نشرت في صخيفة الوطن

قضائيات عندما يريد الرجل أن يجمع ثمار بستانه أو يجمع أزاهيره فإنه يبدأ بتقسيم البستان إلى حيازات يجمع ثمار كلٍ منها وأزهارها على حدة، ثم يعود إلى تلك المجاميع فيدمجها مع بعضها؛ ليسهل عليه نقلها.

إن الشتات القضائي في المملكة قد بلغ حتى منتصف هذا العام قريباً من المائة لجنة قضائية موزعة على عشرات الوزارات والمصالح الحكومية، ومتى أردنا تسهيل جمعها فإن علينا أولاً تصنيف تلك اللجان، ثم دمج بعضها في بعض إن أمكن، ثم دمجها في التخصص الرئيس لها من بين الأقضية الأصل.

وعند إجالة النظر في مسميات هذه اللجان نجد أنها تتبع ثلاث تخصصاتٍ أصلية؛ هي: الجزائي، والموضوعي، والإداري.

ولأن القضاء الإداري قضاء قائم في الأصل، فإن دمج ما يشابهه من اللجان فيه لن يكون بأشق من سلخ الدوائر التجارية والجزائية من ديوان المظالم، ونقلهما إلى القضاء العدلي، وكذلك الحال في اللجان القضائية الجزائية.

أما القضاء الموضوعي في تلك اللجان فلعله محصور في:-

1/ لجنة تسوية المنازعات المصرفية.

2/ لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية.

3/ لجنة الفصل في المنازعات التأمينية.

4/ لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية.

وهذه اللجان تشترك في كونها تنظر في قضايا مالية بحتة، كما تشترك - عدا الرابعة - في كون الإشراف عليها إدارياً لمقام وزارة المالية، ولأن أنظمة التمويل على وشك الصدور فلاشك أنها جديرة بتخصيص لجان للفصل في منازعاتها؛ إن لم تدرج تلك القضايا ضمن اختصاص اللجنة المصرفية، وقضاياها مالية بحتة كذلك، فانضمامها إلى ما سبقها أمر محتوم ولاشك؛ لتكون خامسة من بين اللجان المالية.

ويمكن إدراج لجنة الفصل في القضايا الجمركية مع تلك الكوكبة تبعاً لأمرين:-

1/ اتحاد الجهة المشرفة عليها (وزارة المالية).

2/ اشتراكها مع اللجنتين الأوليين في كونها لجنة مستثناة من الدمج المنصوص عليه في الفقرة تاسعاً من القسم الأول من (آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء)، واستثناؤها من الدمج بموجب الفقرة الثانية من القسم الثالث من الآلية نفسها.

إن جمع هذه اللجان الست في صرحٍ واحد يسمى: المحكمة المالية. يشكل خطوة نحو الدمج الأكبر الذي تهدف القيادة إلى تحقيقه، بعد تهيئة السبيل لذلك؛ دون إرباكٍ لواقع تلك اللجان، ولا إخلالٍ بمبادئها التي سارت عليها بعضها في العقود الثلاثة الماضية، أو ستسير عليها سائرها في مستقبل أمرها.

كما أن توحيد الأمانة العامة لجميع اللجان المالية، ودوائر استئنافها فيه ضبطٌ لدورة المعاملات فيها، وتيسيرٌ على مراجعيها، وتسهيلٌ لنقلها إلى القضاء العدلي مستقبلاً.

ولعل الخير في الإسراع في افتتاح (المحكمة المالية) فتحوي دوائر جمركية، ومصرفية، وتأمينية، وتمويلية، ودوائر استئناف لكل تلك التخصصات.

ولم أذكر دوائر للأوراق المالية ولا للأوراق التجارية؛ لأن هناك تداخلاً ملحوظاً بين اختصاص لجان السوق المالية ولجان الأوراق التجارية من جهةٍ مع اللجنة المصرفية من جهةٍ أخرى، مما يجعل الأوراق المالية والتجارية جزءاً لا ينفك عن الأعمال المصرفية، فالبنوك والمصارف هي المجال الذي تدور فيه تلك الأوراق بنوعيها، ويشترك معهما في ارتياد ذلك المجال أمور التمويل العقاري، والإيجار التمويلي.

ودمج كل هذه التخصصات المالية في لجنةٍ أو محكمةٍ واحدة أمرٌ ذو بعدٍ قانوني متقنٍ؛ فلن يكون بعد ذلك الدمج تداخلٌ في الاختصاصات، ولا تعارضٌ في الأحكام، كما تشهده بعض القضايا هنا وهناك.

ودمجها مجتمعة أولاً خير من الانتظار حتى تصدر الأوامر بدمجها فرادى في المحاكم الأقرب لتخصصاتها من القضاء العدلي، حتى إذا أينعت ثمار المحكمة المالية، ورأى المجلس الأعلى للقضاء مناسبة ضمها إلى رحابه كان للمجلس اقتراح إحداث تخصص مالي؛ بناءً على منطوق المادة التاسعة من نظام القضاء ؛ وهذا نص المقصود منها [ ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك ].

وبعد صدور الموافقة المالكية الكريمة ينضاف التخصص المالي إلى التخصصات الخمسة القائمة، ثم تسلخ المحكمة المالية من جهة إشرافها (وزارة المالية) إلى وزارة العدل كسائر المحاكم العدلية.

ولا يحتاج الأمر ابتداءً لافتتاح محاكم في باقي مناطق المملكة، فيكفي أن تفتتح الوزارة المعنية مكاتب تنسيق في الإدارات التابعة لها في عواصم المناطق والمحافظات؛ مثل: مصلحة أملاك الدولة أو فروع مؤسسة النقد العربي السعودي؛ لتتولى هذه المكاتب استقبال شكاوى المواطنين، وإرسالها إلى المحكمة المالية في العاصمة الرياض، فتقوم المحكمة بتبليغها إلى الجهات المدعى عليها، وبعد ورود الإجابات تعيد إرسالها إلى مكاتب التنسيق؛ لتبليغها إلى المدعين، وهكذا حتى يستوفي الطرفان ما لديهما، وفي حال كون المواطن هو المدعى عليه تتولى مكاتب التنسيق تبليغ مذكرات الدعوى والتعقيبات على الأجوبة، وكذا تتولى تبليغ المواعيد.

ومتى اكتمل نظر القضية، وأكملت الدوائر إجراءات نظر الدعوى، ولم يبق إلا الحكم فيها: ساغ للمحكمة - عن طريق مكاتبها - تبليغ الأطراف بلزوم الحضور أمامها لتسجيل القضية وإصدار القرار، ومن لم يشأ الحضور منهم اكتفاءً بما قدمه فللمحكمة المالية إصدار قرارها حينئذٍ على ضوءٍ مما قدمه الطرفان من مذكرات، ومن شاء منهما استئنافاً فله ذلك بحسب نظام المحكمة المالية المقترح.

إن طبيعة هذه القضايا لا تحتاج إلى ما تحتاجه القضايا في بعض التخصصات القضائية، فالمعول فيها على ما حوته مذكرات الدعوى، ولوائح الجواب والتعقيبات، وعلى المحررات والسندات الرسمية، والعقود المبرمة، وكشوف الحسابات البنكية، وقرارات اللجان الفنية، وتقارير المحاسبين النهائية، والتسجيلات الصوتية والمعلوماتية، وأشرطة التصوير. والله ولي التوفيق


http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=26993

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5038 | تأريخ النشر : السبت 8 شعبان 1432هـ الموافق 9 يوليو 2011م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( المحكمة المالية .. ضرورة لابد منها )) عندما يريد الرجل أن يجمع ثمار بستانه أو يجمع أزاهيره فإنه يبدأ بتقسيم البستان إلى حيازات يجمع ثمار كل منها وأزهارها على حدة، ثم يعود إلى تلك المجاميع فيدمجها مع بعضها؛ ليسهل عليه نقلها. إن الشتات القضائي في المملكة قد بلغ حتى منتصف هذا العام قريبا من المائة لجنة قضائية موزعة على عشرات الوزارات والمصالح الحكومية، ومتى أردنا تسهيل جمعها فإن علينا أولا تصنيف تلك اللجان، ثم دمج بعضها في بعض إن أمكن، ثم دمجها في التخصص الرئيس لها من بين الأقضية الأصل. وعند إجالة النظر في مسميات هذه اللجان نجد أنها تتبع ثلاث تخصصات أصلية؛ هي: الجزائي، والموضوعي، والإداري. ولأن القضاء الإداري قضاء قائم في الأصل، فإن دمج ما يشابهه من اللجان فيه لن يكون بأشق من سلخ الدوائر التجارية والجزائية من ديوان المظالم، ونقلهما إلى القضاء العدلي، وكذلك الحال في اللجان القضائية الجزائية. أما القضاء الموضوعي في تلك اللجان فلعله محصور في:- 1/ لجنة تسوية المنازعات المصرفية. 2/ لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية. 3/ لجنة الفصل في المنازعات التأمينية. 4/ لجنة الفصل في منازعات الأوراق التجارية. وهذه اللجان تشترك في كونها تنظر في قضايا مالية بحتة، كما تشترك - عدا الرابعة - في كون الإشراف عليها إداريا لمقام وزارة المالية، ولأن أنظمة التمويل على وشك الصدور فلاشك أنها جديرة بتخصيص لجان للفصل في منازعاتها؛ إن لم تدرج تلك القضايا ضمن اختصاص اللجنة المصرفية، وقضاياها مالية بحتة كذلك، فانضمامها إلى ما سبقها أمر محتوم ولاشك؛ لتكون خامسة من بين اللجان المالية. ويمكن إدراج لجنة الفصل في القضايا الجمركية مع تلك الكوكبة تبعا لأمرين:- 1/ اتحاد الجهة المشرفة عليها (وزارة المالية). 2/ اشتراكها مع اللجنتين الأوليين في كونها لجنة مستثناة من الدمج المنصوص عليه في الفقرة تاسعا من القسم الأول من (آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء)، واستثناؤها من الدمج بموجب الفقرة الثانية من القسم الثالث من الآلية نفسها. إن جمع هذه اللجان الست في صرح واحد يسمى: المحكمة المالية. يشكل خطوة نحو الدمج الأكبر الذي تهدف القيادة إلى تحقيقه، بعد تهيئة السبيل لذلك؛ دون إرباك لواقع تلك اللجان، ولا إخلال بمبادئها التي سارت عليها بعضها في العقود الثلاثة الماضية، أو ستسير عليها سائرها في مستقبل أمرها. كما أن توحيد الأمانة العامة لجميع اللجان المالية، ودوائر استئنافها فيه ضبط لدورة المعاملات فيها، وتيسير على مراجعيها، وتسهيل لنقلها إلى القضاء العدلي مستقبلا. ولعل الخير في الإسراع في افتتاح (المحكمة المالية) فتحوي دوائر جمركية، ومصرفية، وتأمينية، وتمويلية، ودوائر استئناف لكل تلك التخصصات. ولم أذكر دوائر للأوراق المالية ولا للأوراق التجارية؛ لأن هناك تداخلا ملحوظا بين اختصاص لجان السوق المالية ولجان الأوراق التجارية من جهة مع اللجنة المصرفية من جهة أخرى، مما يجعل الأوراق المالية والتجارية جزءا لا ينفك عن الأعمال المصرفية، فالبنوك والمصارف هي المجال الذي تدور فيه تلك الأوراق بنوعيها، ويشترك معهما في ارتياد ذلك المجال أمور التمويل العقاري، والإيجار التمويلي. ودمج كل هذه التخصصات المالية في لجنة أو محكمة واحدة أمر ذو بعد قانوني متقن؛ فلن يكون بعد ذلك الدمج تداخل في الاختصاصات، ولا تعارض في الأحكام، كما تشهده بعض القضايا هنا وهناك. ودمجها مجتمعة أولا خير من الانتظار حتى تصدر الأوامر بدمجها فرادى في المحاكم الأقرب لتخصصاتها من القضاء العدلي، حتى إذا أينعت ثمار المحكمة المالية، ورأى المجلس الأعلى للقضاء مناسبة ضمها إلى رحابه كان للمجلس اقتراح إحداث تخصص مالي؛ بناء على منطوق المادة التاسعة من نظام القضاء ؛ وهذا نص المقصود منها [ ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك ]. وبعد صدور الموافقة المالكية الكريمة ينضاف التخصص المالي إلى التخصصات الخمسة القائمة، ثم تسلخ المحكمة المالية من جهة إشرافها (وزارة المالية) إلى وزارة العدل كسائر المحاكم العدلية. ولا يحتاج الأمر ابتداء لافتتاح محاكم في باقي مناطق المملكة، فيكفي أن تفتتح الوزارة المعنية مكاتب تنسيق في الإدارات التابعة لها في عواصم المناطق والمحافظات؛ مثل: مصلحة أملاك الدولة أو فروع مؤسسة النقد العربي السعودي؛ لتتولى هذه المكاتب استقبال شكاوى المواطنين، وإرسالها إلى المحكمة المالية في العاصمة الرياض، فتقوم المحكمة بتبليغها إلى الجهات المدعى عليها، وبعد ورود الإجابات تعيد إرسالها إلى مكاتب التنسيق؛ لتبليغها إلى المدعين، وهكذا حتى يستوفي الطرفان ما لديهما، وفي حال كون المواطن هو المدعى عليه تتولى مكاتب التنسيق تبليغ مذكرات الدعوى والتعقيبات على الأجوبة، وكذا تتولى تبليغ المواعيد. ومتى اكتمل نظر القضية، وأكملت الدوائر إجراءات نظر الدعوى، ولم يبق إلا الحكم فيها: ساغ للمحكمة - عن طريق مكاتبها - تبليغ الأطراف بلزوم الحضور أمامها لتسجيل القضية وإصدار القرار، ومن لم يشأ الحضور منهم اكتفاء بما قدمه فللمحكمة المالية إصدار قرارها حينئذ على ضوء مما قدمه الطرفان من مذكرات، ومن شاء منهما استئنافا فله ذلك بحسب نظام المحكمة المالية المقترح. إن طبيعة هذه القضايا لا تحتاج إلى ما تحتاجه القضايا في بعض التخصصات القضائية، فالمعول فيها على ما حوته مذكرات الدعوى، ولوائح الجواب والتعقيبات، وعلى المحررات والسندات الرسمية، والعقود المبرمة، وكشوف الحسابات البنكية، وقرارات اللجان الفنية، وتقارير المحاسبين النهائية، والتسجيلات الصوتية والمعلوماتية، وأشرطة التصوير. والله ولي التوفيق http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=26993
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع