نشرت في صحيفة المدينة

حوارات هل يمكن التعريف بهيئة الخبراء والدور الذي تقوم به بالنسبة للأنظمة السعودية ؟

هيئة الخبراء السعودية بدأت بمسمى ( شعبة الخبراء الفنيين ) حيث صدرت الموافقة الملكية الكريمة على نظام مجلس الوزراء في الثاني عشر من شهر رجب عام (1373هـ) ، وتضمنت المادة ( التاسعة عشرة ) منه أن مجلس الوزراء يتكون من عدة شعب ، وكانت الهيئة من ضمنها
وبناء عليه صدر المرسوم الملكي بالموافقة على نظام شعب مجلس الوزراء ، وجاء الباب ( الثالث ) منه خاصاً بشعبة الخبراء ، واشتمل على بيان : تشكيلها ، ومرجعيتها.
وفي الثاني عشر من شهر صفر عام (1394هـ) صدر قرار مجلس الوزراء رقم (168) متضمناً تشكيل شعبة الخبراء ، وكيفية قيامها بعملها ، وتنظيم أوضاعها المالية ، واختصاصاتها .
وفي الثالث من شهر ربيع الأول عام (1414هـ) صدر نظام مجلس الوزراء ( الحالي ) بموجب الأمر الملكي الكريم رقم (أ/13) ، وفيه عُدّل اسم : شعبة الخبراء الفنيين إلى : هيئة الخبراء.
وكان أول رئيس لهيئة الخبراء هو معالي الشيخ/ صالح بن عبد الرحمن الحصين حيث عمل بها في الفترة من 23/10/1394هـ حتى 13/10/1395هـ .
وتتكون هيئة الخبراء من الرئيس ، ونائبه ، ومساعد الرئيس ، والهيئة العامة للخبراء ، والمستشارين ، وعدد من اللجان المتخصصة تشكل بحسب الحاجة ، وكذلك عدد من الإدارات والأقسام ؛ من بينها : الإدارة العامة للتحرير ، والإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية ، والمكتبة ، ومركز الوثائق ، ومركز الحاسب الآلي .
أما الهيئة العامة للخبراء فتتكون من : الرئيس ، ونائبه ، ومساعد الرئيس ، والخبراء ، والمستشارين في الهيئة ، ومهمة الهيئة العامة : دراسة ما يعده أعضاء الهيئة من مذكرات ومحاضر تتعلق بمشروعات الأنظمة واللوائح ووضع قواعد عامة ، وكذلك ما يرى الرئيس عرضه على الهيئة ، ووضع ذلك في الصيغة النهائية ، كما يشارك أعضاء الهيئة ورئيسها في عدد من اللجان الداخلية والخارجية لدراسة موضوعات معينة والاشتراك في اللجان شبه القضائية وحضور المؤتمرات والندوات .
أما مهمات هيئة الخبراء واختصاصاتها المنصوص عليها فهي كالتالي :-
1/ بحث المعاملات التي يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائباه ومجلس الوزراء ولجانه المتفرعة ودراستها.
2/ تحضير مشروعات الأنظمة ، وإعداد الدراسات اللازمة لها , بالاشتراك مع الجهة التي رفعت تلك المشاريع .
3/ مراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها .
4/ دراسة الاتفاقيات والمعاملات ؛ التي تتضمن وضع قواعد عامة ، أو التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية ، أو التي تهم أكثر من جهة حكومية .
5/ وضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية ، وقرارات مجلس الوزراء .
6/ مشاركة الأجهزة الحكومية في دراسة الموضوعات ؛ التي تحال إلى الهيئة من المقام السامي ، أو من مجلس الوزراء ، أو المجالس العليا.
==============================


انتقدت فصل هيئة الخبراء للقضاء الإداري عن القضاء العدلي فما الأسباب؟

في التعريف السابق بالهيئة الموقرة ظهر : أن الهيئة هي التي تقوم بتحضير مشروعات الأنظمة ، مما يعني أنها هي التي قامت بتحضير مشروع نظام ديوان المظالم مفصولاً عن نظام القضاء .
ومعالي الشيخ صالح الحصين هو أول رئيس للهيئة ، وقد ترك العمل في الهيئة بعد سنة واحدة فقط من بداية عمله رئيساً لها ، ولو بقي فيها لما حصل هذا الفصل الذي وصفه معاليه بـ : الشذوذ . في محاضرته التي ألقاها في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 11/2/1431هـ بعنوان : التأهيل القضائي .. رؤية مستقبلية .
حيث قال معاليه : [ فوجئت المملكة العربية السعودية بهجوم التغيير الجذري على الحياة فيها ، ليس فقط فيما يتعلق بمظاهر الحياة المادية كالسلع وطرق التعامل معها ، بل شمل التغيير سلسلة طويلة من العقود والمعاملات المالية : العقود الإدارية ، العقود التجارية ، العقود البحرية ، الأوراق التجارية ، الشركات ، الأسهم السندات ، عقود العمل ، عقود المقاولات ، وتبعاً لذلك تعددت الجهات القضائية بقدر ما يتطلب تنوع هذه العقود والمعاملات ، ولا شك في شذوذ هذا الوضع ؛ فالمعروف أن الدولة الحديثة تراعي دائماً مبدأ وحدة القضاء ، وهذا المبدأ جاء من فلسفة العدل ، إذ الأصل لتحقيق العدل المثالي أن يفصل في الخصومات قاض واحد ، ولكن لما لم يكن هذا الأمر ممكناً عملياً فقد كاف الهدف دائماً وحدة جهة القضاء في البلد ].
==============================


دعوت إلى تحقيق وحدة القضاء، فما المقصود بوحدة القضاء بالنظر لما هو مطبق الآن في نظام الدولة السعودية ؟ وما مزايا التوحيد ؟ وما أشهر الدول التي تأخذ به في العالم ؟

إن فصل القضاء الإداري عن القضاء العدلي لا يستقيم مع المبدأ العالمي الأصيل ( وحدة القضاء ) ، ولا مع النظرة المستقبلية الوجلة لما يمكن أن يكون عليه نوع من أنواع القضاء أريد له أن يكون بمنأىً عن أصله ؛ إذ متى مر القضاء المنفصل بفترات قوةٍ جارفةٍ أمام جهة الإدارة : فسيكون وبالاً على الأمة بأجمعها ، وعلى خططها التنموية ؛ ما دام هذا القضاء المنفصل متحرراً من كل الضوابط التي عليها القضاء العادي كما يفاخر بذلك بعض منسوبيه ، بل قد يكون هذا التحرر المفاخر به سبباً لتغلغل الفساد بين منسوبيه ؛ استناداً إلى ما لديهم من سلطات تقديرية غير محددة .
ومتى مر هذا القضاء المعزول عن أصله بفترات ضعفٍ أمام جهة الإدارة : فسيكون وبالاً على أصحاب الحقوق ؛ بممالأته جهة الإدارة وتطلبه لرغباتها ، ولو لم ترغب منه ذلك ، أو تشعر به منه ، ولكن الضعف والخور متى سيطرا على أي قيادة فإنها تتطلب القوة المفتقدة بالالتصاق بالمستفيد الأقوى من خدماتها .
لذلك كان المخرج من كل هذا هو : إعمال مبدأ وحدة القضاء ، حينذاك لن يكون لجهة الإدارة شأن به إلا عبر المؤسسة القضائية العامة ، ودون الوصول إليه حينئذ خرط القتاد ، ولا يَرِدُ على هذا أن المؤسسة القضائية برمتها قد تمر بمراحل ضعف كسائر مؤسسات الدولة ؛ لأن وصول الضعف إلى المؤسسة القضائية العامة في أي دولة منذر بضعف الدولة واختلال نظامها واقتراب سقوطها ، بخلاف الضعف الجزئي لأحد أفرعها .
ولذلك لم يأخذ بمبدأ الفصل الشاذ هذا من دول أوروبا وأمريكا إلا فرنسا بسبب تفشي الفساد المالي والإداري فيها ، فظهرت الدعوة لفصل القضاء الإداري أواخر القرن التاسع عشر ، ولم يتيسر اكتمال الفصل لدعاته إلا منتصف القرن العشرين بعد الثورة على النظام الملكي هناك وإسقاطه .
وانتقل هذا المبدأ من فرنسا إلى جمهورية مصر العربية ؛ لتشابه الظروف السياسية في الدولتين ، ثم انتقلت نظريته مع المصريين الذين استعانت بهم بعض الدول العربية للعمل فيها مستشارين وخبراء وأكاديميين .
غير أن دولاً مثل : قطر ، والجزائر ، والعراق ظهرت لها عيوب هذا الفصل ، فأطاحوا بهذا المبدأ الشاذ ، والتزموا ما عليه كثير من الأمم في العالم الحديث السالم من ظروف فرنسا العارضة .
==============================


كيف يمكن تحقيق الجمع بين وحدة القضاء وانتهاج القضاء المتخصص ؟

يمكن ذلك بتوحيد المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لكل أنواع الأقضية ، وإفراد كل نوع من أنواع الأقضية الرئيسة بمحاكم متخصصة ، فيكون القضاء الإداري مستقلاً بمحاكمه الابتدائية والاستئنافية وبدوائره الإدارية في المحكمة العليا ، وكذلك القضاء الجزائي والعمالي والتجاري وغيرها مما تحتاجه الأمة ، وهذا هو مدلول المادة التاسعة من نظام القضاء ، وهذا نصها [ ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك ].
ولو تأملنا ما نحن فيه من تشتيت لظهر لنا : أننا وقعنا في خلل غير مغتفر لدى ذوي الحِجا ؛ إذ كيف يوصف المجلس الأعلى للقضاء بأنه الأعلى ؟، وهناك مجلس للقضاء الإداري لا سلطان عليه لهذا المجلس الموصوف بالأعلى ، بل الواقع يقول إن لمجلس القضاء الإداري نفوذ ظاهر في ما يسمى بـ : المجلس الأعلى للقضاء بوجود رئيس القضاء الإداري عضواً في ما يسمى بـ : المجلس الأعلى ، في الوقت الذي لا وجود لمن يمثل المجلس الأعلى للقضاء في مجلس القضاء الإداري ، ولا علاقة له به ، ولا بأعماله ، ولا بسياساته الداخلية على الإطلاق .
وعلى هذا فالأحق أن يوصف بأنه الأعلى هو المجلس الذي له سلطة ممتدة إلى المجلس الآخر ، لا العكس ، فهل أدرك القوم أننا نكتفي بكيل الأوصاف المجردة عن الحقائق ؟، فأرضونا بوصف مجلسنا بالأعلى ، وهو في الحقيقة أدنى من أخيه الأصغر وأقل درجة !!!.
لابد من دمج المجلسين في بعضهما ، وكذا المحكمتين العلياوين ، وليكن رئيسا هما من شاؤوا ؛ فلن نكون بأعلم من أهل الرأي والحل والعقد ، المهم : أن تتوحد المؤسسة القضائية تحت مظلة واحدة .
==============================


ناديت بتقنين الأحكام القضائية غير أنك أكدت على ضرورة أن يكون هناك إلزام بالتقنين فما مفهوم "الإلزام بالتقنين" ؟ وما مزايا الإلزام بالتقنين بالنسبة لمعالجة إشكالات واقع القضاء السعودي ؟ وما عيوب التقنين بلا إلزام ؟

التقنين والإلزام خاض فيهما كثير من علمائنا وقضاتنا وفقهائنا على ثلاثة مذاهب :-
- فمنهم : من لم يرهما معاً ، فلا تقنين ولا إلزام ؛ سداً لذريعة الحكم بغير ما أنزل الله بزعمهم .
- ومنهم : من يرى التقنين فقط لتقريب الحكم للقاضي ، دون أن يلزم القاضي بالحكم بالمادة المقننة ؛ حتى لا يكون الإلزام سبباً في سد باب الاجتهاد ، وهؤلاء أرحم ممن سبقهم ، غير أن الذي يمكن أن يقال لهؤلاء : ما فائدة التقنين مع وجود آلاف الكتب الفقهية في جميع المذاهب ، ومع تواكب بحث المسائل القضائية عبر الأطاريح العلمية لنيل الشهادات العليا الفقهية في الجامعات العربية والإسلامية والعالمية .
- فهل الأمة بحاجة لملء أرفف المكتبات بأطنان الأوراق ؛ للاطلاع المجرد فقط ؟.
- وهل الحياة اليوم بجميع أطيافها وشواغلها ونوازلها تتيح للقاضي والمفتي والفقيه التبحر في أحكام كل مسألة على حدة ؟.
- وهل الناس بحاجة - أكثر مما هم يعانونه اليوم - إلى تأخير البت في قضاياهم ؛ بسبب انشغال القاضي في البحث عن حكم المسألة ، وعدم قدرته على الوصول إليها في بحار الصفحات ، وتلال الكتب ، وفضاءات المعلومات .
- وهل اتصف أهل المال ورجال الأعمال بالشجاعة ، وتركوا صفة الجبن الملازمة لهم ؟؛ حتى يُقدموا على الاستثمار في بلادٍ قانونها غير معلوم تحديداً ، بل هو في رؤوس قضاتها ، وفي كتبٍ لا تكاد تتفق على عشر ما تحويه من أحكام .
لن يُريح القاضي في بحثه عن المسألة غير التقنين ، ولن يُسهِّل على الناس الوصول إلى حقوقهم غير الإلزام بتلك التقنينات ، ولن يُسهم في تطور الحياة التجارية في أي بلاد إلا تقنين تشريعاتهم والإلزام بها .
إن الاقتصاد الذي هو عصب كل أمة لا يهمه بأي شريعة يحكم القاضي ، بقدر ما يهمه أن يحكم القاضي بقانونٍ معلومٍ له ولمستشاريه قبل الإقدام على المخاطرة بالاستثمار في البلاد التي يستهدفها باستثماراته ، وهذا ما جعل الأموال السعودية المهاجرة إلى البلاد المنتظمة في قوانينها ودساتيرها تقارب الثلاثة تريليونات ريال أي ثلاثة ملايين مليون ريال سعودي (3.000.000.000.000) حسب إحصائية حديثة .
فما هو الذنب الذي وقعت فيه بلادنا وأهلها ؟، حتى تهاجر عنها تلك الأموال الطائلة التي نبتت في أرضها ، وأزهرت على ظهرها ، قبل أن تغادرها لتُلقي بثمارها في غير حوضها ؛ مأسوفاً عليها وعلى من هي له أشد الأسف .
إن عدم التقنين والإلزام به هو ما يدعو الشركات الأجنبية المستثمرة في بلادنا إلى اشتراط التحاكم إلى قوانين بلادها ، أو إلى غُرف التجارة في : باريس ، وبيروت ، والبحرين .
- فماذا بقي لنا من السيادة بعد إلجائنا للتقاضي خارج أوطاننا ؟، في خلافاتٍ على استثماراتٍ محل تنفيذها في الداخل الحزين على كرامته وسيادته وماضيه التليد .
==============================


يحتج المعارضون لتقنين الأحكام بأن التقنين سيلغي دور القاضي ويفرغ وظيفته من اختصاصاتها، بالإضافة إلى كونه مقدمة للأخذ بنهج تطبيق القوانين الوضعية فهل هناك ارتباط بين التقنين وهذين الاعتراضين ؟

التقنين لن يُلغي دور القاضي ولن يفرغ وظيفته من اختصاصاتها ، ولا يقول هذا إلا من لديه الوقت الكافي للبحث والاجتهاد في المسائل العارضة ، أما من لا يجد الوقت للحكم في أي قضية إلا بعد أشهر من المعالجات وأسابيع من المشاورات ، فيكفي الناس من أدواره أن يستوفي المرافعة ، ويغنيهم من اختصاصاته أن يستدل على المادة التي يجب عليه الحكم بمضمونها في قضاياهم ، ومن أراد أن يُمارس دوراً غير ذلك فدونه مراكز البحث العلمي والتأليف ، ومن أراد اختصاصاً أمثل من الإسراع في إنجاز قضايا الناس على نحوٍ سليم فلن يجد عبادة خير له من تحري العدل ، ومن العدل : سرعة وسلامة الفصل بين المتقاضين .
ولا ننسى أن كل قانون لا يمكنه الإحاطة بجميع القضايا ولا بمستجداتها ونوازلها ، ولذلك لم يخل قانون من قواعد عامة وُكِلَ تفسيرها وتطبيقها وتقديرها إلى القاضي ، فباب الاجتهاد محفوظ للقاضي بنصوص عامة في جميع القوانين والأنظمة ، بل إن بعض القوانين قد أتاحت للقاضي مخالفتها ؛ متى رأى سبباً وجيهاً لذلك بشرط أن يُسبب لمخالفته نص القانون تسبيباً سليماً واضحا ً ؛ حتى لا يكون لمحكمة الاستئناف قولٌ آخر غير ما يراه القاضي في مخالفته .
أما كون التقنين باباً لتطبيق القوانين الوضعية ، فليست كل القوانين مخالفة لشريعة الإسلام ، ولذلك طبقنا في بلادنا ما ظهر لنا مصلحة من تطبيقها ؛ كما في أنظمة المرور والتأمين والتجارة والمصارف والجمارك والعقوبات والإدارة وغيرها .
وما ظهر لنا معارضته لأحكام الشريعة فقد نبذه رجالنا ومستشارونا في معاركهم التفاوضية مع دول العالم ، فلم يلج إلى بلادنا الكثير من التجارات المحرمة في شريعتنا وإن اتفقت دول العالم على إتاحتها في جميع البلدان ، ولم نلتزم بشيءٍ منها لأي منظمة أو جهة دولية ، بل ألزمنا الأمم قاطبة باحترام أحكام شريعتنا وخصوصية عاداتنا وأعرافنا ، ولن يكون المانعون للتقنين بأشد غيرة على الدين من إخوانهم ؛ الذين ربوا على أرضهم ، ونهلوا من معين العلم الذي درسوه معهم في مدارسهم ، وتربوا على أيدي أناسٍ لا يقلون في الفضل والديانة عمن تربى على أيديهم أولئك المانعون .
فحق المانعين على الجميع شكرهم على غيرتهم ، وأن نحفظ لهم حرصهم وصادق ودهم ، ونقول لهم : لقد وَقَرت الديانة وحب الوطن في قلوب أبنائكم ، فلا تخشوا شيئاً مما يخطر في نفوسكم ، إننا سنحمل أمانة الله عنكم ، وننقاد لشريعة الله معكم ومن بعدكم ، وسيأخذ بعضنا بأيدي بعض ؛ حتى لا يُؤتى الإسلام من قبل أيٍ منا .
ولن نكون - في بيان أحكام النوازل - إلا مثلكم ؛ فقد ظهر لكم جواز أمورٍ كانت من العظائم عند من قبلكم ، وكذلك ل هم بالنسبة لمن سبقهم ، وهكذا يستبين لكل جيلٍ ما لم يظهر لمن قبله ، وكم ترك الأول للآخر !!.
==============================


لماذا تأخر فرض العمل بقانون الأحوال الشخصية بالنسبة للقضاء السعودي على الرغم من إقرار الاسترشاد به لمدة أربع سنوات في إطار دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1417 هـ ؟

ينبغي أن نعلم أن القانون الاسترشادي جهد بشري ، يعتريه ما يعتري كل أعمال بني آدم من النقص والقصور ، والقانون بصورته الحالية سليم من حيث موافقته لأشهر وأرجح الأقوال في مذاهب أهل السنة ، غير أنه لم يستوعب كامل أحكام الأحوال الشخصية ، ففيه نقص ظاهر ، ولعل تأخر فرض العمل به حتى الآن من أجل إتاحة الفرصة لاستدراك ما فات القائمين عليه ، كما أن الظروف السياسية التي واكبت نهاية المدة المحددة لفرض العمل به كانت سبباً في انشغال الساسة عنه ؛ ليتفرغوا لترتيب البيت الخليجي من الداخل ، وتحصينه من الخارج ، وكل آتٍ قريب .
==============================


من واقع خبرتك الكبيرة بالعمل القضائي ما مزايا تطبيق قانون الأحوال الشخصية المنتظر إقراره ؟ وكم نسبة من يتحفظ على تطبيقه من بين القضاة السعوديين ؟

لا يمكن الجزم بوجود من يتحفظ على تطبيق القانون من بين القضاة السعوديين أصلاً ، فضلاً عن إمكان الوقوف على نسبتهم من بين مجموع القضاة في السعودية ، ولا يجب إغفال ما عليه القضاة في بلادنا من ثقافةٍ واسعةٍ وسعةِ أفقٍ ونظرٍ ثاقبٍ للأمور تجعلهم يدركون محاسن الشيء ومساوءه ، ويوازنون بين سلبيات وإيجابيات ما يُعرض عليهم ، ويدينون بالولاء والطاعة لولاة أمرهم الذين لن يُقدموا إلا على ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة في كل أمرٍ من أمور رعاياهم .
أما مزايا قانون الأحوال الشخصية فكثيرة ، منها الآتي :-
1/ جمع محاكم الخليج على قولٍ واحدٍ في أحكام أحوالهم الشخصية ، فلن نرى اختلافاً بين المحاكم الحنبلية والمالكية بعد اليوم ، وهما المذهبان السائدان في الخليج العربي .
2/ اطلاع الباحثين في جميع دول الخليج على أحكامٍ أسريةٍ موحدة ، للتعامل معها في بحوثهم ودراساتهم الاجتماعية والاقتصادية ، وفي التخطيط السليم لكثيرٍ من أبواب التنمية في بلادهم .
3/ سيكون الناس على درايةٍ من أمرهم فيما لهم وعليهم ، فيسهل على طالب الحق معرفة حقوقه ، ويسهل على القاضي البت في قضاياه ، ويسهل على المحامي معرفة ما لموكله وما عليه .
4/ سيعمل تطبيق القانون في جميع دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة الترابط بين رعايا دول الخليج ، وعلى الاندماج فيما بينهم بشكلٍ أكبر وأقوى ترابطاً من ذي قبل .
5/ سيكون توحيد القانون سبباً في تيسير تنفيذ أحكامه في جميع دول الخليج ، وإن كانت الحكم صادراً من دولة غير الدولة المسؤولة عن التنفيذ .
6/ سيكون للتعاون القضائي مجالٌ أرحب بين دول المجلس في باب الأحوال الشخصية ؛ لكون القانون المطبق واحداً ، فلا خلاف ولا اختلاف .
==============================


ذكرت أن استقلال القضاء وحيادية القاضي مطلبان هامان لتحقيق العدالة فما تقديرك لواقع استقلال القضاء السعودي وحيادية القضاة ؟

القضاء السعودي يتمتع باحترام القيادة وأفراد المجتمع ، وله استقلالية لا يخشى انتهاكها من غير أهلها ، فلا تزال الأوامر السامية الكريمة تتوالى بالتأكيد على احترام رجال القضاء وأحكامهم النهائية ، وتؤكد على تنفيذها متى اكتسبت الصفة القطعية ، ولن يؤتى استقلال القضاء إلا من قيادته ، فمتى ضعفت القيادة القضائية في أي بلد فإن استقلاله سيختل لا محالة ، وكذا لو تعسفت القيادة القضائية في سياستها ؛ بحيث يخاف القاضي من سطوتها ، أو يخشى من فوات بعض حقوقه ؛ كما في تأخير الترقيات المستحقة ، أو التعرض له بما يضر به وبأفراد أسرته ؛ كما في النقل التأديبي .
والمخرج من هذا هو سن الأنظمة المحددة لصلاحيات القيادة ، ومراقبتها في تطبيقاتها ، وجعل جهة محايدة للنظر في التظلمات من تعسفاتها .
أما الحياد المطلوب من القاضي فهو متوافر - بحمد الله - في القاضي السعودي ، يساعده على ذلك ما حظي به من تربيةٍ صالحةٍ في أسرته ، وما تلقاه من تعليمٍ دينيٍ مكثفٍ في جميع مراحل دراسته ، ورقابةٍ ذاتيةٍ يخشى بها من هتك أستاره في الدنيا والآخرة ، ورقابة مجتمعه الذي لن يرحمه لو اقترف ذنباً أو زلت به قدمه ، فسيكون عاراً على أهله ومن له علاقة به .
ومن فضل الله تعالى : لم يقع من القضاة في مخالفات تتنافى مع الحياد المطلوب إلا نسبة ضئيلة كان الله لها بالمرصاد ، فأراح الله منهم البلاد والعباد ، وتلك سنةٌ كونيةٌ قدرية ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ) ، ولاشك أن تحيُّز القاضي من أبشع الظلم وأقبح البغي . نسأل الله السلامة
==============================


دعوت إلى ضرورة إنشاء المحكمة المالية فما دوافعك في طرح هذه الدعوة ؟

الدوافع إلى الدعوة إلى إنشاء المحكمة المالية كثيرة ، منها :-
1/ جمع شتات اللجان القضائية المتقاربة في تخصصاتها تحت مظلة محكمة واحدة ، بدلاً عن تشرذمها وتفرقها ؛ مثل : اللجان المصرفية والتأمينية والجمركية والسوق المالية والأوراق التجارية .
2/ الاستعداد لاستيعاب تخصصات قضائية قادمة ، سيكون على الجهة المختصة إحداث جهة معنية للنظر في خلافاتها ؛ مثل : قضايا التمويل ، والرهن العقاري .
3/ السبق إلى العناية بهذا التخصص القضائي الهام بمثل هذه الشمولية الرائدة .
4/ توحيد المرجعية في تلك التخصصات المالية مدعاة لانضباط عملها وتكوين مبادئها .
5/ التهيئة للاندماج الكامل ضمن المؤسسة القضائية العامة على نحوٍ ميسر .
==============================


أشرت إلى أن الشتات القضائي في المملكة قد بلغ حتى منتصف هذا العام قريبا من المائة لجنة قضائية فما طبيعة اللجنة القضائية ؟ وما أسباب تشتتها ؟ وما علاقتها بوزارة العدل ؟

اللجان القضائية لا علاقة لها بوزارة العدل ، بل هي لجان لها اختصاص قضائي ؛ إداري ، أو تجاري ، أو جزائي تفرقت في عدد من الدوائر الحكومية ؛ حتى صار تكوين اللجنة القضائية أسهل على الدائرة المعنية من استجداء المؤسسة القضائية للعمل بأنظمتها وتعليماتها .
وقد سبق لي أن أوضحت سبب حدوث هذه اللجان في مقالة نشرتها عام 1427هـ في صحيفة الاقتصادية ، بعنوان : جمع الشمل القضائي ، ونص المقصود منها : [ ومن اللائق : معرفة السبب في حدوثها على غير العادة في تنظيمات الدول الحديثة .
ولو تأملنا واقعنا المعاصر الذي أحدث نقلةً حضاريةً جبارةً في بلادنا خلال خمسة عقودٍ فقط : لوجدنا أننا قد استطعنا فيها - بحمد الله - مسايرةَ دولٍ عايشت الحضارة أكثر من مائتي عامٍ ، فكانت - بحقٍ - نقلةً نوعيةً وعدديةً ؛ وإن كانت قد أحدثت ارتباكاً واضحاً ، وأفرزت صراعاً نفسياً ومعنوياً ؛ إلا أنَّ القيادةَ - بفضل الله أولاً ، ثم بسعة أفق رموزها - استطاعت أن تسيطر على الوضع الانتقالي ، وأن تقود سفينة الدولة والمجتمع إلى شواطئ الأمن والأمان .
لقد واجه مؤسسُ هذه الدولة المباركة - صقرُ الجزيرة الملكُ عبد العزيز بنُ عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله - فِتَنَاً وأزماتٍ وصعاباً ؛ ما كان لغيره أن ينجوَ منها ، وما كان له أن يسلمَ من آثارها ؛ لولا إيمانٌ صادقٌ ونيةٌ صالحةٌ - نحسبه كذلك - مصحوبان بعزيمةٍ نافذةٍ وبصيرةٍ ثاقبةٍ شَهِدَ بها الأعداءُ قبل الأصدقاء ، فحفظ الله لجلالته ما حَبَاه إياه من نِعَمٍ وخيرات ، وحفظ الله بجلالته من ولاه الله أمرهم وَقَلَّدَ في عنقه أمانتهم .
وَصَدَقَ الحَقُّ حيث قال { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } ، وحيث قال سبحانه { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا } .
ولمسايرة الأحداث ومواكبة التطورات ، لم يكن هناك مجالٌ للوقوف والتأمل والمراجعة بعد انطلاق السباق الأممي ؛ لأنَّ ذلك مدعاةٌ لابتعاد المتسابقين ، وضياعِ الفرصة للنهوض بالأمة والفوزِ بما يمكن به القيامُ بشؤون الدولة وحقوقِ الرعية ؛ مواطنين ومقيمين ، بل إنَّه سيكون سبباً في تَخَلُّفِ الدولةِ عن المشاركة في تضميد جراح المسلمين في جميع أقطار الدنيا .
هذه الهمومُ أدركتها القيادةُ العليا بفطرتها السياسية ، وتأخرت المؤسسةُ القضائية عن تَصَوُّرِهَا مدةً اضطرت الدولةُ خلالها أن تترك الفرصةَ متاحةً لهم للتفكير والتأمل وزيادة التصور والتحليل ؛ دون أن تُوقِفَ عقاربَ الساعة حتى إنجاز المطلوب ، فأحدثت الحكومةُ جهاتٍ ( للفَصْلِ والتسوية ) تقوم باللازم ريثما يستقر الأمر .
كان ذلك حلاً مؤقتاً عند طروء المعضلة الأولى ، والثانية ، والثالثة ، ثم أصبح الوضعُ لا يَحتمل تضييعَ الوقت حتى في طرح السؤال ، فصارت النظمُ تُفرضُ كلما احتاج الناس إليها ، ويُذكر فيها لجانُ الفصل في مخالفاتها ؛ ما دام قد تَقَرَّرَ كونها مرفوضةً سلفاً من قِبَلِ القيادات القضائية ، حتى اجتمع من هذه النتوءات في كيانِ السلطة القضائية العددُ المذكورُ أعلاه وربما أكثرُ منه ] .
==============================


ما مبلغ شعورك بالرضا عن الضوابط القائمة في نظام المحكمة الجزائية ؟ وهل تراها كافية لتحقيق عدالة المحاكمات الجزائية ؟

أتابع ما ينشر في الصحف من مشاهدات رجال الإعلام لوقائع تلك المحاكمات ومشاهداتهم لصالات المحاكمة ، وما تحويه من وسائل حديثة تُسَهِّلُ على المتهمين معرفة ما يُنسب إليهم من تهم ، وما يُستند إليه في توجيه تلك التهم ؛ بنظرهم إلى طريقة رصد أقوالهم ويشاركون في صياغتها ، وما نقلوه من أن بعض المتهمين : طلب توكيل محامٍ عنه على نفقة وزارة العدل فلبَّت المحكمة طلبه ، وأن منهم : من طلب أن يترافع بنفسه فمكَّنته المحكمة الجزائية المتخصصة من طلباته ، حتى أن المحكمة استجابت لمن يطلب من المتهمين الاحتفاظ بسرية محاكمته ، فتصرف رجال الإعلام عن القاعة ، ليعودوا بعد ذلك إلى القاعة وقت محاكمة من لا يمانع من حضورهم محاكمته .
وكل ذلك : مما يبعث على الشعور بالفخر بتلك المحكمة ، وما تطبقه من مبادئ تحقيق العدالة ، وما تراعيه من ضوابط للمحاكمات العادلة المتفق عليها دولياً .
والذي نأمله أن تتحقق تلك المزايا في جميع الجهات القضائية بحسب اختصاصاتها وما تتميز به عن بعضها ، والأمل معقود في مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء ، فبه نأمل أن تمتد يد الإصلاحات الإجرائية إلى جميع المهام القضائية ، وأن يصل التطوير في المباني ومرافقها وتجهيزاتها إلى جميع المحاكم ، وأهم من كل ذلك : تطوير قدرات القضاة وأعوانهم بتكثيف البرامج التدريبية المتخصصة .
==============================


من واقع تجربتك في القضاء ما مدى الحاجة إلى إنشاء محكمة دستورية ضمن نظام القضاء السعودي ؟

إن المحكمة الدستورية - بالنسبة للسلطة القضائية - درة تاجها وواسطة عقدها ، وهي أعلى هيئة قضائية في جميع دول العالم ، وليست درجةً عليا من درجات التقاضي ؛ فهي لا تُعنى بنظر القضايا السابق الحكم فيها لدى المحاكم الابتدائية والاستئناف ، كما أنها ليست جهةَ تدقيقٍ لما يصدر من المحاكم العليا أو محاكم النقض .
والهدف من إنشاء المحاكم الدستورية في دول العالم يتلخص في الآتي :-
أولاً/ دعم توجه الدولة إلى تيسير وحماية كافة الحقوق لأفراد المجتمع : مواطنين ، ومقيمين ، وزائرين ؛ بحيث لا يُنتهك أيٌ منها بما يخالف النظام الأساس للحكم أو ما يسمى : الدستور .
ثانياً/ مساعدة الجهات ذات العلاقة بتلك الحقوق في توضيح أيِّ غموضٍ يكتنف ما لديها من تعليمات وأنظمة ؛ وإزالة كل ما يعترض طريق أي دائرة حكومية نحو تحقيق مصالح العامة .
ثالثاً/ مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية : أن للحكومة الاستعانة بالمحكمة في إجازة النظم والقوانين الجديدة قبل اعتمادها ؛ حتى لا تفاجأ الحكومات بإلغاء قوانينها لعدم توافقها مع الدستور العام ، فينشأ من تطبيقاتها المعيبة مسؤوليات تعويضية قد ترهق كاهلها ؛ خصوصاً : مع ضعف تأهيل الجهات التشريعية والتنظيمية فيها .
رابعاً/ مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية : أن من مهام المحكمة البت في دعاوى المخالفات والطعون الانتخابية لأعضاء السلطة التشريعية ؛ كمجالس الشعب والأمة والبرلمانات .
وهذه الأمور تعزز القول بأن إحداث المحكمة الدستورية من أهم الأمور التي ينبغي العناية بها من الجهة التنظيمية في بلادنا ، فهي من الضرورات لدى جميع الأمم ، ولن نكون في غنىً عن مثلها ، ومن العيب أن يسبقنا إلى إحداثها ثلاث عشرة دولة عربية ؛ منها دول متقدمة في الجانب القانوني ، ودول أقل توجهاً في هذا الجانب ، وهذه المجموعة الرائدة هي : جميع الدول العربية في قارة أفريقيا ، إضافة إلى دولتي لبنان وفلسطين من بلاد الشام ، والعراق والكويت والبحرين من دول الخليج العربي ، وبلاد اليمن السعيد .
وليس من بين هذه الدول من هو في مثل قدرات المملكة العربية السعودية المادية ، ولا كلها في مثل إمكاناتها البشرية والعلمية .
==============================


ما أسباب التأخير في الأخذ بنظام المحكمة الدستورية في القضاء السعودي إلى الآن بحسب رأيك ؟

كانت المحاكم الدستورية أول أمرها من أنواع الترف القضائي ، تستعرض بها الدول المتقدمة على من دونها ، فلما أدركت الدول أهمية هذا الاختصاص في ضبط مصالح الرعية سارعت تباعاً إلى إعداد الكفاءات اللازمة للاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة ، ووفرت لهم الإمكانات المطلوبة لتسهيل مهماتهم ، وعملت على تطوير قدراتهم ؛ ليسايروا بهم الركب الأممي فيما يعزز استقرار دولهم بترسيخ العدالة بشكل متقن .
ونحن اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رائد التطوير في جميع مرافق الدولة ، ومن ذلك : المرفق القضائي ، الذي سيشهد - بحول الله - قفزات كبيرة وواثقة في القريب العاجل .
==============================

ما مدى حماسك لتطبيق نظام المحكمة الدستورية ؟ وما اختصاصاتها ؟

إن القيادة السياسية لبلادنا طموحة لتحقيق أكبر المكاسب التنظيمية على مستوى العالم ، بما يخدم الوطن والمواطن والمقيم في الداخل ، وبما يعود بالخير على الأمة الإسلامية وعلى الدين الإسلامي والدعوة إليه في الخارج ، وعلى رفع مكانة القضاء الشرعي بين قوانين العالم المتحضر ، ومن هذا دأبه وديدنه فلن يتأخر عن اللحاق بركب الحضارات في تحقيق مبادئ العدالة الإلهية ، ولذلك : فأنا واثق من رؤية المحكمة الدستورية السعودية واقعاً مشاهداً في المستقبل القريب بإذن الله تعالى .
والمحاكم الدستورية في العالم تختص دون غيرها من جهات التقاضي بالنظر في الأمور التالية :-
1/ الفصل في دستورية القوانين والأنظمة التي يُقدح فيها بمخالفتها الدستور العام للدولة أو النظام الأساس للحكم ، ومن حقها : الرقابة على جميع الأنظمة والقوانين واللوائح ، وجزءٌ من هذا التخصص داخل في اختصاص المحكمة العليا السعودية بنص المادة (11) من نظام القضاء .
2/ تفسير النصوص القانونية عند الاختلاف فيما تعنيه ، أو فيما يدخل فيها ، أو ما يخرج عنها ؛ لما قد يعتري تلك النصوص من غموضٍ أثناء التطبيق من أي مصلحة حكومية ؛ بحكم اختصار صياغة تلك النصوص وعموم دلالتها ؛ خصوصاً : ما يتعرض منها لحقوق وواجبات واختصاصات سلطات الدولة الثلاث ( القضائية ، التنفيذية ، التشريعية ) .
3/ الفصل في مسائل تنازع وتدافع الاختصاص بين الجهات القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي ، وكذا الفصل في النزاع بشأن تنفيذ الأحكام والقرارات المتعارضة تعارضاً لا مجال معه للجمع بين مدلولاتها ، وهذا الاختصاص مسندٌ - في بلادنا - لِلجنةٍ في المجلس الأعلى للقضاء ؛ بحكم المادة (27) من نظام القضاء .
ومن المناسب : أن تشرف المحكمة الدستورية على إعداد أو تدقيق القانون السعودي عند الموافقة عليه من القيادة العليا .
ومتى اكتمل عقد المحكمة الدستورية السعودية فيحسن أن يوكل إليها - إضافة إلى ما تقدم - إجازة المبادئ القضائية الموكولة إلى المحكمة العليا بحسب المادة (12) من نظام القضاء ؛ لمناسبتها لمهام المحاكم الدستورية ؛ بحكم اختصاصها بالفصل في سلامة القوانين والأنظمة ؛ ولأن المبادئ القضائية المعتمدة في الفصل في القضايا أقرب ما تكون إلى القوانين ، واختزال هذا الاختصاص من المحكمة العليا وكذا سابقه من المجلس الأعلى للقضاء إنما هو من باب الجمع بين المتماثلات ، ولتفريغ تلكما الجهتين مما يُعيِيهِمَا احتماله من بين الاختصاصات المناطة بهما .
وإن محكمة تجمع في اختصاصها كل هذه المهام الجليلة لخليقة بأن تكون المحكمة الدستورية الأولى في العالم .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5031 | تأريخ النشر : الجمعة 30 ذو القعدة 1432هـ الموافق 28 أكتوبر 2011م

طباعة المقال

إرسال المقالة
حوار صحيفة المدينة 1432هـ هل يمكن التعريف بهيئة الخبراء والدور الذي تقوم به بالنسبة للأنظمة السعودية ؟ هيئة الخبراء السعودية بدأت بمسمى ( شعبة الخبراء الفنيين ) حيث صدرت الموافقة الملكية الكريمة على نظام مجلس الوزراء في الثاني عشر من شهر رجب عام (1373هـ) ، وتضمنت المادة ( التاسعة عشرة ) منه أن مجلس الوزراء يتكون من عدة شعب ، وكانت الهيئة من ضمنها وبناء عليه صدر المرسوم الملكي بالموافقة على نظام شعب مجلس الوزراء ، وجاء الباب ( الثالث ) منه خاصا بشعبة الخبراء ، واشتمل على بيان : تشكيلها ، ومرجعيتها. وفي الثاني عشر من شهر صفر عام (1394هـ) صدر قرار مجلس الوزراء رقم (168) متضمنا تشكيل شعبة الخبراء ، وكيفية قيامها بعملها ، وتنظيم أوضاعها المالية ، واختصاصاتها . وفي الثالث من شهر ربيع الأول عام (1414هـ) صدر نظام مجلس الوزراء ( الحالي ) بموجب الأمر الملكي الكريم رقم (أ/13) ، وفيه عدل اسم : شعبة الخبراء الفنيين إلى : هيئة الخبراء. وكان أول رئيس لهيئة الخبراء هو معالي الشيخ/ صالح بن عبد الرحمن الحصين حيث عمل بها في الفترة من 23/10/1394هـ حتى 13/10/1395هـ . وتتكون هيئة الخبراء من الرئيس ، ونائبه ، ومساعد الرئيس ، والهيئة العامة للخبراء ، والمستشارين ، وعدد من اللجان المتخصصة تشكل بحسب الحاجة ، وكذلك عدد من الإدارات والأقسام ؛ من بينها : الإدارة العامة للتحرير ، والإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية ، والمكتبة ، ومركز الوثائق ، ومركز الحاسب الآلي . أما الهيئة العامة للخبراء فتتكون من : الرئيس ، ونائبه ، ومساعد الرئيس ، والخبراء ، والمستشارين في الهيئة ، ومهمة الهيئة العامة : دراسة ما يعده أعضاء الهيئة من مذكرات ومحاضر تتعلق بمشروعات الأنظمة واللوائح ووضع قواعد عامة ، وكذلك ما يرى الرئيس عرضه على الهيئة ، ووضع ذلك في الصيغة النهائية ، كما يشارك أعضاء الهيئة ورئيسها في عدد من اللجان الداخلية والخارجية لدراسة موضوعات معينة والاشتراك في اللجان شبه القضائية وحضور المؤتمرات والندوات . أما مهمات هيئة الخبراء واختصاصاتها المنصوص عليها فهي كالتالي :- 1/ بحث المعاملات التي يحيلها إليها رئيس مجلس الوزراء ونائباه ومجلس الوزراء ولجانه المتفرعة ودراستها. 2/ تحضير مشروعات الأنظمة ، وإعداد الدراسات اللازمة لها , بالاشتراك مع الجهة التي رفعت تلك المشاريع . 3/ مراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها . 4/ دراسة الاتفاقيات والمعاملات ؛ التي تتضمن وضع قواعد عامة ، أو التي تتطلب إصدار مراسيم ملكية ، أو التي تهم أكثر من جهة حكومية . 5/ وضع الصيغ المناسبة لبعض الأوامر السامية والمراسيم الملكية ، وقرارات مجلس الوزراء . 6/ مشاركة الأجهزة الحكومية في دراسة الموضوعات ؛ التي تحال إلى الهيئة من المقام السامي ، أو من مجلس الوزراء ، أو المجالس العليا. ============================== انتقدت فصل هيئة الخبراء للقضاء الإداري عن القضاء العدلي فما الأسباب؟ في التعريف السابق بالهيئة الموقرة ظهر : أن الهيئة هي التي تقوم بتحضير مشروعات الأنظمة ، مما يعني أنها هي التي قامت بتحضير مشروع نظام ديوان المظالم مفصولا عن نظام القضاء . ومعالي الشيخ صالح الحصين هو أول رئيس للهيئة ، وقد ترك العمل في الهيئة بعد سنة واحدة فقط من بداية عمله رئيسا لها ، ولو بقي فيها لما حصل هذا الفصل الذي وصفه معاليه بـ : الشذوذ . في محاضرته التي ألقاها في المؤتمر الذي عقده المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 11/2/1431هـ بعنوان : التأهيل القضائي .. رؤية مستقبلية . حيث قال معاليه : [ فوجئت المملكة العربية السعودية بهجوم التغيير الجذري على الحياة فيها ، ليس فقط فيما يتعلق بمظاهر الحياة المادية كالسلع وطرق التعامل معها ، بل شمل التغيير سلسلة طويلة من العقود والمعاملات المالية : العقود الإدارية ، العقود التجارية ، العقود البحرية ، الأوراق التجارية ، الشركات ، الأسهم السندات ، عقود العمل ، عقود المقاولات ، وتبعا لذلك تعددت الجهات القضائية بقدر ما يتطلب تنوع هذه العقود والمعاملات ، ولا شك في شذوذ هذا الوضع ؛ فالمعروف أن الدولة الحديثة تراعي دائما مبدأ وحدة القضاء ، وهذا المبدأ جاء من فلسفة العدل ، إذ الأصل لتحقيق العدل المثالي أن يفصل في الخصومات قاض واحد ، ولكن لما لم يكن هذا الأمر ممكنا عمليا فقد كاف الهدف دائما وحدة جهة القضاء في البلد ]. ============================== دعوت إلى تحقيق وحدة القضاء، فما المقصود بوحدة القضاء بالنظر لما هو مطبق الآن في نظام الدولة السعودية ؟ وما مزايا التوحيد ؟ وما أشهر الدول التي تأخذ به في العالم ؟ إن فصل القضاء الإداري عن القضاء العدلي لا يستقيم مع المبدأ العالمي الأصيل ( وحدة القضاء ) ، ولا مع النظرة المستقبلية الوجلة لما يمكن أن يكون عليه نوع من أنواع القضاء أريد له أن يكون بمنأى عن أصله ؛ إذ متى مر القضاء المنفصل بفترات قوة جارفة أمام جهة الإدارة : فسيكون وبالا على الأمة بأجمعها ، وعلى خططها التنموية ؛ ما دام هذا القضاء المنفصل متحررا من كل الضوابط التي عليها القضاء العادي كما يفاخر بذلك بعض منسوبيه ، بل قد يكون هذا التحرر المفاخر به سببا لتغلغل الفساد بين منسوبيه ؛ استنادا إلى ما لديهم من سلطات تقديرية غير محددة . ومتى مر هذا القضاء المعزول عن أصله بفترات ضعف أمام جهة الإدارة : فسيكون وبالا على أصحاب الحقوق ؛ بممالأته جهة الإدارة وتطلبه لرغباتها ، ولو لم ترغب منه ذلك ، أو تشعر به منه ، ولكن الضعف والخور متى سيطرا على أي قيادة فإنها تتطلب القوة المفتقدة بالالتصاق بالمستفيد الأقوى من خدماتها . لذلك كان المخرج من كل هذا هو : إعمال مبدأ وحدة القضاء ، حينذاك لن يكون لجهة الإدارة شأن به إلا عبر المؤسسة القضائية العامة ، ودون الوصول إليه حينئذ خرط القتاد ، ولا يرد على هذا أن المؤسسة القضائية برمتها قد تمر بمراحل ضعف كسائر مؤسسات الدولة ؛ لأن وصول الضعف إلى المؤسسة القضائية العامة في أي دولة منذر بضعف الدولة واختلال نظامها واقتراب سقوطها ، بخلاف الضعف الجزئي لأحد أفرعها . ولذلك لم يأخذ بمبدأ الفصل الشاذ هذا من دول أوروبا وأمريكا إلا فرنسا بسبب تفشي الفساد المالي والإداري فيها ، فظهرت الدعوة لفصل القضاء الإداري أواخر القرن التاسع عشر ، ولم يتيسر اكتمال الفصل لدعاته إلا منتصف القرن العشرين بعد الثورة على النظام الملكي هناك وإسقاطه . وانتقل هذا المبدأ من فرنسا إلى جمهورية مصر العربية ؛ لتشابه الظروف السياسية في الدولتين ، ثم انتقلت نظريته مع المصريين الذين استعانت بهم بعض الدول العربية للعمل فيها مستشارين وخبراء وأكاديميين . غير أن دولا مثل : قطر ، والجزائر ، والعراق ظهرت لها عيوب هذا الفصل ، فأطاحوا بهذا المبدأ الشاذ ، والتزموا ما عليه كثير من الأمم في العالم الحديث السالم من ظروف فرنسا العارضة . ============================== كيف يمكن تحقيق الجمع بين وحدة القضاء وانتهاج القضاء المتخصص ؟ يمكن ذلك بتوحيد المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة العليا لكل أنواع الأقضية ، وإفراد كل نوع من أنواع الأقضية الرئيسة بمحاكم متخصصة ، فيكون القضاء الإداري مستقلا بمحاكمه الابتدائية والاستئنافية وبدوائره الإدارية في المحكمة العليا ، وكذلك القضاء الجزائي والعمالي والتجاري وغيرها مما تحتاجه الأمة ، وهذا هو مدلول المادة التاسعة من نظام القضاء ، وهذا نصها [ ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم متخصصة أخرى بعد موافقة الملك ]. ولو تأملنا ما نحن فيه من تشتيت لظهر لنا : أننا وقعنا في خلل غير مغتفر لدى ذوي الحجا ؛ إذ كيف يوصف المجلس الأعلى للقضاء بأنه الأعلى ؟، وهناك مجلس للقضاء الإداري لا سلطان عليه لهذا المجلس الموصوف بالأعلى ، بل الواقع يقول إن لمجلس القضاء الإداري نفوذ ظاهر في ما يسمى بـ : المجلس الأعلى للقضاء بوجود رئيس القضاء الإداري عضوا في ما يسمى بـ : المجلس الأعلى ، في الوقت الذي لا وجود لمن يمثل المجلس الأعلى للقضاء في مجلس القضاء الإداري ، ولا علاقة له به ، ولا بأعماله ، ولا بسياساته الداخلية على الإطلاق . وعلى هذا فالأحق أن يوصف بأنه الأعلى هو المجلس الذي له سلطة ممتدة إلى المجلس الآخر ، لا العكس ، فهل أدرك القوم أننا نكتفي بكيل الأوصاف المجردة عن الحقائق ؟، فأرضونا بوصف مجلسنا بالأعلى ، وهو في الحقيقة أدنى من أخيه الأصغر وأقل درجة !!!. لابد من دمج المجلسين في بعضهما ، وكذا المحكمتين العلياوين ، وليكن رئيسا هما من شاؤوا ؛ فلن نكون بأعلم من أهل الرأي والحل والعقد ، المهم : أن تتوحد المؤسسة القضائية تحت مظلة واحدة . ============================== ناديت بتقنين الأحكام القضائية غير أنك أكدت على ضرورة أن يكون هناك إلزام بالتقنين فما مفهوم "الإلزام بالتقنين" ؟ وما مزايا الإلزام بالتقنين بالنسبة لمعالجة إشكالات واقع القضاء السعودي ؟ وما عيوب التقنين بلا إلزام ؟ التقنين والإلزام خاض فيهما كثير من علمائنا وقضاتنا وفقهائنا على ثلاثة مذاهب :- - فمنهم : من لم يرهما معا ، فلا تقنين ولا إلزام ؛ سدا لذريعة الحكم بغير ما أنزل الله بزعمهم . - ومنهم : من يرى التقنين فقط لتقريب الحكم للقاضي ، دون أن يلزم القاضي بالحكم بالمادة المقننة ؛ حتى لا يكون الإلزام سببا في سد باب الاجتهاد ، وهؤلاء أرحم ممن سبقهم ، غير أن الذي يمكن أن يقال لهؤلاء : ما فائدة التقنين مع وجود آلاف الكتب الفقهية في جميع المذاهب ، ومع تواكب بحث المسائل القضائية عبر الأطاريح العلمية لنيل الشهادات العليا الفقهية في الجامعات العربية والإسلامية والعالمية . - فهل الأمة بحاجة لملء أرفف المكتبات بأطنان الأوراق ؛ للاطلاع المجرد فقط ؟. - وهل الحياة اليوم بجميع أطيافها وشواغلها ونوازلها تتيح للقاضي والمفتي والفقيه التبحر في أحكام كل مسألة على حدة ؟. - وهل الناس بحاجة - أكثر مما هم يعانونه اليوم - إلى تأخير البت في قضاياهم ؛ بسبب انشغال القاضي في البحث عن حكم المسألة ، وعدم قدرته على الوصول إليها في بحار الصفحات ، وتلال الكتب ، وفضاءات المعلومات . - وهل اتصف أهل المال ورجال الأعمال بالشجاعة ، وتركوا صفة الجبن الملازمة لهم ؟؛ حتى يقدموا على الاستثمار في بلاد قانونها غير معلوم تحديدا ، بل هو في رؤوس قضاتها ، وفي كتب لا تكاد تتفق على عشر ما تحويه من أحكام . لن يريح القاضي في بحثه عن المسألة غير التقنين ، ولن يسهل على الناس الوصول إلى حقوقهم غير الإلزام بتلك التقنينات ، ولن يسهم في تطور الحياة التجارية في أي بلاد إلا تقنين تشريعاتهم والإلزام بها . إن الاقتصاد الذي هو عصب كل أمة لا يهمه بأي شريعة يحكم القاضي ، بقدر ما يهمه أن يحكم القاضي بقانون معلوم له ولمستشاريه قبل الإقدام على المخاطرة بالاستثمار في البلاد التي يستهدفها باستثماراته ، وهذا ما جعل الأموال السعودية المهاجرة إلى البلاد المنتظمة في قوانينها ودساتيرها تقارب الثلاثة تريليونات ريال أي ثلاثة ملايين مليون ريال سعودي (3.000.000.000.000) حسب إحصائية حديثة . فما هو الذنب الذي وقعت فيه بلادنا وأهلها ؟، حتى تهاجر عنها تلك الأموال الطائلة التي نبتت في أرضها ، وأزهرت على ظهرها ، قبل أن تغادرها لتلقي بثمارها في غير حوضها ؛ مأسوفا عليها وعلى من هي له أشد الأسف . إن عدم التقنين والإلزام به هو ما يدعو الشركات الأجنبية المستثمرة في بلادنا إلى اشتراط التحاكم إلى قوانين بلادها ، أو إلى غرف التجارة في : باريس ، وبيروت ، والبحرين . - فماذا بقي لنا من السيادة بعد إلجائنا للتقاضي خارج أوطاننا ؟، في خلافات على استثمارات محل تنفيذها في الداخل الحزين على كرامته وسيادته وماضيه التليد . ============================== يحتج المعارضون لتقنين الأحكام بأن التقنين سيلغي دور القاضي ويفرغ وظيفته من اختصاصاتها، بالإضافة إلى كونه مقدمة للأخذ بنهج تطبيق القوانين الوضعية فهل هناك ارتباط بين التقنين وهذين الاعتراضين ؟ التقنين لن يلغي دور القاضي ولن يفرغ وظيفته من اختصاصاتها ، ولا يقول هذا إلا من لديه الوقت الكافي للبحث والاجتهاد في المسائل العارضة ، أما من لا يجد الوقت للحكم في أي قضية إلا بعد أشهر من المعالجات وأسابيع من المشاورات ، فيكفي الناس من أدواره أن يستوفي المرافعة ، ويغنيهم من اختصاصاته أن يستدل على المادة التي يجب عليه الحكم بمضمونها في قضاياهم ، ومن أراد أن يمارس دورا غير ذلك فدونه مراكز البحث العلمي والتأليف ، ومن أراد اختصاصا أمثل من الإسراع في إنجاز قضايا الناس على نحو سليم فلن يجد عبادة خير له من تحري العدل ، ومن العدل : سرعة وسلامة الفصل بين المتقاضين . ولا ننسى أن كل قانون لا يمكنه الإحاطة بجميع القضايا ولا بمستجداتها ونوازلها ، ولذلك لم يخل قانون من قواعد عامة وكل تفسيرها وتطبيقها وتقديرها إلى القاضي ، فباب الاجتهاد محفوظ للقاضي بنصوص عامة في جميع القوانين والأنظمة ، بل إن بعض القوانين قد أتاحت للقاضي مخالفتها ؛ متى رأى سببا وجيها لذلك بشرط أن يسبب لمخالفته نص القانون تسبيبا سليما واضحا ؛ حتى لا يكون لمحكمة الاستئناف قول آخر غير ما يراه القاضي في مخالفته . أما كون التقنين بابا لتطبيق القوانين الوضعية ، فليست كل القوانين مخالفة لشريعة الإسلام ، ولذلك طبقنا في بلادنا ما ظهر لنا مصلحة من تطبيقها ؛ كما في أنظمة المرور والتأمين والتجارة والمصارف والجمارك والعقوبات والإدارة وغيرها . وما ظهر لنا معارضته لأحكام الشريعة فقد نبذه رجالنا ومستشارونا في معاركهم التفاوضية مع دول العالم ، فلم يلج إلى بلادنا الكثير من التجارات المحرمة في شريعتنا وإن اتفقت دول العالم على إتاحتها في جميع البلدان ، ولم نلتزم بشيء منها لأي منظمة أو جهة دولية ، بل ألزمنا الأمم قاطبة باحترام أحكام شريعتنا وخصوصية عاداتنا وأعرافنا ، ولن يكون المانعون للتقنين بأشد غيرة على الدين من إخوانهم ؛ الذين ربوا على أرضهم ، ونهلوا من معين العلم الذي درسوه معهم في مدارسهم ، وتربوا على أيدي أناس لا يقلون في الفضل والديانة عمن تربى على أيديهم أولئك المانعون . فحق المانعين على الجميع شكرهم على غيرتهم ، وأن نحفظ لهم حرصهم وصادق ودهم ، ونقول لهم : لقد وقرت الديانة وحب الوطن في قلوب أبنائكم ، فلا تخشوا شيئا مما يخطر في نفوسكم ، إننا سنحمل أمانة الله عنكم ، وننقاد لشريعة الله معكم ومن بعدكم ، وسيأخذ بعضنا بأيدي بعض ؛ حتى لا يؤتى الإسلام من قبل أي منا . ولن نكون - في بيان أحكام النوازل - إلا مثلكم ؛ فقد ظهر لكم جواز أمور كانت من العظائم عند من قبلكم ، وكذلك ل هم بالنسبة لمن سبقهم ، وهكذا يستبين لكل جيل ما لم يظهر لمن قبله ، وكم ترك الأول للآخر !!. ============================== لماذا تأخر فرض العمل بقانون الأحوال الشخصية بالنسبة للقضاء السعودي على الرغم من إقرار الاسترشاد به لمدة أربع سنوات في إطار دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1417 هـ ؟ ينبغي أن نعلم أن القانون الاسترشادي جهد بشري ، يعتريه ما يعتري كل أعمال بني آدم من النقص والقصور ، والقانون بصورته الحالية سليم من حيث موافقته لأشهر وأرجح الأقوال في مذاهب أهل السنة ، غير أنه لم يستوعب كامل أحكام الأحوال الشخصية ، ففيه نقص ظاهر ، ولعل تأخر فرض العمل به حتى الآن من أجل إتاحة الفرصة لاستدراك ما فات القائمين عليه ، كما أن الظروف السياسية التي واكبت نهاية المدة المحددة لفرض العمل به كانت سببا في انشغال الساسة عنه ؛ ليتفرغوا لترتيب البيت الخليجي من الداخل ، وتحصينه من الخارج ، وكل آت قريب . ============================== من واقع خبرتك الكبيرة بالعمل القضائي ما مزايا تطبيق قانون الأحوال الشخصية المنتظر إقراره ؟ وكم نسبة من يتحفظ على تطبيقه من بين القضاة السعوديين ؟ لا يمكن الجزم بوجود من يتحفظ على تطبيق القانون من بين القضاة السعوديين أصلا ، فضلا عن إمكان الوقوف على نسبتهم من بين مجموع القضاة في السعودية ، ولا يجب إغفال ما عليه القضاة في بلادنا من ثقافة واسعة وسعة أفق ونظر ثاقب للأمور تجعلهم يدركون محاسن الشيء ومساوءه ، ويوازنون بين سلبيات وإيجابيات ما يعرض عليهم ، ويدينون بالولاء والطاعة لولاة أمرهم الذين لن يقدموا إلا على ما فيه مصلحة خالصة أو راجحة في كل أمر من أمور رعاياهم . أما مزايا قانون الأحوال الشخصية فكثيرة ، منها الآتي :- 1/ جمع محاكم الخليج على قول واحد في أحكام أحوالهم الشخصية ، فلن نرى اختلافا بين المحاكم الحنبلية والمالكية بعد اليوم ، وهما المذهبان السائدان في الخليج العربي . 2/ اطلاع الباحثين في جميع دول الخليج على أحكام أسرية موحدة ، للتعامل معها في بحوثهم ودراساتهم الاجتماعية والاقتصادية ، وفي التخطيط السليم لكثير من أبواب التنمية في بلادهم . 3/ سيكون الناس على دراية من أمرهم فيما لهم وعليهم ، فيسهل على طالب الحق معرفة حقوقه ، ويسهل على القاضي البت في قضاياه ، ويسهل على المحامي معرفة ما لموكله وما عليه . 4/ سيعمل تطبيق القانون في جميع دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة الترابط بين رعايا دول الخليج ، وعلى الاندماج فيما بينهم بشكل أكبر وأقوى ترابطا من ذي قبل . 5/ سيكون توحيد القانون سببا في تيسير تنفيذ أحكامه في جميع دول الخليج ، وإن كانت الحكم صادرا من دولة غير الدولة المسؤولة عن التنفيذ . 6/ سيكون للتعاون القضائي مجال أرحب بين دول المجلس في باب الأحوال الشخصية ؛ لكون القانون المطبق واحدا ، فلا خلاف ولا اختلاف . ============================== ذكرت أن استقلال القضاء وحيادية القاضي مطلبان هامان لتحقيق العدالة فما تقديرك لواقع استقلال القضاء السعودي وحيادية القضاة ؟ القضاء السعودي يتمتع باحترام القيادة وأفراد المجتمع ، وله استقلالية لا يخشى انتهاكها من غير أهلها ، فلا تزال الأوامر السامية الكريمة تتوالى بالتأكيد على احترام رجال القضاء وأحكامهم النهائية ، وتؤكد على تنفيذها متى اكتسبت الصفة القطعية ، ولن يؤتى استقلال القضاء إلا من قيادته ، فمتى ضعفت القيادة القضائية في أي بلد فإن استقلاله سيختل لا محالة ، وكذا لو تعسفت القيادة القضائية في سياستها ؛ بحيث يخاف القاضي من سطوتها ، أو يخشى من فوات بعض حقوقه ؛ كما في تأخير الترقيات المستحقة ، أو التعرض له بما يضر به وبأفراد أسرته ؛ كما في النقل التأديبي . والمخرج من هذا هو سن الأنظمة المحددة لصلاحيات القيادة ، ومراقبتها في تطبيقاتها ، وجعل جهة محايدة للنظر في التظلمات من تعسفاتها . أما الحياد المطلوب من القاضي فهو متوافر - بحمد الله - في القاضي السعودي ، يساعده على ذلك ما حظي به من تربية صالحة في أسرته ، وما تلقاه من تعليم ديني مكثف في جميع مراحل دراسته ، ورقابة ذاتية يخشى بها من هتك أستاره في الدنيا والآخرة ، ورقابة مجتمعه الذي لن يرحمه لو اقترف ذنبا أو زلت به قدمه ، فسيكون عارا على أهله ومن له علاقة به . ومن فضل الله تعالى : لم يقع من القضاة في مخالفات تتنافى مع الحياد المطلوب إلا نسبة ضئيلة كان الله لها بالمرصاد ، فأراح الله منهم البلاد والعباد ، وتلك سنة كونية قدرية ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم ) ، ولاشك أن تحيز القاضي من أبشع الظلم وأقبح البغي . نسأل الله السلامة ============================== دعوت إلى ضرورة إنشاء المحكمة المالية فما دوافعك في طرح هذه الدعوة ؟ الدوافع إلى الدعوة إلى إنشاء المحكمة المالية كثيرة ، منها :- 1/ جمع شتات اللجان القضائية المتقاربة في تخصصاتها تحت مظلة محكمة واحدة ، بدلا عن تشرذمها وتفرقها ؛ مثل : اللجان المصرفية والتأمينية والجمركية والسوق المالية والأوراق التجارية . 2/ الاستعداد لاستيعاب تخصصات قضائية قادمة ، سيكون على الجهة المختصة إحداث جهة معنية للنظر في خلافاتها ؛ مثل : قضايا التمويل ، والرهن العقاري . 3/ السبق إلى العناية بهذا التخصص القضائي الهام بمثل هذه الشمولية الرائدة . 4/ توحيد المرجعية في تلك التخصصات المالية مدعاة لانضباط عملها وتكوين مبادئها . 5/ التهيئة للاندماج الكامل ضمن المؤسسة القضائية العامة على نحو ميسر . ============================== أشرت إلى أن الشتات القضائي في المملكة قد بلغ حتى منتصف هذا العام قريبا من المائة لجنة قضائية فما طبيعة اللجنة القضائية ؟ وما أسباب تشتتها ؟ وما علاقتها بوزارة العدل ؟ اللجان القضائية لا علاقة لها بوزارة العدل ، بل هي لجان لها اختصاص قضائي ؛ إداري ، أو تجاري ، أو جزائي تفرقت في عدد من الدوائر الحكومية ؛ حتى صار تكوين اللجنة القضائية أسهل على الدائرة المعنية من استجداء المؤسسة القضائية للعمل بأنظمتها وتعليماتها . وقد سبق لي أن أوضحت سبب حدوث هذه اللجان في مقالة نشرتها عام 1427هـ في صحيفة الاقتصادية ، بعنوان : جمع الشمل القضائي ، ونص المقصود منها : [ ومن اللائق : معرفة السبب في حدوثها على غير العادة في تنظيمات الدول الحديثة . ولو تأملنا واقعنا المعاصر الذي أحدث نقلة حضارية جبارة في بلادنا خلال خمسة عقود فقط : لوجدنا أننا قد استطعنا فيها - بحمد الله - مسايرة دول عايشت الحضارة أكثر من مائتي عام ، فكانت - بحق - نقلة نوعية وعددية ؛ وإن كانت قد أحدثت ارتباكا واضحا ، وأفرزت صراعا نفسيا ومعنويا ؛ إلا أن القيادة - بفضل الله أولا ، ثم بسعة أفق رموزها - استطاعت أن تسيطر على الوضع الانتقالي ، وأن تقود سفينة الدولة والمجتمع إلى شواطئ الأمن والأمان . لقد واجه مؤسس هذه الدولة المباركة - صقر الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله - فتنا وأزمات وصعابا ؛ ما كان لغيره أن ينجو منها ، وما كان له أن يسلم من آثارها ؛ لولا إيمان صادق ونية صالحة - نحسبه كذلك - مصحوبان بعزيمة نافذة وبصيرة ثاقبة شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء ، فحفظ الله لجلالته ما حباه إياه من نعم وخيرات ، وحفظ الله بجلالته من ولاه الله أمرهم وقلد في عنقه أمانتهم . وصدق الحق حيث قال { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور } ، وحيث قال سبحانه { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } . ولمسايرة الأحداث ومواكبة التطورات ، لم يكن هناك مجال للوقوف والتأمل والمراجعة بعد انطلاق السباق الأممي ؛ لأن ذلك مدعاة لابتعاد المتسابقين ، وضياع الفرصة للنهوض بالأمة والفوز بما يمكن به القيام بشؤون الدولة وحقوق الرعية ؛ مواطنين ومقيمين ، بل إنه سيكون سببا في تخلف الدولة عن المشاركة في تضميد جراح المسلمين في جميع أقطار الدنيا . هذه الهموم أدركتها القيادة العليا بفطرتها السياسية ، وتأخرت المؤسسة القضائية عن تصورها مدة اضطرت الدولة خلالها أن تترك الفرصة متاحة لهم للتفكير والتأمل وزيادة التصور والتحليل ؛ دون أن توقف عقارب الساعة حتى إنجاز المطلوب ، فأحدثت الحكومة جهات ( للفصل والتسوية ) تقوم باللازم ريثما يستقر الأمر . كان ذلك حلا مؤقتا عند طروء المعضلة الأولى ، والثانية ، والثالثة ، ثم أصبح الوضع لا يحتمل تضييع الوقت حتى في طرح السؤال ، فصارت النظم تفرض كلما احتاج الناس إليها ، ويذكر فيها لجان الفصل في مخالفاتها ؛ ما دام قد تقرر كونها مرفوضة سلفا من قبل القيادات القضائية ، حتى اجتمع من هذه النتوءات في كيان السلطة القضائية العدد المذكور أعلاه وربما أكثر منه ] . ============================== ما مبلغ شعورك بالرضا عن الضوابط القائمة في نظام المحكمة الجزائية ؟ وهل تراها كافية لتحقيق عدالة المحاكمات الجزائية ؟ أتابع ما ينشر في الصحف من مشاهدات رجال الإعلام لوقائع تلك المحاكمات ومشاهداتهم لصالات المحاكمة ، وما تحويه من وسائل حديثة تسهل على المتهمين معرفة ما ينسب إليهم من تهم ، وما يستند إليه في توجيه تلك التهم ؛ بنظرهم إلى طريقة رصد أقوالهم ويشاركون في صياغتها ، وما نقلوه من أن بعض المتهمين : طلب توكيل محام عنه على نفقة وزارة العدل فلبت المحكمة طلبه ، وأن منهم : من طلب أن يترافع بنفسه فمكنته المحكمة الجزائية المتخصصة من طلباته ، حتى أن المحكمة استجابت لمن يطلب من المتهمين الاحتفاظ بسرية محاكمته ، فتصرف رجال الإعلام عن القاعة ، ليعودوا بعد ذلك إلى القاعة وقت محاكمة من لا يمانع من حضورهم محاكمته . وكل ذلك : مما يبعث على الشعور بالفخر بتلك المحكمة ، وما تطبقه من مبادئ تحقيق العدالة ، وما تراعيه من ضوابط للمحاكمات العادلة المتفق عليها دوليا . والذي نأمله أن تتحقق تلك المزايا في جميع الجهات القضائية بحسب اختصاصاتها وما تتميز به عن بعضها ، والأمل معقود في مشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء ، فبه نأمل أن تمتد يد الإصلاحات الإجرائية إلى جميع المهام القضائية ، وأن يصل التطوير في المباني ومرافقها وتجهيزاتها إلى جميع المحاكم ، وأهم من كل ذلك : تطوير قدرات القضاة وأعوانهم بتكثيف البرامج التدريبية المتخصصة . ============================== من واقع تجربتك في القضاء ما مدى الحاجة إلى إنشاء محكمة دستورية ضمن نظام القضاء السعودي ؟ إن المحكمة الدستورية - بالنسبة للسلطة القضائية - درة تاجها وواسطة عقدها ، وهي أعلى هيئة قضائية في جميع دول العالم ، وليست درجة عليا من درجات التقاضي ؛ فهي لا تعنى بنظر القضايا السابق الحكم فيها لدى المحاكم الابتدائية والاستئناف ، كما أنها ليست جهة تدقيق لما يصدر من المحاكم العليا أو محاكم النقض . والهدف من إنشاء المحاكم الدستورية في دول العالم يتلخص في الآتي :- أولا/ دعم توجه الدولة إلى تيسير وحماية كافة الحقوق لأفراد المجتمع : مواطنين ، ومقيمين ، وزائرين ؛ بحيث لا ينتهك أي منها بما يخالف النظام الأساس للحكم أو ما يسمى : الدستور . ثانيا/ مساعدة الجهات ذات العلاقة بتلك الحقوق في توضيح أي غموض يكتنف ما لديها من تعليمات وأنظمة ؛ وإزالة كل ما يعترض طريق أي دائرة حكومية نحو تحقيق مصالح العامة . ثالثا/ مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية : أن للحكومة الاستعانة بالمحكمة في إجازة النظم والقوانين الجديدة قبل اعتمادها ؛ حتى لا تفاجأ الحكومات بإلغاء قوانينها لعدم توافقها مع الدستور العام ، فينشأ من تطبيقاتها المعيبة مسؤوليات تعويضية قد ترهق كاهلها ؛ خصوصا : مع ضعف تأهيل الجهات التشريعية والتنظيمية فيها . رابعا/ مما نصت عليه بعض النظم الخاصة بالمحاكم الدستورية : أن من مهام المحكمة البت في دعاوى المخالفات والطعون الانتخابية لأعضاء السلطة التشريعية ؛ كمجالس الشعب والأمة والبرلمانات . وهذه الأمور تعزز القول بأن إحداث المحكمة الدستورية من أهم الأمور التي ينبغي العناية بها من الجهة التنظيمية في بلادنا ، فهي من الضرورات لدى جميع الأمم ، ولن نكون في غنى عن مثلها ، ومن العيب أن يسبقنا إلى إحداثها ثلاث عشرة دولة عربية ؛ منها دول متقدمة في الجانب القانوني ، ودول أقل توجها في هذا الجانب ، وهذه المجموعة الرائدة هي : جميع الدول العربية في قارة أفريقيا ، إضافة إلى دولتي لبنان وفلسطين من بلاد الشام ، والعراق والكويت والبحرين من دول الخليج العربي ، وبلاد اليمن السعيد . وليس من بين هذه الدول من هو في مثل قدرات المملكة العربية السعودية المادية ، ولا كلها في مثل إمكاناتها البشرية والعلمية . ============================== ما أسباب التأخير في الأخذ بنظام المحكمة الدستورية في القضاء السعودي إلى الآن بحسب رأيك ؟ كانت المحاكم الدستورية أول أمرها من أنواع الترف القضائي ، تستعرض بها الدول المتقدمة على من دونها ، فلما أدركت الدول أهمية هذا الاختصاص في ضبط مصالح الرعية سارعت تباعا إلى إعداد الكفاءات اللازمة للاضطلاع بتلك المهمة الخطيرة ، ووفرت لهم الإمكانات المطلوبة لتسهيل مهماتهم ، وعملت على تطوير قدراتهم ؛ ليسايروا بهم الركب الأممي فيما يعزز استقرار دولهم بترسيخ العدالة بشكل متقن . ونحن اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رائد التطوير في جميع مرافق الدولة ، ومن ذلك : المرفق القضائي ، الذي سيشهد - بحول الله - قفزات كبيرة وواثقة في القريب العاجل . ============================== ما مدى حماسك لتطبيق نظام المحكمة الدستورية ؟ وما اختصاصاتها ؟ إن القيادة السياسية لبلادنا طموحة لتحقيق أكبر المكاسب التنظيمية على مستوى العالم ، بما يخدم الوطن والمواطن والمقيم في الداخل ، وبما يعود بالخير على الأمة الإسلامية وعلى الدين الإسلامي والدعوة إليه في الخارج ، وعلى رفع مكانة القضاء الشرعي بين قوانين العالم المتحضر ، ومن هذا دأبه وديدنه فلن يتأخر عن اللحاق بركب الحضارات في تحقيق مبادئ العدالة الإلهية ، ولذلك : فأنا واثق من رؤية المحكمة الدستورية السعودية واقعا مشاهدا في المستقبل القريب بإذن الله تعالى . والمحاكم الدستورية في العالم تختص دون غيرها من جهات التقاضي بالنظر في الأمور التالية :- 1/ الفصل في دستورية القوانين والأنظمة التي يقدح فيها بمخالفتها الدستور العام للدولة أو النظام الأساس للحكم ، ومن حقها : الرقابة على جميع الأنظمة والقوانين واللوائح ، وجزء من هذا التخصص داخل في اختصاص المحكمة العليا السعودية بنص المادة (11) من نظام القضاء . 2/ تفسير النصوص القانونية عند الاختلاف فيما تعنيه ، أو فيما يدخل فيها ، أو ما يخرج عنها ؛ لما قد يعتري تلك النصوص من غموض أثناء التطبيق من أي مصلحة حكومية ؛ بحكم اختصار صياغة تلك النصوص وعموم دلالتها ؛ خصوصا : ما يتعرض منها لحقوق وواجبات واختصاصات سلطات الدولة الثلاث ( القضائية ، التنفيذية ، التشريعية ) . 3/ الفصل في مسائل تنازع وتدافع الاختصاص بين الجهات القضائية والإدارية ذات الاختصاص القضائي ، وكذا الفصل في النزاع بشأن تنفيذ الأحكام والقرارات المتعارضة تعارضا لا مجال معه للجمع بين مدلولاتها ، وهذا الاختصاص مسند - في بلادنا - للجنة في المجلس الأعلى للقضاء ؛ بحكم المادة (27) من نظام القضاء . ومن المناسب : أن تشرف المحكمة الدستورية على إعداد أو تدقيق القانون السعودي عند الموافقة عليه من القيادة العليا . ومتى اكتمل عقد المحكمة الدستورية السعودية فيحسن أن يوكل إليها - إضافة إلى ما تقدم - إجازة المبادئ القضائية الموكولة إلى المحكمة العليا بحسب المادة (12) من نظام القضاء ؛ لمناسبتها لمهام المحاكم الدستورية ؛ بحكم اختصاصها بالفصل في سلامة القوانين والأنظمة ؛ ولأن المبادئ القضائية المعتمدة في الفصل في القضايا أقرب ما تكون إلى القوانين ، واختزال هذا الاختصاص من المحكمة العليا وكذا سابقه من المجلس الأعلى للقضاء إنما هو من باب الجمع بين المتماثلات ، ولتفريغ تلكما الجهتين مما يعييهما احتماله من بين الاختصاصات المناطة بهما . وإن محكمة تجمع في اختصاصها كل هذه المهام الجليلة لخليقة بأن تكون المحكمة الدستورية الأولى في العالم .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع