|
نشرت في صحيفة الوطن
قضائيات في النظام السعودي أنواع عدة للأقضية ، منها : القضاء العام ، والجزائي بأنواعه ، والتجاري ، والعمالي ، والإداري ، والمصرفي ، والجمركي ، والطبي ، والمالي ، والتأميني ، إضافة إلى قضاء الأحوال الشخصية الذي لم يبدأ [مستقلاً] بعد .= أما في التراث الإسلامي : فلم يكن في عصر النبوة غير قضاءٍ واحدٍ حتى كان آخر عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فأقر قضاء التحكيم عندما وفد إليه هانئ بن يزيد الحارثي مَعَ قَوْمِهِ من اليمن ، فسَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ : بِأَبِي الْحَكَمِ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ ؟. فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا !. ) الحديث .
- فلما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهد الخليفة الراشد عمر الفاروق رضي الله عنه أحدث ما كان يُسمى - في بلادنا - بالمحاكم المستعجلة ؛ فيما روي عنه من استقضائه من يَرُدُّ عنه الناس في الدرهم والدرهمين .
- ثم جلس بعض خلفاء بني أمية وبني العباس بأنفسهم للفصل في مظالم ولاة الأقاليم لرعاياهم ، ولم يكونوا يستقلون بنظر المظالم ؛ لخفاء القضاء عليهم في أغلب طرقه ، بل كانوا يجلسون وبجوارهم قضاتهم العامون .
- ثم تبلورت نظرية قضاء المظالم بسبب تباعد أطراف الدولة الإسلامية ، وصعوبة شخوص أصحاب المظالم إلى دار الخلافة في دمشق وبغداد ، فأحدث الخلفاء ولاية المظالم ، وحددوا اختصاصاتها الكبيرة ؛ التي تفتت لاحقاً وأنيطت بعددٍ من المصالح الحكومية في النظام الإداري الحديث ، وكثيرٌ منها عاد إلى القضاء العام والجزائي واللجان الجزائية المتخصصة ؛ كالنظر في الغصوب العقارية ، والإشراف على الأوقاف العامة والخاصة ، والنظر في الأمور الجزائية ؛ كالرشوة والتزوير في الأمور العامة ، وتزييف العملة ، وكذا : الاحتساب على ذوي الهيئات ، ومحاكمة الوزراء ومن في حكمهم ، وتنفيذ أحكام القضاء عليهم .
- ومنها : ما انتقل ليكون تحت إشراف وزارات أحدثت للقيام بتلك المهام ؛ مثل : مراقبة دواوين الجهاد وأمور الحج والصلاة ، ومراقبة الميزانيات العامة وصرفها في مصالح الأمة ، وتوريد أموال الجباية إلى بيت المال ؛ التي أنيطت بوزارات الدفاع والحج والشؤون الإسلامية ، وبديوان المراقبة العامة .
= ولذلك : من الخطأ تسمية القضاء الإداري المعاصر بقضاء المظالم ، بعد أن لم يبق من اختصاصات ولاية المظالم غير النظر في أمور موظفي الدولة وما يتظلمون منه من قراراتٍ إداريةٍ ضدهم من رؤسائهم ، وضُمَّ إليه النظر في العقود الإدارية التي تكون الدولة طرفاً فيها ؛ بشرط أن لا تدخل في اختصاص قضاءٍ آخر ؛ كدخول الدعاوى العينية المتعلقة بالعقار في نظر القضاء العام ، وما يماثلها من القضايا التأمينية ، والمصرفية ، الداخلة في اختصاص جهاتها .
- أي : أن قضاء المظالم الثابت في التاريخ الإسلامي لم يبق من الاختصاصات المناطة به غير أقل من عشر معشارها ، وهذا الذي أسند اليوم إلى القضاء الإداري ، فكيف يمكن تسميته بقضاء المظالم والحالة هذه !.
= إن أهم اختصاصات قضاء المظالم هو النظر في دعاوى غصوب العقار التي تسببت في إحداث هذا النوع من القضاء ، وهذا الاختصاص قد عاد برمته إلى القضاء العام بنصٍ نظاميٍ لا يقبل الاستثناء بأي حال من الأحوال ، ومع ذلك لا يجوز للقضاء العام ادعاء أنه هو قضاء المظالم دون غيره ، فكيف بمن قُصِرَ نظره على ما هو أدنى وأقل من ذلك ؟!!.
= لم تخطئ الدولة في تأخير استقلال قضاء المظالم أكثر من ثلاثين عاماً منذ الموافقة على فصل القضاء الإداري عن القضاء العام عقب وفاة جلالة المؤسس الملك عبد العزيز يرحمه الله ، وما ذلك إلا لأن الاقتراحات بإنشاء قضاء المظالم على النحو الموروث في التاريخ الإسلامي يتعارض مع تقسيمات الحكومة الحديثة إلى وزارات ومصالح وهيئات ورئاسات متخصصة ، كما أن اجترار قضاء المظالم لتطبيقه في الدولة الحديثة يؤدي إلى ازدواج السلطات ، وتعارض الصلاحيات ، وغير خافٍ : أن تفويض السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، ولعل هذا هو سبب تأخير اعتماد قادة هذه البلاد - وفقهم الله - لتلك الرؤى غير الواقعية المنساقة نحو خيالات إقامة الخلافة الإسلامية بعد انهيار دولة بني عثمان ، ولما لم يوافقهم عليها زعماء بلاد الحرمين قصروا اقتراحاتهم على : الإبقاء على الاسم ، وتقليص اختصاصه إلى ما دون العُشر ، ومع ذلك لم يسلم الديوان من تخبطات مستشاريه الوافدين ، مستغلين ثقة القضاة الإداريين الأوائل بهم وبخبراتهم في هذا المجال ، فكان مما أحدثوه ما يُسمى : بالتقدير الجزاف الذي يحكم به القاضي الإداري على جهة الإدارة ، ونسبته 10% من قيمة العقد الإداري ؛ الذي عادة ما يكون بالمليارات وعشرات المليارات ومضاعفاتها ، وكانت المعادلة المطلوبة للحكم بتلك النسبة المرهقة هي التالي :-
المقدمة الأولى/ ثبوت استحقاق المقاول للتعويض .
المقدمة الثانية/ عدم الاستدلال إلى النسبة المستحقة .
النتيجة// الحكم بالتعويض الجزاف 10% من قيمة العقد الإداري .
= هذا ما أنتجته تلك العقول الوافدة ؛ لترهق به ميزانيات الدولة ، وتسهم في إعاقة مسيرة التنمية أكثر من عقدين ، ولما أثقل ذلك كاهل الدولة ، وبدأت طلائع القضاة الشباب تَفِدُ على القضاء الإداري كان أول اهتماماتهم تنقية المحاكم الإدارية من عناصر المشورة القاصرة ، وأعقبوا ذلك بإلغاء مبدأ التعويض الجزاف إلى مبدأ تحري العدل في التقدير .
- ولا تزال المحاكم الإدارية بحاجة إلى استقرار إداري ، ولن يتحقق لها ذلك بغير دمجها مع سائر المحاكم المتخصصة الأخرى في مؤسسة قضائية واحدة ، ولتبق حينئذٍ المحاكم الإدارية على ما هي عليه اليوم من محاكم ابتدائية واستئنافية ودوائر إدارية في المحكمة العليا ، وليكن لقضاتها وقياداتها الاستقلال التام بقواعد الترافع أمامها ، وبمبادئها ، وسوابقها القضائية المستقرة ؛ فمن الطبيعي : أن يكون لكل قضاء خصوصيته التي قد لا تناسب غيره من الأقضية ؛ سواءٌ : في طريقة الترافع ، أو : في نوع البينة المناسبة للإثبات ، أو : في أنواع الإجراءات القضائية اللازم اتخاذها قبل البت في القضية ، أو : في مادة الحكم ، أو : في استئناف تلك الأحكام ، أو : في طريقة التنفيذ .
= إن من المهم : إدراج جميع جهات التقاضي تحت مظلة المجلس الأعلى للقضاء ، ومتى التأم الجمع القضائي السعودي كان لتعدية التجارب الناجحة في العملية القضائية مجال بين جميع التخصصات القضائية ؛ يحثها على ذلك التنافس المشروع .
= والأهم من ذلك : إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء ؛ ليكون في مستوى الإشراف العام على القضاء السعودي بكامل أطيافه ، ولست أشك في حصول ذلك على نحوٍ متقنٍ متى أقدمت القيادة على تحقيقه .
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=34376
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5196 | تأريخ النشر : الأحد 13 شوال 1432هـ الموافق 11 سبتمبر 2011مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|