نشرت في مجلة اليمامة العدد 1912 - وصحيفة اليوم العدد 12338

قضائيات يشتركُ القضاةُ مع غيرِهم من موظفي الدولةِ في الواجباتِ المنصوصِ عليها في نظامِ الخدمةِ المدنيةِ ؛ المواد (11-15) ، وينفردُ القضاةُ بواجباتٍ خاصةٍ ذُكرت في نظام القضاء ؛ المواد (58-61) .

ومن الواجباتِ المشتركةِ :
ما جاءت به المادةُ/11 ونصه : (( يجبُ على الموظفِ خاصةً :
أ/ أن يترفعَ عن كل ما يُخِلُّ بشرفِ الوظيفةِ والكرامةِ ؛ سواءٌ كان ذلك : في محلِّ العملِ أم خارجَه .

ب/ أن يُراعِ آدابَ اللياقةِ في تصرفاته مع الجمهورِ ، ورؤسائه ، وزملائه ، ومرؤوسيه .

ج/ أن يُخَصِّصَ وقتَ العملِ لأداءِ واجباتِ وظيفته ، وأن يُنفذَ الأوامرَ الصادرةَ إليه بدقةٍ وأمانةٍ في حدود النظم والتعليمات )) .

وقد يكون كافياً في بيانِ ذلك ما ذُكِرَ في المقالاتِ الثلاثةِ السالفةِ ؛ حول واجباتِ القضاةِ تُجَاهَ ذواتهم ، وَتُجَاهَ الغيرِ خارجَ المحكمةِ ، وَتُجَاهَ زملائهم وموظفيهم ، وفي حَقِّ المراجعين والخصوم .

غيرَ أنَّ اللائحةَ التنفيذيةَ لهذه المادةِ جاءت بأمرٍ هامٍ جداً في الفقرة (11/1) ونصها : (( يُحْظَرُ على الموظفِ توجيهُ النقدِ أو اللومِ إلى الحكومةِ بِأَيَّةِ وسيلةٍ من وسائلِ الإعلامِ المحليةِ أو الخارجيةِ )) .

قلت : ومما يُلْحَقُ بمضمونِ هذه الفقرةِ - من الأمورِ المعاصرةِ - توقيعُ القاضي على خطاباتِ الإنكارِ الجماعيِّ ، أو ما يُسَمَّى : ( مذكراتُ النصيحةِ ) ، أو ( بيانُ العلماءِ ) ، مما يُنشر في شبكةِ الإنترنت .

وَلِيَعْلَمَ القاضي أولاً : أنَّ ذلكَ العملَ لا يليقُ به ؛ فهو القاضي الذي لا يُقَرِرُ حُكماً حتى يسمعَ من طرفي القضيةِ المعروضةِ أَمَامَهُ ؛ مما هو داخلُ اختصاصِهِ ، فكيف بتلك القضايا الحِسْبِيَّةِ ! ؛ التي يُرادُ منه أن يُقَرِّرَ حيالها حُكماً : أنها معروفٌ أو منكرٌ ، سواءٌ كان ذلك : حقاً أو باطلاً ، في وقتٍ هي خارجُ اختصاصه من جهةٍ ، ومن جهةٍ أخرى : يُمكِنُهُ بَحْـثُها مع مَرجِعِهِ بطريقةٍ نظاميةٍ ومقبولة .

وَلِيَتَنَبَّه القاضي ثانياً لأمرٍ جَلَلٍ هو : أنَّ القومَ لا يُريدون توقيعَه مُجَرَّداً عن ذِكْرِ مُسَمَّى وظيفتِهِ ؛ الذي هو المقصودُ الأصلُ من إشراكه في زُمرة المُوَقِّعِين ، ولو أنه أَبَى التوقيعَ على تلك الصحائفِ إلا بإسمه المجردِ عن مُسَمَّى وظيفته لَوَلَّوا عنه مُدبرين ؛ إذ : أيُّ قيمةٍ لِتَوقِيعِهِ - حينئذٍ - عندهم .

كما نصت المادة/11الفقرة (ج) على أنَّ إنفاذَ الأوامرِ - أياً كان مَصْدَرُهَا - يكونُ في حدودِ النُظُمِ والتعليماتِ ، فالدِّقَّةُ والأمانةُ تقتضيان ذلك ، ويُحظَرُ على أيِّ مُوَظَفٍ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ تجاوزُها .

أما المادة/12 فقد حظرت على الموظفِ الحكوميِّ خمسةَ أمورٍ هامةٍ ونصها : (( يُحظر على الموظف خاصةً :
أ/ إساءةُ استعمالِ السُّلْطَةِ الوظيفيةِ .

ب/ استغلالُ النفوذِ .

ج/ قبولُ الرشوةِ أو طلبُها بأيِّ صُورةٍ من الصُّوَرِ المنصوصِ عليها في نظام مكافحة الرشوة .

د/ قبولُ الهدايا أو الإكرامياتِ أو خلافه بالذَّاتِ أو بالوساطةِ لقصدِ الإغراءِ من أرباب المصالح .

هـ/ إفشاءُ الأسرارِ التي يَطَّلِعُ عليها بِحُكْمِ وظيفته ؛ ولو بعد تَرْكِهِ الخدمةَ )) .

ثم إنَّ اللائحةَ التنفيذيةَ لهذه المادةِ جاءت بتفسيرِ الفقرةِ (أ) منها ونصها : (( 12/1 : يُحظرُ على الموظفِ استعمالُ سُلطَةِ وظيفته ونفوذِها لمصالحه الخاصةِ ، وعليه : استعمالُ الرِّفقِ مع أصحابِ المصالحِ المتصلةِ بعمله ، وإجراءُ التسهيلاتِ والمعاملاتِ المطلوبةِ لهم في دائرةِ اختصاصه ، وفي حُدود النظام )) .

قلت : ومن صُورِ إساءةِ استعمالِ السُّلطَةِ أن يتصلَ القاضي بأحدِ المسؤولين في قطاعاتِ الدولةِ فَيُعَرِّفَ بنفسه على أنه القاضي فلان ؛ قبل ذِكْرِ حاجته ، وسواءٌ : كانت الحاجةُ له أو لغيره ، بل : ولو كانت الحاجةُ لِجِهَةٍ خيريةٍ لدى أربابِ الأموالِ ؛ لأنَّ المأخوذَ بسيفِ الحياءِ كالمأخوذِ بالقوة ، ولم يُجعل القاضي في قضائه جابياً للزكوات ، ولا عاملاً على الصدقات ؛ حتى يُحْرِجَ الناسَ بسُلطةِ وظيفته .

ومنها : استخدامُ الأوراقِ الرسميةِ لمحكمته بالكتابةِ عليها في غيرِ أعمالِ وظيفته ؛ مثلُ : كتابة التزكياتِ أو شهاداتِ حُسْنِ السِّيرةِ والسلوكِ لغير موظفي المحكمةِ ، وتحريرِ الشَّفاعاتِ لطالبي الحاجاتِ .

ومنها : التسهيلُ الإيجابيُّ لِذَوِيْ النفوذِ بإنجازِ معاملاتهم على حسابِ أصحابِ المواعيدِ من مراجعي المحكمةِ ، والتسهيلُ السلبيُّ لهم - أيضاً - بتعطيلِ معاملاتِ أخرى ؛ تقتضي المصلحةُ العامةُ إنهاءَها .

ومنها : وَقْفُ إنجازِ معاملاتِ ذوي المصالحِ على تحقيقهم ما يطلبه الموظفُ منهم .

أما استغلالُ النُفُوذِ : فهو أن يُسَخِّرَ الموظفُ سُلطَتَهُ ، لنفسه أو لغيره ، للحصولِ أو لمحاولةِ الحصولِ - من أيِّ جهةٍ عامةٍ - على عملٍ ، أو : قرارٍ ، أو : التزامٍ ، أو : ترخيصٍ ، أو : اتفاقِ توريدٍ ، أو على وظيفةٍ ، أو : خدمةٍ ، أو : مَزِيَّةٍ من أيِّ نوعٍ . المادة (5) من نظام مكافحة الرشوة .

أما الرشوةُ : فكأن يَطلُبَ لنفسه أو لغيره عَطِيَّةً ، أو يَقبَلَها ولو بدونِ طلبٍ مُسْبَقٍ ، أو يأخُذَ وعداً بتحقيقِها ، مقابلَ أن يُؤَدِّيَ عملاً من أعمالِ وظيفته ، أو : أن يمتنعَ عن أدائه لمصلحةِ المستفيدِ ؛ ولو كان ذلك الامتناعُ مشروعاً ، أو : ليُخِلَ بواجباتِ وظيفته ؛ وسواءٌ : كانت العطيةُ مَزِيَّةً أو فائدةً ، ماديةً أو معنويةً ، أو كان دافعُهُ - إلى العملِ الذي قام به – غيرَ الرشوةِ ؛ كأن يَتَلَقَّى رجاءً من أحدٍ ، أو : توصيةً ، أو : وساطةً من آخر لِيَعمَلَ عملاً أو لِيَمتَنِعَ عن آخر . المواد (1-4 ، 12) من نظام مكافحة الرشوة .

وقبولُ الأُعطياتِ والهدايا والإكرامياتِ من أربابِ المصالحِ يكونُ بمباشرةِ الموظفِ قَبْضَهَا أو طَلَبَهَا بنفسه ، أو : عن طريقِ وسيطٍ بينه وبين المُعْطِي والمُهْدِي والمُكْرِم ( صاحب المصلحة ) . الفقرة (د) .

أما إفشاءُ الأسرارِ المحظورِ على الموظفِ ؛ حتى بعد تركِهِ الخدمةَ ، فالمقصودُ به : أنَّ كُلَّ أمرٍ من أمورِ الدولةِ - غيرَ مُتَاحٍ لغيرِ المختصين به – ينبغي أن يبقى سِرَّاً لدى الموظفِ ، وعليه كتمانُ أَمْرِهِ أثناءَ خِدمته ، وبعد تقاعده . وليس منه - بالتأكيدِ - نقلُ التَّجَارِبِ والخِبراتِ المكتسبةِ لمن يحتاجُ إليها ، دون التَّعَرُّضِ لأسماءِ الأشخاصِ ، أو أوصافهم التي يُمكنُ أن يُعرفون بها . والله الموفق .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4103 | تأريخ النشر : السبت 27 جمادى الأولى 1427هـ الموافق 24 يونيو 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
الواجبات النظامية 1-3 يشترك القضاة مع غيرهم من موظفي الدولة في الواجبات المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية ؛ المواد (11-15) ، وينفرد القضاة بواجبات خاصة ذكرت في نظام القضاء ؛ المواد (58-61) . ومن الواجبات المشتركة : ما جاءت به المادة/11 ونصه : (( يجب على الموظف خاصة : أ/ أن يترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة ؛ سواء كان ذلك : في محل العمل أم خارجه . ب/ أن يراع آداب اللياقة في تصرفاته مع الجمهور ، ورؤسائه ، وزملائه ، ومرؤوسيه . ج/ أن يخصص وقت العمل لأداء واجبات وظيفته ، وأن ينفذ الأوامر الصادرة إليه بدقة وأمانة في حدود النظم والتعليمات )) . وقد يكون كافيا في بيان ذلك ما ذكر في المقالات الثلاثة السالفة ؛ حول واجبات القضاة تجاه ذواتهم ، وتجاه الغير خارج المحكمة ، وتجاه زملائهم وموظفيهم ، وفي حق المراجعين والخصوم . غير أن اللائحة التنفيذية لهذه المادة جاءت بأمر هام جدا في الفقرة (11/1) ونصها : (( يحظر على الموظف توجيه النقد أو اللوم إلى الحكومة بأية وسيلة من وسائل الإعلام المحلية أو الخارجية )) . قلت : ومما يلحق بمضمون هذه الفقرة - من الأمور المعاصرة - توقيع القاضي على خطابات الإنكار الجماعي ، أو ما يسمى : ( مذكرات النصيحة ) ، أو ( بيان العلماء ) ، مما ينشر في شبكة الإنترنت . وليعلم القاضي أولا : أن ذلك العمل لا يليق به ؛ فهو القاضي الذي لا يقرر حكما حتى يسمع من طرفي القضية المعروضة أمامه ؛ مما هو داخل اختصاصه ، فكيف بتلك القضايا الحسبية ! ؛ التي يراد منه أن يقرر حيالها حكما : أنها معروف أو منكر ، سواء كان ذلك : حقا أو باطلا ، في وقت هي خارج اختصاصه من جهة ، ومن جهة أخرى : يمكنه بحـثها مع مرجعه بطريقة نظامية ومقبولة . وليتنبه القاضي ثانيا لأمر جلل هو : أن القوم لا يريدون توقيعه مجردا عن ذكر مسمى وظيفته ؛ الذي هو المقصود الأصل من إشراكه في زمرة الموقعين ، ولو أنه أبى التوقيع على تلك الصحائف إلا بإسمه المجرد عن مسمى وظيفته لولوا عنه مدبرين ؛ إذ : أي قيمة لتوقيعه - حينئذ - عندهم . كما نصت المادة/11الفقرة (ج) على أن إنفاذ الأوامر - أيا كان مصدرها - يكون في حدود النظم والتعليمات ، فالدقة والأمانة تقتضيان ذلك ، ويحظر على أي موظف بأي حال من الأحوال تجاوزها . أما المادة/12 فقد حظرت على الموظف الحكومي خمسة أمور هامة ونصها : (( يحظر على الموظف خاصة : أ/ إساءة استعمال السلطة الوظيفية . ب/ استغلال النفوذ . ج/ قبول الرشوة أو طلبها بأي صورة من الصور المنصوص عليها في نظام مكافحة الرشوة . د/ قبول الهدايا أو الإكراميات أو خلافه بالذات أو بالوساطة لقصد الإغراء من أرباب المصالح . هـ/ إفشاء الأسرار التي يطلع عليها بحكم وظيفته ؛ ولو بعد تركه الخدمة )) . ثم إن اللائحة التنفيذية لهذه المادة جاءت بتفسير الفقرة (أ) منها ونصها : (( 12/1 : يحظر على الموظف استعمال سلطة وظيفته ونفوذها لمصالحه الخاصة ، وعليه : استعمال الرفق مع أصحاب المصالح المتصلة بعمله ، وإجراء التسهيلات والمعاملات المطلوبة لهم في دائرة اختصاصه ، وفي حدود النظام )) . قلت : ومن صور إساءة استعمال السلطة أن يتصل القاضي بأحد المسؤولين في قطاعات الدولة فيعرف بنفسه على أنه القاضي فلان ؛ قبل ذكر حاجته ، وسواء : كانت الحاجة له أو لغيره ، بل : ولو كانت الحاجة لجهة خيرية لدى أرباب الأموال ؛ لأن المأخوذ بسيف الحياء كالمأخوذ بالقوة ، ولم يجعل القاضي في قضائه جابيا للزكوات ، ولا عاملا على الصدقات ؛ حتى يحرج الناس بسلطة وظيفته . ومنها : استخدام الأوراق الرسمية لمحكمته بالكتابة عليها في غير أعمال وظيفته ؛ مثل : كتابة التزكيات أو شهادات حسن السيرة والسلوك لغير موظفي المحكمة ، وتحرير الشفاعات لطالبي الحاجات . ومنها : التسهيل الإيجابي لذوي النفوذ بإنجاز معاملاتهم على حساب أصحاب المواعيد من مراجعي المحكمة ، والتسهيل السلبي لهم - أيضا - بتعطيل معاملات أخرى ؛ تقتضي المصلحة العامة إنهاءها . ومنها : وقف إنجاز معاملات ذوي المصالح على تحقيقهم ما يطلبه الموظف منهم . أما استغلال النفوذ : فهو أن يسخر الموظف سلطته ، لنفسه أو لغيره ، للحصول أو لمحاولة الحصول - من أي جهة عامة - على عمل ، أو : قرار ، أو : التزام ، أو : ترخيص ، أو : اتفاق توريد ، أو على وظيفة ، أو : خدمة ، أو : مزية من أي نوع . المادة (5) من نظام مكافحة الرشوة . أما الرشوة : فكأن يطلب لنفسه أو لغيره عطية ، أو يقبلها ولو بدون طلب مسبق ، أو يأخذ وعدا بتحقيقها ، مقابل أن يؤدي عملا من أعمال وظيفته ، أو : أن يمتنع عن أدائه لمصلحة المستفيد ؛ ولو كان ذلك الامتناع مشروعا ، أو : ليخل بواجبات وظيفته ؛ وسواء : كانت العطية مزية أو فائدة ، مادية أو معنوية ، أو كان دافعه - إلى العمل الذي قام به – غير الرشوة ؛ كأن يتلقى رجاء من أحد ، أو : توصية ، أو : وساطة من آخر ليعمل عملا أو ليمتنع عن آخر . المواد (1-4 ، 12) من نظام مكافحة الرشوة . وقبول الأعطيات والهدايا والإكراميات من أرباب المصالح يكون بمباشرة الموظف قبضها أو طلبها بنفسه ، أو : عن طريق وسيط بينه وبين المعطي والمهدي والمكرم ( صاحب المصلحة ) . الفقرة (د) . أما إفشاء الأسرار المحظور على الموظف ؛ حتى بعد تركه الخدمة ، فالمقصود به : أن كل أمر من أمور الدولة - غير متاح لغير المختصين به – ينبغي أن يبقى سرا لدى الموظف ، وعليه كتمان أمره أثناء خدمته ، وبعد تقاعده . وليس منه - بالتأكيد - نقل التجارب والخبرات المكتسبة لمن يحتاج إليها ، دون التعرض لأسماء الأشخاص ، أو أوصافهم التي يمكن أن يعرفون بها . والله الموفق .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع