمين من العقاب . 5/ تشديد العقوبات للحق العام على المخالفين ؛ خصوصا : من رجال الأمن . 6/ فتح المجال للمحاكم لاقتراح العقوبات المناسبة في حق المخالفين ؛ زيادة على ما جاءت به الإرادة السامية في حق القاتل عمدا . 7/ إصلاح السجون ، وتحديثها بما يكفل جعلها أدوات إصلاح وتهذيب . 8/ الاهتمام بأساليب ووسائل اختيار رجال الأمن ، وضمانات تسليمهم السلاح ؛ حتى لا يساء استخدامه . والله أعلم وأحكم -
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع