|
نشرت في صحيفة الوطن
قضائيات التخصُّصات القضائية في بلادنا يمكنها أن تشمل جميع مناحي الحياة ، فيكون منها : ما تستند أحكامه إلى النص الشرعي حصراً ، ومنها : ما تستند قراراته إلى النص النظامي المبني على القواعد والأصول الشرعية .ولأن جميع التخصُّصات مقيدة بإجراءات نظامية سابقة للترافع ومسايرة له حتى تنفيذ الحكم ، فإن التخصُّص الشرعي والنظامي في المسيرة القضائية لا ينفكان عن بعضهما البعض ، ولذلك كان لابد من تطعيم التخصُّصات الشرعية البحتة بعنصر نظامي ( قانوني ) ، وكذلك بالنسبة إلى التخصُّصات النظامية البحتة لابد من تطعيمها بعنصر شرعي ؛ للمواءمة بين الإجراء الشرعي المستند إلى الفقه وبين الإجراء النظامي المستند إلى القوانين والنظم المصلحية .
ولابد لتحصيل هذه المواءمة بين التخصصين من الوقوف على هذه النقاط التالية :
أولاً/ أن خريجي الأقسام القانونية اشتركوا مع نظرائهم الشرعيين في الدراسة في ثلاث مراحل دراسية نظامية ، هي : الابتدائية ، والمتوسطة ، والثانوية ، لا يتميز أيٌّ منهم عن الآخر فيما يدرس من مواد شرعية ولغوية ورياضية وغيرها .
ثانياً/ أن البيئة التي تربى فيها كل من الفريقين هي بيئة متقاربة في ظروفها الاجتماعية والسلوكية والدينية والأخلاقية ، فلا مزية لأيٍ من الفريقين على الآخر في أمور التربية المنزلية والمجتمعية .
ثالثاً/ أن ما ينفرد به كل من الفريقين في دراسته الجامعية سيكون له مردود إيجابي على عمله في القضاء جنباً إلى جنبٍ مع شقيقه الآخر ، فينتج من ذلك عملية تكاملية فريدة .
رابعاً/ من واقع تجربتي الشخصية فقد وقفت بنفسي على نماذج فريدة من أصحاب التخصص القانوني ؛ أذكر منهم كلاً من الأستاذ الدكتور خالد بن عبد العزيز الرويس في اللجنة الجمركية ، والدكتور محمد بن علي الحدادي في اللجنة التأمينية ، والدكتور عمرو بن إبراهيم رجب في اللجنة المصرفية ، وعرفت كيف يدير كل منهم العملية القضائية بإتقان واقتدار فائقين ، علاوة على ما يتمتعون به جميعاً من أدبٍ جمٍ ، وخُلُقٍ رفيعٍ ، وَسَمتٍ حسن .
إن هؤلاء الرواد الثلاثة وغيرهم ممن عرفتهم من العاملين في اللجان القضائية وشبه القضائية خير رسلٍ لأصحاب التخصص القانوني ؛ يثبتون بهم تمتع نظرائهم من القانونيين بالمزايا والصفات المطلوبة في رجال القضاء .
بقي أن نقول : إن للقضاء السعودي خصوصيةٌ مُعتدٌّ بها بموجب المادة الثامنة والأربعين من النظام الأساس للحكم ، وهذا نصها : [ تُطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية ، وفقاً لما دل عليه الكتاب والسنة ، وما يُصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ] انتهى
من أجل ذلك كان لابد لنا من تعديل نص الفقرة (د) من المادة الحادية والثلاثين من نظام القضاء بشأن شروط من يتولى القضاء ؛ لتكون بالنص التالي: [ د - أن يكون حاصلاً على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها - ومنها : القانون - ، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء ] انتهى
ويمكن التنصيص في اللائحة التنفيذية لنظام القضاء على أن : لحملة شهادة القانون أن يلتحقوا بدورة مخصصة لهم في أصول وقواعد القضاء الشرعي قبل أداء الامتحان الخاص بهم ، ويجوز الدخول في الامتحان مباشرة لمن يرغب منهم ؛ متى كان متمكناً مما يراد منه الإلمام به .
= إننا بهذا الاندماج الحضاري بين تخصصي الشريعة والقانون في القضاء السعودي سنحقق مكاسب هامة على المستويين العالمي والمحلي ، منها :-
1/ إظهار شمولية الشريعة الإسلامية ، وصلاحيتها لكل زمانٍ ومكان .
2/ استيعاب أصحاب التخصصات المتوافقة في غاياتها في ذات المجالات المتاحة لمثلهم من أبنائنا .
3/ دعم التخصصات القضائية الشرعية بالخبير القانوني ؛ للاستفادة منه في كشف واستكمال الإجراءات النظامية اللازمة ، وانتقاء أيسر السبل لاتخاذها.
4/ دعم التخصصات القضائية النظامية بالفقيه الشرعي ؛ للاستفادة منه في استيفاء المتطلبات الشرعية المرعية في كل تخصص على حدة .
5/ سد الثغرة النفسية بين التخصصين ؛ لأن كل منهما مكمل للآخر في العملية القضائية .
6/ القضاء على إشكالات دمج كوادر اللجان القضائية وشبه القضائية من رجال القانون مع أقرانهم من القضاة الشرعيين .
= إذا تقرر هذا : فلنا مع تشكيل الدوائر القضائية العدلية فلسفة تترجمها لغة الأرقام ، وبها يتبين لنا الآتي :
أ- لدينا اليوم في المحاكم الابتدائية ثمانمائة مكتب قضائي ، يشغل كل مكتبٍ منها قاضٍ فرد .
ب- إن من اختصاص المجلس الأعلى للقضاء تحديد الدوائر التي يحكم فيها قاضٍ فرد ، والدوائر التي يحكم فيها ثلاثة قضاة ؛ بحسب المواد (19- 23) من نظام القضاء ، وإذا أردنا تحويل المكاتب القضائية الثمانمائة القائمة حالياً في المحاكم الابتدائية العدلية إلى دوائر من ثلاثة قضاة : فسنحتاج إلى تعيين ألفٍ وستمائة قاضٍ جديد ، وسيكون مجموع قضاة المكاتب الحالية تبعاً لذلك : ألفين وأربعمائة قاضٍ .
ج- لو خصَّصنا مقعداً واحداً في كل دائرة من هذه الدوائر القضائية الشرعية لقاضٍ متخصِّصٍ أصلاً في دراسة القانون : لاحتجنا لثمانمائة قاضٍ متخصِّص في القانون لشغل هذه المقاعد .
د- إذا أردنا دعم القضاء العدلي بسبعمائة دائرة ثلاثية جديدة لاستيعاب ودعم التخصصات القضائية الوافدة لها قريباً : فسنحتاج إلى ألفين ومائة مقعد قضائي جديد لشغل التخصصات العمالية والجزائية والتجارية واللجان شبه القضائية .
هـ- أغلب التخصصات القضائية الوافدة تستند في أحكامها إلى النصوص النظامية المستمدة من الأصول والقواعد الشرعية ، وهذا يجعل الحاجة ملحة لأن تكون هذه الدوائر قانونية في الأصل .
و- لو خصَّصنا مقعداً واحداً في كل دائرة من الدوائر القضائية النظامية لقاضٍ شرعيٍ : فإن هذا يعني : أننا سنحتاج إلى ألفٍ وأربعمائة قاضٍ قانونيٍ جديد ، وإلى سبعمائة قاضٍ شرعيٍ جديد .
ز- مما تقدم : سيصبح مجموع الدوائر العاملة في القضاء العدلي ألفاً وخمسمائة دائرة قضائية ، وسيكون نصيب القضاة الشرعيين من مقاعدها ألفين وثلاثمائة مقعد قضائي ، ونصيب أشقائهم القضاة القانونيين منها ألفين ومائتي مقعد قضائي .
ح- إن مجموع هذه الوظائف القضائية لن يزيد على الوظائف القضائية المعتمدة إلا بستمائة وظيفة قضائية فقط .
= فهل إحداث مثل هذا العدد من الوظائف القضائية يكون حائلاً بيننا وبين تحصيل الفوائد الجمة والمكتسبات الرائدة السالف ذكرها ؟.
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?p=36937
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5778 | تأريخ النشر : الأحد 18 ذو القعدة 1432هـ الموافق 16 أكتوبر 2011مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|