نشرت في مجلة اليمامة العدد 1914 وصحيفة اليوم العدد 12345

قضائيات الواجباتُ الخاصةُ بالقضاة كما في نظامِ القضاءِ هي ما جاءت به الموادُ (58-61) .

المادة/58 : (( لا يجوزُ الجمعُ بين وظيفةِ القضاءِ ومزاولةِ التجارةِ أو أيةِ وظيفةٍ أو عملٍ لا يتفقُ مع استقلالِ القضاءِ وَكَرَامَتِهِ ، ويجوزُ لمجلسِ القضاءِ الأعلى أن يُقَرِّرَ مَنْعَ القاضي من مباشرةِ أيِّ عملٍ يرى أن القيامَ به يتعارضُ مع واجباتِ الوظيفةِ وَحُسْنِ أدائها )) .

وقد ذكرنا في الحلقاتِ السِّتِ الماضيةِ ما لا يتفقُ مع كرامةِ القضاءِ من الأفعالِ والأعمالِ والوظائفِ .

ويتمثلُ مَنْعُ القاضي في هذه المادة من مثل : مباشرةِ التدريسِ في أيٍ من الكليات أو المعاهدِ ، الخاصةِ والعامةِ ، بأجرٍ أو بغيرِ أجرٍ ، داخلَ وقتِ الدوامِ الرسميِّ أو خَارِجَهُ ؛ متى رأى المجلسُ الموقرُ أنَّ استمرارَ القاضي في تدريسِهِ قد يُؤَثِّرُ سلباً على عمله الأساس .

وكذلك مَنْعُهُ من مباشرةِ أعمالٍ إداريةٍ في الجمعياتِ الخيريةِ ونحوها ، أو الحجرِ عليه في الفتوى بالاجتهاداتِ الخاطئةِ أو الشاذةِ أو بغيرِ ما استقرَّ عليه رأيُ الجماعةِ مما في مخالفته فتنةٌ أو ضررٌ ظاهرٌ ، أو مَنْعُهُ من الرُّقْيَةِ وعقدِ الأنكحةِ خارجَ وقتِ الدوامِ بأجرةٍ ولو لم يشترطها ؛ وبخاصةٍ : مع وجود المأذونين.

أما المادة/59 فقد نصت على أنه : (( لا يجوز للقضاةِ إفشاءُ سِرِّ المداولات )) .

وهذا وإن كان يعني - في الظاهر - أنَّ المنعَ مخصوصٌ بوقتِ نَظَرِ الدعوى وقبلَ الحكمِ فيها ، إلا أنَّ المنعَ من إفشاءِ الأسرارِ التي يَطَّلِعُ عليها القاضي بِحُكْمِ وظيفته - ولو بعد تَرْكِهِ الخدمةَ - عامٌ لَهُ وَلِغيره من موظفي الدولةِ بِحَسْبِ ما تقدم في الحلقة 1-3 من الواجباتِ النظامية ، ولاشَكَّ أنَّ هذا الأمرَ لا يتعارضُ مع منصوصِ المادة/33 من نظامِ القضاءِ حول عَلَنِيَّةِ جلساتِ المحاكمِ ؛ إذ المقصودُ بالسِّرِّ هنا :

ما يُدلي به أحدُ الخصومِ أو الشهودِ أو الخُبَرَاءِ في أيٍ من مراحلِ الدعوى مما له علاقةٌ بأيٍ من أطرافِ القضيةِ أو بغيرهم ؛ من شأنِ إعلانه للغيرِ أن يُؤَثِّرَ على مَسَارِ الدعوى أو على سلامةِ أطرافها أو إثارةِ دعاوىً أخرى .

وجاءت المادة/60 بالآتي : ( يجب أن يُقِيْمَ القاضي في البلدِ الذي به مَقَرُّ عمله ، ويجوز لمجلسِ القضاءِ الأعلى لظروفٍ استثنائيةٍ أن يُرَخِّصَ للقاضي في الإقامةِ مؤقتاً في بلدٍ آخرَ قريبٍ من مَقَرِّ عمله ).

وسببُ ذلك أنَّ السفرَ من وإلى مَقَرِّ العملِ يومياً يأخذ من جُهْدِ القاضي وحيويته ، ويأتي على نشاطه الذي عَمَلُهُ أولى به ، وقد يدفعه إلى التفريطِ بدوامِ بعضِ الأيامِ التي يرى أن وُصُولَهُ فيها إلى مَقَرِّ عَمَلِهِ سيكون متأخراً وملحوظاً ، ولأنَّ من عملِ القاضي أيضاً ما له صفةُ الاستعجالِ مِمَّا قد يَحدُثُ خارجَ وقتِ الدوامِ الرسميِّ ولا يقبلُ التأخيرَ ، مثلُ : رَصْدِ أقاريرِ الجُنَاةِ في الجرائمِ الخطرةِ ، والتصديقِ على أقوالِ المصابين في عُمُومِ الجرائمِ بالتنازلِ أو بتحديدِ عينِ الجاني مثلاً ، وذلك لا يتفقُ مع سَفَرِ القاضي كُلَّ يومٍ إلى حيث يسكنُ خارجَ البلدِ الذي يعملُ فيه .

ومن الواضحِ أنَّ الترخيصَ للقاضي - استثناءً - يكون بصفةٍ مؤقتةٍ ، وفي أقربِ بلدٍ لِمَقَرِّ عَمَلِه .

ثم إن المادة/61 نصت على أنه : (( لا يجوز للقاضي أن يتغيبَ عن مَقَرِّ عَمَلِهِ ، ولا أن ينقطعَ عن عَمَلِهِ لسببٍ غيرِ مفاجئٍ قبل أن يُرَخَّصَ له في ذلك كتابةً . فإذا أخلَّ القاضي بهذا الواجبِ نُبِّهَ إلى ذلك كتابةً . فإذا تَكَرَّرَ منه ذلك وَجَبَ رفعُ الأمرِ إلى مجلسِ القضاءِ الأعلى للنظرِ في أمرِ محاكمته تأديبياً )) .

الجزء الأول من هذه المادةِ يُكَمِّلُ المادةَ التي قبلها ، فكما ألزمت المادةُ السابقةُ القاضيَ بالإقامةِ في مَقَرِّ عَمَلِهِ ، جاءت هذه المادةُ بِمَنْعِ القاضي المقيمِ في بَلَدِ عَمَلِهِ من التَّغَيُّبِ عن مَقَرِّ عَمَلِهِ في غيرِ الإجازاتِ النظاميةِ احتياطاً لما سَبَقَ ذِكْرُهُ ، وبخاصةٍ : رئيسِ المحكمة أو قاضيها إذا لم يوجد معه غيره فيها ؛ فالعِلَّةُ في الجميعِ مُفَارَقَةُ القاضي ببدنه مَقَرَّ عَمَلِهِ ، الأمرُ الذي يعودُ بما ذكرناه آنفاً ونحوه .

ومنعت هذه المادةُ في جزئها الثاني تَمَتُّعَ القاضي بإجازته وانقطاعَهُ عن عَمَلِهِ قبل ورودِ قرارِ الإذنِ له بذلك ، باستثناء الأسبابِ المفاجئةِ ؛ مثلُ : مَرَضِ أو وفاةِ أيٍ من والديه أو زوجته أو أولاده .

وفي الجزءِ الأخيرِ من المادةِ حُدِّدَت العقوباتُ النظاميةُ للإخلالِ بتلك الأحكامِ ، وهي : التنبيهُ من قِبَلِ الرئيسِ المباشرِ للقاضي مُشَافَهَةً أو كتابةً ، ثم المحاكمةُ التأديبيةُ بِحَسْبِ المادة/72، والذي يختصُّ بِطَلَبِ رَفْعِهَا معالي وزيرُ العدل بِحَسْبِ المادة/74 من نظامِ القضاءِ .

على أنه ينبغي العلمُ بأن تَقَيُّدَ القضاةِ بالعملِ بموجبِ الأنظمةِ المرعيةِ من أوجبِ الواجباتِ النظاميةِ ؛ ففي كُلِّ نظامٍ ذي علاقةٍ بالعملِ القضائيِّ موادُّ - تَفْرِضُ أفعالاً ، أو إجراءاتٍ ، أو تمنعُ منها بصيغةٍ آمرةٍ - تجعلُ الأخذَ بها من المعنيين بتطبيقها واجباً ؛ مما يعني لزومَ مَعْرِفَةِ القاضي بجميعِ النُظُمِ ذاتِ العلاقة .

كما أنَّ من أوجبِ الواجباتِ النظاميةِ على القاضي تطبيقَ منصوصِ المادةِ الأولى من نظامِ القضاءِ بتحقيقِ الاستقلاليةِ وعدمِ قبولِ التَّدَخُّلِِ في قضائه من أيِّ أحدٍ كائناً من كان ، أمَّا بعد صدورِ الحكمِ فَيَتَأَتَّى لجهةِ الاختصاصِ الموضوعيِّ ( محكمة التمييز ) مُنَاقَشَتَهُ حولَ الحكمِ وأسبابه ، ومثلها : مجلسُ القضاءِ الأعلى عند دراسةِ القضيةِ من قِبَلِه بصفةٍ نظامية .

وليس لأيِّ جهةٍ حَقُّ سَحْبِ المعاملةِ من القاضي قبل الحكمِ فيها ، ولا مَنْعُهُ من الحكمِ متى توفرت أسبابُهُ وانتفت موانعُهُ ، ويَتَعَدَّى ذلك إلى القاضي نفسه ؛ فلا حَقَّ له في نَقْلِ المعاملةِ خارجَ المحكمةِ قبل الحكمِ فيها أو شطبها بصفةٍ نظاميةٍ أياً كانت الأسباب .

ولا ينبغي للقاضي أن يتردَّدَ في إجابةِ جهةِ الاختصاصِ بما يراه حقاً عند الاستفسارِ منه أو الاستدراكِ عليه بشأنِ الحكمِ الصادرِ منه ، ولا يجوزُ له الانقيادُ لما يُملى عليه وهو يعتقدُ خِلافَهُ ، حتى يظهرَ له وجهُ الحَقِّ فيما يُعرضُ عليه ؛ إذ إن بعضَ الملحوظاتِ المطروحةِ عليه لا يُرَادُ بها تغييرُ الحكمِ بِقَدْرِ ما يُرَادُ منها تكميلُهُ ، أو سَدَادُ بعضِ ثغراته ، أو سَبْرُ أبعادِ الحكمِ لدى القاضي ، أو استجلاءُ فَهْمِ القاضي لمدلولاته . والله الموفق .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4648 | تأريخ النشر : الأحد 13 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 9 يوليو 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
الواجبات النظامية 3-3 الواجبات الخاصة بالقضاة كما في نظام القضاء هي ما جاءت به المواد (58-61) . المادة/58 : (( لا يجوز الجمع بين وظيفة القضاء ومزاولة التجارة أو أية وظيفة أو عمل لا يتفق مع استقلال القضاء وكرامته ، ويجوز لمجلس القضاء الأعلى أن يقرر منع القاضي من مباشرة أي عمل يرى أن القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن أدائها )) . وقد ذكرنا في الحلقات الست الماضية ما لا يتفق مع كرامة القضاء من الأفعال والأعمال والوظائف . ويتمثل منع القاضي في هذه المادة من مثل : مباشرة التدريس في أي من الكليات أو المعاهد ، الخاصة والعامة ، بأجر أو بغير أجر ، داخل وقت الدوام الرسمي أو خارجه ؛ متى رأى المجلس الموقر أن استمرار القاضي في تدريسه قد يؤثر سلبا على عمله الأساس . وكذلك منعه من مباشرة أعمال إدارية في الجمعيات الخيرية ونحوها ، أو الحجر عليه في الفتوى بالاجتهادات الخاطئة أو الشاذة أو بغير ما استقر عليه رأي الجماعة مما في مخالفته فتنة أو ضرر ظاهر ، أو منعه من الرقية وعقد الأنكحة خارج وقت الدوام بأجرة ولو لم يشترطها ؛ وبخاصة : مع وجود المأذونين. أما المادة/59 فقد نصت على أنه : (( لا يجوز للقضاة إفشاء سر المداولات )) . وهذا وإن كان يعني - في الظاهر - أن المنع مخصوص بوقت نظر الدعوى وقبل الحكم فيها ، إلا أن المنع من إفشاء الأسرار التي يطلع عليها القاضي بحكم وظيفته - ولو بعد تركه الخدمة - عام له ولغيره من موظفي الدولة بحسب ما تقدم في الحلقة 1-3 من الواجبات النظامية ، ولاشك أن هذا الأمر لا يتعارض مع منصوص المادة/33 من نظام القضاء حول علنية جلسات المحاكم ؛ إذ المقصود بالسر هنا : ما يدلي به أحد الخصوم أو الشهود أو الخبراء في أي من مراحل الدعوى مما له علاقة بأي من أطراف القضية أو بغيرهم ؛ من شأن إعلانه للغير أن يؤثر على مسار الدعوى أو على سلامة أطرافها أو إثارة دعاوى أخرى . وجاءت المادة/60 بالآتي : ( يجب أن يقيم القاضي في البلد الذي به مقر عمله ، ويجوز لمجلس القضاء الأعلى لظروف استثنائية أن يرخص للقاضي في الإقامة مؤقتا في بلد آخر قريب من مقر عمله ). وسبب ذلك أن السفر من وإلى مقر العمل يوميا يأخذ من جهد القاضي وحيويته ، ويأتي على نشاطه الذي عمله أولى به ، وقد يدفعه إلى التفريط بدوام بعض الأيام التي يرى أن وصوله فيها إلى مقر عمله سيكون متأخرا وملحوظا ، ولأن من عمل القاضي أيضا ما له صفة الاستعجال مما قد يحدث خارج وقت الدوام الرسمي ولا يقبل التأخير ، مثل : رصد أقارير الجناة في الجرائم الخطرة ، والتصديق على أقوال المصابين في عموم الجرائم بالتنازل أو بتحديد عين الجاني مثلا ، وذلك لا يتفق مع سفر القاضي كل يوم إلى حيث يسكن خارج البلد الذي يعمل فيه . ومن الواضح أن الترخيص للقاضي - استثناء - يكون بصفة مؤقتة ، وفي أقرب بلد لمقر عمله . ثم إن المادة/61 نصت على أنه : (( لا يجوز للقاضي أن يتغيب عن مقر عمله ، ولا أن ينقطع عن عمله لسبب غير مفاجئ قبل أن يرخص له في ذلك كتابة . فإذا أخل القاضي بهذا الواجب نبه إلى ذلك كتابة . فإذا تكرر منه ذلك وجب رفع الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى للنظر في أمر محاكمته تأديبيا )) . الجزء الأول من هذه المادة يكمل المادة التي قبلها ، فكما ألزمت المادة السابقة القاضي بالإقامة في مقر عمله ، جاءت هذه المادة بمنع القاضي المقيم في بلد عمله من التغيب عن مقر عمله في غير الإجازات النظامية احتياطا لما سبق ذكره ، وبخاصة : رئيس المحكمة أو قاضيها إذا لم يوجد معه غيره فيها ؛ فالعلة في الجميع مفارقة القاضي ببدنه مقر عمله ، الأمر الذي يعود بما ذكرناه آنفا ونحوه . ومنعت هذه المادة في جزئها الثاني تمتع القاضي بإجازته وانقطاعه عن عمله قبل ورود قرار الإذن له بذلك ، باستثناء الأسباب المفاجئة ؛ مثل : مرض أو وفاة أي من والديه أو زوجته أو أولاده . وفي الجزء الأخير من المادة حددت العقوبات النظامية للإخلال بتلك الأحكام ، وهي : التنبيه من قبل الرئيس المباشر للقاضي مشافهة أو كتابة ، ثم المحاكمة التأديبية بحسب المادة/72، والذي يختص بطلب رفعها معالي وزير العدل بحسب المادة/74 من نظام القضاء . على أنه ينبغي العلم بأن تقيد القضاة بالعمل بموجب الأنظمة المرعية من أوجب الواجبات النظامية ؛ ففي كل نظام ذي علاقة بالعمل القضائي مواد - تفرض أفعالا ، أو إجراءات ، أو تمنع منها بصيغة آمرة - تجعل الأخذ بها من المعنيين بتطبيقها واجبا ؛ مما يعني لزوم معرفة القاضي بجميع النظم ذات العلاقة . كما أن من أوجب الواجبات النظامية على القاضي تطبيق منصوص المادة الأولى من نظام القضاء بتحقيق الاستقلالية وعدم قبول التدخل في قضائه من أي أحد كائنا من كان ، أما بعد صدور الحكم فيتأتى لجهة الاختصاص الموضوعي ( محكمة التمييز ) مناقشته حول الحكم وأسبابه ، ومثلها : مجلس القضاء الأعلى عند دراسة القضية من قبله بصفة نظامية . وليس لأي جهة حق سحب المعاملة من القاضي قبل الحكم فيها ، ولا منعه من الحكم متى توفرت أسبابه وانتفت موانعه ، ويتعدى ذلك إلى القاضي نفسه ؛ فلا حق له في نقل المعاملة خارج المحكمة قبل الحكم فيها أو شطبها بصفة نظامية أيا كانت الأسباب . ولا ينبغي للقاضي أن يتردد في إجابة جهة الاختصاص بما يراه حقا عند الاستفسار منه أو الاستدراك عليه بشأن الحكم الصادر منه ، ولا يجوز له الانقياد لما يملى عليه وهو يعتقد خلافه ، حتى يظهر له وجه الحق فيما يعرض عليه ؛ إذ إن بعض الملحوظات المطروحة عليه لا يراد بها تغيير الحكم بقدر ما يراد منها تكميله ، أو سداد بعض ثغراته ، أو سبر أبعاد الحكم لدى القاضي ، أو استجلاء فهم القاضي لمدلولاته . والله الموفق .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع